علم النفس والعمليات المعرفية
المؤلف: كاظم محسن الكعبي
التصنيف: علوم التربية
عرض PDFالوصف:
كاظم محسن الكعبي، علم النفس والعمليات المعرفية، دار المربد للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 2021، بغداد.
المقدمة
يعد علم النفس المعرفي أحد فروع علم النفس الذي يدرس الأسس المعرفية، إذ إنه علم تكوين المعلومات وتناولها لدى الفرد، وغالباً ما تكون المعرفة هي موضوع اهتمام هذا الفرع، لأن حاجة الفرد للوصول إلى الهدف تجعله دائماً يبحث ويستطلع ويكتشف وكل ذلك يسمى بالمعرفة وهي المظلة لجميع العمليات المعرفية العليا خزنها ثم يسترجعها عند الحاجة هو علم النفس المعرفي الذي يتعامل مع عمليات حصول الفرد على المعلومات وكيفية تمثيلها وتحويلها إلى معرفة وكيفية تخزينها وطريقة استعمالها في توجيه النشاط الإنساني، لذا فهو يتضمن مدى واسعاً من العمليات العقلية كالإحساس والإدراك والانتباه والتعلّم والذاكرة وتكوين المفاهيم والتخيل واللغة والذكاء وعمليات النمو المعرفي وغيرها، إذ يعرف هذا العلم بعلم معالجة المعلومات لأنه يمس جميع جوانب النشاط الإنساني إشكاله المختلفة ، وإن موضوع علم النفس المعرفي هو الدراسة العلمية للكيفية التي نكتسب بها معلوماتنا عن العالم المحيط بنا، وكيف تتمثل هذه المعلومات وتتحول في النهاية إلى علم ومعرفة، وكيف يتم تخزين هذه المعلومات في الذاكرة واسترجاعها عند الحاجة إليها، وكيف يمكن استخدام هذه المعلومات وتوظيفها في إثارة انتباهنا وسلوكنا بما يخدم الحياة الإنسانية.
لذلك جاءت فكرة هذا الكتاب الذي يصلح لطلبة البكالوريوس، ويشكل مرجعاً أساسياً لطلبة الدراسات العليا ولكل من له اهتمام في مجال علم النفس المعرفي بل لكل فئات المجتمع المهتم ، ومحاولاً ايضاً إستعراض أكبر عدد ممكن من
الصفحة 1
الموضوعات المعاصرة في علم النفس المعرفي، لذلك لجأ المؤلف في كتابه هذا إلى عدد كبير من أمهات الكتب المتخصصة ،والحديثة إضافة إلى الإطلاع على ما هومتوفر في الدوريات العلمية المتخصصة في هذا المجال، وتوفير عدد من المراجع التي يمكن للطلبة الرجوع إليها للإستزادة والتعمق، وخصوصاً لأغراض البحث العلمي.
الصفحة 2
الفصل الأول: علم النفس المعرفي (نظرة تاريخية)
يعد علم النفس المعرفي علماً قديماً بجذوره التاريخية الصلبة، وعلماً حديثاً بقضاياه المعاصرة في الطرح والتحدي للكثير من القضايا التي تهم الإنسان، وتعد كتابات بعض الفلاسفة اليونانيين أمثال أرسطو وأفلاطون بمثابة الأسس الفلسفية لعلم النفس المعرفي ، إذ ناقشوا موضوعات مثل طبيعة المعرفة وأصولها وطرائق الوصول إليها كما تناولوا طرق الاستدلال ومحتويات العقل وموضوعات أخرى تشكل جوهر اهتمام علم النفس المعرفي المعاصر مثل الإدراك والذاكرة والتعلم.
ويرى أفلاطون أن المعرفة فطرية موجودة في العقل وليست مكتسبة ودور التعلم و تسهيل ظهورها والكشف عنها، أما بالنسبة للذاكرة فقد قدم أفلاطون نظرية النسخ أو الشمعية، إذ شبه المخ بقطعة شمعية تختلف في حجمها ومرونتها باختلاف الأفراد، بحيث تنطبع عليها مدركات الفرد، وانه كلما طال وقت الاحتفاظ بهذه الانطباعات تحسن إدراك الفرد لها لأن انطباعها على سطح الطبقة الشمعية يصبح أكثر وضوحاً.
وهكذا نجد أن المعلومات التي تكون مطبوعة بشكل واضح يتم تذكرها بسهولة، أما المعلومات التي تمحى أثارها عن الطبقة الشمعية فيمكن نسيانها مما يدل على أن أفكار أفلاطون حول المعرفة ومكونات العقل والذاكرة تشكل نواة الأسس الفلسفية للاتجاه المعرفي في علم النفس، ويرى أرسطو أن الملاحظة واستعمال الحواس هي السبيل للوصول إلى المعرفة، حيث تشكل الملاحظة الحسية
الصفحة 5
في نظره الأداة، التي تستخدم في اكتساب المعرفة الصادقة وتطويرها، كما ركز على دور البيئة وأهمية الخبرة في تطوير العقل وزيادة محتوياته.
أما ديكارت فقد اهتم بمعضلة علاقة الجسد بالنفس وعد العقل مسؤولاً عن الاحساس والذاكرة بينما عدَ الجسد جهازا فيزيائيا له وظائف جسدية محددة كالهضم والدورة الدموية والتنفس، بينما خالف جون لوك ديكارت عندما أكد أن المعرفة مصدرها الخبرة وليس الفطرة لأن عقل الإنسان يولد كصفحة بيضاء تضاف إليه المعلومات من خلال الخبرة والتفاعل مع البيئة.
وإن البداية التاريخية الحقيقية لعلم النفس المعاصر تعود لعام (1879) عندما أسس وليم (فونت أول مختبر لعلم النفس التجريبي وقد كان جل اهتمامه في موضوعاته عن العمليات العقلية، وقد اقتصرت منهجية دراساته على منهج الاستبطان، كما تحمس لدراسة العمليات الشعورية ومبدأ مراقبة الذات وكذلك (ادوارد تتشنر الذي عمل مع فونت كان متحمسا كثيراً إلى منهج الاستبطان حيث قام بدراسات عن الوعي والإحساس والتصورات والمشاعر وقد أطلق على هذا الاتجاه اسم الحركة البنائية لكن فيما بعد ظهر علماء نفس انتقدوا منهج الاستبطان وصاروا يحاولون دراسة المعرفة والعمليات المعرفية من خلال إتباع المنهج التجريبي ومنهم العالم (ابنجهاوس) الذي قام بدراسة العمليات العقلية باستخدام أساليب موضوعية فالمعرفة لديه هي مجموعة ارتباطات تكتسب عن طريق الخبرة، وقد حاول اكتشاف القواعد التي تتشكل على أساسها هذه الارتباطات.
أما في بداية القرن العشرين ونتيجة لعدم فاعلية الاستبطان في دراسة العمليات العقلية والنتائج المتعارضة التي تم التوصل إليها، فقد مهد الطريق إلى ظهور ثورة سلوكية حدثت عام (1920) إذ هاجم (واطسن) وآخرون الاستبطان وكل
الصفحة 6
المفاهيم المتعلقة بالعمليات العقلية فقد ركزوا على دراسة السلوك الظاهري بدون تحليل للعمليات العقلية الكامنة خلف هذا السلوك، وقد ألغى الاتجاه السلوكي عدة مفاهیم كالوعي والإحساس والإدراك والتصور والتفكير والانفعال، وقد استبعدت المدرسة السلوكية العمليات العقلية لسببين هما:
الأول: إن التنبؤ والتحكم بالسلوك لا يحتاج إلى وجود عمليات عقلية داخلية معقدة .
والثاني: يتمثل بزعم السلوكيين بأن استعمال المعرفيين للعمليات المعرفية لتفسير السلوك يعود لاستنتاجات خاطئة لأنه يلمح إلى أن العمليات المعرفية هي سبب السلوك وهذا غير صحيح لأنه الأمور الفيزيائية وحدها مثل المثيرات الخارجية هي التي تسبب السلوك وان الاعتقاد بأن العمليات المعرفية هي أسباب السلوك هو شكل من أشكال الازدواجية، لكن المدرسة السلوكية واجهت ردود أفعال معارضة تمثلت بتيار الجشطلت ومن علماءه كوهلر وكوفكا وورثيمر وقد كان انطلاقهم النظري من فكرة مبدئية تقول إن الكل أكبر من مجموع الأجزاء ويتسامى عليها، وان خصائص الكل لايمكن أن تنحصر أو تختزل في خصائص أجزائه.
ومهما يكن من أمر فأن زيادة الاهتمام بالاتجاه المعرفي قد يعود إلى أفكار (تولمان) حول تعلم الخرائط المعرفية على الرغم من انتمائه إلى السلوكيين الجدد فقد أشار إلى أن التعلم عملية معرفية وليس عملية تعزيز وهكذا نجد أن العمليات العقلية تعتمد في إطار علم النفس المعرفي في جوهرها على المعرفة، وإذا كان علماء النفس المعرفي يجمعون بوضوح بين جوانب كل من الحركة الوظيفية في علم النفس بتأكيدها على العمليات العقلية، وعلم الجشطالت في تأكيده على عمليات
الصفحة 7
الإدراك والتفكير وحل المشكلات والسلوكية في تأكيدها على الطرائق الموضوعية فان الاتجاه المعرفي قد برز وتمثل في البحث فيما يتصوره الناس، وطريقة تفكيرهم وأسلوب إدراكهم للأشياء، والوسيلة التي يصلون بها إلى ذلك ومن هذا نجد أن الفروق بالسلوك الاجتماعي بين الأفراد يعود للفروق في بنائهم المعرفي.
ومنذ الخمسينات من القرن الماضي نما علم النفس المعرفي نمواً سريعاً، وكان صدور كتاب علم النفس المعرفي من تأليف ألريك) نيسر (1967) حدثاً مهماً في تطور هذا العلم وأضفى الشرعية على هذا الاتجاه، وتناول فيه مواضيع الانتباه والإدراك واللغة والذاكرة والتفكير كما أن صدور مجلة علم النفس المعرفي عام (1970) أعطى تعريفا محددا لهذا العلم، وهكذا نجد أن علم النفس المعرفي يتضمن مدى واسعاً من العمليات العقلية ابتداءً من الإحساس والإدراك والتعلم والذاكرة وما ورائياتها وتكوين المفاهيم والتفكير والتخيل وهو بذلك يمس جميع أنواع النشاط الإنساني بمختلف أشكاله وعلى هذا الأساس يكون موضوع علم النفس المعرفي هو الدراسة العلمية للكيفية التي نكتسب بها معلوماتنا عن العالم المحيط بنا، وكيف تتمثل هذه المعلومات وتتحول في النهاية إلى علم ومعرفة، وكيف يتم تخزين هذه المعلومات في الذاكرة واسترجاعها عند الحاجة إليها، وكيف يمكن استخدام هذه المعلومات وتوظيفها في إثارة انتباهنا وسلوكنا بما يخدم الحياة الإنسانية ، لذلك في علم النفس المعرفي الكثير من العمليات العقلية المتمثلة بالاحساس والادراك والتعلم والتذكر والذاكرة وعمليات العقلية العليا كالتفكير والتخيل ومن هذه المنطلقات يدخل علم النفس في جميع مجالات الحياة من خلال الفهم وادراك معنى الحياة ومواقفها.
الصفحة 8
اهتمامات علم النفس المعرفي
يهتم علم النفس المعرفي بدراسة كل هذه العمليات النفسية: الانتباه، والإدراك، والتخيل والتعرف والتذكر، وتكوين المفاهيم أو صياغتها، والتفكير، واللغة والذكاء والانفعالات والإبداع وتجهيز المعلومات، والبنية المعرفية، وما وراء المعرفة، ويتناول بالدراسة والبحث مختلف مجالات السلوك الإنساني.
وأيضاً يهتم بمحاولة التعرف على الحقائق الكافية عن نظام الذاكرة، فالعامل الحاسم في أي نجاح يرتبط بالتعلم، أو العمل، أو الأنشطة الاجتماعية، هو الطريقة التي نسترجع بها المعلومات والعلاقات والعمليات من الذاكرة، وتطبيق ما يتم استرجاعه وتوظيفه من أجل الوصول إلى أشياء جديدة مبتكرة ملائمة للحياة، إذ أن الذاكرة تلعب دوراً حاسماً وفعالاً في كل جديد يتوصل إليه الفرد، وحلوله للمشكلات التي تواجهه بالصورة التي يرضى بها الفرد عن نفسه ويخدم من خلالها نفسه والآخرين في المجتمع.
وإنَّ الاهتمام بالنشاط المعرفي للفرد والعمليات العقلية كان مدار بحث عبر عصور التاريخ منذ أيام أفلاطون وأرسطو حتى عصرنا الحاضر، لا بل يعتقد الكثير من علماء النفس أن علم النفس المعرفي قد ولد معرفياً من حيث القضايا التي تناولها عند استقلاله. ويبحث في العمليات المعرفية المختلفة كالانتباه والإدراك والتذكر والتخزين والتفكير وحل المشكلات وغيرها من حيث وظائفها، وطبيعتها، وأسلوب عملها، لتتكامل معاً في نظام معرفي معقد.
وقد حاول العلماء أمثال (نيسر Nisser واندرسون Anderson وستيرنبرغ Sternberg) على مر العصور فهمه وتبسيطه لمساعدة الناس على فهم بعضهم
الصفحة 9
البعض، وتوجيه عمليات التعلم والإنجاز ، لا بل مساعدتهم في جميع مجالات الحياة المختلفة، لقد میز الله تعالى الإنسان على بقية الكائنات الحية التي خلقها بقدرات معرفية متطورة، ولغة بشرية خص بها الإنسان وحده ليضع أمامه تحد آخر ليفهم أخاه الانسان من حيث طرق تفكيره واتخاذه لقراراته وليساعدنا على تنمية قدراته إلى أقصى مستوى ممكن.
ويعد علم النفس المعرفي ذلك المجال العلمي في السيكولوجية الذي ينطلق من فرضية أن التفكير هو صيرورة في معالجة المعلومات ويعود أصل تسمية هذا المجال من السيكولوجية إلى مفهوم المعرفة الذي يحيل على آليات النشاط الذهني، ويهتم المنظور المعرفي بدراسة وظيفة الذكاء وأصل المعارف والاستراتيجيات المعرفية المستعملة في الاستيعاب والتذكر واستثمار المعارف ومعالجة المعلومات في الذاكرة واللغة، وذلك من خلال وظيفة الدماغ وقد نشأ هذا الاتجاه في السيكولوجية في ظل الثورة المعرفية التي انطلقت في منتصف القرن العشرين، بحيث تمخض عنها ظهور مجموعة من الحقول المعرفية التي أصبحت تتخذ المعرفة موضوعاً لها، وتحددت هذه الحقول المعرفية في الذكاء الاصطناعي واللسانيات والعلوم العصبية وفلسفة العقل فضلاً عن علم النفس المعرفي في هذا السياق إذن برز كمسعى جديد يهتم بدراسة النشاطات العقلية الداخلية للفرد بالأساس، وذلك في تقابل مع الخارجية الخاضعة للملاحظة المباشرة، وهي النشاطات التي شكلت كلاسيكياً معنى السلوك، حيث انتقلت السيكولوجية مع المنظور المعرفي من دراسة السلوك القابل للملاحظة والقياس إلى الاهتمام بمشكلات نفسية مختلفة تتعلق أساساً بالأنشطة العقلية وآليات الاشتغال الذهني.
الصفحة 10
ولقد تجاوز علم النفس المعرفي الاتجاه السلوكي الذي كان ينحصر فقط دراسة السلوك القابل للملاحظة والقياس اعتماداً على المنهج التجريبي، ذلك أن المنظور الجديد أوجد لنفسه انشغالات واهتمامات سيكولوجية أخرى كان ينظرإليها في عرف السلوكية من قبيل الموضوعات الميتافيزيقية والغامضة غير أن هذه الموضوعات "الغامضة" بدأت تنال حظها من الاهتمام والدراسة والبحث النفسي مع المنظور المعرفي الذي دشن نوعاً من الانفتاح سواء على مستوى الموضوع أو المنهج فعلم النفس المعرفي "يتحدد من خلال الإشكاليات والقضايا التي يعالجها، والمتمثلة عموماً في تلك النشاطات العقلية الداخلية للفرد كالانتباه والإدراك ومعالجة المعلومات وتخزينها وتمثلها والقدرة على استرجاعها عند الحاجة والاستراتيجيات المعرفية التي يستخدمها الفرد عموماً والمتعلم بشكل خاص في صيرورة تعلمه واكتسابه للمعرفة، إلى غير ذلك من الآليات والميكانيزمات التي يقوم بها الفرد خلال تفاعله واحتكاكه مع الوسط الخارجي، هذه المناشط الداخلية لها أهمية كبيرة في تحديد سلوك الفرد ذلك أن المقاربة المعرفية تنطلق من فكرة تفيد وجوب فاعلية الحالات الذهنية، فمن خلال مضامين هذه الحالات الشعورية وتجلياتها يمكن تفسير التصرفات الإنسانية.
وفي مرحلة لاحقة عن المدرسة السلوكية أتت المدرسة المعرفية في التعلم والتي ترى أن التعلم هو عملية عقلية والمتمثل في استخدام الذاكرة، والدافعية والتفكير وان الانعكاسات تلعب دور رئيس في التعلم والمعرفيون يرون أن التعلم عملية داخلية، وأن محتوى التعلم يكون بقدر سعة وعمق معالجة المعلومات لدى المتعلم وعلى بنية المعلومات لديه وتتميز المدرسة المعرفية في التعلم بالخصائص التالية:
الصفحة 11
- التعلم هو تغير في حالة الإدراك والمعرفة.
- تحقق المعرفة يوصف بأنه نشاط عقلي يستلزم الترميز والبنية العقلية الداخلية عند المتعلم.
-المتعلم ينظر إليه كمشارك نشط في عملية التعلم.
- التركيز في بناء قوالب المعرفة (على سبيل المثال التعرف على المتطلبات السابقة للمحتوى الذي يتم تعلمه التركيز على البناء والتنظيم والترتيب لتسهيل المعالجة المثلى للمعلومات.
- التركيز على كيفية التذكر، والاسترجاع والتخزين للمعلومات في الذاكرة.
- التعلم يرى على انه عمليه نشطة والتي تتم من خلال المتعلم والتي يمكن أن تتأثر بالمتعلم.
- مخرجات التعلم لا تعتمد فقط على ما يقدم المعلم ولكن على ما يفعله المتعلم من سلوكيات لغرض معالجة المعلومات.
الصفحة 12
الفصل الثاني: النظريات المعرفية
اولاً : - نظرية بياجيه - Theore Piaget )التطور والارتقاء المعرفي)
قدم العالم السويسري (جان بياجيه) 1896-1982 نظريته في التطور أو الارتقاء المعرفي بعد أن كرس مع أتباعه كثيرا من الجهد والوقت حول موضوع النمو التكيفي في البناء العقلي وموضوع نشوء المفاهيم وتصنيفها وتكوينها وتعلمها والتطورات العقلية الأساسية وارتقائها عند الطفل وتطبيقاتها التربوية في الحياة الاجتماعية والتربوية. ويعتقد (بياجيه) بأن النمو المعرفي ما هو الا تغيير في التراكيب العقلية البنية المعرفية، اذ ان الطفل يولد ولديه اتجاهان فطريان هما:- (التنظيم) و(التكيف وهما خاصيتان فطريتان تعودان الى النمو الشمولي الكلي للفرد، وعلى ذلك فان كل ما يعرفه الفرد ويستطيع عمله ويريد عمله فيعمله في كل مرحلة من مراحل نموه ويميل إلى أن يكون على درجة كبيرة من التنظيم والتكامل.
ويرى (بياجيه) ان النمو المعرفي يسير حسب أربعة مراحل عمرية ولكل واحدة خصائصها المميزة وهي:-
1ا-لمرحلة الحسية الحركية (من الولادة - سنتين)
وفيها يصبح الطفل على وعي تدريجي بالعلاقة بين أفعاله ونتائجها على البيئة، ويكون تدريجيا قادر على التعرف على الأشياء ويتحرك نحوها بشكل مقصود، ويجعل الحوادث المثيرة تستمر فترة أطول مثل هز الخرخيشة)، ويتعلم أن
الصفحة 15
الموضوعات تستمر في وجودها حتى إن لم تستمر وجودها وهذا ما يسمى بـ (ثبات الموضوعات)، إن التطور المعرفي في هذه المرحلة ينشأ عندما يلعب الطفل في البيئة حيث يتعرف على البيئة من حوله من خلال حواسه بالدرجة الأولى، فالطفل اليافع يبدأ حياته بمجموعة من الأرتكاسات الموروثة والمخططات التي يتم تطويرها واتحادها مع غيرها لتكوين سلوك اكثر تعقيدا مع نهاية هذه المرحلة فان الاطفال يبدأون باكتساب نظام رمزي مثل اللغة ولكن لا يوجد لديهم إدراك لثبات الأشياء.
2- مرحلة ما قبل العمليات (2-7 سنوات)
وتقسم الى مرحلتين هما مرحلة ما قبل المفاهيم (2-4) سنوات، ومرحلة التفكير الحدسي (4-7) سنوات وفي هذه المرحلة يلاحظ على تفكير الأطفال انه تفكير متمركز حول الذات فهم يرون الأشياء من منظورهم الخاص ويعجزون عن فهم وجهات النظر الأخرى، ويسيطر على استجابتهم الأشياء مظاهرها الخارجية وانطباعاتهم البصرية عنها أكثر من الإدراك العقلي.
اما مرحلة التفكير الحدسي التي تمتد من (4-7) سنوات، حيث يبدأ الطفل بتكوين بعض الصور الذهنية، إلا إن عمليات التفكير لازالت قبل الإجرائية أي إنها لاتقوم على أساس استخدام المعاني الكلية أو الألفاظ المجردة، إذ إن الطفل يدرك فيها العلاقات المكانية بين الموضوعات إلا انه لايستطيع إدراك فكرة العلة والمعلول.
الصفحة 16
3 -مرحلة العمليات الحسية (7-11سنة)
ان هذه المرحلة تتحدد ببداية عمليات التفكير العملي، اي ان الطفل يكتسب خطوات التفكير المنطقي (العمليات) والتي يمكن تطبيقها على مواقف حسية، ويستعمل الطفل في هذه المرحلة اللغة بأسلوب موثوق به على الرغم من استناده الى المحسوسات ويبدأ التعامل مع المسائل بصورة نظامية ويكتسب مهارات حفظ الاشياء وبقاءها
4 مرحلة العمليات المجردة (12 فما فوق)
ويطلق عليها بمرحلة العمليات المجردة او الشكلية (Formal Operations) لان الفرد خلالها يصبح قادر على التفكير بالعمليات العقلية المنطقية، اذ يفكر الفرد في هذه المرحلة في المجردات ويعلل بناء الفرضيات، ويعزل عناصر المشكلة ويعالج بانتظام ويضع الحلول الممكنة ويصبح مهتما بالأمور الفرضية والمستقبلية والمشكلات الايديولوجية، ان قدرات الفرد الخاصة بنوعية التفكير تصل الى ذروتها عند اكتساب العمليات الشكلية، فبعد هذه الفترة لن تكون ثمة تحسينات بنيوية أخرى في الجهاز المعرفي (المخططات) فالفرد في هذه المرحلة يمتلك بشكل عام بناءا معرفيا يتيح له التفكير كالراشدين وهذا لا يعني إن تفكير المراهق الشكلي هو بالضرورة نفس جودة تفكير الراشد في جميع الحالات، ولابد ان ننوه الى ان (بياجيه) يشير إلى إن التغيرات في قدرات التفكير تكون تغيرات كمية لا نوعية فبنى الذكاء لا تتحسن بعد هذه الفترة ولكن محتوى ووظيفة الذكاء قد يتحسنان لأنهما يكونان بعد هذه الفترة أكثر تحررا.
الصفحة 17
ويؤكد (بياجيه) ان حدوث الارتقاء المعرفي يتم بأربعة مفاهيم أساسية وهي:
1. التمثيل:- ويشير مفهوم التمثيل إلى الطريقة التي يستعملها الفرد أثناء بناء مشكلة ما في البيئة والتمثل عملية عقلية موجبة يحو لقدرته للتعامل مع بواسطتها المتعلم المواضيع المدركة الجديدة او الأحداث المثيرة إلى مخططات أو نموذجات سلوكية.
2. المواءمة: تعني عملية خلق مخططات جديدة، أو تحوير المخططات هذه العملية تغييرا أو ارتقاء في البنى المعرفية (المخططات) القديمة، وينجم ع وعندما تحدث الموءامة يصبح المتعلم قادرا على أن يتمثل المثير ثانية.
3. المخططات:- وهي البنى المعرفية التي يتكيف بها الأفراد فكريا وينظمون بها بيئاتهم وتكون هذه البنى مقابلة لأساليب التكيف البايلوجية، أي إنها تتكيف وتتغير وفق الارتقاء العقلي وقد استعمل (بياجيه) هذا المصطلح للاستعانة في تفسير سبب ابتداء الأطفال والافراد استجابات ثابتة نوعا ما إزاء المثيرات.
4. التعادل والتوازن: ويقصد بها حالة التعادل أو التوازن المعرفي بين عمليتي التمثيل والمواءمة، فالتمثيل هو تغير كمي في البنى المعرفية، أما المواءمة هي تغير نوعي في البنى المعرفية، وهما عمليتي تناسق وتكامل تراكمي في النمو المعرفي وارتقائه، وبهذا فان عمليتي التمثيل والمواءمة متساوية الأهمية من الارتقاء المعرفي، إذ إن أية تفوق لأحدهما على الأخر سيعد مدمرا لنشاط الفرد الفكري، فالتعادل هو ضروري لتامين التفاعل بين الفرد وبيئته، أماعدمه تعني فقدان الموازنة بينهما، وعندما يختل التعادل يتهيأ للفرد دافع لان ينشد
الصفحة 18
التوازن، أي انه يتمثل أو يواءم بدرجة اكبر وينظر إلى التعادل على انه حالة ضرورية يعمل الفرد لبلوغها بجهد مستمر.
وعلى وفق نظرية (بياجيه) فان التطور المعرفي يحدث في ترتيب منفصل (ترتيب ذو مراحل منفصلة أي بمعنى إن طريقة إدراك الطفل للأشياء أو الأحداث في مراحل محددة تختلف نوعيا عن طريقته في الإدراك او التفكير في مراحل لاحقة، وعليه فان (بياجيه) لا ينظر الى التطور المعرفي على انه تراكم تدريجي للمعرفة أو المهارات وإنما هو سلسلة من التحولات التركيبية أو تغيرات متقطعة ومفاجئة في الطريقة التي يمثل بها الفرد المعرفة، وخلال هذا التمثيل يسكن الطفل عالمين مختلفين نوعيا هما التمييز بين ما تبدو عليه الأشياء وبين ما هي عليه في الحقيقة مما يؤدي إلى تصادم في طريقة الطفل في التفكير، مثلا يحكم على شيء صغير انه اخف من شيء كبير، ثم من خلال التجربة او الاحتكاك مع الأشياء فان رفع الأشياء سوف يقوده الى ان يتفاعل مع خصائص الأشياء، عندها سوف يدرك ان وزن الأشياء لا يتحدد فقط بالحجم ولكن بالمادة المصنوع منها، وفي هذه الحالة يكون الفرد قد خضع لتمثيل معرفي وتغير تركيبي وتطور تفكيري الى مستوى جديد وأعلى وأصبح مختلفا نوعيا عن معرفته المستندة لتمثيل سابق.
وهكذا يرى (بياجيه) ان التطور المعرفي ينشأ من صقل وتحول في التمثيلات تعد حسب رأيه قاعدة بيانات معرفية يستعملها الطفل لتفسير العالم، ويفترض وجود تمثيلات مجردة عامة يمكن ترتيب أفعال عقلية مختلفة فيها. وإضافة لذلك فان (بياجيه) يفرق بين نوعين من التمثيلات :-
اولاً: التمثيلات اللامعرفية : وهي التي تتطور من السنة الاولى من العمر والتي تستند الى ردود فعل غريزية وتبدأ ردود الأفعال هذه بالتغير بصورة بطيئة حالما يبدا
الصفحة 19
الطفل بالتعود على الاختلافات بمعنى انه في دورة الحياة يتحول رد الفعل الى فعل هدفي وموجه مثل (إدراك الرضاعة).
ثانياً :التمثيلات المعرفية :وهي التي تنشأ من عمر 18 شهرا وتتشكل من التمثيلات المعرفية عندما يبدأ الطفل باستعمال الرموز، وهو بذلك يخطو الخطوة الاولى باتجاه العمليات الإدراكية التي تؤدي الى بناء التركيب المعرفية (الإدراك).
ثانياً : - نظرية برونر - Bruner Theory (نظرية التعلم المعرفي)
يعد (برونر) عالما نفسيا واجتماعيا متخصصا في بحوث الادراك، ثم انتقل الى العمليات المعرفية محاولا الكشف عن طبيعتها والتعرف على طرائق تنميتها، وقد تاثر برونر بوجه خاص بالنظرية المعرفية واهتم بعمليات التفكير والاستقصاء وأعدها اهداف تربوية اكثر أهمية من مجرد تجميع معلومات والبرونر) عبارة مشهورة أصبحت شبه بالقول المأثور يقول فيها يمكن تدريس أية مادة بفعالية وبدرجة عالية من الامانة لأية متعلم وفي اي مرحلة من مراحل النمو اذا تم تعليم هذا الموضوع بطريقة سليمة)، فضلا عن ذلك يرى (برونر) ان التغيرات السلوكية والتفكيرية الرئيسية المرتبطة بالعمر هي نتيجة اكتساب انواع جديدة ومرنة وقوية من التمثيل المعرفي. أي إن عملية التمثيل هي من المفاهيم التي أكد عليها (برونر) في نظريته بحيث إنها تلعب دورا رئيسا في عملية النمو المعرفي، ويقصد بالتمثيل أي الطريقة التي يترجم بها او يرى الفرد ما هو موجود حوله في البيئة.
وقد افترض (برونر) ثلاثة أنظمة لمعالجة المعلومات والتي من خلالها يفهم الفرد العالم من حوله، ويرى ان الفرد يستجيب لبيئته من خلال العمل والحركة والتصور والإدراك، وأخيرا من خلال اللغة والاستدلال والتفكير الرمزي وتشكل هذه
الصفحة 20
القدرات أساس التمثيلات المعرفية والتي سماها ،برونر بمرحلة التمثيلات العملية، ومرحلة التمثيلات الآيقونية او الصورية ومرحلة التمثيلات الرمزية ويمكن عرض هذه المراحل كما ياتي:-
1 مرحلة التمثيلات العملية : - يشير التمثيل العملي الى تمثل الأحداث الماضية من خلال استجابات حركية مناسبة فعلى سبيل المثال قد يكون الأطفال غير قادرين على وصف الطريق من منازلهم إلى مكان آخر أو تحديد الاتجاهات بدقة ولكنهم يستطيعون ان يرشدونك إلى مكان من خلال طريق سلوكه في وقت سابق، والتعلم بالعمل يكون أفضل طريقة لفهم الفرد لبيئته لما يدركه من اشياء عن طريق التفاعل الحسي المباشر معها.
2. مرحلة التمثيل الآيقوني التصوري -:وفي هذه المرحلة ينمو لدى الطفل إدراك الخبرات التي يتفاعل معها والتي يواجهها عن طريق التصورات البصرية المكانية، اذ تحل الصورة محل تمثيلات العمل والحركة.
3. مرحلة التمثيلات الرمزية:- وينمو في هذا النمط من التعلم، التفكير المصاحب لتطورات اللغة وتعقيداتها عند الطفل، فتأخذ الكلمات تدريجيا مكانها بدلا من التمثيلات الصورية، اذ يتم استعمال اللغة في محاكمة الأمور والتفكير فيها، بحيث يكون الفرد قادرا على صياغة خبراته في رموز لغوية او غير لغوية، ومع تقدم سني عمره يصبح قادرا على صياغة معادلات رياضية ومنطقية، وهذا يشير الى تمكنه من تأليف الأفكار وتخزين المعلومات التي تمثل العالم الخارجي على نحو صحيح والتي يمكن استعادتها بسهولة ويسر.
الصفحة21
ثالثاً : - نظرية فيجوتسكي -Vegotsky Theory نظرية تطور التمثيل المعرفي
يرى (فيجو تسكي) إن اللغة تفيدنا غالبا في توجيه الأفعال العقلانية وتمر العلاقة بين التفكير واللغة بعدد من التغيرات في دورة التطور المعرفي وجعل الأداءات (الأفعال ذاتية من خلال اللغة والكلام، لذلك فان مستوى التمثيل للاداء يرتفع إلى المستوى الرمزي.
ويتفق (فيجوتسكي) مع (بياجيه) في إن العملية الذهنية (التفكيرية) تقوم على تمثيل أداء (فعل) مبطن، ولكنه يختلف مع (بياجيه) فيما يتعلق بالدور الذي تلعبه اللغة في جعل الفعل ذاتيا، في حين نرى نرى فيجوتسكي) يتفق مع (برونر) في ان التعلم يجب ان يسبق التطور وليس من مهمة التعليم ان يرافق مستوى التطور الحقيقي للتمثيل ولكن مهمته أن يعالج المساحة بين الحد الأعلى للتمثيل (اي ما يستطيع الطفل أن يفعله باستقلالية وبين الحد الأدنى للتمثيل (أي ما يستطيع الطفل أن يفعله بمساعدة الآخرين).
ويبين فيجو تسكي مستويين للتمثيل المعرفي :-
1. مستوى التطور الحقيقي للتمثيل:- وهو الذي يحدده حل المشكلات أو المسائل بصورة مستقلة أي بدون مساعدة الآخرين.
2 مستوى التطور المحتمل للتمثيل:- وهو الذي يتحدد من خلال حل المشكلات أو المسائل بإشراف البالغين او بالتعاون مع زملاء قادرين بصورة اكبر، ويطلق على المسافة بين المستويين بمنطقة التطور الأقرب) وهي المنطقة التي تحتوي على الوظائف التي لم تنضج بعد ولكنها باقية في عملية الإنضاج، ويطلق على هذه الوظائف مصطلح (براعم او زهور التطور المعرفي) وليست
الصفحة 22
(ثمار التطور المعرفي)، مثل تطور طفلين كليهما بعمر 8 سنوات يستطيع احدهما وبمساعدة البالغين أن يحل مسألة بمستوى طفل عمره 9سنوات، في حين أن الآخر وبنفس المساعدة يتعلم أن يحل المسالة بمستوى طفل عمره 12 سنة، أما عن كيفية تحديد منطقة التطور الأقرب، فقد ذكر (فيجو تسكي) ان الكثير من الباحثين يحددون المستوى المعرفي التطوري عن طريقة إعطاء الطفل مسائل اختبارية بدون تقديم مساعدة له او تقديم التوضيحات والافتراضات على شكل أسئلة وان ما يتم تحديده هنا هو المستوى الحقيقي للتمثيل المعرفي وهو المستوى الذي يؤمن الأداة التي يمكن استخدامها في منطقة التطوير الأقرب، وعلى وفق نظرية (فيجو تسكي) يجد ان التعلم المعتمد على المستوى الحقيقي هو تعلم غير فعال من جهة نظر التطور العام للطفل، اما التعلم الجيد والوحيد هو أن يكون سباق للتطور الحقيقي للعمر الذهني.
رابعاً : نظرية ليفين - Leven (نظريات المجال)
يرى (ليفين) أن التعلم عملية ديناميكية الحدث خلال التفاعل بين المتعلم والموقف التعليمي ويكون التفاعل بين القوتين عن طريق الإدراك، أي إن عملية التعلم عملية اكتساب للمعلومات وإدراكها، لذلك نجد في أي موقف من المواقف التعليمية يكون لكل متعلم فيه مجال خاص به يختلف عن المجال الخاص بأي متعلم آخر في الوقت والموقف نفسه، فالطالبان المتجاوران في الصف يتلقيان الدرس نفسه ولكنهما يختلفان في فهم الدرس وطريقة استيعابه ويعزى ذلك للمجال الحيوي لكل طالب منهم، ويشمل المجال الحيوي على رغبات الطالب واهتماماته وعلاقته
الصفحة 23
بالآخرين وتطوير اتجاهاته الخاصة تجاه طريقة تعلم ما أو هدف معين أو تجاه مدرس أو مادة تعليمية معينة.
خامساً : نظرية ديفيد كول Dived Kol theory (التعلم التجريبي)
تعد نظرية التعلم التجريبي للعالم النفسي الأمريكي (ديفيد كولب) Dived
kolb من النظريات التي تزودنا بأنموذج شمولي متعدد الخطى يصور ويصف لنا التطور البالغ للتعلم كيف وكم يتعلم الفرد) أي إنها تصف لنا عملية النمو والتطور للمعارف والقدرات العقلية وتسمى نظريته بالتعلم التجريبي أو (التعلم من الخبرة) وذلك لتأكيدها على الدور المركزي للخبرة تجربة الفرد) في عملية التعلم وهذا ما يميزها عن النظريات الأخرى، ومصطلح (تجريبي) يستعمل للإشارة على تمييز هذه النظرية عن نظريات التعلم الإدراكي التقليدية الأخرى التي تنصرف إلى تأكيدها المعرفة أو إدراك ما وراء المعرفة، وكذلك تتميز هذه النظرية عن النظريات السلوكية التي تنكر دور المعرفة والتجربة الشخصية في التعلم.
بنيت نظرية التعلم التجريبي على اصل فكري تمتد جذوره الثقافية الى أعمال (جون) ديوي، وجان بياجيه وكيرت ليفين وكارل يونغ) وتعتمد على الدراسات التي ركزت على نصفي الدماغ في التفاعل بين المتعلم والبيئة، فضلا عن ذلك ان مفاهيمها الأسلوب الاستيعابي والأسلوب التكيفي واللذان يعدان جزءا واردا من مفاهيم الذكاء في التطور المعرفي لـ (بياحيه) الذي أكد على الموازنة بين تكيف العالم الخارجي لمفاهيم الفرد (التمثيل) وبين تكيف مفاهيم الفرد للعالم الخارجي (المواءمة)، وكذلك تستند هذه النظرية على مفهوم المجال الحيوي لعالم النفس الاجتماعي (ليفين) ومفاهيم (يونغ) للانبساطية والانطوائية والحسي والحدسي.
الصفحة 24
سادساً: نظرية سفيرنبرغ - Sternberg theory (نظرية التحكم العقلي)
لقيت نظرية (ستيرنبرغ) تدعيما من العديد من علماء علم النفس المعرفي، ولذا تكتسب أهمية خاصة في المجال المعرفي وقد استمر ( ستيرنبرغ) في العمل على نظريته بالتعديل والتطوير والبحث وخرج بتصوير جديد لهذه النظرية فيما أطلق عليه أي (نظرية الذكاء الثلاثي) كما انه ميز (ستيرنبرغ - 1985، 1980) بين ثلاثة أنواع مختلفة . من مكونات تجهيز المعلومات وهي:-
1 . ما بعد او وراء المكونات:- وهي عملية تحكم ذات مرتبة أعلى تستخدم في تخطيط وتنفيذ وتقويم أداء الفرد لمهمة ما واسماها (براون) به ما وراء العمليات المعرفية.
2. مكونات الأداء :- وهي عملية من المراتب الدنيا تستخدم في تنفيذ مختلف الاستراتيجات لاداء المهام مثل الترميز والاستدلال والتعميم.
3 مكونات اكتساب المعرفة: وتشير هذه المكونات إلى العمليات التي تستخدم في تعلم المعلومات الجديدة وتخزينها في الذاكرة وتشمل ثلاث
عمليات هي:-
- الترميز الانتقائي : والتي من خلالها يتم التميز بين المعلومات المتعلقة أو المرتبطة والمعلومات غير المتعلقة أو غير المرتبطة فيتم ترميز الأولى وتجاهل الثانية.
-التوليف الانتقائي : والتي من خلالها يتم توليف ما يتم ترميزه من معلومات مع المعلومات السابق اكتسابها، أو الماثلة في البناء المعرفي للفرد.
الصفحة 25
- المقارنة الانتقائية :والتي من خلالها يتم مقارنة وإيجاد علاقات دائمة بين ما تم ترميزه وتوليفه والمعرفة الدائمة في البناء المعرفي للفرد.
ويؤكد ستيرنبرغ على وجود نوعين من التمثيل المعرفي هما:-
1 - تمثيل الصور.
2 -تمثيل الكلمات أو الرموز، ويضيف مؤكدا ان تمثيل الصور أسهل من تمثيل الرموز، فعندما يسألك شخص ما عن شكل بيضة الدجاجة، فانك تجد نفسك تميل إلى الرسم أكثر من الكلمات لتوضيح وجهة نظرك، ومع ذلك فأن هذا ينطبق فقط على المثيرات المادية وليس المجردة حيث انه من الصعب رسم صورة لمساعدتك في شرح معنى الديمقراطية او العدالة، وبذلك يمكن إيجاز الخصائص الآتية لتمثيل الصور بشكل عام وهي:-
1. الصور العقلية تظهر اقرب إلى مثيرات العالم المادي الواقعي.
2. الصور العقلية تبرز صفات مادية للمثيرات كالشكل والحجم بدرجة عالية من
الوضوح
3. ان ظهور اجزاء الصورة العقلية كافية لممارسة الادراك وذلك وفق قدرة الفرد على تكملة الفراغات قانون الاغلاق في الادراك.
كذلك يمكن ايجاز الخصائص الاتية لتمثيل الكلمات والرموز وهي :-
1. الكلمات تعبر عن تمثيل رمزي للمثيرات لان العلاقة بين الكلمة وما تمثلها من معاني قد يكون مختلفا من فرد إلى آخر.
الصفحة 26
2. ان ظهور أجزاء الكلمة أو الرمز في عمليات التمثيل غير كافية لحدوث
الإدراك على وفق قانون الإغلاق وذلك على عكس الصورة.
3. الكلمات والرموز أكثر فعالية من الصور في شرح المفاهيم المجردة في حين تعد الصور أكثر فعالية من الكلمات أو الرموز في شرح المفاهيم المادية عند عمليات التمثيل.
4. استخدام الكلمات والجمل يجب أن يخضع لمجموعة من القواعد اللغوية والاجتماعية خلال عمليات التمثيل.
سابعاً: نظرية بايفيو Pavio Theory )نظرية التمثيل أوالترميزالمزدوج)
- يرى (بايفيو) التمثيل المزدوج، أن المعلومات في الذاكرة طويلة المدى تخزن بشكلين من التمثيل هما:-
1. التمثيل اللغوي أو اللفظي: وهو مخصص لمعالجة وتمثيل المعلومات اللفظية المرتبة بتسلسل معين.
2. التمثيل الصوري او التخيلي: وهو متخصص بتمثيل المعلومات المكانية والفراغية.
ويؤكد (بايفيو) إن عملية تمثيل المعلومات تعتمد على الأسلوب الذي تقدم فيه المعلومات للفرد، اذ يرى إن المعلومات التي تقدم لفظا وصورة للفرد يكون تذكرها بشكل أسرع وأسهل مقارنة بالمعلومات التي تم تمثيلها بطريقة واحدة، وتؤكد هذه النظرية على ضرورة إعطاء تعليمات للأفراد لتشكيل صورة ذهنية للمعلومات المراد حفظها لأنها تساعد في عملية الاحتفاظ وتسهيل عملية التذكر لاحقا، وعلى
الصفحة 27
مدى أهمية المعلومات بالنسبة للفرد أي ان المعلومات كلما كانت مهمة تم تمثيلها على نحو رمزي ولفظي، أما التي لا تبدو مهمة بالنسبة للفرد فهو يمثلها بأسلوب واحد أما رمزي أو لفظي.
وقد أجريت دراسات عديدة للتحقق من نظرية (بايفيو) ومنها ما قام به (بترسون) إذ استعمل في دراسته ثلاث مجموعات من الافراد، طلب من كل واحدة فيها أسلوب مختلف في تعلم المعلومات، فالمجموعة الاولى عرض عليهم (12) حرف بشكل مرئي (بصري)، والمجموعة الثانية عرض عليهم (12) حرف بشكل سمعي، اما المجموعة الثالثة فقد عرض عليهم (12) حرف بشكلين سمعي وبصري، ثم عرضوا على اختبار التذكر، وتم رصد الأخطاء لكل مجموعة وظهر من النتائج إن أفراد المجموعتين الأولى والثالثة متماثلة في الاخطاء والتي تختلف بشكل كبير عن أخطاء المجموعة الثانية وهذا ما يدل على وجود نظامين من التمثيل للمعلومات في الذاكرة الطويلة المدى.
ثامناً : - نظرية الكشطالت Theory alt التمثيل المعرفي والمعالجة المعرفية "الترابطية)
طور كل من (لاتمر) Latimer و (ستيفينز) Stevens عام (1997) نظاما مفيدا لبحث القضايا التي تحيط بتعريف وتوضيح الكليات الإدراكية الحسية، وقد استعملا هذا النظام ليعالجا بعض الشكوك التي تدور حول طبيعة التمثيل والمعالجة في الدماغ، وقد ميزا نوعين من التمثيل المعرفي من اجل التركيب المترابط للمعلومات :-
الصفحة 28
1. التمثيل الجوهري: ويقصد به أن يكون للتمثيل نفس الخصائص او الاضطرابات الملازمة للمعرفة أو الخبرة الممثلة.
2. التمثيل العرضي: ويقصد به أن يكون التمثيل اعتباطيا بصورة كاملة ولكن ارتباطه بالمعرفة أو الخبرة الممثلة ليس اعتباطيا ومن خلال هذا التصنيف فقد اصطدمت نظرية الكل مع وجهتي النظر ، هل ان التمثيل في الدماغ جوهري أم عرضي؟.
الصفحة 29
الفصل الثالث: الانتباه
مقدمة
يعد الانتباه من أهم العمليات المعرفية في علم النفس المعرفي حيث تمثل عملية الانتباه المدخل الرئيسي لجميع العمليات المعرفية التي تتم داخل النظام مثل عمليات الفهم القرائي والفهم اللغوي والادراك السمعي والبصري والذاكرة والتعلم والتفكير وحل المشكلات وان عملية الانتباه من العمليات الهامة في اتصال الفرد بالبيئة المحيطة به ولذلك تعتبر عملية وظيفية في الحياة العقلية إذ تقوم بتوجيه شعور الفرد نحو الموقف السلوكي ككل إذا كان هذا الموقف جديدا على الفرد أو توجيه شعور الفرد نحو بعض أجزاء المجال الإدراكي اذا كان الموقف مألوفا للفرد أي سبق أن مر بخبرته وتحدد عملية الانتباه مستوى المعالجة لارتباطها بهدف المتعلم، ويؤكد أصحاب الاتجاه المعرفي أهمية الانتباه كونه مفهوم أساسي في عملية التعلم، لأنه يعالج الآلية التي قد يستعملها المتعلم في اختيار المثيرات والتركيز عليها في عمليات التعلم و التعليم
الصفحة 33
يعد الانتباه أحد أركان الملاحظة المهمة التي شغلت بال الفلاسفة والمفكرين منذ أمد بعيد وتبلور هذا بشكل خاص خلال المناقشات التي دارت بين الفلاسفة في عصر الفلسفة اليونانية إذ أكدوا أن الإنسان كائن عقلاني ينطوي نشاطه على عدة أنواع من المعرفة التي تتضمن القدرة على الإحساس والانتباه والتذكر والتصور والإرادة التي تعني أن الإنسان مسؤول عن خياراته وسلوكه وأخيراً الانفعال.
فقد أشار العالم فونت (1879) إلى أن الانتباه من صيغ وضوح الشعور، مؤكداً على دراسة القدرة على التخيل بوصفها من العمليات الأولى للشعور، ثم جاء بعده تلميذه تيتشر (1898 :Titchener) واستخدم مصطلح الإدراك الداخلي ليدل به على عملية الانتباه مؤكداً على الطبيعة الانتقائية لها، ولم يرجع هذه الانتقائية إلى مقدار كبير من عمليات الإدراك الباطني الفكرية ولكن إلى حالات في الجهاز العصبي.
وفي بداية القرن العشرين بدأ الاهتمام الفعلي بموضوع الانتباه فظهرت أولى المناقشات والأفكار والآراء حوله من خلال أعمال العالم بلسبوري (Pillsbury) عام 1958 ولكن السنوات اللاحقة شهدت إهمالاً واضحاً لموضوع الانتباه بسبب ظهور المدرسة السلوكية التقليدية في أمريكا التي أهملت العمليات العقلية بشكل عام.
وركز علماء النفس في تلك المرحلة بشكل عام على وجود الانتباه وأهميته بوصفه ظاهرة علمية من دون أن يستطيعوا معرفة الكيفية التي من خلالها تتم دراسته ووصفه في دراساتهم وبحوثهم وأفكارهم النظرية إلا أن السنوات التي تلت
الصفحة 34
الحرب العالمية الثانية شهدت حقبة تمييز موضوع الانتباه" من حيث الاهتمام به والفهم الأفضل ضمن النظريات العامة للسلوك.
كما قدم علماء النفس المعرفيون جهوداً كبيرة لدراسة العمليات العقلية وأعطوا اهتماماً عالياً لدراسة الانتباه فيما إذا كان يتجه نحو ميل الفرد وأحاسيسه ورغباته ومعتقداته أو أنه يتجه نحو البيئة المحيطة به مما يؤدي إلى حدوث تفاعل بين المحيط الذي يعيش فيه وسلوك الفرد اليومي.
مفهوم الانتباه :
أن الانتباه هو إحدى العمليات الأكثر أهمية في نظام الذاكرة ويتوقف على احتمال امتصاص المعلومات التي في الذاكرة قصيرة المدى بواسطة الذاكرة طويلة المدى، إذ على الرغم من قدرة الإنسان على توجيه انتباهه نحو مثيرات معينة إلا أن هناك دلائل ما يوحي بأنه لا يستطيع أن يعالج الأكمية محدودة في وقت واحد، إذ أن معالجة المعلومات تبدأ بمثيرات ومدخلات من البيئة الخارجية كالضوء والحرارة، ولكي تتم عملية معالجة المثيرات يجب أن تثير استجابة موجهة وتركز انتباه الفرد على المثير، ويتم تخزين المثير من البيئة بطريقة مختصرة في المخزن الحساس، ويحدد الانتباه ما يمكن أن يحدث بعد ذلك، وإذا لم يتم الانتباه للمعلومات الجديدة فإنها تنسى وتتلاشى أما إذا انتبه الفرد إليها فإنها تنتقل من الذاكرة الحسية إلى الذاكرة قصيرة المدى أو الذاكرة العاملة، إذ إنّ طاقة التخزينتكون في الذاكرة قصيرة المدى، وإذا تم ترميز المعلومات في هذه الذاكرة فإنها ستحافظ على تركيز الانتباه أو يتم نقل هذه المعلومات إلى الذاكرة طويلة المدى.
الصفحة 35
تعريفات الانتباه :
يعد الانتباه من العمليات المعرفية التي تعددت وتباينت وجهات النظر التي اهتمت بها حيث يتضح هذا التباين من التعريفات المتباينة لمفهوم الانتباه ذاته إذ يذكر (جيلفورد) أن الانتباه هو "عملية معرفية يتم بواسطتها انتقاء المثيرات التي يلاحظها الفرد أو يكون مستعدا لملاحظتها عن بقية المثيرات الأخرى."
وتعرف (الموسوعة البريطانية) بأنه "عملية تركيز الوعي على بعض المظاهر واستبعاد الظواهر أو المثيرات الاخرى وانه بأورة الانتقاء او الاختيار الجزء صغير من نطاق واسع للمثيرات المقدمة".
ويعرف (علاوي) الانتباه بانه هو العملية العقلية أو المعرفية التي توجه وعي الفرد نحو الموضوعات المدركة وهو عملية مرتبطة بعمليتي الاحساس والادراك"
بينما عرفه (كيلوج) بانه هو العملية العقلية التي يتم بها اختيار مثيرات محددة من البيئة والتركيز عليها وتجهيزها معرفياً".
ويذكر (المليجي) بان الانتباه هو "استخدام الطاقة العقلية في عملية معرفية او هي توجيه الشعور وتركيزه في شئ معين استعدادا لملاحظته أو أدائه أو التفكير فيه
والملاحظة هي محاولة معرفة البيئة بواسطة الحواس والاحساس هو الشعور او التفطن بوجود مثير او منبه.
فالانتباه يسبق الادراك ويمهد له فكأن الانتباه هو الذي يتحسس والاحساس الذي يكتشف ويعرف مما سبق يتضح ان الانتباه عملية عقلية معرفية تستثار حينما يكون هناك منبه أو مثير معين وطبيعة هذا المؤثر ودرجة أهميته قد تكون من
الصفحة 36
العوامل التي تساعد على جذب الانتباه وتركيزه كما أن الانتباه هو حالة من التهيؤ او التأهب العقلي يمارسها الفرد لكي يحس أو يدرك أشياء أو ظروف مختارة.
فالأم التي يلعب طفلها في الشارع مع الأطفال حين تسمع صراخا نجد أنها تدقق السمع وتحصر الانتباه نحو هذا الصراخ دون غيره من المثيرات الاخرى والضوضاء الموجودة في الشارع لانها تضع طفلها موضع الاهتمام في بؤرة شعورها أما أصوات الناس والأطفال الآخرين والضوضاء الكثيرة الموجودة في الشارع تقع خارج بؤرة شعورها ولا تلقى لها اي اهتمام ولاتكاد تشعر بها الا شعوراً خافتاً وبالتالي تدرك صوت طفلها ويكون بالنسبة لها اكثر وضوحا من غيره من الاصوات.
وعلى هذا فان الانتباه يمثل وعي الفرد بموضوع معين ونقله في حالة نشطة في بؤرة الانتباه وليس بالموضوعات الموجودة في هامش الانتباه حيث يكون الفرد اقل انتباها لهذه الموضوعات ولاشك ان الاحتفاظ بتركيز الانتباه يجعل الفرد قادراً على اتخاذ قرارات سليمة واكتساب مهارات جديدة .
الصفحة 37
أشكال الانتباه
-الشكل الأول
وهو الذي يكون فيه الانتباه موزعاً بين عدد من المنبهات او المثيرات.
-الشكل الثاني
وهو الذي يتعلق بعملية توجيه الانتباه وانتقائه لمنبه او مثير معين من بين المنبهات او المثيرات التي تقع في مجال وعي الفرد، وهذه عملية انتقاء الانتباه.
-الشكل الثالث
وهو الذي يتعلق بعملية اليقظة حيث يكون الشخص حاداً وفي هذه الحالة ينتقل الانتباه بسرعة شديدة بين المنبهات او المثيرات المختلفة لكي ينتقي منها المنبه او المثير الذي يهتم به الشخص.
طبيعة الانتباه
يبدأ الانتباه بوعي شامل من الفرد في البيئة التي يعيش فيها بمجاله الادراكي فيتحسس ثم عن طريق الاحساس يكتشف ويعرف المنبهات او المثيرات التي تجذب انتباهه فيدرك خصائصها حيث تكون الصلة متينة وقوية بين الالمام بما هو مدرك وبين الانتباه، ويختلف الافراد فيما بينهم من حيث مدى الانتباه اي من حيث قدرتهم على استيعاب اوسع دائرة ممكنة. من المعلومات او قدرتهم على الاحتفاظ باكبر عدد من الموضوعات في مجالهم الادراكي في وقت معين.
وان الانتباه نشاط ذهني يتطلب قدرة على التحكم في النشاط الانفعالي وتوجيهه وجهة معينة يتوقف على مدى تحرر الفرد من المنبهات الخارجية المتعددة.
الصفحة 38
أحتمالات الانتباه
1. يتم الوعي بالمجال الادراكي بصورة عامة دونما تحديد.
2. التركيز على اشياء جانبية لاعلى التحديد.
3. يتم الادراك للبيئة بصورة عامة مع التركيز على شئ محدود.
اذن الانتباه وظيفة من وظائف النشاط العقلي وينشأ لحقيقة الوضوح الحسي والعقلي ويأتي الدافع الذي يفضي الى العملية الانتباهية من العوامل التروعية والانفعالية فان مجرد الادراك والوضوح لا يعدان كافيان ما لم يصحبها نشاط ذهني يرمي الى غرض معين فالانتباه في الوقت ذاته هو غرض في طبيعته ونزعته لانه ينزع الى التعرف، لذلك نلاحظ ان الطفل الصغير اقل قدرة على الانتباه الارادي من الطفل الكبير لان الاخير يستطيع ان ينظم سلوكه ونشاطه الذهني وكذلك نجد ان الراشد اكثر قدرة على تنظيم سلوكه ونشاطه الذهني من الطفل من حيث مدى الانتباه او مدته وهذه القدرة تنمو تدريجياً مع نمو قدرة الفرد على تنظيمه العقلي والسلوكي
ونلاحظ ان الطفل في سن السادسة والسابعة يصعب عليه ان يركز نشاطه في عمل واحد لفترة طويلة حيث ان قدرته على التهيؤ الذهني وحصر الانتباه لا يتعدى فترة وجيزة من الزمن بينما تتزايد بسرعة قدرة الطفل على الانتباه الارادي فيما بين العام السابع والعام الحادي عشر.
الصفحة 39
مكونات الانتباه
يتكون الانتباه من ثلاث مكونات وكالاتي:
*المكون الاول: البحث
وهي محاولة تحديد المنبه او المثير في المجال البصري ويوجد نوعان من البحث:
1. خارجي المنشأ ويحدث لا ارادياً مثل الانتباه لصوت مفاجئ او ضوضاء مفاجئة او ضوء مفاجئ.
2. داخلى المنشأ وهو عملية اختيارية مخططة لمثير او منبه ذي خصائص معينة وينقسم هذا النوع الى نوعين هما المتوازي والمتسلسل.
*المكون الثاني: التصفية
وهي عملية انتقاء واختيار لمنبه او مثير معين من المثيرات التي تقع في المجال الادراكي للشخص وتجاهل المنبهات او المثيرات الاخرى التي توجد في مجال ادراكه فهي تشير الى قدرة الفرد على الاحتفاظ او الاستمرار في الانتباه الى موضوع الانتباه في ظل وجود العديد من المشتتات وهذا يعني ان الانتباه للمنبهات انتباهاً انتقائيا يحكمه العديد من العوامل مثل طبيعة موضوع الانتباه ومدى ارتباطه بحاجات الفرد والسعة الانتباهية، وهذه العملية تنمو تدريجياً بزيادة عمر الاطفال. المكون الثالث: الاستعداد للاستجابة
وتسمى احيانا بالتهيئة او توقع ظهور الهدف او تحويل الانتباه للهدف وهي عمية استعداد انتباهي للاستجابة لمثير أو الهدف ما وفقاً للمعلومات السابقة عن موقعه وعما اذا كانت معه مثيرات مشوشة من عدمه.
الصفحة 40
محددات الانتباه
نجد ان للانتباه محددات وكما يلي:
-1- المحددات الحسية العصبية
تؤثر فاعلية الحواس والجهاز العصبي المركزي للفرد على سعة عملية الانتباه وفاعليتها لديه، فالمثيرات تستقبلها الحواس تمر بمصفاة او نوع من الترشيح الذهني وهذه المصفاة تتحكم عصبياً او معرفيا او انفعالياً في بعض هذه المثيرات ولا تسمح الا بعدد محدود من النبضات او الومضات العصبية التي تصل الى المخ اما باقي المثيرات فتعالج تباعاً او تظل للحظات قريبة من هامش الشعور ثم لاتلبث ان تتلاشی
2- المحددات العقلية المعرفية
يؤثر مستوى ذكاء الفرد وبناؤه المعرفي وفاعلية نظام تجهيز المعلومات لديه على نمط انتباهه وسعته وفاعليته فالاشخاص الأكثر ذكاءً تكون حساسية استقبالهم للمثيرات اكبر ويكون انتباههم لها اكثر دقة بسبب ارتفاع مستوى اليقظة العقلية لديهم وهذا بدوره يخفف من الضغط على الذاكرة قصيرة المدى مما يؤثر على نمط المعالجة وبيسر تتابع عملية الانتباه، كما يؤثر البناء المعرفي للفرد ومحتواه كماً وكيفا وحسن تنظيمه على زيادة فاعلية الانتباه وسعته ومداه إذ تكتسب المثيرات موضوع الانتباه معانيها بسرعة ومن ثم يسهل ترميزها وتجهيزها ومعالجتها وانتقالها الى الذاكرة قصيرة المدى مما يؤدي الى تتابع انتباه الفرد للمثيرات.
الصفحة 41
3- المحددات الانفعالية الدافعية
تستقطب اهتمامات الفرد ودوافعه وميوله الموضوعات التي تشبع هذه الاهتمامات إذ انها تعد بمثابة موجهات لهذا الانتباه كما تعد حاجات الفرد ونسقه القيمي واتجاهاته محددات موجهة لانتقائه للمثيرات التي ينتبه اليها ويتأثر الانتباه من حيث سعته ومداه بمكبوتات الفرد ومصادر القلق لديه حيث تستنفذ هذه المكبوتات طاقته الجسمية والعصبية والنفسية والانفعالية وتؤدي الى ضعف القدرة الى التركيز ويصبح جزءاً هاماً من الذاكرة والتفكير مشغولا بها، ويترتب عليه تقليص سعة الانتباه وصعوبة متابعة تدفق المثيرات وترميزها وتجهيزها ومعالجتها.
وظائف الانتباه
للانتباه وظائف عديدة من اهمها:
أ. يعد الانتباه من اهم العمليات العقلية التي تلعب دورا هاماً في النمو المعرفي لدى الفرد فهو مكوناً من مكونات معالجة المعلومات لدى الانسان إذ انه يستطيع من خلاله ان ينتقي المنبهات الحسية المختلفة التي تساعده على اكتساب المهارات وتكوين العادات السلوكية الصحيحة بما يحقق له التكيف مع البيئة المحيطة.
ب. يساعد الانتباه العمليات المعرفية في التركيز الى المثيرات الخارجية حتى يمكن جمع معلومات عنها وتحديدها وكيفية التعامل معها.
ج. يساعد الانتباه على تنسيق وتنظيم المعلومات وضبط الاداء حتى يمكننا من الاداء الذكي.
الصفحة 42
د. يساعد الانتباه على التفكير إذ يجعل الافراد قادرين على انتقاء المعلومات المناسبة التي تساعد على التفكير او حل المشكلات.
هـ. للانتباه أهمية بالغة في تنمية تحكم المنبهات فاذا كان الفرد لا يعطي اهتماماً وانتباهاً للعلاقات التي تستخدم في التحكم في سلوكه فهو لن يتعلم كيفية تحكم المنبهات
خصائص الانتباه :
للانتباه خصائص عديدة من اهمها:
1 . الانتباه عملية ادراكية مبكرة : حيث يهتم الاحساس بالمنبهات او المثيرات الخام ويقع الانتباه بين الاحساس والادراك ولذا فهو عملية ادراكية مبكرة حيث يسبق الانتباه الادراك ويمهد له لان الانتباه هو الذي يتحسس والاحساس هو الذي يكشف ويعرف.
2 الاصغاء : يعد الاصغاء الخطوة الاولى في عملية تكوين وتنظيم المعلومات إذ ان استكشاف الفرد لبيئته المحيطة به والتي يعيش فيها يتطلب منه الاصغاء حيث ينتقي الفرد المثيرات التي يهتم بها ويهمل ماعدا ذلك ، لذا فالاصغاء ضروري لتركيز الانتباه الى الموضوع الذي يريد الفرد تناوله.
3. الاختيار والانتقاء: لا يستطيع الفرد ان ينتبه لجميع المنبهات او المثيرات المختلفة التي يكتظ بها العالم الخارجي دفعة واحدة او ينتبه لجميع المثيرات التي يزخر بها ذهنه حيث يمتلىء بخواطر وافكار كثيرة، ولكنه ينتقي منها ما يتناسب واشباع حاجاته وكذلك بما يتناسب مع حالته النفسية، وهذا الانتقاء يتضمن في العادة استعداد الفرد ووضع نفسه في حالة من التهيؤ والتأهب
الصفحة 43
العقلي لملاحظة هذه المثيرات المختارة دون غيرها او التفكير في اشياء دون اشياء اخرى.
4. الاحاطة: وهي قد تكون سمعية او بصرية وتتمثل في حركات العينين خلال المكان او في الانصات لكل مايصدر من اصوات ويمكن للانسان ان يوجه انتباهه من جانب الى اخر، فمثلاً عن طريق الحواس حاسة البصر او حاسة السمع مثلاً يستطيع تغيير انتباهه من شيء الى شيء آخر، والانسانلا يستطيع ان ينتبه الى كل المنبهات او المثيرات في وقت واحد او دفعة واحدة فان الانتباه يكون انتقائياً وموجهاً الى الاشياء التي يهتم بها الفرد أكثر من غيرها، وعلى سبيل المثال المعلم في فصله عند شرحه لدرسه يركز دائماً الى عملية فهم الطلاب للدرس وليس في اخطاء بعض الطلاب ، والتلميذ الذي يذاكر دروسه دائماً نجده يركز على المعلومات والافكار وليس على الاخطاء المطبعية وهكذا.
5. التركيز : نجد ان الفرد يتجه بفاعلية او ايجابية واهتمام الى تنبيهات حسية معينة ويهمل منبهات اخرى اي يجعل بعض المنبهات في بؤرة الشعور ويركز عليها وماعدا ذلك الى هامش الشعور فقد يركز الفرد على منبه واحد او منبه منتشر بحيث يستطيع الاحتفاظ بمشاهدة مبعثرة عبر كل شئ يحدث حوله.
6. التذبذب : قد يتذبذب مستوى المثير الذي هو في حقيقة الامر مصدراً للتنبيه فنجد ان انتباه الفرد يتذبذب بين القوة والضعف وذلك وفقاً لقوة المثير اوضعفه، فمثلاً عند مشاهدة الفرد مباراة كرة قدم او فيلم سينمائي نجد ان
الصفحة 44
انتباهه يتذبذب بين القوة والضعف وفقاً لاختلاف قوة المباراة او ضعفها
وكذلك قوة احداث الفيلم واثارته من عدمه.
7. التعقيب : يقصد به الانتباه المتصل لمنبه او مثير معين حيث تظهر قدرة الفرد على التفكير في فكرتين في آن واحد دون الخلط بينهما مثل قيادة السيارة والتحدث في نفس الوقت مع صديق.
8. التموج: ويقصد بالتموج هو انه رغم وجود المثير او المنبه الذي ينتبه اليه الفرد فان تاثيره يختفي اذا ظهر مثير آخر جديد ودخيل ثم يعود مرة اخرى عندما يختفي هذا المثير الجديد.
تصنيف الانتباه
يصنف الانتباه من حيث موقع المثيرات وعددها وطبيعتها وكالآتي:
اولاً :من حيث موقع المثيرات:
ينقسم الانتباه من حيث موقع المثيرات الى نوعين هما:
1 الانتباه الى الذات : وفي هذا النوع من الانتباه يتم تركيز الفرد على ذاته حيث تكون هي بؤرة الاهتمام عند الفرد وماعدا ذلك يكون على هامش
الشعور
2 الانتباه الى البيئة :في هذا النوع من الانتباه يوجه الفرد تركيزه وشعوره الى الاهتمام بالبيئة التي يعيش فيها، مثلا نجد بعض الافراد يكون اهتمامه الاول هو الاسرة ويركز كل جهده ووقته لها دون غيرها من المثيرات الاخرى الموجودة في البيئة وقد نجد آخر كل اهتمامه بعمله في المؤسسة التي يعمل بها ويركز كل جهده لها دون الاخرى.
الصفحة 45
ثانياً: من حيث عدد المثيرات
1. الانتباه لمثير واحد :في هذا النوع من الانتباه نجد ان الفرد يوجه انتباهه لمثير واحد فقط دون غيره من المثيرات فيحصر الفرد انتباهه في الرسم مثلا دون غيره أو اللغة العربية دون غيرها وهكذا.
2 الانتباه الى اكثر من مثير: في هذا النوع من الانتباه يوجه الفرد انتباهه لاكثر من مثير او منبه من المثيرات او المنبهات الموجودة في البيئة فينتقي البعض منها وفقاً لاهميتها بالنسبة له ووفقاً لسرعة الفرد على معالجة
المعلومات.
ثالثاً: وفقاً لطبيعة المنبهات او المثيرات
اشارت الدراسات الى وجود ثلاثة انواع من الانتباه هي:
1- الانتباه الارادي الانتقائي
في هذا النوع يتم تركيز الانتباه على مثير او منبه واحد من بين عدة مثيرات بشكل انتقائي وارادي بسبب محدودية الطاقة العقلية ومحدودية سعة التخزين وسرعة المعالجة ففي هذا النوع يحصر الفرد انتباهه في شيء معين كحصر انتباه الفرد في مشاهدة مباراة كرة قدم او مذاكرة درس من الدروس المقررة عليه او مشاهدة حلقة اجنبية مثيرة وهناك يكون الانتباه ارادي ومقصود وهادف يستلزم من الفرد بذل المزيد من الجهد ويمكن تحسين التوجيه الذاتي الارادي للانتباه عن طريق الخبرة والتحفيز ومعرفة ما يسعى اليه المتعلم، فباستطاعة المعلم ان يوجه انتباه طلابه واهتماماتهم اثناء شرحه لدرسه عندما يشير الى مظاهره ومواطن بارزة من الموقف التعليمي، وايضاً هذا النوع من الانتباه يحتاج الى بذل الجهد والتركيز العميق كانتباه
الصفحة 46
التلميذ الى شرح المدرس او متابعة سماع محاضرة علمية او حديث عن موضوع صعب يتطلب ان يبذل الفرد جهدا كبيراً للاستيعاب وتركيز الانتباه، وهو جهد قد يصحبه محاولات للتغلب على الملل وشرود الذهن، ويتوقف مقدار الجهد الذي يبذل على شدة الانتباه والجدوى والفائدة من هذا الانتباه وقد يصعب على الاطفال تركيز اهتمامهم في هذا النوع من الانتباه فالاطفال ليس لديهم القدرة على المثابرة وبذل الجهد وتركيز الانتباه لذا يحسن ان تكون الموضوعات التي تعطى للاطفال والتي يمكن ان تثير انتباههم موضوعات سهلة وشيقة وقصيرة وممزوجة باللعب ولاتحتاج الى جهد او تركيز في الانتباه.
-2 الانتباه الانتقائي التلقائي
في هذا النوع ينتبه الفرد لمثير او منبه يشبع حاجات الفرد ودوافعه الذاتية حيث يركز الفرد ويحصر انتباهه في مثير واحد من بين عدة مثيرات بيسر وسهولة تامة وهنا ينشأ الانتباه كعملية داخلية لتحقيق هدف ما كاشباع حاجة او دافع عند الفرد فيتجه الانتباه الى الموضوع الذي يرغب فيه الفرد ويهتم به، وبذلك يحدث الانتباه بيسر وسهولة ولايبذل الفرد في سبيله جهداً. وهو ايضاً من الانتباه لا يبذل فيه الفرد جهداً كانتباه الفرد الى موضوع او شيء يميل اليه او يهتم به، وفي هذا النوع من الانتباه فيكون الانتباه ميسراً وطبيعياً.
-3- الانتباه اللارادي او القسري
في هذا النوع يركز الفرد انتباهه على مثير معين يفرض نفسه على الفرد بطريق قسري ودون بذل جهد عال للاختيار بين المثيرات فيتجه الفرد الى هذا المثير رغم ارادته فمثلا لو سمع الفرد صوت رعد او برق او صوت مفاجئ فانه يتجه اليه
الصفحة 47
مباشرة ورغم ارادته وينتبه اليه وبصورة اخرى من هذا النوع من الانتباه يتجه فيه الفرد رغم ارادته الى المثير المسبب للانتباه مثل سماع الانسان لارتطام جسم بالارض يحدث صوتاً أو سماع طلقة مدفع أو مسدس أو التعرض لصدمة كهربائية أو وخز مؤلم في جسم الانسان وهنا يفرض المنبه نفسه على الفرد فيحدث الانتباه القسري.
العوامل التي تؤثر في الانتباه:
هناك مجموعة من العوامل تؤثر في حصر او جذب الانتباه وهناك عوامل
اخرى تساعد على تشتت الانتباه سنوجزها فيما يلي:
أولاً: العوامل التي تؤدي الى جذب الانتباه
تنقسم العوامل التي تؤدي الى جذب الانتباه الى نوعين هما:
1- العوامل الداخلية:
ويطلق عليها احيانا بالعوامل الشخصية اي الخاصة بالفرد وهي الحاجات العضوية مجال اهتمام الشخص والدوافع الهامة التي تجعل الفرد مهيأ للانتباه لبعض الاشياء.
وتنقسم العوامل الداخلية الى قسمين:
أ. العوامل المؤقتة:
وهي عوامل تزول بمجرد اشباع حاجات الفرد ودوافعه مثل:
*التهيؤ الذهني: حيث يهيؤ الفرد ذهنه لاستقبال مثيرات او منبهات معينة دون غيرها فالام على سبيل المثال تستيقظ الحركات طفلها ليلا ولا تستيقظ عند سماع صوت رعد او برق وكذلك الشخص الذي ينتظر شخص عزيز له قادم
الصفحة 48
لزيارته في ساعة معينة نجده دائما ينصت لجرس الباب لسماع اصوات الاقدام على سلم المنزل.
- النشاط العضوى والدافع :فالنشاط العضوي يجذب الانتباه الى ذات الفرد ودائماً الشخص الجائع يسترعي انتباهه رائحة الطعام.
- الاهتمام :ويقصد به ميل الشخص الى مثير او منبه والاهتمام به فالانتباه ملاحظة انتقائية والفرد لا يلاحظ الا المثيرات التي يهتم بها في بيئته ويوجه شعوره اليها ويركز فيها وبالتالي فالانتباه والاهتمام مظهران لشيء واحد فالاهتمام عبارة عن انتباه كامن بينما الانتباه هو اهتمام ناشط، ونحن نختلف في اهتماماتنا، فمثلا الذي يجذب انتباه عالم الفلك غير ما يجذب انتباه عالم النفس.
- الايحاءات من الاخرين :حيث قد تؤثر القابلية للايحاء في توجيه الانتباه
المثيرات او موضوعات معينة.
ب. العوامل المستديمة:
وهي عوامل دائمة مع الفرد وتظل معه عبر الزمن منها:
- مستوى الاستثارة الداخلية: حيث تلعب الاستثارة الداخلية دوراً كبيراً في جذب الانتباه لمثير او منبه معين ووجد انه كلما زاد مستوى الاستثارة الداخلية لدى الفرد كلما زاد انتباهه المثير معين.
- عادة الفرد الدائمة في الاصغاء وحب الاستطلاع: حيث نجد ان هناك منالافراد من لديهم حب الاستطلاع ومعرفة كل شئ ودائمين التطلع الى كلماهو جديد فيوجهون انتباههم اليه ويركزون شعورهم فيه وكذلك من الافراد
الصفحة 49
من لديه صفة الاصغاء لكل مايقوله الاخرون من موضوعات خاصة ببعض الافراد او الموضوعات الخاصة بالعمل وغيرها.
-انتباه الافراد المستمر لمصادر الخطر والاذى :يلاحظ ان الافراد دائما ما ينتبهون الى مصادر الخطر والاذى التي تحدد بقاءهم او تلحق بهم الضرر والاذى وهذا يتوقف على قوة المثير او المنبه وشدته وسرعته واتجاهه.
- الراحة الجسمية والنفسية: كلما شعر الفرد بالراحة الجسمية والنفسية كلما ادى ذلك الى زيادة انتباهه وتركيزه في مثير او منبه معين، وهناك بعض الاطفال يحققون لانفسهم السعادة والبهجة والراحة النفسية حينما يستخدمون الصراخ في محاولة جذب انتباه الكبار اليهم او ادعاء المغص او غيره من هذه الحركات حتى يهرع اليهم الكبار لمعرفة سبب ذلك.
2- العوامل الخارجية:
ويطلق عليها احيانا بالعوامل الموضوعية الخاصة بالمنبه او المثير وتنحصر هذه العوامل فيما يلي:
- طبيعة المثير او المنبه: تختلف المثيرات او المنبهات في جذب انتباه الافراد فهناك منبهات تجذب بعض الافراد ولا تجذب الاخرين وهذا يتوقف على طبيعة المنبه وطبيعة الفرد فالمثير او المنبه غير المالوف قد يجذب انتباه الافراد اكثر من غيره من المنبهات المالوفة لديهم والمنبه السمعي يختلف عن المنبه البصري في جذب الانتباه.
- شدة المثير او المنبه :قد تتمثل شدة المثير في الصوت او الضوء او اللون او الضوضاء وكلما كان المنبه اكثر شدة كلما كان له اثر اكبر في جذب الانتباه
الصفحة 50
اليه فصوت المذياع العالي يجذب انتباه الافراد اذا كان اعلى من المثيرات الاخرى الموجودة حوله وكذلك رؤية الالوان البراقة وايضا الضوضاء الصاخبة والروائح النفاذة لها اثر كبير في جذب الانتباه.
- تكرار المثير او المنبه: تكرار المثير عامل من عوامل جذب انتباه الافراد حيث يجعل الافراد يضعونه في بؤرة شعورهم فيركزون فيه، فمثلا اذا تكرر صوت ميكروفون يعلن عن موضوع يهم المواطنون نجدهم يحاولون الانصات لسماع هذا الصوت ويركزون فيه وكذلك تكرار وجود ضوء معين يطفئ ويضئ مرة اخرى يجذب انتباه الافراد وهكذا.
- حركة المثير او المنبه :فالاشياء المتحركة تعمل على جذب انتباه الافراد بعكس الاشياء الساكنة فمثلا الحركة المستديرة والدائمة لمجموعة من الالوان تجذب انتباه الافراد وكذلك حركة بعض اللاعبين المهرة في الملعب تجذب انتباه المشاهدين لهم.
- تباين او تضاد المثير او المنبه: اي اختلاف المثير عن المثيرات من حوله يعمل على جذب الانتباه فمثلاً الشخص الذي ياتي من بلد الى بلد آخر ويلبس لباس بلده يجذب الانتباه اليه لانه يختلف في زيه عمن حوله وكذلك الضوء القوي بين اضواء خافتة يعمل على جذب الانتباه وكذلك اذا كان هناك اعلان تجاري يحتوى على خطوط بيضاء او اخرى سواء يجذب الانتباه اليه اكثر من اعلان اخر يحتوي على الوان متشابهه
الحلقة 51
حجم المثير او المنبه كلما زاد حجم المنبه كلما كان له اثر كبير في جذب الانتباه اليه فالحيوان الضخم مثل الفيل يجذب الانتباه اليه اكثر من الصغيرة مثل البقر والخراف.
- موقع المثير او المنبه: موضع المنبه له دور كبير في عملية جذب الانتباه فالشخص الذي يتعود ان يقوم من نومه مبكراً ثم يضع المنبه قريباً منه افضل في جذب انتباهه له أو وضع هذا المنبه في حجرة مجاورة وكذلك الضوضاء الصاحبة المجاورة تعمل على جذب الانتباه من الضوضاء البعيدة.
- التغير الفجائي للمثير او المنبه: سواء كان هذا التغير في الصوت أو اللون أو الحجم أو الموضع فمثلاً عندما تزداد الاضاءة فجأة فان هذا يسترعي انتباهنا وكذلك عندما نسمع صوت الموسيقى الهادئ من المذياع فالارتفاع المفاجئ للصوت يسترعي انتباهنا وهكذا.
- حداثة المثير أو المنبه: دائما المثير الجديد يجذب انتباهنا فمثلا الطالب يجذب انتباهه المرجع الحديث في المادة وكذلك الافراد تجذبهم التكنولوجيا الحديثة مثل الكمبيوتر الحديث المحمول الجديد، نوع حديث من السيارات او نوع من الموضة الحديثة.
ثانياً: العوامل التي تؤدي الى تشتت الانتباه
هناك عوامل مشتتة للانتباه كثيرة يرجع بعضها لعوامل اجتماعية وعوامل نفسية ويرجع البعض الآخر الى عوامل جسمية وعوامل فيزيقية.
ويلاحظ ذلك جيدا عندما نلاحظ بعض الطلاب اثناء تحصيلهم الدراسي او اثناء مذاكرة دروسهم يعانون من عدم القدرة على التركيز وحصر الانتباه اثناء
الصفحة 52
مراجعة دروسهم ومذاكرتها وهذا يرجع الى عدة عوامل تشتت انتباههم وتقلل من قدرتهم على التحصيل الجيد بعض هذه العوامل داخلي خاص بالفرد وبعضها خارجي يرجع للمؤثرات البيئية.
1- العوامل الداخلية:
تمثل العوامل الداخلية التي تؤدي الى تشتت الانتباه فيما يلي:
أ. العوامل الفسيولوجية:
تتمثل في الاتي:
- الارهاق والتعب الجسمي: الذي يؤثر بالسلب على جذب الانتباه نحو مثير او منبه معين فالطالب المرهق جسميا لا يستطيع التركيز وحصر الانتباه في موضوع ما.
- الخلل الحادث في اجهزة الجسم: مثل الاضطرابات التي تحدث في الجهاز الهضمي او الجهاز التنفسي او التناسلي فالطالب الذي تصيبه نوبة برد مثلا لا يستطيع التركيز اثناء مذاكرة دروسه ويكون مشتنا ويقل تحصيله.
عدم الانتظام في الغذاء او سوء التغذية: يؤدي الى تشتت الانتباه حيث يفقد الفرد القدرة على التركيز لفترة طويلة ويشعر بالدوار لاقل مجهود يبذل.
الصفحة 53
ب. العوامل النفسية:
وتتمثل هذه العوامل فيما يلي:
-العقد النفسية والصراعات النفسية: مثل عقدة النقص أو الذنب او
الاضطهاد كل هذا يستنفذ قدرا كبيرا من الطاقة العصبية اللازمة لعملية الانتباه
- القلق والافكار الوسواسية وحدة الانفعالات.
- الاسراف في التأمل الذاتي وجلب المتاعب والالام والاستسلام لاحلام
اليقظة.
- انشغال الفرد بامور اخرى غير موضوع الانتباه.
2 العوامل الخارجية
وتتمثل هذه العوامل فيما يلي:
أ. العوامل الاجتماعية:
وتتمثل في المشكلات العائلية وعدم الاستقرار الاجتماعي كالنزاع المستمر بين الوالدين او انفصال احدهما عن الآخر او الصعوبات المالية والمتاعب التي تواجه الاسرة والامور المعلقة التي لم تحسم بعد كل هذا يؤدي الى هروب الفرد منها ولا يستطيع التركيز بل يكون شارد الذهن في معظم الاوقات.
ب العوامل الفيزيقية
تتمثل في كل ما يحيط بالفرد من مؤثرات بيئية كضعف الاضاءة او سوء توزيعها، سوء التهوية ارتفاع درجة الحرارة او الرطوبة الضوضاء الصاحبة، كل هذه
الصفحة 54
المؤثرات تؤثر على تشتت الانتباه وقلته وكلما كانت هذه العوامل غير مرضية للفرد كلما ادى ذلك الى ضعف قدرته على الانتباه لذلك تتوقف العوامل التي تؤثرعلى الانتباه على فاعلية الحواس وكفاءة الجهاز العصبي الذي يعمل كمرشح للمنبهات بالتحكم في مظاهر الانتباه كما يؤثر مستوى الذكاء وفاعلية نظام تجهيز المعلومات لدى الفرد على جودة انتباهه وسعته فمرتفعي الذكاء لديهم حساسية لاستقبال مثيرات اكثر ويكون انتباههم أكثر دقة وسرعة ويقظة وكذلك يؤثر محتوى البناء المعرفي كماً وكيفا وتنظيماً على زيادة فاعلية الانتباه بطريقة طردية وتؤثر شخصية الفرد كذلك على الانتباه فالافراد الانبساطيون يكونون أكثر وعياً واستجابة لمثيرات البيئة الخارجية اما الانطوائيون يكونون أكثر وعياً بالمثيرات الداخلية.
تفسير العلاقة بين الانتباه والاحساس والادراك
ان الانتباه عملية حيوية تكمن أهميتها في كونها احد المتطلبات الرئيسية للعديد العمليات العقلية كالإحساس والإدراك والتذكر والتعلم فمن دون هذه العملية ربما لا يكون إدراك الفرد لما يدور حوله واضحاً وجلياً وقد يواجه صعوبة في عملية التذكر، كما يعد الانتباه عملية توجيهية وتركيز للوعي في منبه ما، أي تركيز الوعي على منبهات معينة واستبعاد منبهات أخرى في اللحظة نفسها لذلك يعد الانتباه أحد الظواهر الهامة في السلوك الإنساني بصفة عامة وفي سلوك المعلم والمتعلم بصفه خاصة أي عمليات التعلم والتعليم.
وعليه فالإنسان لا يدرك منبهاً أو موقفاً إلا بعد أن ينتبه إلى كل جزيئاته، ومن هنا فأن الانتباه يسبق الإدراك ويشير إلى الاهتمام بمنبهات أو معلومات محددة
الصفحة 55
في البيئة بوصفه عملية انتقالية تتحد في بؤرة الشعور، أما الإدراك فيتركز حول ما ينتبه إليه الفرد مما يؤدي إلى وعي وشعور زائد بالمثير ويمكن القول أن الانتباه يتوسط عمليتي الإحساس والإدراك فإذا كان الإحساس هو عملية اكتشاف وتسليم المثيرات المختلفة عبر الأجهزة الحسية ونقلها إلى الدماغ فأن الانتباه يتضمن وضع هذه المثيرات (المعلومات) في مركز الشعور (مركز الوعي)، أما الإدراك فهو عملية تفسير المعنى وتأويله وإضافته إلى المعلومات المنبه لها، وإن العمليات الثلاث الإدراك والإحساس والانتباه هي عمليات مترابطة ومتتابعة فلا يمكن الانتباه إلى شيء ما لم يكن هناك منبه أو مثير يقوم باستثارة الخلايا العصبية المتخصصة الموجودة في الأجهزة الحسية المختلفة إذ تقوم باكتشاف المثيرات والمنبهات عن طريق عنصر الاكتشاف أو المستقبل) وهي مجموعة من الخلايا تستجيب لنوع معين من المثيرات من دون غيرها الأمر الذي يؤدي إلى تحويل هذه المثيرات أو المنبهات إلى إشارات أو نبضات كهروكيميائية ترسل إلى الدماغ، وتكون الاستجابات الفسيولوجية المصاحبة للانتباه مثل تمدد الأوعية الدموية الموجودة في الرأس، انقباض الأوعية الدموية الخارجية وتقليص بعض العضلات لاسيما في منطقة الرقبة والأكتاف والارتفاع في معدل دقات القلب، وكثرة التعرق في الجسم وغيرها كلها تعمل على تهيئة الكائن للانتباه إذ تسهم في تسهيل استقبال المثير بصورة كفوءة وفعالة وتهيئة الإنسان للاستجابة بسرعة لاسيما إذا كانت هذه الاستجابة مطلوبة والانتباه يسبق الإدراك ويعدله أي انه يهيئ الفرد للإدراك فإذا كان الانتباه يرتاد ويتحسس فأن الإدراك يكشف ويميز كما أن للانتباه والإدراك الحسي علاقة قوية بشخصية الفرد وتوافقه الاجتماعي فالعجز في الانتباه وعن
الصفحة 56
إدراك ما يرغب فيه الناس وما يشعرون به أحياناً وعن اثر سلوكنا فيهم وسلوكهم بنا مدعاة لسوء الفهم والتفاهم بيننا وبينهم وسبيل إلى سوء التوافق الاجتماعي.
نظريات الانتباه
شهدت الفترة التي اعقبت الحرب العالمية الثانية اهتماماً كبيراً بموضوع الانتباه اذ تركزت البحوث بشكل خاص الكيفية التي يستطيع فيها الفرد الانتباه الى مثير معين بين عدة مثيرات فالذي يحدث في حفلات الاعراس او الكوكتيل مثلاً، هو ان الفرد يستطيع سماع كلمات محاورة بوضوح على الرغم من الاصوات العالية والصخب في الحفلة.
وقام شيري (Cherry (1953) والذي يعد رائد دراسات الانتباه . خلال من تجربته الاستماع المزدوج والتي فتحت افاقا علمية واسعة مهدت لظهور نظريات ونماذج عديدة مختلفة في موضوع الانتباه، اذ قام باعطاء المفحوصين رسالتين سمعتين مختلفتين عبر سماعة اذن في ان واحد كل رسالة الى اذن وطلب من المفحوص ان يركز انتباهه الى احدى الرسالتين من خلال ترديد محتوى الرسالة مع اهمال الرسالة الأخرى وتوصل (شيري) الى ان المفحوصين لم يستطيعوا إخباره شيء عن محتوى الرسالة غير المنتبه لها.
لكنهم تمكنوا من معرفة الصوت رجالي كان ام نسائي ومعرفة ما اذا كانت الرسالة قد تحولت من صوت انسان (Voice) الى نغمة نقية لكنهم لم يلاحظوا اذا ما كانت الرسالة قد تغيرت من الانكليزية الى الفرنسية، وقد كانت نتائج هذه التجربة ظهور العديد من النظريات التي حاولت تفسير الانتباه وهي:-
الصفحة 57
-1- نظرية المصفاة لبرودنت (1958) Broadbent) تركزت هذه النظرية على فكرة اساسية هي ان انتباه الانسان للمثيرات والمعلومات القادمة عبر القنوات الحسية محدد وانتقائي وان هناك مصفاة داخل الانسان يبعد او يحذف المنبهات او المثيرات او المعلومات التي ينتبه لها، وهذا الانتقال يحصل من جانب القنوات الحسية التي تكون قناة منفصلة لنقل المعلومات الى المصفاة واذا حدث ان استقبل الفرد مثيرين سمعيين مختلفيين في آن واحد فان الاذان تكون قناتين منفصلتين واحدة لكل مثير استنادا الى الخصائص الفيزيائية لهذا المثير او ذاك.
ويصف برودبنت نظريته من خلال تشبيه عملية انتقاء مثير معين من مجموعة من المثيرات بأنبوب يشبه حرف (Y) اذ يشير الى ان نمطاً واحداً من المثيرات فقط هو الذي يمر عبر الأنبوب في لحظة واحدة وان دخول مثيرين في اللحظة نفسها يعني ان احدهما سوف يمر ينتبه (له والاخر سوف يهمل.
يؤكد برود بنت على المبادىء الاتية في توضيح نظريته
1- ان النظام الادراكي للانسان لا يستطيع استيعاب الكم الهائل من المنبهات والمعلومات القادمة الحواس في كل لحظة فهو ذو سعة محدودة ومن ثم عبريحتاج الى نوع من التصفية والتقنين والانتقاء للمنبهات.
2- ان المستقبلات الحسية تستلم المثيرات المختلفة (سمعية بصرية جلدية، شمية، .... الى آخره ) ثم تحللها بصورة اولية وترسلها الى مخزن الذاكرة قصيرة المدى اذ تبقى لمدة قصيرة ثم تنتقل الى جهاز المصفاة الانتقائية التي تعمل بمثابة مصد وقتي للمعلومات
الصفحة 58
3- تقوم المصفاة الانتقائية بسلسلة من عمليات التحليل المركزي لهذه المعلومات يتم انتقاء معلومات محددة يحتاجها الفرد وإهمال معلومات اخرى غيرمقيدة فهو:
- يعمل على فرز المعلومات المفيدة من غير المفيدة.
- يعمل بنظام الكل او اللاشيء، اما ان ينتبه الى المعلومة او تحمل تماماً.
4- تنتقل المعلومات من المصفاة الانتقالية (لا) تمر اكثر من معلومة واحدة في آن واحد الى جهاز النظام الادراكي ذي السعة او القابلية المحدودة، اذ تحدث عمليات التفسير او التأويل واضفاء المعاني والدلالات والتشفير ويشبه برودبنت هذا الجهاز بمعالج كومبيوتر مركزي اذ تحدث فيه عمليات التنظيم والمعالجة المعلوماتية.
ویری برود بنت ان العمليات الخاصة في كل من مخزن الذاكرة قصيرة المدى والمصفاة الانتقائية وجهاز السعة او القابلية المحدودة تحدث في آن واحد وبصورة متزامنة اذ يتم التحليل الأولي للمعلومات (المنبهات) في الذاكرة قصيرة المدى ثم تتم عملية انتقاء المعلومات المهمة من المصفاة الانتقائية وبعدها تضفى المعاني والتفسيرات والتشفير في جهاز القابلية المحدودة حيث تحدث عملية التعرف، ولما كان جهاز القابلية المحدودة لا يستوعب أكثر من معلومة واحدة من قناة واحدة في آن واحد فأن المصفاة الانتقائية الواقعة بين مخزن الذاكرة القصيرة المدى وبين جهاز المحدودة يسمح بالانتباه فقط لمصدر واحد من المعلومات، فمثلا ما يحدث في المناسبات او حفلة الكوكتيل هو ان تقوم الاحساسات باستقبال العديد من المثيرات السمعية والبصرية وترسلها الى مخزن الذاكرة قصيرة المدى اذ تخزن لمدة
الصفحة 59
قصيرة (بضعة ثوان في الاغلب لكن الانتباه يتم لمثير واحد فقط حيث يسحب من المخزن الى المصفاة الانتقائية ومن ثم الى جهاز القابلية ذي السعة المحدودة لتتم عملية التعرف.
2 - نظرية تريزمان
لم تستطع نظرية المصفاة لبرود بنت ان تفسر حقيقة ان بعض المعاني والمعلومات قد تمر من | المصفاة عبر القناة غير المنتبه لها فعلى الرغم من ان المفحوص لا ينتبه الى القناة او الرسالة غير المنتبه لها الا ان هناك بعض المعلومات يمكن ان تتسرب في الوعي (الشعور)، اذ بين (موراي عام (1959) ان المفحوصين في المهمات الثنائية يلاحظون ان اسماءهم الخاصة قد ذكرت في القناة غير المنتبه لها واشارت تريزمان) الى ان هناك احتمالية عالية لان يردد المفحوص الكلمات الواردة في الرسالة غير المنتبه لها لا سيما اذا كان محتوى كلماتها مشابه محتوى الكلمات الواردة في الرسالة المنتبه لها والتي يرددها المفحوص
ان وجهة النظر التي تقول ان بعض المعلومات وليس كلها تمر من خلال كل القنوات ادت الى تقديم تريزمان أنموذج التخفيف او الاضعاف اذ افترضت:
-ان المصفاة الانتقائية لا تعمل بطريقة الكل او اللاشيء أي اما ان يحصل انتباه وانتقاء للمعلومة او المثير او ان تحمل وتختفي، كما اقترح برودبنت انما هناك احتمال قائم في ان بعض المعلومات غير المنتبه لها يمكن ان تمر عبرالمصفاة.
-ان مفهوم التخفيف او الاضعاف يفترض ان الرسالة غير المنتبه لها (تخفف او تضعف) ولكن لا تحمل او تبعد ابدا ، وهكذا فان المصفاة على وفق هذه
الصفحة 60
النظرية لا تقلل من كمية المعلومات المتوافرة في القناة غير المنتبه لها وانما لا تسمح لهذه المعلومات من ان تحلل بصورة كاملة، وعندما ينتبه الفرد الى موضوع محدد فانه يقوم بتحليل مفردات هذا الموضوع كلها، اما المعلومات من القناة الاخرى فانه في الحقيقة لا يعالج اكثر من (%10) منها وهي نسبة كافية لكي يستطيع الفرد سماع اسمه او أي معلومة مهمة بالنسبة له
ترى تريزمان ان الانتباه يعمل على مستويين الاول هو ان الانتباه يمكن ان يحدث عبر القنوات الحسية (كما هو في انموذج برود بنت) اذ ان المصفاة تنتقي صوتاً معيناً من بين اصوات متعددة من خلال تحليل الخصائص الفيزيائية للصوت فتكون قناة خاصة بها.
اما المستوى الثاني فهو مستوى المعاني، اذ ينبغي للمفحوص ان يتعرف على المثيرات قبل ان يرفضها او ينتقيها، فمثلاً لو اعطيت قائمة من الكلمات لمجموعة من الافراد ودربوا على تذكر كلمات محددة من بين الكلمات المكتوبة في القائمة فانهم سوف يتعرفون على كل كلمة قبل ان يقرروا فيما اذا كان عليهم اعادتها مرة ثانية ، ونحن في العادة نتذكر المعاني والافكار من دون ان تعرف هوية مصدرها.
وهذا النوع من الانتباه يسمى انموذج الانتقاء المبكر، لان الجزء المهم والمحدد من المعلومات الاتية (وليس كلها) يعمل اتصالاً مباشراً مع الذاكرة، اما المعلومات غير المهمة فانها تخفف تماما.
الصفحة 61
4- نظرية نورمان
ترى هذه النظرية ان كل المعلومات (المدخلات) يتم التعرف عليها حتى تلك التي جاءت من القناة غير المنتبه لها، وان المفحوصين يعرفون الكلمات التي سمعوها في الاذن غير المنتبه لها غير انهم لا يستطيعون معالجة تلك المعلومات باكثر من عملية التعرف لان انتباههم يكون قد ركز على المعلومات الواردة في الرسالة المنتبه لها وتؤكد هذه النظرية ان المعلومات يتم التعرف عليها قبل حدوث عملية الانتباه اذ تتلقى معالجة ادراكية (تحليل) من خلال اثارة دلائلها وتمثيلاتها في الذاكرة، وان عملية الانتباه تحصل من خلال انتقاء المعلومات التي يتم التعرف عليها والتي تلقت معالجات تحليلية في الذاكرة، ويشير نورمان ان المدخلات التي تستقبل ترسل الى الذاكرة حيث تحصل عملية التعرف من خلال تحليل وتأويل دلالاتها وتمثيلاتها وبعد ان تتم عملية التعرف تحصل عملية الانتباه لمعلومات منتقاة وهكذا فان الانتباه يلي عملية التعرف. ويمكن القول أن الإنسان يقوم باستقبال المثير والتعرف عليه من من معطيات الذاكرة وبعد ذلك يقوم بانتقاء المعلومات التي سوف ينتبه الاستفادة لها من خلال المصفاة الانتقائية التي تنتقي المعلومات المهمة فقط وليس أنموذج
نورمان أيضا (النموذج الانتقاء المتأخر) اذ ان المعلومات تتلقى معالجة ادراكية وتحليلية، ومن ثم تتم عملية الانتباه الانتقائي.
الصفحة 62
5- نظرية بوزنر وشنايدر
طور كل من بوزنر وشنايدر مفهوم التفريق بين العملية الذاتية (التقائية) للانتباه وبين الانتباه الشعوري، واقترحا ان هناك ثلاث معايير عملية يتم من خلالها عد عملية الانتباه تلقائية وهو :-
- يجب ان يحصل الانتباه من دون قصد.
- يجب ان لا تحصل اية اثارة للوعي الشعوري.
- يجب ان لا يحدث تداخل مع أي فعالية او عملية عقلية.
وقد ربط بوزنر العمليات التلقائية للانتباه مع مفهوم المسلك النفسي الذي يعرفه بانه نمط الترميز الداخلي وارتباطاته او علاقاته التي تنشط بصورة تلقائية من خلال عرض المثيرات وايضا افترض بوزنر ايضا ان الفعالية التلقائية تحصل نتيجة للتعلم الأولي. وبالمقابل فان الانتباه الشعوري يمكن ان يستعمل بطريقة مرنة تماماً في بعض مراحل معالجة المعلومات وان الانتباه الشعوري يمكن ان يستعمل لعمل استجابة معرفية مهمة كالاسترجاع من الذاكرة او افتراض المفاهيم ويمكن ايضا ان يطبق في العمليات التلقائية بصورة اقل نجاحاً وبموجب هذه النظرية فان الانتباه يكون على مستويين الاول مستوى العملية التلقائية اذ يقسم الاداء فيها بالسرعة بسبب وجود ما يشابهها في الذاكرة ومستوى الانتباه الشعوري الذي يتسم فيه الاداء بالبطىء النسبي مقارنة بالمستوى الاول.
ومما تقدم نستنتج ان النظريات المبكرة في الانتباه اكدت على ان المعلومات التي يستطيع الفرد معالجتها في وقت واحد تكون محدودة الى حد بعيد، وان المفهوم المشترك بين هذه النظريات هو ما يسمى (عنق الزجاجة) والذي يكون على شكل
الصفحة 63
الحرف (Y) والذي يسمح بعبور كمية محدودة من المعلومات الى الدماغ على الرغم من تعرض الفرد الى عدد كبير من المثيرات.
6- انموذج القنوات المستقلة شيفرين وآخرون
فسر شيفرين وزملائه نتائج دراساتهم ودراسة سوركن وبولمان ليسندوا ويدعموا انموذج القنوات المستقلة ويسمى ايضا انموذج القنوات المتوازية وفيه تدخل المعلومات الى جهاز التحكم الحسي من خلال قنوات متعددة وفيه لا يحصل أي تخفيض او اضعاف انتباهي عند مستوى الذاكرة قصيرة المدى.
ليس هناك اثر إدراكي في أنموذج القنوات المستقلة (المتوازية) على الإطلاق، إنما كل المعلومات تمر في ذاكرة قصيرة المدى وتحلل بواسطة جهاز التعرف. كما ان انتقاء المعلومات يتم في مستوى الذاكرة قصيرة المدى، بعض المعلومات يتم تحليلها وتفسيرها وإضفاء المعاني والرموز عليها وربطها بمعلومات وأفكار أخرى موجودة في مخزن الذاكرة طويلة المدى.
لدينا الآن نماذج متناقضة في تفسير عملية الانتباه ولدينا ايضا نتائج متناقضة بشكل واضح، فلو أخذنا أنموذج لتفسير نتائج دراسة شيفرين وزملائه، فانها يجب ان تفترض اننا نستطيع التعامل مع اصوات متناغمة مخفية او مطمورة في الضوضاء عندما نقسم انتباهنا بالتساوي بين قناتين لهذا) يكون الاضعاف في كل قناة بحدود %50 مثلما ننتبه بشكل كامل لقناة واحدة.
كما اننا لو اعتمدنا أنموذج القنوات المستقلة لشيفرين وزملائه لتفسير نتائج دراسة تريزمان وجيفن والتي كانت نتائجها ان (90%) من الكلمات المستهدفة قد اكتشفت في القناة الرئيسية وحوالي (9%) فقط من الكلمات قد سمعت في القناة
الصفحة 64
غير المنبهة، يجب ان نفترض ان الكلمة في الاذن غير المحجوبة قد لوحظت وأدخلت إلى مخزن الذاكرة قصيرة المدى وبعد ذلك نسيت، كل هذا حصل قبل ان يتمكن المفحوص من عمل استجابة صريحة الطباعة على الآلة الكاتبة)، وهذا بالضبط ما افترضه شيفرين وزملائه.
7- نظرية شنايدر وشيفرين
قدم كل من والتر) شنايدر وريتشارد شيفرين مستويين من العمليات ذات الصلة بالانتباه هما:
أ- العملية الذاتية أو التلقائية: وهذه تستعمل في المهام السهلة والتي تتضمن مفردات مألوفة بشكل كبير. سائق السيارة مثلا لا يحتاج إلى طاقة انتباهية تستلزم تركيزاً عالياً عندما يرى الضوء الأحمر عند إشارة المرور وكل الفعاليات الحركية الحاصلة بعد ذلك الضغط على عتلة الوقوف وغيرها) تمثل اداء اعتيادياً مكرراً لا يحتاج إلى جهد وطاقة كبيرة وتكون العملية التلقائية سريعة نسبياً.
ب عملية التحكم أو السيطرة: والتي تستعمل في المهام الصعبة والأداء على مستوى عملية السيطرة ويحتاج الى جهد انتباهي عال لانه يتعامل اساساً مع مهمات غير مألوفة (Unfamiliar) تنطوي على مثيرات ومتشعبة وتكون هذه العملية بطيئة نسبياً.
ان العملية الذاتية او التلقائية تكون متوازية وهذا يعني ان الفرد يستطيع التعامل مع مثيرين او اكثر في آن واحد اما عملية التحكم او السيطرة فتكون متوالية وهذا يعني ان الفرد يستطيع التعامل مع مثير واحد فقط في كل مرة.
الصفحة 65
وحسب شنايدر وشيفرين فانه عند تقسيم الانتباه على مهمين او مثيرين في آن واحد، فان الفرد يستخدم العملية الذاتية او التلقائية للانتباه وذلك للاستجابة لكلتي المهمتين او المثيرين، كما ان هناك علاقة بين التدريب والعملية الذاتية او التلقائية للانتباه إذ ان الفرد المدرب على مهمات تتطلب تقسيم انتباهه على اكثر من مثير وتكون العملية التلقائية لديه سهلة وممكنة لانجاز هذه المهمات بشكل جيد
حاولت نظرية شنايدر وشيفرين ان تجمع بصورة نظرية وتحريبية بين الانتباه التلقائي والذاكرة قصيرة المدى، ومع ان الافكار الرئيسية لهذه النظرية تشبه ما طرحه (بوزنر (Posner) الا ان سترنبرك Sternberg) قدم عام (1975) طريقة مبسطة لفحص الذاكرة قصيرة المدى من خلال عرض مجموعة من المثيرات وادخالها الى الذاكرة قصيرة المدى، فوجد ان زمن الرجع أي الزمن المطلوب للاستجابة بالاعتماد على المعلومات المخزونة في الذاكرة قصيرة المدى يزداد بحدود 40 ملمي ثانية بعد كل فقرة جديدة، وكان من نتائج بحوث شنايدر وشيفرين ان ظهرت نظرية عامة للذاكرة والانتباه، إذ عد مخزن الذاكرة طويلة المدى بمثابة تجميع للتفصيلات المتعلقة بالمفاهيم وعلاقاتها البينية وان لكل من الذاكرة طويلة المدى والذاكرة قصيرة المدى، مخزنا خاصا بها، وقد تمخض عن هذا ظهور أنموذج اتكنسون وشيفرين للذاكرة والانتباه الذي يؤكد على انبناء المعلومات التي يتلقاها الفرد عبر الاجهزة الحسية في الذاكرة يعتمد على:
1 الانتباه للمعلومات الآتية من خلال الأجهزة الحسية.
2 الكيفية التي يتم من خلالها التعامل مع تلك المعلومات.
الصفحة 66
اذن الإنسان يتعرض في كل لحظة إلى كمية كبيرة من المثيرات والمنبهات والمعلومات إلا انه يتعامل مع المعلومات من خلال الحواس إذ تدخل إلى جهاز الذاكرة الحسية أو المخزن الحسي على شكل انطباع حسي أو اثر عابر وهذا الانطباع أو الأثر العابر سوف يختفي بعد جزء من الثانية ما لم ينتبه إليه، إذ ان الانتباه لهذه المعلومات الحسية سوف يجعلها تنتقل إلى جهاز الذاكرة قصيرة المدى الذي يختزن كل المعلومات والخبرات التي ينتبه اليها الفرد في وقت محدد، ويقوم بخزنها لمدة مؤقتة تتراوح بحدود (15) ثانية اما اذا لم ينتبه الفرد الى هذه المعلومات فانها سوف تنسى بعد جزء من الثانية، وتعتمد عملية انتقال المعلومات الى جهاز الذاكرة طويلة المدى على الطريقة التي تتم بها معالجة المعلومات من حيث تحليلها وتفسيرها واضفاء المعاني والرموز عليها وربطها بمعلومات وافكار اخرى موجودة في مخزن الذاكرة طويلة المدى، بمعنى آخر ان المعلومات في الذاكرة قصيرة المدى يتم التعرف عليها ومن ثم تنتقل الى جهاز الذاكرة طويلة المدى.
9 نظرية توريزمان وجلايد
تسمى هذه النظرية بنظرية تكامل الصورة أو المعالم وهي تشبه في خطوطها العامة نظريق بوزنر (Posner) و شنايدر و شيفرين ميزات تريزمان بين نوعين من العمليات الادراكية ان الفرد (حسب نظرية تكامل المعالم (لتريزمان يستطيع معالجة المنظر او المشهد بصورة تلقائية بحيث يعالج كل أجزاء المشهد في نفس الوقت، وبقية المشاهد تتطلب انتباهاً مركزاً بحيث يعالج الفرد كل مفردة من المشهد على حدة، وتشير نظرية تكامل الصور او المعالم إلى وجود مرحلتين، الأولى تسمى بمرحلة معالجة المعلومات ما قبل الانتباه والتي تتضمن تسجيل المعالم والصور بصورة تلقائية مستخدمة عملية المعالجة المتوازية خلال
الصفحة 67
المحال وان عملية معالجة المعلومات ما قبل الانتباه تكون نسبيا بمستوى واطئ من المعالجة لهذا فهي مساوية تقريبا للعملية التلقائية كما ان هذا النوع من المعالجة (ما قبل (الانتباه تحدث بدون جهد يذكر ولا يعي الفرد بهذه العملية عندما تحدث، والمرحلة الثانية من نظرية تريزمان هي الانتباه المركز والتي تتضمن معالجة المعلومات بصورة متوالية أو متسلسلة وفيها تشخص الأشياء كل على حدة. وعملية تركيز الانتباه تحتاج الى جهد اكبر كلما كانت الاشياء اكثر تعقيدا. كما ان الانتباه المركز يكون مساوي تقريبا لعملية السيطرة او التحكم عند شنايدر وشيفرين
الصفحة 68
الفصل الرابع: الإدراك
مقدمة
ان موضوع الادراك من المواضيع ذات الأهمية لدى علماء النفس المعرفيين بشكل خاص فهو يمثل العملية الرئيسة التي من خلالها تمثل الأشياء في العالم الخارجي واعطاؤها المعاني الخاصة بها وتمكن الأفراد من فهم العالم الخارجي المحيط بهم والتكيف معه من خلال اختيار الأنماط السلوكية المناسبة في ضوء المعاني والتغيرات التي يتم تكوينها للأشياء، ويتفق علماء النفس ان الادراك هو محاولة فهم العالم من حولنا من خلال تفسير المعلومات القادمة من الحواس إلى الدماغ الانساني والفهم هنا ينطوي على التفسير والترميز والتحليل والتخزين والاستجابة الخارجية عند الحاجة، ومن هنا يرتبط الادراك بقدرة الانسان على تنظيم الاحساسات التي تزودنا بها الحواس أو العملية التي عن طريقها ينسق عمل الحواس ويجعلها ذات معنى وبناءاً على ذلك فان الاحساس هو المصدر الأساسي الذي يغذي عمليات الادراك فضلاً عن المعلومات المستقاة من الخبرات السابقة، وان وظيفة الحواس هي نقل جميع التغيرات التي تحدث في البيئة ليقوم الدماغ بتحليلها وفهمها وتخزينها ضمن خبرة الفرد والاستجابة لها عند الحاجة، وهذه المفاهيم تنسجم مع رأي بياجيه الذي عد الادراك وسيلة للتكيف مع البيئة ومثيراتها المختلفة، يرتبط الادراك إرتباطاً وثيقاً بالاحساس لذا لا يمكن الحديث عن عملية الادراك بمعزل عن عملية الاحساس ولكنهما ليسا عملية واحدة إذ توجد فروق بين العمليتين فالاحساس عملية فسيولوجية تتمثل في استقبال الاثارة الحسية من العالم
الصفحة 71
الخارجي وتحويلها إلى نبضات كهر وعصبية في النظام العصبي، في حين ان الادراك هو عملية تفسير لهذه النبضات وإعطاءها المعاني الخاصة بها وهو عملية نفسية ذات بعد حسي يرتبط بالاحساس من جهة وبعد معرفي يرتبط بالتفكير والتذكر من جهة أخرى، إذ ان تفسير الانطباعات الحسية يعتمد على الخبرات المخزنة في الذاكرة، وهكذا يمكن القول بان الاحساس هو الوعي أو الشعور بوجود الشيء من خلال الاثارة القادمة عبر المجسات الحسية في حين ان الادراك هو المعنى أو التفسير الذي يعطى لمثل الاثارة إعتماداً على الخبرة السابقة وبالرغم من ارتباط الادراك بالاحساس في الكثير من الحالات الا انه في حالات أخرى لا يرتبط ادراكنا للأشياء بعملية الاحساس بها، أي لا يعتمد الادراك على الاحساس دائماً فالاحساس هو بمثابة تشكيل تصور أو انطباع حسي في حين ان الادراك هو تفسير لهذا الانطباع واعطاءه المعنى الخاص به.
لمحة تاريخية عن الادراك :
إن الموضوع الإدراك تاريخ طويل في الفكر الانساني، فقد كان موضع خلاف بين الفلاسفة وعلماء النفس، وقد انقسم الفلاسفة ازاءه على مدرستين كبيرتين التجريبيين الذين يعتمدون على الحواس على إعتبار إنها أساس المعرفة اليقينية، والعقليين الذين لا يؤمنون بالحواس وما فيها من خداع، ويعدون الإدراك العقلي هو أساس المعرفة اليقينية، وفي علم النفس يعد الادراك الحسي الموضوع الأول في علم النفس التجريبي الذي أسسه فونت في أول مختبر لعلم النفس التجريبي عام 1876 في المانيا وكانت معظم التجارب تدور حول الاحساسات والإدراك خاصة في ميدان الرؤية وأيضاً في ميادين السمع واللمس والمذاق، وإدراك الزمن وعملية الإدراك من القضايا الأساسية إذ إنه موضوع واسع ويشمل عمليات عقلية
الصفحة 72
كثيرة، ولذلك جاءت دراسات الإدراك متنوعة منها ما يخص الإدراكات الحسية وخاصة البصرية ومنها ما يخص إدراك الذات، وإدراك سلوك الآخرين، وإدراك الحوادث والظواهر المختلفة والادراك عند الأسوياء وغير الأسوياء وإن الاحساس عند الانسان هو ليس نتاج النمو البيولوجي لكنه ايضاً نتاج التاريخ الاجتماعي للانسانية إذا كان الانسان يتعرض لكثير من المثيرات فليس كل المنبهات تستدعي إحساسات فنحن لانرى كل النجوم في السماء ليلاً على الرغم مما يصدر من شعاع ولانستطيع سماع كل الأصوات على الرغم من ان موجات الأصوات المنخفضة تصل إلى جهازنا السمعي وصف الفيلسوف افلاطون قبل حوالي (2400 سنة) الإدراك بقوله باننا ندرك الأشياء من خلال الاحساس وبمساعدة العقل من أجل أن نبني العالم في ذهننا يجب أن نستكشف القوة الفيزيائية من البيئة ونحولها لرموز محايدة والتي تدعى بالاحساس، يجب علينا أن نختار وننظم ونحول مشاعرنا وهذا ما ندعوه بالادراك فنحن لسنا نتحسس الاشارات والأصوات المجردة فنحن نستذوقها ونستنشقها وهذا يعني اننا ندرك ان الانسان يحتاج ان يتكيف مع بيئته إلى معرفة ماذا يحدث في العالم من حوله، فتقوم الحواس باخباره عن وجود الموضوعات خارج ذاته، ومن ثم يقوم الادراك بتفسير الموضوعات وتعرف ماهية الشيء ومكانه وماذا يعمل ومن خلال عملية التكامل بين الحواس والادراك معاً يتم الاتصال مع الدماغ لتشكيل التمثيلات العقلية.
وهكذا نجد إن دراسة الإدراك ترتبط ارتباطاً وثيقاً بدراسة العمليات المعرفية كالتذكر والتفكير والانتباه، لذا من الصعب وضع خط فاصل بين الاحساس والادراك والمعرفة ذلك لأن الادراك قدرة معرفية متعددة الجوانب، فالوعي يؤثر في الادراك من خلال التفسير للأشياء المحيطة تبعاً للحالة التي يكون فيها الفرد كما
الصفحة 73
يحدث تجهيز المعلومات في أثناء الادراك فنحن نقرر أي معلومات سوف ننتبه اليها بعد ذلك ونوازن المواقف الماضية بالحاضرة لنصل الى تفسيرات، كذلك الذاكرة تدخل في الإدراك بفك رموز المعاني فيوازن الأصوات والأحاسيس بخبرات مماثلة في الذاكرة، واختبار الفرض الذي يعد مكوناً رئيساً من مكونات تجهيز المعلومات في الادراك، وبما إن العمليات المعرفية جميعها متشابكة، فإننا نبدأ بالإدراك لأنه نقطة التقاء المعرفة بالواقع ولكونه أكثر الأنشطة المعرفية، أما عن علاقة التفكير بالادراك فان دي بونو يرى انه عندما تعلم التلاميذ التفكير فإننا نعلمهم الادراك. أما في علاقة الادراك بالتعلم، فيعد الادراك أحد أهم مفاتيح التعلم ووسائله الفعالة إذ ان التعلم الفعال يتطلب إدراك فعال للمثيرات التي يستقبلها المتعلم من البيئة المحيطة واعطائها قيمة ومعنى يسهل عملية استرجاعها في المستقبل، لأن التعلم هو تغير في السلوك ناتج عن تغير في ظروف البيئة المحيطة لذلك يكمن دور الادراك في تفسير تغيرات البيئة ودمجها مع خبرات الفرد السابقة بطريقة تساعد على تنمية البنية المعرفية للفرد.
أنماط الإدراك:
من أهم الأنماط الادراكية التي توصلت اليها الكثير من البحوث النفسية وهي:
الصفحة 74
أنواع الإدراك:
1. الإدراك المتميز المفضل : كأن ندرك الشيء ذاته فندرك الماء للشرب.
2. إدراك ينطوي على المعاني والدلالات: بمعنى أن ندرك الأشياء لغيرها، فوجود كفتي الميزان في المحكمة بشكل متساو دلالة على العدل.
مراحل الادراك:
1. مرحلة حدوث الاحساس: تتكون هذه المرحلة عند وجود المثيرات الحسية وتقبل المستقبلات الحسية عند استلامها .
2 مرحلة توجيه المثيرات بعد حدوث الفعاليات الحسية واستلام المثيرات الحسية تنتقى المثيرات لغرض توجيهها وتنظيمها وتوصيلها إلى المراكز الحسية في الدماغ عبر الممرات العصبية والدورة العصبية. 3 مرحلة الاستجابة إن تكوين وتصدير الاستجابة يعتمد على نوع المثير الحسي والمركز الحسي المستقبل والمصدر عبر الدورة العصبية المنظمة وهذه
الصفحة 75
الاستجابة تمثل عملية الادراك المتكونة على وفق تسلسل وقواعد
ومتطلبات المراحل المكونة لها.
شروط الادراك:
الخداعات والهلاوس
الخداع الادراكي: هو سوء إدراك الحقيقة أو عدم إدراك الشيء المدرك كما هو، ويتضمن رؤية شيء في غير مكانه أو رؤية أو احساس بشيء غير موجود فالذرة الصغيرة إن دخلت العين أدركها الفرد كأنها كبيرة . كما تسمع صوت اغلاق الباب فنحسبه صرخة.
أنواع الخداع :
1 الخداع الطبيعي مثل : السراب ، إنكسار العصا في الماء، رؤية الاسماك في البحار أقرب من بعدها الحقيقي.
الصفحة 76
الخداع الى إن الانسان لا يميل إلى تحليل الأشياء بل الى إدراكها إجمالياً
والدليل على ذلك إنك لو بدأت بالتحليل زال الخداع.
الهلاوس: هي مدركات لا أساس لها من الصحة، وتنشا عن تخيلات وصور ذهنية
غير واقعية تسيطر على الفرد ويستجيب لها الفرد كما لو كانت واقعية ومن
أنواعها :
1. هلاوس بصرية: رؤية أشباح تحدد الفرد.
2. هلاوس سمعية: أي يسمع الفرد أصوات تناديه.
3 هلاوس لمسية: أي يتخيل الفرد كأن أحداً يلمسه.
كيف يغير التعلم الادراك:
يتفق الجميع على إنّ الإدراك يتوقف على الخبرة السابقة، لكن السؤال المهم هو عن الجزء أو الأجزاء من الخبرة الماضية التي تؤثر في الإدراك من جهة وعن كيفية إثبات ذلك وإن المحاولات الكثيرة التي أجريت في هذا الصدد درست الآثار الواسعة للخبرات الحضارية كما درست العادات الإدراكية العامة وأنواع التدريب المختلفة ومجموعات التعليمات وغير ذلك من الأمور وهي:
1. أثر الحضارة :هناك ثمة فروق بين إدراكات الناس المختلفين المنتمين إلى حضارة متباينة، ومثل هذه الفروق تتجلى في طرق إدراكهم للأوهام وقد دلت دراسات كثيرة على ذلك.
2. الفروق في التدريب: تؤثر الفروق في التدريب، حتى ولو كانت طفيفة في إدراكاتنا، وقد برهن العلماء على ذلك بتجارب كثيرة.
الصفحة 77
3. التهيؤ : هو الاستعداد أو الاستجابة بطريقة معينة والتهيؤ يمكن أن يكون مبنياً على توقعات ناتجة عن الخبرة الماضية أو على تعليمات يعطيها المجرب. والتهيؤ قد يكون قصير الأمد أو طويل الأمد.
ثيات الإدراك:
يلحظ إن مدركات العالم الخارجي التي تثيرها الاحساسات تتمتع غالباً بالثبات إن حجم شخص ما يبقى على مسافة متر- يبقى نفسه على مسافة مترين ولا يصبح الضعف على الرغم من ان صورته الشبكية تختلف باختلاف المسافة كذلك يظل شكل طاولة مستديرة مستديراً على الرغم من صورتها الشبكية المتشكلة عندما ينظر اليها من زوايا مختلفة وعموما تبقى صفات الموضوع ثابتة تقريبا" في الادراك مع ان التنبيه الشبكي يتغير باستمرار وتعرف هذه الظاهرة بظاهرة الثبات (الادراكي وهي تشير إلى ان خصائص الأشياء المدركة لا تتعلق كلياً بالصورة الشبكية التي لا يمكن الاعتماد عليها وحدها بل تتعلق بالأشياء ذاتها، هذا وتعد ظاهرة الثبات مثالاً لفعالية الطبيعة ،الإدراكية وتوضح ان هناك عوامل متعددة تتفاعل وتتحكم في الظاهرة الادراكية تتعلق بالصفات الفيزيائية وبالصورة الشبكية وبالمجال البصري وبالسمات الذاتية ولاشك ايضا ان ظاهرة الثبات تساعد الكائن الحي على التكيف مع البيئة، لأن إدراك التغير المستمر لصفات صورة البيئة الشبكية يسبب تشوشاً. هذا ماهو حاصل في حالة رؤية السحاب مثلاً.
المظاهر العامة لعملية الإدراك:
الصفحة 78
يمكن إجمال المظاهر العامة لعملية الادراك بالآتي:
1. الإدراك يرتبط بالمعرفة ويعتمد عليها: الإدراك يعتمد على الخبرات والمواقف السابقة لأنها تشكل الإطار المرجعي الذي على أساسه تفسر المدخلات الحسية.
2. الإدراك عملية إستدلالية: :ايمتاز النظام الادراكي الانساني بقدرته على عمل الاستدلالات والاستنتاجات حول المثيرات والحوادث البيئية على الرغم من عدم توفير معلومات كافية حولها أو لوجود معلومات مشوهة عنها وهذا يعني إن النظام الادراكي يستخدم المتوفر من المعلومات الحسية عن المثيرات في إدراكها وتمييزها.
3. الإدراك عملية تصنيفية :تتيح عملية الإدراك إمكانية تصنيف وتبويب المدخلات الحسية في النظام المعرفي إذ من خلالها يمكن تجميع الاحساسات المتعلقة بالمثيرات المختلفة في فئات بناءاً على وجود الخصائص المشتركة بينها، فالفرد الذي لم ير طائر الكناري من قبل يمكنه إدراكه على إنه ينتمي إلى فئة الطيور لوجود عناصر التشابه مع الطيور مثل وجود الريش، والذيل، والمنقار، والجناحين.
4 الإدراك عملية علائقية (إرتباطية): إنّ وجود خصائص مشتركة بين المثيرات غير كاف لإدراك أوجه الشبه والاختلاف فيما بينها، إذ لابد من توفر آلية الربط وفهم طبيعة العلاقات القائمة بين تلك الخصائص، وعليه يوفر الإدراك معلومات إضافية تساعد في التعرف على الأشياء وتمييزها.
الصفحة 79
5. الإدراك عملية تكيفية :يمتاز النظام الإدراكي بالمرونة والقدرة على التكيف مع المثيرات المختلفة والأوضاع التي تستخدمها، فهو يتيح لنا امكانية اختيار بعض المثيرات دون غيرها أو اختيار خصائص محددة من دون المثيرات والانتباه والتركيز عليها في أثناء عملية معالجة المعلومات. فالمرونة والقدرة التكيفية للإدراك تمكننا من اتخاذ ردود الفعل السريعة حيال الكثير من المواقف ولاسيما الخطرة أو المفاجئة منها.
6. هناك بعض العمليات الادراكية تتم على نحو اتوماتيكي: وهنا لايمكن الشعور بها وانما يمكن الشعور أو الاحساس بنتائجها المترتبة عليها.
نماذج نظرية فسرت الإدراك:
1- النظريتان الخبريتان:
ثمة نظريتان تعللان الإدراك بالخبرة وأولى هاتين النظريتين هي النظرية التعاملية التي جاء بها ايمز عام (1951) كما جاء بها سواه من علماء النفس وترى هذه النظرية إن كل فرد من خلال تعامله مع محيطه الخاص والوحيد من نوعه،الصورينمي مجموعة محددة من الإدراكات يعالج بها التنوع اللامتناهي من الشبكية الممكنة والتي يتلقاها باستمرار وعلى أساس من خبرته يجري افتراضات عن كيفية بناء الواقع وهذه الافتراضات هي التي تحدد ما سوف تدركه، وهكذا فإن الإدراك لا يصبح عملاً متعلماً . من أعمال بناء الواقع، أما النظرية الثانية فهي النظرية الوظيفية الأحتمالية التي جاء بها برونزويك عام (1956) وهي تقول إنّ الإدراك يشتمل على البحث عن الأشارات المنبهة الخاصة التي يمكن الاعتماد عليها لقيادة السلوك، ويوجد في المحيط الطبيعي
الصفحة 80
بعض الأشارات المنبهة بكل نوع من المخلوقات التي تساعد على التكيف أكثر من سواها، وعلى المدرك أن يتعلم كيف يعين قيمة كل اشارة منبهة لكي يحدد أهميتها الإدراكية في محيطه.
2 الربطية البريطانية :
منذ القرن التاسع عشر قدم الفلاسفة الربطيون البريطانيون أمثال (لوك) و (بركلي) و(هيوم) نظرية عامة عن المعرفة والإدراك تركت آثارها في علم النفس منذ ذلك الحين، لقد قالوا بان معرفة الواقع لا يمكن أن تتأتى إلا عن الانطباعات التي تقع على جهاز الحس، ولقد كانوا يرون ان الأفكار البسيطة هي عناصر أولية للخبرة الحسية، أما الافكار المركبة (المعقدة) فهي تبنى عن طريق الارتباطات المتعلمة بين هذه العناصر البسيطة وهكذا فأن محتويات النفس يمكن تحليلها إلى هذه الوحدات الأساسية التي هي الحجارة التي يبنى منها الاحساس، وبسبب تشديدهم على الخبرة الحسية أكثر من تشديدهم على أساس فطري للمعرفة فانهم سموا بالخبريين البريطانيين، وإنهم لم يكونوا يهتمون بكيفية حدوث الإدراك وانما بدور الإدراك في معرفتنا للواقع ومن المعروف ان (لوك) كان يعد النفس لوحة بيضاء حين الولادة وان التعلم بالترابط هو الذي يزودها بالمعرفة.
-3 نظرية البيانات الحسية:
يرى جبسون ان الادراك مباشر لأن هناك معلومات كافية في بيئتنا لصنع هذا الاحساس بالعالم على وفق جبسون فأنه لاحاجة للمعالجة - أي معالجة البيانات الحسية (التفسير)- لأن المعلومات التي نستقبلها حول الحجم،
الصفحة 81
الشكل، المسافة.... الخ تفضيلات كافية لنا للتفاعل مع البيئة وهناك ثلاثة
مبادئ للإدراك المباشر:
المبدأ الاول: ينص على إنّ البيئة تحتوي على المعلومات الحسية التي نحتاج لتكوين إدراك دقيق.
أما المبدأ الثاني: فينص على ان الادراك مباشر وعفوي، ولهذا لا يستخدم أي استنتاجات لا شعورية.
والمبدأ الثالث: ينص على ان الادراك والسلوك مرتبطان إرتباطاً لايفك أو يحل وهذا يعني ان الادراك يستخدم لتوجيه السلوك وهذا السلوك يزودنا برموز اضافية لتعالج العملية عن طريق النظام الادراكي.
ويشير جبسون الى ان الإدراك عملية معالجة أسفل – أعلى هي التي تعني ان المعلومات الحسية تحلل باتجاه واحد من التحليل البسيط للبيانات الحسية الخام إلى التحليل المعقد المتزايد من خلال النظام البصري.
إن تنظيم المعلومات الواصلة إلى مستقبلاتنا الحسية تتضمن السياق الحسي وهذا كل ما نحتاج لإدراك أي شيء بمعنى آخر إننا لانحتاج إلى العمليات المعرفية العليا أو أي شيء آخر يتوسط بين خبراتنا الحسية وإدراكاتنا ووجود المعتقدات أو عمليات التفكير ذات المستويات العليا ليست ضرورية لعملية الإدراك، وبحسب جبسون إن في العالم الواقعي معلومات سياقية كافية موجودة عادة لصنع أحكام إدراكية وإنه لا توجد حاجة للإحتكام لعمليات الذكاء ذات المستويات العليا لتفسير الإدراك، إذ يعتقد حبسون إننا نستخدم هذه المعلومات السياقية مباشرة
الصفحة 82
لتلميحات العمق كدرجة ميل بنية الشيء في الإدراك المباشر تسعفنا علاقات التقارب أو التباعد في الموضوعات وأجزاء من الموضوعات قائمة على تحليلاتنا للعلاقات الثابتة بين مجموع عناصر الموضوع والمحيط في العالم الخارجي (الواقعي) أي ندرك بيئتنا مباشرة دون أن تسعفنا عمليات التفكير العليا ولإن هكذا معلومات سياقية ربما لا تكون ذات ضبط أصلاً في المختبر التجريبي لكنها تكون متاحة في محيط العالم الواقعي.
ويسعى جبسون إلى وضع نظرية عامة في الإدراك البصري، وكانت نقطة البداية من فكرة أن أنماط الضوء الواصلة إلى العين يمكن التفسير على انها منظومة بصرية محتوية كل المعلومات البصرية المتاحة على الشبكية وهذه المنظومة البصرية تزودنا بالمعلومات غير الغامضة حول تخطيط أو تصميم الموضوعات في المجال وهذه المعلومات تأتي بأشكال كثيرة، متضمنة أنماطا بصرية إنسيابية (متتابعة) وتراكيب متباينة ويشتمل الإدراك التقاط المعلومات الغنية التي نتزود بها عن طريق المنظومة البصرية في الأنموذج المباشر مع معالجة معلومات بسيطة أو لا تستلزم العملية المعالجة أبداً.
ومن الجوانب ذات الأهمية الخاصة في نظرية جبسون تكمن في افتراضه إن هناك علاقة حميمة بين الإدراك والسلوك ويمكن للملاحظ الحصول على المعلومات المتاحة حول البيئة عن طريق التحرك حولها على سبيل المثال: الأنماط البصرية الانسيابية موجودة فقط عندما يكون الأفراد في حالة حركة والأبحاث السابقة في الادراك البصري كانت قد قللت من أهمية الحركة بسبب ان دراسات التجريب الاصطناعي كشفتها ربما أحد أكثر الاسهامات أهمية في نظرية جبسون هو مفهوم
الصفحة 83
الأحتمالية إذ أشار إلى أنّ احتمالية استعمال البيئة يكون بـ (ما الشيء المقدم إلى الحيوان)، أما الشيء المزود به أو المجهز به، أو الشيء جيد أو الشيء سيء.
وقد عرف مارك (1987) الأحتمالية بانها:
"المنفعة الوظيفية للموضوعات البيئية المؤكدة أو أخذ تعقيدات الموضوع بالرجوع إلى الأفراد وقابليتهم السلوكية وقد أعطى جبسون أمثلة مختلفة للأحتمالية عن السطوح مثل: (القدرة على الوقوف) (القدرة على التسلق)، (القدرة على الجلوس) وأشار إلى ان السيكولوجيين يفترضون ان الموضوع مكون من خصائصه، لكنه اقترح أن ماهية الشيء الذي ندركه عندما تنظر إلى الموضوعات تكون في احتمالات استعمالاته وليس خصائصه، وإن أساس الأحتمالية من البيئة تكون في قدرة المدرك وعادة قدرة المدرك المباشرة من دون كم مفرط من التعلم، والخصائص الرئيسة للبيئة التي تصنع الإحتمالات والتي تكون محددة في البناء المحيط بالإنارة ومن هنا فإن الإحتمالات بذاتها تكون محددة بالمحيط المضيء فضلاً. متغيرات الثبات المتناسبة مع جسم الملاحظ نفسه تكون سهولة التقاطها أكثر من الأخرى التي تكون غير متناسبة مع جسمه.
إن مفتاح الإدراك البصري يتضمن الوصول إلى معنى للمعلومات البصرية التي تزود بها العيون ويفترض عادة اننا كي ندرك معنى البيئة يجب أن تشتمل العملية على المعرفة ذات العلاقة المخزنة في الذاكرة الطويلة المدى إلا ان جبسون لا يتفق مع هذه الفرضية، إذ أشار إلى ان كل الاستعمالات الكامنة للموضوعات التي أسماها الأحتمالات ذات قدرة إدراكية مباشرة وعلى سبيل المثال السلالم احتمال استعمالها للصعود أولاً والكراسي لأجل الجلوس ...الخ، وان أغلب الموضوعات تزيد عن أكثر احتمال ،واحد وعملياً إنّ احتمالية مؤثرة في السلوك لكونها
الصفحة84
تتحدد عن طريق الحالة الحالية للمدرك، وانّ هذا المفهوم يشكل جزءاً من محاولات جبسون في الاشارة إلى إن كل المعلومات التي نحتاج لصنع الاحساس بالبيئة البصرية تقدم مباشرة من المدخلات البصرية.
وقد ركزت النظرية على موضوعين أساسيين هما: الحركة والمظهر الخارجي إذ تؤكد ان بعض أجزاء البيعة الخفى أجزاء أخرى، أي إنها تنظر إلى الموضوع الجزئي وتهمل الكلي، وإن إدراك البيئة يكون عن طريقها الحركة إذ تتغير الأشكال من خلالها وتعد الحواس الخمس أنظمة إدراكية وليست قنوات للإحساس وتؤكد النظرية أهمية الخبرة الحسية لكنها تعدها ناتجاً ثانوياً منها كوحدات لبناء الإدراك.
لقد كان جبسون (1966) معارضاً وبشدة للفكرة القائمة على إن الادراك معالجة أعلى - أسفل وكان ينتقد نظرية كريكوري حول الأوهام البصرية على اعتبار انها أمثلة اصطناعية وليست بصور موجودة داخل البيئة البصرية الطبيعية الخاصة بنا، وهذا ما يعد حالة حاسمة بالنسبة لكريكوري لأنه يسلم بان عدم الادراك هو حالة استثنائية بدلاً . من كونها قاعدة وان الأوهام ظاهرة ممتعة إلا انها ليست بعامل حاسم للنزاع وتقضي دراسة جبسون (1966) بان الأدراك مباشر ولا يخضع لبوتقة الفرضيات وكما أقترحه كريكوري، وتوجد الكثير من المعلومات داخل بيئتنا للإحساس بالعالم بطريقة مباشرة فيما يخص جبسون (1966) ان الإدراك هو الإحساس أي ما نراه هو ما نفهمه ولا توجد هناك حاجة للمعالجة (التفسير) إذا ما كانت المعلومات التي نستلمها عن الحجم والشكل والمسافة الخ كافية عندنا للتفاعل مباشرةً مع البيئة فمثلاً ما يدعم الرأي القائل: بأن الإدراك مباشر هو التفسير الظاهري في الحركة فكلما نتحرك داخل بيئتنا تمر الأشياء المحيطة
الصفحة 85
بنا بشكل أسرع من تلك البعيدة عنا، وان السرعة النسبية لهذه الأشياء تشير إلى بعدها عنا، وهذا ماهو واضح عند تنقلنا داخل القطار السريع).
تقضي دراسة جبسون (1972-1988) بأنّ الإدراك عملية أسفل – أعلى والتي تقوم على تحليل المعلومات الحسية باتجاه واحد من التحليل البسيط للبيانات الحسية الأولية إلى التحليل المعقد والمتزايد عبر النظام البصري، وقد حاول جبسون تدريب الطيارين على الإدراك العميق خلال الحرب العالمية الثانية وقد قاد عمله هذا نحو الفكرة القائمة على ان إدراكنا للسطوح أكثر أهمية من إدراكنا للعمق والمساحة وان السطوح تشتمل على السمات الكافية للتفريق بين الأشياء، كما إن الإدراك يشتمل على تحديد وظيفة الشيء، وسواء كان ذلك الذي يمكن رميه أو الإمساك به أو يتم الجلوس عليه وما شابه، ولقد كان يعمل خلال الحرب العالمية الثانية على الحالات الخاصة باختيار وإجراء الاختبارات على ،الطيارين، ولقد توصل الى إنه خلال عمله الأول حول الملاحة أكتشف بما كان يسميه بـ" الأنماط المنسابة بصرياً " فعندما يصل الطيارون إلى نقطة الهبوط وهي النقطة التي يظهر خلالها سير الطيار بلا حركة تبدو بقية الأشياء الموجودة ضمن البيئة البصرية تتحرك بعيدا عن تلك النقطة، وحسب ما يقوله جبسون بانّ الأنماط المنسابة بصرياً تعطي معلومات واضحة عن الجاههم وسرعتهم وإرتفاعهم
الصفحة 86
المكونات المهمة الثلاثة لنظرية جبسون :
1 الأنماط المنسابة بصرياً.
2. السمات الثابتة.
3 العوامل المرشدة.
1- الضوء والبيئة - الأنماط المنسابة بصرياً
إن التغيرات الحاصلة في إنسيابية المجموعة البصرية تحتوي على معلومات مهمة عن ماهية نوع الحركة الحاصلة فمثلاً: إنّ أي إنسيابية في المجموعة البصرية يعني إنّ المدرك يتحرك، وإذا لم تكن هناك أية إنسيابية فهذا يعني إن المدرك ثابت، وستكون إنسيابية المجموعة البصرية أما من نقطة محددة أو التحرك نحو واحدة أخرى، وإن منتصف تلك الحركة يدل على الإتجاه الذي يسير نحو المدرك فإذا ما ظهرت الانسيابية من نقطة محددة فهذا يعني إن المدرك باتجاه تلك النقطة ولكن إذا يسير ظهرت الانسيابية متحركة نحو تلك النقطة فهذا يعني بأن المدرك ينتقل بعيدا" عنها، والنظر للأعلى للتحرك نحو الشيء، وللأسفل معناه الانتقال بعيدا، وإنّ المنبهات التي تصدر عن الأشياء تصل الى الحواس بنظام متكامل لا يحتاج . الانسان إلى أية مساعدة على الاطلاق لتكوين الإدراك.
دور الثوابت في الإدراك
قلما نشاهد منظراً ثابتا لشيء أو حدث، فعندما نقوم بتحريك رأسنا وعيوننا أو عندما نمشي داخل بيئتنا تقوم الأشياء بالتحرك وتخرج من نطاق مدى رؤيتنا وتتوسع تراكيب الشيء كلما نقترب منه وتتقلص كلما أبتعدنا عنه، ويوجد نمط أو تراكيب متوفرة في تدرجات مادة الشيء والتي تعد مصدراً من المعلومات حول البيئة
الصفحة 87
وتكون إنسيابية مادة الشيء هذه ثابتة، أي بمعنى تحدث دائماً في الطريقة نفسها كلما تقدمنا وتحركنا في بيئتنا وحسب جبسون تعد العلامة المباشرة المهمة للعمق.
- العوامل المرشدة:
وهي عبارة عن علامات داخل البيئة تساعد الإدراك وتشتمل هذه العلامات
- المجموعة الشبكية: وهي أنواع من الاضاءة التي تصل إلى العين من البيئة.
- السطوع النسبي: يتم إدراك الأشياء ذات الصور الأكثر سطوعاً وإشراقاً. - تدرجات المادة تصغر مكونات المادة كلما ابتعد ذلك الشيء وهذا ما يعطي صوراً صغيرة كلما تم الابتعاد أكثر .
- الوضع الفوقي: : اذا ماعملت صورة وشيء واحد على منع صورة الشيء الآخر يتم رؤية الشيء الأول بشكل أقرب.
- الارتفاع في مجال الرؤية :عادة ما تكون الأشياء الأكثر بعداً أعلى في
مجال الرؤية.
الصفحة 88
4 النظرية الجشتالية:
تعد المدرسة الجشتالتية الألمانية من المدارس الأساسية والمساهمة في ميدان التعرف على ظاهرة إدراك الشكل والصيغ التي تحيط بنا.
أما معنى، الجشتالت فهي كلمة ألمانية يقصد بها الشكل، أو الصيغة، أو الكل المنظم ويعرف الجشتالت بانه كل متسق أو منتظم تضفى عليه سمة الكل وتميزه عن مجموع أجزائه وإن سبب هذه التسمية يعود إلى دراسات أساتذة هذه المدرسة الألمان ومن أبرزهم (فرتيمر، وكوفكا ، وكوهلر (الذين) بحثوا في الادراك الحسي مع التركيز على إدراك الأشكال ككليات وليس كأجزاء منفصلة فالحقيقة الرئيسة في المدرك الحسي كما يرون، ليست هي العناصر أو الأجزاء التي يتكون منها المدرك، وانما الشكل أو البناء العام ككل، ومثال على ذلك إذا رأينا صورة جميلة فإننا ندركها كوحدة ذات معنى ونعجب بها ككل فلا ندرك اللون وحده ثم الشكل وحده ثم الحجم وحده، بل ندرك كل هذه الأمور مجتمعة معاً.
درس علم النفس الجشتالت جانب التعلم الإدراكي مشيراً الى إنه يجب معاملة بعض المثيرات ككليات ولا يمكن تجزئتها إلى أجزاء (عناصر) من دون أن تفقد معناها وقد وضع الجشتالتيون بعد ذلك مفهوم الاستبصار بمعنى الحل المفاجئ للمشكلة بدلاً من التدرج.
الجد ان المقالات التفسيرية التي يعتمد عليها الجشتالت في تفسيرهم للظواهر السيكولوجية هي قوانين تنظيم المحال الإدراكي لأن المبدأ العام الذي يقرره علماء هذه المدرسة هو إن الإدراك هو الوسيلة الأولى لاتصال الكائن الحي بالبيئة الخارجية، وإذا انعدمت هذه الوسيلة لأنتفت كل الظواهر النفسية ونجد ان المحال
الصفحة 89
الذي يباشر فيه الكائن العضوي سلوكه يسمى بالمجال السلوكي وهو في حالة التفاعل لا يخرج عن كونه المجال الإدراكي، ومن أوائل قوانين التنظيم للمحال الإدراكي هو إن الكل أكبر من مجموعة الأجزاء وذلك بفضل العلاقة الديناميكية التي توجد بين الأجزاء وبعضها في هذا الكل فجزء في كل غير هذا الجزء منعزل بنفسه أو في كل أمر وذلك على وفق الوظيفة التي يحتلها هذا الجزء في كل حالة من هذه الحالات ويرتبط بهذا المبدأ العام مبدأ آخر هو ان كل إدراك شكل على أرضية فالعناصر السائدة انما تتمايز عن طريق كونها شكلاً والعناصر التابعة إنما تندرج في الأرضية والشكل يخضع في إدراكه لمجموعة من القواعد والقوانين التي تبين العلاقات الديناميكية بين أطرافه إنّ الكائن الحي في موقف جديد إنما يخضع في المجال الخارجي ولاشك إنّ أهم قانون يخضع له المجال الادراكي هو قانون التنظيم الذي يسمى أحياناً بقانون الشكل الجيد وهذا القانون في الواقع ماهو إلا تلخيص للمبدأين السابقين وهما إنّ الكل أكبر من الأجزاء وإن إدراك الكل سابق على إدراك الأجزاء المكونة له والتعلم عند الجشتالت هو فهم حقيقة للعلاقات القائمة بين الأجزاء بحيث يصبح معنى وهو أيضاً عملية حيوية نشطة تقوم على إعادة تنظيم الموقف وليس عملية آلية تقوم على التكرار أو تقوية بالتعزيز كما يرى السلوكيون ولذلك يكتسب المتعلم بتعليمه خبرة يصعب نسيانها ويمكن أن يستثمرها في المواقف المشابهة.
وتوصلت النظرية إلى ثبات الإدراك أي إنّ الشيء الذي تدركه كلياً يظل ثابتاً في أذهاننا على الرغم من تغير احساسنا له مثلاً عندما نقف أمام النافذة فإن صورة النافذة على شبكية العين أي الحس البصري بانه شكل مستطيل وإذا نظرنا اليه من أحد الجوانب أي صورة النافذة التي تسقط على شبكية العين تبدو على هيئة شبه
الصفحة 90
منحرف، على الرغم من تغير الاحساس في كلتا الحالتين فإن إدراكنا للنافذة يظل كما هو في شكله المستطيل، وإن ثبات الإدراك لا يتوقف فقط على الشكل ولكن أيضاً فيما يخص حجم الشيء فإن إدراكنا يظل ثابتا بالنسبة للحجم الحقيقي مهما كبر أو صغر.
هكذا أثبتت الجشتالت إن هناك فرقاً بين الأحساس والادراك أي أن هناك فرقاً بين المثيرات الحسية وبين ما تدركه بالفعل وهذا الأمر ينطبق على كل المثيرات الحسية لدينا.
وتعد النظرية الجشتالتية من أكثر النظريات المعرفية تحديداً وأكثرها اعتماداً على البيانات التجريبية وينصب اهتمامها الرئيس على سيكولوجية التفكير المتمثلة بعمليات الإدراك، والتنظيم المعرفي وحل المشكلات وأمتد اهتمامها ليشمل مواضيع كالشخصية، وعلم النفس الاجتماعي، وديناميات الجماعة، كنتيجة لمساهمات ليفين في هذا المجال، فعلى الرغم من ان موضوع التعلم لم يكن محور مدرسة الجشتالت الرئيس إلا إن ما قدمته من . مساهمات حول طبيعة الإدراك وخصائصه وأسلوب حل المشكلة ساهم بشكل فاعل في فهم عملية التعلم الانساني، تؤكد نظرية الجشتالت انّ هناك بنية متأصلة خاصة بالكل أو الجشتالت بحيث تميزه عن غيره وتجعل منه شيئاً مميزاً ذا معنى أو وظيفة خاصة، وترى إن الأنواع المختلفة من الجشتالت (الكل) تشتمل على قوانين داخلية تحكم عناصرها، إذ إن تغيير أي جزء أجزائها يؤدي إلى تغير البنية أو الوظيفة أو المعنى، فعلى سبيل المثال تمثل المقطوعة الموسيقية مجموعة نغمات متناسقة ومتكاملة وتعكس بنية لها وظيفة معينة، فإذا تغيرت إحدى النغمات، فإن هذه المقطوعة تفقد بنيتها أو وظيفتها.
الصفحة 91
عند التفكير في حل المشكلات يمكن الافادة من النظرية الكلية، عن طريق الاهتمام بحصر المحال الكلي للمشكلة بحيث ينظر اليها مرة واحدة فهذا يساعد على إدراك العلاقات التي توصل إلى الحل إذا ما أغفلنا بعض أجزاء المشكلة أو نظرنا اليها من زاوية واحدة من غير أن نستوعب كل جزء فيها. فإن هذا سيؤدي إلى إعاقة عملية الوصول إلى الحل السليم.
يعد علماء الجشتالت من أهم من بحثوا الادراك الحسي فقد قامت هذه المدرسة عندما كان التفريق بشكل حاد بين الاحساس والإدراك الحسي وكان يظن ان الإحساس ظاهرة بسيطة أولية وتعتمد الخبرة الإدراكية وما يصاحبها من قيم ومن وجدان على المدرك الحسي لنفسه.
ولا يقتصر الإدراك على نقل صورة بصرية أو سمعية أو غيرها إلى العقل، وإنما الإدراك مستوى أعلى من ذلك وهو إعطاء المعنى الدلالي أو الرمزي الذي تتضمنه المدركات، ويمر الإدراك الحسي بأطوار مختلفة حيث بدأ بالنظرة الكلية الاجمالية وبعد ذلك يبدأ المرء في تحليل المواقف وإدراك العناصر المكونة له والعلاقات القائمة بين أجزائه المختلفة. أما الطور الثالث والأخير فهو إعادة تأليف الأجزاء في كل موحد والعودة إلى النظرة الكلية مرة ثانية، فالنظرة الاجمالية تسبق النظرة التفصيلية التحليلية كذلك لا يمكن أن يدرك المرء العلاقات بين العناصر قبل أن يدرك الشيء بأكمله، ويندر أن يكون للأجزاء معنى مستقل بل أنها تستمد معناها من الكل الذي يحتويها.
لذلك هناك الكثير من النظريات التي حاولت تفسير الإدراك من خلال:
الصفحة 92
إن الفرد من خلال تعامله مع محيطه الخاص ينمي مجموعة محدودة من الادراكات يعالج بها التنوع اللامتناهي من الصور الشبكية التي يتلقاها باستمرار ومن رواد هذا التنظير (آيمز).
ومنهم من يرى إنّ الإدراك يشتمل على البحث عن الاشارات المنبهة الموجودة عند كل مخلوق يمكن الاعتماد عليها لقيادة السلوك وعلى المدرك أن يتعلم كيف يعين قيمة كل اشارة منبهة لكي يحدد أهميتها الإدراكية في محيطه، وقد جاء بهذا التنظير برونزويك. ومنهم من أكد على أهمية دور الخبرة الحسية في الادراك إذ يرون إن الطفل يولد وهو صفحة بيضاء حين الولادة وإنّ التعلم بالترابط هو الذي يزودها بالمعرفة ومن أمثال من أكد هذا التنظير (لوك ، وبركلي، وهيوم) وايضا" يرى جبسون إن الإدراك مباشر لأن هناك معلومات كافية في بيئتنا لصنع هذا الإحساس بالعالم أي وجود بيانات حسية للتفاعل مع البيئة ولاحاجة لعملية المعالجة (التفسير)، أي نحن نقوم باستقبال البيانات الحسية وتحليلها باتجاه واحد من التحليل البسيط للبيانات الخام إلى التحليل المعقد من خلال النظام البصري ويرى جبسون إن تنظيم المعلومات الواصلة إلى مستقبلاتنا الحسية متضمن السياق الحسي وهذا كل ما نحتاج لإدراك أي شيء أي إننا لا نحتاج إلى العمليات المعرفية العليا أو عمليات التفكير أو المعتقدات لأجل ذلك وقد عارض وبشدة فكرة كريكوري في خضوع الإدراك لبوتقة الفرضيات وانما يعتقد إن الإدراك هو الإحساس أي عملية أسفل - أعلى يعكس كريكوري أعلى - أسفل. وهناك من يركز على إدراك الأشكال ككليات وليس أجزاء منفصلة فالحقيقة في المدرك الحسي ليست العناصر أو الأجزاء التي يتكون منها المدرك وإنما الشكل أو البناء العام ككل وأكدت النظرية على ثبات الإدراك أي إن الشيء الذي تدركه كلياً يظل ثابتاً في أذهاننا
الصفحة 93
على الرغم تغير احساسنا له وتعد هذه النظرية ذات أهمية في حل المشكلات، إذ يمكن عن طريقها الاهتمام بحصر المجال الكلي للمشكلة فينظر اليها مرة واحدة فيساعد على إدراك العلاقات التي توصل إلى الحل فإذا ما أغفلنا بعض أجزاء المشكلة أو نظرنا اليها من زاوية واحدة من غير أن نستوعب كل جزء فيها فإن هذا سيؤدي إلى إعاقة عملية الوصول للحل السليم وقد فرق منظرو النظرية الكلية وهم (فرشيمن، وكوفكا، وكوهار) بين الإحساس والإدراك إذ إن الإحساس ظاهرة بسيطة أولية، أما الإدراك فهو اعطاء المعنى الدلالي أو الرمزي الذي تتضمنه المدركات إذ لا يقتصر على نقل صورة بصرية أو سمعية أو غيرها إلى العقل، وانما هو مستوى أعلى من ذلك.
الصفحة 94
الفصل الخامس: الذاكرة
مقدمة
تحتل الذاكرة منذ القدم مكانة مهمة لدى الانسان وتعود الأساطير اليونانية بهذا الخصوص الى القرن الخامس قبل الميلاد وكلمة ذاكرة تعود الى كلمة "منموزين" وهو أحد آلهة اليونان القديمة، ويزخر التاريخ اليوناني بفلاسفة أولوا اهتماماً كبيراً بموضوع الذاكرة، وعلى رأسهم افلاطون (428) - (347) قبل الميلاد، الذي عد الفكر بمثابة وسيلة لفهم ما يدور حول الفرد من أحداث ووقائع وكانت آراه بشأن الذاكرة تتمحور لكونها الجسر الرابط بين العالم الذي يدركه الفرد والعالم الحقيقي المثالي والمجرد. ومن بعده تتابعت الآراء وتطورت على يد عدد من الفلاسفة أشهرهم رينيه ديكارت (1596-1650) ميلادي وامانويل كانت (1724 1804) ميلادي واستمرت الآراء بالتطور حتى حدوث انتقال نوعي على يد داروين في طرحه شرحاً عن الذاكرة البشرية بصورة علمية، والتحق وراءه عدد غير قليل من منظري الذاكرة على أساس فكرة مفادها أن عمليات الذاكرة نشأت من خلال التطور وانتقلت الى معالجة السمات الرئيسة للبيئة وأداء بعض المهمات الأساسية في الحياة الانسانية. كما ركزوا على مسألة أن تشكل العقل يتأثر بالوراثة وعن طريق الحامض النووي (DNA) ومن ثم فإن عمليات الذاكرة لا تتم إلا بواسطة هذا الحامض وتكون سمتها موروثة، وهذا لا يعني أنه مسؤول عن جميع المعلومات التي تخزن في الذاكرة البشرية لكن ما كان سائداً سابقاً قد تغير نحو الدراسة الأكثر علمية وضبطاً بمرور الوقت ومن أشهر العلماء الذين أحدثوا فارقاً
الصفحة 97
على مستوى دراسة الذاكرة هو العالم هيرمان ايكتهاوس (1850-1909) ميلادي، والذي بدأ بدراسته لها معتمداً على المنهج التجريبي والنظري معاً وبعيداً عن المعرفة القديمة حولها مبتكراً بذلك مقاطع صُمّ (لا معنى لها) ليتمكن من دراسة الذاكرة كمفهوم خالٍ من شوائب الأفكار السابقة عنه ويمكن القول إن الثورة المعرفية في مجال الذاكرة قد حدثت في خمسينيات القرن الماضي، بعد تراكم الإحباطات من دراسات المدرسة السلوكية، ليتأتى للافراد من بعدها ملاحظة التغير في دراسة الذاكرة وعلى يد جورج ميللر عام 1956 الذي أشار الى القدرات الموجودة في الذاكرة قصيرة المدى ومشبهاً إياها بنظام الحاسوب وكيفية معالجته المعلومات الواردة اليه وموضحاً كيفية تصنيف هذه المعلومات بناءً على أهميتها لدى الفرد المتسلم لها.
أما في الوقت الراهن فتُعدّ الذاكرة مركزاً لجميع العمليات والأنشطة المعرفية للفرد، وهي من أهمها وأكثرها تأثيراً في نظام تجهيز ومعالجة المعلومات والاحتفاظ بها، واستعمالها في الأنشطة اللاحقة كافة التي تتطلب استرجاع المعلومات المخزونة والإفادة منها في أداء هذه الأنشطة مهما كانت طبيعتها فضلاً العمليات المعرفيه الأخرى كالإدراك والانتباه والتفكير وغيرها من العمليات الأخرى تتأثر بالذاكرة بناءً على مخزونها المعرفي وقد استقطب ذلك اهتمام العديد العلماء والباحثين في مجال علم النفس المعرفي لوصف الذاكرة ومكوناتها والعوامل المؤثرة فيها، وطبيعة أدائها من استقبال وتنظيم وتخزين المعلومات ومعالجتها وذلك من خلال النماذج المتعددة التي طرحت وارتبطت دراسة الذاكرة بنظام معالجة المعلومات فيها وأكد العلماء أن هنالك ثلاث مراحل في الذاكرة الانسانية:
الصفحة 98
1. مرحلة الترميز: وتتمثل باعطاء معانٍ للمثيرات الحسية الجديدة من خلال عمليات التسميع والتكرار والتنظيم والتلخيص وغيرها.
2 مرحلة التخزين :وتتمثل بنظام تخزين مؤقت في الذاكرة القصيرة ونظام آخر دائمي في الذاكرة بعيدة المدى، وتصبح فيه المعلومات جاهزة ومنظمة للاستعمال وقت الحاجة اليها.
3 مرحلة الاستعادة : وتتمثل بمحاولة استدعاء واسترجاع المعلومات والخبرات السابقة التي سبق ترميزها وخزنها في الذاكرة.
وتتميز الذاكرة بمكانة مهمة في المجال المعرفي بسبب دورها الحيوي في الحياة البيئة النفسية للفرد، ويمكن تحديد دورها بحفظ المعلومات عن الاشارات القادمة من والمتواصلة مع المجال الادراكي للفرد، وتستمر بحفظ هذه المعلومات وخزنها حتى بعد اختفاء وزوال هذه الإشارات، ويمكن بواسطة الدور الفعال لها من إعادة استعمال المعلومات المختزنة من دون الاخلال بخصائصها وطبيعتها التي تراكمت بمرور الزمن وما بينها من ترابطات وصلات وهنا تقوم الذاكرة بدور توجيهي للنشاط الانساني من خلال توجيه وتحديد مسار الفرد وسلوكه في المواقف المختلفة الآنية والمستقبلية. ولم تتوقف الدراسات الجارية على نشاط الذاكرة الانسانية في مجال تذكر المواقف الماضية، بل تعدتها الى دراسة قدرة الذاكرة في مساعدة الفرد على التخطيط للمواقف المستقبلية وكيفية إنجازها ولاسيما مع حدوث حالة من التدهور في قدرات الأفراد بمرور الزمن كما أشارت الى ذلك الاحصائيات بهذا الشأن، إذ قام مارش، وهيكس ولانداو عام (1998) بتتبع مجموعة من الأفراد لمراقبة كيفية تذكرهم أعمالهم اليومية، واكتشفوا ان هناك الكثير من الانجازات الواجب تنفيذها يومياً
الصفحة 99
تُؤجل وبما يعادل (25) من معدل الاعمال المنجزة أسبوعياً، وعادة ما يقوم الأفراد في هذه الحالة بإعادة جدولتها وتنظيمها بدلاً من نسيانها على أن هناك ما يعادل (3%) من معدل الانجازات التي تتعرض للنسيان من أصحابها اسبوعيا
وافترض كلين وزملاؤه . عام (2010)، أن المهمة الأساس للذاكرة الانسانية تتعدى الخزن والاسترجاع لتمتد الى مهمة أخرى تشمل المراقبة، واستعمال المعلومات بهدف التخطيط للمواقف القادمة بالاستناد الى خبرات الفرد عن تلك المواقف أو ما يشابهها.
ان النوع الذي يعنى بدراسة تذكر القيام بالاعمال مستقبلاً هو ما يُعرف بالذاكرة المستقبلية، والتي زاد الاهتمام بدراستها مؤخراً نتيجة الضغوط العصرية وتعدد الوسائل المشتتة للانتباه وزيادة الحاجات المطلوب تنفيذها وهي جميعها تقع تحت وطأة التقدّم الذي تشهده الحضارة الانسانية منذ عقود.
نظريات تفسير الذاكرة:
تعد النظرية العلمية قمة الاطار الفكري الذي يربط بين الواقع والمفاهيم والظروف في نظام متناسق متكامل، كما انها تحدد هوية كل علم من العلوم فهي تقوم بتفسير الاحداث وما بينها من علاقات للتنبؤ باحداث غير معروفة لان الغاية النهائية للعلم هي التطبيق والعلاقة بين النظرية العلمية والتطبيق علاقة متبادلة، إذ ان محك صدق النظرية هو نجاح ما تشير اليه من تطبيقات علمية بما يدعو إلى استكمال او تعديل تلك النظرية، ومما لاشك فيه ان تفسير الظواهر والوقائع على وفق اسس علمية منطقية سيؤدي بالتاكيد إلى تطور العلم.
الصفحة 100
بعض النظريات التي تناولت الذاكرة بالتفسير وصنفت هذه النظريات على
وفق اتجاهين:
الاول : الاتجاه الفسيولوجي والذي يشتمل على ثلاث نظريات هي النظرية التشريحية والنظرية الكيميائية ونظرية الدارات العصبية.
الثاني: فيشتمل على النظريات النفسية والمتمثلة بالنظرية السلوكية، والنظرية الكشطالتية، والنظرية المعرفة ثم يستعرض اهم النماذج النظرية الحديثة، المرتبطة بالنظرية المعرفية وكالآتي:
:أولاً: النظريات الفيسولوجية:
يضم هذا الاتجاه عددا من النظريات التي تفسر الذاكرة على اساس تكوين تغيرات تركيبية أو وظيفية أو تشريحية في تشابكات الجهاز العصبي، ومنها ما يؤكد على تولد مواد كيميائية جديدة في الطرق العصبية التي تحفظ الذكريات، وان النظريات التفسير الفسيولوجي بكل ابعاده وصوره يعني اتجاهاً يمثل العديد من لتفسير الذاكرة بوصفها متغير وسيطاً وظاهرة عقلية معرفية معقدة.
ومن هذه النظريات:
أ- النظرية التشريحية
تشير هذه النظرية إلى ان هناك مناطق معينة في قشرة المخ تؤدي زيادة تنبيهها إلى زيادة سمكها والعكس إذا ما قل تنبيهها يقل تبعاً لذلك سمكها، وتعد منطقة القشرة الامامية من المخ منطقة حاسمة في اداء الذاكرة القصيرة المدى فيما يتعلق بعمليات الخزن والاسترجاع ومعالجة المعلومات من اجل عمل استجابة ما، وان أي ضرر أو تلف يصيب هذه القشرة يؤدي إلى ضعف وقصور واضح في عمليات
الصفحة 101
الذاكرة ولاسيما الذاكرة العاملة، وتقسم القشرة الامامية للدماغ على مناطق مركزية و مناطق وسطية ومناطق محيطة، وعلى الرغم من ان هذه التقسيمات لقشرة الدماغ فان معظم التجارب والدراسات التي اعتمدت في اجراءاتها على احداث تعطيل لعمل هذه المنطقة باستخدام التيار الكهربائي أو التردد الشعاعي تعاملت مع قشرة الدماغ انها منطقة واحدة وان تلفها يؤثر كثيراً في العمليات الادراكية المتضمنة في الذاكرة، وقد وجد من التجارب التشريحية ان عدد النهايات العصبية والعقد الاشتباكية في قشرة المخ يزداد بتقدم العمر ونحو الخبرة على اساس ذلك فان تثبت الذكريات في المخ يؤدي إلى بعض التغيرات التشريحية والتركيبة في نهايات الاعصاب أو في تشابكات الجهاز العصبي.
وقد يحدث في هذه المناطق تغير كيميائي يؤدي إلى زيادة في قابليتها على التنبيه، مما يؤدي إلى سهولة انسياب الاشارات العصيبة التي تنتقل اشارات الذاكرة إلى المناطق المسؤولة عنها في قشرة المخ
ب النظرية الكيميائية:
تؤكد هذه النظرية على ان الذكريات لا تمحى ابداً من الجهاز العصبي متى ما تم تثبيتها فيه سواء بالرجات الكهربائية أو التخدير الطويل أو تخفيض درجة حرارة الدماغ لمدة طويلة، إذ ان هذه المشاهدات ادت إلى التخمين بان الذكريات قد تحفظ في الجهاز العصبي على شكل تغيرات كيميائية في حجيراته العصبية، وان مادة RNA الحامض الرابو النووي تعمل على حفظ الذكريات الخاصة على شكل شفرة كيميائية فيها أو في المواد البروتينية التي تولدها.
الصفحة 102
ج نظرية الدارات العصبية:
تؤكد هذه النظرية على ان التاثيرات الحسية الواردة للمخ تولد نمطاً النبضات العصبية في دوائر عصيبة مكونة من عصيبات عدة تحتفظ بهذا النمط الفعالية لمدة طويلة وكلما نبهت هذه الدرات العصبية بمنبه يرتبط مع الفكرة المخزونة برباط وظيفي تزايدت فعاليتها لحد يوصلها إلى مناطق القشرة المخية الاخرى فتصل لدرجة الوعي فيتذكرها الفرد.
فالخلايا العصبية ترتبط ببعضها في منطقة تسمى الوصلات العصبية وتكون جهازاً للاتصال على شبكة تتيح للحواس أن ترسل للمخ ايعازاً كهربائياً كما تحدث في البيئة وتسمح لمنطقة المخ ان تتصل بمنطقة اخرى حتى تتوصل إلى تفسير المواقف واتخاذ القرارات وكذلك فان خزن المعلومات يتم في الوصلات العصبية وهي نسيج مجهري بين كل مجموعتين عصبيتين كما ان بعض التفاعلات الكيميائية التي تجري في الوصلة العصبية تؤدي إلى منع الباعث العصبي من المرور من خلية عصبية إلى اخرى وان بعض التفاعلات تسهل مرور التيار.
ثانياً: النظريات النفسية
أ- النظريات السلوكية
بدات وجهة النظر السلوكية في تفسير الذاكرة الانسانية بدراسة عالم النفس الالماني (ابنجهاوس) الذي يعد اول من درس الذاكرة دراسة علمية والذي اجراها على نفسه، إذ تعد البحوث التي اجراها من اولى البحوث الميدانية في مجال الذاكرة البشرية معتمداً على مسلمات منها ان العقل يختزن افكاراً حول الخبرات الحسية الماضية) وانه يعد اول من رسم منحني الاحتفاظ والتذكر، واعتقد (ابنجهاوس) التي
الصفحة 103
تتوالى وراء بعضها البعض في اوقات متقاربة أو في اماكن متجاورة ترتبط مع بعضها، فالذاكرة تحتوي على الاف الانطباعات الحسية المرتبطة، وهكذا فان هذه المسلمات والاراء جعلت من الممكن دراسة الذاكرة من ناحية الافكار المتداعية والمترابطة وان وجهة النظر السلوكية في تفسير الذاكرة تؤكد على انها عملية ناتجة أو تابعة للتعلم وتفسرها على وفق المفهومات الاتية: المتغيرات أو المثيرات المدخلات والتخزين والاستجابات أو المخرجات إذ انها تهتم بشكل كبير بعملية التخزين وعلى الرغم من اختلاف وجهات نظر السلوكيين القدامى والجدد في تفسير حدوث عملية التخزين أو ما يحصل بين المنبه والاستجابة فقد اعطى اغلب منظروها اهمية للزمن في تخزين المعلومات واثره في الانطفاء أو الانحلال أو تداخل هذا التخزين من خلال عملتيي التأكل والتداخل كما ان النموذج الذاكرة بحسب النظرية السلوكية هو حدوث ارتباط بين المثيرات والاستجابات، وان هذا الارتباط يختلف باختلاف النظريات، فنظرية (ثورندايك) تؤكد على انه ارتباط فسيولوجي في الوصلة العصبية، اما عند (بافلوف) فهو اقتران في القشرة الدماغية، بينما ذهب (سكنر) إلى نفي حدوث أي شيء داخل الكائن لانه يرفض المتغيرات الوسيطة والتكوين الفرضي.
ب النظرية الجشتطالت:
أكدت هذه النظرية في تفسير الذاكرة على اساس تكوين الكليات المركبة الكشطالت التي تنشأ في المجال الادراكي لفرد بالاستبصار كتنظيم ذاتي تلقائي لموضوع الادراك على وفق قوانين التشابه والتقارب والاغلاق والاستمرار، وبالرغم من ان النظرية الكشطالتية المجالية لا تعطي الخبرة السابقة دورا حاسما في تنظيم السلوك الراهن للفرد، وتعد ان اثار الموقف الحاضر اهم بكثير من اثار الماضي،
الصفحة 104
ويعزي اليها الفضل في ربط الاداءات الفعلية للفرد بنظام الحاجات والدوافع، حيث تقرر ان الفرد يتذكر الاداءات والمهام المبتورة كما تخلقه من توتر اكبر، وبدرجة اكبر من الاداءات والمهام المستكملة التي تؤدي إلى تفريغ أو تخفيض الشحنة الانفعالية المرتبطة بالحاجة.
وعرضت المدرسة الكشطالتية رأيها الذي يتمثل في التفسير المعرفي المعاصر التفسير الذاكرة باعتبارها عملية ادراكية تحتم باستقبال المعلومات قبل تخزينها وقد اشار تولفنك (1972) إلى ان الذاكرة الانسانية يمكن تفسيرها من خلال عملية الادراك الحسي بوصفها ظاهرة عقلية تمثل نقطة التقاء المعرفة بالواقع.
وفسرت هذه النظرية الذاكرة الانسانية بوصفها عملية ادراكية باستقبال المعلومات قبل تخزينها مؤكدة على عمليات الاحساس والانتباه والوعي والاهتمام باستقبال المعلومات من عمليتي هما الترميز والتنظيم ويتمثل الترميز باستقبال المعلومات وتغيرها لكي تسمح بتشكيلها ومن ثم تخزينها ان استخدام الصور البحرية واستراتيجية الترميز اكدتها دراسات عدة منها دراسة برونر وبافيو (1971(إذ فسرت عملية الترميز انها عملية فسيولولجية وان الانظمة الحسية تعمل على تغير المعلومات البيئية إلى طاقة عصبية ومن ثم تحويلها إلى رمز عصبي ومن ثم تكون عملية ترميز المعلومات.
اما التنظيم فيتمثل في تسجيل عملية خزن المعلومات أو الحقائق ومن ثم سهولة استعادتها واقترح كانيه (1970) ان الخطوة الاولى في أي تنظيم للمادة تتطلب توضيح الاهداف النهائية التي ينبغي الوصول اليها ثم المهارات المباشرة أو المهارات الوسيطة وصولا إلى تلك الاهداف كما أكد على تحليل كل مهارة من المهارات إلى جزيئاتها، كذلك وضع كل من اوزبل وروبنسون
الصفحة 105
(1969)طريقة التنظيم المسبق وان المبدا الرئيس في التنظيم المسبق يتخلص بتقديم فكرة اولية بتبني نظاما للمعرفة الجديدة قبل تقديم المادة المتعلقة بها، فالتنظيم المسبق هو مجموعة من الافكار تقوم بوظيفتين هما: ربط المعرفة الجديدة بالمعرفة التي سبق اكتسابها ومساعدة المتعلم اضفاء النظام على المادة الجديدة.
ج - النظرية المعرفية
اتجاه معالجة المعلومات
ظهرت العديد من المحاولات لبناء نماذج ونظريات في ميدان علم النفس المعرفي إذ كان جوهر اهتماماتها النظر إلى الانسان بوصفه مخلوقا عاقلاً مفكرا ومجهزا ومبتكرا للمعلومات، وهكذا يكون ميدان علم النفس المعرفي دراسة الانسان والاهتمام بطريقته في احراز المعرفة وتحصيلها وحفظها واستخدامها في اصدار واتخاذ القرار في اداء النشاط العقلي، أي الاهتمام بالكيفية التي يتمثل بها المعرفة أو ما يطلق عليه التمثيل المعرفي الداخلي أو التشفير كيف بشفر أو يرمز المعلومات؟ كيف تعالج وتركب وتصور الافكار والاحداث في الذاكرة كيف يكتسب المعلومات بالنقاط الاشارات الحسية؟ وكيف يرمزها ويخزنها ويحولها إلى ابنية معرفية تضم إلى ذخيرته المعرفية؟ والتي تقوده بدورها إلى هاديات جديدة للبدء في دورة معرفية اخرى.
ويعد اتجاه معالجة المعلومات احد النظريات المعرفية الحديثة التي تشكل ثورة علمية في مجال دراسة الذاكرة وعلميات التعلم الانساني فضلا عن دراسة اللغة والتفكير فهي : تختلف ، عن النظريات المعرفية القديمة من حيث انها لم تكتف بوصف
الصفحة 106
العلميات المعرفية التي تحدث داخل الانسان فحسب وانما حاولت توضيح وتفسير الية حدوث هذه العمليات ودورها في معالجة المعلومات وانتاج السلوك، ويرى اصحاب هذا الاتجاه ان السلوك ليس مجرد مجموعة استجابات ترتبط على نحو الي بمثيرات تحدثها كما هو الحال عند النظريات الارتباطية وانما هو بثابت نتاج لسلسلة من العمليات المعرفية التي تتوسط بين استقبال المثيرات وانتاج الاستجابة المناسبة له، ومثل هذه العمليات تستغرق زمناً من الفرد لتنفيذها إذا ما نا زمن الرجع بين استقبال المثيرات وانتاج الاستجابة المناسبة له يعتمد على طبيعة المعالجات المعرفية ونوعيها، وقد بدا الاهتمام بنظرية معالجة المعلومات في اواخر الخمسينيات من القرن الماضي مستفيدا من التطورات التي حدثت في مجال هندسة الاتصالات والحاسوب الالكتروني فقد عمد اصحاب هذا الاتجاه إلى تفسير ما يحدث داخل نظام معالجة المعلومات لدى الانسان على نحو مناظر لما يحدث في اجهزة يحدث داخل النظام معالجة المعلومات لدى الانسان على نحو مناظر لما يحدث في اجهزة الاتصالات من حيث عملها وتحويل الطاقة من شكل الى اخر إذ يتم استقبال المدخلات في الحاسوب لينتج في وحدة معالجة المعلومات على وفق اوامر وتعليمات مخزنة ليتم انتاج مخرجات معينة (T) وحسب هذه النظرية فان الدماغ البشري يعمل باسلوب مماثل لما يحدث في الحاسوب الالكتروني إذ ان المعلومات في اثناء معالجة تمر في مراحل تتمثل في الاستقبال والترميز والتخزين، وانتاج الاستجابة في كل مرحلة من هذه المراحل تنفذ عدداً من العمليات المعرفة، كما فسرت نظرية معالجة المعلومات الذاكرة الانسانية على انها سريان المعلومات على وفق ثلاثة جوانب هي: الترميز والتخزين والاستعادة أو الاسترداد ويتم تحديد سبل استعادة المعلومات من عمليات الاسترجاع والتعرف واعادة التعلم.
الصفحة 107
الافتراضات الرئيسية لنموذج معالجة المعلومات:
ينظر النموذج معالجة المعلومات إلى الانسان على انه نظام معقد وفريد في معالجة المعلومات وينطلق في تفسيره لهذا النظام من العدد من الفرضيات التي جعلت منه توجها جديدا في دراسة عمليات الادراك والتعلم والذاكرة البشرية وفي هذه الافتراضات:
.1 الانسان كائن نشط وفعال في اثناء عملية التعلم، حيث لا ينظر وصول المعلومات اليه، وانما يسعى إلى البحث عنها ويعمل على معالجتها واستخلاص المناسب منها بعد اجراء العديد من المعالجات المعرفية مستفيدا في ذلك خبراته السابقة.
.2التأكيد على العمليات المعرفية أكثر من الاستجابة ان يفترض ان الاستجابة يحدث على نحو أي الى المثير، وانما هي لنتاج لسلسلة من العلميات والمعالجات المعرفية التي تتم عبر مراحل متسلسلة من المعالجات.
.3فترض هذا الاتجاه ان السلوك المعرفي هو منظومة او نسق مؤلف من
سلسلة من المكونات، فالاستجابة التي تصدر عن الفرد هي نتاج هذه السلسة الطويلة من العمليات وكل مرحلة في المنظومة تتلقى مدخلات تحول تبعا لنظام شفري معين ثم يخرج عليها مجموعة من العلميات تسنى المعالجة مثل الاحتصار، والتجريد واعادة التسجيل والتفصيل والتنظيم... وغيرها، وبعد ذلك ينتقل الى المرحلة الثانية من المعالجة حيث فقدان المعلومات الى داخل
الصفحة 108
الكائن العضوي التي تعير المحتوى الذي سيتعامل معه هذا المدخل، فهذه المعلومات هي التي يتنبه اليها الانسان ويختارها .ويتعلمها ويستوعبها داخليا في ذاكرة ويستخدمها في حل المشكلات ومعالجةالمعلومات واتخاذ القراراوتوجيه السلوك.
4.تاز نظام معالجة المعلومات لدى الانسان بسعته المحدودة على معالجة تخزين المعلومات خلال مراحل المعالجة فهناك سعة محدودة لهذا النظام من حيث قدرته على تناول بعض المعلومات ومعالجتها ويرجع سبب ذلك الى محدودية سعة الذاكرة العاملة في تخزين المعلومات من جهة والى عدم قدرة الاجهزة الحسية (المستقبلات الحسية) على التركيز في عدد الميراث والاحتفاظ بها لمدة طويلة من .جهة اخرى
عتمد عمليات المعالجة التي تحدث على5. المعلومات عبر المراحل المتعددة على طبيعة وخصائص انظمة الذاكرة الثلاث الحسية والقصيرة والطويلة الامد كما تؤدي عوامل من الانتباه والتنظيم والتخزين وقدرة الفرد على استرجاع
الخبرات السابقة ذات العلاقة دورا بارزا في تنفيذ عمليات المعالجة.
:وظائف نظام معالجة المعلوما
یری اصحاب نظرية معالجة المعلومات من دور معالجة المعلومات المرتبطة
بالمثيرات التي يتفاعل معها الانسان تمر في ثلاث مراحل رئيسة هي: الترميز، والتخزين والاسترجاع.
الصفحة 109
وتتطلب المعالجات خلال هذه المرحلة تنفيذ عدد من العمليات المعرفية عبراجهزة الذاكرة ومن اهم وظائف نظام معالجة المعلومات هي
.1ستقبال المعلومات الخارجية او ما يسمى بالمدخلات الحسية من العالم الخارجي والعمل على تحويلها الى تمثيلات معينة، الامر الذي يمكن هذا النظام من معالجتها لاحقا، وتسمى هذه المرحلة بمرحلة الاستقبال والترميز.
.2تخاذ بعض القرارات حول اهمية بعض المعلومات ومدى الحاجة اليها بحيث نحتفظ ببعضا بعد ان تم معاملتها وتحويلها تمثيلات عقلية معينة يتم تخزينها في الذاكرة (مرحلة التخزين).
.3لتعرف على التمثيلات المعرفية واسترجاعها عند الحاجة للاستفادة منها في التعامل مع المواقف والمثيرات المختلفة وتحديد انماط الفعل السلوكي المناسب (مرحلة الاسترجاع).
هذا وترتبط بالنظرية المعرفية الكثير من النماذج النظرية المعاصرة لتفسير الذاكرة، وان هذه النماذج هي ليس مرادفة للنظرية بل هي تمثل شكلا مفسرا لها بتشبيه الصورة العقلية المعرفية التي تساعد على فهم مالا تستطيع رؤيته وادراكه مباشرة، فهي تعد فئة فرعية من النظرية وعادة ما تكون اوثق اتصالا بمستوى المعطيات التجريبية (الأمبريفية والتحقيق التجريبي، وتحاول هذه النماذج تبسيط وتنظيم عمل الذاكرة ووضعها في انساق تساعد في الكشف عن المكونات التي يتم
الصفحة 110
تناولها، اذ تظهر قيمة هذه النماذج من نتائج الدراسات والبحوث المهتمة بها، كذلك القيمة التنبئوية لهذه النماذج ودقة التفسيرات التي قدمتها واتساقها مع غيرها من المتغيرات ذات العلاقة بموضوع الذاكرة والادراك والانتباه.
نماذج نظرية في تفسير الذاكرة:
ومن اهم النماذج ذات الصلة بالذاكرة العاملة هي:
اولاً: انموذج وف ونورمان 1965 :طور كل من وف ونورمان (1965) اول نموذج سلوكي حديث للبحث في مجال الذاكرة، ويعد هذا الانموذج النقطة الاساس لانطلاق اغلب نماذج الذاكرة الحديثة، ويقوم على مبدأ الثنائية، اذ ينظر الى الذاكرة على انها تتكون من منظومتين اساسيتين منفصلتين هما: الذاكرة الاولية او الذاكرة الاساس وهي نظام خزن قصير الامد، والذاكرة الثانوية، وهي نظام خزن طويل الامد، ويرى كل من وف ونورمان ان هذين النظامين مستقلان بعضهما عن بعض، كما ان نظام الذاكرة الاساس قصير (الامد ذا سعة محدودة جدا، ويفترضان ان فقدان المعلومات في هذا النظام لا يحصل بسبب استهلاك السعة فقط بل قد يحصل عن طريق استبدال المفردات القديمة باخرى جديدة (التداخل)، ويرى هذان الباحثان ان عامل التداخل يسهم في النسيان من الذاكرة الاساس اكثر من عامل التحلل وان وظيفة الذاكرة الاساس هي الاسترجاع الحرفي للمعلومات وهذا يلاحظ في احاديثا، إذ يمكننا استرجاع الجزء الاخير من الجملة التي سمعناها للتو بدقة حتى وان كنا لا
الصفحة 111
نركز انتباهنا لما كان يقال ومع هذا قمت المعتذر تذكر المعلومة نفسها في وقت لاحق ما لم نتمرن عليها من خلال اجراء بعض الستراتيجيات مثل التسميع أو التكرار لجعلها متوافرة من خلال الذاكرة الثانوية.
ثانياً: انموذج معالجة المعلومات الشكلي للذاكرة لكل من اتكنسون وشيفرن(1968)
اقترح هذا الانموذج كل من اتكستون وشفرن عام (1968) ويقوم هذا الانموذج على اساس المفهوم الذي ينص على ان بنية الذاكرة ثابتة وان عمليات التحكم متغيرة، ويشير إلى ان الذاكرة تتكون من ثلاثة مخازن هي المخزن الحسي والمخزن قصيرة الامد والمخزن طويلة الأمد، ويشير هذا الانموذج إلى ان المثيرات البيئية تدخل من خلال الحواس جميعها ثم تخزن في الذاكرة الحسية لوقت قصير نتقل بعدها، أما المعلومات الحسية إلى مخزن الذاكرة القصيرة أو تتعرض للفقد والنيسان وان التجارب المخزونة في المستودع الحسي عبارة عن نسخة مطابقة للمنبهات الخارجية وانها لا تخزن جميعها صوتفي هذا المستودع ويؤكد هذا الانموذج على ان الانسان يعالج ما يصادفه من مثيرات خارجية في مراحل متعددة، ففي الذاكرة الحسية، يتم استقبال المثيرات بصيغة بصرية تتالف من خصائص فيزيائية ملموسة مثل: اللون ودرجة الوضوح والشكل والهيئة والخطوط إلى غير ذلك، أو كمثيرات سمعية تتالف من خصائص فيزيائية ملموسة كارتفاع درجة الصوت وعمق نغماته وبعد مدة من الوقت على تخزين هذه المعلومات ينبغي تمريرها للذاكرة القصيرة، والا فانها تضعف وتتلاشى في وقت يقل عن الثانية الواحدة لانها تستبدل بمعلومات بصرية أو سمعية
الصفحة 112
جديدة بحيث تحل المعلومات الجديدة محل المعلومات السابقة، لذلك فان معلومات الذاكرة الحسية تكون عرضة للنسيان السريع ما لم تنتقل هذه المعلومات إلى المخزن قصير الامد، إذ تدخل المعلومات الواردة لهذا المستودع وتختفي بسرعة لكن ليس بسرعة اختفائها من المستودع الحسي، وقد تتخذ المعلومات في المستودع قصير الامد شكلا يختلف عن الشكل الحسي ،الاصلي، فعلى سبيل المثال قد تمثل كلمة معينة تعرض عرضا بصريا على نحو سمعي في المستودع قصير الأمد، وقد عد كل من اتکنسون وشفرن المستودع قصير الامد بمثابة ذاكرة عاملة، ومن المفاهيم الاساسية والمهمة لهذا الانموذج هو عمليات التحكم أو التنظيم، فما ان تدخل المعلومات المستودع قصير الامد حتى تخضع لعمليات التحكم والتنظيم، وهذه العمليات هي:
- تحليل المنبهات.
- تنشيط التمرن، وهي من اهم وظائف التحكم، إذ يقوم التمرن بوظيفتي هما حفظ المعلومات في المستودع قصير الامد وتحويل المعلومات إلى المستودع طويل الامد.
- تعديل جريان المعلومات من المستلمات الحسية إلى المستودع قصير الامد. تشفير المعلومات وتحويلها من المستودع قصير الامد إلى المستودع طويل الامد إذ يشمل التشفير ربط المعلومات المناسبة المأخوذة من المستودع طويل الامد مع المعلومات في المستودع قصير الأمد.
- بدء البحث في المستودع طويل الامد أو تعديله (استرداد المعلومات في الذاكرة طويلة الامد).
- العملياات المساعدة لخزن المعلومات العمليات التي تنشط الذاكرة.
الصفحة 113
. البدء بتوليد الاستجابات-
ومفهوم المستودع قصير الأمد يعني اكثر بكثير من مجرد ذاكرة لتذكر المعلومات عقب مدة زمنية معينة، ونظرا لمحدودية سعة ومدة الاحتفاظ بالمعلومات في هذه الذاكرة، فقد يحدث نسيان أو اهمال للمعلومات لغياب الترميز قبل مدة الثلاثين ثانية أو لكثرة المعلومات، إذ يمكن لهذه الذاكرة وعن طريق بعض الاستراتيجيات مثل: (التكرار، والتنظيم، والانتباه والتجميع ... ان تحتفظ بالمعلومات لاجل غير مسمى لتلاشي النسيان، أما المستودع طويل الامد فقد افترض كل من اتكنسون وشفرن ان المعلومات فيه دائمة نسبيا على الرغم من ان الوصول اليها قد يكون صعب بسبب التداخل، إذ تمكن وظيفة المستودع طويل الامد في مراقبة المنبهات في المستودع الحسي، كذلك توافر مكان لخزن المعلومات القادمة من المستودع قصير الأمد، واذا وصلت المعلومات إلى مخزن الذاكرة الطويلة فانها ترمز حسب معانيها وتصبح جاهزة للخزن والاحتفاظ لفترات زمنية طويلة وبدون حدود للسعة والزمن، ومع ذلك يمكن لمعلومات مستودع الذاكرة الطويلة ان تتعرض للنسيان كذلك ميز كل من اتكنسون وشفرن تميزا مهما بين الذاكرة ومستودعات الذاكرة، فهما يستخدمان مصطلح الذاكرة للاشارة إلى البيانات التي يحتفظ بها، بينما يستخدمان مصطلح مستودع للاشارة إلى العنصر البنيوي الذي يحتوي على المعلومات.
ثالثاً: انموذج مستويات لمعالجة لكريك ولوكهارت (1972)
تعود الجذور الاولى لهذا الانموذج للعالم الروسي زينشينكو (1962) الذي طرح مستويات الاسترجاع، إذ ان للتجربة وللاهمية النظرية لمفهوم مستويات الاسترجاع الاثر الكبير في علم النفس المعرفي والدور المهم في تشكيل
الصفحة 114
مفهومنا حول الذاكرة الانسانية والفكرة الاساسية لهذا الانموذج هي ان المواد التي شفرت بواسطة وسائل اعمق من الذاكرة الثانوية يكون الاحتفاظ بها على نحو افضل من المعلومات التي شفرت بوساطة وسائل سطحية، ثم بعد ذلك جاء كريك ولوكهارت (1972) بانموذج مستويات المعالجة كمرحلة متقدمة لنماذج الذاكرة، ويستند هذا الاتجاه إلى فكرة ان لكل فرد في معالجة المعلومات مستويات عدة للتجهيز والمعالجة وهذه المستويات هي: السطحي أو الهامشي والمستوى المتوسط والمستوى العميق والمستوى الاكثر عمقا، أي خضوع جميع المنبهات الواردة إلى سلسلة من التحليلات ابتداء من التحليلات السطحية، وانتهاء بالتحليلات الاعمق أو الاثكر تعقيدا والتحليلات التجريدية والتحليلات الدلالية، وتعتمد معالجة المبنه سواء كان في مرحلة السطحية أو العميقة على طبيعة المنبه أو الوقت اللازم لمعالجته فاحتمال نسيان المفردة التي عولجت في المستوى العميق اقل من احتمال نسيانها في المستوى السطحي على وفق هذا الانموذج تتعرض المبنهات الواردة إلى تحليلات حسية وتحليلات مظهرية خصائص أي تحليل الجوانب الملموسة المادية والحسية مثل الوسط والسياق والخطوط والزوايا وغيرها وفي المستوى الاعمق يمكن تمييز المفردة بوساطة التميز النمطي، واستخلاص المعنى، وقد يدخل ضمن هذه المرحلة العميقة الارتباط طويلة الامد مطابقة المنبهات بالمعلومات المخزونة وفي حالة المعالجة الاعمق سوف نخضع المبنهات لدرجة عالية من التحليل الدلالي والادراكي ومستوى المعالجة يكون اسرع مع المنبهات المالوفة في المستويات العميقة قياسا بالمنبهات الاقل الفه أو ليس لها معنى كما يرفض انموذج مستويات المعالجة فكرة المراحل المنفصلة للذاكرة أي انه لا يشير إلى نظامي ذاكرة مختلفين عن بعض بل يركز على انواع العمليات التي ترتبط بمستويات مختلفة من مستويات
الصفحة 115
الحفظ فالهدف هنا هو تفسر حقائق الحفظ دون اقتراح انظمة مختلفة ويقوم هذا الانموذج على افتراضين اساسيين هما :
تتطلب مستوى التحليل والمعالجة العميق- قدرات خاصة من الفرد حتى نستطيع ممارستها بعد كل فعال مقل القدرة على تميز المثيرات والقدرة على ادراك التفاصيل الدقيقة لضمان المعالجة والترميز العميق للمعلومات في الذاكرة القصيرة ومن ثم قدرة اكبر على .الاسترجاع الجيد
ان المعالجة الدلالية تتسبب في انتاج- ذاكرة افضل من الذاكرة التي تنتجها المعالجة غير الدلالية فاذا كان ما نلاحظه نشفره هو عبارة عن جانب من جوانب المعنى مانك سنذكر الحديث بصورة افضل من تذكرك اياه في حالة
.صلاحتك الجوانب السطحية من الحديث
رابعاً: انموذج (ميلر وجونسون 1976)
يرى كل من ميلر وجونسن أن نظام الذاكرة البشري يتكون من ثلاثة مكونات رئيسة هي: الذاكرة المصد والذاكرة الاولية والذاكرة الثانوية ففي المرحلة الأولى نشط المنبهات الموجودة في المجال الحسي المستلمات الحسية المناسبة وهذه المعلومات المستلمة سوف تحول (تترجم إلى معلومات عصبية تخزن لمدة قصيرة جدا اجزاء من الثانية قبل تحولها إلى الذاكرة الاولية فوظفية الذاكرة المصد هي تحويل المعلومات الحسية إلى معلومات عصبيةي تم تحويلها إلى ذاكرة الاولية إذ تخزن هذه المعلومات في ذاكرة الاولية لمدة زمنية أطول (10-30) ثانية وتعالج بصورة افضل فمن الممكن أن يستخدم الفرد عدد من الاستراتيجيات التكرار والتنظيم وغيرها على هذه المعلومات في الذاكرة الاولية بتقنها قبل تحويلها الذاكرة الثانوية أوان ولكي
الصفحة 116
تخزن المعلومات في الذاكرة الثانوية يجب أن تترجم إلى شكل مناسب وهذه الترجمة هي ما يطلق عليها التشفير وتتصف الذاكرة الثانوية بسعة غير محددة واستقرار عال لمدة زمنية أطول وعلى وفق هذا الانموذج فمن الممكن أن تعطي الاوامر إلى اعضاء الاستجابة في مرحلة الذاكرة الاولية أو تحول المعلومات إلى الذاكرة الثانوية لكي تعطي الاوامر إلى اعضاء الاستجابة.
خامساً: انموذج عمليات التوزيع المتوازي
يرتبط هذا الانموذج في معالجة المعلومات وتفسير نظام الذاكرة بمفاهيم الشبكات العصبية Neural Networks في دراسات علم النفس الاعصاب والاتجاه المعاصر في دراسة الظواهر المعرفية والذي عرفت بالارتباط، إذا حاول كل من روملهات وماكبلاند (1986: :Rumel Hart & Mcell) ربط النشاط الدماغي لمناطق معينة بانواع الذاكرة، إذ حاول هذان الباحثان أن يصفا الذاكرة من منطلق أن تحليل ادق لوحدات المعالجة تشبه الخلايا العصبية إذ يفترض هذا الانموذج معالجة المعلومات تاخذ دورها عن طريق تفاعل عدد كبير من عناصر معالجة بسيطة تدعى الوحدات وكل وحدة ترسل اشارات تهيجأو تثبك (كبح) إلى الوحدة الأخرى وتكون مرتبطة مع بعضها ويمكن تشبيه الوحدات بالذرات إذ أن كليهما عبارة عن الواح تستخدم لبناء بني (هيكل) اكثر تعقيد أو ترتبط بالواح اخرى من النوع نفسه لتشكيل شبكات اكبر، وتعد الخلية العصبية في الدماغ نوعا من الوحدات ترتبط مع العصيات الأخرى بشكل متواز لمعالجة وذلك لتشكيل انظمة اكبر.
وأكد روملهارت وماكليلاند من خلال دراستهما على أن العمليات المعرفية تتم عن طريق شبكة من الترابطات بين الاعصاب بشكل متوازي وليس متسلسل،
الصفحة 117
فكل عنصر معرفي يرتبط مع عدد كبير من النيرونات التي تتوزع في مناطق واسعة من دماغ الإنسان ومن ثم فان هناك ملايين النيورنات التي ترتبط مع بقية العناصر المعرفية في شبكة عصبية متكاملة.
وعلى وفق هذا الانموذج تتمثل المعلومات في الذاكرة من حيث الروابط المتعددة التي تربطها بالوحدات الأخرى، فاذا كانت صفة تعد جزءاً من مجموعة من الصفات التي تخص ذكرى معينة، وان هذه الصفة تتعرض للتنشيط مثل (السؤال عن التدريسي محمد) فانها تؤدي إلى نهج تنشيط الروابط اجمع المعلومات المتعلقة جميعها بكل تدريسي أو طلبة الدراسات العليا الذين يعرفهم بما فيها المعلومات المتعلقة بتوجهاتهم، وميولهم، وامكان سكناهم، وغيرها من المعلومات ذات العلاقة، كما تكبح الصفات (الروابط التي تتعارض مع هذه الذكرى فان كان التدريسي محمد يسكن بغداد فانك تستبعد كل التدريسييين من خارج بغداد (تكبح) فاذا كانت الروابط قوية والمعلومات متكاملة فاننا نستطيع أن نصل إلى المعلومات المخزونة واذا كانت هناك رابطة ضعيفة أو غير متكاملة فسوف تعمل بالاتجاه الخاطئ وتكونت النتائج ضعيفة.
سادساً: أنموذج الذاكرة العاملة لبادلي وهيتش (1974-1994)
أكد كل من بادلي وهتش على الوظائف المختلفة التي يؤديها المستودعات (القصير والطويل والامد) فقد بدت لهما الذاكرة قصيرة الامد كذاكرة عاملة، وهي نوع من انواع امكنة العمل الذهني تجري فيها انواع من عمليات التحليل والمعالجة على كل من الذكريات القديمة والجديدة، وعلى النقيض من ذلك بدت لهما الذاكرة الطويلة الامد ذاكرة خزن تحفظ فيها المعومات في حالة كامنة لحين استردادها المحتمل في المستقبل، واظهر كل من بادلي وهتش أن قدرة المعالجة للذاكرة
الصفحة 118
العاملة محدودة، إذ وجد أن الاداء في مهمة تدخل في عملها الذاكرة العاملة في تعطل تعطيلا حاد عند تأدية مهمة اخرى مشابهة في الوقت نفسه، لان كلتي المهمتين كانتا تتنافسان للحصول على قدرة معالجة محدودة مع ذلك لم يجدا سوى تعارضا بسيطا بين مهمتين يدخل في عملها مدخلات حسية مختلفة فاستنتج بادلي أن على الذاكرة العاملة أن تملك مستودعين منفصلين لكل منهما وسيلة حسية مختلفة، لذلك فافترضنا انموذجا جديداً للذاكرة العاملة سمي بالانموذج الثلاثي الابعاد ، فهو يرى أن الذاكرة تتالف من ثلاثة مكونات رئيسة تشترك معا للابقاء المعلومات والعمليات العقلية نشطة ريثما تم تنفيذ المهمة المطلوبة.
ويرى هذا الانموذج أن كل مكون من هذه المكونات الثلاث مسؤول عنه تنفيذ ومعالجة بعض المعلومات ولكنها في المحصلة النهائية تعمل معا لتنفيذ المهام، وهذه المكونات الثلاثة هي معالج تحكم ونظامان فرعيان على درجة عالية من التخصص وهذان النوعان :
.1حاجز التسميع اللفظي أو ذاكرة التنشيط اللفظي أو عقدة الاصوات
الكلامية.
2.لوح المعالجة البصري المكاني (ذاكرة التنشيط البصري)
.3نظام التحكم التنفيذي أو المنفذ المركزي (الذاكرة التنفيذية المركزية)
والنظام الثالث هو الذي يسير على الانتباه وينسق بين نشاطات الاجزاء
الأخرى وكالتالي:
اولاً: حاجز التسميع اللفظي
الصفحة 119
إن هذا الجزء عبارة عن نظام فرعي في الذاكرة العاملة ويحتوي على نظامين هما: مستودع الاصوات الكلامية تخزن فيه المعلومات الصوتية أو اللفظي واذا لم يتم ترميزها سمعيا أو صوتيا يحدث لها تداخل مع بعضها وتكون اكثر عرضة للنسيان اما النظام الثاني فهو التحكم بالنطق (معالج التحكم بالنطق) وهو الذي يصدر الكلام الداخلي الذي نسمعه في داخلنا أي بمثابة احدى الادوات الحديث الداخلي التي تعمل على ممارسة المعلومات اللفظية لابقاءها نشطة في نظام معالجة المعلومات، فهو يمكننا من التمرن على المعلومات دون اصوات، ويساعد على ابقاء المعلومات متيسرة وذلك بانعاش مستودع الاصوات الكلامية، وكان الافتراض الأول لبادلي وهيتش أن حاجز التسميع اللفظي ضروري لاستيعاب اللغة، أي قد يساعد هذا النظام الفرعي في جعل الكلام متيسراً كي نفهم ما الذي يقال بصورة افضل وذلك عن طريق الاستنتاجات، وربط الكلمات كالضمائر والموضوعات التي تشير السها الضمائر، وهذا الاقتراح لم يلق دعما لذا فقد وضع بادلي وهيتش قد يكون هذا النظام مهما كداعم حين تصبح ظروف معالجة اللغة جديدة ويبدو حاجز التسميع الصوتي عالية ترزخ تحتها مهام كاتساع الارقاهم واتساع الكلمات. وكان الاعتماد أن لهذه الالية حداً يبلغ سبع مفردات ومع ذلك وجد بادلي أن حد اتساع الكلمات بالنسبة للكلمات القصيرة أكبر منه بالنسبة للكلمات الطويلة، وتعرف هذه الحالة بتاثيره طول الكلمة، وتوصلا إلى أن حاجزالتسميع اللفظي لا يحده عدد المفردات التي يستطيع تحميلها، بل الذي يحدده طول الوقت المستغرق لحفظها كما يرى بادلي وهيتش أن وظيفة هذا الحاجز هيالتمسك بجملة معلينة لوقت يكفي لتحليلها من حيث المنطق وترتيب الكلمات والمسمى العام.
الصفحة 120
ثانياً: اللبادة البصرية المكانية
وهي النظام الخدمي الثاني في انموذج بادلي وهي مكلفة بالمحافظة على المعلومات البصرية والمكانية في الذاكرة العاملة، كذلك لها الدور في تخطيط المهام وتنفيذها تعمل بصورة منفصلة عن حاجز التسميع الصوتي إذ يتعارض استعمال اللبادة مع المهام البصرية (التذكر البصري قصير الامد تعطله تادية مهمة بصرية اخرى تؤدي في الوقت نفسه لكنه لا يتعارض مع المهام الشفوية (التذكر البصري قصير الامد لايتعطل بسبب مهمة غير بصرية) ويتعارض حاجز التسميع اللفظي مع المهام الشفوية لكنها لا تتعارض مع المهام البصرية، وهناك براهين على احتواء الذاكرة العاملة البصرية المكانية على مستودعين منفصلين احدهما للذاكرة العاملة المكانية واخرى للذاكرة العالمة البصرية، إذ تدخل الذاكرة العاملة المكانية في إدراك الحسي للحركة والسيطرة على الفعاليات الحركية اما الذاكرة العاملة البصرية فتعنى بتمييز الانماط البصرية وكذلك الحال مع الذاكرة العاملة لاصوات الكلام إذ انها قد تحتوي على ذاكرة عاملة للتلفظ وذاكرة عاملة سمعية.
ثالثاً: نظام التحكم التنفيذي أو المنفذ المركزي
يعني المنفذ المركزي أو ما يسمى نظام التحكم التنفيذي، بالتنسيق بين الانظمة الفرعية للذاكرة العاملة والتنسيق ضمن النظام الواحد وهو مخزن المصادر العقلية المركزية الذي يتولى إدارة انشطة الذاكرة واتخاذ القرارات المتعلقة بتوزيعها على الاجهزة المختلفة، ويتولى عمليات المعالجة والتفكير والمحاكمة العقلية والاستيعاب واتخاذا القرارات وحل المشكلات ورسم الخطط والاشراف على عمليات نقل المعلومات إلى الذاكرة طويلة الأمد، ويتحكم المنسق المركزي بالمكونين الخدميين الآخرين الانظمة (التابعة إذ يقوم كل نظام بالمعالجة والاحتفاظ المؤقت نوع معين
الصفحة 121
من المعلومات اللفظية والسمعية، بينما يقوم النظام البصري بمعالجة المعلومات البصرية المكانية، ويؤدي دورا مهماً في الانتباه والتخطيط وضبط السلوك والتحكم فيه، ويمكن تلخيص وظائف المنسق المركزي فيما يلي:
يعمل منسق جدولة وضابط الايقاع تدفق المعلومات أي موازنة الاداء على مهمتين منفصلتين من خلال سعة تنفيذ قابلة للانفصال وتوزيع الانتباه على مهمتين في أن واحد.
1. اختيار أو انتقاء الاستراتيجيات الملائمة التي تضطلع بحل المشكلات.
2. جمع المعلومات وتنسيقها وضبط تزامنها وتعاقبها من مختلف المصادر الخارجية والداخلية الممكنة المتمثلة بالذاكرة طويلة الامد وما وراء المعرفة.
3. تركيب توليف المعلومات من المكونين المساعدين الآخرين ومن المخزن طويل
الأمد.
واضاف بادلي 2000 مكوناً اخر للذاكرة العاملة، وهو الحاجز الحدثي أو مصد الاحداث، وهذا المكون هو نظام محدود السعة، يقوم بالربط والتنسيق بين الانظمة التابعة اللوح البصري المكاني والحاجز اللفظي)، والذاكرة طويلة الامد، يشكل تمثيلا حديثا متكاملا أي يدمج هذا الحاجز المعلومات من اجزاء مختلفة من الذاكرة لتصبح ذات معنى.
ويمثل نظام تخزين ذو شفرة متعددة المكونات بتجميع الاحداث المترابطة أو المشاهد المترابطة أي انه يقوم بتنشيط مصادر عديدة للمعلومات في الوقت نفسه مما يساعد على تكوين انموذج واضح للمهمة ومن ثم معالجتها بالاضافة إلى معالجة
الصفحة 122
المعلومات في المنظومتين الفرعيتين والذاكرة طويلة الامد ويقوم بتجزيل المعلومات في جزل كبير ذات عدد صغير يناسب سعة الذاكرة العاملة.
ولعل هذه الوظيفة جعلت بادلي يقترحه بوصفه مكون رابع للذاكرة العاملة، ويتحول انموذجه إلى انموذج رباعي المكونات، ويختلف هذا الانموذج عن الانموذج السابق في عاملين هما:
الأول: وجود روباط واضحة بين المنظومتين الفرعيتين والذاكرة طويلة الامد اللفظية – البصرية إذ توجد رابطة بين دائرة التوظيف الصوتي واللغة وتوجد رابطة مماثلة بين مسودة المعالجة البصرية المكانية والمعاني البصرية.
اما العامل الثاني: فهو مصدر الاحداث أو حاجز الاحداث الحياتية، إذ يفترض انه يربط أو يدمج المعلومات من الذاكرة طويلة الأمد مع تلك المعلومات القادمة من مخازن الذاكرة العاملة، ويعتمد ذلك على المنفذ المركزي لذلك لا توجد روابط بين مصد الاحداث والمنظومة الفرعية الدائرة التوظيف الصوتي أو المنظومة الفرعية للمعالجة البصرية المكانية.
وهذا الحاجز هو المسؤول عن اضفاء المعنى على المعلومات قيد المعالجة، ويرى هيرمان وزملاؤه ضمن هذا التوجه أن جهاز الذاكرة البشرية يتألف من اربعة مكونات وظيفية هي المدخلات الحسية (المتحسسات) والذاكرة العاملة والذاكرة طويلة الامد والمعالج المركزي إذا تنتقل المعلومات بين الذاكرة العاملة والمتحسسات وبين الذاكرة العاملة والمعالج المركزي وفي اثناء استيعاب المعلومات تنقل من الذاكرة العاملة إلى الذاكرة الطويلة الامد حيث يتم تسجيل المعلومات، وتتضمن
الصفحة 123
عملية ظهور المعلومات (استرجاعها) تذكر المعلومات في الذاكرة طويلة الامد ومن
ثم تحويلها الذاكرة العاملة.
الصفحة 124
الفصل السادس: معالجة المعلومات
مقدمة
ظهر اتجاه معالجة المعلومات في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي حين قدم (شانون 1949 ) نظرية معالجة المعلومات كانعكاس للآراء المضادة للاتجاه السلوكي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد اتخذ العلماء معالجة المعلومات اتجاه التحليل المفصل الذي بدأه علماء (الجشتالت) ولكن بصورة أكثر دقة وتنظيماً، مفترضين أن معالجة المعلومات تتم في سلسلة من المراحل المتتابعة بحيث تؤدي كل مرحلة إلى المرحلة التي تليها، لذلك نجد أن منحى معالجة المعلومات يهتم في بحث وتوضيح الخطوات التي يعتمدها الأفراد في جمع المعلومات وتنظيمها وتذكرها، ويفترض بان الأفراد يبحثون عن المعرفة ويستخلصون منها ما يرونه مناسباً، كما يفترض أن الخبرة السابقة والمهارات المعرفية تؤثر في التعلم كما يعنى بنمط التفكير البشري على غرار أنموذج الحاسوب الحديث من حيث انه يركز اهتمامه على المدخلات وطريقة الخزن وطريقة الاسترجاع.
والبحوث التي جرت في قضايا العوامل الإنسانية المترتبة على نتائج الحرب العالمية الثانية والتطور السريع الذي حدث على أنظمة الحاسوب منذ بداية الستينيات في مجال الاتصال فقد أثيرت ضجة كبيرة حول قدرة أجهزة الاتصال على نقل الرسائل الصوتية مما أثار تفكير علماء النفس أمثال ميللر ( 1956) لدراسة اثر الطاقة الاستيعابية المحدودة لقنوات الحس على الذاكرة القصيرة
الصفحة 125
وتبنى افتراض محدودية عدد الوحدات المعرفية التي تستطيع الذاكرة قصيرة المدى معالجتها.
كما يعتمد أصحاب منحى معالجة المعلومات في وصفهم لتطور القدرات العقلية على الكيفية التي يستقبل بها الناس المعلومات وطريقة خزنها وتذكرها، كما يركزون في بحثهم لتطور هذه القدرات على التغيرات الكمية للقدرات العقلية الطفلية لا على التطور الكيفي.
ويختلف علماء النفس في نوعية العناصر التي يعتقدونها تمثل أنموذج معالجة المعلومات، لكنهم على العموم يضمنون عمليات عقلية وقواعد عامة لمعالجة المعلومات الجديدة، ويتفقون على أن الذكاء مستخلص من الطريقة التي يتمثل بها الناس المعلومات ويتناولونها عقليا.
وعلى الرغم من اختلاف الباحثين في نظريات معالجة المعلومات إلا أنهم يتفقون في الافتراضات العامة آلاتية:
1. النظر إلى الإنسان على انه كائن نشط وفعال خلال عملية التعلم، كونه لا ينتظر وصول المعلومات إليه وإنما يسعى هو إلى البحث عنها، ويعمل على معالجتها واستخلاص المناسب منها باستخدام العديد من المعالجات المعرفية عليها وتوظيف خبراته السابقة لينتج تمثيلات معرفية تحدد سلوكياته حيال المواقف أو المثيرات التي يواجهها.
2. تحدث عملية معالجة المعلومات في مراحل تتوسط بين استقبال المثير وإنتاج الاستجابة، وبناء على ذلك فان شكل المعلومات أو الطرق التي يتم تمثيلها عقلياً تختلف من مرحلة إلى أخرى.
الصفحة 126
وفيها ينظر إلى السلوك الناتج عن المنظومة البشرية لتجهيز المعلومات على انه من مخرجات متتاليات ومتتابعات من هذه العمليات الأولية وتسمى أولية بمعنى إنها لا تحلل إلى ما هو ابسط منها من عمليات وهذه هي التي ينفذها النسق أو المنظومة وإن منحى معالجة المعلومات يرى أن عقل الإنسان نظام معقد تتدفق من خلاله المعلومات وانه لا توجد نظرية موحدة في هذا الإطار ولكن معظم التوجهات النظرية التي تتبنى هذا المنحى تقترح ثلاثة مكونات على الأقل للنظام العقلي يشير المكون الأول إلى استقبال المعلومات من البيئة وترميزها في صورة معينة في حين يعبر المكون الثاني عن العمليات الداخلية المتنوعة كتخزين المعلومات واستخدام استراتيجيات حل المشكلات وربط المعلومات الجديدة بالمعرفة الموجودة والعمل على المعلومات من اجل تحويلها إلى أشكال يمكن استيعابها أما المكون الأخيرفيشير إلى قدرة الفرد على تغيير بنيته المعرفية للتعامل مع المعلومات ومعالجتها.
الصفحة 127
ويحدد ستيرنبرغ (2003 ) ثلاثة مستويات لمعالجة المعلومات من خلال ترميزها وتخزينها واسترجاعها وهي:
.1. المعالجة المادية : ويتم في هذا المستوى معالجة المثيرات البصرية فقط كالصور والمادة المكتوبة.
.2.المعالجة السمعية :ويتم في هذا المستوى معالجة المثيرات الصوتية المرتبطة بالحروف والكلمات المسموعة وإيقاعها فقط.
3. معالجة المعاني: ويتم في هذا المستوى معالجة معاني المثيرات البصرية والسمعية معا.
ويعبر لندساي ونورمان عن اعتقادهما بإمكانية استخدام أنموذج معالجة المعلومات في دراسة جميع جوانب الوجود الإنساني، إذ انه يوفر لنا إطاراً مرجعياً يمكن أن تدرس على أساسه العمليات المعرفية المركبة على نحو موضوعي، كما انه يشجع على التأليف بين كثير من الخصائص الإنسانية ودراستها بشكل متكامل.
إن التجهيز والمعالجة الأعمق للمادة المتعلمة معناه توظيف طاقة اكبر من الجهد العقلي واستخدام شبكة اكبر من الترابطات بين مكونات المادة المتعلمة من ناحية وبين المحتوى المعرفي القائم في الذاكرة بعيدة المدى من ناحية أخرى مما يؤدي إلى تعلم أكثر ديمومة وفعالية
وتعد نظرية المعالجة المعلوماتية من أفضل النماذج المعرفية التي تقدم تفسيرات جديدة ومقنعة للتعلم المعرفي ومحدداته تقوم على الدور الذي تلعبه العمليات المعرفية الداخلية التي تحكم عملها من ناحية وعلى المحتوى المعرفي الذي تعالجه هذه
الصفحة 128
العمليات من ناحية أخرى ومن الجدير بالذكر أن العمليات المعرفية لا يعمل أي منها منعزلة عن باقى العمليات الأخرى وإنما يرتبط كل منها بالأخر كما تعتمد على التكامل والتناسق في أداء وظائفها.
وقد أسهم التطور المذهل لعلوم الحاسبات الآلية والذكاء الاصطناعي على تصور وبناء وتطوير العديد من نماذج تجهيز ومعالجة المعلومات وقد كانت عمليات محاكاة الحاسبات الآلية من حيث استقبال المعلومات وترميزها وتجهيزها ومعالجتها وإخراجها فضلا عن تصورات علم النفس المعرفي عنها أهم الأسس التي قامت عليها عمليات بناء وتطوير المناهج، ويتضح ذلك من مقارنة مراحل أو أوجه تجهيز ومعالجة المعلومات في الحاسبات الآلية بهذه المراحل أو الأوجه لدى الإنسان.
ومن المفاهيم الأساسية التي تناولها اتجاه معالجة المعلومات: التعلم المعرفي، والعمليات المعرفية، إذ أصبح علماء النفس المعرفي مهتمين بفهم طبيعة هذه العمليات وكيفية عملها، وخصائصها، والعوامل التي تؤثر فيها، وأصبح الحديث عن مفاهيم مثل الانتباه، والتفكير والإدراك ،والذاكرة وحل المشكلات، وتجهيز ومعالجة المعلومات والبنية المعرفية والمعرفة وما وراء المعرفة، والاستراتيجيات المعرفية، وغيرها من المفاهيم التي تفرض نفسها لتشكل محاور التعلم المعرفي المعاصر. وتمثل البنية المعرفية محدداً محورياً مهماً من المحددات الأساسية التي يقوم عليها التعلم المعرفي كما أن لها دوراً أكثر أهمية من دور العمليات المعرفية في إحداث التغيرات المعرفية لدى الفرد فالعمليات أيا كانت كفاءتها وعمليات التجهيز والمعالجة أيا كانت خصائصها يتعين أن تجد محتوى معرفياً تتعامل معها وتقوم بمعالجته وهذا المحتوى المعرفي وما ينطوي عليه من خصائص تميزه أشبه ما يكون بالبرنامج
الصفحة 129
Software بالنسبة للحاسبات الآلية، ولا تكفي مكونات الجهاز العمليات المعرفية لإتمام عملية التجهيز والمعالجة.
والمحدد الأساسي للبنية المعرفية هو مستوى العمليات نادراً ما نستدل على البنية المعرفية من خلال المحتوى بل من خلال العلاقات القائمة بين هذا المحتوى، وعندما تكون عناصر المحتوى المعرفي محددة أو نوعية كما في بعض التخصصات الدقيقة لا تكون هناك صعوبة في تحديد أو قياس البنية المعرفية بدقة ولكن ينشأ غموض في البنية المعرفية وصعوبة قياسها عندما يتعلق الأمر بالمدى الواسع للوحدات مثل المجموع الكلي للأفكار والمعلومات المتضمنة فيها وخاصة تلك الوحدات المعرفية أفكار ومعلومات المشتقة أو المستنتجة نتيجة العمليات المستمرة للتجهيز والمعالجة.
ویری أصحاب هذا المنحى إن سلوك الفرد محكوم بالمعرفة المكتسبة أو المشتقة الممثلة لبنائه المعرفي وما تنطوي عليه من خصائص وانه يسلك سلوكاً انطلاقاً من معرفته واستراتيجياته المعرفية وان تنظيم المعرفة ومستوى تجهيز ومعالجة المعلومات واستراتيجياته المعرفية التي تقود السلوك إلى اتخاذ القرار تشكل أهم أسس التعلم المعرفي والاستراتيجيات المعرفية تمثل نواتج لكل من البنية المعرفية للفرد وخصائصها من ناحية ومهارات ما وراء المعرفة من ناحية أخرى، وتشير الدراسات إلى أن الطلبة المتفوقين يتميزون بفاعلية الاستراتيجيات المعرفية واستراتيجيات التعلم، فهم قادرون على الموائمة بين متطلبات الموقف المشكل والاستراتيجيات المناسبة، وهم يعتمدون على ما ينتجه أو يشتقه بناؤهم المعرفي والمعرفة لديهم تختلف في خصائصها عن خصائص مدخلاتها، كما إنهم ايجابيون وفعالون في اشتقاق ألوان مختلفة من الاستراتيجيات وفقاً لطبيعة المهام التي يتناولونها، وهذه الاستراتيجيات المشتقة تعود
الصفحة 130
مرة أخرى لتدعم البناء المعرفي لديهم بنواتج معرفية قد لا تتيحها المدخلات المعرفية الخام.
كما انه من خلال الاستراتيجيات في المهارات يتعلم الفرد كيف يوظف عملياته العقلية المعرفية الداخلية في التعلم والتذكر والتفكير وحل المشكلات إذ إن المحور الرئيس الذي تقوم عليه أساليب معالجة المعلومات في الذاكرة يتمثل في تنظيم المعلومات أو المادة المتعلمة، وبذلك فان فهم السلوك وكيفية حدوثه يستدعي تحديد طبيعة العمليات التي تحدث على المعلومات والمثيرات أثناء مراحل معالجتها كون الفعل السلوكي هو نتيجة لمثل هذه العمليات وليس بمثابة استجابة آلية لهذه المثيرات، وتعد هذه الرؤيا من أهم نقاط الاختلاف بين المعرفيين والسلوكيين في تفسير السلوك.
ويتضمن منحى معالجة المعلومات نماذج ونظريات عده أكثرها انتشاراً وقبولاً
اذ اقترح (أتكنسون، وشفرين و 1968 ) نظرية متعددة المراحل أي أن المعلومات تمر بسلسلة من التحولات بدءاً من استقبال نظام التجهيز حتى يمكن تخزينها في الذاكرة، ويمكن إرجاع معظم نماذج معالجة المعلومات إليهما ويفترض أصحاب هذا المنحى أن أكتساب السلوك يمكن تحليله إلى سلسلة من المراحل يتم خلالها تحويل المعلومات وخزنها ثم استرجاعها، اذ ينظرون إلى الذاكرة البشرية على إنها نظام معقد لمعالجة المعلومات، وكما موضح في الشكل
الصفحة 131
اذ يستقبل الكائن العضوي المعلومات عن طريق المستقبلات الحسية المختلفة وتحويلها بالميكانزمات المختلفة لمعالجة المعلومات وأخيرا ترجمتها إلى سلوك بأشكال مختلفة. إذ تؤثر المثيرات البيئية في مستقبل حسي ثم تتحول إلى نبضات عصبية وتبقى المعلومات من (ثانية إلى 3 ثواني بعد انتهاء المثيرات، أي بما يكفي لتحديد هل تريد الانتباه لها بعد ذلك أم لا ؟، والمعلومات التي لا تختار الانتباه لها تختفي من النظام، وتسمى أجهزة الاستقبال للمعلومات البيئية بالذاكرة الحسية وهي أولى عمليات معالجة المعلومات اذ تبدأ بحفظ كميات هائلة من المعلومات ولمدة وجيزة من الزمن، وعندما تضاف إليها معلومات جديدة تفقد المعلومات السابقة بسرعة، ولكن في الأغلب يتم اختيار واختزان بعض هذه المعلومات اذ يبدأ دور الانتباه الانتقائي والذي يستطيع العمل عند عدد من النقاط في نسق تناول المعلومات،
الصفحة 131
كما قد يحدث قبل الترميز في الذاكرة الحسية، أو يحدث أثناء وجود المعلومات فيها وأثناء وجودها في الذاكرة القصيرة المدى، ومتى تم الانتباه للمعلومات وتم التعرف عليها بكون أن لها معنى ذا أهمية فإنها تنتقل إلى الذاكرة قصيرة المدى والتي تعد حلقة الوصل بين الإدراك الحسي والذاكرة طويلة الأمد.
حيث تظهر المعطيات الإكلينيكية والتجريبية أن الذاكرة قصيرة المدى تتشكل من حيز زماني لا يتعدى بضع مئات جزء من الثانية، وهي تكون سجلاً تذكرياً يتميز بمعلومات هشة وسريعة الاندثار والنسيان وتبقى سعة الذاكرة القصيرة المدى كما هي بغض النظر عن المادة ذاتها أي أن هذه العناصر يمكن أن تكون حروفاً أو كلمات، وتذكر معظم الدراسات أن سعتها (7) وحدات مع زيادة أو نقصان (2) وحدة ويختلف مفهوم الوحدة باختلاف تعريفها أو الطريقة المتبعة. وهذا يشير إلى أن ما تختزنه الذاكرة قصيرة المدى هي وحدات ذات معنى من المعلومات وليست الجزئيات التي تتألف منها هذه الوحدات والمعلومات الواردة لهذه الذاكرة تتعرض للنسيان بسرعة في غيبة التناول والمعالجة الأبعد لها، لذلك تقوم إستراتيجية معالجة المعلومات التي تتبعها الذاكرة القصيرة المدى على طريقتين هما:
الاولى : التكرار: ويتم بممارسة نشاط ما بصورة متكررة سواء كان نشاطا ذهنيا أو بدنيا، ويميز المعرفيون نوعين من التكرار الأول إعادة السرد للحفظ، وغرضه الحفاظ على المعلومات في الذاكرة القصيرة، والثاني إعادة السرد للتطوير أو التمرن المطور وغرضه تيسير انتقال المعلومات إلى الذاكرة طويلة الأمد.
الثانية: التصوير السمعي: فالمعلومات الداخلة للذاكرة قصيرة المدى بشكل صور بصرية أو لمسية أو سمعية تترجم أو تحول إلى صور سمعية إذا كانت قابلة أو سهلة
الصفحة 132
التحول إلى ذلك. وهذا يرجع إلى أن كل خبرات الإنسان تتحول إلى كلام ويدعم هذا الرأي بعض الدراسات التي ترى أن التداخل بين العناصر المتشابهة من حيث الصوت أكثر من الخلط أو التداخل بين الصور، ويشير (توماس) (وجالجر) إلى أن الكفاءة في العمليات العقلية تزداد بزيادة العمر ولكن العمليات يصبح ثابتاً في كل الأحوال، فالذاكرة قصيرة المدى تزداد كفاءتها بزيادة العمر وبعد ذلك تتم معالجة المعلومات والخبرات التي يختزنها الإنسان في الذاكرة الطويلة الأمد وبواسطة البحث والاسترجاع .
وتشكل الذاكرة طويلة المدى أهم مكونات نظام تجهيز ومعالجة المعلومات لدى الإنسان وتعد أهم مصادر المعرفة المسبقة وأنماط التعلم والتفكير المعاد وصياغته وتجهيزه ومعالجته وهي تقف خلف عمليات الحفظ والاحتفاظ والتذكر والاستراتيجيات المعرفية وحل المشكلات كافة، كما أنها ذات الإنسان وماضيه وسيرته الذاتية وتؤثر في حاضره ومستقبله وإدراكه.
إن الذاكرة طويلة المدى تخضع لقوانين التفكير وتعمل على وفق هذه القوانين وهي بدورها تساعد التفكير ذلك لان كل المعلومات والمهارات الموجودة في أساس القدرات العقلية لدى الإنسان محفوظة في هذه الذاكرة التي تحتوي على قدر هائل من المعلومات.
وبذلك الذاكرة وفقاً لمنظور معالجة المعلومات هي نتاج لتجهيز ومعالجة المعلومات، والآثار الدائمة التي تعد دالة أو وظيفة مباشرة لعمق المعالجة، فالتحليلات العميقة هي تلك التي تقوم على الترابطات الدقيقة والمعقدة والتي تعكس السعة والفاعلية والمدى البعيد للذاكرة.
الصفحة 133
ويذكر (لوفتس) أن ليس كل شئ يتم تخزينه في الذاكرة طويلة المدى يكون دائماً ولا يفقد، وإنما يرى أن بعض المعلومات تفقد من الذاكرة طويلة المدى ويتم إحلال معلومات أخرى محله وبعضها الآخر يفقد عن طريق التنظيم، وإعادة التنظيم ومن ثم تتحول صورته، أو بنيته، أو تركيبه، أو يتم إدماجه، أو معالجته أو حذفه.. الخ.
يرى أصحاب هذا الأنموذج أن الناس يستخدمون مستويات مختلفة من التوسع عند معالجتهم للمعلومات، وتكمن النقطة الرئيسة في أن جميع المثيرات التي تنشط المستقبلات الحسية تخزن بشكل دائم في الذاكرة، ولكن المستويات المختلفة من المعالجة هي التي تسهم في استدخال المعلومات واسترجاعها.
ويدعم هذا الأنموذج فكر المنادين بأحادية الذاكرة كنظام والتي تشكل متصلاً من الفعالية، ومن ابرز الداعين لذلك كريك ولوكهارت 1972، إذ يشيران إلى أن القدرة على تذكر المعلومات تعتمد على عمق المعالجة فكلما كانت معالجتها بعمق فإنها تختزن وتسترجع بشكل فعال أي انه يستند الى فكرة أن لكل فرد في معالجة المعلومات عدة مستويات للتجهيز والمعالجة، وهذه المستويات هي المستوى السطحي أو الهامشي، والمستوى المتوسط، والمستوى العميق، والمستوى الأكثر عمقاً، وفيما يتعلق بالمستويات الهامشية أو السطحية فالتركيز في التعامل مع المعلومات يعتمد على خصائصها المادية أو الشكلية أو الوسط والسياق الذي ترد فيه المعلومات، وفيها يكون التسميع للاحتفاظ بالمعلومات من خلال تكرارها لضمان تخزينها، في حين تقوم فكرة معالجة المعلومات في المستويات العميقة على إدراك وتحليل معاني المعلومات التي يتعامل
الصفحة 134
معها الفرد ومحاولة الربط بين هذه المعاني مستخدماً قدرته العقلية بشكل فعال، ويكون التسميع هنا تحليلياً حتى يتمكن الفرد من اشتقاق المعاني ومن ثم الاحتفاظ بأكبر عدد من المعلومات ومعانيها.
وقد طور هذا الأنموذج (براند سفورد (1979 الذي اعتقد أن العبرة ليست فقط في كيفية معالجة المعلومات بل في كيفية الوصول إليها، فعندما تتماثل طريقة الدخول إلى المعلومات مع تلك التي استخدمت في تعلمها، فان فرصة تعلمها وتذكرها تصبح أكبر .
الافتراضات التي يقوم عليها أنموذج مستويات التجهيز و المعالجه
1. يتمايز تجهيز الفرد ومعالجته للمعلومات في مستويات متعددة للتجهيز والمعالجة، وهي المستوى السطحي أو الهامشي، والمستوى المتوسط والمستوى العميق، والمستوى الأكثر عمقا.
2. إن معالجة المعلومات وتجهيزها عند المستوى الأعمق القائم على المعنى ينتج احتفاظاً أكثر استمرارية لهذه المعلومات عند المستوى السطحي أو الهامشي القائم على التجهيز أو المعالجة الحاسة لها.
3. كلما كان اعتماد الفرد عند تجهيزه ومعالجته للمعلومات على اشتقاق المعنى والدلالات والترابطات بين مكونات المادة موضوع المعالجة كلما كان تجهيزه لها أعمق واسترجاعه لها أيسر.
4. يتميز الفرد بمستوى معالجة عميقة عندما يقوم بإيجاد نوع من العلاقات بين عناصر أو مكونات المادة موضوع التعلم وإطاره المرجعي الشخصي، فنحن
غالبا ما نهتم بالمعلومات الجديدة من خلال ربطها بذواتنا، أي أن التجهيز
الصفحة 135
القائم على المرجع الذاتي للمهام يشجع أعمال التجهيز الأعمق للمعلومات منتجا فعالية اكبر للذاكرة كونها تشجع على التنظيم الأفضل لمفردات وعناصر المعلومات، وتعتبر الذات هنا مصدراً ثرياً للترابطات والتداعيات، ويعتقد (كريك ولوكهارت) أن مستويات التجهيز والمعالجة الأعمق تيسر الاسترجاع نتيجة لعاملين هما التمييزية والتفاصيل ويقصد بالتمييزية أن المثير الداخل يكون مختلفاً عن كل ما هو ماثل في الذاكرة أما التفاصيل فمن خلالها يحدث إثراء ومعالجة قائمة على المعاني ومن الإسهامات الهامة لمدخل مستويات تجهيز ومعالجة المعلومات هي تأكيده على أهمية العمليات العقلية التي تعمل عند تعلم المادة المتعلمة.
.3أنموذج المعالجة الموزعة الموازية
في عام 1986 قدم (ماکلیلاند) (ورومیلهارت) وطلابهما بجامعة كاليفورنيا كتابا أسمياه (التجهيز الموزع الموازي) مؤكدين فيه على أن العمليات المعرفية ليست متمركزة في منطقة أو نقطة محددة الحجم بأجزاء معينة من المخ، ومن ثم قيام النشاط العصبي بعملية معرفية معينة ولكن يغلب عليه أن يكون موزعا أو منتشرا عبر جزء أو مساحة من المخ.
وقد وجد هذا المدخل بعض التدعيمات النظرية، حيث يرى بعضهم انه مرتبط بالوظيفة العصبية التشريحية للمخ، لكن طبيعة الدورة العصبية تضع قيوداً على سرعة معالجة المعلومات، فالمخ يعالج المعلومات البصرية كما هو الحال عند معالجته أية منبهات أخرى عن طريق وسائل التوازي الجماعية القوية، وان الذاكرة ليست مختزنة في خلية عصبية بعينها ولا حتى في موضع مجموعة من الخلايا العصبية، ولكن المخ يحددها في مجموعات كاملة من الخلايا العصبية الموزعة عبر
الصفحة 136
أجزاء عديدة منه، بمعنى أن المعالجة التوزيعية المتوازية هي معالجة تتم من خلال شبكة من نقاط الارتباط ترتبط كل منها بالنقطة الأخرى بطريقة استثارية أو كفية بروابط مختلفة القوة وبذلك فان العديد من العمليات المعرفية تقوم على توازي المعالجات وليس على تتابع أو تسلسل المعالجات، والتي تتم بشكل متزايد من عدة أجزاء في نظام الذاكرة وتضاف الخبرات الجديدة إلى أبنيتنا المعرفية أو تحدث تغييراً فيها كونها ليست خبرات منعزلة أو منفصلة عن غيرها وتسمح لنا شبكات المعالجة الموزعة المتوازية بتكوين استنتاجات أو تعميمات عما يحيط بنا ، وقد وضع الكثير من الباحثين والعلماء طروحات نظرية متعددة تمثل منحى التجهيز الموزع الموازي، حيث يذكر (ألن كولينز)و( اليزابيث لوفتس) أنموذج التنشيط للمعالجة الدلالية المبني على أساس شبكة من الترابطات المعقدة التي خلالها أنماط الذاكرة المختلفة في حيز إدراكي من المفاهيم المرتبطة والتي تتصل معا بمجموعة من الارتباطات، كذلك ينظر أندرسون وبارو) إلى تمثيل المعلومات في إطار شبكة من الترابطات الدلالية أطلق عليها اسم الذاكرة الترابطية للإنسان محاولين التوصل إلى الكيفية التي يتم بها التمثيل النظري للمعلومات التي يمتلكها الإنسان، وكيف تترابط معاً ؟ وكيف يتم تسلسلها وإدراكها في أبنية معلوماتية اكبر؟ بحيث يمكن الوصول إلى ملف المعلومات واستخدامه وبحثه واستثماره في حل ما يجابهه الفرد في حياته اليومية.
الصفحة 137
الخصائص الرئيسة لمدخل التجهيز :الموزع الموازي
إن شبكة الترابطات (الوصلات) تشتمل
5. المعرفة الجديدة تغير في قوة الوصلات عبر الوحدات المتعلقة بهذه الأنماط من المعرفة، لذلك نستجيب بطريقة مختلفة للموقف الواحد من حالة إلى حالة أخرى.
6. في بعض الأحيان تعمل السعة المخية على إمداد الذاكرة الجزئية ببعض المعلومات أكثر من التذكر الكلى ومن ذلك ظاهرة زلت اللسان، كما يمكن استخدام المعلومات المحدودة في توليد معلومات إضافية، ووفقا لمدخل التجهيز الموزع الموازي فان العقل البشري يعكس قدرا لانهائيا من المرونة ولا يحتاج بالضرورة إلى كل المعلومات الدقيقة أو خصائصها كي يتم تنشيطه بل يكفي بعض دلالاتها
الصفحة 138
ويأمل الكثير من علماء النفس أن البحث في مدخل التجهيز الموزع المواز.
ربما يكون هو حلقة الوصل بين علم النفس المعرفي والعلوم العصبية.
النماذج النظرية في اساليب معالجة المعلومات:
أولاً: وجهة نظر نيول وسيمون (1956)
لم تكن نظرية نيول سيمون نظرية متكاملة المعالم والاتجاهات في عملية التعلم وتناول المعلومات إلا انها قدمت محاكاة للحاسب الالي في معالجة المعلومات، إذ صورا الإنسان كمعالج للمعلومات يظهر تعلمه ويظهر سلوكه اثارا مترابطة للمعلومات التي تناولها ويظهر انواع المعلومات التي استرجعها واستخدمها مما خزنه في الذاكرة، ويفترضان أن الإنسان لديه مجموعة من الصور عن البيئات الحالية والسابقة الخارجية والداخلية، وهذه الصور ليست نسخاً مطابقة للخبرات الخارجية والداخلية، لكنها تتضمن انواعا مختلفة من التحويلات والتمثيلات ومن ترميز
احساسات الفرد والانطباع الشخصي – الداخلي الذي يضيفه عليها.
اما المعلومات فانها تتألف من توصيف وتحديد الملامح هذه الخبرات يضاف إليها المشكلات والاعمال التي يواجهها الفرد وحالته النفسية والعقلية الراهنة والاهداف التي يطمح إليها، ومن هنا فهم ينظرون إلى الذاكرة البشرية على انها تتالف من تراكيب وابنية مؤلفة من مفردات تراكمية وقوائم فرعية معقدة تشتمل على معلومات مستمدة من اشكال حسية مختلفة وهذه المعلومات تستخدم في انتاج استراتيجيات متنوعة من اشكال الترميز على المستوى المعرفي كما يقدمان هذين المنظرين الخصائص الاولية لنظام معالجة المعلومات لدى الإنسان ونظام ذاكرته المركب من الذاكرة قصيرة الامد والذاكرة طويلة الأمد، وعمليات حفظ واسترجاع وتخزين وعمليات النسيان، كل
الصف139
ذلك يؤثر في مستويات معالجة المعلومات، وكذلك البنية الخارجية تؤثر في الإنسان في معالجة المعلومات على الرغم من القدرات والقابليات التي يمتلكها، وهكذا فانهما يتصوران أن تسق وسياق معالجة المعلومات عند الإنسان له خصائص اساسية ثابتة من عمل إلى آخر ومن شخص إلى آخر أي انهام مسلمان بوجود خصائص اساسية قليلة جدا يمكن أن نجدها لدى الناس جميعاً فيما يتصل بالطريقة
التي يعالجون المعلومات من خلالها.
ثانياً: انموذج جانبية في معالجة المعلومات
قدم جانیه (Ganne) انموذجا نظريا في معالجة المعلومات يرى فيه أن المثيرات والمحفزات الخارجية تؤثر في حواس الفرد وتستقبل الصورة انتقائية منظمة، وتتحول إلى رسائل عصبية تصل إلى الجهاز العصبي ثم تخزن حتى يتم استرجاعها وعند استرجاعها يحولها الجهاز العصبي إلى استجابات تظهر في صور لفظية أو حركية أو ادائية منظمة، فالتعلم في هذه الحالة عبارة عن سلسلة من العمليات التي تجري داخل الإنسان بين تلقي المثيرات (المدخلات) وبين الحصول على الاستجابات (المخرجات) وبين الحصول على الاستجابات (المخرجات) وتكون خطوات هذه العملية كما يأتي:
الصفحة 140
2. إن المسجل الحسي هو المسؤول عن العمليات الاولية أي إدراك المثيرات البصرية والسمعية التي تتلقاها الحواس ثم يقوم المسجل الحسي بتحويل الرسالة إلى رموز قياسية، وهذه العملية تتم بسرعة كبيرة.
3. تدخل الرسائل إلى الذاكرة قصيرة الامد أو العاملة، فيتم تنظيمها في ضوء مفاهيم معينة.
4. إذا اراد الفرد حفظ المعلومات فانها تسجل بطريقة مناسبة وتنقل إلى مستودع المعلومات الموجودة في الذاكرة طويلة الامد في عملية الاستجابة، ولكي تفعل هذا لابد أن تصل مولد الاستجابة الذي يفحص هذه الرسالة ويرسل رسالة عصبية لمركز التنفيذ وبهذا يتفاعل الفرد مع البيئة، ويقوم جانيه مفهومين يمثلان ضوابط سير العمليات هما:
أ. مركز التوقعات الذي يتعلق بعملية إدراك المثيرات الواردة من الحواس وتفسيرها وتصنيفها وتسجيلها في الذاكرة.
ب. الضبط التنفيذي الذي يعالج عملية خزن المعلومات في الذاكرة طويلة الامد له صلة باستدعائها لتشكيل الاستجابة وهذان المكونان يؤلفان الاستراتيجية المعرفية.
الصفحة 141
ثالثاً: انموذج كارول في معالجة المعلومات (1976)
لقد اشار كارول إلى مجموعتين من العناصر المعرفية الأساسية في نظام منطقي لعمليات الاداء المعرفي، التي يقوم الانسان في معالجة العناصر المعرفية، إذ ير هذا النموذج أن الاداء على الاختبارات العقلية يمكن تفسيره عن طريق عدد قليل نسبيا من المكونات الأساسية لمعالجة المعلومات، وتبدأ وجهة نظر كارول من مسلمتين هما
وقد حددت كارول عشرة انواع من المكونات المعرفية المستعملة في الاستجابة على اسئلة الاختبارت هي:
1. عملية المراقبة الذاتية وهي عملية تحديد الميل وتحسين المعالجة ومراقبة فعالية الاداء بشكل افضل، وهي أيضاً عملية إدراك المتعلم لما يريد أن يفعل ومعرفة نتائج معالجته وادائه وفهم ومراجعة اخطاء التعامل مع المعلومات ومراجعتها وفحصها وتجهيزها.
2. الانتباه هو العملية التي يلاحظ عن طريقها الفرد، لنوع وعدد المثيرات التي
يتلقاها في اثناء المهمة، وذلك بسبب فيض المعلومات التي تلقاها من قبل انظمة الحسية ولذلك توجب وجود تقنية واختيار مصادر المعلومات
الصفحة 142
الحسي.
الصفحة 143
6. الموازنة، هي العملية التي تستعمل في تحديد إذا كانت المثيرات متشابهة او مختلفة (المثيرات المتداخلة، والمثيرات المخزونة كخبرة ذاتية سابقة وتحديد
امكانية وصفها المصدر نفسه.
7. تكوين تمثيلي ادماجي وتستخدم هذه العملية في ايجاد تمثيل جديد من الذاكرة عن طريق ربطه بالتمثيلات الموجودة مسبقا لدى الفرد.
8. استرجاع التمثيل المدمج وتستخدم هذه العملية في ايجاد تمثيل محدد في الذاكرة مع تمثل اخر على اسس من الترابط وقواعد.
9. التحويل تستخدم هذه العملية لتحويل أو تغير التمثيل الذهني على اساس محدد مسبقا.
10. تنفيذ الاستجابة، تستخدم هذه العملية لتعمل مع بعض التمثيلات الذهنية للوصول إلى استجابة معينة في الوقت نفسه ترى كارول إن هذه العناصر والعمليات لا يمكن أن تغطي كل العمليات المعرفية التي تدخل في اداء الفرد للمهمة المعرفية، ولكنها تغير يمكن أن يغطي العمليات التي يمكن عدها داخل انظمة المعالجة لدى الفرد.
رابعاً: نموذج شمك (1977)
جاءت ابحاث شمك في مجال المعلومات البشرية والذاكرة المتمثلة بالتصور، والتنظيم، وعمق المعالجة، واستراتيجيات الاسترجاع، والنتيجة التي تمخضت عنها تلك الابحاث هي:
الصفحة 144
الصفحة 145
1. المعالجة المفضلة والموسعة:
2. يقيس جوانب التعامل مع المعلومات الدراسية ويتالف من (14) فقرة تتركز حول استعمال الملخصات والربط المنطقي، وتطبيق المعلومات في حياته، وتحوير المعلومات العلمية عن طريق إضافات شخصية خاصة بالطالب، أي اعطاء امثلة من تجاربهم الشخصية.
الصفحة 146
الفصل السابع: الأساليب الفردية
مقدمة
تمركزت الفروق الفردية بين البشر في الماضي في مجال الادراك بصفة خاصة
بعده مؤشراً للقياس العقلي فجاء حالتون بالتمييز الحسي كدالة على ذكاء الإنسان أيضاً تضمنت اختبارات كاتل للذكاء أبعاداً للأساليب الحسية والأساليب المعرفية، والآن أصبحت الأساليب المعرفية محوراً مهماً لدراسة الفروق الفردية في مجال الادراك حتى صار يطلق عليها أحياناً الأساليب الإدراكية، ولأن الادراك ليس تنظيما منفصلا عن الأبعاد الأخرى للشخصية، فان الأساليب المعرفية هي متغير يمكن النظر من خلاله الى أبعاد متعددة للشخصية سواء كانت هذه الأبعاد معرفية أم وجدانية أم إجتماعية.
وهناك مداخل وإتجاهات عديدة سلوكية ، معرفية ، إنسانية) حاولت وما- تزال تفسير السلوك الانساني وامكانية ضبطه وتوجيهه ويعد المدخل أو الاتجاه المعرفي من أهم هذه المداخل على الإطلاق ومصطلح المعرفة يشير الى جميع العمليات النفسية التي بواسطتها يتغير المدخل أو المعطي الحسي أثر خضوعه
للمعالجة الى أن يستدعي استخدامه في المواقف المختلفة (كالادراك ، والتفكير . والتحويل ، والتخزين، والاستدعاء ، والمعرفة وتدخل في جميع ما يمكن ان يعقله الإنسان ويمارسه في حياته بصفة عامة وعد الاتجاه المعرفي أحدث وأفضل الاتجاهات المعاصرة في فهم وتفسير النشاط العقلي المرتبط بالسلوك الانساني،
الصفحة 147
وتبلور هذا الاتجاه نتيجة تفاعله وتبادله مع الاتجاهات الاخرى التي تناولت السلوك الانساني والتي تنضوي في نقاط مشتركة أو مختلفة عنه، حتى أصبح مدرسة تعرف بالمدرسة المعرفية مهدت الى ظهور علم النفس المعرفي الذي يركز محور إهتمامه بالكيفية التي يبني بها الناس خبراتهم وبواسطتها يضفون المعنى عن طريق تحويل المثير البيئي الى معلومة يتم في ضوئها الحكم على الاشياء.
وتعد الاساليب المعرفية من أهم محددات السلوك الانساني، إذ تعد عوامل منظمة للسلوك ومؤثرة فيه، فان النظرية الكلية الشاملة للشخصية عند المعرفيين هي السائدة في الوسط العلمي فلا ينظر الى الجوانب المعرفية والإنفعالية كلاً على حدة وأساليب التوافق وفهم الذات بصورة مجزأة وانما ينظر اليها جميعاً على انها كل متكامل الاجزاء وهكذا فقد استخدمت هذه الأساليب أساساً للتمييز بين الافراد عند تفاعلهم مع مواقف الحياة، وإن الاتجاه المعرفي وان كان من الاتجاهات الجديدة في دراسة السلوك الإنساني الا انه لم يكن حديث النشأة في أدبيات علم النفس الا ان مفهوم المعرفة وكيفية اكتسابها قد ظهر مع المدرسة المعرفية وفي هذا الصدد بين لوك ان قدرات الانسان على التوافق والتعلم مكنته من التقدم على الكائنات الحية الاخرى وتطور الانسان نتيجة إكتسابه الخبرات من البيئة الخارجية،
وما عقل الطفل الوليد الا صفحة خالية من الأفكار والمعاني المتقدمة، وتترك الاحاسيس والخبرات والارتباطات التي يتعرض لها الطفل تأثيراتها على هذه الصفحة، بينما أوضح ليبنتز ان العقل ليس سلبيا بل مدفوع بشكل ذاتي ونشط في تعامله مع الاشياء التي يدركها، والخبرات التي يمر بها على وفق الطبيعة الكامنة فيه، وينبغي الا ننظر الى الفرد هو مجموعة أو تشكيلة من الافعال، والانشطة التي يمارسها هي استجابة لمثيرات بل هي انشطة غرضية على وفق المدرسة الجشتالتية
الصفحة 148
وهو ما أكده أيضا الاتجاه المعرفي، وإذا كانت الدراسات العلمية قد رفضت وجهات نظر (انشتاين وبوهر، وهيزنبرغ، وإنموذج غاليلو، وميكانيكية نيوتن) وأكدت تقارب عالمي الخبرة والمادة والوعي فأن المعرفة في أساسها معرفة شخصية مع أهمية الخبرة في الحصول عليها من العالم الخارجي.
وهكذا فقد أجمع علماء النفس المعرفيون على ان المعرفة تشمل العمليات النفسية التي تحول بواسطتها المدخل الحسي ليفسر ويختصر ويختزن الى أن يستدعى ليستخدم في المواقف المختلفة، وتدخل المعرفة حتى عند غياب المثير المرتبط بالعمليات المعرفية، فأنها تدخل في مايمكن للأنسان أن يفعله أو يمارسه في حياته بصفة عامة، فكل ظاهرة نفسية انما هي ظاهرة معرفية.
وبين جيلفورد (1968) إن المعرفة تشمل الوعي بالمعلومات وإكتشافها مباشرة وإعادة تشكيلها أو تعرفها، وتشمل كل العمليات العقلية كما ان هذه المعلومات تفسر في اطار معالجة المعلومات الذي يستوعب كل الأنشطة والعمليات العقلية التي تبدأ من لحظة تمثيل المثير حتى حدوث الاستجابة التي تتناسب مع المواقف التي يتعرض لها الانسان فعملية معالجة المعلومات تعني كل المراحل العقلية التي تمر بها المعلومات كالانتباه والادراك والتفكير والتخيل، والتذكر التي تمثل متغيرات وسيطة تتوسط بين مثيرات البيئة والاستجابة لها، والتي تبدو في مظاهر سلوكية، أو مخرجات يمكن التعامل معها بالقياس والملاحظة، وعندما نشأت المدرسة الترابطية في انكلترا في مطلع القرن التاسع عشر على يد جون لوك (1754-1632) سعت الى تبني فكرة ترابط الأفكار في تفسير الخبرة الشعورية
والحوادث الفنية وعدت كل العمليات العقلية على انها تحدث نتيجة لترابط
الصفحة 149
الأحساسات التي هي عناصر العقل وذراته، إذ تنتظم فيما بينها استناداً الى قوانين التشابه والتضاد والاقتران الزماني والمكاني.
وقد ظهر الاهتمام بالجوانب العقلية والمعرفية أو ما يسمى بعلم النفس المعرفي بوصفه لا يعتمد على الارتباطات العصبية بين المثير – الاستجابة كما يرى السلوكيون، ولاعلى الشعور واللاشعور، كما يرى علماء التحليل النفسي وإنما يعتمد على سلوك الانسان الذي ينتج عن العمليات الادراكية في نظرة كلية شاملة لعناصر الموقف.
وفي أثناء المدة( 1930(1980) كان العلماء والباحثون يتحدثون بحذر عن العمليات العقلية بسبب سلوكية واطسن لأنها كانت لا تعطي إهتماماً لما في ذاكرة المتعلم في عملياته العقلية، على حين ركزت المدرسة المعرفية على ذاكرة المتعلم، وتنظر اليه بما يمتاز من استقلالية في التفكير وكنتيجة لهذا التحول إبتكرت نماذج ونظريات من قبل علماء النفس المعرفيين، إذ أكدت ضرورة أخذ المتعلم دوراً أكثر فعالية في توظيف عقله في أثناء عملية ،تعلمه مؤكدين ضرورة دراسة العمليات العقلية للانسان مثل التفكير ، الادراك ، (الانتباه ودراسة العمليات التي يتم بها إكتساب المعرفة بصورة دقيقة، وتفسر كيفية تطبيقها في الحياة اليومية، وهكذا فإن علماء النفس المعرفيين يجمعون بين جوانب الحركة الوظيفية في علم النفس بتأكيدها على العمليات العقلية وعلم النفس الجشتالتي في تأكيده الادراك والتفكير والانتباه، وعلى منهجية السلوكية في الطرائق الموضوعية المتبعة.
ولا شك ان فكرة الاساليب المعرفية تشير الى طريقة الفرد في التعامل من حيث أسلوبه في التفكير وطريقته في الفهم والتذكر ، وقد ذكر ربين في هذا الصدد عام (1987) ان الأساليب المعرفية طرائق يلجأ اليها الافراد في حصولهم على
الصفحة 150
المعلومات من البيئة، وانها توضح أيضا ان التعامل مع المعلومات يعتمد على صيغ كثيرة منها تصنيف المعلومات وتركيبها وتحليلها وخزنها واستدعاؤها عند الضرورة، ولهذا فان مجموعةً من العمليات التي يمارسها الفرد من خلال مواقفه التعليمية وتفاعلها اليومي تسهم بدور واضح في النمو العقلي من ناحية وتوسيع مدارك الفرد ومهاراته المعرفية من ناحية اخرى، وبين ميسك (1976) ان مفهوم الأساليب المعرفية يشير الى الاختلافات الفردية في أساليب الادراك، والتذكر، والتخيل، والتفكير وانها ترتبط بالطرق التي يستخدمها الأفراد في الفهم، والحفظ، واستخدام المعلومات.
وقد ذكر راش ان الأساليب المعرفية تعد من المفاهيم المرتبطة بمشاعر الافراد وسلوكهم في مختلف المواقف الحياتية التي يجابهونها كما أشار باكراخ 1992 على انها تعد من الطرق والأساليب المميزة في كيفية أدائهم للعمليات المعرفية وتحقيق غاياتهم وأهدافهم الفكرية.
وقد طرحت باربارا (1983) قضية تتعلق بمدى العلاقة بين أساليب التعلم والأساليب المعرفية لذلك قامت بدراسة تجريبية تمركزت حول إجراء تحليل عاملي لأربع أدوات لقياس أساليب التعلم، فوجدت ان من بين التشبعات للعوامل المعرفية مايشير الى تعلقها بأبعاد تعبر عن أساليب معرفية، وقد فسرت هذه النتيجة على أساس تضمين أسلوب التعلم بمتغيرات ثلاث وهي متغيرات معرفية، ومتغيرات وجدانية، ومتغيرات فيزيقية (بيئية)، لذا أقرت بان الاسلوب المعرفي هو نفسه أسلوب التعلم في المجال المعرفي، وإذا كان الجهد الذي بذله المختصون في مجال الأساليب المعرفية والدراسات التي تمت فيها تعود معظمها الى مدة الستينيات على يد (كاجان 1964، ووتكن 1965 ، وميسك 1970، ودريك 1970،
الصفحة 151
وميسر 1970)، إذ تمكن هؤلاء الباحثون وآخرون أمثال ايجيلاند 1974 تحديد مجموعة للأساليب المعرفية التي تميز بين الأفراد في مجال الفروق الفردية بين
المتعلمين باعتبار ان التعرف عليها وتحديدها لدى المتعلم قد يسهم بدرجة كبيرة في توفير ظروف تعليمية أفضل بالنسبة للفرد أو مجموعة من الأفراد، فضلاً عن تأكيدها على ان التعامل مع المعلومات يعتمد على صيغ كثيرة منها تصنيف هذه المعلومات وتركيبها وتحليلها وخزنها وكذلك استدعائها، وتشير الدراسات في علم النفس المعرفي الى ان الناس يظهرون فروقا فردية في آليات معالجة المعلومات خلال محاولتهم حل مشكلاتهم واتخاذ قراراتهم أو مجرد محاولة تفسير المثيرات، أو الاستجابة لها وتعد الأساليب المعرفية إحدى أهم هذه العوامل التي تفسر مثل هذه الفروق الكمية والنوعية بين الأفراد وأيضاً الجماعات على الرغم من ظهور تفسيرات وتصورات متعددة للأساليب المعرفية الا ان مصطلح الأسلوب المعرفي يعد من المصطلحات الحديثة نسبياً في علم النفس ولا سيما في مجال علم النفس المعرفي.
نشأة الأساليب المعرفية مفهومها ، ومكوناتها ، وخصائصها:
إن مصطلح الأسلوب المعرفي وان كان حديثاً نسبياً في علم النفس، فأنه يكون إحياءاً لفكرة النمط Type التي نمت وازدهرت خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر على يد علماء النفس الفرنسيين والألمان والإيطاليين وتطور هذا المصطلح لدى كرتشمر وشيلدون ليشكل علم الأنماط الذي صنف الشخصية على وفق بعدين أو أكثر. ولم يكتفي كرتشمر وشيلدون في وصف الأفراد تبعاً لذلك، بل في ضوء فروقهم في الإدراك، وفي ضوء انتباههم التحليلي أو المنفصل، يستعمل مفهوم النمط عند التعامل مع المعرفة، والشخصية، والإتصال والدافعية
الصفحة 152
والادراك، والتعلم ويستعمل مصطلح أسلوب ليصف عدداً من الأنشطة والخصائص والسلوكيات الفردية التي تظهر بشكل ثابت لمدة من الزمن ومع زيادة وعي الفرد
بأسلوبه فانه يتوقع أ أن أشار (البورت 1937) الى وجود فروق في عادات الأفراد في مواقف التذكر، والادراك، واتخاذ القرارات، وحل المشكلات.
يؤدي الى تحسين أدائه تجاه مواقف الحياة المختلفة، كذلك
فأن الأسلوب قد أشتق من كلمة لاتينية الأصل تعني خاصية مميزة ترتبط بالانسان ولها صفة الثبات النسبي وتتضح بنية الأسلوب عند ارتباطها بمفاهيم أخرى لتشكل ما يعرف بالمفاهيم المركبة سواء كان اقترانا أو تلازما في تفسير الحدث المحدد. فعند اقتران الأسلوب بالظاهرة الإدراكية فإنه يعرف بالأسلوب المعرفي وعندما يقترن بظاهرة وجدانية يعرف بالأسلوب الوجداني، ويسمى بالأسلوب المعرفي – الوجداني، كما عرف بالأسلوب الإبستمولوجي إذا اقترن بمحك سواء كان أسلوباً أو كيفية مميزة في تفاعل الفرد مع البيئة، التي تحدد عند (رويس 1973) بوجهات نظر تجريبية، وعقلانية، ومجازية أيضاً كذلك فقد اقترنت بنية الأسلوب بعدد من المفاهيم الأخرى بوصفه أسلوب حياة عند أدلر وأسلوب سلوك عند ميسك وأسلوب تعلم عند فلويد ويضم عمليات التفكير، وحل المشكلات والأساليب المعرفية وأسلوب معالجة معلومات، عند انتوسيل وأسلوب تفكير عند ساترلي، وإن الأساليب المعرفية وإن كانت قد حددت بطرائق إحراز الفرد للمعلومات وتضمينها في نماذج متصلة لوظائف العمليات العقلية، وأمكن تحديد خصائصها الرئيسة فإنها تشير إلى الفروق الفردية في بنية الأشخاص المعرفية، أي بمثابة النظام المعرفي المميز للفرد في تفسيره وإدراكه للعالم المحيط به، ولاسيما ما يرتبط منها بالجوانب المعرفية في الإدراك والتفكير والذاكرة، والانتباه، وحل
الصفحة 153
المشكلات وتناول المعلومات كما تمثل تفضيلات الفرد المعرفية من خلال تمثل أشكال الأداء المفضلة لديه والمميزة له في تصوره ،وإدراكه وتنظيمه للمثيرات التي يتعرض لها، ولا تهتم بمحتوى أو مضمون النشاط الذي يمارسه ذلك الفرد. وهي ثابتة نسبيا في السلوك، ويحقق هذا الثبات النسبي فائدة تنبؤية على المدى البعيد في مجالات علم النفس المختلفة وثنائية القطب لتتميز عن الذكاء والقدرات العقلية، ولكل قطب قيمة مميزة ولها أبعاد مستعرضة تنظر للشخصية بطريقة كلية. ولا تقتصر الأدوات التي تقيسها على الجوانب المعرفية فحسب بل تقيس جوانب غير معرفية للشخصية. وتعبر في أبعادها عن أنماط من التمايز كالتعقيد، والتخصص، والتكامل، لتعطي في النهاية مايميز فرداً عن فرد آخر
وللأساليب المعرفية قابلية التعديل والتغير على وفق طريقتين الأولى تأجيل الاستجابات والثانية استخدام النمذجة في تعديل الاستجابات. وأثبتت هاتان الطريقتان فاعليتهما في تعديل بعض الأساليب المعرفية مع تأكيد الاستمرار في المتابعة والتكرار للأسلوب الذي عدل لديمومة هذا التغير أوثباته.
وإذا كانت الدراسات العلمية قد أثبتت توافر تداخل بين الأساليب المعرفية وبعض المفاهيم، وتداخل أبعاد بعض الأساليب نفسها، وترابطها مع بعض المتغيرات النفسية والديموغرافية والاجتماعية، فإن بعض المفاهيم تستخدم بدلاً عن الأساليب المعرفية بصفتها سمات شخصية وأشار (سانتو ستيفانو 1969) لتحديد كمية وتنظيم المعلومات التي تعود بالفائدة على الفرد في لحظة قيامه بالسلوك، فيفعل الأسلوب المعرفي من خلال بعض المعلومات ويقوم الأسلوب المعرفي بعملية التوسط والتعديل لتأثير سمات الشخصية والدافعية على الوظيفة العقلية وانساق (فيرنون 1973 مع هذا المنظور فالأساليب المعرفية سمات تظهر
الصفحة 154
تاثيراتها المتناسقة في المنهج الذي تحدث به العملية الادراكية أو الوجدانية منطلقا من نظرة (البورت (1973) التي أوضحت إن اتساق السلوك انعكاس لاتساق داخلي منظم بشكل فريد وفردي لسمات متعددة ومتداخلة، وهو الذي يحدد توافقه مع البيئة وهناك فروق بين الأسلوب والسمة يتجلى ان الأول متغير مستمر في حين إن الثاني متغير متقطع، وإنّ الأسلوب ينظم العمليات المعرفية في حين تنظم السمات الابنية الوجدانية.
ووصف (برومبي
1972 وتايلر 1978 وديجر 1980) الأساليب المعرفية ببروفيل للقدرات العقلية التي يمتلكها الفرد، وتسبب الفروق بين الأفراد وتشغل حيزاً من القدرة العقلية العامة ويمثل الأداء على مقاييس الأساليب المعرفية بعداً متصلاً من القدرة العقلية العامة بيد ان نتائج التحليل العاملي لمقاييس الأساليب المعرفية بينت اختلافاً بينها وبين القدرة العقلية العامة والقدرات المكانية، واستخدم ردنج وراينر مصطلح أساليب تعلم اشارة إلى الأساليب المعرفية لترابط أداء الفرد على مهمات مشابهة للمهمات التي تستخدم في المجال المدرسي وأكد (شيمك 1983) استخدام هذا المفهوم لكونه أعم وأشمل ولأن أساليب التعلم نتاج لخصائص الشخصية والأساليب المعرفية، وذكر ميسك (1984) إن الأساليب المعرفية ليست عادات بسيطة التركيب على وفق ما تتناوله نظريات التعلم، إذ لا تخضع لمبادئ الكف أو الانطفاء انما هي طرائق تفكير تتصف بالعمومية وتتميز
بالثبات النسبي.
وأكدت دراسة (سايمون وآخرون 1986 ان الأساليب المعرفية طرائق لمعالجة المعلومات إذ ترجع الفروق الفردية في النتاج المعرفي إلى طريقة الفرد في معالجة المعلومات وبشكل مستقل عن المعرفة ولكن واجه هذا الافتراض اعتراضاً من
الصفحة 155
(ميسك 1984) فطبيعة الأساليب المعرفية وان كانت ضمن انموذج معالجة المعلومات، الا إن ترابطهما أبعد ما يكون عن الارتباط الكامل لأن الأساليب تظهر نتاج لتأثيرات المتوالية لعمليات متعددة لمعالجة المعلومات وهكذا نجد ان مجموعة من باحثي معهد (Fles) قد تبنوا وصف الأساليب المعرفية باستراتيجات معرفية لترابط خصائصهما فقد تصور برونر) وكودناو واوستن (1956) بانها تشير الى الفروق في استراتيجيات تنظيم المثيرات وتصنيفها.
وبين (شيبمان وشيبمان 1985 إن الأساليب المعرفية فروق في استراتيجيات الأداء المميز للأفراد في الانتباه والادراك والتفكير والتذكر ومع كل ما تقدم فقد ميز ميسك بينهما فالأساليب المعرفية تستخدم وتطبق من دون أن تاخذ بنظر الاعتبار جانب الوعي، وتختبر أنواعاً واسعة ومستعرضة من مواقف الحياة، وأكثر ثباتاً وأقل ميلاً للتغير ولاسيما التغيرات المفاجئة مما يجعلها وسيلة للتنبؤ بسلوك الأفراد في مواجهة المواقف. أما الاستراتيجيات فيدخل جانب الوعي بشكل محدد ومنظم ومخطط للفرد في معالجة المعلومات لاتخاذ القرار المطلوب من عدة بدائل، وتتغير وتتعدل في ظل المواقف التي يتعرض لها الأفراد، وصنف (هيث 1965) الأساليب المعرفية بصفتها تفضيلات معرفية مميزة يفضلها الفرد في تصوره وتنظيمه للمثيرات التي يتعرض لها على وفق أربعة أنماط معرفية هي : نمط الاسترجاع ويتمثله الفرد عندما يتقبل المعلومات على علاتها ونمط الناقد ويتمثله عندما يشك في صحة المعلومات ونمط المبادئ ويتمثله عندما يتقبل معلومات تلقي الضوء على مبدأ أساسي أو على شيء بشيء آخر ونمط التطبيقات ويتمثله عندما تكون المعلومات ذات قيمة ويمكن استخدامها في مجال اجتماعي أو م 6ن، بيد أن (كوجان
الصفحة 156
1971، وميسك (1984 قد أكدا ان الأسلوب المعرفي لا يتحدد بالنمط المعرفي المفضل، بل بطرائق تنظيم المدركات والخبرة.
ولقد اقترب مفهوم الأسلوب المعرفي من مفهوم الضوابط المعرفية لانهما يشيران إلى مدى الاتساق المعرفي في الشكل والطريقة ويقومان على التنظيم والتحكم بمتغيرات متعددة داخل الفرد وأكدت الدراسات النفسية هذا التقارب بين المفهومين فهما يصفان طبيعة النشاط المعرفي الممارس والمجال الذي يمارس فيه الفرد هذا النشاط ولا يتعلق الأداء في الأساليب والضوابط في جانب الكم فحسب، بل يأخذ صفته بما يتناسب مع طبيعة الموقف وخصائصه وينتمي الى ميول الفرد وليس كفايته وكلا المفهومين يمثل أبعاداً للتحكم والضبط المتعلق بالنشاط ولكن ظهر بعض الاختلاف بين مفهوم الأساليب المعرفية ومفهوم الضوابط المعرفية فالأولى ثنائية القطب وتتميز بكونها أبعاداً مستعرضة وشاملة في الشخصية، وتهتم بتباين القيمة لقطبين وتخضع للأداء المميز، وتشكل أنماطاً وظيفية تنظم وتتحكم في الضوابط المعرفية بينما الثانية أحادية القطب وتمثل مجالاً للمقارنة في وظائف نوعية متخصصة في ذاتها، وتهتم بالقيمة التوجيهية والكمية لقطب واحد وهي أقرب إلى القدرات الاسلوبية وتخضع للأداء الأقصى على وفق ما أشار اليه (كرونباخ 1970) وأشار (جاردنر 1961) انها إتساق معرفي لتنظيم المدركات وبين (وتكن 1962) إن الأساليب المعرفية طريقة تميز أداء الفرد في الأنشطة العقلية وتعكس فروقاً في نظام الشخصية في أثناء معالجة الموضوعات وأوضح (كاجان وموس 1963) بانها طرائق لتنظيم مدركات الأفراد وبين (كوب وسيجل 1971) إلى إنها اتساق معرفي يميز الأفراد في توظيفهم للمعلومات في مواقف سلوكية معينة
الصفحة 157
وأشار كوجان (1971) إنها طرائق مميزة في الاستيعاب والخزن والتحويل واستخدام المعلومات.كما انطلق (فيرنون (1973 في تتبع ظهور الأسلوب المعرفي من فكرة ان الفروق بين الأفراد ناجمة عن اختلافهم في السلوك وكذلك اختلافاتهم في العمليات العقلية أيضا وأشار جروس إن الفكرة بدأت عند تصنيف التفكير الى نمطين هما التفكير العريض الضحل المتحرك والتفكير العميق الضيق الدؤوب، وميز ميسمر بين الادراك التركيبي والادراك التحليلي وميز ميومان بين الانتباه المنتشر والانتباه المركز، وبين جولد شتاين وشيرر بين نمطي التفكير العياني والتجريدي، وأوضح هانفمان إن هناك أسلوب تصوري يقابله أسلوب معرفي حسي، وإن بوادر ظهور الأسلوب المعرفي وان كان قد ظهر في كتابات يونج عندما طرح مفهوم الأنماط الأولية، وفي مقالة كلاين عالم الفرد من خلال إدراكه، وفي كتابات (بلاك، ورامسي) عند تناول الادراك مدخلاً لفهم الشخصية فأن مصطلح الأسلوب المعرفي قد ظهر أيضاً لدى (جاردنر ،بعده هو طريقة يتم بواسطته تنظيم وبرمجة المعلومات والأحداث، ووصف كلاين الأسلوب المعرفي في صور متعددة، وتعرف عليه الباحثون من خلال التحليل العاملي فضلاً عن إن (روكيش) بينه في كتاب (العقل المفتوح المغلق) ليشير إلى الطريقة أو الكيفية التي يتم فيها تنظيم المعلومات. وبين وتكن إنه الطريقة المميزة في أداء الفرد وأكد زاجونك وبرودي إنه حالة وسيطة بين المدخلات البيئية والمدخلات العقلية، إذ عدها (فيرنون 1973) سمات عالية الرتبة تتضمن الكثير من العمليات المختلفة وتسببالفروق الفردية.
الصفحة 158
وبين (جولدشتاين وبلاك مان (1978 إنها طرائق تميز الفرد في تنظيمه للبيئةوما فيها من موضوعات مدركة وأكد ميسك 1984 إنها فروق فردية ثابتة نسبياً في طرائق تنظيم المدركات وكذلك في معالجة معلومات البيئة التي يتعرضون لها وأشار (انتوسيل (1985 إنها طرائق يقوم بها الأفراد في أثناء معالجتهم للمعلوماتوأوضح (ساترلي (1985 إنها طرائق يتعلم ويفكر بها الصغار والكبار.
مكونات الأساليب المعرفية:
إن الأسلوب المعرفي مثل غيره من المتغيرات النفسية يتكون من ثلاثة مكوناتتحدد معاً أسلوب الفرد في التفكير وهي:المكون الانفعالي:وتنطوي على المشاعر التي تصاحب الفرد عند التعامل مع المواقف المختلفة.المكون السلوكي:وتتعلق بالسلوكيات التي تصاحب الأسلوب المعرفي أو تنتج عنه.المكون المعرفي:وتتعلق بمعرفة الفرد ووعيه باسلوبه المعرفي .
خصائص الأساليب المعرفية:
اتفق معظم الباحثين في مجال الأساليب المعرفية على خصائص عامة لهذه الأساليب أوضحها وتكن وزملاؤه (1977) وهي:
الصفحة 159
الصفحة 160
القطب والأسلوب المعرفي ثنائي القطب الا انه يمكن توزيع الأفراد تبعاً لكل منهما على متصل، ذلك مع احتفاظ كل منهما بخصائصه أيضا إذا كان الأسلوب المعرفي يتعلق بشكل النشاط المعرفي، فان القدرة العقلية تشير إلى محتوى أو مكون العمليات ومستوى المعرفة وذلك للاجابة عن المعلومات وكمها والعملية التي تستخدم في تجهيزها أو تناولها.
نماذج نظرية فسرت الأساليب المعرفية:
حاول بعض الباحثين عرض نماذج نظرية لتفسير مفهوم الأساليب المعرفية لتعرف خصائصها، وطبيعتها، وأبعادها المتعددة على وفق الاتي
1976ينظر (كوجان (1976) الى الأساليب المعرفية من منظور دلالة الأداء والمحكات المستخدمة للحكم على هذه الأساليب فيرى الأساليب المعرفية تندرج فيثلاثة أنماط :
النمط الاول: يمثل الأساليب المعرفية الأكثر تعلقاً باتجاه القدرة وفي هذه الحالة فان محك صحة الأداء يمثل معياراً للحكم على الأسلوب المعرفي. وذلك من حيث مدى ملائمة الأسلوب المعرفي للأداء المتطلب من الشخص في الموقف، بمعنى إن الأداء يوصف في ضوء الدرجة أو المستوى الذي يملك فيه الفرد المسببات التي بمقتضاها ينزع إلى طرف واستراتيجيات خاصة بالأداء فليست الأساليب هيتفرض نفسها على الموقف.التيا
لنمط الثاني: تتمثل الأساليب المعرفية التي لا تستدعي استخدام محك صحة الأداء أو عدم صحته، ولكن ينظر اليها على أساس إنها تقع على بعد مستمر
الصفحة 161
(متصل) ثنائي القطب يحمل أحد قطبيه القيمة الأكبر، بينما يحمل القطب الثانيالقيمة الأقل.
النمط الثالث: تحمل خصائص التصور الأول والثاني من حيث تأكيد العلاقة بين الأساليب المعرفية والقدرات من جهة، وتأكيد القيمة الأكبر لقطب معين من القطبين من جهة أخرى وهذا النمط يثيرقضية مهمة هوانه لايمكن استعماله مع الأعمار الزمنية المرتفعة، وخاصة المهام التي تتعلق بقياس أساليب معرفية كأسلوب تفضيل الصور الذهنية
.2. منظور جولدشتاين وبلاكمان (1978):
أشار جولدشتاين وبلاكمان 1978 ان التسلطية أول المفاهيم التي تكمن ورائها كثير من المفاهيم المرتبطة بخصائص الأساليب المعرفية وأهتم ادورنو وآخرون 1950 بدراسة الأفراد من نمط التفكير الجامد ويتصفون بالتصلب وضعف تحمل الغموض وهما جذور تفرعت عنها أبعاد الأساليب المعرفية
.3. منظور بروفرمان 1980
انطلق بروفرمان وفيبر
في تفسيرهما من منظور بايوكيميائي يستند إلى تأثير هرموني الاندروجين والاستروجين في وظيفة الأداء المعرفي للفرد، ومنهاالأساليب المعرفية
.4. منظورهارتنت : 1980قدمت هارتنت 1980 دليلاً علمياً يبين أهمية نصفي الدماغ في تحديد الفروق الفردية لبناء الفرد المعرفي، وطريقته في معالجة المعلومات، إذ يختصان بوظيفتين عقليتين منفصلتين نسبياً (ايسروايمن) وبدرجة متمايزة على وفق ثنائية
الصفحة 162
التصنيف، فنصف الدماغ الأيسر له السيادة في المجال التحليلي بينما نصف الدماغالأيمن له السيادة في المجال الشمولي
.5. منظور جيلفورد :1980قدم جيلفورد 1980 تصوراً نظرياً عن ماهية الأساليب المعرفية وطبيعتها، وصلتها بانموذجه (بنية العقل، إذ عدها وظائف أو طرائق عقلية تعبر عن العمليات العقلية، فضلاً عن كونها سمات عالية الرتبة تعبر عن الجوانب المزاجيةللأفرا
.6. منظور ميسك 1984قدم (ميسك 1984) تصوراً عن الأساليب المعرفية يوضح خصائصها وتضمينات مهمة تكشف عن انتماءات منطقية لها في اطار بناء نظرية تتسم بالاتساق والتكامل بين أبعاد الأساليب المعرفية المختلفة، وتقدم مبررات ومؤشرات تفسر نتائج الدراسات التي توصلت اليها، وتتعلق بخصائص النظام الذي يحدد الأسلوب المعرفي للفرد، وهي تفضيلات إدراكية في النظر إلى المثيرات، ويمكن عدها نماذج للاتساق الذاتي في العمليات العقلية والنظر اليها كأنماط للضوابط المعرفية واشارة إلى آليات توافق الفرد مع البيئة ومحكاً للفروق في تفضيل بعد أكثر من آخر، وأشكالاً تفضيلية في تناول الفرد للمعلومات، وأنماطاً منظمة من القدرات، ومؤشراً لمدى ارتباط الميول بالجوانب المعرفية في الانسان.لذلك لاتوجد نظرية واحدة عامة ومتكاملة وشاملة تفسر الأساليب المعرفية جميعها، إذ قد تفسر نظرية جانب من الأساليب المعرفية وتفسر أخرى جانباً آخر منطلقة من الأطر الفكرية المستندة اليها والأسلوب المعرفي التأمل – الاندفاع واحدالتصنيف،
الصفحة 163
معمن تلك الموضوعات التي تناولت نماذج نظرية متعددة، من بين تلك النماذج من يؤكد دلالة الأداء والمحكات المستخدمة للحكم على هذه الأساليب فيرى إنها تندرج في ثلاثة أنماط، الأول: يتعلق بالدرجة أو المستوى الذي يملك فيه الفرد المسببات التي بمقتضاها ينزع إلى طرق واستراتيجيات خاصة بالأداء. والثاني: ينظر اليها على أساس انها تقع على بعد مستمر (متصل) ثنائي القطب يحمل أحد قطبيه القيمة الأكبر، بينما يحمل القطب الثاني القيمة الأقل، والثالث: يحمل خصائص التصور الأول والثاني لكنه يثير قضية مهمة وهي انه لا يمكن استخدامه الأعمار الزمنية المرتفعة ومن رواد هذا المنظور كوجان وهناك من يرى ان التسلطية أول المفاهيم التي تكمن ورائها كثير من المفاهيم المرتبطة بخصائص الأساليب المعرفية وأهم رواد هذه النظرية جولدشتاين وبلاكمان ومنهم من يفسره من منظور بايوكيميائي يسند إلى تأثير هرموني الاندروجين والاستروجين في وظيفة الأداء المعرفي للفرد كما في رأي بروفرمان وفيبر. تتفق نظرية هارتنت من الجانب الطبي مع نظرية بروفرمان وفيبر إذ بينت الاخيرة أهمية نصفي الدماغ في تحديد الفروق الفردية لبناء الفرد المعرفي وطريقته في معالجة المعلومات فنصف الدماغ الأيسر له السيادة في المجال التحليلي ونصف الدماغ الأيمن له السيادة في المجال الشمولي، وهناك من قدم تصوراً نظريا عن ماهية الأساليب العرفية وطبيعتها، وصلتها بانموذجه ( بنية العقل)، إذ عدّها طرائق عقلية تعبر عن العمليات العقلية، وهناك من ينظر للأساليب المعرفية بكونها تفضيلات إدراكية في النظر للمثيرات ومحكاً للفروق في تفضيل بعد أكثر من آخر، وأشكالاً تفضيلية في تناول الفردللمعلومات .
الصفحة 164
الفصل الثامن: التفكير
مقدمة
أكثرالتفكير أمر مألوف لدى مختلف الناس يمارسه الكثير منهم، وهو المفاهيم غموضا وأشدها استعصاء على التعريف، ولعل مرد ذلك الى ان التفكير لا يقتصر أمره على مجرد فهم الإلية التي يحصل بها ، بل هو عملية معقدة متعددة الخطوات، تتداخل فيها عوامل كثيرة تتأثر بها وتؤثر فيها، فالتفكير نشاط يحصل في الدماغ بعد الإحساس بوضع معين، الأمر الذي يؤدي الى نشوء تفاعل ذهني ما بين قدرات الذكاء والإحساس والخبرات الموجودة لدى الشخص المفكر، وهو اعقد أنواع السلوك الإنساني، فهو يأتي في أعلى مستويات النشاط العقلي، كما يعد من أهم الخصائص التي ميزت الإنسان عن غيره من المخلوقات، وهذا السلوك ناتج عن تركيب الدماغ لديه وتعقيده مقارنة بتركيبه البسيط عند الحيوان، والذي من خلاله تمكن الإنسان من تحديد الهدف من سلوكه.واهتم العديد من الباحثين والمربين حتى بات من أكثر الموضوعات دراسة وبحثا في مجال علم النفس التربوي، ولقد عنيت جميع المدارس الفلسفية والفكرية والتربوية بتنمية الفكر والتفكير لكي يصبح الفرد أكثر قدرة على مواجهة الصعوبات والمشكلات التي تعترض طريقه في مختلف جوانب الحياة، وتحدث عملية التفكير عندما تكون هناك مشكلة ما تدفع الفرد للتفكير والبحث عن الحل لها، وان اكتساب المعرفة وحدها لا يغني عن التفكير ولا يمكن الاستفادة من المعارف دون تفكير يدعمها في القدرة على التمييز والاكتشاف السريع لأوجه الشبه وأوجه
الصفحة 165
الاختلاف بين الأشياء، ويدعمها في القدرة على التحليل والتنظيم والاكتشاف السريع للقوانين التي تحكم الأشياء وأصالة التفسير والاستنتاجات، ولا تزال ماهية عملية التفكير من الظواهر النفسية غير المقطوع بها في علم النفس، فهناك من يراه فعالية عقلية رمزية، في حين يراه آخرون انه فعالية عقلية تصورية، ويراه اخرون على انه حركة عضلية تقوم بها أعضاء النطق بحيث يبدو التفكير أشبه ما يكون بلغة صامتة، ويشبه آخرون بعملية الاختزال غير ان المعرفيون يشبهون ما يقوم به الدماغ عند التفكير بالعمليات التي يقوم بها الحاسوب عند معالجة المعلومات.
التفكير ومهارات التفكير
هناك فرق بين التفكير ومهارات التفكير، حيث ان التفكير يمثل عملية كلية يقوم الفرد عن طريقها بمعالجة عقلية للمدخلات التي تأتي من البيئة عن طريق الحواس الخمسة، ويمكن استخدامها لتكوين بعض الأفكار او المواقف او الاستدلال او الحكم عليها، وتتضمن الإدراك والخبرة السابقة والمعالجة الواعية والاحتضان ،والحدس كما يتم من خلالها اكتساب الخبرة وتعديل المواقف الطارئة، اما مهارات التفكير فهي عمليات متكونة من المهارات الأساسية المتطورة والمتقدمة والمهارات الثانوية التي تسيطر على العمليات العقلية للفرد وتقودها، فهي عمليات محددة مرتبطة بطبيعة الموقف، حيث نمارسها عن قصد لمعالجة المعلومات مثل مهارة تحديد المشكلة وتقييم الدليل والادعاءات، فمهارات التفكير يمكن تطبيقها بشكل واسع واستجابة لعدد من الواجبات او التحديات مثل الأشياء الغريبة، والمعضلات الصعبة، والأمور المتفرعة الجوانب والقضايا الغامضة والألغاز والاحجيات المتنوعة، والقضايا المتنازع عليها، والصعوبات والعقبات المختلفة التي لا تظهر لها بوادر الحلاو الحلول المختلفة.
الصفحة 166
عمليات ومهارات التفكير
يشير ماروزانو وآخرون (1989) .Marzono et al) الى ان عمليات التفكير، ما هي الا إجراءات معقدة تتطلب عادة وقتا ونشاطا اكبر وتنسيقا وتركيبا للعديد من المهارات، وعليه فان التمييز بين العملية والمهارة يكون صعبا، وتلك الصعوبة تنشأ بدرجة ما من ان طريقة الناس في استخدام المهارات تعتمد على العملية وعلى المحتوى الذي تستخدم به المهارة فعلى سبيل المثال مهارة التلخيص ربما تكون بسيطة وتتطلب تحديد الفكرة الرئيسية التي تكون موجودة بوضوح لكنها في أحيان أخرى ربما تتضمن تركيبا معقدا من المهارات.ان مهارة التفكير يمكن ان تستخدم في اي عملية من عمليات التفكير، ونفس المهارة يمكن ان تستخدم أكثر من مرة فمهارات التفكير هي مكونات عمليات التفكير.وتنتظم مهارات وعمليات التفكير في مستويات متدرجة تبدأ بمهارات التفكير الأساسية مثل الملاحظة والمقارنة والتلخيص الخ، ثم تتدرج الى عمليات التفكير المركب كالتفكير الناقد والتفكير الإبداعي وحل المشكلات واتخاذ القرار، وتتكون كل عملية من العمليات من عدد من المهارات والاستراتيجيات، وعليه فان هذه العمليات والمهارات والاستراتيجيات ليست منفصلة عن بعضها البعض، فبينها قدر كبير من التداخل والترادف في استخدام المصطلحات، ولكنها تكون في مجموعهاخريطة التفكير التي يمكن استخدامها لأغراض تعليم التفكير ومكوناته ومهاراته.
الصفحة 167
خصائص التفكير
1. التفكير سلوك هادف، فهو لا يحدث في فراغ او بلا هدف، وإنما هو نتيجة لمواقف معينة.
2. انه سلوك تطوري يتغير تغيرا كميا ونوعيا تبعا لنمو الفرد وتراكم الخبرات.
.3انه مفهوم نسبي فلا يمكن للفرد ان يصل الى درجة الكمال في التفكير او ان يمارس جميع أنواع وأنماط التفكير.
4. التفكير الفعال هو الذي يرتكز على أفضل المعاني والمعلومات التي يمكن استخلاصها.
5. يتكون التفكير من تداخل عناصر المحيط او البيئة التي تضم الزمان والمكان.
6. يحدث بأشكال وأنماط مختلفة لفظية رمزية كمية منطقية، مكانية، شكلية) ولكل منها خصوصية.
7. التفكير الإنساني جزء عضوي وظيفي في بنية الشخصية فنظام الحاجات والدوافع والانفعالات والاتجاهات والميول لدى الفرد ينعكس على تفكير الفرد
بواعث التفكير وأسبابه
1. الدهشة والاستغراب : - كثيرا ما يتساءل الفرد في اي مرحلة عمرية كان فيها، بلماذا؟ فالفرد عندما يكون إمام موقف مدهش لم يسبق ان مر به، فانه
يندهش ويتساءل، فيبدأ يفكر في الأسباب ويبقي كذلك حتى يجد السبب.
وجود مشكلة:- يشعر الفرد بالإرتباك عندما تواجه مشكلة ما لا يستطيع حلها، فيبدأ بالتفكير من اجل حلها.
الصفحة 168
3. اتخاذ القرار :- إذا أردنا اتخاذ القرارات المناسبة فلا بد من الاستعانة بأعمال الفكر والتفكير.
4. الفضول: ان حب الفضول (الاستطلاع) واستكشاف المجهول هو احد الأسباب التي تقف وراء التفكير.
5. الحاجة إلى الاختراع والشعور بالتحدي: فالإنسان لديه حاجات متعددة، وهذه الحاجات بحاجة الى الإشباع حتى يشحذ الإنسان عقله وتفكيره لبقائه
وتطوره.
6.طالطبيعة البشرية بذاتها : ان الإنسان مفكر بطبعه، وهو دائم التفكير في الأحداث التي تحدث في الماضي والحاضر وما سوف يحدث في المستقبل.
.7 المتعة: - يستمتع المفكر بفكره خاصة إذا ما تشارك مع أفكار الآخرين.
عناصر (أدوات) التفكير
تتنوع عناصر التفكير وأدواته التي يستخدمها الفرد في عمليات التفكير وتتمثل
أهمها بالاتي :-
1. التصور: هي صور الأشياء المادية التي تطبع وتسجل في ذاكرة الفرد، حيث ان الصورة الحسية عبارة عن عدد كبير من العناصر التي توجد في علاقة محددة من التشابه والاتساق وتتميز بعمومية مبدأ انتظامها الزمني والمكاني، وتظهر في وعي الفرد كموضوعات للمعرفة
2. المفاهيم المفهوم فكرة عامة نكونها من خلال خبراتنا مع
نتعامل معها، او تكون في إطار تفكيرنا وبيئتنا.
الأشياء التي
الصفحة 169
5. النشاطات العضلية يؤدي التفكير في كثير من الحالات الى تحريك مجموعة من عضلات الجسم تشبه الى حد كبير الحركات التي يحدثها الفرد عندما ينطق بصوت مرتفع وفي هذا المجال اشار مانجل (2004 Mangal) الى ان الدراسات أشارت الى وجود علاقة وثيقة ما بين التفكير والأنشطة العضلية للشخص الذي يفكر فكلما انغمس في التفكير كلما زادت التقلصات العضلية لديه والعكس صحيح.
نظريات التفكير
اهتمت المدارس والاتجاهات المختلفة في علم النفس بموضوع التفكير، بعده موضوعا يستحق البحث والدراسة، وقد تباين العلماء والباحثين في تفسيرهم له، وربما يعود سبب ذلك الى تباين الأطر النظرية والمسلمات التي اعتمدوا عليها، فضلا عن أساليب البحث والمنهجية والأدوات التي استقصوا بواسطتها المعلومات والتي في ضوئها وضعوا تصوراتهم وأرائهم حول المفهوم وكما يلي:
الصفحة 170
أولاً: المدرسة السلوكية
تعنى السلوكية بدراسة المعطيات القابلة للملاحظة من خلال السلوك الخارجي بالتحديد، فهي لا تستعين بالاستبطان او العمليات الفيزيولوجية، فالسلوكية تقوم على الدراسة العملية للسلوك وعلى دراسة المنعكسات الشرطية، وان السلوكية لم تتطرق الى موضوع التفكير بشكل مباشر، وإنما اعتبرت الخبرة او التعلم الذي يتشكل نتيجة العلاقة بين المثير والاستجابة هي بمثابة التفكير، وهي تتضمن عدة نظريات منها الأتي:-
ان سيكولوجية الاشتراط تمثل حالة تسود العضو عندما يستجيب فيها لمثير
شرطي ارتبط بمثير طبيعي لديه القدرة على استدعاء تلك الاستجابة التي تكون في البداية استجابة طبيعية ان التفكير يمكن ان يكون سلوكا، ويكون كذلك حين يتم اعتبار ان السلوك استجابة لمثير ما، او رد فعل لفعل، وطالما ان الفرد يستجيب لأي مثير يواجهه، وطالما ان اي شيء يواجهه الفرد يستثير لديه خبرات، ويجتهد الفرد في استحضار هذه الخبرات، فان هذه العملية هي محتوى عملية التفكير ،عليه فان التفكير من وجهة نظر بافلوف يمثل سلوك يتكون من عمليات تتضمن تخطيط وإعداد وتوقع وتغيرات في فسيولوجية الإنسان، والتفكير يكون سلوك ظاهري او داخلي، وقد أشار بافلوف الى ان هناك عدد من الآليات التفكير الاشراطي التي تسهم في التدريب وتعليم التفكير والمتمثلة بالية التكرار والتعميم والتمييز.
الصفحة 171
يتكون التفكير الترابطي عن طريق المحاولات التي يقوم بها الفرد، فالمحاولات الصائبة، هي محاولات يمكن تعلمها والمحاولات الخطأ يتعلم منها على انها محاولات لا تحقق الهدف، ومجموع هذه المحاولات الصحيحة تتجمع لتشكل وحدات التفكير التي تستعمل لحل مشكلات مشابهة، يتعرض لها الفرد في مواقف مختلفة، وعليه فان تفكير المحاولات والأخطاء يفسر التفكير الترابطي، وان التفكير الترابطي يقوم على أسلوبي المحاولة والخطاء وهرم عائلة العادات وهرم عائلة العادة يسجل كل المحاولات التي يقوم بها الفرد والتي تعد من السلوكيات التي توصل الى مواجهة موقف او إجابة عن سؤال او حل مشكلة.
یرى سكنر ان التفكير الإجرائي يمثل حلقة وصل مابين مجموعتين من المؤثرات التي تسبق السلوك والمؤثرات التي تعقبه، لذلك التفكير عملية إجرائية ذهنية يقوم بها الفرد فيلاقي استجابة قد تكون مرتبطة بحالة ذهنية او بحل مشكلة، ويتعزز تكرار هذه الاستجابة في ضوء ما لاقاه من تعزيز وتصحيح مرتبط بتشجيع خارجي ثم أصبح ذاتيا.
ويشير سكنر الى انه ليس هناك من سبب يمنع تحليل طرق التفكير وتعلمها الأمر الذي يجعلها أكثر فاعلية وان أهم النقاط التي تستنتج من تفسير السلوكية لعملية التفكير تتمثل بالاتي :-
الصفحة 172
تخزينها في الذاكرة.
ثانياً: المدرسة المعرفية
وتتضمن عدة نظريات منها الاتي:
تعد نظرية بياجيه من أوائل النظريات في مجال النمو المعرفي، فهي من أكثر النظريات شمولية في تفسير النمو العقلي عند الأطفال، وينظر بياجيه الى التطور المعرفي من زاويتين هما البنية العقلية والوظائف العقلية ويؤكد على ان التطور المعرفي لا يتم الا بمعرفتهما ويؤكد بياجيه الى ان هناك أربعة عوامل تؤثر في النمو المعرفي وتختلف في درجة أهميتها وهي:-
1. الخبرات الطبيعية بالأشياء.
2. الخبرات الاجتماعية النابعة عن تفاعل الفرد مع البيئة.
3. النضج والنمو العصبي.
4. التوازن الذي يحدث بين العمليات الفكرية ويتكون هذا العامل من تجميع
العوامل السابقة.
الصفخة 173
یرى بياجيه بان الطفل في اية بيئة لابد من ان يمر بمراحل اربع بالترتيب ذاته، وتختلف نوعية التفكير في كل مرحلة من هذه المراحل حتى يصل الى قمة النضج المعرفي وذلك في المرحلة الأخيرة .
ويمكن إيجاز المراحل التي أكد عليها بالاتي :-
3. مرحلة العمليات المادية وتمتد ما بين السابعة والحادية عشرة، وفي هذه الفترة ينمو ويتطور لدى الطفل نظام من العمليات العقلية تمكنه من التعامل مع العالم الطبيعي او المادي بطريقة منتظمة.
4.مرحلة العملية المجردة: تمتد من الحادية عشرة الى الخامسة عشرة، وبعد المرور بهذه المرحلة يصبح الطفل راشدا بالمفهوم وقادرا على القيام بالاستنتاج العملي، ويمكن تشبيه الفكر العلمي العملي بالطريقة العلمية، كما يتمكن المراهق من التعامل مع الحقائق وليس مع الأشياء.
الصفحة 174
2- نظرية برونر
يعتبر برونر احد علماء النفس المعرفيين الذين ركزوا على فرضية الاعتماد على البيئة والخبرات الموجهة كمدخل لتنمية التفكير وتطويره ويرى ان النمو المعرفي يتأثر بدرجة كبيرة بالتطورات الاجتماعية والتكنولوجية، لذا فالنمو المعرفي ما هو الا نتاج للتأثير المتبادل بين الخبرات والنضج التطوري. ان أكثر ما ركز عليه برونر في نظريته هو البناء الذي يستقبل فيه الطفل او الفرد الخبرة، والذي أطلق عليه مفهوم التمثيلات المعرفية، وتمثل التمثيلات الطرق التي يتمثل فيها الفرد الخبرة التي يواجهها، والطريقة التي يخزن بها المعرفة التي يتفاعل معها.
يرى برونر ان هناك ثلاثة أنماط من عمليات التمثيل وهي مراحل النمو المعرفي وفيما يأتي توضيح لهذه المراحل:
فالصورة تحل محل تمثيلات العمل والحركة
الصفحة 175
ويتمثل الهدف الرئيسي في هذه المرحلة بالوصول الى درجة يمكن معها استخدام الرموز اللغوية كصور تفكير مخزنة ينقلها الفرد الى الآخرين عبر كلمات مذوتة، وأهم النقاط التي تستنتج من النظرية المعرفية حول عملية التفكير تتمثل بالاتي:-
1 . اعتمدت على البناء المعرفي في عملية تشكيل المفاهيم كالاستيعاب والتمثل والتكيف والتوازن، وهي التي تعد من محتويات التفكير، كما أنها أكدت على أهمية تطور التفكير وفقا لمراحل معينة.
فالتفكير اذن من وجهة النظر المعرفية يُعد سلسلة من النشاطات العقلية التي يقوم بها الدماغ عندما يتعرض لمثير يتم استقباله عن طريق واحدة أو أكثر من الحواس الخمس، وهو عملية بحث عن معنى في الموقف أو الخبرة.
ثالثاً: نظرية فيجوتسكي (النظرية المعرفية الاجتماعية)
تنسب هذه النظرية الى العالم الروسي فيجوتسكي، الذي حدد الاتجاهات والآراء حول مفهوم التفكير، وقد أكد على أهمية التفاعل الاجتماعي الزمني في تشكيل عملية التفكير، حيث يؤكد على ان للتفكير اصل اجتماعي، حيث ينمو
الصفحة 176
2- نظرية برونر يعتبر برونر احد علماء النفس المعرفيين الذين ركزوا على فرضية الاعتماد على البيئة والخبرات الموجهة كمدخل لتنمية التفكير وتطويره ويرى ان النمو المعرفي يتأثر بدرجة كبيرة بالتطورات الاجتماعية والتكنولوجية، لذا فالنمو المعرفي ما هو الا نتاج للتأثير المتبادل بين الخبرات والنضج التطوري. ان أكثر ما ركز عليه برونر في نظريته هو البناء الذي يستقبل فيه الطفل او الفرد الخبرة، والذي أطلق عليه مفهوم التمثيلات المعرفية، وتمثل التمثيلات الطرق التي يتمثل فيها الفرد الخبرة التي يواجهها، والطريقة التي يخزن بها المعرفة التي يتفاعل معها.
يرى برونر ان هناك ثلاثة أنماط من عمليات التمثيل وهي مراحل النمو المعرفي وفيما يأتي توضيح لهذه المراحل:
الصفحة 177
ويتمثل الهدف الرئيسي في هذه المرحلة بالوصول الى درجة يمكن معها استخدام الرموز اللغوية كصور تفكير مخزنة ينقلها الفرد الى الآخرين عبر كلمات مذوتة، وأهم النقاط التي تستنتج من النظرية المعرفية حول عملية التفكير تتمثل بالاتي:-
1 . اعتمدت على البناء المعرفي في عملية تشكيل المفاهيم كالاستيعاب والتمثل والتكيف والتوازن، وهي التي تعد من محتويات التفكير، كما أنها أكدت على أهمية تطور التفكير وفقا لمراحل معينة.
فالتفكير اذن من وجهة النظر المعرفية يُعد سلسلة من النشاطات العقلية التي يقوم بها الدماغ عندما يتعرض لمثير يتم استقباله عن طريق واحدة أو أكثر من الحواس الخمس، وهو عملية بحث عن معنى في الموقف أو الخبرة.
ثالثاً: نظرية فيجوتسكي (النظرية المعرفية الاجتماعية)
تنسب هذه النظرية الى العالم الروسي فيجوتسكي، الذي حدد الاتجاهات والآراء حول مفهوم التفكير، وقد أكد على أهمية التفاعل الاجتماعي الزمني في تشكيل عملية التفكير، حيث يؤكد على ان للتفكير اصل اجتماعي، حيث ينمو
الصفحة 178
مع التطور النفسي والاجتماعي، لذلك فان أفضل أشكال التفكير الإنساني تمرر من جيل الى جيل من خلال التفاعلات الداخلية بين الأشخاص الأكثر كفاءة مثل الآباء والمدرسين والأشخاص الأقل كفاءة مثل الأطفال، وتأثر بنظرية بياجيه في بناء نظريته وتشكيلها، وقد تكونت نظريته من أربعة مراحل هي على النحو الأتي:-
3. المرحلة العقلية الثالثة: تستند الى مرحلة الطفولة المتأخرة، حيث يستمد معارفه وافكاره وبناء المعرفة من الآخرين ويشكل شخصيته.
4المرحلة العقلية الرابعة تستند الى مرحلة المراهقة، حيث يتعلم الفرد الاتجاهات والقيم من الآخرين ومن القراءة التي يكتسبها، ويشكل بناءا متكاملا من القيم والاتجاهات والآراء والأفكار.
رابعاً: نظرية الجشطالت
تستمد هذه النظرية بعض قوانينها واتجاهاتها من النظرية السلوكية وكذلك النظرية المعرفية، فاعتمدت الاتجاه التوفيقي بين النظريتين، غير ان أتباعها هاجموا مفهوم الباعث والاستجابة على أساس ان الإدراك والتفكير، لا يمكن إخضاعهما لتراكمات الإحساس او الارتباطات الفردية بل أنها تتحدد في ضوء التركيب الكلي والذي يسميه كوفكا بالمجال او الحقل النفسي، فالتفكير يجب ان يتم بصورة كلية،
الصفحة 179
من خلال النظرة الكلية للموقف، وإدراك العلاقات القائمة بين عناصر الموقف، وهذا ما يعرف بالتعلم بالاستبصار، وان التفكير الاستبصاري هو التفكير الذي يصل فيه الفرد الى الحل فجأة، وحتى يتم ذلك فانه لابد من ان يقوم الفرد بالتفكير بالمسألة وان يدرك العناصر المتضمنة فيها، ويضعها في سياق يمكن إدراكه بصورة مجتمعة كلية وإدراك العلاقة بين العناصر المجتمعة ثم الابتعاد عن المشكلة قليلا، ومن ثم الوصول الى ما يسمى بومضة الاستبصار التي تؤدي الى الحل فجأة . خامساً : نظرية جيلفورد (بنية العقل)
استطاع عالم النفس الأمريكي جيلفورد (Guilford) من خلال البحوث التي أجراها ان يقدم في عام 1959) نموذجه عن التكوين العقلي باسم (بنية العقل)، المكعب الشكل ذي الثلاثة إبعاد، والذي يتضمن العديد من القدرات العقلية التي صنفت استنادا الى هذا النظام كالأتي :-
وقد قسم كل من هذه الإبعاد او الأوجه بعد تحليلها الى أقسام فرعية، أربعة للمحتوى، وخمسة للعمليات وستة للنواتج وبذلك يصبح العدد الكلي للأقسام 4×5×120-6 قسما، والشكل (2) يوضح أنموذج جيلفورد ذا الإبعاد الثلاثة
الصفحة 180
غير ان جيلفورد في عام (1970) أعاد النظر في البعد المتعلق بالمحتوى حيث قسم احد مكوناته وهو المحتوى الشكلي الى محتوى بصري ومحتوى سمعي، وبدلك أصبح عدد أقسام المحتوى خمسة، والعدد الكلي للأقسام 5×5×6=150 قسما، ومن ثم اعاد النظر في البعد المتعلق بالعمليات، بحيث اصبح يتكون من ست قدرات رئيسية، وبذلك اصبح يتكون من (180) قدرة عقلية، ناتجة من تفاعل الابعاد الثلاثة وهي (6) عمليات 5x محتويات 6x نواتج) وفيما يلي شرح تفصيلي للنموذج
البعد الأول: المحتوى/ ويعتمد أساسا على التمييز بين الأنواع المختلفة من المعلومات التي يمكن ان تتضمنه مشكلة او مهمة معينة يجابها الفرد ويعمل عليها العقل، ويحتوي على خمسة مكونات هي:-
الصفحة 181
5. محتوى السلوكي: يمثل الذكاء الوجداني، ويتعلق بالقدرة على استقبال وتفسير أفكار ومشاعر ومواقف الآخرين في التفاعلات الاجتماعية.
البعد الثاني: العمليات هي أساليب النشاط العقلي التي يفترض إجراؤها على / محتوى او معلومات معينة وتشتمل العمليات على ست قدرات رئيسية هي:-
.2. الذاكرة: تتعلق بالاحتفاظ بالمعلومات المتعلمة، التي يمكن استرجاعها عند الحاجة إليها.
.3التسجيل الذاكري المؤقت ويتعلق بالقدرة الآنية على تسجيل المعلومات والاستدعاء المباشر لها.
الصفحة 182
البعد الثالث: النواتج / هي الصيغ التي تأخذها المعلومات او المحتوى كناتج لعملية التجهيز والمعالجة، فهي تمثل مخرجات النشاط العقلي، ويتضمن الأتي:-
3. العلاقات تكون الروابط بين العناصر في ضوء الخصائص التي يمكن ان تتغير.
وفيما يخص التفكير الناقد فيرى جيلفورد، انه عملية تقويمية يتمثل فيها الجانبان الحاسم والختامي في عملية التفكير، وبهذا المعنى يعد خاتمة لعمليات الذاكرة، المعرفة اوالفهم والاستنتاج وهو بوصفه عملية تقويمية تتم في ضوء محكات معينة، وقد وجد جيلفورد ملاءمة التقسيم الثنائي الذي وضعه بلوم للتمييز بين التقويم الذي يستند الى محكات داخلية والتقويم الذي يستند الى محكات خارجية.
الصفحة 183
اما ما يخص التفكير الإبداعي فقد اعتبر جيلفورد التفكير التباعدي، اهم
عملية لها الأثر المباشر في التفكير الإبداعي، التفكير الابتكاري في صميمه تفكير تباعدي، والعكس غير صحيح اي ان التفكير ألتباعدي ليس بالضرورة تفكيرا ابتكاريا، اي بمعنى ان الطلاقة والمرونة كعمليتين تباعديتين تلعبان دورا رئيسيا في الابتكار، حيث ان الطلاقة تتحدد كميا اما المرونة فتعتمد على نوع الأفكار، وان العوامل الثلاثة الخاصة بالإنتاج ألتباعدي لوحدات الأشكال او الرموز او المعاني فهي عوامل طلاقة بحتة، اما العوامل التباعدية الأخرى فتتدخل فيها المرونة بدرجات متفاوتة تصل الى قمتها في عوامل الإنتاج ألتباعدي التحويلات، حيث يعتبر جليفورد التحويلات العامل الحاسم في فعالية الابتكار، وتشتمل قدرات التفكير ألتباعدي على ثلاثة أبعاد هي:
أولا : البعد المعرفي : وهو المسئول عن اكتشاف معلومات جديدة او التعرف على المعلومات السابقة التي يمتلكها الفرد، ومن مهاراته (الإحساس بالمشكلة، التفاصيل، الاحتفاظ بالاتجاه، النفاذ).
ثانيا: البعد الإنتاجي: ويرى جيلفورد ان هذه القدرات هي أساس الحكم على التفكير الابتكاري ويتضمن مهارات (الطلاقة، المرونة).
ثالثا : البعد التقويمي :- حدد احد معاوني جليفورد عوامل التقويم، ويشير الى قدرة الفرد على الحساسية العالية للعلاقات المنطقية، وتقييمه المستمر لإنتاجه، والسرعة في إصدار الأحكام على تناسق أفكاره، وكما ضمن نظريته نموذجا مبسطا لحل المشكلات تمكن فيه من تحديد سمات او قدرات فرعية وقدرة عامة ترتبط بالمشكلة هي :-
الصفحة 184
4. القدرة على افلتفكير في النواتج البديلة لمشكلة معينة او موقف معين. 5. القدرة على تشكيل قائمة تتضمن الصفات المرتبطة بهدف حل المشكلة.
6. القدرة على استنباط القدرات السابقة المطلوبة في الموقف المشكل. 7. القدرة العامة على حل المشكلات.
الصفحة 185
الفصل التاسع: حل المشكلات
مقدمة
إن المشكلة هي موقف يجابه الفرد ويتطلب حلاً، أو يمتاز الطريق الذي يؤدي إلى الحل بأنه لا يمكن معرفته بصورة مباشرة، وإنّ المشكلة حالة من التناقض بين الوضع الحالي والوضع المنشود، إذ تخلق حالة من التوتر والقلق تدفع بالفرد إلى البحث عن الحلول المناسبة لها لإعادة حالة الاتزان، وإنّها حالة من الاختلاف بين الوضع القائم أو المدرك للفرد وبين الوضع الذي يسعى للوصول أليه، والحل هو استجابة تتناسب مع مقتضيات الموقف أو المشكلة ويسمى حلاً عندما يستطيع أن يتخلص من المشكلة ذاتها أو عندما يغير البيئة بحيث لا تستمر المشكلة وإن درجة تعقيد المشكلة تختلف من شخص إلى آخر ومن موقف إلى آخر، إذ إنّ ما يعد مشكلة لأحد الأفراد ليس بالضرورة أن يمثل مشكلة لفرد آخر وبالعكس، وعلى الرغم من التفاوت في أحجام المشكلة إلا أن جميعها تحتاج إلى حل وبطريقة مرضية، يمكن التوصل إلى الحل أما بإتباع طرائق تقليدية كالمحاولة والخطأ والتقليد والاستيعاب والحدس أو من طريق استعمال إستراتيجيات التفكير للتوصل إلى حل للمشكلة أي أنّ حل المشكلة سلوك منظم يسعى لتحقيق هدف معين من طريق التفكير، واستعمال استراتيجيات وطرائق تساعد على التخلص من المشكلة، إذ توصل المعرفيون إلى الدور الذي تؤديه العمليات العقلية في حل المشكلات بشكل عام وإيجاد الحلول وبذلك أصبحت دراسة التفكير المعرفي وحل المشكلات والعمليات المعرفية تمثل محور اهتمام علم النفس وبذلك فأن حل المشكلة تفكير
الصفحة 186
موجه نحو حل مشكلة بعينها، مع القيام بنوعين من النشاط العقلي هما التوصل إلى استجابة محددة وصياغتها، ويتضمن الإجراءات والأنشطة التي يؤديها الفرد في أثناء حله للمشكلة والوصول إلى الحل الصحيح، وأنّ حل المشكلة حالة يسعى من طريقها الفرد للوصول إلى هدف يصعب الوصول إليه ، بسبب عدم وضوح أسلوب ألحل أو صعوبة تحديد وسائل وطرائق تحديد الهدف، أو بسبب عقبات تعترض هذا الحل، وتحول دون وصول الفرد إلى ما يريد، وإن حل المشكلة نوع من الأداء يخضع للمؤثرات نفسها، التي تؤثر في أنماط أخرى من السلوك، والدليل على ذلك إنّ متغيرات كالدافعية والخبرة السابقة تؤثر في مستوى الأداء في حل المشكلة، وعلى هذا الأساس يمكن عد حل المشكلة أحد الاهتمامات الرئيسة في التعلم إذ إنّ أسلوب حل المشكلة يضع المتعلم في موقف حقيقي يثير فيه الحيرة والشك بهدف الوصول إلى حالة اتزان معرفي، وتعد حالة الاتزان المعرفي حالة دافعية يسعى المتعلم إلى تحقيقها وتتم هذه الحالة عند الوصول إلى الحل أو الإجابة أو الاكتشاف لذا فأن التدريب على حل المشكلة يعد عملية أساسية ضمن العملية التعليمية، إذ يستعمل وسيلة للتعلم وذلك من طريق استكشاف المعلومات السابقة وتعلم أشياء جديدة بالممارسة واكتساب المهارات الضرورية لذا تتطلب عمليات ذهنية بمستويات مختلفة وتوافر خبرات ملائمة للتعلم وفرص للتفاعل بين الطلبة والمواقف التعليمية، ویری وینشتاین (1986) Robinstien أن الفرد يدرك المشكلة من طريق ثلاثة عناصر هي:
الصفحة 187
ويمكن عد حل المشكلة عملية معرفية فكرية، تتضمن الانتقال من مرحلة بداية المشكلة إلى مرحلة الهدف، وتتأثر بقدرات الفرد وخبراته ومعارفه السابقة وتحتاج إلى خطوات منظمة واستراتيجيات محددة تبعا لنوع المشكلة وطبيعتها ودافعية ورغبة الفرد في تحقيق الحل أو الوصول إلى الهدف.
طرائق حل المشكلات وأساليبها
قسم التربويون حل المشكلات من حيث تناولها للموضوعات والقضايا المطروحة على المتعلم على طريقتين قد تتفقان في بعض العناصر ولكن تختلفان في كثير منها والطريقتان هما:
تكون هذه الطريقة اقرب إلى أسلوب الفرد في التفكير بطريقة عملية عندما تواجه مشكلة وتعرف بأنها نشاط عقلي هادف مرن يتصرف فيه الفرد بشكل منظم في محاولة لحل المشكلة من طريق:-
أ. أثارة المشكلة والشعور بها.
ب. تحديد المشكلة.
ج. جمع المعلومات والبيانات المتصلة بالمشكلة.
الصفحة 188
د. فرض الفروض المحتملة.
هـ. اختبار صحة الفروض واختيار الأكثر احتمالا ليكون حل المشكلة.
ترتبط هذه الطريقة بمهارات التفكير العليا ومهارات التفكير الناقد
والإبداعي، وتتطلب من المتعلم أن يكون
للمشكلات.
هي:-
أسلوب سلبي من طريق الهروب من المشكلة
للمساعدة في الحل.
الصفحة 190
وبما أنه تم تحديد طرائق وأساليب للحل فهذا يعني أن تتوافر عناصر في المشكلة تدفع الفرد للاختيار أي من الأساليب والطرائق التي تلائم تفكيره في التوصل للحل وهذه العناصر هي:
معرفة المعطيات (المعلومات) حول المشكلة أو الموقف.
- معرفة الأهداف التي ينبغي الوصول إليها.
- تحديد العقبات التي تفصل بين الأهداف والمعطيات (المشكلة).
أنواع وعلى هذا الأساس حدد ريتمان (1965 ,Reitman) خمسة للمشكلات حسب درجة وضوح المعطيات والأهداف وانعكاس ذلك على إمكانية الحل : -
2. المعطيات واضحة جداً والأهداف غير محددة: يكون الحل ممكناً ولكن بصعوبة المعطيات غير واضحة والأهداف محددة وواضحة: يكون الحل ممكناً ولكن بصعوبة.
3. المعطيات والأهداف غير واضحة وغير محددة: يكون الحل صعباً.
4. مشكلات الاستبصار يكون لها حل ولكن الانتقال من المعطيات إلى الأهداف يحتاج درجة عالية من التفكير والتأمل وإدراك العلاقة بين المعطيات والوسائل ليصل الفرد إلى الحل بصورة مفاجئة، وإن قدرة الفرد على حل المشكلة تعتمد على عاملين أساسيين هما: التعلم السابق
الصفحة 191
ومستوى الاستثارة وقد ألحق كثير من علماء النفس مصطلح الانتقال الموصى على أثر الخبرات السابقة في التعلم وحل المشكلات ، ومع استمرار الممارسة تتحسن دقة الفرد في الانتقاء فضلاً عن تنمية بعض المهارات الأساسية مثل تركيز الانتباه وكيفية التوصل إلى مبادئ ومفاهيم المشكلة
وإتباعها.
ويرى (الزيات، 1995) أن هناك عوامل تحكم النشاط العقلي عند حل
المشكلات وهي:
1. مدى قابلية المشكلة للحل: فيجب أن تكون المشكلة قابلة للحل باستعمال إستراتيجية لا تتوقف على محدودية السعة التجهيزية للمعلومات.
2. محدودية السعة: قد يواجه الأفراد عند حلهم للمشكلات صعوبات متعددة ومتباينة بسبب محدودية السعة التي تتمثل في الفشل في استعمال المعلومات المتعلقة بالموقف المشكل ونسيان المحاولات المبكرة للوصول إلى الحل، وقد تكون هذه الصعوبات نابعة من الفرد ذاته مثل نقص التوافق الذهني والاجتماعي للشخصية، ونقص القدرة العقلية واستعمال حلول قديمة في حل المشكلات الجديدة ومنها ما يتعلق بطبيعة المشكلة من حيث عدم وضوحها أو تعدد الأهداف التي يسعى إليها الفرد وتناقضها.
الصفحة 192
.3الذاكرة العاملة المتاحة: تتوقف على السعة التذكرية المتاحة للذاكرة العاملة والقدرة على استرجاع المعلومات منها عند القيام بحل المشكلة.
الأسس النظرية لحل المشكلات:-
هناك كثير من النظريات التي تناولت تفسير حل المشكلات ومن هذه
النظريات:
يعني ركزت هذه النظرية في آلية اختيار أو انتقاء استجابة حل المشكلات ومفتاح هذه النظرية هو أن المثير سيرتبط بدرجات متفاوتة من الشدة مع مجموعة من الاستجابات وقوة كل استجابة في المجموعة تعتمد على مبادئ الاشتراط أي من الاستجابات التي غالباً ما تعزز تكون أقوى ارتباطاً بالمشكلة وعلى هذا الأساس فأن المشكلة هنا تمثل المثير ومحاولة حلها تكون الاستجابة، هذا أن الفرد عندما يواجه مشكلة (مثير) ما فأنه يحاول حلها (الاستجابة) مستعيناً بما عنده من معلومات وخبرات ومفاهيم سبق له أن تعلمها فيرتبها بشكل هرمي بحسب قوة ارتباطها بالموقف أو المشكلة أو المثير وفقاً لمبدأ المحاولة والخطأ الذي اقترحه (ثورندايك) حيث ينتقل تدريجياً من العادات والمعلومات والخبرات اليسيرة إلى الأكثر تعقيداً في محاولة لإيجاد الحل الأنسب وفي حالة الفشل فأنه يسعى إلى البحث عن حل جديد أو ارتباط جديد.
یرى (سكنر) أن حل المشكلة عملية إجرائية ذهنية يبادرها الفرد فيلاقي استجابة مرتبطة بحل مشكلة ما، ويعزز تكرار هذه الاستجابة لما لاقاه الفرد من تعزيز وتصحيح مصحوب بتشجيع خارجي ثم يصبح تشجيعاً
ذاتيا ومن الملاحظ
الصفحة 193
على هذه النظرية إنها ركزت على تنظيم سلوك حل المشكلات على هيئة ارتباطات
أو عادات متعلمة تتفاوت في درجات صعوبتها وتركيبها و أغفلت جانباً كبيراً دور العمليات المعرفية كالفهم والتفكير في سلوك حل المشكلات بسبب الاهتمام بالتعلم البسيط.
يرى المعرفيون أنّ حل المشكلة عملية ذهنية معرفية ترتبط بعملية التنظيم التي يميل فيها الفرد تنظيم معارفه وخبراته والأشياء التي يتعامل معها بغرض تنظيمها وترتبط بها عملية الإدراك التي يحاول فيها الفرد استيعاب الخبرة والمعرفة بإحدى الوسائل المعرفية التي يميل إلى استعمالها وأن كل من عمليتي الإدراك والتنظيم تعملان على تحديد الأسلوب الذي يستعمله في معالجة المعلومات التي هو بصددها، وينظر علماء النفس الجشتالت إلى حل المشكلة من طريق مفهوم الاستبصار الذي يحدث منه الحل المفاجئ للمشكلة وأداء الاستجابة
أن الصحيحة، وقد يسبقه قليل من الخطأ أو لا يسبقه أي خطأ، ويعتقدون الحل المفاجئ يحدث عندما يقوم المفحوص بعملية أعادة تنظيم إدراكي للمثيرات الموجودة في الموقف، وقد افترضوا ثلاثة أنواع من الاستبصار المعين بحل المشكلات:-
1. الاستبصار في اختيار المعلومات المركزة ذات العلاقة المباشرة بالمشكلة من بين الكم الهائل من المعلومات المتوافرة.
2. الاستبصار في اختيار المقارنة – تتضمن استبصارا وإدراكا جديدا متميزا في كيفية ربط المعلومات الجديدة بالقديمة.
الصفحة 194
ومن وجهة نظر بياجيه أن أسلوب حل المشكلة ناتج متوقع ومنطقي لتعلم المفاهيم والمبادئ وتعلم عمليات متتالية ومتتابعة تعتمد على المخزون اللازم من المعارف والمهارات، التي تعد متطلبات مسبقة لتعلم ما هو أكثر تعقيدا وصعوبة فعندما يواجه الفرد مشكلة يسيرة يستدعي المفاهيم والمبادئ التي تساعد على ذلك ويضعها ضمن ترتيب معين يؤدي إلى الحل وهكذا يكون قد استفاد من تعلم المبادئ السابقة استطاع تكوين نسق جديد من هذه المبادئ يؤدي إلى حل المشكلة.
وبذلك فأن عملية حل المشكلة تتأثر بالنمو المعرفي الذي يحدث من طريق أربع مراحل متتالية وكل مرحلة تعد نقلة نوعية إلى الأمام في قدرات الفرد لحل مشكلاته ويتم ذلك من تفاعل الفرد مع البيئة التي يعيش فيها فمن خلال هذا التفاعل لا يكتسب الخبرات المباشرة فقط وإنما يتعلم كيفية التعامل مع البيئة من طريق توظيف الخبرات التي يعيش فيها ضمن هذه الخبرات التي اكتسبها ويتم هذا التفاعل من طريق عمليتين متكاملتين هما:
التمثيل:- في هذه العملية ينزع الفرد أو المتعلم إلى فهم الأشياء الجديدة من طريق ملاءمتها مع المعارف السابقة واستعمال الصور الذهنية التي يمتلكها من
الصفحة 195
أجل فهم الأحداث، بمعنى تعديل المعلومات الجديدة بما يناسب الأبنية المعرفية عند الفرد.
- المواءمة:- تعديل أو تغيير البني المعرفية عند الفرد بما يلائم المعلومات الجديدة التي لا يستطيع تفسيرها في ضوء ما يعرفه فيضطر إلى تغيير الصور الذهنية السائدة للاستجابة للموقف الجديد وان المرحلة المعرفية تعني نمطاً من التراكيب المعرفية والعمليات العقلية والمفاهيم التي تظهر عند الطفل في مرحلة عمرية التي تختلف عنها عند الأطفال في مرحلة عمرية أخرى، ولابد من التتابع فالطفل لا ينتقل إلى مرحلة دون أن يمر بالمرحلة التي تسبقها، والدليل على تكيف الفرد مع البيئة وتفاعله معها يظهر من انتقاله عبر المراحل الأربع التي د حددها بياجيه، وهذه المراحل هي بسبب التطور العمري:-
1. المرحلة الحسية الحركية (0-2) يكون الطفل في هذه المرحلة مستكشفا للمحيط من حوله ويعتمد على حواسه كأدوات أولية للحصول على المعرفة ويحاول التخلص من مشكلاته باستعمال الأفعال المنعكسة البسيطة كالصراخ عند شعوره بالجوع والضيق.
2. مرحلة ما قبل العمليات (72) سنوات يستطيع الطفل في هذه المرحلة أجراء عمليات عقلية باتجاه واحد وتصنيف الأشياء بناء على بعد واحد كأن يصنفها بناء على حجمها، وان نظرته إلى الأمور تكون سطحية حيث أن التقيمات المدركة تسطير على التقييم المعرفي.
3. مرحلة العمليات الحسية (7-11) يستطيع الطفل تصنيف الأشياء على وفق أبعاد مختلفة وتتطور عنده العمليات الفكرية التي يمكن تطبيقها في حل
الصفحة 196
من الترتيب الهرمي لمراحل عملية التعلم عند (جانيه) أنه وضع حل المشكلة في قمة الهرم أيضا، وبذلك يعد التفكير في الحل من وجهة نظره مقدرات تخضع للتعلم في داخل الترتيب الهرمي، وإذا ما أراد الفرد حل مشكلة ما فما عليه ألا أن يحدد متطلبات حل هذه المشكلة ثم يحدد ما يعرفه من هذه المتطلبات للوصول إلى الحل وقد تبين من ذلك أن مواجهة المشكلة مقدرة مركبة ذات نسق من القدرات التي تسبقه في النسق الهرمي، فعند محاولة الفرد أيجاد الحل يستعين بخطوات تفكيرية كترتيب الموقف لمحاولة الوصول إلى الحل، ثمّ القدرة على استرجاع بعض القواعد والقوانين التي سبق تعلمها، أن النظرية المعرفية مرتبطة بنحو عام بالعمليات العقلية وهذا يعني أنها تتطور وتظهر فيها أفكار تقوم على أسسها، إذ ازداد الاهتمام في الآونة الأخيرة بالبحوث والدراسات التي تناولت العمليات العقلية التي تتضمن الذاكرة والتفكير والتنظيم وحل المشكلات وساعدت هذه البحوث على انبثاق نظرية معالجة المعلومات أو (تجهيز المعلومات)، وفكرة هذه النظرية هو تشبيه العقل البشري بعمل الحاسوب الآلي من حيث استقبال المعلومات ومعالجتها وتخزينها وإخراجها عند الضرورة، وتعد نظرية معالجة المعلومات من النظريات الحديثة التي قدمها "(كلاود شانون، 1949) إذ تقوم على أساس تكميم المعلومات الواردة وكيف يمكن معالجتها وهي داخل الذهن في الستينيات من القرن العشرين قام نيول وسيمون (Newoll & Simon) بسلسلة من البحوث النفسية وقد توصلوا إلى نظرية معالجة المعلومات على أنها أساليب حل المشكلات وقد تضمنت بحوثهم أيجاد برنامج حاسوب أطلق عليه القائم بحل المشكلة وقد فسرت نظرية معالجة المعلومات حل المشكلة من طريق مبدأ الشبه بين النشاط العقلي الموجود عند الفرد وعملية معالجة المعلومات التي تحدث في الحاسوب، حيث أن قدرة الفرد على حل
الصفحة 197
المشكلة تعتمد على قدرته على التعرف على المعلومات وترميزها وتفسيرها وأدراك العلاقات القائمة بين العناصر في الموقف وقدرته على استرجاع مقدرات سابقة من الذاكرة وربطها بالموقف للوصول إلى الحل المناسب فالذاكرة تتألف من تراكيب وأبنية تتألف من مفردات تراكمية وقوائم فرعية معقدة تشتمل على معلومات مستمدة من إشكال حسية مختلفة، وهذه المعلومات تستعمل في استخراج استراتيجيات متنوعة من أشكال الترميز على المستوى المعرفي بحيث أن هذه العمليات من الترميز والإنتاج تتم بسرعة فائقة جداً، لذلك نجد أن ما يحدث عند الكائن الإنساني أشبه بما يحدث بالحاسب الآلي، وذلك من استقبال المعلومات من طريق الأبنية الحسية (الحواس)، ونقلها إلى البناء المعرفي عبر قنوات عصبية، وهناك تحدث العمليات العقلية ضمن الذاكرتين قصيرة الأمد وطويلة الأمد، وهذا ما يحدث في الحاسب الآلي آذ توجد فيه المدخلات تشبه بالحواس)، العمليات (تشبه البناء العقلي)، المخرجات الإدراك المعرفي) أي إنّ المخزون المعرفي في الذاكرة طويلة الأمد ينتظم على شكل صور ومخططات إدراكية وخرائط مفاهيمية، المخططات الإدراكية لتوضيح الأفكار الرئيسة التي ينبغي التركيز عليها عند تعلم
مهمة تعليمية.
الصفحة 198
نماذج لحل المشكلات
هناك عدد من النماذج التي انطلقت من أفكار (جون دوي) إذ يرى أنّ المشكلة التي تستحق الدراسة والحل هي التي تتحدد بمعيارين هما: مدى قدرة المشكلة على أثارة الشك عند المتعلم وحثه على البحث والاستكشاف للوصول إلى الحلول الممكنة ومدى أهمية المشكلة بالنسبة للمجتمع والمتعلم معا ويعتقد (جون (دوي انّه يمكننا التوصل إلى الحلول من البحث في الأفكار ومعالجة المعلومات، ومن ثم تجريب الأفكار عمليا بعد ذلك اتخاذ القرار المناسب في تحديد
أي الحلول قادره على النجاح في التخلص من المشكلة.
-
أولاً: أنموذج جون دوي
يستند الأنموذج إلى مجموعة من الخطوات التي يتبعها الفرد عندما يواجه مشكلة من المشكلات وإنّ هذا الأنموذج والنماذج اللاحقة يمكن عدها من الطرائق اليسيرة لحل المشكلات بالأسلوب العادي، ومن الخطوات التي وضعها جون دوي لحل المشكلة هي:-
2. تحديد المشكلة عند شعور الفرد بالقلق وعدم الراحة يذهب عادة إلى أن يعرف حدود المشكلة وأبعادها ومحاولة فهمها من طريق جمع معلومات أولية عنها.
الصفحة 198
4. امتحان الفروض: يبدأ الفرد بتحليل ومقارنة كل فرض افترضه ويجمع المعلومات التي قد تؤيد أو قد ترفضه، فيبعد الفرض الذي ظهر ضعفه ويتمسك بالذي عززته الوقائع وعن طريقه يحصل الحل.
5. حل المشكلة: عندما تؤكد صحة احد الفروض فانه يعتمده لحل المشكلة وفي حالة لم يصل الفرض إلى الحل أو النتيجة المطلوبة يعتمد فروض أخرى
جديدة.
ثانياً: أنموذج باير
يسير هذا النموذج وقف خطوات متسلسلة لحل المشكلة ويظهر هذا النموذج مهارات التفكير في حل المشكلة وهي:-
1. تعريف المشكلة.
2. تحديد المشكلة.
3. وضع خطة لحل المشكلة واختيار الحل المناسب.
4. تجريب / تنفيذ الخطة.
5. تقييم الحل وتقييم الخطة.
الصفحة 199
ثالثاً : - أنموذج براند سفورد وشتاين.
أن عملية حل المشكلة تتضمن عناصر متعددة وقد ركز براند سفورد وشتاين
على خمس عناصر تم تلخيصها في كلمة (ideal) وهي :
1. اعرف المشكلة أو المشكلات المحتملة.
2. حدد المشكلة
3. اكتشف خيارات أو طرق لحل المشكلة.
4. انقد أنشطة الحل المبرمجة
5. انظر إلى النتائج وقيم الحل
رابعاً: أنموذج ويكفيلد
حدد خطوات حل المشكلة ب.
1. الشعور بالمشكلة.
2. تحديد المشكلة.
3. جمع معلومات ذات العلاقة بالمشكلة.
4. تجريب الحلول وتقويمها.
5. تعميم الحلول.
ويرى كثير من التربويين أن تحديد خطوات حل المشكلة في عدد محدد امر غير متفق عليه وبذلك وضعوا خطوات حل المشكلة كالآتي :-
الصفحة 200
3. أيجاد الحلول الممكنة للمشكلة: تتوسط هذه المرحلة بين العملية الذهنية المتضمنة أعطاء عدد كبير من الحلول دون معايير، ومرحلة الانتقال إلى عملية انتقاء وتصفية الحلول على وفق معايير وتتم هذه العملية من طريق بناء مخطط لإيجاد الحلول وذلك ببذل جهدا ذهنيا متقدما لاتخاذ قرار بشان البديل أو الحل المناسب أو الحلول التي تحتاج إلى التجريب.
الصفحة 201
ولكي تكون عملية التجريب ناجحة لابد من وضوح المنهجية وتوفر المواد
والخبرات والمعرفة اللازمة لأجراء الحل وتطبيق الفرض واختباره.
خطوات أو مراحل حل المشكلات في ضوء النظرية المعرفية والنماذج حيث عرفت حل المشكلة في ضوء النظرية والنماذج بأنه:-
نشاط عقلي هادف مرن يتصرف فيه الفرد بنحو منتظم في محاولة لحل المشكلة وذلك ضمن خطوات متسلسلة تتضمن الشعور بالمشكلة وتحديدها ووضع الفروض والخطط المناسبة لحل المشكلة وتجريب هذه الفروض والحلول وأخيرا تقديمها للتعرف على مدى قدرة الفرد على حل المشكلة وهي:-
الصفحة 202
عن سواها من خلال تحديدها بأسئلة محددة للب المشكلة (جوهر المشكلة).
3. وضع خطة لحل المشكلة واختيار الحل المناسب: أي تحديد عدد من الفروض لحل المشكلة ما، واختيار اقرب الفروض للحل.
4. تحريب الحلول / تنفيذ الخطة: اختبار الفروض والحلول المقترحة في سبيل تحقيق الهدف وهو التوصل إلى الفرض الناجح في حل المشكلة.
الصفحة 203
المصادر
المصادر والمراجع
1. أبو حويج، مروان وأبو مغلي سمير (2004): المدخل إلى علم النفس التربوي، دار اليازوري العلمية، عمان، الأردن
2. أبو رياش، حسين محمد (2007). التعلم المعرفي، عمان دار المسيرة للنشر
والتوزيع
3. ابو صويج مروان (2000) البحث التربوي المعاصر، دار اليازوردي للنشر، عمان - الاردن
4. أبو علام، رجاء محمود (1989): مدخل إلى مناهج البحث التربوي، الطبعة الأولى الكويت مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع.
5. احمد سليمان عودة وفتحي حسن ملكاوي (1992) اساسيات البحث العلمي في التربية والعلوم الانسانية عناصره ومناهجه والتحليل الاحصائي لبياناته اربد، مكتبة الكناني.
6. أحمد، السيد علي سيد وفائقة محمد بدر (2001): اضطراب الانتباه لدى الأطفال الطبعة الاولى مكتبة النهضة المصرية، القاهرة.
7 أحمد، أمل (2001) الأساليب المعرفية وعلاقتها ببعض المتغيرات الشخصية، مجلة المعلم / الطالب يصدرها معهد التربية التابع للانروا اليونسكو عمان الأردن.
الصفحة 218
8. الأحمد، أمل (2001) سيكولوجية الإدراك منشورات جامعة دمشق، كلية التربية، مطبعة طربين، دمشق، سوريا.
9. بدوي، زينب عبد العليم (2002) أثر سعة الذاكرة العاملة ونوع المعلومات في استراتيجيات التشفير وكفاءة التذكر طويلة المدى، مجلة كلية التربية، جامعة الزقاقيق، العدد (40) مصر.
10 بركات زياد (2004) تأثير التنشيط الذاتي للذاكرة على التحصيل العلمي دراسة تجريبية لدى الطلبة باستخدام مساعدات التذكر وقادحات الذاكرة. مجلة شبكة العلوم النفسية العربية، شبكة المعلومات
11. البلداوي، عبد الحميد عبد المجيد (1997): الإحصاء للعلوم الإدارية والتطبيقية، دار الشروق، عمان، الأردن.
12. تشيلد، ديدينس (1983) علم النفس والمعلم، ترجمة عبد الحليم محمود السيد، مؤسسة الأهرام، القاهرة.
13. جابر، عبد الحميد جابر (1994) علم النفس التربوي، الطبعة الثالثة، دار النهضة العربية.
14. جابر، جودت وآخرون (2002): المدخل إلى علم النفس، ط1، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن.
15 جبل فوزي محمد (2001) علم النفس العام، المكتب الجامعي الحديث، 14 شارع دينو قراط، الازاريطة.
الصفحة 219
16. الجسماني، عبد علي (1998): القرآن وعلم النفس (الإدراك الإنساني) الدار العربية للعلوم لبنان.
17. جميل، يبداء هاشم (2008): تأثير بعض المتغيرات في الإدراك البنائي، أطروحة دكتوراه غير منشورة كلية الآداب، جامعة بغداد.
18. الجنابي، يحيى داود (2003) أثر الارشاد الجماعي في تقوية التذكر لدى طلاب المرحلة الاعدادية مجلة كلية التربية الجامعة المستنصرية، العدد الأول.
19. جينس ايرك (2007) التعلم المبني على العقل العلم الجديد للتعليم والتدريب، ترجمة مكتبة جرير، الطبعة الأولى : مكتبة جرير، مصر.
20 حسن، سيد محمد حميدة (2006) : استراتيجيات التذكر ومدى التطرف بالاستجابة لدى الطلاب ذوي الفئات المختلفة من الذكاء الشخصي، رسالة ماجستير غير منشورة كلية التربية، جامعة بنها، مصر.
21. خير الله، سيد محمد والكناني، ممدوح (1983): سيكولوجية التعلم، دار النهضة العربية، بيروت - لبنان.
22 الخيري، أروه محمد (2012) علم النفس المعرفي، ط1، دار أفكار للدراسات والنشر، دمشق، سوريا.
23 دافيدوف، ليندا فال (1983) مدخل علم النفس، ترجمة سيد الطواب وآخرون، منشورات مكتبة التحرير.
الصفحة 220
24 دروزة، أفنان نظير (1994): إستراتيجية في النظام التعليمي المعتمد على المعلم مقابل النظام التعليمي المعتمد على المتعلم وأثرها على مستوى التذكر – الاستيعاب - والتعلم العام ، مجلة النجاح للأبحاث، المجلد الثاني العدد الثامن، جامعة النجاح.
25 الدليمي
سوسن حسن (2008): الإدراك الحسي الحركي لدى الطلبة المتفوقين والمتأخرين دراسيا في المدارس الإعدادية، رسالة ماجستير، غير منشورة، كلية التربية للبنات، جامعة بغداد. أحمد 26. راجح عزت (1970) أصول علم النفس، ط8، المكتب المصري الحديث للطباعة والنشر، الإسكندرية.
27 الزغول، رافع النصير وعماد عبد الرحيم الزغول (2003): علم النفس المعرفي، ط1، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن.
28 الزغول، عماد عبد الرحيم (2012) مبادئ علم النفس التربوي، ط4، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمان، الأردن.
29 الزيات، فتحي مصطفى (1985) نمذجة العلاقات السببية بين السن والذاكرة والمستوى التعليمي ومستوى الاداء في حل المشكلات، مجلة التربية بالمنصورة العدد السادس، الجزء الرابع، مصر.
30 سلامة، عادل أبو العز (2002) طرائق تدريس العلوم ودورها في تنمية التفكير، الطبعة الأولى، دار الفكر، عمان، الأردن.
31. السلوم، عبد الحكيم (2000)، الذاكرة والتعلم، مجلة النبأ، العدد (52). المستقبل للثقافة والأعلام، بيروت، لبنان.
الصفحة 221
41. عبد الفتاح، فوقية (2005)، علم النفس المعرفي بين النظرية والتطبيق، تقديم جابر عبد الحميد جابر، ط1، دار الفكر العربي، القاهرة.
42. عبد الفتاح، فوقية (2005) علم النفس المعرفي بين النظرية والتطبيق، الطبعة الأولى، دار الفكر العربي للنشر، القاهرة، مصر.
43. عبد المجيد، حزيمة كمال (2011): الأسلوب المعرفي (المجازفة - الحذر) وعلاقته بالذاكرة الحسية، ط1، دار صفاء للطباعة والنشر والتوزيع، عمان، الأردن.
44. العتوم، عدنان يوسف (2004) علم النفس المعرفي بين النظرية والتطبيق، ط1، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمان العبدلي.
45. عثمان سيد أحمد وأبو حطب فؤاد (1978): التفكير، دراسات نفسية، ط2، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة.
46. عدس، عبد الرحمن، وقطامي، يوسف (2003): علم النفس العام، الطبعة الاولى عمان الاردن دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
47. العدل، عادل محمد (1992) دراسة عامليه لبعض الجوانب المعرفية في إطار نظرية تجهيز المعلومات، مجلة كلية التربية جامعة الزقازيق، عدد (12)
.48 عطية، سحر السيد الأحمدي (2002): استراتيجيات تشفير المعلومات في الذاكرة لدى عينة من طالبات جامعتي الأزهر وعين شمس، رسالة ماجستير غير منشورة كلية الدراسات الإنسانية، جامعة الأزهر.
الصفحة 223
49. غنيم، حمدي علي (2009) الأساليب المعرفية (بين النظرية والتطبيق)، ط1، دار الصفاء للنشر والتوزيع ، عمان، الأردن. محمد
,50 غنيم المشكلات لدى الطلاب ذوي الأسلوب المعرفي (التروي – الاندفاع)، مجلة أحمد محمد إبراهيم (2002): استراتيجيات أداء مهام حل العلوم التربوية، العدد الأول، كلية التربية، جامعة قطر.
51 فرير، فاطمة (1986) التأمل والاندفاع وعلاقته ببعض المتغيرات المعرفية، أطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية التربية، جامعة الزقازيق.
52. قطامي، يوسف، وقطامي، نايفة (2000) سيكولوجية التعلم الصفي، عمان: دار الشروق
53. الكعبي، كاظم محسن (2008) التفضيلات البيئية لدى طلبة المرحلة الاعدادية رسالة دبلوم عالي في الارشاد النفسي والتوجيه التربوي غير منشورة، كلية التربية، الجامعة المستنصرية.
54. محمد، محمد جاسم (2004) : المدخل إلى علم النفس العام، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن.
55. مراد، يوسف (1966): مبادئ علم النفس العام، دار المعارف، القاهرة.
56. المعايطة، عبد العزيز وآخرون (2004): المدخل إلى علم النفس، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع واالعلمية الدولية، عمان.
الصفحة 224
57. المكصوصي، عدنان مارد جبر (2008) اثر تنشيط الذاكرة في أساليب
.58 معالجة المعلومات لدى طلاب المرحلة الإعدادية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة بغداد كلية التربية ابن رشد. منسي، محمود عبد الحليم وآخرون (2007): مدخل في علم النفس التعليمي، مركز الإسكندرية للكتاب، مصر.
59. منصور، علي (1988) علم النفس التربوي، الجزء الثاني، منشورات
جامعة دمشق، سوريا.
60. منصور، علي والاحمد، أمل (1996) سيكولوجية الادراك، منشورات جامعة دمشق، سوريا - دمشق.
61. موسى، عبد الله عبد الحي (2008): المدخل الى علم النفس، ط3، قسم علم النفس التعليمي، كلية التربية جامعة الزقازيق.
62. نشواتي، عبد المجيد (1996) علم النفس التربوي، الطبعة الثامنة، بیروت، مؤنسة الرسالة.
63. الوقفي، راضي، (1998): مقدمة في علم النفس، الطبعة الثالثة دار الشروق للنشر، عمان - الاردن .
64. ويتيج، أرنوف (1971) مقدمة في علم النفس، ترجمة عادل عز الدين الأشول وآخرون دار ماكجروهيل، القاهرة.
الصفحة 225
65. Allen.B. A& Arour Thomas, E (1979): construct validity metacognition. journal of psychohogy.
66. Anastasi, A. (1982): psychological testing. New york, maccmillow publishing company.
67. Anderson, J. (1985): Cognitive Psychology and its Implications, 4th Edition W. H. Frreeman and Company
New York.
68. Ashcraft. M. (1989): Human Memory and Cognition. Harper Collins Publisher. New York.
69. Atkinson, Rita L. & et al (1996): Hilgard's Introduction to Psychology, Twelfth Edition, New York, Harcourt Brace College Publishers.
70. Baron, A. R. & others (1980): Psychology Understanding Behavior. 2ed. Halt-Sannders, U.S.A.
71. Blaney.P.H. (1986): Affect and Memory, A Review of Psychological Bulletins (99).
72. Broadbent (1957): A mechanical of Human Attention and Immediate Memory. Psychology Review (64).
73. Broadbent, D. E., Cooper, P. F., Fitzgerald, P., & Parkes, L. R. (1982): The Cognitive Failures Questionnaire (CFO) and its correlates, British Journal of Clinical Psychology. 74.
Carlson, E. B., & Putnam, F. W. (1993): An update on the Dissociative Experiences Scale. Dissociation, 6, 16-27.
75. Craik and Lockhart, R.S.(1972): Levels of Processing:A 76.
David, L. Linda (1977): Introduction to Psychology McGraw-Hill book Co., new York, U.S.A.
77. Dominic, W. Massaro (1975): Experiment Psychology and information processing. Chicago, U.S.A.
78. DyKeman, B.F. (1998). Historical and contemporary models of attention processes with implications for learning. Education, vol. 119, Issue 2,.
الصفحة 226
79. Elliot,C.L & Green, R.L.(1992): Clinical depression and implicit memory J. of abnormal psychology, Vol. 101,No 3. 80.
Ellis, H & Hunt, R. (1993): Fundamental of Psychology, MC. Grawhill, Boston.
81. Ellis, H. C. (1978): Fundamentals of Human Learning, Memory and Cognition, 2nded. Wm. C. Brown company. Publishers. Lawa.
82. Ericsson, K.& et.al. (1980): Acquisition of Memory Skill New York.
83. Green, J. M. (1987): Cognitive Psychology, Methuen,
London.
84. Gruenfeld, L.w. (1975): Across
National Study of Cognitive Style Among Mangers and Technicians, International J. Psychology, Vol.(10),No. (1).
85. Guenther, R.K. (1998): Human Cognitive. Prentice-Hall, Inc.
86. Guilford, J.P. (1980): Cognitive styles: what are they? Educational and psychological measurement, No. (40).
87. Haber Landt, K. (1993): Human Memory. Allyn and Bacon 88. Harris, J. E. & Wilkins, A. J. (1982): Remembering to do things: A rheoretical framework and an illustrative experiment. Human Learning.
89. Hartnett (1983): What is Called Thinking? New York, Academic Press.
90. Hassison, G. & Bird (1983): Examination Nots in Psychiatry, John Wright and Sons.
91. Hatch, E. (1983): psycholinguistics: A second Language perspective, New Bury: House publishers.
92. Heinemen, J., (1995): Educational psychology. Wiley Eastern Limited: New Delhi, India.
الصفحة 227
93. Jack E; Jerry L. (1974): cognitive style as a variable in school leaning, Journal of Educational psychology, Vol. (66) (5).
94. Jains, land Loon, N. (1977): Decision Making, New York, U.S.A.
95. kagan, J., and etal (1965): Information processing in the child, psychological monographs, Vol.(73).
96. kagan, Jerome (1971): change and continuity in Infancy, Jone willey and sons, U. S. A
97. Kagan, Jerome, etal (1966): modifiability of an impulsive tempo, Journal of educational psychology, Vol. (57), No (6) 98. Ker linger, F., (1973): Foundation of Behavioral Research- New York: Holt, Rinehart and Winston.
99. Kirby, J.R& Das, J.P.(1984): Information Processing and human abilities Journal of Educational Psychology, Vol (10) No (1).
100. Klein, G.S. (1951): the Personal world through Perception, In R.R. Blake and G.V. Ramsey (Eds.), Perception: An approach to personality, New York: Ronald press.
101. kogan, N. (1976): cognitive styles in fancy and Early child hood. New Jersey: John Wiley and sons.
102. Merckelbach, T et al (1996): Memory and Cognitive Failure, Fishr Books.
103. Mites, G (1988): cognitive learning strategies implication for collage practice in wenstein c, eta (ceds) learning and study strategies issues in assessment in struetion and evaluation academic press,inc sandiego calironic.
104. Neisser, U. (1967): Cognitive Psychology, New York, Appleton-Century-Crofts.
105. Nunnally, J. C. (1978): Psychometric Theory. New York, McGraw-Hill.
الصفحة 228
106. Reason, J. (1988): Stress and cognitive failure. In S. Fisher & J. Reason (Eds), Handbook of life stress, cognition, and health, New York.
107. Robertson, I. H., Manly, T., Andrade, J., Baddeley, B. T., & Yiend, J. (1997): performance correlates of everyday attentional failures in traumatic brain injured and normal subjects. Neuro psychologia.
108. Treisman, A.M (1960): Contextual cues in selective Listening Quarterly. Journal Experimental Psychology. (12), P. 242.
109. Vernon, P. (1973): Multivariate Approaches to the Study of cognitive styles in Joseph R., Royce (ed.): multivariate Analysis psychological Research. New York: Academy
press.
110. widiger, N. (1980): styles of categorization in Elementary school children, paper read at the meeting of the society for research in child development.
111. Witkin, H. A. (1967): A cognitive style approach to cross- cultural research. International Journal of Psychology, (2) (4), cross Ref.
112. witkin, M., A., and etal (1975): A cognitive style and the Teaching Learning Process, A paper Presented at the annual meeting of the A.E.R.A, Chicago.
113. witkin,
M., A., and Goodenough, D.R. (1981): Psychological Differentiation and Cognitive Styles, J. Person. and Soc. Psychology, vol. (67), No. (15).
114. Zelinker, B., and etal (1974): Relationship among cognitive
complexity, sex and spatial task performance college students, Journal of Psychology, vol. (78), no. (54)
الصفحة 229