علم الاجتماع التربوي

المؤلف: بلال حمدي عرابي وأمل حدي دكاك

التصنيف: كتب أخرى

عرض PDF

الوصف:

بلال حمدي عرابي وأمل حدي دكاك، علم الاجتماع التربوي، منشورات جامعة دمشق 2005-2006.

المقدّمة

كل الدروب تؤدي إلى التربية... لأن التربية هي مشروع المجتمع لإصلاح نفسه، ولتطوير أبنائه نحو الأفضل. علم الاجتماع التربوي ميدان لمعرفة كيف يسير هذا التطوير في المجتمع، وكيف يمكن للتربية أن تكون الأفضل لمستقبل الأجيال القادمة... تلك الأجيال التي نتمنى أن نعيش حياة أفضل من حياتنا،  وظروفاً أفضل... والأهم أكثر إبداعاً. 

أُنجز هذا الكتاب لتغطية مفردات مادة محدثة في قسم علم الاجتماع، هي مادة علم الاجتماع التربوي، كانت تُدرس أجزاءٌ منها في ثنايا كتب علم الاجتماع، و هي تستحق أن تكون مادة مستقلّة فعلاً، لأن موضوعات التربية تراكمت وتفرّدت، بحيث أصبح بعضها موادّ مستقلّة، مثل علم اجتماع المدرسة أو علم اجتماع القيم أو علم اجتماع الأسرة… وعموماً تؤدي التربية إلى علم الاجتماع، ويؤدي علم الاجتماع إلى التربية… لأن الهدف واحد، والموضوع واحد : ألا وهو نهضة المجتمع، وتهذيب  الأجيال وتدريبها على تحمّل مسؤولياتها في بناء مستقبل الوطن. والمؤلفان مشغولان بهذا الهمّ الشخصي والمجتمعي، والهاجس بالقدرة على تغيير العالم والمحيط المجتمعي بالتربية، إذا أُحسن استخدامها لمصلحة التنمية والتحديث. وهذا ليس حلماً لأننا ننطلق من الواقع ونعتمد عليه على نظرية من الواقع ونعتمد عليه في تفسير المجتمع التربوي من خلال هذا الكتاب، وتقديم الحلول الممكنة لجعل المجتمع التربوي أكثر قدرة على التأثير في حياتنا.  هذا ينطبق على الأسرة وعلى المدرسة وعلى وسائل الإعلام، وعلى المجال الجديد في مدارسنا، وهو الإرشاد الاجتماعي، الذي دخل مدارس سورية حديثاً، ليكون المتخصص في علم الاجتماع مجالٌ واسعٌ لتنفيذ ما تعلّمه عالمياً بالعلاقة المباشرة مع الطلاب والعملية التربوية. والإرشاد

الصفحة 6 

الاجتماعي هو محال مهم في كل دول العالم المتقدمة في المدرسة وفي المصنع وفي أية مؤسسة، توجد فيها شبكة من العلاقات الاجتماعية.

 انطلقنا من فهم الظاهرة التربوية بوصفها موقفاً اجتماعياً، يعبر عن علاقة أفراد يعملون لغاية محددة هي التربية الدراسة هذه الظاهرة وجد علم الاجتماع التربوي الأغراض تطبيقية في واقع التربية على الرغم من أن لهذا العلم أغراضاً نظرية تعبر عنه كعلم قائم له ميادينه ونظرياته ومفكروه.. 

وجزء من توضيح هذا العلم، تطرقنا لعلاقته بالعلوم الاجتماعية الأخرى، بما يبرز مكانته بين هذه العلوم، ثم سلطنا الضوء على تاريخية هذا العلم، وركزنا على إسهامات ابن خلدون، بوصفه أول عالم اجتماع تربوي تناولنا القيم ودورها في المجتمع كونها محالاً خصباً للعلاقة الدائمة بين علم الاجتماع وعلم الأخلاق والتربية ... هنا اخترع المؤلفان مصطلح – زراعة القيم عند الشباب. وهو تحت من علوم مختلفة، يعتمد على مصطلحات مادية في التعامل مع قضايا معنوية مثل القيم، وهو ايمان بالشباب (شجر الزيتون وتربة الوطن الغالية، ودور المرتي (الفلاح) الذي يتعهد غراس الوطن بالرعاية. والاهتمام حتى تثمر إبداعاً وجمالاً ....

 تطرقنا لمختلف عوامل التنشئة الاجتماعية في محيط الفرد الاجتماعي. من الأسرة إلى المدرسة إلى الأصدقاء إلى وسائل الاتصال الجماهيري بأشكالها ... والتي تحيط بالطفل الناشئ الشاب، وتغذيه بالمعلومات والقيم وأنماط السلوك ....

 للتوثيق ثبتنا المراجع في نهاية الكتاب مرتبة هجائيا، وفي متن الكتاب أشرنا إلى شهرة المؤلف وتاريخ النشر ورقم الصفحة، ومثال ذلك (الجولاني، 1993،65)  حيث يمكن للقارئ العودة إلى المرجع بالتفصيل من قائمة المراجع .

انطلقنا في تناول موضوعات علم الاجتماع التربوي من استعراض أكبر كم من آراء المفكرين الاجتماعيين باختلاف توجهاتهم حول القضية المطروحة، مثل الآراء حول

الصفحة 7

المدرسة وتطورها، أو تعريفات الدور الاجتماعي أو الضبط الاجتماعي ... مع التعليق على ذلك واستخلاص الأنسب في دراسة تعتمد علم الاجتماع أرضية لفهم قضايا علم الاجتماع التربوي. لكن الفصل الأخير كان عربياً خالصاً، وهو خاتمة لشجون التربية في الوطن العربي، ومعوقات الخطاب التربوي العربي، وسبل تجاوز ذلك في تربية تتطلع نحو المستقبل. وهذا طبيعي لأننا نعتقد أن للتربية دوراً أساسياً – إذا تحققت مقوماتها الصحيحة – في تغيير كم العرب إلى وحدة فاعلة، وفي تحقيق مجتمع علمي متطور، من أجل مستقبل العرب وكرامتهم. 

أنجزت الدكتورة أمل دكاك الفصول: الثاني والسادس والثامن والحادي عشر من الكتاب.

 وأنجز الدكتور بلال عرابي الفصول العشرة الباقية، كما قام بالتشاور مع الجنة الكتاب العلمية، بالتدقيق النهائي للكتاب ليكون بصورته الحالية زاداً علمياً لدراسة قضايا التربية في علم الاجتماع.

 المؤلفان


الصفحة 8



الفصل الأول: أغراض علم الاجتماع التربوي

 أولاً – الأهداف العامة للعلم 

ثانياً – خصائص الظاهرة التربوية

 ثالثاً – الأغراض نظرياً وتطبيقياً 

رابعاً – مجالات دراسات عالم الاجتماع التربوي 

خامساً – علم الاجتماع التربوي في علم الاجتماع 

سادساً – التربية والهوية الاجتماعية

الصفحة 10

علم الاجتماع التربوي ميدان من ميادين علم الاجتماع يهتم بدراسة الظاهرة التربوية والتنشئة الاجتماعية وما يرتبط بها من نظم وتنظيمات اجتماعية ودراسة المشكلات التربوية دراسة علمية وصفية وتحليلية.. بغرض فهم هذه الظاهرة الاجتماعية التربوية ومشكلاتها، في نشأتها وتطورها وأدائها لوظيفتها. 

في العلوم الطبيعية هدف العلم فهم الظاهرة الطبيعة ثم التنبؤ بمستقبل الظاهرة والتحكم بهذه الظاهرة، ومثالنا هنا عن نهر الفرات في سورية والظاهرة فيضان النهر في فصل الربيع. فإن فهم هذه الظاهرة هو معرفة أن هذه الظاهرة لها أسباب موضوعية علمية غير غيبية، تتمثل في أن الثلوج تذوب على جبال طوروس وما حولها مع فصل الربيع، مما يؤدي إلى زيادة منسوب المياه وفيضان النهر والتنبؤ يكون بمعرفة أن هذه الظاهرة تحدث في الربيع وأن الأمر يقتضي اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتجنب مخاطر الفيضانات على البشر والأراضي الزراعية، أما التحكم فيكون ببناء سد الفرات على نهر الفرات بهدف الاستفادة من مياهه واتقاء شرور الفياضانات وآثارها لتصبح الظاهرة بعد التحكم بها مصدر خير عميم لكل الناس.

 أولاً – الأهداف العامة للعلم: 

لعلم الاجتماع التربوي أهداف عامة هي من أهداف كل علم وهي الفهم والتحكم والتنبؤ.

–1 الفهم :

 هو العملية التي يستند إليها علم الاجتماع التربوي في الوصول إلى إدراك واع للظاهرة التربوية والوقائع المرتبطة بها، وما تعنيه بالعملية هو أن هذا الإدراك يتحقق من خلال مراحل معينة تبدأ باكتشاف الوقائع التربوية ومحاولة وصفها، ذلك تمهيداً لتفسير هذه الوقائع الاجتماعية والوظائف التي تؤديها. وبذلك نجد أن مجرد اكتشاف الوقائع التربوية ووضعها مرحلة ضرورية لفهم الظاهرة التربوية.

الصفحة 12

إلا أن هذه المرحلة لا تحقق لنا الإدراك الكافي للظاهرة، فمجرد الوصف لا يمكننا من فهم أبعاد الظاهرة وظروفها والعوامل المرتبطة بها. من أجل ذلك تعتبر مرحلة التفسير للظاهرة التربوية والوقائع المرتبطة بها من حيث العوامل المتحكمة فيها والوظائف التي تؤديها مرحلة أساسية لتحقق الفهم، وبذلك يشارك علم الاجتماع التربوي، وبقية العلوم الأخرى، في محاولتها فهم الظواهر الواقعة في نطاق عمل كل منها، وذلك بسعيه لاكتشاف العوامل التي تتحكم في الظاهرة التربوية في أدائها لوظائفها بالنسبة للثقافة والمجتمع والشخصية، وجميع النظم الاجتماعية في المجتمع التي تتبادل مع النظام التربوي التأثير والاعتماد الوظيفي.

 2 – التنبؤ :

 التنبؤ يتم قبل وقوع الحوادث بمعنى أن التنبؤ يهتم بما سوف يكون في المستقبل وذلك لأنه بمنزلة اختيار المجموعة من العلاقات القائمة بين متغيرات أو ظواهر أو أحداث تقبل الملاحظة والمشاهدة، وبذلك تكون التنبؤات معلنة على شكل قانون أو نظرية علمية. 

ومن ثم فإن علم الاجتماع التربوي يبني تنبؤاته العلمية حول الظاهرة التربوية والمناهج وطرق التدريس، ودور المدرس والإدارة وجماعة التلاميذ... على أساس من الفهم العلمي الذي يجعل تنبؤاته على درجة عالية من اليقين أي بحيث تكون التنبؤات النظرية المطروحة حول الظاهرة التربوية قابلة للتحقيق التحريبي وبقدر ما يحقق عالم الاجتماع التربوي الفهم العلمي الذي يقيم عليه تنبؤاته، تكون تنبؤاته علمية.

 3- التحكم : تزداد قدرة الإنسان في السيطرة على الظواهر والتحكم في الظروف التي تؤثر فيها. وبذلك يسعى علم الاجتماع التربوي لتحقيق فهم الظاهرة التربوية والوقائع المرتبطة بها على أساس المشاهدات الواقعية لجعل تنبؤاته حول الوقائع قابلة التحقيق، وبالتالي يمكن

الصفحة 13 

التحكم في الظواهر التربوية والسيطرة على الظروف والعوامل التي تؤثر فيها. ومن ثم يكون التحكم بالظواهر التربوية والسيطرة عليها غرضاً علمياً أساسياً لعلم الاجتماع التربوي، وبذلك يحقق أهداف العلم الأساسية ومن ثم فإن مناقشتنا للأبعاد النظرية والعلمية المرتبطة بغرض علم الاجتماع التربوي، المتمثل في التحكم والسيطرة على الظواهر والنظم التربوية، وما يرتبط بها من وقائع اجتماعية وثقافية وشخصية .... تقتضي التعرف على مجموعة الظواهر التربوية التي تقع في مجال اهتمام علم الاجتماع التربوي من حيث طبيعتها والخصائص التي تتسم بها والتي تجعل منها موضوعاً متكاملاً لدراسة الاجتماع التربوي (السيد،19،1971 ) 

 ثانياً – خصائص الظاهرة التربوية ظاهرةً اجتماعيةً :

 1 – تلقائية الظاهرة التربوية :

 يذهب عالم الاجتماع ( دوركهايم ) إلى أن الظاهرة التربوية تعكس الطريقة التي نشأ عليها الكائن الاجتماعي في مختلف مراحله التاريخية، وأن لها وجوداً مستقلاً عن الأفراد. فهي ليست من صنع فرد بعينه، ومعنى ذلك أننا لا نستطيع أن نبدلها ونعدلها حسب أهوائنا الفردية وذلك لأنها نتيجة لتفاعل كل عناصر المجتمع الثقافية والاجتماعية المتعددة، في مختلف مراحل تطورها التاريخي.

–2عمومية الظاهرة التربوية :

لازمت التربية المجتمعات البشرية في مختلف عصورها، وبجميع أشكالها، فليس هناك مجتمع لا يعتمد على التربية في تشكيل أعضائه وإكسابهم طرق وأساليب حياته، ونقل مورثاته الثقافية.. سواء وحدت التربية بشكل رسمي أو بشكل غير رسمي، فهي بمنزلة ضرورة اجتماعية لاستمرار وجود المجتمعات البشرية، فليس هناك مجتمع من المجتمعات لا يستعين بالتربية بشكل أو بآخر في تكوين أعضائه، ونظراً لاستقلال التربية عن الحالات الفردية فهي ذات عمومية بالنسبة لمجتمع بعينه وبالنسبة للمجتمعات البشرية كلها. 

الصفحة 14 

–3 نسبية الظاهرة التربوية :

لاشك في أن لكل مجتمع طريقته الخاصة به، وهي التي يتبعها في إعداد وتشكيل أعضائه، وذلك لأن التربية هي نتاج تفاعل العناصر الثقافية والاجتماعية المميزة له فإن نتاج هذا التفاعل سوف يكون بالضرورة متمايزاً، والتربية نتاج لهذا التفاعل، فهي تتسم بصفته النسبية التي تسم الطابع الثقافي والاجتماعي للمجتمعات البشرية. (الجولاني،65،1993 )

ثالثاً – أغراض علم الاجتماع التربوي :

 بتحديد الأهداف الأساسية لعلم الاجتماع التربوي والمتمثلة في الأهداف المعلنة: الفهم – التنبؤ – التحكم بالإضافة إلى هدفه غير المعلن والمتمثل في المعرفة التجريبية والذي يشير إليه بالوعي العلمي، الذي يجعل الفهم بدوره علمياً ويزيد من احتمال الصدق في تنبؤاتنا، وبالتالي يمكننا من تحقيق التحكم في الظاهرة التربوية والسيطرة على العوامل والظروف التي تؤثر فيها، وكذلك تحليل الخصائص والسمات المميزة للظواهر التربوية باعتبارها موضوعاً مميزاً للدراسة في علم الاجتماع التربوي.

 تتبلور أبعاد الأغراض النظرية والأغراض التطبيقية لعلم الاجتماع التربوي في دراسة الظواهر التربوية وما يرتبط بها من وقائع ثقافية واجتماعية وشخصية.

-1 الأغراض النظرية لعلم الاجتماع التربوي من دراسة الظاهرة التربوية:

 (1) دراسة الظواهر التربوية من حيث طبيعتها وما تتسم به من خصائص وسمات تميزها، وتجعل منها موضوعاً متمايزاً لعلم الاجتماع التربوي.

(2) التعرف على الوقائع الثقافية والاجتماعية والشخصية المرتبطة بالظاهرة التربوية في ع الثقافية والاجتماعية والشخصية المرتبطة : نشأتها وتطورها. 

(3) فهم طبيعة العلاقات التي تربط الظواهر التربوية بعضها ببعض، والتي تربطها بغيرها

الصفحة 15 

من الظواهر الاجتماعية في المجتمع.

 (4) الكشف عن أبعاد الوظائف الاجتماعية التي تؤديها الظواهر والنظم التربوية بالنسبة للجوانب الاجتماعية والثقافية في المجتمع.

 (5) تحديد المضمون الإيديولوجي للتربية وآثاره على العمليات التربوية. 

(6) تحديد القوانين الاجتماعية العامة التي تحكم الظواهر التربوية وما يرتبط بها من وقائع اجتماعية وثقافية وشخصية. (الخشاب، 25).

 2- الأغراض التطبيقية لعلم الاجتماع التربوي : 

(1) يتمثل أول أغراض علم الاجتماع التربوي من دراسة الظاهرة التربوية والنظم التربوية، ما يرتبط بها من حقائق لتوفير الواقعية حول الظواهر والنظم التربوية. 

(2) دراسة المشكلات التربوية التي يتعرض لها النظام التربوي وعملياته والتي تؤثر على كفاءة هذا النظام في أدائه وظائفه بالنسبة للثقافة المجتمعية وأعضائه من أفراد وجماعات. 

(3) تسهم دراسات علم الاجتماع التربوية في شرح وتفسير الوسائل التي ينبغي اتخاذها التربية الطفل وتنمية شخصيته. 

(4) تفيد بحوث ودراسات علم الاجتماع التربوي في ترشيد السياسة التعليمية وفي رسم خطط التعليم، وتخطيط المناهج وتطوير عمليات التعليم في المؤسسات التعليمية. 

(5) تكشف الدراسات الأمبريقية لعلم الاجتماع التربوي عن رغبات واتجاهات المجتمع التربوي واتجاهات الجماعات الاجتماعية في المؤسسات التعليمية.

استناداً إلى الأغراض النظرية والتطبيقية لعلم الاجتماع التربوي والأهداف العلمية التي يسعى لتحقيقها. وانطلاقاً من طبيعة المجالات التي يمارس فيها عالم الاجتماع دوره باعتبار علم الاجتماع التربوي فرعاً من فروع هذا العلم – واتساقاً مع منطق التفكير العلمي والعناصر الأساسية التي يستند إليها، وطبيعة الظاهرة التربوية والحقائق المرتبطة بها

الصفحة 16

والمتعلقة بالعملية التربوية وعملية التعلم، تتحدد معالم المجالات الأساسية التي يمارس منها عالم الاجتماع التربوي دوره. 

رابعاً – مجالات دراسة عالم الاجتماع التربوي:

  1. تحديد المضمون النظري والاجتماعي الذي يعمل ضمنه عالم الاجتماع التربوي دراسة للظاهرة التربوية، وما يتعلق بها من حقائق يستند إليها في مجال الممارسة التربوية.
  2. تحديد موضوع علم الاجتماع التربوي، وطبيعة الظاهرة التربوية والخصائص العامة المميزة للوقائع التربوية على مستوى المجتمع خاصة. 
  3.  فهم العلاقة بين الأنساق التربوية والسياق الاجتماعي والثقافي والسياسي للمجتمع. 
  4. التحليل الاجتماعي للأنساق التربوية باعتبارها تنظيماً اجتماعياً تنهض على أهداف معينة.
  5. الدراسات المقارنة للنظم التربوية في ثقافات مختلفة للتعرف على الملامح العامة المشتركة للظواهر التربوية والممارسات التربوية التي توجهها تطبيقات إيديولوجية متنوعة، مثل دراسة الفرق بين النظم التربوية الأوربية والنظم العربية.
  6. يضاف لذلك عمل عالم الاجتماع في المجال التطبيقي لعلم الاجتماع التربوي ذلك المجال الذي تتسع دائرته لتشمل دراسة المشكلات التربوية المتعلقة بسياسات التربية وتطبيقاتها وعملياتها وما يرتبط بها من صور التفاعل بين الجماعات المختلفة داخل المؤسسات التربوية.
  7. تخطيط المناهج الدراسية وتحديد مضمونها المعرفي في ضوء الأهداف التربوية للمجتمع ( الجولاني ، 1993، 68).

  خامساً – علم الاجتماع التربوي في علم الاجتماع :

الصفحة 17

علم الاجتماع التربوي هو فرع من فروع علم الاجتماع يهتم بالجوانب التربوية للظاهرة الاجتماعية التي يتناولها علم الاجتماع وقد أسهم علم الاجتماع التربوي بدور فعال في النظر إلى التربية باعتبارها عملية اجتماعية وثقافية.

 كما أن علم الاجتماع يقدم لعلم الاجتماع التربوي الإطار النظري العام الذي يساعده على فهم أبعاد الظاهرة التربوية والأمور المتعلقة بها، مثل النشاط المدرسي والطريقة والتنظيم الاجتماعي والجماعات الاجتماعية بالمؤسسات التعليمية مثل جماعة الإدارة المدرسية وجماعة المدرسين وجماعة التلاميذ إضافة إلى تناوله التفاعل القائم بين المدرسة كمؤسسة اجتماعية والمحيط الاجتماعي العام والمحلي، وما يشتمل عليه من جماعات اجتماعية تعتبر الأسرة في مقدمتها.

 وإذا كان عالم الاجتماع يعمل لدعم الجهود المتخصصة في نطاق علم الاجتماع التربوي، فلأنه يستفيد من معطيات علم الاجتماع التربوي في تناوله التربية وأنساقها الاجتماعية وما تشتمل عليه من نظم وترتيبات تتعلق بالعملية التعليمية العامة، ولاسيما عملية التعليم، في الوصول إلى الفهم العميق الشامل لأبعاد العمليات التربوية في المجتمع، مما يساعد على تحديد الخصائص والظروف العامة المرتبطة بها والسمات والظروف الخاصة التي تؤثر في العمليات التربوية من محيط مجتمعات وثقافات معينة تتفاوت في بعض جوانبها عن ظروف وثقافات المجتمعات الأخرى.

 كما أن تناول علم الاجتماع التربوي للظاهرة التربوية يعتمد بصورة أساسية على فهم علم الاجتماع المظاهر التفاعل الاجتماعية في المجتمع، والعوامل التي تؤثر فيها، والقيم والمعايير التي توجه سلوك الأفراد في المجتمع لتحديد مقتضيات صياغة الشخصية من خلال العملية التربوية، وما تتطلبه عملية الصياغة تلك من خبرات ومهام ومهارات .... ولهذا نجد الكثير من مفاهيم علم الاجتماع ومصطلحاته تستخدم في المجال التربوي وما فيه من تفاعل واتصال في عملية التعلم، ذلك لأن عملية التعلم موقف اجتماعي يتفاعل

الصفحة 18

فيه الأفراد والجماعات شأنها في ذلك شأن المواقف الاجتماعية الأخرى وما تتضمنه من صور تفاعل وعلاقات واتصالات.

 وكمحصلة لتطور المجتمعات الإنسانية وتقدم العلم والمعرفة في مختلف المجالات والمواضيع الإنسانية وكمحصلة لكل ذلك جاء علم الاجتماع التربوي علماً يصف ويفسر أثر الأنظمة وأثر العمليات والعلاقات الاجتماعية في شخصية الفرد.

 وهذا العلم التطبيقي ظهر كفرع من فروع علم الاجتماع العام ليبحث في المؤسسات التربوية المختلفة والمدارس والمعاهد والكليات والجامعات داخل البناء الاجتماعي العام، ويهدف إلى الكشف عن العلاقات بين العمليات التربوية وإبراز أصل العملية التربوية كظاهرة اجتماعية لها وظيفة أساسية في المجتمع. 

علم الاجتماع التربوي كسائر العلوم الاجتماعية يدرس الإنسان عندما يدخل مع إنسان آخر في علاقاته وتعامله الإنساني في الإطار التربوي، بمعنى أن علم الاجتماع التربوي هو العلم الذي يختص بدراسة الإنسان حينما يدخل في علاقة مع إنسان آخر في إطار تربوي يهدف إلى تكوين الخبرة أو المعرفة أو الثقافة أو التعلم أو التدريب. 

أي العلاقات بين تلميذ وآخر أو تلميذ ومعلم ثم العلاقة بين التلاميذ والمعلمين مجتمعين وبين كل من المؤسسة التربوية والنظام التربوي بشكل عام وبين كل من في هذا الإطار التربوي والمؤسسات الاجتماعية الأخرى في المجتمع الكبير. 

تركز التربية باعتبارها عملية اجتماعية على العمليات الثقافية التي تشكل حياة الفرد، كما يركز علم الاجتماع التربوي على التفاعل بين الفرد ومحيطه الثقافي بمكوناته المختلفة من أفراد وجماعات وأنماط سلوكية وأنظمة اجتماعية. 

من هنا تعتبر التربية العملية الواعية التي تؤدي إلى إحداث تغيير في سلوك الفرد الذي يحدث بدوره تغييرات في الجماعة التي ينتمي إليها وهي عملية مستمرة، ولذا يستمر تغير الفرد في مجتمعه طوال حياته وبواسطتها تتم عملية التنمية وتصل الجماعة إلى

الصفحة 19

أهدافها المنشودة لأن التربية في محتواها دوماً خيّرة.

وبهذا المفهوم الاجتماعي للتربية فهي لا تنحصر فقط في المدرسة والمنزل والأسرة – مع أنهما المؤسستان الاجتماعيتان الرسميتان والمسؤولتان بصورة مباشرة عن التأثير في سلوك الأطفال والناشئين والشباب والشيوخ رجالاً ونساءً وأولاداً وبناتٍ – بل إن التربية تمتد إلى المؤسسات الاجتماعية والتربوية الأخرى مثل أماكن العبادة والعمل والمؤسسات الترويحية بالإضافة إلى المؤسسات الاقتصادية والمنظمات والمؤسسات السياسية من أحزاب ونقابات وتجمعات.

إن كل هذه المؤسسات وما تمليه الحياة من سرعة تغير المجتمعات الحديثة وتعدد مصادر التغير وما يولد عنه من مشكلات يفرض على التربية مسؤولية التوجيه والضبط السلوك الأفراد والجماعات. لقد تغيرت وظائف التربية وأجهزتها في عصر التكنولوجيا الحديثة عنها في العصور القديمة والتي كانت تتسم بالبساطة ونقل التراث وأنماط الحياة المألوفة.

فالتربية اليوم لها دور مهم في العملية الاجتماعية في توجيه الأفراد كما تريد الجماعة أو المؤسسات السياسية الرسمية، وعن طريقها يمكن ضبط السلوك وتوجيه الفئات الاجتماعية بحيث تغرس فيهم الاتجاهات والتوجهات المرغوبة من قبل المجتمع، فتتأصل في نفوسهم القيم وأنماط السلوك العامة.

فالتربية إذن عملية اجتماعية تعمل على تكيف سلوك الأفراد ومواقفهم لتساير القوالب والأنماط الثقافية والضوابط الاجتماعية التي ارتضتها الجماعة.

يرى جون ديوي في كتابه ( Education Today ) « إن التربية هي عملية اشتراك الفرد مع بقية أعضاء المجتمع اشتراكاً عن وعي وقصد، اشتراكاً في حياة المجتمع إيجابياً، على أساس أن الفرد سيتخرج ليشترك مع المجتمع في حياته وإنتاجه ». Durian,1986)).

الصفحة 20

سادساً – التربية والهوية الاجتماعية : 

نحن نعلم بأن هناك علاقة وطيدة بين التربية والتنشئة الاجتماعية ولاسيما أن هذا الارتباط قائم على العمليات الاجتماعية التي تمارس من خلال الأسرة على الأطفال والمجتمع المحلي، ولذلك فإن التنشئة الاجتماعية تعد من المحاولات الأولى في بناء الشخصية الاجتماعية والتربية لذلك تتحدد من خلال نظرية الدور الاجتماعي الذي يرتكز على التنميط الجنسي للذكور والإناث، ومن ثم تشكل المفاهيم الاجتماعية الثقافية التربوية التي من شأنها جعل الطفل يتقبل هويته الاجتماعية استناداً إلى أسس تربوية محددة، وذلك في عملية التشكيل الاجتماعي والتفاعل الاجتماعي ضمن حياة الفرد والشريحة الاجتماعية التي ينتمي إليها، وهذا بدوره بيني نواة تشكيل الهوية الاجتماعية الشخصية من خلال ما سبق يمكن تحديد ثلاث نقاط لها أهمية في تشكيل السلوك الاجتماعي الذي ببني الهوية الاجتماعية:

  1. مجموعة القيم والأعراف والعادات التي يتعلمها الطفل، لها علاقة وطيدة في تشكيل هويته الاجتماعية.
  2. للتربية المدرسية المتمثلة في المناهج وأساليب تدريسها، أهمية في تشكيل هويته الاجتماعية.
  3. تحقيق حاجاته بشكل متكامل ضمن المجتمع الذي ينتمي إليه، لها دور حاسم في تشكيل وبناء هويته الاجتماعية بشكل أفضل ( نبيل، 2002، 92 ).

الصفحة 21



الفصل الثاني: علاقة علم الاجتماع التربوي بالعلوم الأخرى

 أولاً- علم النفس

 ثانياً- علم الاقتصاد

 ثالثاً -علم السكان 

رابعاً- علم اللغة 

خامساً- الفلسفة 

سادساً- علم اجتماع الأدب 

سابعاً- علم الأحياء

الصفحة 22

يدرس علم الاجتماع التربوي الإنسان وأنظمته الاجتماعية النابعة من القضايا التربوية ويرتبط علم الاجتماع التربوي بكثير من العلوم التي لها علاقة مباشرة بالإنسان وتكوينه السلوكي الاجتماعي.

 أولاً – علاقة علم الاجتماع التربوي بعلم النفس : 

يعرف علم النفس بأنه الدراسة العلمية للسلوك الإنساني، وهو علم يصب اهتمامه على ظواهر السلوك الفردية عند الإنسان، والتي تتمثل في جملة من الظواهر النفسية والعقلية، كالعمليات الذهنية من تعلم وتذكر وذكاء... والعمليات النفسية الخاصة بجوانب الحياة العاطفية الانفعالية في مظاهرها الشعورية واللاشعورية. وإذا كان علم النفس يدرس السلوك الإنساني فإنه يركز على الجوانب الفردية، ويدرس الإنسان من حيث هو فرد في المجتمع، وبالمقارنة فإن علم الاجتماع التربوي يدرس الإنسان بوصفه كائناً اجتماعياً وبوصفه شخصاً داخل الجماعة أي أن علم الاجتماع لا يقف عند حدود الفرد بل يتجاوز ذلك إلى تقصي حدود علاقته بالجماعة. (وطفة،27،1993).

ويعد دوركهايم أول من أكد على أهمية الفصل بين الظاهرة الاجتماعية والظاهرة النفسية وعلى ضرورة النظر إلى الإنسان بوصفه كائناً اجتماعياً، وعلى الرغم من محاولة دوركهايم إبراز الحدود القائمة بين الظاهرتين فإنه يؤكد على أهمية العلاقة نحنالقائمة بينهما، وعلى أهمية العمليات النفسية في استبطان ما هو اجتماعي، فالإنسان يستبطن ما هو اجتماعي عبر أوليات نفسية متعددة، وتعد مسألة التنشئة الاجتماعية، موضوعاً أساسياً في علم الاجتماع التربوي، خير مثال للتمييز بين الفردي والاجتماعي وذلك حين تنطلق عملية التنشئة الاجتماعية من مبدأ إزاحة الجانب البيولوجي والانتقال بالإنسان من حالته الفردية إلى حالته الاجتماعية. وإذا كان علم النفس يسعى إلى دراسة الظاهرة الفردية على خلاف علم الاجتماع التربوي الذي يدرس الإنسان على أنه كائن اجتماعي، فإن كلاً منهما يستفيد من نتائج الآخر ويوظفها في مسار حركته وتطوره، ويضاف إلى ذلك

الصفحة 24

وجود موضوعات أخرى مشتركة بين علم النفس وعلم الاجتماع التربوي، فدراسة العلاقة التربوية والتفاعل الذي يقوم بين المعلمين والطلاب في المؤسسات التربوية هي موضوعات مشتركة بين الفرعين، وتقتضي من الباحثين في هذا المجال معرفة عميقة وشاملة بمعطيات العلمين.

ولقد تطور علم النفس اليوم في مناح متعددة، وفي إطار فروع مختلفة تتداخل في موضوعاتها مع علم الاجتماع التربوي، كعلم النفس التربوي الذي يدرس عمليات التعلم والتنشئة الاجتماعية، وعلم نفس الطفولة والمراهقة الذي يسعى للكشف عن قوانين النمو المعرفي والاجتماعي عند الناشئة ... ( وطفة، 1993، 28 )

  1. علاقته بعلم النفس التربوي :


يعرف علم النفس التربوي بأنه الدراسة العلمية للسلوك الإنساني الذي يصدر خلال العمليات التربوية، وهو بهذا المعنى يهتم بعمليات التعليم والتدريس والتعلم وقد أصبح علم النفس التربوي علماً مستقلاً، ولم يقتصر بحثه على العملية التعليمية فقط بل تعدى ذلك إلى تغيير سلوك التلاميذ، كما يعد علم النفس التربوي من المقررات اللازمة التدريب المعلمين في كليات ومعاهد التربية وإعداد المدربين والموجهين في برامج التدريب والتأهيل بمختلف أنواعها ومستوياتها، وأصبحت المهمة الأساسية لهذا العلم تزويد المعلمين والمهتمين والمربين بالمبادئ النفسية الصحيحة التي تتناول التعلم والتعليم المدرسي الذي يهدف إلى تغيير السلوك الفردي كي يصبح أعمق فهماً وأوسع إدراكاً وأكثر مرونة في المواقف التربوية المختلفة :(إبراهيم، 1992، 16)

  1. علاقته بعلم النفس الاجتماعي :


 يرتبط علم النفس الاجتماعي بعلاقة وثيقة مع علم الاجتماع التربوي ويمثل حلقة تواصل عميقة بين الاجتماعي والنفسي.

الصفحة 25

فعلم النفس الاجتماعي من العلوم الإنسانية التي تحتم على نحو علمي تخصصي بدراسة سلوك الفرد في المجتمع، ومن حيث كون الفرد مؤثراً ومتأثراً بما يحيط به من أفراد وجماعات، وما يقيمه من علاقات وما يكونه من مواقف واتجاهات.

 وعلم الاجتماع التربوي يدرس الظاهرة التربوية في مناحيها وفي إطار تفاعلها مع الواقع الاجتماعي كله، ويمكن القول ( إن علم الاجتماع التربوي هو العلم الذي يبحث في قانونية العلاقة التي تربط بين التربية والمجتمع ).

 ثانياً – علاقة علم الاجتماع التربوي بعلم الاقتصاد :

 تركز جهود العلماء الاقتصاديين على دراسة الجوانب الاقتصادية الحياة الإنسان من إنتاج واستهلاك وتوظيف واستثمار ونمو اقتصادي... ويحاول علماء الاقتصاد اكتشاف قانونية الحركة الاقتصادية الإنتاجية في المجتمع (( وإذا كان الجانب الاقتصادي يشكل المحور الأساسي في الأبحاث الاقتصادية فإنه يشكل محوراً مهماً من محاور البحث والتقصي في مجال علم الاجتماع التربوي.

 ويشكل موضوع اقتصاديات التعليم والتربية اليوم فرعاً مهماً من فروع علم الاجتماع التربوي. ولقد ظهرت في الآونة الأخيرة مجموعة كبيرة من الأبحاث التربوية الخاصة بدراسة الجوانب الاقتصادية للتربية وشكلت هذه الدراسات تياراً متميزاً في مجال علم الاجتماع التربوي.

ويميل أصحاب هذا الاتجاه إلى دراسة المسألة التربوية على ضوء الحركة الاقتصادية التي تتعلق بعملية الإنتاج والاستهلاك والتوظيف والاستثمار والهدر والإنتاجية على المستوى التربوي.

 وقد قام رايمون بودون من أبرز ممثلي الاتجاه الا الاتجاه الاقتصادي في فرنسا بدراسة المسألة التربوية في ضوء الحراك الاجتماعي الذي يتحدد بمسار العملية الاقتصادية واتجاهاتها.

الصفحة 26

وقد شهدت الدراسات الاجتماعية التي تتناول مسألة مدخلات التعليم ومخرجاته ومسألة البطالة والاستثمار التربوي وديمقراطية التعليم ودور الواقع المادي للأسرة والمجتمع في ظهور اللامساواة الاجتماعية إزاء التعليم ... نمواً واسعاً على مستوى الأبحاث الميدانية وعلى مستوى التنظير.

تبين الدراسات الجارية حول الجوانب الاقتصادية للمسألة التربوية مدى الصلة العميقة التي تربط اليوم بين علم الاجتماع التربوي وعلم الاقتصاد الذي يشكل بقوانينه ومعطياته إطاراً عاماًن ينطلق منه علم الاجتماع التربوي في دراسة الجوانب الاقتصادية للمسألة التربوية )). ( وطفة، 2002، 28 ) 

ثالثاً – علاقة علم الاجتماع التربوي بعلم السكان:

علم السكان هو العلم الذي يدرس حركة السكان من هجرة ومواليد ووفيات وخصوبة. 

وقد ظهر تيار في محال علم الاجتماع التربوي يدرس المؤسسات التربوية المدرسية وفقاً لمعطيات علم السكان ويستخدم مصطلحاته ومناهج البحث فيه.

ويقوم أصحاب التيار الديمغرافي في مجال علم الاجتماع التربوي بدراسة التركيب العمري للطلاب والتلاميذ، ويستخدمون مفاهيم سكانية مثل الوفيات المدرسية للدلالة على التلاميذ الذين يخفقون في دراستهم، والهجرة المدرسية لتعيين حركة الطلاب التي تتم بين المؤسسات المدرسية والجامعية من فرع الآخر، والانفجار الديمغرافي المدرسي للدلالة على التوسع في أعداد الطلاب داخل المدارس والهرم من فرع إلى آخر في إطار المؤسسة الواحدة وغير ذلك من المصطلحات السكانية المعروفة في علم السكان.

هذا وتساعد المعطيات السكانية على دراسة الحركة السكانية داخل المدارس والمؤسسات التربوية وهذا يعني أن علم الاجتماع التربوي يستفيد من معطيات علم السكان ومناهجه في دراسة البنية الاجتماعية للمدارس والمؤسسات التربوية.

الصفحة 27

رابعاً – علاقة علم الاجتماع التربوي بعلم اللغة :

 يدرس عالم اللغة أصول اللغة وقواعدها وكيفية تداولها واستعمالها من قبل الأفراد وكيفية تطورها بالإضافة إلى دراسة مناهجها وتغيراتها.

ويشترك علم الاجتماع التربوي في دراسة موضوع اللغة، ويتناولها من الناحية الاجتماعية كدراسة التدرج الطبقي وأثره في اللغة وأثره في تكوين اللغة عند الأفراد).

ويهتم علماء الاجتماع التربوي بدارسة أثر الوسط الديمقراطي أو الاستبدادي في تكوين اللغة عند الأطفال، لذلك فموضوع الدراسة بين العلمين واحد.

وبالتالي فإن كلا العلمين يطرح تساؤلاً حول كيفية تطور اللغة عند الأفراد في بيئات اجتماعية مختلفة، وما البيانات والآثار التي تحدث في اللغة من خلال الاختلافات الطبقية.

خامساً – علاقة علم الاجتماع التربوي بالفلسفة :

يبين "جون ديوي " العلاقة القائمة بين التربية والفلسفة بقوله إن الفلسفة هي النظرية العامة للتربية. لقد شكلت المسألة التربوية على مر العصور وفي سائر التيارات الفلسفية القديمة والحديثة اتجاهاً فلسفياً في تاريخ الفكر الإنساني الفلسفي، ولقد أطلق على الجوانب الفلسفية التي تعالج المسائل التربوية بفلسفة التربية، وتبين الوقائع العلمية أن التواصل بين الفلسفة والتربية وجد صيغته الجديدة المتطورة في إطار العلاقة بين فلسفة التربية وعلم الاجتماع التربوي، فعلم الاجتماع التربوي يعالج إلى حد كبير الموضوعات نفسها التي تباشرها فلسفة التربية كالتنشئة الاجتماعية ودور المؤسسات التربوية والعلاقة داخل إطار المؤسسات التربوية ... وعلى أثر التطور الذي شهدته الحياة الاجتماعية في العصور الأخيرة من الزمن لم تعد فلسفة التربية بما تملكه من وسائل تأملية محددة قادرة

الصفحة 28 

على اللحاق بالوتائر المتسارعة للبحوث الاجتماعية، فهب لمساعدتها علم آخر هو علم الاجتماع الذي كان لديه بعض الخبرات في الدراسات والأبحاث الملموسة، وغني عن البيان أن أصول علم الاجتماع العام تقع في إطار الفلسفة، وإذا كان علم الاجتماع وليد الفلسفة فإن علم الاجتماع التربوي يمكن له أن يعد بحق الوليد الشرعي لفلسفة التربية، وهو الأكثر صلة بمسائلها وقضاياها، وتتيح اليوم معطيات علم الاجتماع التربوي في مستوياتها الميدانية مجالاً واسعاً للتنظير الفلسفي، وقد ساعدت اليوم نتائج علم الاجتماع التربوي على ولادة اتجاهات فلسفية تربوية جديدة تتعلق بمسألة ديمقراطية التعليم وغايات التربية ... وثمة اتجاهات ونظريات فلسفية تربوية مختلفة تطرح نفسها على الساحة الفكرية المعاصرة، وهي اتجاهات ونظريات تقوم على أساس المعطيات التي أنتجها علم الاجتماع التربوي المعاصر، ويلاحظ المتفحص اليوم أن علم الاجتماع التربوي ينطوي على جانب فلسفي وأن هناك نوعاً من العناق والتفاعل بين فلسفة التربية وعلم الاجتماع التربوي (وطفة، 30،2002).

 سادساً – علاقة علم الاجتماع التربوي بعلم اجتماع الأدب:

 إن هدف الدراسة السوسيولوجية للأعمال الأدبية هو استخلاص الأفكار المتصلة ببناء المجتمع عن طريق علم اجتماع المعرفة الذي يهتم بالعلاقة بين أنساق الفكر والوقائع الاجتماعية أو بتحليل العلاقات الوظيفية المتبادلة بين العمليات الاجتماعية والبناءات الاجتماعية من جهة، والحياة الفكرية وطرائق المعرفة من جهة أخرى..  ( البدوي،97،2002)

 فمثلاً أدب الأطفال ( قصة شعر، مسرح ( الذي يهتم به علماء الاجتماع التربوي هو أيضاً من ضمن اهتمامات علم اجتماع الأدب، فلا جدل في نشأة علم اجتماع الأدب كميدان أساسي من ميادين المعرفة السوسيولوجية، ارتبطت بالفكرة القائلة

الصفحة 29

: إن الأدب يصور لنا الحياة الاجتماعية في الفترة التاريخية التي كتب فيها. ويعطينا صورة واضحة عن وقائع اجتماعية محددة، وقام عدد غير قليل من علماء الاجتماع بدراسة هذه القضية كاهتمام أساسي من اهتمامات علم اجتماع الأدب، حيث درست العلاقة بين العمل الفني بصفة عامة والبناء الاجتماعي الذي أنتج هذا العمل أي ربط الأدب بالبناء الاجتماعي للمجتمع وتوضيح العلاقة المتبادلة بينهما.

 إن الأعمال الأدبية تسهم في تنوير الراي العام والتأثير في اتجاهات التربية. كما أن أدب الأطفال بما فيه من قصة وشعر ومسرح وما يبث من خلال الوسائل الإعلامية الأخرى ... يساعد في التنشئة الاجتماعية.

سابعاً – علاقة علم الاجتماع التربوي بعلم الأحياء ( البيولوجيا ) :

يستهدف العمل التربوي في أول مراحله تنشئة الأطفال تنشئة صحيحة سليمة تساعدهم على قطع مراحل النمو بطريقة سوية. وهذا العمل يتطلب ضرورة معرفة القوانين البيولوجية التي تتعلق بمراحل نمو الفرد جسمياً وعقلياً ونفسياً. الأمر الذي يجعل من علم البيولوجيا الأساس الأول الضروري لكل عمل تربوي.

وتظهر أهمية المعرفة البيولوجية في العملية التربوية إذا أخذنا بعين الاعتبار سيطرة العوامل البيولوجية على تطور الكائن الإنساني في مرحلتي الطفولة والمراهقة بصفة خاصة، ولذلك على المربي أن يتزود بثقافة بيولوجية تساعده على تعرف الأسباب الفيزيولوجية الوظيفية التي تحدد مسيرة النمو الفسيولوجي من ناحية الأعمار والأنواع للكائن البشري.

وعلى المربي ألا يجهل نمط التغذية ونوع الحياة وأنواع التدريبات والتمرينات التي تكفل للفرد نمواً طبيعياً سليماً. ( ناصر استينية، 1984، ص 23 ).

ويقول بعض العلماء : إن هناك علاقة ترابطية بين الذكاء ونمو الحركة أثناء

الصفحة 30

الطفولة. فالسن التي يبدأ عندها الطفل بالمشي والسن التي يبدأ عندها بتعلم النطق والكلام لها أهمية في النمو العقلي. كذلك فإن اكتساب اللغة يتعلق بعوامل اجتماعية، فأي تأخر في المشي، أو حدوث فاصل زمني ملحوظ بين الكلمات الأولى وتعلم الجمل الأولى، قد يؤدي إلى حدوث اضطراب فكري لدى الطفل.

وهناك بعض علماء الطب يزعمون أن بعض الاضطرابات الفكرية كالشرود مثلاً والتعب الشديد واضطراب الذاكرة ... تخضع لأمراض عضوية في الغدد الصماء والمجموعة العصبية والأمزجة وغيرها، كذلك ضعف الجهاز الهضمي أو جهاز الدورة الدموية أو الجهاز التنفسي يعيق النمو العقلي بدرجة لا تقل عن إعاقته للنمو الجسمي.

من ذلك إذن يتبين مدى ضرورة اهتمام علماء الاجتماع التربوي بعلم الحياة أساساً ودعامة لكل مراحل نمو الفرد جسمياً وعقلياً ونفسياً ( نصر وستيتية،23،1984).

الصفحة 31



الفصل الثالث:الجذور التاريخية لعلم الاجتماع التربوي



أولاً – أفكار أفلاطون التربوية. 

ثانياً – أفكار أرسطو التربوية.

ثالثاً – تربية العصور الوسطى.

رابعاً – الفكر التربوي عند الإمام الغزالي. 

خامساً – جهود العلامة ابن خلدون التربوية. 

سادساً – التطور اللاحق لعلم الاجتماع التربوي.

الصفحة 32

إن تطور علم الاجتماع العام وتراكم المعرفة البشرية حول موضوعاته وميادينه جعله يتفرع إلى ميادين متعددة ( الصناعي الريفي الديني.. ) بتراكم المعرفة الاجتماعية بقضايا التربية والتعليم في المجتمع : نما علم الاجتماع التربوي.

عبر العصور التاريخية كان الفيلسوف الموسوعي على طريقة المعرفة القديمة) يضمن فلسفته العامة قضايا التربية والتعليم كجزء من منظومة الفيلسوف الفكرية، ومنها طريقة الفيلسوف في تلقي المعرفة وتعلمها، وطريقة تقديم المعارف لغيره من طلاب المعرفة والعلم.

أولاً- أفكار أفلاطون التربوية :

حاول أفلاطون ( 427 – 347 ق.م ) مثل أستاذه سقراط العمل على جعل الفلسفة متصلة بالإنسان والمجتمع، ولعل مشكلة الفردية التي أبرزها السفسطائيون، قد رد عليها أفلاطون بمحاولة إيجاد أصول جديدة للحياة الأخلاقية في المجتمع، وهذه الأصول هي الجمع بين مصلحة الفرد والمجتمع معاً، أي التوفيق بين الغايتين.

بمعنى آخر يرى أفلاطون أن الهدف الأساسي للفلسفة هو إصلاح الفرد والمجتمع بالتالي فإن علم الاجتماع التربوي يمكن أن نستنتج أنه عند أفلاطون هو محاولة الوصول إلى معرفة الخير، وتنمية هذه المعرفة وطبع النفس على الحق والخير والجمال. وإذا ما فسر علم الاجتماع التربوي بأنه تقارب أهداف التربية من أهداف المجتمع، يصبح علم الاجتماع التربوي بعد ذلك عند أفلاطون هو تدريب الفرد على التمييز بين الخطأ الصواب، وتدريب الفرد على التمييز بين الخير والشر، وتدريب الفرد على التمييز بين القبح والجمال. وطبقاً لنظرية أفلاطون فإن علم الاجتماع التربوي يجب أن يعمل على تحقيق الأهداف التالية :

  1. تحقيق وحدة الدولة، فالدولة التي يمثلها أفلاطون كان من أغراضها هدم روح الفردية المتفشية في أثينا في ذلك الوقت لذلك كان يرى أن الغرض الأول للتربية


الصفحة 34

هو تنمية روح الجماعة أو الإحساس بالحياة الجماعية

  1. تنمية المواطنية الصحيحة في الأفراد، وذلك عن طريق إمداد الشباب بالمعرفة الدقيقة عن طبيعة الحكم وطبيعة الحق المطلق حتى نستطيع ممارسة الأعمال الرئيسية في الحياة المدنية والاجتماعية.
  2. إعلاء العقل على الأمور الحسية والروح على البدن، وذلك عن طريق إيقاظ الملكة العاقلة فيه.
  3. تنمية الإحساس بالجمال ومحبة الخير والجمال.
  4. تحقيق التناسق في شخصية الإنسان، وذلك عن طريق التوفيق بين مطالب الجسم والعقل إن الحياة التي تقوم على السعادة هي تلك التي تقوم على التفكير والمصالح الفردية ومصالح الدولة.
  5. إنتاج أطفال قادرين على حكم أنفسهم بأنفسهم، ويستطيعون بتفكيرهم التصرف في المسائل المتعلقة بسلوكهم، وبذلك يوفرون على الدولة عبء إصدار تعليمات وقوانين تفصيلية في مثل هذه المسائل.
  6. تمرين الأطفال وتطبيعهم اجتماعياً، وتهذيب علاقات بعضهم ببعض وعلاقاتهم بالذين يحكمونهم ( ناصر إبراهيم، 1992،302).

إن هذه الأهداف الاجتماعية والسياسة للتربية تجعل من أفلاطون مفكراً قريباً جداً من تطورات العلاقة بين الدولة والتربية اليوم، خاصة عندما يقول أفلاطون عن طريق التربية يستطيع رجل الدولة أن يجعل من الأطفال مواطنين فاضلين على أخلاق عالية لهم طباع من ذهب ستجعلها الفلسفة جديرة بتولي السلطة، وسوف تكشف التربية عن المختارين منهم بذلك تؤدي التربية للدولة خدمات كبيرة، ومتى أدرك رجل السياسة قيمة التربية تحكم في نفوس مواطنيه واستطاع أن بيني الدولة التي يريدها .

أما المنهج التربوي الذي يتبعه أفلاطون لتحقيق غاياته الاجتماعية والسياسية، فيتمثل في اختيار الدولة للأطفال أصحاب الاستعداد للمقاتلة « بنين وبنات » يعدهم

الصفحة 35

جميعاً بالتربية البدنية، ويعطي لهم قسطاً من الآداب والفنون والتعاليم الدينية حتى يبلغوا سن الثانية عشرة، ثم يزاولون التمرينات العسكرية حتى العشرين. وبعد ذلك يُفصل الممتازون على حدة ليعودوا إلى متابعة الدراسة في أربع مواد أساسية، هي الحساب والهندسة والفلك والموسيقا، ومتى بلغوا الثلاثين نميز بينهم أصحاب الاستعداد الفلسفي والكفاءة الشخصية ليتعمق هؤلاء في الدراسات الفلسفية والبحث عن حقائق الأشياء لمدة خمس سنوات وبعد ذلك يزج بهم في الأعمال الإدارية والوظائف العامة حتى سن الخمسين، فالذين أظهروا البراعة في الحياة النظرية يرقون إلى مرتبة الحكام، هؤلاء هم الجديرون بتحمل أعباء الحكم والتوجيه، وهذا ما تتبعه أساليب التربية في الوقت الحاضر بشكل أو آخر.

ثانياً – أفكار أرسطو التربوية :

لقد وضع " أرسطو " ( 384-322 ق.م) المفكر الإغريقي البارز أعمق منظومة من الآراء والأفكار حول طبيعة التربية ودورها في المجتمع.

وكان ( أرسطو ) أول من صاغ النظرية القائلة إن المحافظة على ثبات واستقرار نظام الدولة القائم هي إحدى وظائف التربية. ويقول إن لكل شكل من أشكال بناء الدولة تربية مطابقة له. ولم يعتبر المحافظة على الدولة وظيفة وحيدة بل وظيفة وهدف التربية الرئيسي هو النمو المنسجم للفرد.

ويرى ( أرسطو ) أن التطبيع والتربية شيئان مختلفان. فالأول ذو طابع عفوي على الأغلب بينما التربية هي تطوير واع لقدرات الإنسان الفطرية.

وهكذا يظهر لنا العرض السريع لأهم أفكار أكبر مفكري اليونان القديمة، أن الإغريق قد طرحوا وصاغوا أفكاراً حول ارتباط نظام التربية وتبعيته لطابع بناء الدولة، وحول دور التربية وأهميتها في استقرار هذا البناء والمحافظة عليه.

الصفحة 36

ثالثاً – تربية العصور الوسطى:

إن ظلام العصور الوسطى الذي استمر عدة قرون جعل التعليم العقلي احتكاراً وامتيازاً خاصاً لرجال الدين والقساوسة، وكانت التربية ضرورية من أجل قتل البدن، على اعتبار أن الجسد هو زنزانة النفس والإنسان أثم وخاطئ بطبيعته وذلك كان بواسطة العقوبات الجسدية وقمع الحاجات والمتطلبات البشرية الطبيعية (ريناتا، 1984، بتصرف).

 وكان هدف التربية الرئيسي هو تكوين مشاعر الخضوع، والطاعة العمياء لسلطة رجال الدين في ظل أنظمة الحكم التي سادت أوربا في القرون الوسطى وقد تجلى الجمع بين التعصب الديني والنزعة الفردية في هذه الفترة، فقد تركت الكنيسة التي استمرت عشرة قرون آثارها ... وإذا ما استطاعت نظرية التربية التخلص من عبء أفكار القرون الوسطى الكنسية فإن تأثير الدير بقي فترة أطول بكثير في ممارسة التربية.

بعد جمود الفكر الفلسفي والتربوي في العصور الوسطى لاحت الأفكار التقدمية في أعمال ومؤلفات الإنسانين العظام في عصر النهضة وترددت بحماسة قوية فكرة ضرورة النمو المنسجم والكل المتجانس والشامل للفرد فمتطلبات الإنسان وحاجاته هي المسببات الأساسية للتربية.

وكان هناك مبالغة مثالية في دور التربية باعتبارها قوة جبارة ووسيلة لإزالة جميع الشرور من الأرض. وأدى " توماس هوبز " (1588-1679) دوراً خاصاً في محال التربية فقد حول مركز اهتمام العلم من مجال العلوم الطبيعية إلى مجال العلوم الاجتماعية. ولم يقبل ( هوبز ( بأية حلول وسط ولم يقدم أية تنازلات للنزعة المثالية، فمن الطبيعي أن الوسط المحيط بالطفل والتربية يحددان وعيه كاملاً.

وثمة رأي له أن اللغة قد اخترعها الناس خصيصاً نتيجة لضرورة تربية الجيل الفتي

الصفحة 37 

وتعليمه وذلك لأن التربية تشكّل أساس الدولة كلّها.

وكان القرن الثامن عشر مثمرا على نحو خاص في تطوير الافكار حول ترابط المجتمع والتربية على اعتبار أن المثل الأعلى للإنسان يجب استخلاصه من طبيعة الإنسان ومن حاجاته ومتطلباته الطبيعية.

أكد " مونتسكيو " (1689-1755) أن التربية في المجتمع المعاصر تتوقف على أشكال الحكم المختلفة : فالملكية والدولة الاستبدادية والجمهورية تشكل بواسطة القوانين نماذج مختلفة من التربية ... أما " جان جاك روسو " (1712-1778) الذي تمتع بسمعة رفيعة جداً في علم التربية فقد ركز اهتمامه على جوانب أخرى، وفكرته الرئيسية كانت تنحصر في تسويغ النزعة الفردية التي لا يمكن أن تقترن، حسب رأيه بروح المواطنة وأن التربية هي تنمية لطبيعة الطفل، والنمو الطبيعي بعيد كل البعد عن النمو الاجتماعي. وينتقد " روسو " بحدة التربية المدرسية الكلامية، ويدعو بإصرار إلى فكرة أنه يجب تعليم ما هو نافع فقط أي يجب عدم تلقين الطفل المعارف عموماً، بل علاقاتها التي تهمه.

إن من السهل على المرء أن يلاحظ أنه هنا بالذات قد أرسيت أسس التربية التي طورها فيما بعد ( جون ديوي ) ( عيون السود، 1984، 86 ).

التربية عند العرب المسلمين:

بظهور الاسلام كدين سماوي قدم الفقهاء والمفسرون أسس الحياة الإسلامية الجديدة التي استمدت من القرآن الكريم ومن الحديث الشريف والتي هي تربية جديدة للناس وللمجتمع، حث الفقهاء الأمم على تبنيها ومارسوها في تعاملهم وفي حياتهم. أبرز هؤلاء الفقهاء الشيخ الإمام أبو حامد الغزالي ( 1058 – 1111 م).

رابعاً – الفكر التربوي عند ا التربوي عند الإمام الغزالي :

تأتي إسهامات ( الغزالي ( التربوية لتؤكد أبعاداً تربوية جديدة في الفكر الإسلامي،

الصفحة 38

إذ كان يؤكد على ضرورة تربية الفرد تربية صالحة لأن الفرد في نظره أساس المجتمع ولذلك فإن صلاح الأفراد يحقق صلاح المجتمع والمجتمع الصحيح في نظره هو الذي ينشئ أفراده، ويرتيهم تربية صالحة صحيحة. وكان يرى في التعليم سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة. وإذ كان الغزالي لم يكتب إلا القليل عن تربية الإناث إلا أنه كان يرى العلم واجباً على الرجال والنساء. وكان يرى أن التربية تتأثر بطبيعة الطفل وبيئته، وهو بذلك يكشف عن ارتباط التربية بالسياق الاجتماعي والثقافي والسياسي للمجتمع، وهي القضية التي تشغل الفكر التربوي في الوقت الراهن. كما أنه تحدث عن الإدراك وقسمه إلى إدراك حسي يتعلق بالعالم المادي وإدراك نفسي يتعلق بالعالم الخفي.

يرى الغزالي أن للعادة والرياضة والممارسة والإرادة والجهد الإنساني دوراً كبيراً في تغيير الخلق وتعديل السلوك. وأشار إلى أن السلوك والخلق ( الطباع ) يتكونان عند المرء بتأثير الوراثة والبيئة والتربية، وهو بهذا يتفق مع وجهة النظر العلمية المعاصرة حول هذه المسألة. كما يشير الغزالي إلى دور العوامل الاجتماعية وتأثيرها في تكوين الانفعالات وذلك عن طريق المعاشرة والتربية والتقليد.

رأى أبو حامد الغزالي ضرورة مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال، وألا يؤخذ الأولاد جميعاً بطريقة واحدة، وألا يعاملوا معاملة واحدة في العلاج والتهذيب، وإنما يجب أن يختلف علاجهم باختلاف أمزجتهم وطبائعهم وأعمارهم وبيئاتهم. ( عيون السود ،1995 127،).كان يرى في التعليم وسيلة لبلوغ الكمال الإنساني الذي غايته عنده النقر التقرب إلى الله وتحقيق السعادة للإنسان في الدنيا. لدنيا والآخرة.

من أهم آراء الإمام الغزالي التربوية :

  1.  التربية من من أهم الأمور وأشرف المهن. وضرورة الاهتمام بالجانب الديني والخلقي.
  2. حماية الطفل من قرناء السوء وشغل فراغه بعمل نافع وتعويده أفضل الآداب.
  3. يقسم العلوم إلى أصول وفروع ومقدمات ويجعل دراسة اللغة والنحو من

الصفحة 39

المقدمات التي لاغنى عنها لدراسة الأصول، وهي القرآن الكريم والحديث الشريف.

  1. بيان واجبات المعلم ومنها الشفقة على المتعلمين وابتغاء الأجر من الله في التعليم(البحتري، 220،2001).


وقد أكد على العديد من الدعائم التربوية. فأكد على ضرورة فهم طبيعة التلميذ والعلاقة بين المعلم والمتعلم، وقد أرسى " الغزالي " دعائم الطرق التربوية في التدريس: بالتأكيد على ضرورة فهم المدرس الطبيعة التلميذ ونفسيته وإقامة الصلة بينه وبين المتعلم، وأن يتدرج في تعليم التلميذ من السهل إلى الصعب لكي لا يربكه. كما أكد على ضرورة الاهتمام بالترويح عن التلميذ ليخرجه من حالة الملل ويقوي جسده ويدخل السرور إلى قلبه. ( الجولاني،121،1993) .

خامساً – جهود العلامة ابن خلدون التربوية : 

تركز هنا على جهود عالم الاجتماع العربي الأول ابن خلدون ( 1332 1406– ) لأنه قدم جهداً مميزاً وكبيراً لعلم الاجتماع التربوي واهتم بوضع فلسفة تربوية مؤثرة حتى اليوم. تظهر في أعماله التربوية صفتا ( الموضوعية ) و ( الشمول ( اللتان تمتاز بهما دراسة ابن خلدون من مجرد سرد عناوين الأبحاث التي تعرض لها، فقد تحدث ابن خلدون بعدة مواضيع: 

بين من الناحيتين الاجتماعية والنفسية أن التربية ظاهرة اجتماعية في فصل من الباب السادس عنوانه : ( في أن العلم والتعليم طبيعي في العمران البشري ).

وبين أن ما ينطبق على الظواهر الاجتماعية المماثلة ينطبق على التربية في فصل عنوانه : ( في أن التعليم للعلم من جملة الصنائع ). كما بين أن التربية تتقدم بتقدم

الصفحة 40

الجماعة وتتأخر بتأخرها، وذلك ما يؤكده في فصل عنوانه : ( في أن العلوم إنما تكثر حيث يكثر العمران. وقد تحدث عن الأسس النفسية في فصول عناوينها :

  1. في الفكر الإنساني.
  2. في أن عالم الحوادث الفعلية إنما يتم بالفكر.
  3. في العقل التجريبي وكيفية حدوثه.
  4. في أن الإنسان جاهل بالذات عالم بالكسب.


وقد أشار إلى تأثير الظواهر چذ4الاجتماعية الأخرى على التربية، فبين مثلاً أثر الدين في مناسبات عديدة، منها تقديم علوم القرآن والحديث والفقه وما يتعلق بها على جميع العلوم الأخرى، ومنها بحثه فيما يجب أن يعلم للصبي في حداثة سنة، وغيرها ...

2ـ الكيان التربوي:

 كتب ابن خلدون فصولاً في :

  1. «أصناف العلوم الواقعة في العمران لهذا العهد » لم يترك فيها علماً من العلوم المعروفة في عصره إلا عرف به وبرحاله وأشهر كتبه.
  2.  ولم ينس أن ينقد الرجال والعلوم المعروفة في عصره، حتى إنه عقد فصلاً بعنوان: «في إبطال الفلسفة وفساد منتحلها » وعقد فصلاً آخر في « إبطال صناعة النجوم وضعف مداركها وفساد غايتها » وآخر « في إنكار ثمرة الكيمياء » المعروفة في عصره التي كانت تهدف إلى تحويل المعادن كلها إلى الذهب. 
  3. وحدد أغراض التأليف في فصل عنوانه : « في المقاصد التي ينبغي اعتمادها بالتأليف وإلغاء ما سواها»
  4. وتحدث عن أصول التدريس فبين : ( أن كثرة التأليف في العلوم عائقة عن التحصيل ) كما بين ( أن كثرة الاختصارات في العلوم مخلة بالتعليم ) وأضاف كذلك ( أن العلوم الآلية لا توسع فيها الأنظار ولا تفرع المسائل ).
  5. وكذلك بين رأيه في طرق التدريس حين بحث ( في وجه الصواب في تعليم العلوم

الصفحة 41

وطريق إفادته ).

  1. وعقد مقارنات جغرافية عن مناهج التعليم الابتدائي في عصره تحت عنوان ( في تعليم الولدان واختلاف مذاهب الأمصار الإسلامية في طرقه ).
  2. وكانت له ملاحظات في علم النفس التربوي من مثل ( أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم .... وهكذا.
  3. نتائج العملية التربوية :
  4.  بين أثر التربية في الفرد في فصول عديدة منها : « فصل في أن العلماء من بين البشر أبعد عن السياسة ومذاهبها » و « فصل فيمن حصلت له ملكة في صناعة فقل أن يجيد بعدها في ملكة أخرى » و « فصل في أن الصنائع تكسب صاحبها عقلاً وخصوصاً الكتابة والحساب ».
  5. بين أثر التربية في المجتمع فعقد فصلاً « في أن التعليم للعلم من جملة الصنائع » وآخر « في أن الصنائع لابد لها من المعلم ». (عرقسوسي، 1969، 19 ) 
  6. المنهجية التربوية عند ابن خلدون : ( شمس الدين، 1991، بتصرف )
  7. في الطرق التعليمية والتربوية :


يعزو ابن خلدون النتائج الحضارية المحصلة المجتمع ما إلى صناعة التعليم، ازدهاراً أو ركوداً، إقبالاً أو إحجاماً، فشلاً أو نجاحاً ، وإلى القائمين عليها، من حيث إدراكهم المبادلها وقوانينها من ناحية، ومن حيث تطبيقهم لهذه القوانين والمبادئ عملياً من ناحية أخرى. أخرى .

يضع أمامنا ابن خلدون منهجية تعليمية وتربوية، يجد فيها صواباً في تعليم العلوم ونقلها، موضحاً طرق الإفادة منها، ومن المبادئ التي يراها ضرورية هي التالية :

  1. التدرج و التكرار التصاعدي بما يناسب الطالب و الموضوع معاً : 


يشير على المعلم أن يتدرج مع الطالب بتلقينه مسائل من كل باب، هي أصول

الصفحة 42

ذلك الباب دون أن يدخل معه في التفصيل بادئ ذي بدء، ومراعياً قدرته وقابليته على فهم ما يلقى عليه وبعد ذلك، وفي مرحلة ثانية، يكون الدخول مناسباً في بعض التفاصيل لدراسة جزئيات الموضوع الأكثر ارتباطاً به.

ثم تأتي المرحلة الثالثة يبتعد المعلم عن العموميات ويخرج عن الإجمال ولا يترك عويصاً ومغلقاً إلا وضحه وفتح مقفله. وهكذا يكون التدرج بالعلم مع الطالب متعلقاً بالطالب واستعداداته من جهة، وبالموضوع ومتطلباته من جهة أخرى وفي آن واحد. فالطالب له مقدرات واستعدادات معينة على المعلم أن يعيها ويحسن التعامل معها، كما أن للموضوع أو للفن جزئيات و اختلافات على المعلم أن يراعيها أيضاً، ويتدرج في عرضها وتقديمها للطالب على النحو الذي يناسب الطالب والموضوع معاً. لأنه أدرك ) أن قبول العلم والاستعدادات لفهمه تنشأ تدريجياً ويكون المتعلم أول الأمر عاجزاً عن الفهم بالجملة).

  1. عدم إرهاق فكر الطالب والإحاطة بطبيعة هذا الفكر: 


كان ابن خلدون يدرك تماماً أن الفكر الإنساني ينمو ويتطور تدريجياً، ويتأثر بما يكتسبه من معلومات ومهارات وما يعرض له من خبرات هذه جميعها تتحكم كماً وكيفياً في سلامة هذا النمو واتجاهه سلباً وإيجاباً. لذا لزم أن تراعى في المتعلم تلك الطبيعة التي تتهيأ وتزداد استعداداً لتقبل علوم وفنون أخرى. كما تتضح عنده أهدافها ومراميها أيضاً بالتدريج، وإذا لم تراع هذه الطبيعة ( وألقيت عليه الغايات في البدايات وهو حينئذ عاجز عن الفهم والوعي وبعيد عن الاستعداد له، كل ذهنه عنها وحسب ذلك من صعوبة العلم في نفسه، فتكاسل عنه والحرف عن قبوله وتمادى في هجرانه ).

  1. عدم الانتقال من فن إلى آخر قبل فهمه :


بصرف النظر عن المرحلة التعليمية التي وصل إليها الطالب، يؤكد ابن خلدون على

الصفحة 43

المعلم ضرورة عدم نقل الطالب إلى الجديد إلا بعد التأكد من فهم ما سبقه. كأن علامتنا يدرك أن زيادة المقدرة عند الطالب، والارتقاء باستعداداته، يكونان الفهم الذي يكسبه مقدرة جديدة وملكة جديدة تساعده على الارتفاع والارتفاء ( لأن الطالب إذا حصل ملكة علم من العلوم استعد بها لقبول ما بقى وحصل له النشاط في طلب المزيد والنهوض إلى ما فوق، حتى يستولي على غايات العلم، وإذا خلط عليه الأمر عجز عن الفهم وأدركه الكلال وانطمس فكره، ويئس من التحصيل، وهجر العلم والتعليم ).

  1. النسيان آفة العلم، تعالج بالتتابع والتكرار :


 يريد ابن خلدون بمنهجه أن يربي ملكات الطالب وتربية الملكة عند الإنسان تتطلب الاحتفاظ بما اكتسبه الطالب ليكون قادراً على استحضاره عند الحاجة. وهذا يحتاج إلى زمن فالزمن عامل سلبي في الذاكرة، فيعالج هذه السلبية بالتكرار تجنباً لعدم النسيان. 

وهكذا يكون ابن خلدون قد نظر لذهن الطالب لا على أنه وعاء على المعلم ملؤه بالمعلومات، وإنما هو ملكة تنمو وتزداد استعداداً وقابلية بالتدرج، عن طريق التفهم واكتساب طرق التفكير وأعمال الذهن، بل إن تلك الملكة الذهنية ذات طبيعة لها قابلية النمو والاتساع وتكون تربيتها بما يتناسب مع قوانين هذا النمو. وعند ابن خلدون أن الاختلافات في أنظمة التعليم والتفاوت الزمني اللازم لتحصيل العلم من بلد إلى آخر أو من فرد لآخر إنما تعود إلى مدى المعرفة بقوانين ومبادئ اكتساب هذه الملكة وطبيعة نموها وطرق تربيتها.

  1. عدم الشدة على المتعلمين:


لم يخف على ابن خلدون ما للشدة والقسوة على الطالب وخاصة على المبتدئ من نتائج سلبية، وقد رأى أن العسف أو ( القهر ) يسبب إذلالاً للنفس ويؤدي إلى اللجوء للأخلاق والعادات الذميمة ) ومن كان مرياه بالعسف أو القهر من المتعلمين أو

الصفحة 44

الممالك أو الخدم حمله القهر على الكذب والخبث، وذلك يضيق على النفس في انبساطها، ويذهب بنشاطها ففي القهر مدعاة إلى الكسل، وفيه حمل على الكذب والخبث والتظاهر بغير ما في ضميره خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه ). وذاك العسف يعلم « المكر والخديعة » ويصبح ذلك بالتالي للمتعلم ( عادة وخلقاً ). هنا تلاحظ أيضاً عمق الأصالة التربوية في فكر ابن خلدون في طرحة موضوع الشدة والقسوة، وما يولدان من الأخلاق والعادات الذميمة لاشك أنه سبق عصره في طرحه المبادئ تربوية كهذه لا تطال تربية فكر الإنسان فحسب بل أخلاقه أيضاً.

  1. في المنهج التعليمي ومراحله :


يعرض لنا ابن خلدون مرحلتين من التعليم كنموذجين سائدين في عصره :

المرحلة الأولى قبل سن الرشد – تعليم القرآن :

 من نافلة القول أن القرآن بالنسبة للمسلمين هو مصدر التشريع ومحور العلوم. وهنا يشير ابن خلدون إلى أن جميع الأمصار جعلت من تعليم القرآن الركيزة أو الأساس الذي ينشأ عليه أبناء المسلمين، متوخين بذلك التعجيل في « ترسيخ الإيمان والعقائد » في فكر الأطفال ونفوسهم قبل أن تهجم عليهم العادات والأخلاق التي قد تشوش عليهم إيمانهم وعقيدتهم، لكن هذا لا يعني أن جميع الأمصار كان لها مذهب واحد أو طريقة واحدة في تعليم القرآن. فقد اختلفت مذاهب التعليم وإن كان العرض الذي ذكرناه واحداً لدى الجميع. وقد استخلص لنا ابن خلدون نموذجين من المناهج تلك،هما: 

 النموذج الأول – رأى ابن خلدون أن المسلمين في بعض الأمصار (المغرب) قد اقتصروا في تعليم أولادهم على القرآن، دون أن يلحقوا به أي ، فن فن أ آخر من العلوم، وشمل هذا المنهج الكبار والصغار على السواء، كما وجد في أمصار أخرى كالأندلس ( المشرق ) وأفريقية، منهجاً يختلف إذ ألحقوا بتعليم القرآن مع اعتباره أصلاً ومنبعاً للدين والعلوم،

الصفحة 45

بعض الفنون الأخرى كالشعر والترسل وقواعد العربية والخط والكتابة، مع المحافظة على أن يبقى القرآن محوراً للتعليم وهدفاً له، وهو النموذج الثاني. ويمكن أن نعتبر ابن خلدون بالإضافة لكونه صاحب فكر تربوي فهو أيضاً ناقد تربوي. فقد درس طرائق ومناهج التعليم السائدة في عصره وأطلق حكمه عليها.

فعند تقسيمه للعلوم جعل العلوم اللسانية ( العربية ) ، متقدمة على العلوم الشرعية لأنه ليس من المنطق بشيء أن تعالج علوم التفسير والقرآن، والحديث، بمنأى عن اللغة التي نزل فيها القرآن. لذلك كان يميل إلى تعليم القرآن إلى جانب علوم اللغة في أن واحد لعلاقتهما المنطقية والوظيفية.

المرحلة الثانية – بعد سن الرشد :

وهي مرحلة تحضير العلماء والفقهاء والاختصاصيين في علم الكلام والتفسير واللغة والحديث...

  1.  الأهداف التربوية عند ابن خلدون :

نريد هنا الكشف عن الأهداف التربوية التي سعى إليها ابن خلدون انطلاقاً من نظرته للعلم، وللمنهجية التعليمية والتربوية التي تبناها ومن خلال انتقاداته لما هو شائع في عصره من طرق وأساليب ومناهج تربوية وتعليمية، اعتبرها لا تحقق الغرض التربوي ولا الغرض التعليمي للأبناء وللأجيال فائبرى ليضع منهجية وجد بها الضالة التي يمكن أن تحقق للولدان، وللمتعلمين الأغراض التربوية والتعليمية التي تتناسب مع فلسفته ورؤيته للعمران، وللحضارة وللمجتمع، وللأفراد.

  1. تربية المَلَكات :


يقول : ( إن الملكات صفات للنفس ألوان، فلا تزدحم لا تزدحم دفعة. الفطرة كان أسهل القبول الملكات وأحسن استعداداً لحصولها ).

الصفحة 46

وهذه الملكة، سواء ( فكرية ) أو ( حركية )، هي النواة التي سوف ينتج عنها صناعة، أي صناعة سيمتهنها الفرد، كوسيلة له للارتزاق ( العيش ) من ناحية، ومن ناحية أخرى ستسهم في العمران البشري والبناء الحضاري للمجتمعات كما سبق ذكره.

والملكة كما تصورها العلامة ابن خلدون هي المهارة التي يكتسبها المرء ( في أمر فكري عملي )، إذن هي شيء لا يكون موجوداً يصبح موجوداً بالاكتساب.

طبيعة الملكات وخصائصها :

  1. الملكات تحصل بتتابع الفعل وتكراره.
  2. الملكة تتحول صناعة في أمر يشترك به الفكر إلى جانب العمل.
  3. لا تكتمل الملكة لأنها عملية وفكرية في أن إلا بالمباشرة والممارسة كونها أوعب لها وأكمل.
  4. كلما كان الأصل في اكتساب الملكة راسخاً ومتقناً، كان اكتساب الملكة أكثر رسوخاً وإتقاناً.
  5. يوجد علاقة وثيقة ( طردية ( بين اكتساب الملكة والحذق بها لدى المتعلم، وبين طرق تعلمها أي ملكة المعلم ( سند التعليم ) الذي يقوم على تعليمها

ماذا يترتب على هذه الخصائص ؟

إن إدراك ابن خلدون لطبيعة الملكات والكشف عن خصائصها قادته إلى وضع منهجية التربية الملكات وتعلمها، وهذه المنهجية هي إحدى الثمرات التي قدمها علم النفس التربوي إلى التربية الحديثة في مجال التعلم ونظرياته.

في مجال اكتساب المها المهارات يدعو علماء التربية إلى تكرار ذات الحركات في الحركات : الممارسة الحركية باعتبارها نمطاً سلوكياً مكرراً في مناسبات مختلفة. كما يدعو إلى أن تكون هذه الممارسة والتكرار تحت إشراف وتوجيه مشرف أو مدرس ما هر وقادر وعارف بمستلزمات تلك المهارة ومقتضياتها، لأنه لا يمكن الاعتماد على حفظ الأفكار أو

الصفحة 47

الحركات لاكتساب المهارة لأنها لا تكتسب إلا عن طريق العمل والممارسة المترافق مع التقدم المستمر إذا كانت الدقة في السلوك وفي الممارسة هي المطلب أولاً ويليها السرعة في الأداء والمهارة. فإن التكرار المنفتح بعدل ذلك السلوك ويؤدي به إلى الكمال.

وعن أهمية المعلم ودوره في اكتساب المهارة وتربية الملكة، فقد أعطته التربية الحديثة القيمة العظمى بكل المراحل التي تستلزمها عملية التعلم : من تكرار وتقويم ودقة وأولويات وتنظيم وحداثة، وأثر.. لذا يجب أن يكون المدرس واعياً لجميع المهارات أو الملكات التي يريد غرسها في نفوس طلابه أي عازماً للغرض الذي يسعى إليه.

وتقدم أن هناك علاقة طردية وثيقة بين اكتساب الملكة والحذق بها لدى المتعلم وبين جودة التعليم وملكة المعلم ( سند العلم).

وهكذا يكون ابن خلدون في إطار نظريته التربوية، قد التفت إلى متطلبات العملية التعليمية منذ المراحل الأولى للمتعلم، واضعاً للمعلم وللمتعلم على السواء الأسس العلمية والموضوعية، لاكتساب الملكة التي سوف تغدو فيما بعد الصناعة التي تجعل منه الفرد المحقق لذاته الصالح لمجتمعه القادر على كسب عيشه بصناعته التي تحدد قيمته ( إن صناعة المرء هي قيمته، أي قيمة عمله الذي هو معاشه ( مذكراً بقول الإمام علي : قيمة كل امرئ ما يحسنه.

  1. اكتساب الصناعة :


لا بد أن يكون لكل فرد صناعته التي هي وسيلته لكسب قوته. وحفظ حياته ليلبي الجانب الفطري عنده كحافز للبقاء وللعيش بأمان، ومتعاوناً من خلالها مع أبناء مجتمعه، بالمشاركة حيناً والمبادلة حيناً آخر.

وبعد أن يصنف ابن خلدون أمهات الصنائع، وما يناسب منها كل نوع من أنواع المجتمعات أو العمران ( البدوي والحضري ) يكون في نفس الوقت يشير على المرء إلى ما هي الصناعات الشريفة والضرورية، وأين ومتى تزدهر تلك الصناعة، ومتى يكثر طالبوها

الصفحة 48

وتروج بضاعتها ومتى العكس إلى آخره من تصنيفات ومستلزمات كل صناعة. وما تطلبه من طاقات وإمكانيات، ومتى يتولد عنها ( عقلاً فريداً ) لتكون بالتالي عاملاً حاسماً في ازدهار الحضارة والعمران البشريين.

وأما كون الصناعات التي كانت في فترة في عمر العمران والحضارة هي المحرك والدافع بهما إلى الأمام، وهي نفسها تتحول في مرحلة أخرى إلى عامل هدم ومؤشر النهاية عمر العمران ومؤذنة بفساد المجتمع، فإن لابن خلدون تعليله في ذلك في إطار نظريته في الحضارة، وفي العمران، وفي التربية ويقدم لنا الصورة التالية لهذا التحول المتوقع : كثرة العمران تؤدي إلى زيادة المكوس وبالتالي إلى الغلاء. وتكثر النفقات على الكماليات والزخرفة والصناعات التي لا طائل لها، ولتلبية هذه الحاجات لدى الأفراد والجماعات ذات التكاليف الباهظة والمرتفعة يدعوهم إلى اللجوء إلى: ( المغامرة والغش والسرقة، والجور في الأعيان والرياء في المبيعات )، ويصبح أهل تلك الحضارة وذلك العمران أكثر علماً بطرق الفسق ومذاهبه.. ويموج بحر المدينة بالسفلة من أهل الأخلاق الذميمة.. ويجاريهم الكثير من الناشئة والولدان ممن أهمل تأديبهم وأهملت إعدادهم الدولة.

إن حضارة المجتمع عندما كانت في مرحلة ازدهارها وأوجها، كانت وسائل الكسب والصنائع يتحلى أصحابها بالخلق المحمود والمرغوب، تتحول هذه الأخلاق نتيجة الترف والحضارة نفسها إلى خلق ذميم وفاسد فيخرج الإنسان في نظر ابن خلدون عن طبيعته كإنسان، ويصبح عاجزاً عن جلب منافعه ودفع مضاره، ويفتقد استقامة الخلق في السعي في كسب رزقه، وما هذه الحال التي تحول لها إلا نتيجة فقدان الخلق والمربى في القهر في التأديب والتعليم ) فهو لذلك عيال على الحامية التي تدافع عنه، ثم هو فاسد في دينه غالباً بما أفسدت منه العوائد وطاعتها .. وإذا فسد الإنسان في قدرته ثم في أخلاقه ودينه، فقد فسدت إنسانيته وصار مسخاً على الحقيقة ).

هذه هي العلة التي قدمها لنا ابن خلدون لتهاوي الحضارة وانحلال المجتمع، الذي

الصفحة 49

يؤذن بدوره بانتهاء العمران وبفساده. إنها سنة الحضارة وقانون العمران البشري ( العمران كله من بداوة وحضارة وملك، وسوقه له عمر محسوس ).

إن المربى السليم والتنشئة الصائبة عند تعليم الصناعة منذ البداية، بالإضافة إلى إتقانها حتى يكسب ملكتها، تلك الصناعة التي ستكون المورد المشروع الرزق الفرد، كفيلة بأن تجعل المرء قادراً على حلب منافعه ودفع مضاره واستقامه خلقه للسعي في ذلك، كفيلة بأن تجنبه التواكل، وتحفظ عليه أخلاقه ودينه فيغدو قادراً على المساهمة في بناء حاضر الأمة، ومشاركاً في قيام المجتمع بشكل إيجابي وليس العكس كما هو الحال عندما تؤذن الحضارة بالفساد.

لهذا تجد ابن خلدون يربط هذا جميعه في ( سند العلم ) أي المعلم، الذي بانعدامه تنعدم الصناعة في قطر من الأقطار، وبالتالي تبدأ الحضارة بالتراجع والتقهقر. لا يعني هذا أن الصناعة أي صناعة، بل الصناعة التي أرادها بعد حصول ملكتها وأكسبت صاحبها عقلاً حتى ليكاد يستحيل في نظره على من اكتسب صناعة أن يجيد صناعة أخرى غيرها.

هذه هي الصناعة التي أرادها ابن خلدون لمكتسبيها نوعاً وكيفاً، وهكذا سعى ابن خلدون لأصحاب الصناعات أن يكونوا من الحذق والمهارة والتفنن. ليسهموا إسهاماً إيجابياً في بناء الحضارة، ويشاركوا مشاركة بناءة في العمران البشري.

  1. البناء الفكري السليم :

يقدم ابن خلدون للمتعلم المقدمة التالية التي سوف تعينه في فهم الفكر الإنساني .. ) وذلك أن للفكر الإنساني طبيعة مخصوصة، فطرها الله كما فطر سائر مبتدعاته، وجدان وحركة للنفس في البطن الأوسط من الدماغ، تارة يكون مبدئاً للأفعال الإنسانية على نظام وترتيب، وتارة يكون مبدئاً لعلم ما لم يكن حاصلاً بأن يتوجه إلى المطلوب. وقد يصوّر طرفيه ويروم نفيه أو إثباته، فيلوح له الوسط الذي يجمع بينهما أسرع من لمح

الصفحة 50

البصر إن كان واحداً وينتقل إلى تحصيل وسط آخر إن كان متعدداً، ويصير إلى الظفر بمطلوبه ). 

إذن هذه هي الطبيعة الفكرية التي تميز بها البشر من بين سائر الحيوانات، والمنطق في نظره ليس إلا صناعة فكرية، للكشف عن كيفية فعل هذه الطبيعة الفكرية، وكونه أمراً صناعياً يمكن الاستغناء عنه في أكثر الأحيان ويستشهد بالكثير من فحول النظار في الخليقة يحصلون على المطالب دون هذه الصناعة، ولكن يشترط فيه (حسن النية والتعرض الرحمة الله تعالى فإن ذلك أعظم معنى ).

فإذا رجعنا إلى كيفية تكوين العقل التجريبي التي عرضها ابن خلدون، تجده لم يختلف عن آراء الفلاسفة المحدثين وعلماء التربية. إذ أن الطفل يولد وعقله صفحة بيضاء. وأن الحواس هي منافذه على العالم الخارجي التي عن طريقها يتصل ويتعرف على هذا العالم.

وكون هذا الكائن يختلف عن سائر الخلق بالفكر لابد أن يكون لهذا الفكر وظيفة وماهية تجعل أفعال البشر وسلوكهم تختلف عن أفعال الحيوان وسلوكه، وتتحلى هذه الخاصية بانتظام الأفعال وترتيبها، والكشف عن المفاسد والمصالح، عن الضار والمفيد، عن الحسن والقبيح، وذلك بما ينشأ عن الفعل الناتج عن تجربة صحيحة، وعوائد معروفة بينهم ) فيفارقون الهمل من الحيوانات وتظهر عليهم نتيجة الفكر في انتظام الأفعال وبعدها عن المفاسد ).

كيف تحصل هذا في نظر ابن خلدون ؟ 

إنها لا تبعد عن الحس، ولا تحتاج إلى بعد تفكير، بل كلها تدرك بالتحرية، وبالرغم من أن الحواس والتجربة لا تقدم سوى الجزئيات، هنا يقوم الفكر الإنساني بوظيفته الطبيعية التي ذكرنا، فيربط بين هذه الأجزاء ويوجد العلاقة بين طرفين أحياناً أو عدة أطراف أحياناً أخرى. وهذه التجربة نامية ومتصاعدة كل بحسب خبراته وثروته

الصفحة 51

التجريبية. إنه يقول : ( إن هذه المعاني لا تبعد عن الحس كل البعد، بل كلها تدرك بالتجربة وبها يستفاد ).

وإن كان عمر الفرد لا يتسع لكل هذه التحارب وهذا ما انتبه إليه ابن خلدون. فإن ما أتاحه الله للبشر من ( الآباء، والمشيخة الأكابر ولفن عنهم ووعى تعليمهم، يستغني عن طول المعاناة في تتبع الوقائع واقتناص هذا المعنى من بينها ).

مصدران في البناء الفكري :

الأول : التجربة المباشرة، واستخلاص الحكم والمعرفة عن طريق التجربة، وهذا ما ألح عليه ابن خلدون في بناء المعارف السليمة، خاصة في اكتساب الصناعات المركبة التي تشتمل على الجانبين النظري والعملي إذ لابد لها من المباشرة بالحواس والممارسة الفعلية والمتكررة التكسب ملكة وعقلاً.

الثاني : الآخرون، المعلمون ( أنبياء، مشايخ علماء ... ) عن طريق التقليد.

نری ابن خلدون قد أعطى المصدر الثاني الأهمية القصوى لما يوفره على المتعلم من زمن ووقت وجهد ) ومن فقد المعلم في ذلك والتقليد فيه أو أعرض عن حسن استماعه واتباعه، طال عناؤه في التأديب بذلك ؛ فيحري في غير مألوف، ويدركها على غير نسبة فتوجد أدابه ومعاملاته سيئة الأوضاع بادية الخلل، ويفسد حاله في معاشه بين أبناء جنسه ).

وإذا كان الفكر لا ينتقل إلى مرحلة العقل التميزي إلا بعد مروره بمرحلة العقل التحريبي الذي يكون سابقاً عليه ومتقدماً عنه، فإن التجربة، التي تبدأ بالملاحظة، وتمر في الـ مرحلة وضع الفروض، ثم التحقق من صحة أحد هذه الفروض، ثم الانتقال إلى مرحلة التعميم هذا هو التفكير العلمي كما افترضه دعاة التفكير العلمي الذي يقوم على المشاهدة والملاحظة لينتقل إلى التجربة، والحكم والتطبيق.

وإذا كان علماء التربية المحدثون نادوا بالرجوع إلى الحواس، وإلى معالجة المواد

الصفحة 52

مباشرة دون وساطة من أجل التعلم منها وبها، لتتحول الإحساسات على أفكار كما قال المربي جان جاك روسو : ( لا تقدموا للطفل أبداً خطباً لا يستطيع سماعها، ودعوا الوصف والبلاغة والمجاز واكتفوا أن تعرضوا عليه الأشياء في حينها، لتتحول إحساساته إلى أفكار ) أو كما قال المربي بستالوزي : ( إن هذا الطفل لا يريد أن يكون بينه وبين الطبيعة شيء ). إنها الدعوة للعودة إلى التعلم بالأشياء نفسها، عن طريق المباشرة والحواس، ليكون البناء الفكري سليماً وصحيحاً، وإن ابن خلدون تجده قد سبق هذا وذاك، طالباً من المتعلمين والمعلمين على السواء أن يمارسوا ويباشروا ويجربوا، مستعينين بحواسهم قبل أفكارهم ليكسبوا ملكة المعرفة التي أرادها لهم حين يقول: ( اعلم أن الصناعة هي ملكة في أمر عملي فكري، وبكونه عملياً هو جسماني محسوس، والأحوال الجسمانية المحسوسة نقلها بالمباشرة أوعب لها وأكمل، لأن المباشرة في الأحوال الجسمانية المحسوسة أتم فائدة ).

بهذا نجد أن ابن خلدون عالم اجتماعي مبدع النظريات تربوية حقيقية ولا تزال قائمة ومهمة في عصرنا اليوم، فهو يتجاوز مفهوم التربية الفقهي الديني ليدخل في محال التربية الحياتية لصناعات الناس وحاجاتهم حسب زمنه التاريخي، وحسب حاجات المجتمع الذي عاش فيه ابن خلدون وتحدث عنه.

قدم ابن خلدون في علم العمران البشري نظرية علمية في نشوء المجتمعات وتطورها وزوالها وهنا في علم الاجتماع التربوي أوضح مذهباً متكاملاً في تعليم المتعلم وفي مجال التربية عموماً بما يناسب الحضارة الإنسانية اليوم ويغنيها ... من فيلسوف تربوي كما هو فيلسوف اجتماعي.

سادساً – التطور اللاحق لعلم الاجتماع التربوي :

إن اهتمام علماء الاجتماع بالتربية بعد قديماً قدم علم الاجتماع نفسه، كما أن

الصفحة 53

الفكرة القائلة بأن التربية هي نظام اجتماعي مهم وعملية حيوية في التنمية الاجتماعية ظهرت في أعمال الكثير من علماء الاجتماع، كما أن تحليل النظم التربوية والمنظمات ذات الصبغة التربوية بهدف المساهمة في تطوير « علم الاجتماع العام » أو « النظرية الاجتماعية » هو شيء في حد ذاته قد أسهم في فهم التربية كنظام وكعملية اجتماعية. كان هذا الاتجاه ينمو تحت طابع علم الاجتماع العام.

ولم يكن الرواد الأوائل من علماء الاجتماع ملزمين بالإصلاح الاجتماعي وتطوير علم الاجتماع العام، إذ أنهم نظروا إلى التربية على أنها إحدى الوسائل الرئيسية لهذا الإصلاح والتقدم، كعمل من خلاله يمكنهم تطوير مركب من المعرفة في علم الاجتماع لذا كانت أغلب بحوث هؤلاء العلماء مثل روسو ولستر ورد... تحتم بدور التربية أو المعرفة في عملية الإصلاح الاجتماعي بالتحديد الضبط الاجتماعي Social Control التي هي إحدى قضايا علم الاجتماع العام.

مقابل هؤلاء العلماء نجد علماء آخرين مثل ستورت في شابين وتشارلز كولي قد عالجوا قضايا أخرى مثل النمو الاجتماعي للشخصية، مع الاهتمام بالتربية عاملاً مرتبطاً بهذه العملية من مثل هذه الدراسات والمواقف نما البحث في الأسس النظرية المجردة لعلم الاجتماع التربوي.

ولقد أثر هذا حتى في نمو علم الاجتماع العام، حيث نجد أن علم الاجتماع المقام على الاستدلال والفلسفة، قد استبدل يعلم اجتماع يعتمد على الوقائع العملية، وهذا يرجع إلى ازدياد المؤيدين لمذاهب الشك، الذي هو نفسه نمى بسبب أثر الآراء الجامعية فيما يتعلق بالبحث العلمي الموضوعي بعد القرن التاسع عشر.(الحوات،329،1979).

وما إن جاءت سنة 1922 حتى اعترف معظم علماء الاجتماع في اجتماعاتهم

الصفحة 54

السنوية بميادين دراسية مختلفة من بينها البحث في التربية كظاهرة اجتماعية، وعلى أي حال أن الذي ساعد في الاعتراف بالتربية كظاهرة اجتماعية هو حضور رجال التربية لهذه الاجتماعات السنوية لعلماء الاجتماع.

وبالنسبة لعلماء الاجتماع الذين طوروا اهتماماً خاصاً في التربية، فإن ما يميزهم عن غيرهم من الذين ربطوا علم الاجتماع بالتربية، كان ولاؤهم الحقل علم الاجتماع وليس الحقل التربية، كما أن بحوثهم لم تراع التقاليد العملية في التربية أو حاجة المربين، وإنما ظهرت طبقاً لتقاليد وأحوال البحث في علم الاجتماع، وهذا الموقف في حد ذاته يجب أن يفهم في ضوء إطار العلاقة بين العلم والإصلاح، إضافة إلى ذلك فإن هذا الموقف كان الأساس للآراء حول أدوار الباحثين في التربية وحول نوع الجماعات التي كانت تحتم بآراء علماء الاجتماع الذين يقومون بهذا النوع من البحث والاستقصاء.

 إن هذا النوع من البحث يمكن وصفه بأنه دور نظري مجرد دون أي اهتمام محدد بالمشاريع الأخلاقية أو المشاريع العلمية التطبيقية، وبمعنى آخر فإن هؤلاء العلماء لم يحددوا لأنفسهم أي « دور عمل » عندما يقومون بدراسة المشكلات التربوية، كما يرتبط هذا الموقف بمنهج أو طريقة الأدوات التي ترى أن من واجبها عندما تبحث مشكلات التربية أن تقدم معلومات موضوعية على أساسها تقام البرامج التنفيذية والنشاطات الإصلاحية في التربية، لعرض نظرة مجردة فقط دون أن تحتم بما سيترتب عن نتائج بحوثهم من جوانب تطبيقية وهذا الموقف يمكن وصفه أيضاً بالبحث الأساسي، أي أنه يجب على العالم ألا يأخذ أي دور فعال في تطور علم مجرد في الاجتماع التربوي على أساسه تأتي مؤسسات أخرى غير محددة تقوم بدور الإصلاح والتنفيذ، وهنا تبدو الفائدة من معرفتهم وجهودهم النظرية المجردة في التربية كالبحث في أ في أي مشكلة اجتماعية أخرى . (الحوات،330،1974).

استخدم مصطلح علم الاجتماع التربوي للمرة الأولى في الولايات المتحدة

الصفحة 55

الأمريكية عام 1910 علماً يدرس في المعاهد على يد البروفسور هنري سوزالو . واستخدم هذا المصطلح فيما بعد هذا التاريخ علماً مستقلاً، وما إن جاء عام 1914 إلا وصار هناك نحو 16 جامعة أمريكية تدرس مواد بعنوان علم الاجتماع التربوي، في حين كان هناك نحو (60) ) جامعة في أمريكا تدرس علم الاجتماع العام وفروعه المختلفة.

وفي عام 1923 تم تأسيس وتنظيم الجمعية الوطنية لدراسة علم الاجتماع التربوي لتقوم هذه الجمعية بإصدار كتب ودوريات. ومع مرور الأيام صار علماء الاجتماع المهتمون بالتربية يلتقون في اجتماعات سنوية باسم فرع علم الاجتماع التربوي للجمعية الأمريكية لعلم الاجتماع.

وكان تدريس علم الاجتماع التربوي يتأرجح بين الازدهار والتراجع، وذلك لاستبدال بعض المؤسسات التربوية من كليات التربية ومعاهد المعلمين تدريس مواد اجتماعية بأسماء أخرى بدلاً من اسم علم الاجتماع التربوي.

ورغم ذلك استمر تدريس هذا العلم في المعاهد العليا في الجامعات، وصارت تعطى بهذا العلم الدرجات العلمية العليا في الماجستير والدكتوراه، ولا يزال علم الاجتماع التربوي يدرس في الجامعات الأمريكية والأوربية ولكن دخوله للجامعات العربية جاء متأخراً. ( عفيفي، 21،1971).

وكمحصلة لتطور المجتمعات الإنسانية، وتقدم العلم والمعرفة في مختلف المجالات والمواضيع العلمية، كمحصلة لكل ذلك جاء علم الاجتماع التربوي كعلم يصف ويفسر أثر الأنظمة، وأثر العمليات والعلاقات الاجتماعية في شخصية الفرد وهذا العلم التطبيقي ظهر كفرع من فروع علم الاجتماع ليبحث في المؤسسات التربوية المختلفة والمدارس، والمعاهد والكليات والجامعات داخل البناء الاجتماعي العام، وليسهم بدور إيجابي في تقدمه وتطوره. وبعبارة أخرى – إن هذا العلم الاجتماعي التربوي يهدف إلى الكشف

الصفحة 56

عن العلاقات بين العمليات التربوية، وإبراز أصل العملية التربوية ظاهرة اجتماعية لها وظيفة أساسية في المجتمع وعلم الاجتماع التربوي كسائر العلوم الاجتماعية يدرس الإنسان عندما يدخل مع إنسان آخر في علاقاته، وتعامله الإنساني في الإطار التربوي بمعنى أن علم الاجتماع التربوي هو «العلم الذي يختص بدراسة الإنسان حينما يدخل في علاقة مع إنسان آخر في إطار تربوي يهدف إلى تكوين الخبرة، أو المعرفة، أو الثقافة أو التعليم أو التدريب .. أي العلاقات بين تلميذ وآخر، أو بين تلميذ ومعلم، ثم بين التلاميذ والمعلمين، وبين كل من في المؤسسة التربوية، والنظام التربوي عامة، وبين كل من في هذا الإطار التربوي والمؤسسات الاجتماعية الأخرى في المجتمع الكبير ( الحوات،84،1979) .

يعتبر " جون ديوي " (1859-1952) في نظر الغرب أول من دعا إلى ضرورة الربط بين المدرسة والمجتمع باعتبار أن النظام التربوي التقليدي لم يعد صالحاً لمستجدات الحياة في عصره، ودعا المربين ورجال التربية والتعليم إلى أن يجعلوا من المدرسة البيت الثاني للطفل، وذلك بربط المدرسة بحياة الطالب اليومية في المنزل وفي الجوار وفي المجتمع المحلي والعمل على جعل المدرسة قادرة على تلبية الاحتياجات العامة والأهداف المشتركة للمجتمع المحلي الذي تنتمي إليه... إضافة إلى ما طرحه جون ديوي)، فقد أشار كل من (هيرس) و (سكوت) و (باترك) و (وليم سميت إلى أهمية ربط التربية المدرسية بالمحيط الاجتماعي للمجتمع المحلي، ودعا البعض منهم إلى ربط التربية بعلم الاجتماع، واعتبر أن التربية التي لا تقوم على الفلسفة الاجتماعية لا تحقق العلمية للتربية. من جهة أخرى نجد أن " اميل دوركهايم " أول من اهتم من علماء الاجتماع بدراسة التربية ظاهرة اجتماعية، واعتبر التربية الأداة التي تحقق التجانس بين أعضاء المجتمع، وتعمل على استمرارية التكامل الاجتماعي من خلال القولبة الاجتماعية ( الثبيتي، 1995، 19 ).

في تصنيفه للنظريات التربوية المعاصرة يرى (وطفة ) أنها تعتمد على أربعة معايير

الصفحة 57

أساسية هي :

  1.  الاعتبارات الذاتية للمتعلم : حيث تركز النظريات التربوية المثالية والروحانية عامة على أهمية العنصر الذاتي والروحي في المتربي.
  2. الاعتبارات الاجتماعية : يركزون على أهمية البعد الاجتماعي وأولويته في بناء نظرياتهم التربوية. فالتربية هي نتاج للتفاعل الاجتماعي وهي في النهاية تجسيد الطابع الحياة الاجتماعية.
  3. المضامين التربوية للتعليم ( المواد والأنظمة ) : يغطي هذا الجانب معطيات النظريات الأكاديمية التي تولي العمليات المعرفية أهمية خاصة.
  4. التفاعل التربوي بين العناصر المختلفة ( بين المعلمين والمتعلمين وتكنولوجيا الاتصال والمجتمع ).

يؤكد المنظرون التكنولوجيون على أهمية التفاعل بين الذات والمجتمع والمضامين ومن ثم فإن الإنسان يمكن أن يعرف بوصفه نتاجاً للمعلوماتية وأنه يغتدي بعطاءات وسائل الإعلام، أما النظريات السيكو معرفية فتؤكد وبشكل جوهري على أهمية التعليم البنيوي الذي يعتمد على معطيات علم النفس التعليمي، وتركز النظريات السيكو معرفية وبشكل خاص على أهمية العوامل الثقافية والاجتماعية في عملية التدريب والتعلم. (وطفة، مجلة المعلم العربي، 2002، 50 ).

الصفحة 58



الفصل الرابع: تعريف التربية وخاصيتها الاجتماعية

أولاً – التربية عملية تنشئة منهجية للجيل الجديد

ثانياً – تعريف التربية

ثالثاً– خاصية التربية الاجتماعية عند دركهايم

رابعاً– مدخل در كهايم لتفسير الأنساق التربوية

الصفحة 59

وظفت كلمة التربية قديماً، لتغطي دلالة تتصف بطابع الشمولية. وتشير إلى جملة التأثيرات التي تمارسها الطبيعة أو الناس في عقولنا وفي إرادتنا على حد تعبير ميل « على كل ما نفعله نحن بأنفسنا، وكل ما يفعله الآخرون من أجلنا وذلك بهدف الاقتراب من تحقيق كمالنا الخاص بطبيعتنا .. ومن البين أن ذلك التعريف يجمع بين أمور متناقضة إلى حد كبير، ولا يمكن لنا بسهولة أن تجمع بين هذه العناصر في إطار واحد دون أن نقع في مصائد التداخل.

كما يكمن هدف التربية عند كانت (1724-1804) « في تحقيق صورة الكمال الممكن عند الفرد الإنساني »

وإن التعريف المهمة الذي يحدد التربية بوصفها العمل الذي يهدف إلى تحقيق سعادة الإنسان وسعادة الآخرين » يبدو لنا تعريفاً يفتقر إلى الكفاية الموضوعية.

حاول هربرت سینسر (1820-1903) أن يلامس الانتقادات التي توجه عموماً إلى النتائج التي تقود إليها هذه التعريفات للتربية، فهي تنطلق من مسلمة أساسية تؤكد وجود تربية مثالية كاملة تناسب جميع الناس بلا تمييز، وهي بالتالي تربية شمولية وحيدة، يسعى المنظرون إلى تعريفها.

فالتربية في التاريخ تتغاير بلا حدود مع تغاير الزمن والبلدان فالتربية اليونانية. واللاتينية كانت تسعى إلى إعداد الفرد الذي يخضع اعتباطاً لإرادة الجماعة. ففي أثينا كانت التربية تسعى إلى إعداد عقول نيرة فطنة متوازنة قادرة على تذوق الجمال ..... وهدفت التربية في روما إلى تحويل الأطفال إلى رجال فعل وعمل وإلى تنمية الحماسة في نفوسهم، وتعزيز حب الانتصارات العسكرية.... في العصر الوسيط التربية كانت تربية مسيحية قبل كل شيء. وبدأت في عصر النهضة أن تكون علمية وأدبية بدرجة كبيرة .... وهذا كله يعني أن التربية ليست شيئاً مثالياً، إنها متغيرة بتعاقب الأيام ... (دركهايم، 1992 بتصرف)

الصفحة 61

إن فهم التربية لا ينحصر في مجرد دراسة علاقتها بالظروف الاجتماعية والثقافية والسياسة، ولا بمجرد النظر إليها من خلال التعليم المدرسي أو من خلال مادة التعليم ومناهجه أو تخصصاته أو المعرفة التربوية وأهدافها، ذلك يرجع لكونها عملية واسعة تتصل بحياة الإنسان والمجتمع وثقافته. فالتربية بذلك تتغلغل في مختلف نواحي حياتنا وتؤثر فيها. وفي ظروف المجتمع وأوضاعه وأحواله كما أنها تؤثر بغيرها من النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية، وبذلك لا يمكن أن تكون التربية مجرد حادثة عارضة في حياة الفرد والمجتمع وإنما هي ذات طابع دائم ومتكرر.

وانطلاقاً من ذلك يمكن تعريف الظاهرة التربوية بأنها كل ضرب من ضروب السلوك ثابتاً كان أم غير ثابت يمكن أن يباشر نوعاً من الإلزام الخارجي على الأفراد بمعنى أن الظاهرة التربوية بمثابة السلوك الذي عم في المجتمع بأسره وكان ذا وجود خاص مستقل عن الصور التي يتشكل بها في الحالات الفردية .. ولذلك فإن للظاهرة التربوية خصائصها التي تتميز بها عن غيرها من الظواهر لأنها رغم عموميتها وتكرار حدوثها في المجتمعات البشرية، إلا أنها تتسم بعدة سمات من أهمها النسبية، حيث تتأقلم مع أشكال الثقافات وتغيراتها في المجتمعات المختلفة وعبر العصور المختلفة. « إنها تتسم بالنسبية حيث تغير نمطها وأسلوبها يتغير الثقافات والمجتمعات إلا أن تغيرها هذا لا يغير عموميتها. وذلك لأن هذا النمط السلوكي يوجد في مختلف المجتمعات وفي مختلف العصور وإن كان بصورة معينة تناسب الطابع الثقافي والاجتماعي للمجتمع » ( الجولاني، 1993، 192).

وكذلك تجد أن الظاهرة التربوية وحدت بشكل أكبر في المجتمعات البسيطة وعلىنطاق الأسرة، وإضافة لذلك فهي تتصف بصفة العمومية وهي تاريخية مرت عبر التاريخ بتحولات كثيرة وقد اتسمت أيضاً بسمات الجبر والإلزام.

الصفحة 62

لقد وجدت التربية في المجتمعات الأولية البسيطة وإن كانت بصورة غير رسمية كما أنها كانت عملية تتم في نطاق الأسرة ثم تغير أسلوبها ومضمونها وأهدافها بتغير الفترات التاريخية والنماذج الاجتماعية للمجتمعات، غير أن تغيرها لا يعني أنها لا تتمتع بصفة العمومية. وذلك لأنها تتغير من حيث الأسلوب أو الوظيفة فقط. كما أنها تاريخية بمعنى أنها محصلة تراكمات تاريخية وأنها بذلك تتسم بالتلقائية، وإن كانت الظاهرة التربوية بالإضافة لما سبق أن أشرنا إليه من خصائص تتمتع بصفة الجير والإلزام.

أولاً – التربية عملية تنشئة اجتماعية منهجية للجيل الجديد :

إن الكائن الاجتماعي لا يوجد كمعطى أولى في بنية الإنسان الفطرية، بل يعود وجود ذلك الكائن إلى المجتمع الذي كونه وصقله وأودع فيه القوى الأخلاقية، فالطفل عندما يدخل إلى الحياة، لا يحمل سوى طبيعته الفردية، والمجتمع يجد نفسه بالنسبة لكل جيل جديد، أمام صفحة بيضاء يقول دوركهاته : « إن هدف التربية، عند كانت وميل و هير بارت كما عند سينسر هو قبل كل شيء تحقيق النمو الأمثل للملكات الفردية الخاصة بالنوع الإنساني، والعمل على إيصال هذه الملكات إلى أعلى درجة من الكمال الممكن ».

قبل إن التربية تعد الطفل من أجل الوطن ولكنها من غير شك تعده من أجل الإنسانية، وباختصار كان هناك تعارض بين هذه المفاهيم : التربية الاجتماعية والتربية الإنسانية، وبين المجتمع والإنسانية.

لقد استطاع منطق دوركهايم أن أن يتعالى على كل التعارضات من هذا النوع. إذ لم تكن لديه أبدا، بوصفه مربياً، أي نزعة لإعطاء الغايات القومية أهمية على حساب   الغايات الإنسانية للتربية.

ولكل أمة في العصر الراهن نزعتها الشمولية واتجاهها الإنساني الخاص الذي تجد

الصفحة 63

فيه أصالتها. فدوركهايم يحدد التربية بوصفها تنشئة اجتماعية للطفل.

لقد واجهت واقعية دوركهايم في نهاية الأمر، مقاومة تحت اسم المثالية. ويمكن أن يوجه اللوم إلى دوركهايم لأنه أهمل العقل وقلل شأن الجهود الإنسانية الفردية.

عند دوركهايم التربية ظاهرة اجتماعية، وهي ظاهرة توجد في كل مجتمع، وتتوافق مع تقاليده وعاداته ومع أنظمته الصريحة أو الضمنية، وذلك في إطار محدد من المؤسسات. 

فعلم اجتماع التربية يسعى إلى معرفة التربية كظاهرة اجتماعية، وهو لا يتداخل مع النشاط الانفعالي للمربي، أو مع نظرية التربية التي تقوم بتوجيه النشاط التربوي، وتعني بذلك بأنه لا يسعى إلى تحقيق الغايات نفسها التي تسعى إليها التربية، بل وعلى خلاف ذلك، إنه يقترح هذه الغايات، وذلك لأنه يلاحظها.

ولا يعترض دوركهايم أبداً أن يشكل علم النفس ركيزة لعلم التربية بالمعنى الواسع للكلمة، إذ يمكن لعلم النفس وحده، باستناده إلى البيولوجيا والطب أن يدرك لماذا يحتاج الطفل إلى التربية؟ وما الذي يميزه عن الراشد؟ كيف يتشكل وكيف تنمو أحاسيسه؟ وعلم نفس الطفل الذي يرتبط بعلم النفس العام، يتكامل مع علم النفس التربوي، ويمثل أحد الاتجاهات التي يمكن من خلالها للعلم أن يباشر التربية بالدراسة.

من أجل أن نعرف التربية، يجب علينا أن ننطلق من دراسة الأنظمة التربوية القائمة، وأن نقارب بين هذه الأنظمة، لتحديد السمات الأساسية التي تشكل القاسم المشترك بينها. وذلك لأن تحديد هذه السمات المشتركة والجمع بين أطرافها يمكن له أن يشكل التعريف الذي ننشده ونسعى إليه.

حيث يمكن القول، لا يوجد مجتمع لا يكون فيه لنظامه التربوي القائم جانبان: فهو واحد ومتعدد في وقت واحد. إن هناك أنواعاً مختلفة من التربية بقدر ما يوجد هناك من أوساط اجتماعية مختلفة في إطار المجتمع الواحد. إذ يوجد تباين كبير بين الثقافة التي

الصفحة 64

يتلقاها الفرسان والثقافة التي كان يتلقاها الفلاحون.

فالتنوع الأخلاقي المهني، لن يترك الحبل على الغارب لتنوع تربوي كبير مواز له. إذ تشكل كل مهنة في واقع الأمر، وسطاً يتطلب قدرات خاصة ومعارف محددة، وبما أنه يجب إعداد الطفل للقيام بوظيفة محددة، فإن التربية في مستوى عمري معين، لا يمكن لها أن تكون واحدة للذين تباشرهم كافة.

إن التناقض الناتج لا يقوم على أسس اللامساواة غير العادلة، ولكنه ليس أكثر من ذلك. ومن أجل العثور على تربية متجانسة عادلة على نحو كامل، يجب علينا أن نعود إلى مجتمعات ما قبل التاريخ، والتي لا يوجد فيها أي تباين أو اختلاف.

وبالنتيجة فإن كل مجتمع يقوم بتحديد صورة مثالية للإنسان، أي ما يجب أن يكون على المستوى العقلي والفيزيائي والأخلاقي، إن هذه الصورة المثالية تتحدد ببعض المعايير، وهي المعايير نفسها بالنسبة لأي مواطن، مع أن هذه الصورة تتباين في بعض المستويات، وفقاً لتباين الأوساط الاجتماعية التي يشتمل عليها مجتمع ما.

ومثل هذه الصورة المثالية للإنسان تتصف بالوحدة والتنوع في آن واحد، وتشكل في الوقت نفسه، محور العملية التربوية، حيث تعمل التربية على التأثير في الجوانب التالية عند الأطفال :

  1.  الحالات الفيزيائية والعقلية التي يراها المجتمع ضرورية.
  2. بعض الحالات الفيزيائية والعقلية الخاصة بالفئة الاجتماعية التي ينتمي إليها الأطفال التي تعد ضرورية بالنسبة للأفراد الذي ينتمون إلى الجماعة.

فالمجتمع كل متكامل، وأي تكوين اجتماعي في داخله، معني بتكريس الصورة المثالية المرسومة، والعمل على تحقيقها عن طريق التربية، فالمجتمع لا يستطيع الاستمرار إلا إذا كان هناك حد أدنى من التجانس بين أفراده (روسو، 1956، بتصرف) وفي الحال الذي لا يستطيع المجتمع أن يصل إلى درجة من التطور الذي يؤدي إلى

الصفحة 65

إزالة التقسيم الطبقي الاجتماعي، فإن المجتمع يعمل على إيجاد تربية جديدة تنطلق من أسس مشتركة.

ثانياً – تعريف التربية :

وبناء على ما تقدم، يمكن لنا أن تصل إلى التعريف التالي للتربية وهو : التربية هي الفعل الذي تمارسه الأجيال الراشدة على الأجيال التي لم ترشد بعد من أجل الحياة الاجتماعية، وهي تعمل على خلق مجموعة من الحالات الجسدية والعقلية والأخلاقية عند الطفل وتنميتها. وهي الحالات التي يتطلبها المجتمع بوصفه كلان متكاملاً والتي يقتضيها الوسط الاجتماعي الخاص الذي يعيش فيه الطفل.

يمكن النظر إلى التربية باعتبارها موضوعاً أساسياً لعدد من النظم العلمية الرئيسية التي تحتم بفهم السلوك البشري، مثل علم الاجتماع وعلم النفس وعلم الاقتصاد وعلم السياسة ... ونظراً لأن التربية تشكل أحد الموضوعات الرئيسية لتلك العلوم فقد خصصت لها فروع مستقلة لدراستها وفهم أبعادها كنظام أكاديمي أو نظام اجتماعي أو عملية اجتماعية، وإذا كان علم النفس يسلم بالمجتمع ويتخذ من الفرد مدخله لفهم السلوك، في حين أن علم الاجتماع يسلم بالفرد ويتخذ من المجتمع وظواهره مدخله لفهم السلوك البشري، فإن علم النفس التربوي ينطلق من مدخل علم النفس في تناوله للتربية. أما علم الاجتماع التربوي فإنه ينطلق من مدخل علم الاجتماع في تناوله للتربية كظاهرة اجتماعية اجتماعية و وكنظام اجتماعي يرتبط بالنظم الاجتماعية الأخرى وكعملية اجتماعية تسهم في إعداد الشخصية وتشكيلها وتنمية قدراتها وتهيئتها للاستجابة التكيفية في المواقف الاجتماعية المختلفة في المجتمع.

يُعرَّف علم الاجتماع التربوي في قاموس التربية بأنه من فـ من فروع علم الاجتماع يطبق التكتيكات والمعرفة السيسولوجية على المشكلات التربوية في مجال العلاقات البشرية

الصفحة 66

وهذا المجال ينحصر في :

  1. المجتمع المحلي والعلاقات المدرسية.
  2. دور المدرس في المجتمع والمدرسة.
  3. دور المدرسة في المجتمع.
  4. العوامل الاجتماعية التي تؤثر في المدرسة.
  5. مردودات الممارسات التربوية المعاصرة على الطلبة.
  6. تعديل محتوى المنهج وتطويره استجابة للضغط الاجتماعي.
  7. فهم ثقافتنا واتجاهاتها الاجتماعية في علاقتها بالمؤسسات الرسمية وغير الرسمية.
  8. مدخل العملية التربوية للجماعة وفائدة البحث والتفكير النقدي لتعريف الأهداف التربوية وتحديدها.(الرشدانج، 1991، 76 ).

نجد من هذا التعريف أن علم الاجتماع التربوي يستند إلى الأسس المنهجية لعلم الاجتماع في دراسته للظاهرة التربوية، إضافة لذلك فإنه يسعى لتطبيق هذه المعرفة السيولوجية، أي تطبيق نظريات علم الاجتماع على المشكلات التربوية، في مجال العلاقات البشرية، بمعنى أنه في دراسته للمشكلات التربوية يستند إلى الأساس النظري والمنهجي لعلم الاجتماع، وبذلك يحدد التعريف مجالات الدراسة في علم الاجتماع التربوي بحيث يشمل الأنساق التربوية ونظمها ومؤسساتها والوظائف الاجتماعية المرتبطة بها سواء بالنسبة للمجتمع أو المجتمعات المحلية أو أجيال التلاميذ. وعرف أيضاً بأنه العلم الذي يصف ويشرح النظم والجماعات والعمليات الاجتماعية، أو بمعنى آخر العلاقات الاجتماعية التي يكتسب الفرد في سياقها شخصيته، وأن هذا العلم يحاول تطبيق المبادئ والقواعد الاجتماعية على العمليات التربوية المختلفة. ويبين لنا التعريف أن التربية تقوم على تحقيق التنشئة الاجتماعية المنهجية للأجيال الصغيرة. إن مجموع هذه الأفكار والعقائد والممارسات يشكل الكائن الاجتماعي. ويكمن هدف التربية في بناء هذا

الصفحة 67 

الكائن الاجتماعي، وهنا بالذات تكمن أهمية التربية وخصوبة فعلها، حيث إن هذا الكائن ليس ميالاً بفطرته إلى الخضوع إلى السلطة السياسية.

إن الطفل يدخل إلى الحياة، وهو لا يحمل سوى طبيعته الفردية. وهكذا فإن المجتمع يجد نفسه دائماً في مواجهة أجيال جديدة يجب عليه أن يشكلها من جديد أخلاقياً واجتماعياً. وهنا تكمن المهمة الكبرى للعملية التربوية التي يمكن لنا أن نقدر عظمتها وأهميتها، حيث تسعى إلى خلق كائن جديد، هو الكائن الاجتماعي.

من أجل ذلك كله تسعى التربية إلى تطوير هذه القدرات وإلى تحقيق درجة عالية التطوير طبيعة الإنسان نفسها، وإلى الانتقال بالفرد إلى حالة الكمال النسبي، وذلك في اتجاه ما يريده هو بنفسه، أو بقدر ما يستطيع أن يصل إليه تحت تأثير المنافسة الاجتماعية.

لكن ما يظهر جلياً، هو أن التربية تستجيب لضرورات الحياة الاجتماعية قبل أي شيء آخر. وهذا ما يحدث حتى في المجتمعات التي تفتقر إلى الكفاءات العالية، وهي الكفاءات التي تتوزع بشكل متباين وفقاً لتباين المجتمعات.

إنه لا أهمية للخصائص الجسدية الفيزيائية في هذه المجتمعات وذلك لأن حالة الوسط الاجتماعي للخصائص تكرس في الوعي الجمعي النزعة إلى التقشف، فإن التربية الجسدية تستبعد إلى الدرجة الثانية. وهذا ما يمكن ملاحظته في مدارس العصر الوسيط ومع ذلك كان التقشف ضرورياً، لأنه كان يمثل الطريقة الوحيدة للتكيف مع صعوبات الحياة في ذلك العصر.

 وبالتالي فإن هذه المفاهيم الأساسية جميعها توجد في حالة دائمة من التطور: فهي نتاج وخلاصة للأعمال العلمية، يضاف إلى ذلك أنها تشكل نقطة البداية، ونحن في عصرنا هذا، لا ننظر إلى الإنسان، والطبيعة، والأسباب، كما كان ينظر إليها في العصور الوسطى، ذلك لأن معارفنا ومناهجنا العلمية، ليست هي نفسها التي كانت سائدة في

الصفحة 68

العصور الوسطى. فالعالم عمل اجتماعي.

ثالثاً - خاصية التربية الاجتماعية عند دركهايم :

إن المعارضة بين الفرد والمجتمع، وهي فكرة غالباً ما حظيت بالقبول، على نحو واسع، فكرة لا تتوافق أبداً مع معطيات الواقع بل على خلاف ذلك، أن هذين المفهومين يتداخلان ويترابطان فالفرد الذي يريده المجتمع يبحث عن ذاته. والفعل الذي يمارسه المجتمع على الفرد، عن طريق التربية، لا يهدف أبداً إلى إفساد الفرد، أو إلحاق الضرر به، بل على العكس من ذلك تماماً، إنما يسعى إلى تحقيق نمود وازدهاره ورقيه الاجتماعي وأن يجعل منه إنساناً حقاً. ومن غير شك، فإن الفرد لن يستطيع أن يحقق نموه ما لم يبذل قصارى جهده من أجل ذلك، والفعل الإرادي الذي يقوم به الإنسان من أجل ذلك، بعد بحق إحدى سماته الجوهرية.

والواقع أن نظرة دوركهايم للتربية باعتبارها شيئاً اجتماعياً وحقيقة اجتماعية هي التي أثرت على اتجاهه في تحديد أهداف التربية وربط تلك الأهداف بصورة التكامل الاجتماعي في المجتمع سواء أكان هذا التكامل قائماً على التجانس كما في المجتمعات الأولية أم على التنوع والاختلاف كما في المجتمعات الحديثة (دركهايم، 1992 بتصرف).

يذهب دوركهاتم إلى أن التربية تأخذ أشكالاً مختلفة ومتعددة وذلك بتعدد الوسط الاجتماعي واختلاف المجتمع، على ضوء ذلك تحددت ملامح العلاقة الوظيفية بين التربية والتكامل الاجتماعي في المجتمع سواء من حيث درجة التجانس والتشابه التي توفرها للمجتمع أو من حيث التنوع والتعدد، وبالثاني تكون التربية في نظرة دوركهايم هي وسيلة التنظيم ذات الفرد وذات المجتمع أن تنظيم (الأنا) و (النحن) في وحدة مكتملة المعنى وقائمة على استيعاب قيم المجتمع وذلك لأن استيعاب القيم والنظم في نظر دوركهايم

الصفحة 69

يكونان لدى الطفل الحدس الاجتماعي لمجتمعه، وإن التربية التي تقدم للطفل من خلال البيت والمدرسة ... تستهدف غرس عادات المجتمع ومعتقداته في الطفل، وما ذلك إلا لأن البيت والأسرة يمثلان المجتمع في نظر دوركهاتم، ومن ثم ينظر إلى التربية على أنها تنشئة اجتماعية الجيل الصغار الذين يكتسبون عن طريقها مقومات تكاملهم مع الجماعة، والمشاعر الجمعية والتربية بذلك على نحو ما أشار إليه في كتابه « قواعد المنهج في علم الاجتماع » هي الجهود المتواصلة التي تفرض على الطفل طرائق لتشكيل الرؤية والشعور والفعل، والتي لا يمكنه الوصول إليها بصورة تلقائية، وبذلك يذهب دوركهايم إلى أن هدف التربية إحداث التغيرات الثقافية ودعم تكامل المجتمع وإكساب الفرد العادات والتقاليد السائدة في مجتمعه (الجولاني، 141،1993) « يرى دوركهايم أن الإنسان الذي تود التربية أن تحققه فينا ليس الإنسان كما خلقته الطبيعة وإنما الإنسان كما يريده المجتمع أن يكون » ( ناصر، 34،1992)

يشير دوركهايم بصورة أكثر دقة خصوصاً في مجال تربية الصغار والأطفال فيقول : النظام هو الوسيلة الوحيدة التي تتيح لنا القدرة لتعليم الطفل السيطرة على رغباته وشهواته، وأن يضع قيوداً عليها وأن يحدد من خلال هذه القيود الهدف من سلوكه، فوجود القيود في رأي دوركهايم هو شرط السعادة والصحة الأخلاقية، ويضيف قائلاً إن الأفراد مزودون بالاستقلالية ولكنه نمط فريد وغير قياسي يقوم على أن يفهم الطفل الأسباب التي تدعو إلى فرض أشكال معينة من السلوك وأن تتحول إلى أن تكون رغبة خاصة له، أي يقبلها طائعاً مختاراً، وأن يكون اختياره قائماً على الفهم. 

ويستطرد دوركهايم قائلاً : جميع أنواع التربية تنحصر في ذلك المجهود المتواصل الذي يرمي به أخذ الطفل بألوان من الفكر والعاطفة والسلوك التي ما كان يحصل عليها لو ترك وشأنه، وبيان ذلك إننا تضطره منذ حداثته للأكل والشرب والنوع في ساعات معينة وتوجب عليه النظافة والهدوء والطاعة ثم تحيره على التعليم وعلى مراعاة حقوق

 الصفحة 70

الآخرين وعلى احترام العادات والتقاليد كذلك توجب عليه العمل وغير ذلك من الأمور». (دركهايم،36،1950)

ثم يتابع دوركهاتم في التربية مجيباً عن سؤال لماذا لا يشعر الطفل بصفة الإلزام والقهر من كل هذه الأمور، ويرجع سبب ذلك إلى « أن الالتزام يخلق لديه شيئاً فشيئاً بعض العادات والتقاليد والميول الداخلية التي تجعل الالتزام عديم الجدوى وهذه العادات لا تحل محل الإلزام إلا أنها تصدر عنه ». (دركهايم، 37،1950)

والآن إذا ما نظرنا إلى التربية من منظور دوركهايم فإن أي تساؤل حول التنظيم والعمليات التربوية، يصاغ دائماً في سياق وظيفة النسق التربوي، ومثالنا على ذلك بالنسبة للتربية وعلاقتها بعملية التنشئة الملائمة للفرد، ويتم ذلك من وجهة نظر دوركهايم بالنظر إلى التربية كقوى محافظة ومحققة لتكامل المجتمع.

رابعاً – مدخل دوركهايم لتفسير الأنساق التربوية :

هنا يدور التساؤل حول ما إذا كانت وظائف النسق التربوي تعمل على نقل القيم التحقيق التضامن والتكامل أكثر من تحقيقها للتمايز، وبذلك يمكن لنا هنا أن نعالج النسق التربوي بالإجابة عن الأسئلة التالية:

  1. ما الذي يتم تعلمه في المدارس (المناهج) ؟
  2. ما مسؤوليات المدرسين ( دور المدرس ) ؟
  3. ما غرض التلميذ في المدرسة ( دور التلميذ ) ؟
  4. كيف يرتبط التلميذ والمدرس بعضهما ببعض العلاقات المتبادلة فيما بينهم)؟
  5. ما الذي يتم تعلمه في المدرسة ؟ (المناهج)


إن ارتباط المدرسة بالعقل الجمعي ويكونها بناء وظيفياً يجعل محتوى المناهج الدراسية ومضمونها محققاً لوظائفها المتعلقة بنقل ثقافته لأعضائه وتنشئتهم، وبذلك تكو الوعي الجمعي للمجتمع، بتحقيق قدر المعرفة المتضمنة في المناهج لخدمة الوعي الجمعي للمجتمع، بتحقيق قدر

الصفحة 71 

من المماثلة بين الأعضاء، ودعم عوامل التخصص والتنوع التي يقوم عليها التكامل في المجتمع الحديث.

ومن ثم تكون المناهج جزءاً من ثقافة الوعي الجمعي، ولذلك فهي تختلف من مجتمع إلى آخر ومن عصر إلى آخر، وذلك لأن المجتمع يحدد نمط الشخصية التي يرغبها ويرسم معالمها لنا. (الجولاني، 1993، (173)

  1. ما مسؤوليات المدرسين ؟ ( دور المدرس )


في ضوء تلك النظرة يكون دور المدرس محدداً على أساس :

  1. أن يغرسوا روح الجماعة ومسؤولياتها لدى التلاميذ.
  2. تمكين التلاميذ من التعرف على الأهداف المجتمعية والقيم السائدة، ولذلك يكون دور المدرس في العمل على إعادة تنشئة التلاميذ وتزويدهم بالخبرة المتعلقة بالاهتمامات الجمعية.
  3. تنمية وتعميق المهارات التي يحتاج إليها المجتمع لدى التلاميذ ليؤدي وظيفته، والتي تساعد التلاميذ على أن يعيشوا في المجتمع، والمدرس بذلك مطالب لأن يحقق المتطلبات المجتمعة لدى أعضائه، وهو بذلك يسعى لدعم النموذج الأخلاقي للمجتمع لدى التلاميذ، ولهذا هو مطالب أن يقدم قواعد المجتمع كما تفضلها القوى الأخلاقية بالنسبة للتلميذ لا كما يؤديها شخصياً، وهو بذلك لا يستطيع أن يحركها أو يعدل فيها، ولكنه مطالب بتطبيقها كما هي سائدة وكما تلزمه، وتلزمهم في مجال الممارسة والأداء لدورهم في المجتمع. وبذلك لا يكون للمدرس أي دور في تعديل أو تحوير مضمون المنهج. كما أنه لا يستطيع أن يقدم إسهاماً شخصياً بالنسبة للمعلومات التي يقدمها ولكنه مطالب بأن يكون ملتزماً بما يقره المجتمع بالنسبة للتلميذ ( الجولاني، 1993، (174) 
  4. ما غرض التلميذ في المدرسة ؟ دور التلميذ :


الصفحة 72

ينظر دوركهايم إلى التلميذ إلى كونه صفحة بيضاء ينتظر أن يملأها المجتمع وذلك لأن الطفل يأتي إلى الحياة بطبيعته الفردية فقط ومن ثم يتولاه المجتمع ويقدم له الأنا الاجتماعي والنسق الأخلاقي للحياة الاجتماعية، وهذا عمل التربية في نظر دوركهايم. (الجولاني ، 175،1993).

فالطفل الصغير تنقصه المعرفة والخبرة في الحياة، ولهذا فإنه يحتاج إلى معرفة ما يريده في المجتمع، لذلك فإن عملية التنشئة التي يخضع لها التلميذ تساعده على تقبل القيم الاجتماعية العامة على أساس فهمها، وعليه فإن التنشئة المدرسية إذ لم تعمل على أن تنهض أو تقوم على هذا المبدأ فإنها سوف تنتج الشخص المتعلم الذي يعرف أخلاقيات وسنن الثقافة العامة دون أن يكون قادراً على أن يشكل معها كلاً واحداً، وبذلك يشكل أكبر خطورة على مجتمعه الذي يعيش فيه ويتفاعل مع أفراده وبالتالي ينعكس ذلك أيضاً على نفسه.

  1. العلاقات المتبادلة بين التلميذ والمدرس ؟


في ضوء تلك الأدوار التي يقوم بها كل من المدرس والتلميذ في أثناء العملية التربوية التعليمية، نجد أن تلك العلاقات المتشابكة فيما بينهم في المدرسة تنهض على أساس ثلاثة عناصر يتخذ منها عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركهايم أداة تصورية لتحليل تلك العلاقة القائمة بين كل من المدرسين والتلاميذ في الدراسة وعليه تتمثل هذه العناصر التصورية الثلاثة في :

  1. كون المدرسين شركاء مسيطرين بحكم خبرتهم.
  2. كون المدرسين ممثلين للدولة.
  3. إن المدرسين ممثلون لنسق القيم العام.

يشير العنصر الأول إلى أن هؤلاء المدرسين لهم وضعهم الطبيعي على تلامذتهم بحكم خبرتهم ومنزلتهم الرفيعة التي ينظر التلاميذ من خلالها إلى أساتذتهم، فهم بسبب

الصفحة 73

كونهم كذلك يؤثرون كثيراً على تلاميذتهم، فهم يشكلون قدوة لهم بحركاتهم وسكناتهم وأحاديثهم ومعلوماتهم.

أما العنصر الثاني فيشير إلى أن الفصل يشكل في نظر إميل دوركهايم كمجتمع صغير الأبعاد والمدرس هو الرئيس على أفراده الذين هم التلاميذ وهو مكلف للتعامل معهم بحكمة، وهذا ما عناه دوركهايم بأنه يجب ألا يتصرفوا كما لو كانوا مجرد تجمع بسيط فقط لذوات مستقلة إحداهما عن الآخر، ويعود سبب ذلك إلى أن العلاقات الشخصية بين المدرس والتلميذ في المدرسة ينبغى أن تكون مصاغة بصورة تحقق التجانس والتفاعل المتبادل والقائم على التعاون.

أما العنصر الثالث فيشير إلى أن القوة التي تحكم وتحدد العلاقات المتبادلة بين المدرسين والتلاميذ ليست قوة شخصية فسلطة المدرس وإذعان التلميذ لا تعرف بواسطة اهتمامات شخصية، ولكنه محكوم من خلال الرجوع للنسق التربوي الذي يحدده دور كل من المدرس والتلميذ طبقاً لعلاقات الثقافة الجمعية ومعتقداتها ». (الجولاني، 176،1993).

لقد ركزنا في هذا الفصل على إميل دوركهايم لأنه أعطى علم الاجتماع التربوي جهداً خاصاً واعتبره أساسياً في علم الاجتماع محدداً بدقة مكانة التربية في البناء النظري العلم الاجتماع خاصة في كتابة « المجتمع والتربية » إن التربية عند دوركهايم، نتاج حياة الناس مع بعضهم وضرورة من ضرورات الحياة الاجتماعية. يقول : « الأفكار والعادات هي التي تحدد النموذج التربوي السائد، لسنا نحن الذي تقوم بإعداده على المستوى الفردي. إذ أنه في نهاية الأمر، نتاج للحياة المشتركة، وتعبير عن الضرورات الأساسية للحياة الاجتماعية. وهو في المحصلة نتاج لنشاط الأجيال السابقة. لقد أسهم تاريخ الإنسان برمته في إيجاد هذه التراكمات التي توجه التربية المعاصرة، وإذا كان تاريخنا قد ترك لمساته فإننا لا نستبعد بالإضافة لذلك الأثر الذي تركه تاريخ المجتمعات التي سبقتنا في

الصفحة 74

الوجود. وذلك هو حال الكائنات العليا التي جاءت نتاجاً لتطور الحياة البيولوجية » (1992، Durkhiem) .

من أجل إعطاء فكرة واضحة عن بنية الفعل التربوي وعن قدراته، قام أحد علماء النفس المعاصرين «كوبيو » بمقارنته بالتنويم المغناطيسي، ولا يمكن لهذه المقارنة أن تكون من غير أساس علمي.

يقتضي الإيحاء المغناطيسي، في الواقع، وجود شرطين أساسيين هما :

  1. حالة المنوم المغناطيسي الذي يوجد في حالة استثنائية من السلبية المفرطة.
  2. الفراغ الذهني لا يمكن أن يكون مطلقاً، وهذا يعني أنه يجب على الفكرة المراد إدخالها أن تكون مشحونة بطاقة إيحائية خاصة.

إن هذين الشرطين يوجدان في إطار العلاقة بين المربي والطفل :

  1. فالطفل يوجد في حالة بالغة السلبية، يمكن مقارنتها مع حالة المنوم مغناطيسياً، الذي يكون وعيه خالياً إلا من بعض التصورات التي يمكن لها أن تناضل ضد الأفكار الموحى بها. إن إرادة الطفل تعاني من الشلل والقصور، وهي قابلة للإيحاء بدرجة كبيرة، وللسبب نفسه فإن الطفل مهياً لعملية تقليد عفوية وشاملة.
  2. المكانة العالية التي يحتلها المعلم بالقياس إلى التلميذ، والتي تتمثل في تفوقه المعرفي والثقافي والذي يعطي لفعله قدرة هائلة على النفاذ، وهي القدرة الضرورية له، من أجل تحقيق الفعل التربوي . 

إذا كان الفعل التربوي يشتمل، حقاً، وفي أدنى حدوده ومستوياته، هذه الفعالية المشابهة، فهو يسمح لنا أن نحقق أموراً كثيرة، وذلك بشرط وجود إمكانية الاستفادة من ذلك وتوظيفه بشكل جيد .

وكما يقول " هيربارت" أنه ليس بالتوبيخ، واستخدام العنف تتم تربية الطفل،

الصفحة 75

وكلما ابتعدنا أكثر فأكثر عن ذلك، استطعنا أن تؤثر فيه بدرجة أكبر.

إن التربية يجب أن تكون بالضرورة، شيئاً ذا طبيعة سلطوية. التربية تسعى إلى أن تخلق في الفرد الذي يولد لا اجتماعياً كائناً جديداً اجتماعياً. حيث يجب عليها أن تجعلنا نتجاوز حدودنا الفطرية : ذلك هو الشرط الأساسي الذي يسمح للطفل أن يغدو راشداً.

الصفحة 76



الفصل الخامس: القيم والمجتمع

أولاً – تعريف القيمة

ثانياً – العلاقة بين القيم والمفهوم

ثالثاً – منشأ القيم ووظائفها

رابعاً – جوانب القيم

خامساً – تصنيف القيم

سادساً – التغير الاجتماعي والقيم

سابعاً – الشباب والقيم الاجتماعية

ثامناً – الإنسان والقيم

الصفحة 77

تتصدر القيمة مكاناً رفيعاً في أحاديثنا المعتادة وجوانب سلوكنا اليومية كما تشغل مساحة فسيحة من موضوعات البحث في العلوم الاجتماعية، وتحظى بأهمية خاصة في الدين والفن والفلسفة. وهي لانزال مفهوماً مراوغاً ومثيراً للخصومة الفكرية.

 أولاً- تعريف القيمة Value :

القيمة كلمة ذات معنى غامض يصعب تعريفها، وينشأ غموض معناها عن لا ماديتها، فهي وإن كانت شرطاً في كل وجود، ونظاماً يلازم الوجود ليست من محال الوجود، إنها بعيدة عنه بقدر ما هي قريبة منه، وإن كنا لا نستطيع تعريفها فهذا لا يمنعنا من محاولة التعرف بها، وأن الإنسان يرغب ويتطلع ويحلم ويبحث وقد يحب ويريد... فإذا اتفقنا على تسمية غاية كل من هذه الميول بالقيمة فإن كل شيء يصير قيمة بالنسبة للإنسان لأن كل شيء يمكن أن يصير موضوعاً للميل (ميمون، 1980،31). حتى إن ( بوبر ) يعرف القيمة بقوله : « القيمة بأوسع معانيها هي أي شيء خيراً كان أو شراً ». الإباحية ترى أن القيمة كلها في لذائذ الجسم، والمادية تراها في الإنتاج والاقتصاد، والنزعة العلمية ترى كل القيم في العلم، والعقلانية في العقل، والصوفية في الدين.

ويبدو أن العلم هو الذي له المكانة العليا بين هذه القيم التي لها السيادة في عصرنا والتي يؤمن بها الناس الناس ويكفر بما آخرون فهو الذي يرجع إليه كل داعية لتسويغ دعاويه وإثباتها، وهو الذي يمنحه الناس ثقتهم ويعتمدون عليه في كل شأن لهم لأن أسسه متينة، وهو مصدر كل تقدم حققته الإنسانية. ومع هذا فالعلم وعلى الرغم من سلطته التي يتمتع بها في ثقافة عصرنا هو قيمة تتعرض كغيرها من القيم للانتقاد، إذ بدا للمفكرين أنه مهما كانت دعائمه وانتصاراته : بناء إنساني يقع تجاوزه باستمرار، ولا يقدم للناس السعادة المطلقة التي يتطلعون إليها. فالعلم أداة يمكن أن تكون وسيلة لكل خير كما

الصفحة 79

يمكن أن تكون أداة لكل شر.

كل فعل حر وواع لابد أن يستهدف غاية تعتبر أفضل من الغايات الأخرى، لذلك يشتمل على حل ضمني لتفضيلات قيمية.

 وتخلّقُ الأفعال يعني التساؤل عما إذا كان المشروع الذي يخطر ببالنا وننوي تحقيقه شرعياً من الناحية الأخلاقية؟ أو إذا كان القرار نتخذه متماشياً مع الواجب كما نتصوره ؟ أو إذا كان السلوك الذي نقوم به يتفق ومبدأ الخير كما نراه ؟ وهل تتطابق هذه الأفعال مع قيمنا المرغوبة ؟

فكل مفكر أخلاقي يحاول أن يكتشف قيمة عليا يعتمد عليها لوضع سلم بالنسبة للقيم الأخلاقية الأخرى وتحديد الاختيار الخلقي وتقويم الأفعال.

إن الحيوان مدفوع بغرائزه ، بينما الإنسان على العكس من ذلك يتردد في غالب الأحيان بين أفعال عديدة، ويتصرف بصفة إرادية بعد أن يتساءل عما يجب فعله، وبعد أن يتصور الأفعال الممكنة ويفاضل بينها.

إننا نشعر بذواتنا ونحس بأن أفعالنا تابعة لنا، وإن كل الأفعال ليست متساوية القيمة. وعلى هذا الأساس لا يهمنا فحسب معرفة العالم وإصدار أحكام واقعية تتعلق بالظواهر، بل يهمنا أيضاً أن نفعل ونعرف ما السلوك الأفضل من بين السلوكات الممكنة، لذلك نضطر إلى إصدار أحكام قيمية على أفعالنا.

لذلك نبحث عن مصدر الأخلاق وكل بناء أخلاقي لابد أن يرجع إلى القيم التي خيرها معايير للسلوك وإلى الأصل الذي تنبع منه.

تحدد القيم اختيارات الفرد وقراراته؟ وكيف يمكن قياسها؟ ونشأتها ... إلخ ؟

كما يمكن من خلال دراسة القيم في مجتمع من المجتمعات تحديد الإيديولوجية أو الفلسفة العامة لهذا المجتمع . فالقيم ما هي إلا انعكاس للأسلوب الذي يفكر به الأشخاص في ثقافة معينة وفي فترة معينة، كما أنها هي التي توجه سلوك الأفراد

الصفحة 80

وأحكامهم واتجاهاتهم فيما يتصل بما هو مرغوب فيه أو مرغوب عنه من أشكال السلوك في ضوء ما يضعه المجتمع من قواعد ومعايير » ( خليفة، 1992، 17).

ثانياً – العلاقة بين القيم والمقوم :

الإنسان هو الكائن الوحيد الحامل للقيمة والغاية، وهو الكائن المؤهل بما يحمله لأن يكمل به نظام وجوده.

فللقيمة وجودها الموضوعي نسبياً، وعلى هذه القيمة يعيش الإنسان في سلوكه وأحكامه، لأن القيمة هي العنصر الرئيسي للحياة الأخلاقية وكأنها بحث عن التوازن الأكمل بيننا وبين ذواتنا من جهة، وبيننا وبين الآخرين من جهة أخرى.

فالإنسان لا يفكر بحكم إلا والقيمة متمثلة في ذهنه لأن الفعل الإنساني القيمي محکوم بشبكة العلاقات الاجتماعية التي يكون طرفاً منها فالمجتمع هو المرجع الأول في صحة أو خطأ الأحكام القيمية. (خرطبيل، 1980،39)

فالقيمة لا تحتفظ باستمراريتها كنموذج إلا إذا رعاها المجتمع وتبناها حتى لو أنكرها بعض أفراده، أما إذا غير المجتمع أو طور في معنى القيمة وحافظ بعض الأفراد على معناها السابق فإن أشكال سلوكهم تصبح شاذة ولو كانت صحيحة.

إن علاقة القيمة بالمقوم علاقة دائمة زمنياً ولكنها كثيراً ما تكتسب معاني إضافية من الحامل نفسه، وهذا الحامل الإنساني للقيم قد ينكر وجودها في بعض الأحيان، ومثال ذلك الوضعيون المناطقة الذين أنكروا وجود قضايا أخلاقية، وبالتالي القيم الأخلاقية بحجة أن القضايا الأخلاقية لا تقول شيئاً سوى أنها تعبير عن عواطف البشر ورغباتهم وانفعالاتهم الآنية والظرفية ؛ لكن الحقيقة القيمية تناهض أرباب المذهب الوضعي فعندما يحلم البشر بالخير والشر أو الحق والباطل بشكل دائم لا يكون الحلم للحظة أو ظرف ثم يزول فهناك أحكام وقيم كانت منذ مئات السنين ولا تزال، وهذا

الصفحة 81

يدحض مذهب الوضعيين بآنية وظرفية القيم (خرطبيل، 1980،93)

والعلاقة بين القيم والمقوّم علاقة وشيجة وهي علاقة وجود، إذا غاب أحدهما غاب الآخر بالضرورة وبوجودهما معاً يتشكل الحكم القيمي، فالعدل قيمة والحكم بموجبه عادل والكرم قيمة والحكم بموجبه كريم ... إلخ.. وعليه فإن القيمة أياً كانت درجتها فضيلة اجتماعية يتصف بها الكل أو الجزء أو البعض فهي مواكبة للحياة الاجتماعية والشخصية وهي تظهر دائماً في السلوك الإنساني عبر جميع القطاعات النفسية والبيولوجية والاقتصادية والاجتماعية والدينية.. وليست القيمة كما ادعى البعض بأنها حالة نفسية فردية فقط .. بل هي فردية واجتماعية بذات الوقت، لإننا إذا ما وافقنا دعاة الوجودية من أن القيمة ليست إلا حالة نفسية فردية، فإننا لا نستطيع تفسير كل القيم، وكذلك كيف ستفسر عندها قيمة حب الوطن أو الولاء أو الوفاء وغيرها من القيم الجماعية الاجتماعية.

فالقيمة وإن كانت في تمظهرها الشخصي حالة نفسية، إلا أنها مشتركة بين الجميع، والمجتمع هو الذي وهبها تلك الصورة لتظهر النفس على حالتها التي كونها هو أصلاً في شخصيات أفراده (جمعة، 1997،94)

ثالثاً – منشأ القيم ووظائفها :

القيم أحكام إنسانية :

إن سعي الإنسانية للكمال يبقى المنبع الأساسي للقيمة، ذلك ولما كان كل شخص يطرح قيماً خاصة به فإن تجاوز ما هو فردي يطرح القيم المطلقة، فالفرد المنعزل لا يعرف عالم القيم، وإنما تكون هذا العالم نتيجة لالتقاء الإرادات حول غايات معينة، فمجرد الاجتماع لا يعني ولادة القيم وإنما تتولد نتيجة لالتقاء هذه الإرادات، فالقيمة لا تنبع من المنفعة أو من انفعالات معنية.

القيمة تعود في أصلها إلى ما تواضعت عليه الجماعات البشرية فما جاء من سلوك

الصفحة 82

موافقاً لها أقرته، وما جاء غير موافق نبذته، ثم أخذت القيمة معاني جديدة كلما ارتقت أشكال النشاط البشري بحيث كانت القيمة تأخذ شكلاً جديداً يسعى إليه كلما اقترب المجتمع من تحقيق المعنى السابق.

وهنا نحن نتفق مع ( كومبز) بأن القيمة هي هذا الجدل الحي من النهائي. إلى غير النهائي، هي هذا التجاوز وهذا الاحتواء الذي يغلف الحدود في لا حدود القيمة. (جمعة، 98،1997).

من هنا كانت المجتمعات ولاتزال تطور منظومتها الأخلاقية والحقوقية والجمالية.. وهذا التطور كان يأتي دائماً بما يتوافق وطبيعة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي أنتجها هذا الشعب أو ذاك، ولذلك فإننا نجد اختلافاً في الرؤية وفي تفسير القيم بين الشعوب.

إن القيم تستمد معانيها ومشروعيتها ومصداقيتها من الوجود الاجتماعي التاريخي الحامل لذات الهوية، ومع أن بعض القيم قد ملئت بمضامين جديدة وأخذت أيضاً تفسيرات جديدة مختلفة عن تلك التي كانت لها أصلاً، فإن ذلك لا يعني أن هذه القيم قد زالت واندثرت بل يعني أن المجتمع قام بمنح ذات القيم معاني جديدة توافق طبيعته الجديدة وعلاقاته الاجتماعية الاقتصادية الجديدة... فالقيم كالثقافة بنية فوقية تحتم عليها أن تتجدد إذا ما تبدلت أو تطورت البنية التحتية.

أي أن القيم خاضعة للتغير إذا ما تغير حاملها، وإن أي تغيير في القيم غالباً ما يكون تحولاً في مرتبة القيم وتدرجها أكثر من خلق قيم جديدة وتضعف القيم السائدة ويحل محلها قيم أخرى من تغيراتّها.

أما بالنسبة لوظائف القيم وأدوارها في المجتمع فيكاد يتفق معظم الباحثين على أن للقيم وظائف إيجابية سواء على الصعيد الفردي في تحقيق التوازن النفسي، أو على الصعيد الاجتماعي، في تحقيق الانضباط والتماسك الاجتماعي، ويمكن أن نلخص

الصفحة 83

مهمة القيم على الشكل التالي : (خرطبيل، 1980،100- 104بتصرف).

  1. القيم تعمل على تحقيق نوع من التماسك الاجتماعي.
  2. تسهم في خلق الوحدة النفسية للفرد وتحقيق التوازن والتكامل في شخصية الفرد. فالقيم منها الحافز الدائم للفرد والمجتمع للنهوض بذواتها باتجاه الأعلى والأمثل، إنها كما يقول يوسف كومبز ) : ما ينهض في ذواتنا بمطالبتنا، وأيضاً باجتذابنا، إنها ما يرغمنا وما ترغب به رغبة رفيعة.
  3. للقيم دور وقائي فهي تحمي الفرد والمجتمع من كثير من المظاهر والأحوال المرضية.

فالقيم تؤدي أدواراً وتقوم بعدة وظائف فهي سبب وجود وضابط وجود لشيء جديد أو موجود وهي كما يقول الدكتور عادل العوا في كتابة "القيمة الأخلاقية" إن القيمة تحقق بنية الكون الذي نحياه بالفعل فهي العنصر الأساسي والرئيسي للحياة الأخلاقية، فالقيمة عبارة عن أداة لابد منها لتحقيق الانسجام مع المجتمع والقيم هي امتداد للفرد والمجتمع لأنها البعد الإنساني الأسمى لها.

فنحن حين نتعرف على القيم السائدة فإننا نرى المجتمع من خلالها وهذا ما أشار إليه " غي روشيه " بقوله : إن الانتماء إلى القيم يرمز بدوره إلى الانتساب إلى مجتمع معين.

كذلك تمنحنا القيم المدروسة قدرة على تحديد العصر الذي سادت فيه وإن بقيت القيم بنفس التمثل نسبياً والاشتراك في الفهم والمعنى وأخذت كذلك بعدها المستقبلي وإلى يومنا هذا. ومثال ذلك قيم الفروسية أو القيم الروحية والدينية فأنت إذا قلت لي ولغيري : أين تسود قيم الشهادة ؟ الجواب يأتي سريعاً : في المجتمع الإسلامي.

فالقيم إذن تحمل معها باستمرار الجانب الإيجابي الذي منحها إياه الإنسان، لأن الإنسان طموح بشكل دائم للوصول إلى المستويات العليا في الفكر والسلوك. (أبيض،

الصفحة 84

(31،1984

رابعاً – جوانب القيمة :

بدأ الاهتمام بدراسة موضوع القيم يأخذ الطابع العلمي منذ أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين وتركز الاهتمام هذا بوجه عام في ثلاثة جوانب أساسية هي :

  1. الاهتمام بدراسة الفروق الفردية في القيم وذلك في ضوء علاقتها بعدد المتغيرات كالجنس وسمات الشخصية والديانة والاهتمام الأكاديمي، والمهني، والتوافق النفسي..
  2. دراسة القيم في علاقتها بالقدرات المعرفية للفرد، وذلك باعتبار أن اختيار القيم عملية تتأثر بإدراك الفرد، أساسها عملية انتقاء، فاختيار الفرد الموضوع معين وإعطاؤه أهمية أو قيمة عن موضوع آخر، عبارة عن عملية إدراكية انتقائية أو اختيارية.
  3. مجال اكتساب القيم التي تقدم لنا خريطة المعالم هذه القيم وأبعادها ومكوناتها وأشكال تغيرها عبر العمر.

قيمة الشيء في اللغة قدره، وقيمة المتاع ثمنه، يقال قيمة المرء ما يحسنه، ويفرق " آدم سمیت " بين القيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية فيطلق الاصطلاح الأول على ما للشيء من نفع حقيقي كالماء مثلاً ويطلق الثاني على ما للشيء في مجتمع معين أو زمان معين من ثمن اعتباري لا يرجع لمنفعته بل لندرته، ومارب الناس فيه كالماس فهو بذاته غير نافع ولكن الثقافة أضفت عليه قيمة عالية للزينة والجمال.

والقيمة في الفلسفة مبحث من مباحث علم الأخلاق فقيمة الفعل تابعة لما يتضمنه من خيرية فكلما كانت المطابقة بين الفعل والصورة الغالية للخير أكمل، كانت قيمة الفعل أكبر ( صليبا، 1980، 29).

الصفحة 85

في علم الاقتصاد تعبر نظرية القيمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن نظرية السعر، القيم بالنسبة لعلم الاجتماع هي حقائق تعبر عن التركيب الاجتماعي ودراستها من أهداف البحث الاجتماعي. ويوضح لنا باحث مهم في علم الاجتماع الأخلاقي هو " قباري إسماعيل " وجهة نظر علم الاجتماع القيمية التي تبتعد عن الأخلاق الصورية وأخلاق اللذة وأخلاق (كانط) العقلية وتعتمد « أن الأخلاق ظاهرة لها أصولها و مصادرها الاجتماعية وأن القواعد الخلقية ليست مطلقة ثابتة وإنما هي نسبية تختلف باختلاف الزمان والمكان وأنه استناداً إلى تلك الأسس الوضعية والنسبية صدرت أصول المذهب الاجتماعي في دراسة الأخلاق ويستشهد بقول دوركهايم من أنه في أبحاثه و دراساته كلها لم يجد قاعدة خلقية واحدة ليست نتاجاً لعوامل اجتماعية، وليس من شك أن المثل الأخلاقي الأعلى له وظيفة في المجتمع لأنه يصدر عنه، كما أن الإلزام الخلقي لا يصدر إلا عن المجتمع وأن الحقيقة الخلقية لا تنشأ إلا من الواقع الجمعي » (عطية،62،1990).

وقد تأسست دراسة القيمة بمفهومها الاجتماعي الطلاقاً من المدرسة الاجتماعية الفرنسية، وأهم ممثليها " اميل دوركهايم " و " ليفي بريل " (1857-1939) . وهي المدرسة التي تعتبر القيم مبحثاً اجتماعياً لأنها تصدر عن المجتمع. فالخير هو ما اتفقت الجماعة على أنه خير.

خامساً - تصنيف القيم :

لما كانت القيم تقتضي الاختيار كان لابد من وجود ما اصطلح العلماء على تسميته « سلم القيم » فالتفضيل ينتج عنه وضع الأشياء في مراتب ودرجات بعضها فوق بعض وبعضها أرفع من بعض ولابد أن نوضح أن فكرة ترتيب القيم : فكرة مبسطة فيصح أن يكون للشخص عدة سلالم للقيم بعدد المواقف الكثيرة التي تدعوه للاختيار والمفاضلة، فتفضيل الأطعمة في حفلات العشاء في المنزل هو غير ترتيب تفضيله للأطعمة

الصفحة 86

في المطعم، ثم أن القيم في « سلم القيم » لا تتخذ مرتبة ثابتة جامدة لا تتغير بل ترتفع وتنخفض تبعاً لظروف الفرد وأحواله ورغباته واهتماماته. ( دياب، 1980، 29 ).

  1. أسس التصنيف: 


يقول " لافيل " إن أي تصنيف للقيم يجب أن يقوم على أساس النظر إلى الإنسان بوصفه كائناً منخرطاً في العالم وكائناً يتأمل ذلك العالم. ويرى حامد خليل : إن أي تصنيف دقيق للقيم لابد من أن يقوم على أسس وهي :

  1. النظر إلى الإنسان حامل القيم بوصفه وحدة متجانسة متكاملة تتساوى جميع قواه فيما بينها من حيث الأهمية والمرتبة.
  2. إن الإنسان في عملية تحول مستمر فإن أي تصنيف للقيم يزعم أنه تصنيف نهائي وشامل إنما هو تصنيف غير دقيق، لذلك لا يجوز الادعاء بأن لائحة القيم هي لائحة تامة وثابتة لا تتغير.
  3. إن التصنيف لكي يكون دقيقاً يتعين أن تتهيأ على أساسه جميع الشروط التي تسمح لقوى الإنسان المتنوعة ( حسية وبيولوجية وسيكولوجية وعقلية ) أن تؤدي وظائفها على النحو الذي يجعلها قوى إنسانية بحق تنمو وتتفتح .(خليل،313،1985).
  4. مجالات الفئات :


ليس الغاية من التصنيفات القيمية ألا توضحها وربط المتشابه منها، ويعتمد كل اجتماعي على فلسفته العامة في تصنيف القيم ضمن مجموعات وفئات في التقسيم التالي توضيح المجالات كل فئة قيمية :

  1. فئة القيم الحسية: وتشمل القيم التي تؤدي إلى بعث الشعور باللذة والتي تكون حواس الإنسان الخمس هي المصدر الذي تتكون تلك القيم عن طريقه، كالألحان الموسيقية الشجية والمناظر البديعة والروائح العبقة والطعوم الشهية والملمس الناعم.

الصفحة 87

  1. فئة القيم البيولوجية: وتشمل قيم الأفعال والموضوعات التي تؤدي إلى المحافظة على الذات واستمرار النوع وتجنب الآلام وتهديدات الحياة، كالمحافظة على ون الصحية والحيوية والرشاقة وإرضاء الدوافع الجنسية ودوافع الأمومة والتبني والأفعال المماثلة الأخرى.
  2. فئة القيم السيكولوجية : وتشتمل قيم الأفعال التي تؤدي إلى الترويح عن الإنسان وإرضاء الميول الطبيعية فيه والمكتسبة كاللهو واللعب والرياضة والسباحة والترحال والاستكشاف والمغامرة والمشاركة في الحفلات الاجتماعية والصداقة والحياة الأسرية وممارسة ألوان الفنون والإسهام في الأنشطة الاجتماعية الترويحية المختلفة وغير ذلك من الأفعال.
  3. فئة القيم الأخلاقية والاجتماعية : إن السبب في دمج هذين الفرعين من القيم هو أن وظيفتهما تبدوان واحدة وهو بناء مجتمع إنساني حقيقي ولذلك لا نتفق مع كل الذين يعتبرون القيم الأخلاقية صنفاً مستقلاً قائماً بذاته، والحجة في ذلك هي أن المذكورين ينظرون إلى المفاهيم الأخلاقية على أنها مجموعة وصايا وأوامر قبلية مجردة من جهة وفردية الطابع من جهة أخرى، والصحيح هو أن المفهوم الأخلاقي لا يكون له أي معنى إلا بوصفه ترجمة المطالب إنسانية معينة، تفرضها حاجة المجتمعات البشرية إلى الارتقاء بأفرادها ارتقاء إنسانياً، وتبعاً لذلك فإن فكرة الانتماء تبدو أكثر ما يعبر عن حقيقة الفعل الأخلاقي.

فإن تكون إنساناً بحق يعني أن توظف كل ما لديك من طاقات في سبيل تحقيق حالة إنسانية تشمل كل البشر، لكن لما كان من العسير تطبيق ذلك على الصعيد العملي إلا من خلال جماعة معينة تكون واحداً من أفرادها فإن انتماءك النظري لتلك الجماعات وتجسيد ذلك الانتماء في سلوك عملي إنما هو الأساس في قيام أخلاق حقيقية.

الصفحة 88

  1. فئة القيم العقلية : وتشمل جميع الأفعال التي تؤدي إلى عقل إنساني حقيقي أي عقل قادر على الربط بين الأفكار والوقائع واستخلاص النتائج من مقدماتها على نحو سليم، وهذا لا يأتي إلا بالانفتاح على العقول الأخرى، وإقامة الحوار البناء معها، والابتعاد عن التعصب وعن الانقياد الأعمى الجميع أشكال السلطات العرفية والمذهبية والعلمية، واتخاذ المواقف النقدية من مختلف مسائل المعرفة، وتحصيل أقصى ما يمكن تحصيله من ضروب المعرفة والثقافة، وأهم من ذلك الإخلاص الشديد للحقيقة، وتحري الموضوعية في البحث عنها والاتصاف بالنزاهة التامة. ( الطويل، 1967، 378).

ويمكن تقسيم القيم من حيث طبيعتها إلى صنفين :

صنف يلتمس لذاته ويطلب كغاية، ويكون مطلقاً لا يحدده زمان ولا مكان وصنف نسبي ينشده الناس كوسيلة لتحقيق غاية، ولهذا يختلف باختلاف حاجات الناس ومطالبهم. فجمال الزهرة يقوم لذاته وقيمة العربة مرهونة بما تؤديه من خدمات، والصنف الأول يطلق عليه اسم القيمة الباطنية ويسمى الثاني بالقيم الخارجية.

  1. التقسيم حسب الأبعاد :


وتقسم الباحثة المصرية ( فوزية دياب ) أبعاد القيم الاجتماعية إلى ستة هي كالتالي: ( دياب، 119،1980)

  1. بعد المحتوى : أي محتوى القيم هو جمالي أو ديني أو اقتصادي أو خلقي.
  2. بعد المقصد : من حيث قيم وسائلية أم غائية – هدفية.
  3. بعد الشدة : القيم من حيث درجة إلزامها.
  4. بعد العمومية : القيم قد تكون خاصة أو عامة. – الخاصة مثل منطقة ، قيم طبقة الفئات. – العامة مثل القيم التي تشمل كل المجتمع مثل قيمة الخير.
  5. بعد الموضوع : القيم تكون صريحة فهي مجال للسلوك، وقد تكون متضمنة وهي

الصفحة 89

ما يفكر به الإنسان، ونجد أن الشخص قد ينطق بقيمة ويكون تضمنه معاكساً لها.

  1. بعد الدوام : القيم إما عابرة قصيرة الدوام مثل قيم (الموضة)، وقيم دائمة مستمرة مع الإنسان مثل قيم الحق والخير والجمال.
  2. التقسيم إلى مجموعات :


 يضع " أحمد كنعان " عشر مجموعات قيمية تضم سبعين قيمة تنتهي كل مجموعة بعنوان ( قيم أخرى ) وذلك لإضافة قيم جديدة، قد تستجد في المجتمع الذي لا يدوم على حال. (كنعان،63،1990)

1ـ القيم القومية والوطنية. 2ـ القيم المعرفية والثقافية. 3ـ العملية والاقتصادية.4ـ القيم الاجتماعية. 5- القيم الإنسانية. 6-القيم الروحية والخلقية. 7- القيم الترويحية والجمالية. 8ـ القيم الصحية والوقائية. 9ـ القيم الرياضية. 10ـ قيم تكامل الشخصية.

سادساً - التغير الاجتماعي والقيم :

  1. نسبية القيم :


إن نسبية القيم واختلافها تبعاً للمجتمعات هي طريقة علم الاجتماع في تناول موضوع القيم، والحقيقة أنه مادامت القيمة إنسانية شخصية بحتة، فيسرى في القيمة دائماً موضوع الـ عنصر قوي هو العنصر التقديري الشخصي الذي يفضل قيمة ما، وما دامت القيمة إنسانية شخصية تتوقف على الاعتقاد، فلابد إذن أن تكون نسبية بمعنى أنها تختلف عند الشخص لحاجاته ورغباته وتربيته وظروفه ومرحلته العمرية، وبين شخص وآخر، ويمجتمع ربيته وظروفه ومرحلته العمرية، وبير وآخر.. إلخ.

وهذا ينقلنا إلى علاقة سلم القيم بالمجتمع الذي نعيش فيه ولقد أخذت النسبية

الصفحة 90

مداها الأكبر بعد ظهور النظرية النسبية التي نشرها " أينشتين " (1879-1955) في بداية هذا القرن، فحين نقول في علم الاجتماع أن للأسرة مكانة تأثيرية عالية في تثبيت القيم عند الأطفال فيجب أن نحدد عن أي أسرة نتحدث ؟ فقيم الأسرة الأوربية هي غير قيم الأسرة العربية، وقيم الأسرة في الصين، هي غير قيم الأسرة في الجزائر، وكذلك هنالك اختلاف كبير في نسبية القيم زمانياً فالأسرة العربية في الماضي تختلف كثيراً عن الأسرة الحالية ، خذ مثلاً قيمة المرأة، النظر إلى الفارق العمري بين الزوجين، النظر إلى تعدد الزوجات...

حتى على المستوى الفردي فإن قيم الفرد تختلف مع تقدمه في الفترات العمرية وتقدم وعي الشخصية وإمكاناتها، فقيمة الجنس عند المراهق تختلف عن قيمته عند الرجل الناضج أو العجوز، كما أن نظرة الرجل إلى المرأة قبل زواجه منها مختلفة عن نظرته بعد الزواج كثيراً، إذ أن فترة الخطبة تستدعي التحمل الذي يجب أن يستمر لما بعد الزواج ولكنه لا يستمر، وحين يحب الإنسان امرأة أو هدفاً أو مشروعاً فإنه يهوى، فلا تقع عينه إلا على الجميل المفيد المفضل ... وبهذا يقول الشاعر:

    وعين الرضا عن كل عيب كليله    كما أن عين السخط تبدي المساويا

 يقول المثل المصري ( حبيتك ببلعلك الزلط، وعدوك يوفقك على الغلط ). يرى عادل العوا أن الأمثال قيم قريبة من الواقع الاجتماعي ومعبرة عنه مثل : ( من جد وجد، خير من الخير فاعله، الدراهم مراهم ... ) حين نقول: قيم سلبية فنحن نتحدث عن قيم سلبية في مجتمع محدد، إذا تحدثنا عن فيهم إيجابية فنحن نتحدث عن قيم جيدة ومفيدة بالنسبة المجتمع محدد.

فالقيم تتغير بتغير أحوال الناس وطرق معيشتهم وتطور أفكارهم. القيم السلبية قيم مرفوضة من الناس في عصر معين ومجتمع معين. ومن القيم السلبية المرفوضة في مجتمعنا العربي : ( التعصب بأشكاله، الغوغائية، اللامبالاة ،النجاح الشخصي، « الفهلوة »،

الصفحة 91

الولاء الأسري الضيق، الطفيلية، الانتهازية، البذخ.. إلخ ) ومن القيم الإيجابية المطلوبة (المثابرة، الثقة بالنفس، العلمية، حب الوطن، العمل، العدالة. إلخ ). لنلاحظ مثلاً في المجتمع الروماني كان العمل العضلي محتقراً ( لا يطلب ولا يحترم ) بينما الأكل الحد المرض هو السائد حتى إن كلمة ( بطر ) جاءت من الأباطرة الرومان التي تعني شدة البذخ والترف على أن " ريمون روية " يجد في القيم السلبية غاية للقيم الإيجابية من الناحية الفلسفية ولو أن القيم السلبية هي غياب للقيم وحسب لما عنيت بها نظرية القيم إطلاقاً. ومن الجائز أن نقرر مبدئياً أن الفحص بإمعان عن أية قيمة سلبية يكشف دائماً عن توافر عناصر إيجابية ضمنها) ( روية، 1960، 36 )

أما علم الاجتماع فيتعامل مع القيم نسبياً بربطها بالمجتمع المدروس هذه النسبية التي سمحت لـ " دوركهايم " ( زعيم المدرسة الاجتماعية الفرنسية في علم الاجتماع) باعتبار الخير والشر يتقررا مما هو فوق إرادة الأفراد أي من المجتمع.

لقد اعتبر المعلم الأول " أرسطو " (384-322 ق.م) أن الفضيلة وسط بين طرفين كلامهما إفراط وتفريط أي كلاهما شر وعليه يمكن اعتبار القيم السلبية هي أطراف القيمة الإيجابية كما أن الجبن والتهور هما أطراف قيمة مطلوبة وإيجابية هي الشجاعة.

ونسبية هذه القيم تبدو واضحة في علاقة كل مجتمع بهذه القيمة أو تلك.. فالبعيد عن القضية الفلسطينية ( كمأساة شعب ) يعتبر إلقاء حجر في وجه دورية إسرائيلية معززة بكل أنواع الأسلحة تهوراً لا مسوغاً له، ونحن نعتبره عملاً بطولياً وشجاعاً.

  1. التغير الاجتماعي Social change:


يشير مفهوم التغير بمعناه العام إلى الفرق ما بين حالة جديدة وأخرى قديمة، أو اختلاف لشيء عما كان عليه خلال فترة معينة. وقد لا يكون التغير بالانتقال إلى حالة أفضل، والتغير الاجتماعي هو التبدل الذي يصيب المجتمع ويؤثر في بنائه الاجتماعي

الصفحة 92

خلال فترة من الزمن يعرف إبراهيم مذكور في معجم العلوم الاجتماعية التغير الاجتماعي بأنه « أنواع التطور التي تحدث تأثيراً في النظام الاجتماعي، أي التي تؤثر في بناء المجتمع ووظائفه... والتغير صفة أساسية من صفات المجتمع ولا يخضع هذا التغير الإرادة معينة، بل إنه نتيجة لتيارات وعوامل ثقافية واقتصادية وسياسة، يتداخل بعضها في بعضها، ويؤثر بعضها في بعض»

وقد حاول علماء الاجتماع إيجاد نظرية خاصة بالتغير الاجتماعي تستطيع شرح قوانين حركة المجتمعات، ثم أصبح موضوع التغير الاجتماعي مصدراً للعديد من النظريات.

لقد كان ظهور المجتمع الرأسمالي والتبدلات التي صاحبت ذلك بما فيها الأزمات الاجتماعية والسياسية والنمو الحضاري والاتجاه الصناعي وتنقل الأفراد والأفكار والجماعات أرضاً خصبة لظهور التحليل الاجتماعي للتغير وتحديد محتواه وغاياته ومن بين أهم تلك المحاولات التحليلية ما قام به " مارکس " و " هربرت سبنسر " و " ماكس فيبر ".... ففي حين أكد " ماركس " أن تغير نمط الإنتاج والعلاقات المرتبطة به هو العنصر الأهم في عملية التغير الاجتماعي وهو القاعدة التي تستند إليها النظم الاجتماعية الأخرى من سياسية ودينية واقتصادية ( ومنها القيم ) والتي تشكل أجزاء من البناء الفوقي اعتبر " سبنسر " تغير أو تطور المجتمع هو انتقال المجتمع من البساطة إلى التعقيد وتحول المجتمع إلى مجتمع يتسم بالتباين وازدياد الوظائف، ويرى " سبنسر " أن الملكية الفردية هي نتيجة نهائية لرقي المجتمع وأن العامل الإلهي يؤثر في المجتمع البشري بشكل منفصل عن إرادة الناس.

ويرى "ماكس فيبر " منطلقاً من النظرية الماركسية، باتجاه معاكس، أن التغير الاجتماعي يستند إلى تطور أخلاقي ديني، حين اعتبر ظهور الرأسمالية نتيجة الأخلاق البروتستانتية التي عمل رجال الأعمال على هديها لزيادة تراكم رأس المال.

الصفحة 93

مع النظرية الوظيفية وما بعدها، اتجهت محاولات التحليل الاجتماعي للتغير بعيداً عن النظريات الكلية، نحو دراسات تجزيئية والمجتمعات محلية خاصة ولنظم محددة، مع تقدم وسائل الملاحظة والقياس في علم النفس ثم في علم الاجتماع، ويشير مصطلح التغير الاجتماعي على أوضاع جديدة تطرأ على البناء الاجتماعي، والنظم، والعادات... مثل حجم المجتمع وتركيب القوة أو التوازن أو نمط التنظيم فيه (Scott , 1965 , p.123). وهذا يقود إلى القول إن التغير الاجتماعي يتعلق بالعلاقات الاجتماعية أو بجانب منها وأنه ذو تأثير واسع على التجربة الفردية والجوانب الوظيفية والأدوار الموجودة في المجتمع.

ولقد استخدمت مفاهيم التغير والتطور والنمو والتقدم... أحياناً على أنها مترادفات وأحياناً تم التفريق بينها، وقد استعيرت فكرة التطور الاجتماعي مباشرة من نظريات التطور البيولوجي. كما ارتبطت هذه المفاهيم بفكرة التقدم الاجتماعي.

ميّز الأنتربولوجيون بين التغير الاجتماعي Social Change والتغير الثقافي Cultural Change وبين التغير الاجتماعي والآثار الاجتماعية التي تقع على قطاع اجتماعي دون آخر.

إن التحولات التي تطرأ على النظم والعادات والقيم المجتمعية تؤثر في علاقة الإنسان بالإنسان وفي علاقته بالجماعات، وإذا كان ثمة عوامل غير ذاتية في ما يخص تغير القيم فهي تتعلق بالتبدل الحضاري والثقافي للمجتمع، فالقيم هي أحد المؤشرات المهمة النوعية الحياة ومستوى الرقي والتحضر في أي مجتمع ( 1976, p 56 ,Rokeach). وبذلك يكون التغير هو تلك التعديلات التي تحدث في المعاني والقيم السائدة في المجتمع أو بين بعض جماعاته الفرعية، فلكي تحافظ القيم، بوصفها قواعد ومعايير ضبط اجتماعي على وظائفها، عليها أن تكون مرنة لكي تستطيع التكيف مع الحاجات الاجتماعية المتغيرة.

الصفحة 94

إن التطور الذي تشهده الحياة الاقتصادية والاجتماعية ليقوم بدوره بكفاءة يستلزم قيماً متجاوبة معه وبالتالي لابد من استجابة القيم التقليدية لهذا التطور بالسرعة المناسبة، ومن هنا اتجهت بعض الجهود البحثية إلى تناول دور القيم غير التقليدية في عملية التغير الاجتماعي، معتبرة أن عملية التغير الاجتماعي نفسها رهن بإرادة المصلحين الاجتماعيين والسياسيين الساعين إلى تبديل، يتلاءم مع المرحلة التي يشهدها المجتمع أو يأمل الانتقال إليها. (سليمان، 9،1987)

  1. علماء الاجتماع والقيم :

إن كل مجتمع يتميز بنظام خاص من القيم الأخلاقية والمحظورات تتجلى في سلوك الأفراد وحياتهم اليومية بحيث يستطيع العالم الاجتماعي أن يلاحظها ويدرسها دراسة موضوعية على نحو ما يدرس أية ظاهرة اجتماعية أخرى، يقول "دوركهايم " : « إن الأخلاق تبدأ حيث تبدأ حياة الجماعة إذ أن التفاني ونكران الذات لا معنى لهما إلا في هذا الإطار » ويمارس المجتمع ضغوطاً مختلفة على الأفراد ليمتثلوا لقواعده الأخلاقية أو لما يسميه " دوركهايم " الضمير الجمعي، وذلك بوساطة التربية وتأثير الرأي العام والقوانين القضائية، فالمجتمع هو السطة المتعالية على الأفراد التي تضمن احترام القيم. وما الضمير الفردي الذي يأمر وينهي ويشعرنا بالندم والإثم إلا صدى وانعكاس للضمير الجمعي. إن الخير هو ما يراه المجتمع خيراً، والشر هو ما يعده شراً، فمفاهيم الشر والخير ليست مطلقة بل نسبية تختلف باختلاف المجتمعات.

ويستنتج من ذلك أن علماء الاجتماع يريدون طرح المشكلة الأخلاقية على نحو جديد، فالأمر يتعلق بنظرهم بمعاينة المثل الأخلاقي وملاحظته وليس استنباطه نظرياً، وبعبارة أخرى من الضروري إقامة علم الأخلاق عوضاً عن الأخلاق النظرية التي تسعى إلى فرض نفسها على الواقع. وهذا ممكن لأن الوقائع الأخلاقية تمثل صنفاً من الظواهر الاجتماعية – كما يقول دوركهايم – ولأن المثل الأخلاقي يتحسد في الضمير الجمعي،

الصفحة 95

ويمكن ملاحظة الواقع الأخلاقي في العادات الاجتماعية فالأخلاق تكون إذن موضوع «علم العادات » على حد تعبير " ليفي بريل " وهذا العلم يمكنه تغيير الواقع الأخلاقي على ضوء المعرفة الموضوعية للأخلاق القائمة مثله في ذلك مثل العلوم الفيزيائية التي تمكننا من تغيير الظواهر الطبيعية.

ولقد بينت الدراسات الاجتماعية أن الإنسان في المجتمعات القديمة كان خاضعاً للمجتمع الذي ينتمي إليه خضوعاً يكاد يكون تاماً، وهذا ما جعل سلوكه الأخلاقي كفرد يصدر عن الضمير الجمعي. إن الفرد ضمن هذا النوع من الحياة الاجتماعية لم يكن قادراً على التفريق بين القواعد الأخلاقية والإلزامات الاجتماعية، وقد فسر " اميل دوركهايم " هذه الظواهر على أساس أن التضامن في المجتمعات البدائية هو تضامن آلي يكاد ينعدم معه ضمير الفرد والوعي الشخصي بالقيم الخلقية، حيث يقول: « إن في ذاتنا عدداً كبيراً من الأحوال التي تعرب عن شيء آخر غير هذه الذات، تعرب عن المجتمع وهذه الأحوال هي المجتمع عينه من حيث إنه يعيش فينا ويحيا بنا. ولاريب في أنه يتجاوزنا ويفيض عنا لأنه أوسع من كياننا الفردي بما لا نهاية له. ومن شأن هذه الأحوال أنها تتسرب إلى نفوسنا وتنساب فينا من كل جانب. ونحن نمتزج بالمجتمع ونتحد به من ناحية من نواحي طبيعتنا ومن المجتمع نفسه تستمد أهم عناصر ذاتنا، فمن المجتمع يصدر أفضل ما في كياننا. وعنه تصدر أيضاً جميع أشكال فاعليتنا الراقية مثل اللغة والعلم والفكر التأملي والأخلاق والدين » (العواء 1986، 648). بينما الأخلاق في رأي الماركسين ترتبط ارتباطا وثيقا بالبية التحية للمجتمع وتعبر إيديولوجيا عن المصاح الاقتصادية للطبقات الاجتماعية التي يتألف منها بحيث أن أشكال الصراع الاقتصادي والسياسي بين الطبقات تنعكس في التصورات الأخلاقية الموجودة في هذه الوجهة فالأخلاق مرآة للتناقضات الاجتماعية وتؤدي وظيفة أيديولوجية. إما أنها تعبر عن مصالح الطبقة المهيمنة وتسوغ سلطتها على المجتمع بأسره. وأما أنها تعبر عن المصالح

الصفحة 96

المستقبلية للطبقة المضطهدة وعن رفضها للاستغلال. وعلى سبيل المثال يذهب الماركسيون إلى أن الأخلاق البرجوازية تعطي قيمة كبرى للملكية الخاصة والربح الفردي وتفهم الحرية أساساً على أنها في امتلاك رأس المال واستثماره قوة العمل. بينما الأخلاق البروليتارية على العكس من ذلك ترفض استغلال الإنسان للإنسان وتهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الطبقية.

  1. أسس القيم الخلقية في المجتمع :


تقوم القيم الخلقية في المجتمع على أمور ثلاثة ترتبط بتخلق المجتمع هي :

أ– روح النظام : وهو التزام بالأفعال التي اصطلح المجتمع على أخلاقيتها.

الأخلاق هي مجموعة القواعد التي تحدد السلوك والتي يجب أن نتصرف وفقها في المواقف المختلفة، دون أن تخالف ضميرنا أو العرف الاجتماعي السائد. إنه مجموعة قواعد السلوك الخلقية السائدة في المجتمع التي تكون أخلاق المجتمع وتنظم سلوكات الأفراد، ليشعر الفرد أنه جزء من الجماعة.

ب – التعلق بالجماعة : ترتبط الأفعال الخلقية عادة بغايات الأفراد الذاتية، والعمل الأخلاقي يكتسب قيمته عموماً لأنه من أجل الآخر أكثر منه عملاً من أجل الذات، حسب رأي "دوركهايم". والإنسانية لم تضف أبداً –لا في حاضرها ولا في ماضيها– قيمة أخلاقية على أفعال لا يكون لها هدف سوى الصالح الشخصي لفاعلها، ففي كل المجتمعات كانت الأنانية تدخل في باب المشاعر اللاأخلاقية. (البدوي، 1980،212).

إن الغايات التي تضعها لنا الأخلاق تفرض علينا نوعاً من إنكار الذات، وليس هذا محواً للشخصية الإنسانية لصالح الجماعة، وإنما هي الشخصية الإنسانية التي لا يكتمل وجودها ولا يتحقق إلا إذا تعلق بالمجتمع، واللغة أكبر الأمثلة على هذه العلاقة الوطيدة  بين عقلية المجتمع وعقلية الفرد.

ج– استقلال الإرادة : يتحقق الخضوع للقاعدة مع شعورنا الذاتي بحريتنا في اختيار

الصفحة 97

الفعل، على رأي دوركهايم، عن طريق العلم؛ حيث يقبل المرء نظاماً معيناً للأشياء لأنه على يقين من أنه كما يجب أن يكون، فليس في ذلك خضوعاً لأي ضغط.

ورغم أن القيم الأخلاقية تتكون بسلطتها العالية على الطفل دون اختيار إلا أننا تعلم لاحقاً قيمتها وغاياتها البعيدة والحكمة من وجودها.. فنختارها ( البدوي، (220،1980

وفي دراسة " هشام شرابي " لوضع الشخصية في الأسرة العربية، تأكيد على أن المجتمع هو الذي يكون الفرد ويجعله على صورته وليس الفرد هو الذي يكون المجتمع ويضعه حسب رغباته وأهوائه، وإن مجتمعنا من خلال عملية التربية والتثقيف يهدف إلى إخضاع الفرد وكسر شوكته ( شرابي، 1981، 85 ).

  1. دراسة القيم انتربولوجياً :


لقد ترافقت الدراسة الاجتماعية للقيم بالدراسة الأنتربولوجية عن أصل القيم وتطورها من الأشكال الأبسط عند الإنسان البدائي، إلى الأعقد عند الإنسان المتحضر، وارتباط ذلك بفلسفة الإنسان في العصور المختلفة وفي الحضارات المتعاقبة، وهذا يعني رد السلوك والقيم إلى إطارها الحضاري الخاص. ويعتمد الإطار الحضاري في معظم البحوث التي يجريها الباحثون لدراسة السلوك الإنساني على بيانات تجمع عن أفراد ينتمون إلى مجتمع واحد. وينشأ غالباً في حضارة واحدة. لهذا أخذ الباحثون يهتمون بالدراسات التي تتضمن المعلومات عن الإنسان وعاداته وقيمه واتجاهاته وسلوكه... في مختلف الحضارات وقد تناولت العلاقة بين الحضارة والشخصية في مجموعها وجهتين : ( خليفة، 1992،264)

الأولى: استمدت مادتها الرئيسية من المجتمعات البدائية أو شبه البدائية البدائية كمجتمعات الهنود الحمر والأسكيمو، والقبائل التي تعيش في عدد من جزر المحيط الهادي ومنها الدراسات التي قامت بها ( مارغريت ميد ).

الصفحة 98

الثانية: الدراسة التي استمدت مادتها من المجتمعات الحديثة وهي أقرب إلى بحوث الطابع القومي للشخصية. وتتمثل أهمية الدراسات الحضارية فيما يلي :

  1. الوصول إلى المبادئ العامة المنظمة للسلوك الإنساني بوجه عام بغض النظر عن اختلاف الحضارات والمجتمعات.
  2. معرفة كيف يتأثر السلوك الإنساني بأنواع الحضارات المختلفة التي ينشأ فيها الإنسان.

تشير نتائج الدراسات الحضارية في محال القيم إلى أن لكل حضارة نمطاً خاصاً بها يتم على أساسه تدعيم بعض الخصائص وتنميتها من خلال السياق الاجتماعي المقبول في حين تترك باقي الخصائص دون تدعيم. كذلك فإن ما يمكن النظر إليه على أنه أمر عادي وطبيعي في مجتمع معين قد يكون شاذاً أو غير طبيعي في مجتمع آخر. وتختلف التوجهات القيمية في درجات تنظيمها من مجتمع لآخر. وهناك وظيفتان مهمتان للقيم : الأولى ربط العناصر الثقافية بنسيج محكم وربط الثقافات الفرعية في ثقافة واحدة، إن هذه الوظيفة مهمة بالنسبة للقيم حتى إن بعض الأنتربولوجيين ينظرون إلى المجتمع كأنه مجموعة من الناس يربطهم بنسيج واحد نظام من القيم.

وأما الوظيفة الثانية فهي تحديد أهداف الناس وبذا تعطى الحياة لديهم شيئاً من المعنى، فبدل أن يدركوا أعمالهم وسلوكهم وكأنها محاولات لإشباع حاجاتهم فقط بحد أنهم ينظرون إليها بشيء من الأمل لتحقق لهم أهدافاً يرنون إليها ويتلهفون لإدراكها ونيلها، وللقيم مكانة خاصة في عواطف الناس مما يحافظ على استمراريتها إذ لا تتلاشى أبداً وإنما تتغير، ويكون مقدار هذا التغير حسب طبيعة الثقافة التي تتكلم عليها، هناك بعض الثقافات التي تشجع التغير وهناك بعضها الذي يخشى التغير ولا يرغب فيه، ويجب أن لا يغرب عن الذهن أن هناك صراعاً بين القيم السائدة في الثقافة الواحدة خصوصاً بين قيم الثقافات الفرعية. (عارف، 1990،88)

الصفحة 99

في كتابة المعنون قيم من التراث يعيد " زكي نجيب محمود " الأمة إلى منبعها الديني في تبني سلم للقيم ينطلق من قل هو الله أحد) يعني أحدية الذات الإلهية التي هي من رسالة الإسلام في صميم الصميم، ومن هذا الصميم يتشكل الضمير الإسلامي الذي هو الدليل الذي يرشدنا إلى سواء السبيل. (محمود، 1984،103)

فإذا قلنا عن أحد إنه بلاضمير فإنما نعني أنه لا يملك في حافظته ما يبين له حدود الصواب والخطأ فقد يصيب وهو لا يدري أنه الصواب، وقد يخطئ وهو لا يدري أنه الخطأ. التوحيد الإسلامي هو في أعماقه من ناحية البشر تناسق في حياة الإنسان الأخلاقية بمعنى أن توحيد ( تنظيم ) مجموعة القيم في ترتيب يبين أيها الأولى من أيها إذا ما تعارضت في موقف معين، ولو أن تنسيقاً ساد عالمنا المعاصر التخلص من مصادر بؤسه وشقائه وقد قدم زكي نجيب محمود هذه الوصفة لمن يتطرف ويبتعد في شكليات الدين إلى الحدود التي تبعده عن سواء السبيل وعن صميم الصميم في الدين الإسلامي الذي هو في جوهره سلم صائب للقيم الخيرة ... (عرابي، 23،2001)

  1. أثر المتغيرات الاجتماعية في تبني القيم :


بخلاف الباحث البيولوجي أو الباحث الجغرافي يهتم الباحث الاجتماعي بالمتغيرات الاجتماعية المؤثرة في اكتساب القيم. لقد اهتمت الدراسات الاجتماعية بالربط بين القيم والمستوى الاقتصادي – الاجتماعي للفئات المجتمعية، وقد اعتبرت هذه الدراسات أن القيم تتباين وتختلف بتباين واختلاف المستوى الاقتصادي – الاجتماعي للفئات التي ينتمي إليها الأفراد، أو الفئة الاجتماعية التي تحث أفرادها على اكتساب قيم معينة ترى أنها قيم جديرة بأن تكون غايات أو وسائل يجب التطلع إليها أو التقيد بها من قبل أفراد هذه الفئة من المجتمع. ويقول أنصار هذا الاتجاه في الدراسة أنه من المتعذر الحديث عن اتجاه قيمي واحد ومتماثل ومتوافق لدى الفئات الاجتماعية المختلفة التي تعيش أوضاعاً اقتصادية – اجتماعية غير متماثلة.

الصفحة 100

أجريت دراسة في أمريكا استخدم فيها المستوى الاقتصادي – الاجتماعي كمتغير مستقل، ربطت بين هذا المستوى والاتجاه القيمي للمبحوثين تم فيها التوصل إلى أن القيم التي تتبناها أسر الفئات الاجتماعية الوسطى وتحرص على نقلها إلى أبنائها، لا تلقى الاهتمام نفسه لدى الفئات الاجتماعية الأخرى، ومن القيم موضع الدراسة : قيمتا ( الإبداع ) و ( الإنجاز ). (Wright, 1976, 527) وتبين من دراسة أخرى أن الأفراد ممن ينتمون إلى فئات اجتماعية منخفضة الدخل يتجهون نحو القيم الدينية والاجتماعية من «صداقة » و « تعاون » و «تسامح » و « طاعة » و «تهذيب»، في حين اتجه الأفراد ممن ينتمون إلى فئات ذات مستوى اقتصادي مرتفع نحو قيم « الإنجاز » و « أمن الأسرة » و«الحب » و « الكفاءة» و«الرضا الداخلي » (1973,Rokeach p.94)

استخدم متغيران مستقلان هما المستوى الاقتصادي – الاجتماعي والحضاري في دراسة أجريت على أبناء الريف والمدن، تبين وجود اختلافات ذات دلالة في الاتجاهات القيمية … حيث احتلت القيم الدينية الترتيب الأول، تلتها مباشرة في الأهمية القيم السياسية عند أبناء المدينة، بينما احتلت القيم الاقتصادية المرتبة الثانية وحلت القيم الاجتماعية في المرتبة الثالثة. وأرجعت هذه الدراسة التباين في الاهتمامات القيمية بين هذه العينات إلى اختلاف الوسط الاجتماعي – الاقتصادي من جهة، والأثر الذي تتركه الثقافة الفرعية في النسق القيمي للأفراد من جهة أخرى. (عبد العال، 1976،133).

ربطت إحدى الدراسات في إطار الثقافة الفرعية بين التعليم واختلاف القيم واعتبرت المتغير التعليمي ذا أثر واضح في نسق القيم، ليس ذلك فحسب بل إن اختلاف المستويات التعليمية ( أدنى أعلى ) له علاقة واضحة باختلاف الأنساق القيمية بين الأفراد، فمن نال تعليماً عالياً يحمل قيماً تتناسب ومستواه التعليمي. (Rokeach, 1973,p.260)

الصفحة 101

وربطت دراسة " هينتلي " بين نوع الاختصاص التعليمي والقيم، وتوصلت إلى أن النسق القيمي لدى متابعي دراساتهم في مجال الأعمال يركزون أفضلياتهم القيمية على الكسب والسيطرة، بينما اهتم المهندسون بالقيم السياسية والاقتصادية و دارسو الفزياء بالقيم النظرية و الجمالية (Huntley,1983,p.1148)

  1. القابلية المجتمعية لتغير القيم:
  2. هناك عناصر ثقافية يمكن تغييرها ويكون تغييرها أسهل من العناصر الأخرى، فالعناصر المادية لاتلاقي أية مقاومة في تقبلها وربما وجدت التشجيع، فمثلاً في الثقافة العربية نجد أننا نقبل تغيير العناصر الثقافية المادية قبل تقبل العناصر المعنوية المتعلقة بالأفكار والعادات والتقاليد، فامتلاك سيارة حديثة هو غير التقيد بإشارات المرور.
  3. هناك تفاوت في إمكانية دمج بعض العناصر الثقافية الجديدة ببقية عناصر الثقافة، لذا فإن العناصر الجديدة التي يسهل دمجها بالثقافة لا تجد مقاومة في تقبلها من الناس، وبذا فإن التغير الثقافي لا يجتاح الثقافة برمتها دفعة واحدة.
  4. إن هؤلاء الناس الذين لا يقومون على استيعاب التجديد وتقبله يقفون منه موقف المقاوم، وتأتي المقاومة للتغيير عادة من الكبار في السن، أما الصغار فإن الاستيعاب يكون لديهم أسهل.
  5. يكون تقبل التغيير أسهل إذا جاء هذا التغيير أثناء مرور الثقافة بمحنة أو بمصيبة، إذ يصبح هناك تخلخل في مدى الالتزام بالقيم، ومن الممكن أن ينظر الإنسان إلى القيم بشيء من الشك وربما الغضب، بعدها يمكن استبدالها بقيم أخرى خصوصاً إذا وقع الجميع في نفس المأزق.
  6. تقف الخسارة المادية والتكاليف حجر عثرة ) في كثير من الأحيان ) أمام التغيير، فالبرغم من توفر الأفكار والنظم الممتازة بالنسبة لأمر معين فإن التكاليف الباهظة

الصفحة 102 

تثني من عزم المسؤولين وتمنعهم من المغامرة في التغيير .

  1. من غير المستحسن، إن لم يكن من غير الممكن أن تقوم الثقافة بنقل كل شيء من الخارج، وإنما يجب أن ينبثق التغيير من الداخل ما أمكن، وذلك لأن عمليتي الاستيعاب والقبول تكونان أسهل عندما تنقل أي ثقافة عناصر من ثقافة أخرى فإن هذه العناصر الجديدة لابد أن تندمج في الثقافة الناقلة بعد عملية من التأثر والتأثير. فالإنسان الناقل يغير من طرق حياته لتتناسب مع الوضع الجديد، كما أنه يغير من العنصر المنقول ليناسب الثقافة الناقلة (عارف، 1990،91)


سابعاً – الشباب والقيم الاجتماعية :

إن الاهتمام بفئة الشباب مجتمعياً اهتمام مسوغ على امتداد الوطن العربي ولعل التركيز على هذه الفئة ضمن بحث عن القيم يشير بالدرجة الأولى أن قيم الجيل الصاعد هي التي سنبني عليها مستقبل العرب الفكري والعلمي من جوانب القيم المختلفة : الولاء والانتماء والواجب والتعاون والإيمان بقيمة العلم والعمل ومجتمعياً توصف المجتمعات العربية بأنها مجتمعات فتية ذات هرم سكاني كبير القاعدة ومتوسط الإعالة كبير. في سورية الفئات العمرية التي هي دون الرابعة والعشرين من العمر تشكل 63.3% من مجموع السكان ( المجموعة الإحصائية السورية، 2000، 65 ) ونسبة الأمية الأكبر بين النساء على امتداد الوطن العربي ونسبة المساهمة النسائية في قوة العمل الأقل، والأقل مشاركتها السياسية دليل على وجهة نظر معينة وقيمة موجودة في أذهان الناس حول تعليم المرأة وعملها.

كل التربية والتنشئة والقيم التي يتلقاها جيل معين تمتحن في فترة الشباب بوصفها ترتبط ليس بتربية معطاة من الخارج، وإنما بوصفها قرارات شخصية للفرد يرتبط بها أسلوب حياته ومستقبله.

الصفحة 103

  1. الطفل أحمد نموذجاً :


الطفل " أحمد " الذي حلم طويلاً بأن يصبح طياراً، لمجرد أنه كان يحب اللعب بالطائرات الورقية، هو اليوم شاب منعته النظارات الطبية من أن يصبح طياراً مدنياً، عليه اليوم أن يقرر بسرعة المهنة المطلوبة بعد ضياع الحلم عندما كان عمر أحمد ست سنوات قالوا له إن ابنة عمك هي خطيبتك على نية المزاح والمداعبة، يصل المرحلة الشباب التي تتطلب منه المقارنة بين ابنة عمه ليلى الفقيرة المتعلمة وابنة الجيران سوسو الثرية الجاهلة والتي ترمقه منذ فترة بنظرات ذات معنى. وإذا خطب ليلى هل يهاجر ليؤمن متطلبات الحياة ؟ أم يعمل بجد أوقاتاً إضافية ؟ وإذا تزوج : هل يؤجل موضوع الإنجاب قليلاً أم لا ... وهكذا يتعرف الشاب أحمد على أمور الحياة الاجتماعية بمختلف مستوياتها في وقت متقارب، والتي تتطلب منه اتخاذ قرارات مصيرية عاجلة لابد أن تكون مبنية على سلم الأولويات وسلم قيم موجهة للسلوك الإنساني نحو غايات مستقبلية مرجوة مسبقة التحديد.

القيم التي تنقل للطفل بواسطة التربية والتنشئة الأسرية والمدرسية ( أي عن طريق الغير ) : تصبح في مرحلة الشباب خيارات الشباب الشخصية المطلوبة منه بالذات، والتي يقوم عليها كل المستقبل القريب، فإذا اقتنع مثالنا أحمد بسلم قيم تتربع على رأسه قيمة سلبية مثل الانتهازية والنجاح بالمال، فالخيارات التي أمام أحمد تحل بتقديم رشوة إلى اللجنة الفاحصة للتغاضي عن شرط النظارات الطبية، أو تزوير النتائج، والتزوج من سوسو الثرية لأن ذلك أضمن وأسهل للمستقبل، ولن يعمل أعمالاً إضافية، لأن التهريب ليلاً عبر الحدود تبين أنه أسهل وأسرع ربحاً، وبذلك لن يضطر للاستيقاظ باكراً، وسينجب كثيراً لإيجاد من يعاونه في صفقاته. أما إذا ما اقتنع " أحمد " بسلم قيم تتربع على رأسه قيم إيجابية مثل العمل والمثابرة والعدالة.. فالخيارات التي أمام " أحمد " يمكن حلها باختيار المهنة التي تناسب إمكاناته والتي يستطيع أن يبدع فيها مستقبلاً،

الصفحة 104

سيختار ليلى المتعلمة لأنها أقدر على بناء منزل الزوجية وتقدير الأمور وتربية الأولاد سوية.. وسينحب العدد المحدد من الأولاد القادر على تربيتهم والوفاء بحاجاتهم دون ضنك. بما يرتبط بقيمة المسؤولية عن أفعالنا.. وإذا كان سلم أحمد القيمي فوضى شاملة بحيث إنه لا يستطيع تحديد الدرجة الأولى من الأخيرة ولا يوجد عنده تراتب محدد للقيم فإن قرارات " أحمد " ستكون متأرجحة دوماً وغير محددة، ولا يعرف أين تقوده خطاه فإن اتخاذ القرارات مهمة صعبة على أحمد كثيراً ومتخبطة، هذا إذا لم يختر الآخرون له خطواته. ولا يوجد في الحياة الاجتماعية ما هو شبيه بالحدود الفاصلة إلا نادراً، والغالب عند شبابنا هو التأرجح في اتخاذ القرارات وتبني القيم في مجالات الحياة التي قد تصيب وقد تخطئ وأحياناً بين بين، بمعنى أن السلوكات لا تتجه بصورة منسقة في العمل نحو أهداف مرسومة وتبقى قرارات القيم مؤجلة باستمرار.

ولهذا تسيطر قيم الحظ والصدفة إلى جانب قيم الجدية والعمل والمثابرة عند الجيل وأحياناً كثيرة عند الفرد الواحد، مما يجعل قرارات الشباب متفاوتة وغير فعالة في مواجهة الواقع، وفي إدارة دقة مركب العمر.

  1. دراسة قيم الشباب بالمقارنة :


تفتقر مجتمعاتنا العربية إلى الدراسات المتعمقة في فهم مشكلات الشباب وأزمات التوافق في القيم مع المجتمع وعاداته الاجتماعية السائدة، وخاصة دراسات تطور القيم عبر الأجيال المختلفة. لقد قامت الدكتورة " ملكة ) ملكة أبيض " بدراسة مقارنة لقيم الشباب حسب الجنس والانتماء الجغرافي والوسط الاجتماعي والاقتصادي، عام 1967 في جامعة دمشق، ثم أعادت نفس الدراسة لقيم الشباب في الجامعة، عام 1983، المعرفة ما طراً من تغيير على قيم الشباب رابطة ذلك بالتغييرات الاجتماعية والاقتصادية والسكانية والتربوية والسياسية في سورية بين الأعوام (1967-1983 ) ووصلت إلى أن : (أبيض،1984)

الصفحة 105 

  1. نظرة الطلاب إلى مستقبلهم الشخصي : ازدادت نسبة المتفائلين الذين ينظرون بثقة إلى المستقبل من %68% عام 1967 إلى 83.5% عام 1983 وذلك للاستقرار النسبي الذي ساد القطر خلال هذه الفترة.


  1.  مصادر الرضا في الحياة : مصادر الرضا كانت في دراسة عام 1976 على الترتيب التالي:  1ـ المهنة 2ـ الأسرة 3ـ القومية العربية، وفي دراسة 1983 مصادر الرضا مرتبة : 1ـ المهنة 2ـ المواطنة 3ـ الأسرة والثابتان في مصادر الرضا الثلاثة هما المهنة والأسرة، أما المتغير فهو القومية العربية، التي خسرت مكانها الصالح المواطنة. وهذه الخسارة تظهر واقعاً عربياً تشاؤمياً ينعكس على جيل الشباب بقسوة.


  1. المهن : في دراسة عام 1967 تركزت معظم الإجابات والرغبات على المهن العليا الطب الهندسة الصيدلة ( أما في دراسة عام 1983 فقد انتقل مركز الثقل إلى الأعمال الفنية الاختصاصية المرتبطة بالتقدم العلمي والتقني.


  1. الأسرة والزواج والمرأة : تدل المقارنة بين نتائج الدراستين على استمرار الأسرة في الانتقال من الشكل الواسع الممتد إلى الشكل الزوجي الضيق، وعلى العلاقات بين الزوجين باطراد باتجاه المساواة في إدارة شؤون الأسرة. انخفضت نسبة المعارضين لعمل المرأة من 51.2% في دراسة عام 1967، إلى 26% في دراسة 1983.


  1. الديمقراطية : أظهرت المقارنة الاتجاه نحو تحقيق قيم العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص على الرغم من أهمية الدراسة وريادتها .. فإن المطلوب دراسات أكثر شمولاً الفرص. في تمثيل فئات الشباب المتعددة ( مهنية واجتماعية واقتصادية وجغرافية ) لكل القطر العربي السوري.. والطموح الأكبر نحو شباب الوطن العربي، وكذلك توالي هذه الدراسات بدون انقطاع لأن المراحل الزمنية المختلفة تحمل دوماً قيمها المتجددة : المطلوب دراستها وربطها بالمتغيرات الاجتماعية الأخرى.


الصفحة 106 

لقد أبرزت دراسة " نادية الشريف ومحمد عودة " 1984 عن مشكلات طلاب جامعة الكويت : حاجة الشباب إلى ترشيح / وتبني سلم من القيم يقود خطاه ويوجهه نحو ما فيه الخير له ولمجتمعه. لذلك أجريت دراسة عيسى وحنورة، عام 1987 على نسق القيم عند كل من طلاب الجامعة المصريين والكويتيين : حيث تبين أن القيم تمثل جانباً أساسياً في بناء شخصية الشباب وأن القيم التي احتلت الرتب الثماني الأولى سواء عند المصريين أو الكويتيين تمثلت على الترتيب في الحياة العائلية – الحب – الأمن الشخصي – التطلع والاستكشاف – النقاء الديني – المعرفة –احترام الذات –  الطموح .( عيس وحنورة، 1988، 37 )

  1. أثر الإعلام الموجه للشباب :


ما اصطلح على تسميته الأغنية الشبابية اليوم هو ابتعاد مستمر عن روح الشباب وقيم الشباب الاجتماعية المطلوبة أن تسود، إلى حد الانحطاط. لقد فاز أحد الأفلام المصرية بجائزة المركز القومي للدراسات الجنائية لأهميته الكبيرة في التوعية وهو فيلم « الكيف » والفيلم يعالج مشكلة المخدرات بعمق ولكنه يربط بين المخدرات والأغنيات الهابطة التي تعشش في الدماغ على حد تعبير الفيلم – بالاستماع والاعتياد والتكرار... الحد الإدمان وتحبط بالذوق والأخلاق العامة تماماً كما تفعل المخدرات.

وليست الأغنيات الهابطة فقط تقدم قيماً هابطة في المجتمع العربي بل أن غالبية الإعلام الذي نتوجه به لشيابنا فيه الكثير من الإسفاف والابتعاد عن القيم المطلوبة للتغير الاجتماعي المنشود. والمرأة ووضعها الاجتماعي أكبر مثال على ذلك، فبدون تغير النظرة الاجتماعية إلى قيمة عمل المرأة وتعليمها، لا يمكن للمرأة أن تأخذ دورها الاجتماعي الفاعل في الحياة العامة حول ذلك كتب خضر زكريا « مطلوب من أجهزة الإعلام أن تكف عن الترويج لبضائع المجتمع الاستهلاكي وقيمه التي يحاول الغرب إغراق البلدان المتخلفة فيها، وأن تروج بدلاً من ذلك للبضائع المحلية المتواضعة، وتكرس قيم المجتمع

الصفحة  107

الوطني المتحرر من كل سيطرة أجنبية، لا بالخطب والمواعظ بل بكل الوسائل التي تشد المشاهد أو المستمع أو القارئ : بالقصة والمسرحية والفيلم والمسلسل والأغنية والبرنامج الترفيهي الإعلام التنموي ليس مجرد وسيلة للتسلية أو للإقناع، بل هو قبل ذلك وسيلة للتثقيف والتدريب وتغيير السلوك، وهذا هو ما تحتاجه اليوم أكثر من أي وقت أخر : تغيير السلوك » (زكريا، 1998، 60).

بوجود ثورة المعلومات العالمية والقنوات الفضائية المفتوحة، أصبح الحفاظ على الهوية القومية القيمية مهمة أصعب وتحتاج له تضافر جهود متعددة في كل قطر عربي. فلقد أوضح ( شيلر ) في كتابه «المتلاعبون بالعقول » : أن التلاعب بعقول الناشئة يتم بطرق شتى، وأن كل ما يبث إعلامياً يحمل قيمة معينة يراد لها الشيوع، ويحمل وجهة نظر أحدهم ! وأن ذلك يتم تحت ستار الموضوعية أو الحياد أو مجرد التسلية، ولا يتم خارج إطار المصالح الاجتماعية. لقد حلل " أريل دورفمان " وزميله – وهما باحثان من تشيلي. كتباً لشركة ( والت ديزني ( الهزلية وتوصلا إلى بعض الاكتشافات المثيرة للاهتمام ) إذ اكتشفا العنصرية والعجرفة متخللة الهزليات المستقلة عن القيمة – التي يجري توزيعها على نطاق جماهيري في كل أنحاء أمريكا اللاتينية، فأكثر من ثلاثة أرباع القصص التي قرؤوها تصور رحلة تستهدف البحث عن الذهب. وفي الربع الباقي من تلك القصص تتنافس الشخصيات على المال أو على الشهرة. وفي نصف هذه القصص تقع الأحداث في أماكن خارج الكوكب الأرضي بينما تقع أحداث النصف الآخر في أراضي أجنبية حيث تعيش أقوام تتصف بالبدائية بوجه عام، وهم جميعاً من غير غير البيض، وليسوا في حاجة للإنتاج حتى يعيشوا، وهم في النهاية مستهلكون نموذجيون ). (شيلر ،143،1999،)

  1. تشتت قيم الشباب:


عصرنا هو عصر اختلال التوزان والقوى على المستوى العالمي والعربي مما انعكس

الصفحة 108

على قيم وأفكار الأفراد في المجتمع، الذين يعيشون قلقاً حقيقياً في فترة التغير الحضاري، التي تجعل المستقبل غامضاً وسبل الوصول إليه غير واضحة، وينصب هذا القلق على القيم المطلوبة للسلوك الصحيح الذي يحقق توازن الشخصية وآمالها للحاق بالفرقة الناجية، ويتمثل هذا القلق عند فئة الشباب بصورة أكثر حدة واضطراباً لأسباب عديدة 

:

أولاها: إن هذه الفئة عاشت ظروف المرحلة العالمية الحالية التي يميزها الانقسام وظهور الأنماط الجديدة عالمياً وعربياً تمزقات ضياع حلم الوحدة العربية، واحتلال أمريكا للعراق.

وثانيهما: لأن هذه الفئة على مساس بالخيارات الأقرب لتحقيق مستقبلها الذي تخاف عليه. فرغم أن تبني القيم يبدأ منذ الطفولة الأولى ويستمر إلى ما بعد الرجولة ... فإن الشباب يطالبون باتخاذ أشد القرارات صعوبة وحدية حين يصلون لهذه الفترة من العمر الحل العديد من الخيارات المستقبلية المهمة مثل ( الزواج العمل الهجرة، الإنجاب..) والتي لا تحتمل التأجيل.

نجد أن أحد الأسباب الرئيسية لتشتت قيم الشباب هو عدم وقوع الأسرة والمدرسة والعمل والإعلام على خط مرجعي قيمي واحد والتخبط القيمي واضح في مجتمعاتنا بين هذه الأطر المرجعية القيمية للطفل والفتى القيمة نفسها تقدم بصورة متعاكسة ومتعارضة في جهات رسمية لدولة واحدة كالمدرسة والإعلام والأسرة.. والأمثلة كثيرة تتعلم في المدارس احترام لغتنا العربية الفصحى رابطة العرب الوثقى ويقدم التلفاز اختراقاً يومياً لهذه القيمة باستخدام لغة عامية ركيكة في المسلسلات والإعلانات والأحاديث. ندعو إلى ترشيد الاستهلاك بكل أشكاله في الإعلام والصحافة... ونجد أماكن العمل والمؤسسات تقدر الكهرباء والماء بصورة متعددة دون مسوغ أو حاجة فعلية مثل استخدام الكهرباء للتدفئة في المكاتب مع مخاطرها، وعدم إصلاح مصادر المياه... بحيث نتساءل لمن يتوجه الإعلان بدعواته للتقنين ؟ المشكلة أن القيمة المطلوبة لا تعمم

الصفحة 109

ولا يتم قبولها اجتماعياً، يقبلها البعض ويرفضها آخرون ولا يسمعها الأكثر.. وبهذا تبقى بدون اتساق قيمي.

في بحث عن البيئة تتبعت قيمة النظافة في حياة أطفالنا فوجدت أن الأسر لا تثبت هذه القيمة في أذهان الأطفال فيشب الطفل فاقداً لها، مثل تشجيع الطفل على إلقاء القمامة من شرفة المنزل بل إن رؤية الابن لأبيه وهو يقذف القمامة في الساعة الواحدة ليلاً : ستجعل الابن يؤمن بأن هذا التصرف مقبول اجتماعياً. إذن سنعلن في التلفاز عن ضرورة إلقاء القمامة في الحاوية بأوقاتها، ولكن ذلك لا يكفي : لأن هذه القيمة يمكن أن تخترق من إطار مرجعي آخر هو المدرسة، فإذا ذهبت لمدرسة الطفل نفسه فستجد أوراق السندويش وأكياس الحلويات على أرض المدرسة هذا أيضاً اختراق آخر، يمكن للمدرس أن ينبه الطلاب إلى عدم رمي الأوساخ على الأرض. هنا أيضاً يمكن أن تخترق قيمة النظافة من جهة أخرى، وهي أن المعلم نفسه يجب أن يكون متبنياً لهذه القيمة التي يقدمها، فلا يلقي بورقة مهملة على أرض الباحة، حتى خارج المدرسة، لأن ذلك يشكل أكبر انتقاص فعلي للقيمة التي يقدمها للتلاميذ، لأنه المثال الذي يقدم القيمة.. وهكذا نجد أن قيمة النظافة لا يمكن أن تعمم في المجتمع بصورة صحيحة وشاملة بدون تناسق وتعاون من كل الجهات والأطر المرجعية التي تتعامل بهذه القيمة أو تقدمها للطفل حتى في الأسرة الواحدة تؤدي الصراعات بين الأب والأم وسلم القيم المرغوبة عند كل منهما، إلى آثار متعددة مستقبلية على شخصية الشباب.

ففي دراسة تتعلق بدور القيم التي يتبناها الآباء في تنشئة الأبناء تبين أن نمو الضمير يعتمد على معايير الآباء أنفسهم وقيمهم كما يعتمد على طبيعة العلاقة بين الطفل وأبويه .

من العوامل التي يمكن أن تساعد على نمو مستوى الضميرعند الطفل ما يأتي :

الصفحة 110

جامدة.

يؤدي تعرض القيم بين أفراد الأسرة إلى اضطراب عمليات التطبع الاجتماعي وتنشئة الأبناء، فتنشأ شخصياتهم مضطربة بشكل يعوق توافقهم في المستقبل. لذلك يوصي المتخصصون في مجال التربية بضرورة وجود اتساق وعدم تعارض بين قيم الوالدين في تنشئة الأبناء وتنمية قيم المرونة في تفكيرهم من خلال العمل على تعميق فهم الأطفال بأن الأفكار ليست جامدة بل هي عرضة للتغيير. (خليفة، 1992،250)

والتناسق في المؤسسة المرجعية الواحدة مهم جداً لنمو قيمي متوازن عند الشباب كما وجدنا في الأسرة. هذا الأمر لا يتحقق فعلياً في الأسرة العربية كما أنه لا يتحقق في المدرسة بصفوفها المختلفة. هذا ما أثبتته الدراسات الاجتماعية بطريقة تحليل المضمون الكتب المدارس في لبنان مثلاً : حيث وجد أن الكتب المدرسية تكرس دوراً تاريخياً للمرأة داخل المنزل ودوراً محدداً للطفل الذكر خارج المنزل وهذا ما يظهر من كتب القراءة مثلاً التي تصور رباب الأنثى دوماً بهذه الطريقة : ( رباب ترتب فراشها، رباب تكنس، رباب تكوي، رباب تجلي الصحون ) بينما ماهر يلعب الكرة ماهر يشتري الأغراض، ماهر يساعد أباه.. مع أن ترتيب الفراش ليس أمراً مقتصراً على رباب وحدها.

يكتسب الفرد شخصيته الاجتماعية من خلال تعلم معارف وعادات وتقاليد وطرق عيش مجتمعه ومعاييره، ويتأثر بما يصله من المدرسة والأسرة والحي.. من محيطه الاجتماعي وذلك عبر عملية التنشئة الاجتماعية، وهذه العملية هي المسؤولة عن اكتساب الفرد السلوكياته من جهة، ومعتقداته ومعاييره الاجتماعية من جهة أخرى.( p.137.Shaffer ،1977)

والتنشئة الاجتماعية للفرد بهدف تنمية الشخصية الاجتماعية المتوازنة: عملية

الصفحة 111

مستمرة طوال حياة الفرد وتكون الشخصية متوزانة وبأقل قدر من الصراعات القيمية حين يكون هناك استقرار في مصادر الحصول على المعلومات القيمية من النظام الاجتماعي، وتتأثر الناشئة بمختلف الأزمات التي تمر بها مجتمعاتهم : فبعد هزيمة حزيران 1967 عانت مختلف قطاعات وفئات الشعب العربي من اهتزاز في صميم الشخصية وعانى الشباب من هول الصدمة التي خلفتها النكسة على الوجدان العربي عموماً. وفي فترة الحرب الأهلية في لبنان تعرض الشباب في لبنان محنة متعددة الجوانب وخاصة فيما يتعلق بقيم الولاء بعد الأحداث الدامية التي شهدها القطر اللبناني الشقيق.

لعل الأزمة التي مرت بها أمتنا العربية بعد احتلال الكويت في توازناتها وآثارها هي مثال واضح على أثر الهزات الاجتماعية على التخلخل القيمي الاجتماعي. وهذه الماسي تجد صداها العميق عند جيل الشباب في تزعزع الثقة بالمستقبل وشيوع التشاؤم، مما ينعكس سلباً على استقرار سلم القيم الشبابية : أظهر استطلاع للرأي أجرته جريدة (السياسة على عينة عشوائية من شباب الكويت : أن نسبة كبيرة دون سن العشرين متشائمون في شأن مستقبلهم، وخصوصاً ما يتعلق منه بالحصول على فرص العمل والاستقرار الاجتماعي الذي تمتع به أسلافهم من الأجيال الكويتية السابقة. وقال ) %33 ) من أفراد الشريحة العمرية التي شملت من هم تحت سن الثلاثين أن شباب الكويت سيظلون يتمتعون بفرص العمل نفسها فيما رفض ذلك ( 47% ) منهم وامتنع ( 20 ) في المئة منهم عن التعليق على السؤال. وأظهر الاستبيان أن نظرة من هم في سن الثلاثين وما فوق أكثر تفاؤلاً في المستقبل حيث قال (50 ) في المئة منهم أن الأجيال المقبلة ستظل تتمتع بالميزات نفسها التي تمتعت بها الأجيال السابقة، بينما رفض هذا القول (28) في المئة من أفراد العينة وطالبوا بأن تكون النظرة إلى المستقبل أكثر واقعية، مؤكدين أن عصر الرفاه قد انتهى، بينما أثر (22) منهم الامتناع عن إبداء آرائهم، وكانت النتائج الإجمالية للاستبيان الذي أجري على (200) مواطن من شرائح

الصفحة 112

عمرية مختلفة على النحو التالي :

هذا في الكويت البلد الغني بموارده فكيف يكون الأمر بالنسبة للدول الفقيرة في دراسة على شباب سورية ( طلبة الجامعة في أربع محافظات سورية ) تجلى ضعف الاتساق القيمي في أفكار الشباب وعدم القدرة على ترتيب الأولويات في حوار مع الشباب عن الصفات والسمات السلوكية التي يرغب الشاب في تنشئة أبنائه عليها وغرسها فيهم : اتضح أنهم يفضلون الاعتماد على النفس والاستقلال وحب العمل والتدين وطاعة الوالدين. يفضلون عمل المرأة وبعد التعمق في الحوار يرغبون المرأة للعمل في البيت، لتقوم في الأسرة على أكمل وجه ينزع الشباب إلى الحرية والاستقلال دون اتخاذ موقف العداء من الأسرة ويؤمنون بدورها في التوجيه والإرشاد.... يعرفون المخاطر الصحية لزواج الأقارب ولكن الظروف الضاغطة تدفعهم نحو اختيار زواج الأقارب. (مسلم،1996)

الصفحة 113

  1. زراعة قيم الديمقراطية والمسؤولية عند الشباب :


يضع " هشام شرابي " الاتكالية والعجز والهروب : خصائص في صميم سلوك الإنسان العربي الذي يصفه بالاتكالي البرجوازي الإقطاعي، ويجد أول عناصر النقص في الشخصية العربية هو الشعور بعدم المقدرة، وتمتع الأكبر سناً بمكانة خاصة – بغض النظر عن قدراته – تؤدي إلى خضوع الطفل على شكل سلوك الاحترام والتهذيب الشكلي والخنوع وإن سلطة العمر تستمر في سن الرشد، وهذا ما تجده . في المثل الشائع ( يلي ماله كبير ماله تدبير ). إن الشخصية العربية تنظر للمستقبل نظرة أسطورية بنوع من عدم التبصر وعجز عن التهيئة للمستقبل، كما في المثل الشائع ( مرقني اليوم وغرقني بكرا ) و ( المكتوب على الجبين لازم تشوفوا العين ). ويعول الشرابي على دور كبير للتلفاز في تعزيز القيم الاجتماعية والثقافية كأفضل وسيلة لنقل المعلومات، لأنه يتيح التأثير بشكل واسع النطاق في جماهير المشاهدين عبر العالم العربي، إلى جانب شخصيات متعددة تسهم في تنمية شخصية ( الطفل – الشاب – الرجل ) هي : الأب – الأم – المعلمون .

» ومن شأن القيم الاجتماعية أن ترفع حالياً روح الجماعة وتقوي التضامن الاجتماعي، ولكن هذه القيم لا تلقى الرعاية الكافية في العائلة العربية فالولاء العائلي ينمى أكثر من الروح الاجتماعية، والتنافس أكثر من التعاون والحسد أكثر من الأخوة والأنانية أكثر من روح الخدمة أما نتيجة ذلك فهي مجموعة من المواقف المعادية للمجتمع التي يتصف بها سلوك الأفراد ». (شرابي، 1981،151)

 تبرز أهمية متابعة البحث عن جذور فهمنا للديمقراطية في مجتمعاتنا على المستوى السياسي والاجتماعي ومدى ممارستنا لها في حياتنا العائلية من خلال التنشئة، وعبر مراحل التعليم المتتالية، ويرى الباحثون أن القيم التي ترتبط بالديمقراطية ويلتزم بها الأفراد تنتقل إليهم عبر الأجيال المختلفة وأهم هذه القيم:

  1. تقدير المشاركة العامة في اتخاذ القرار وضمان حرية التعبير.


الصفحة 114

  1. مسؤولية الفرد عن أفعاله.
  2. الاهتمام بحقوق الإنسان والابتعاد عن استغلال الآخرين واضطهادهم.
  3. تحقيق العدالة بين جميع أفراد المجتمع.

وتعتبر طفولة الفرد وتنشئته الاجتماعية العامل الأهم في سلوكه السياسي اللاحق فحين تسيطر روح الديمقراطية واحترام الآخرين في العائلة تسيطر في المجتمع الديمقراطية. وحين يكون الخضوع للأب تغييباً لشخصية الطفل والشاب في اتخاذ القرار ينعكس ذلك سلباً على السلوك اللاحق.

وتكمل المدرسة دور الأسرة في مجتمعنا في تكريس الخضوع المطلق للسلطة الأعلى وهي هنا إدارة المدرسة وخاصة معلم الصف : بما ينعكس سلباً على نحو التهرب والخضوع والتسلط في سلوك الشباب المستقبلي تنشيط دور المدرسة وتفعيل دورها مهمة تصدى لها أكثر من باحث لما لها من أهمية في إكمال منظومة القيم الاجتماعية الفردية بعد الأسرة عند الفرد، بما يعزز خاصة قيم الديمقراطية والمبادرة والمسؤولية وهذا يقتضي : (العايد،65،1995)

  1.  تدريب التلاميذ على العمل المشترك المتضامن وعلى التعاون.
  2. حثهم على تطبيق الديمقراطية في تنظيمهم لحياتهم المشتركة ونشاطاتهم المختلفة.
  3. إفساح المجال أمام الطلبة لممارسة المسؤولية المشتركة عن طريق المشروعات الجماعية وسواها.
  4. الأخذ بمبدأ العدالة وتطبيقه في حياة الطلاب والمدرسين ونشاطاتهم داخل المدرسة.
  5. تعزيز روح المبادرة لدى الطلاب وتقوية حسهم النقدي وإذكاء روح الحوار فيما بينهم .
  6. التركيز في المناهج التعليمية على التراث الإنساني في ا في الثقافة المحلية، تحديداً على بينهم جوانب هذه الثقافة التي تبرز حرية المواطن الشخصية وحقه في ممارسة حقوقه

الصفحة 115

السياسية والمدنية.

  1. التخلي عن مناهج التعليم التلقينية التي تكرس نظاماً قهرياً تسلطياً يدرب التلاميذ على أن يكونوا مجرد متلقين، ووعاء يجري ملؤه بانتظام من جهة خارجة عنهم. إن مثل هذا التعليم التلقيني أو ما يسمى بالتعليم البنكي) يقلل القدرة الإبداعية لدى الطلاب، بل يكاد يلغيها خدمة لأغراض القاهرين الذين لا يرغبون في أن يصبح العالم مكشوفاً كما هو للمقهورين، وأن يصبح موضوعاً للتغيير بالتالي.
  2. وأخيراً، لابد أن تكون آليات النظام التعليمي ووسائله متكاملة من روضة الأطفال إلى المدرسة الجامعة إلى وسائل التعليم غير النظامي ... حتى تكون التنشئة على الوعي بالديمقراطية عملية مستمرة وقادرة على المساهمة في إعادة إنتاج وعي مجتمع بأكمله لحقوقه وواجباته الفردية والمجتمعية.

تؤثر الحياة العاطفية للشباب في مجمل إنتاجهم وإبداعهم وحياتهم المستقبلية، حين يعيش الشاب في أسرة تحترم عواطفه وتقدرها يجتاز مراهقته بسلام وهدوء نفسي لتنمو في شخصيته معالم النضج السوي والتهذيب السلوكي، إذ أثبتت الدراسات للمراهق اعتماده في تفسير العديد من أمور حياته على القيم الوالدية، وإن أظهر شكلياً التمرد عليها ولكنه مرتبط بها ارتباطه بجذوره الأولى المنغرسة في لحاء منه . ( كركوتلي، 1985، 118 )

وقد تبين أن أكثر من نصف الأحداث المنحرفين قد عانوا من قصور عاطفي هو نتيجة: إما لوفاة الوالدين أو أحدهما وإما لافتراقهما، وإما لقلة اكتراثهما أو برودتهما أو أنانيتهما أو عجزهما أن يحيا. (شازال، 1983، 35)

من أولى الجماعات المرجعية التي يجب أن تتسق داخلياً وخارجياً مع الأطر الشاب لكي يقدم على الحياة وتنمو شخصيته متوازنة ويبدأ منها . الأسرة المرجعية الأخرى عند الشاب لكي إنتاج قيم جديدة.

ويلح علينا في ختام الحديث عن علاقة الشباب بالقيم الاجتماعية التطرق إلى

الصفحة 116

موضوع الانتماء عند الشباب والذي أسال الكثير من المداد إذ أن الجيل السابق دائماً يتهم الشباب بأنهم لا يحملون انتماء حقيقياً لمجتمعاتهم.. إذ أن الانتماء هو الارتباط والتعلق بهدف محدد في الحياة ( ارتباط بالوطن ارتباط بالأسرة، ارتباط بالثقافة، بدون تراتب لأن التراتب يرتبط بالقيم المختلفة والمتفاوتة في تقدير كل مجال وتبنيه ). يشعر الإنسان بأنه يعيش من أجل هذا الهدف وأن حياته مكرسة لتحقيقه.

هناك انتماء بالولادة من أهل ووطن محدد وجنس لا يتدخل فيه الإنسان، وانتماء باختيار الإنسان لتحقيق هدف محدد من حياته وهنا رغبة الإنسان وطموحه، فتحديد الهدف من حياة كل منا هو انطلاقة مهمة في حياة الشباب، فحين يتحدد الهدف يتعرف الشاب ويقدر الوسائل المتعددة للوصول إلى هدفه. ووجدنا أن لكل جيل قيمه وأهدافه الخاصة. لذلك يجب أن لا يزن الجيل السابق القيم والأهداف الحالية بمعايير القيم التي كانت سائدة سابقاً لأن الزمن في تغير مستمر والانتماء يوفر للشاب جواً من الاستقرار النفسي والطمأنينة تجعله واثقاً من نفسه ، بما يساعده للاتجاه نحو الأمام بقوة، ليكون إنساناً منتجاً وفعالاً في المجتمع الذي ينتمي إليه بقيمه وحياته، فالانتماء قضية أكبر من وجود الشاب ضمن المجتمع وجوداً اسمياً، وإنما هو وجود فعلي من التلاحم مع قضايا المجتمع وتطلعاته حتى الشهادة ...

إن تنازع القيم الحالي في المجتمعات النامية عموماً يؤثر في تأخير تحديد سلم القيم والأهداف الشبابية، والوصول إليها والعمل المشترك في كل المجتمع هو الكفيل بزيادة الانتماء عند جيل الشباب لتسلم مهمة العمل على نحضة المجتمع وتحقيق المستقبل الأفضل.

ثامناً – الإنسان والقيم :

إن القيمة تحاصر الإنسان وتستولي عليه ولا يمكننا أن نتصور وجوده بدونها،

الصفحة 117

وكذلك لا يمكننا أن نتصور وجودها بدونه فهي قيم بالنسبة إليه لأن وجوده يتطلبها حتى يستقيم. والقيم تطلب منا التمسك بها، من جهة لأنها تعطي لوجودنا بعداً وقدراً لم يكونا له، وتجعلنا نرغب في الزيادة منها من جهة أخرى لأنها تجعلنا نشرف على آفاق الوجود الكامل الحق الذي يجذبنا إليه ويحملنا على الاستمرار في طلبه والبحث عنه.

فالإنسان مهما كان مستواه لا يستطيع العيش بدون قيم، أو أن يترك البحث عما هو أسمى في نظره من القيم الحاصلة له، لأن القيمة في النهاية هي كل شيء بالنسبة إليه وهي بالنسبة إلينا كل شيء وكل فعل وكل وصف مرغوب فيه أو قابل للرغبة فيه، يحفظ وجوده ويسعده ويثريه، وهي كل ما يثبت إنسانية الإنسان ويؤكدها ويسمو بها من درجة إلى أخرى » (ميمون 1980، 327 ) فالإنسان على صلة دائمة بالقيم، والقيم التي يتعلق بها هي أنواع كثيرة متفاوتة يسمو بعضها على بعض ويتجاوزه تجاوزاً يجعلنا تتعلق به أكثر مما هو دونه وتبدو أزمة القيم التي يعاني منها الإنسان المعاصر أكثر حدة عند جيل الشباب الذي يعاني غموضاً في الهوية وضياعاً في الأهداف وخاصة بعد الأزمات والهزات الاجتماعية والسياسية العميقة التي عصفت بالعالم المعاصر، يجد الشاب نفسه اليوم موزعاً بين أهداف وغايات متعددة، وتوزعاً في القيم المطلوبة مع الرغبة المشبوة لبلوغ الكامل والوحدة كي يتهيأ له السلام مع النفس والعالم أجمع.

إن التقدم بالمجتمع مهمة عاجلة لكل الأجيال: تتحقق و ممكنة بتجاوز السلبية والانتماء لهموم المجتمع العربي الذي يتطلع للمستقبل العربي المنشود. وتوجيه طاقة كل الشباب لهذا الغرض القومي أحد أهم المتطلبات العاجلة.

فهل نستطيع أن نقدم لهذا الجيل تناسقاً حقيقياً للأطر المرجعية القيمية التي : من التقدم نحو المستقبل بخطوات ثابتة ؟.

الصفحة 118



الفصل السادس: التنشئة الاجتماعية

أولاً – اتجاهات التنشئة الاجتماعية 

ثانياً – التنشئة واختلاف الثقافات

ثالثاً – التنشئة والإطار الثقافي

رابعاً – خصائص الثقافة

الصفحة 119

يقصد بالتنشئة الاجتماعية ( العملية التي تحدث تغييرات في الطفل البشري منذ ولادته، وينتج عنها اكتسابه الصفة الاجتماعية الإنسانية) (داود، 1988،208). يطلق أحياناً على التنشئة الاجتماعية التطبيع الاجتماعي) أو (التشكيل الاجتماعي). التطبيع الاجتماعي عملية تربوية مكتسبة من الحياة المحيطة تعتمد على استعداد الفرد وقدراته وطبقته الاجتماعية ومستواه التعليمي ». (ناصر استيتيه، 1984،31) 

التنشئة الاجتماعية Socialization :

هي العملية التي يكتسب فيها الفرد المواقف والقيم والسلوك والعادات والمهارات التي تنتقل إليه من خلال تفاعله مع البيئة المحيطة، يصبح الأطفال بموجب ذلك راشدين يسهمون في نشاط المجتمع الذي ينتمون إليه ويتمثلون مطالبه ويعملون على تطوره وإحداث تغيير فيما هو سائد (دكاك، 1991،24)

وما يستوعبه الفرد من البيئة المحيطة يختلف عن استيعاب فرد آخر في نفس الظروف وفي نفس البيئة، ولو تربوا تربية متساوية ومتشابهة، إلا أن تكيفهم وتطبعهم يكون مختلفاً في المراحل العمرية المختلفة وكذلك تكون النتيجة مختلفة، لأن عملية التطبيع عملية مستمرة مدى الحياة وتخضع المؤثرات خارجية وأخرى داخلية، هذه المؤثرات هي التي تؤثر في اختلاف التطبيع والتطبع.. يتضح أن العملية التربوية هي عملية اجتماعية ونابعة من النظام الاجتماعي الذي أنشأه المجتمع المحلي ورضي به.

إن التفاعل بين التربية وعلم الاجتماع واضح في جميع المجالات الإنسانية. فالتربية عملية تنموية وتراكمية تكون من الأفراد في نطاق المجتمع وتطبعهم بطباعه وتحيتهم وفق مخططاته، وترسم حياتهم على أسس من ثقافته وتصبغهم بصبغته، وتهيئ سلوكهم بما يناسب المعمرة الفعلية التي رضى عنها الناس.

إن التربية عملية شاملة تحتم بالفرد عضواً في الجماعة كما تحتم بالجماعة مجموعة من الأفراد. تراعي فيها النواحي الشخصية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية للفرد، إنها

الصفحة 121

عملية إعداد الفرد المتكيف مع الجماعة ومع المجتمع الإنساني بشكل عام. فالتربية عملية ثقافية اجتماعية تستمد مادتها من المجتمع ونظمه ومعاييره وقيمه لتحقيق أهداف مرسومة ومخطط لها من كبار ذلك المجتمع ومفكريه.

هي إذن ظاهرة اجتماعية فحيثما يوجد الفرد في حالة تفاعل مع غيره من أفراد مجتمعه تنبثق التربية ظاهرة محددة لأنماط التعامل والضوابط التي تشكل طبيعة العلاقات الاجتماعية وتزود الأفراد بالأنماط والقوالب الفكرية والسلوكية. (ناصر، استيتيه،32،1984).

أولاً – اتجاهات التنشئة الاجتماعية :

يمكن التمييز بين اتجاهين حول مفهوم التنشئة يركز الاتحاد الأول على الفرد الذي يتوجه إليه المجتمع ويؤثر فيه دون أن يكون للفرد تأثير مقابل في المجتمع فعملية التنشئة ذات اتجاه واحد. يقول " اميل دوركهايم " : « إن الإنسان التي تود التربية أن تحققه فينا ليس هو الإنسان كما خلقته الطبيعة وإنما هو الإنسان كما يريده المجتمع أن يكون ».

وبموجب هذا الاتجاه تصبح التنشئة عملية نقل التراث كما يتفاعل الأفراد مع الثقافة السائدة على أنها ثقافة المجتمع ككل والتي يجب أن تكرسها التنشئة، ويترتب عند أصحاب هذا الاتجاه على عملية التنشئة تكامل المجتمع على المدى الطويل.(ناصر، استيتيه، 32،1984)

على جميع المستويات والأنساق، تعد مظاهر عدم التكيف مع الثقافة السائدة، ظواهر مرضية ولا تحمل آفاق التغير الاجتماعي.

بينما ينظر أنصار الاتجاه الثاني نحو تنشئة تختلف نوعياً وجوهرياً عن التنشئة السائدة، فالتنشئة كما يرونها هي العملية التي يكتسب الفرد من خلالها هويته الشخصية التي تسمح له بالتعبير عن ذاته وإحداث تغيير فيما هو سائد (داود، 1988، 209).

الصفحة 122

  1. التنشئة واختلاف الثقافات:

يجمع علماء الثقافة على اختلاف مدارسهم على أن الثقافة ظاهرة إنسانية تتعلق بالإنسان وحده دون سائر الحيوان ويجمع علماء النفس والاجتماع على أن سلوك الإنسان في المجتمع. هو نتاج لعمليات معقدة من التعلم فليس السلوك الإنساني آلياً جامداً كسلوك الحيوان حيث ينجم أصلاً عن مجموعة الغرائز والدوافع الفطرية. (قباري، 1984، (163

«ويكتسب الفرد من المجتمع الذي يعيش فيه المعارف والمعتقدات والفنون والقواعد الأخلاقية والقوانين والعادات وغيرها من المهارات والقدرات وبمعنى آخر فالثقافة المجموع الكلي لطرق التفكير والتنفيذ في الماضي والحاضر الجماعة من الجماعات، مكتسبة أي متعلمة تنقلها الجماعة للأبناء والأحداث كما يتناقلها الآباء عن الأجداد وهي من صنع الجماعة نفسها في الميراث الاجتماعي الذي يولد الطفل وينشأ فيه ويتعلمه» (جلال، 1974، ص 135).

والتنشئة الاجتماعية الثقافية تبعاً لذلك هي تشكيل الفرد عن طريق ثقافته حتى يتمكن من الحياة في هذه الثقافة ولكل ثقافة طابعها الخاص والذي يميزها عن غيرها من الثقافات وتحاول كل ثقافة طبع أفرادها بطابعها، لذلك يمكن ملاحظة الطابع المشترك لأفراد الثقافة الواحدة، والذي يميزهم عن غيرهم «والطابع المشترك الذي تحاول كل ثقافة أن يكون لأبنائها يؤدي إلى وحدة الميول والاتجاهات النفسية بل والتفكير والعمل وهذا أبناء الوطن الواحد إلى إكبار كل ما يمت إلى وطنهم وثقافتهم بصلة وانتقاد ما عداه.

إن لكل مجتمع انماطه الثقافية ومشكلاته الخاصة وخصائصه النفسية التي تكونت تدريجياً خلال نموه التاريخي وخلال تفاعل أفراده مع ظروف حياتهم ووجودهم

الصفحة123:


الاجتماعي، وهي كلها تحدد اتجاهات المجتمع ومصالحه وأهدافه، يتفاعل معها أعضاء المجتمع وتؤثر في شخصياتهم كما يتأثر به (داوود، 1988، 215).

وتؤدي بالتالي إلى نمط معين في الشخصية غالباً ما تكون مشتركة بين معظم أفراد المجتمع الذين يعيشون ضمن إطار ثقافي واحد. ويستند هذا التشابه إلى تشابه العمليات الأساسية للتنشئة التي تتم في المجتمع الواحد.

«إن تشابه العمليات الأساسية للتنشئة قد يتضاءل أحياناً ويتضخم أحياناً أخرى في المجتمع الواحد تبعاً لعوامل متعددة: اجتماعية اقتصادية، سياسية، جغرافية، نفسية، إذ ينعكس في أساليب تنشئة الأطفال خصائص فئات المجتمع التي تعكس الظروف الخاصة بحياة كل فئة وبتاريخ تطورها» على الرغم من أن المصالح القومية تطغى عليها وتبرز في مواقف معينة كأيام الحروب) داود، 1988، 216).

ويرجع” فرح “التباين الذي يحدث في أنماط التنشئة سواء في المجتمع الواحد أو بين المجتمعات المختلفة إلى «التغيرات التي تحدث في القيم الاقتصادية والاجتماعية أو السياسية أو المنهج التربوي، ومن خلال القيم التي تُبث من خلال أجهزة الاتصال» (فرح، 1980، 25).

  1. التنشئة والإطار الثقافي:

تتم التنشئة ضمن إطار ثقافي اجتماعي ترتبط معه بعلاقة تفاعلية. ولا يمكن أن تكون التنشئة مستقلة عن الإطار الذي تتم داخله فهي ليست مستقلة عن المعتقدات والقيم والمعارف والإيديولوجية والسياسة وكل التأثيرات الاجتماعية الاقتصادية... وبالتالي فالتنشئة ليست محايدة وليست خارج نطاق الإرادات وتنظيم العلاقات الاقتصادية العلاقات السياسية الاجتماعية – الأخلاقية.

لهذا فالتنشئة الاجتماعية لا يمكن أن تعد عملية فردية، إنها عملية اجتماعية

الصفحة124:


تكيف أفعال الأفراد وتتفاعل معهم.

والإطار الثقافي هو ما صنعته الجماعة خلال تاريخها، معنى هذا أنه لا يعني فقط مضامين التنشئة بل يعني أيضاً الأساليب التي يتبعها المجتمع في تنشئة أفراده حيث يكتسب الأفراد أساليب سلوكهم ومضامين اتجاهاتهم وطرق تفكيرهم.

إن هناك ترابطاً منطقياً بين ما ينقل خلال عملية التنشئة وكيفية نقله، فيكتسب الأفراد خبرات معينة واتجاهات معينة تتناسب مع مضامين تلك الخبرات، والاتجاهات تؤدي بالتالي إلى نمط معين من الشخصية يتميز بصفات خاصة غالباً ما تكون مشتركة بين معظم أفراد المجتمع الذي يعيشون ضمن إطار ثقافي واحد، ويختلف النمط الشائع للشخصية من مجتمع إلى آخر.

  1. خصائص الثقافة:

هناك عدة خصائص للثقافة تحدد ملامحها وطبيعتها من هذه الخصائص:

  1. تعتبر ذات طبيعة مكتسبة ومتعلمة بمعنى أن المجتمعات تنقل الثقافة عبر علاقات التفاعل الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية فهي ليست وراثة بالمفهوم البيولوجي للثقافة.
  2. توفر الثقافة إجابات جاهزة لكثير من مظاهر سلوك وعلاقات الأفراد وتفاعلهم الرمزي.
  3. تعتبر وسيلة من وسائل التكيف الاجتماعي.
  4. تساعد الثقافة في عملية التنشئة الاجتماعية وتعتبر إطاراً عاماً لها.
  5. تُعبر الثقافة عن إنتاج إنساني وعن دور الإنسان في نقلها وحفظها وتوجيهها وتعديلها وتطويرها.
  6. تؤثر الثقافة في الإدراك الاجتماعي المرتبط بمنظومة الرموز التي يتعامل بها الأفراد

الصفحة125:


في لغة التخاطب.

  1. يتم عن طرق الثقافة تطوير الشعور بالمعنى العام والهدف العام. 
  2. تقلل الثقافة من مظاهر سوء الفهم لدى أفراد المجتمع الواحد.
  3. تحدد الثقافة الملامح العامة لكثير من الأدوار والوظائف الاجتماعية.
  4.  تملي الثقافة طبيعة وكيفية مواجهة متطلبات الحياة والأساليب التي تساعد على ذلك. (دروبي، 122 ،1987(

 إن الإطار الثقافي بما فيه من جماعات ومؤسسات وما يتضمنه من أنماط سلوكية وخصائص نفسية وعادات وتقاليد تعمل على تنمية الشخصية الإنسانية وإكسابها أنماطاً سلوكية معينة واتجاهات وقيماً، ترتفع بها وتحولها من مستوى الفردية البيولوجية إلى مستوى الشخصية الإنسانية التي تستطيع الإسهام في تطور المجتمع وفي تكوين الحضارة الإنسانية.

 فوسط الجماعة الذي ينشأ فيه الفرد يؤدي دوراً أساسياً في تكوين شخصيته وذلك من خلال تفاعل الطفل مع هذا الوسط.

الصفحة126:



الفصل السابع: الدور الاجتماعي

  1. المركز والدور
  2. تعلم الأدوار
  3. علاقة الدور بالأدوار الأخرى
  4. أنواع الأدوار الاجتماعية
  5. حركة الأدوار
  6. جدل العلاقة بين الدور والشخصية

الصفحة127:

نتكلم الآن على جزء آخر من عملية التطبيع الاجتماعي فنحن نعرف أن كل فرد إنساني ولد في مجتمع معين قد استقر على شكل من الأشكال واتخذ لنفسه نوعاً من التنظيم، فالمجتمعات الإنسانية حتى البسيطة منها تتميز بتكوين اجتماعي معقد ومتداخل ومتشابك في أجزائه المختلفة إلى حد بعيد. فإذا أرادت العملية التربوية أن تقوم بهدفها كعملية تطبيع اجتماعي كان عليها أن تعرف النظام الاجتماعي الذي يسود المجتمع والتنظيمات الاجتماعية المختلفة التي يقوم عليها بناء المجتمع. ولذلك كان من الضروري من جانب التربية أن تفحص تنظيم الجماعات والمجتمعات، إذ أن هذا التنظيم يمدنا بالمعيار الاجتماعي الذي يدرك على أساسه أعضاء المجتمع الآخرين ويحكمون على سلوكهم. وكلما كان أعضاء المجتمع أكثر تكيفاً لوظائفه وأدوارهم الاجتماعية كان قيام المجتمع بوظيفته أكثر كفاءة ويسراً. (النجيحي، 1981،141. ( 

  1. المركز والدور:

المركز والدور مكونان لكل وظيفي، واحد فالجماعة التي يولد فيها الفرد الإنساني تحدد المركز الذي يحتله والدور الذي يجب أن يقوم به.

فالمركز إذن هو المكان الذي يحتله الفرد في المجتمع على أساس العمر، أو الجنس، أو المولد، أو المهنة، أو الزواج. والدور هو السلوك الذي يقوم به الفرد في المركز الاجتماعي الذي يشغله.

لقد كانت مطاوعة الشخصية الإنسانية عند المولد هي السبيل لتعليم الفرد الإنساني أن يحتل مراكز اجتماعية مختلفة، وأن يؤدي أدواراً اجتماعية مختلفة تتحدد على أساس الإمكانات العقلية والجسمية التي يولد بها الطفل، وتتحدد شخصية الفرد وتنمو ونتيجة التفاعل بين الأدوار والمراكز الاجتماعية التي حددتها الثقافة وبين الاستعدادات البيولوجية للطفل.

الصفحة129:


وتختلف الثقافات في تنوع المراكز الاجتماعية وأهميتها، ففي الثقافة البدائية تتصف المراكز بالجمود والتقليدية مما يجمد الحركة الاجتماعية لهذه المجتمعات.

وبتقدم الثقافة يتعقد المركز الاجتماعي بسبب مجهود الفرد وعمله وليس نتيجة لمولده وجنسه (ناصر، 1992، 171).

ونظراً لما بين المركز الاجتماعي والدور الاجتماعي من ترابط وثيق قام العديد من العلماء بتعريف كل منهما: (الدور والمركز) على أساس الترابط الموجود بينهما فها هو ميريل يقول: «المركز هو الوضع الذي يشغله الفرد في مجتمع بحكم سنه أو جنسه أو ميلاده أو حالته العائلية أو وظيفته أو تحصيله والدور هو الجزء الذي ينتظر من الفرد أن يؤديه في كل سلسلة. من المراكز، والدور والمركز عنصران متبادلان في الشخصية يتعلق كل منهما بأحد مركبات الكل الوظيفي المختلف عن المركب الآخر، وكلاهما نتاج اجتماعي لأن أحدهما لا يمكن أن يقوم دون الآخر».

ويقول لنتون في ذلك «المركز هو المكان في جهاز ما والذي يشغله فرد معين في وقت معين، بينما الدور إشارة إلى المجموع الكلي للأنماط الثقافية المرتبطة بمركز معين، وبذلك تتضمن الأدوار الاتجاهات والقيم والسلوك التي يضعها المجتمع لكل فرد يحتل هذا المركز، ويعتبر الدور الاجتماعي الجانب الديناميكي للمركز».

أما ستيبوتاني فيقول: «المركز هو موقف الشخص في جماعة، ويكون ثابتاً نسبياً ولا ينخفض أو يرتفع عادة إلا بالتدريج) ببطء)، أما الدور فهو مساهمة العضو الفرد في الجماعة».

بهذا يقوم كل من يحتل مركزاً من المراكز الاجتماعية بنمط معين من السلوك يرتبط بهذا المركز وبما يتوقعه أفراد ثقافة معينة ممن يحتل هذا المركز هذا النمط المعين من السلوك هو الدور الاجتماعي.

يرتبط الدور الاجتماعي لفرد معين بالأدوار الاجتماعية للأفراد الآخرين، وبذلك

الصفحة130:


أيضاً يتضح ارتباط الدور بالمركز الذي يحتله والتأثير والتأثر الذي يحدث بينهما. 

ويصبح المركز الاجتماعي نتيجة لذلك تنظيماً اجتماعياً لمجموعة من التوقعات الخاصة بالدور الاجتماعي. وهذه التوقعات نوعان: الحقوق والواجبات، والحقوق هي الأنماط السلوكية التي يتوقعها القائم بالدور الاجتماعي ممن يقوم بالدور الاجتماعي المقابل، مثال ذلك الوليد يحتل مركز الطفل والأم تحتل مركز الأم، والطفل في مركزه يقوم بدور معين يتوقع فيه حقوقاً معينة ممن يحتل مركز الأم، فهو يتوقع أن تحميه وتغذيه وتقوم برعايته ... (النجيحي 1981، 145).

إن الشخص الذي يحتل مركزاً من المراكز الاجتماعية في المجتمع إنما يقوم بدور اجتماعي معين نتيجة لاحتلاله هذا المركز، هذا الدور الاجتماعي يكون موجهاً نحو آخر أو مجموعة أخرى لها مركز اجتماعي معين وبالتالي لها دور اجتماعي، أي أن هناك في المجتمع دائماً تفاعلاً بين دور ودور، وينتج عن هذا التفاعل حقوق من ناحية وواجبات من ناحية أخرى ثم واجبات وحقوق وهكذا. أي أن الطفل عندما يقوم بدوره إنما يجد أن عليه واجبات نحو أمه وله حقوق لديها مما يؤدي إلى أن يكون لدور الأم حقوق وواجبات أيضاً لدى الطفل.

  1. تعلم الأدوار:

الأفعال التي تتخذ نمط الأدوار الاجتماعية يتعلمها الفرد بطريقتين: الطريقة الأولى التعليم القصدي. والطريقة الثانية التعليم العرضي. على أن هاتين الطريقتين قد تعملان إلى جنب في تعاون تام. فأي مجموعة من الأنماط السلوكية المتوقعة بالنسبة لدور معين هي في أغلب الأحيان مزيج من التوقعات المكتسبة عن طريق التعليم القصدي والتعلم. أما العرضي التعليم القصدي فإن الثقافة تقوم به، فتعلم أفرادها أفعالاً معينة، لها أوصاف معينة وطريقتها في ذلك تكافئ على الأعمال التي تقبلها وتعاقب على الأعمال

الصفحة131:


التي لا ترغب فيها، وفي كلتا الحالتين نجد أن هناك نظاماً قصدياً مرسوماً لتعليم الطفل أنماطاً سلوكية معينة خاصة بدور معين.

أما التعلم العرضي، فعن طريقه يكتسب الفرد طرق السلوك التي يجدها لدى الآخرين في بيئته. ومن هذه الأشكال العديدة التي يتخذها التعلم العرضي: اللعب، ولعله من أكثر الأشكال الملاحظة انتشاراً، ولقد كان” جورج هـ. مید” أوائل العلماء من الذين اعترفوا بأهمية اللعب في اكتساب وتعلم الأدوار الاجتماعية. ينتج عن اللعب، على الأقل نتيجتان رئيسيتان بالنسبة للأطفال أولاً اكتساب الأدوار، ثانياً: اكتساب المهارات في الأدوار المختلفة. ففي اللعب يستطيع الطفل أن ينتقل من دور إلى دور دون أن يلاحظ المنطق الشكلي الذي يتبعه الكبار، وهذه الحركة والانتقال من دور إلى دور يتيح للطفل أن يقوم بدوره وبدور الآخر، ولعل هذا الانتقال من دور إلى دور وقيام الطفل بها جميعاً، واكتسابه للمهارات المختلفة المرتبطة بهذه الأدوار، يساعد على سرعة عملية التطبيع الاجتماعي ويعمقها. (1934, Mead).

وفي اللعب أيضاً عمليات تخيلية كثيرة تقوم على أساس القيام بأدوار مناسبة لمراكز حقيقة أو متخيلة وتقوم هذه الأدوار والمراكز على أساس القصص الشعبي والخرافات والأساطير والأنواع الأخرى من القصص.

  1. علاقة الدور بالأدوار الأخرى:

فهم الفرد لدوره الاجتماعي وقيامه بواجبات هذا الدور قياماً سليماً يعتمد من بين عليه، على فهمه الأدوار الاجتماعية الأخرى التي يقوم بها أفراد المجتمع الآخرون. فقيام الزوجة بدورها يكتمل عندما تعرف دور الزوج أيضاً وتفهمه على أساس اجتماعي سليم وقيام الابن بدوره يعتمد أيضاً على فهمه دور الأم والأب. ومعنى هذا أن معرفة الإنسان دوره لابد له من معرفة تامة بالدور المكمل له، وبذلك لا يعرف الفرد

الصفحة132:


فقط ما يجب عليه القيام به، بل يعرف أيضاً ما يتوقعه من الآخرين. وتتضح هذه الفكرة إذا ما طبقت على أدوار اللاعبين في فريق كرة القدم أو فريق التمثيل مثلاً، فكمال قيام الفرد بدوره في فريق كرة القدم أو في التمثيل يتوقف إلى حد كبير على معرفته وفهمه للأدوار التي يقوم بها الآخرون.

ويتضح التأثير والتأثر بين الأدوار المختلفة فيما سبق قوله من أن الدور يتضمن نوعاً من الحقوق والواجبات، فلكل دور حقوق نحو أدوار الآخرين وعليه واجبات نحوها. فالزوجة لها حقوق على الزوج وعليها واجبات نحوه، وكذلك الأم لها حقوق على ابنها وعليها واجبات نحوه ولولا أن كل دور يتحدد في علاقة مع دور أو أكثر من الأدوار الأخرى، لما كانت هذه الحقوق وتلك الواجبات ولا يمكن لهذه الحقوق والواجبات للأدوار المرتبطة أن تتسق ما لم تكن هناك مفاهيم عامة مشتركة للجماعة كلها. 

على أن هذا الاعتماد المتبادل بين الأدوار المختلفة في الإطار الاجتماعي العام وكذلك بين الأدوار المتقابلة يتضح إذا ما أدركنا أن أي تغير في دور أحد الأفراد يستدعي تغيراً مناسباً في الدور المقابل وذلك في حدود الإطار العام لهذه الأدوار، فدور الأم مثلاً يعتمد في نواح مختلفة على الأدوار الأخرى في الأطر التي تكون الإطار العام لها. فدورها نحو الطفل يتغير إذا ما أصبح الطفل مراهقاً وإذا ما أصبح رجلاً، ويتغير دورها إذا ما توفي زوجها: أي أن مثل هذه التغيرات في أدوار الآخرين تؤدي إلى تغيرات في أنواع السلوك هذا أن دورها في أية لحظة يتأثر بالإطار الكلي الذي يكون دورها جزءاً منه. (النجيحي، 1981، 151)

كل دور اجتماعي يرتبط بعدد كبير من الأدوار الاجتماعية المختلفة في نسيج الحياة الاجتماعية، بحيث من الصعب فهم دور الفرد دون فهم علاقته بغيره ضمن ثقافة المجتمع.

لهذا يضع (دارندروف) مفهوم الدور مثل «فيزياء البنية الاجتماعية النووية» إشارة

الصفحة133:


إلى ترابط وتفاعل الأدوار: فكما أن لكل إلكترون حركة ودوراً في مكان محدد ضمن الذرة يرتبط بالنواة ويرتبط بالإلكترونات الأخرى، كذلك لكل إنسان دور يؤديه في المجتمع يرتبط بأهداف المجتمع ويراعي حقوق وواجبات أفراد المجتمع.

شكل بنية الذرة المماثل لتوزّع الأدوار في المجتمع كما يراها " دارندروف"،

 وهذا يدل على شدة ارتباط الأدوار وتوزّعها المحدد) انظر الملف الورقي ص 134: (

  1. أنواع الأدوار الاجتماعية:

في كل ثقافة أدوار اجتماعية متعددة ترتبط بحجم الجماعة ونوعها وتعقد أغراضها، وللتحليل فقط، يمكن تصنيف الأدوار الاجتماعية إلى أدوار طبيعية (مفروضة) وأدوار اجتماعية مكتسبة (مختارة).

فأنا أستطيع أن أكون مهندساً أو معلماً أو سياسياً.. (إلى حد ما) وهذه هي الأدوار المختارة.

ولكن هناك أدوار لا أختارها وهي أدوار مفروضة مسبقاً علي، مثل أن أكون طفلاً ثم شاباً ذكراً أو أنثى، لون البشرة، لون الشعر.. إلخ.

الصفحة134:

كما أنني لا أستطيع أن أكون طالباً في الثانوية قبل أن أكون طالباً في الإعدادي لأنني لا أستطيع اختراق نظام تعليمي له قواعده وتراتبه.

كما أن مراحل العمر المختلفة الطبيعية محددة زمنياً لا يمكن تجاوزها ... نحن نصف شخصاً بأنه متصاب (أو متصابية بأنها تحنّ إلى الصبا (لأن هذا الشخص الكبير بالسن يريد الاحتفاظ بمرحلة الصبا ولا يريد الخروج منها، على الرغم من تقدمه في العمر.

  1. حركة الأدوار الاجتماعية:

إن العلاقة بين المركز والدور وعلاقة الدور بالأدوار الأخرى ليست بثبات القوانين الفيزيائية وليس تشبيه بنية وترابط الأدوار الاجتماعية بالبنية الذرية عند (دارندورف) إلا على سبيل المجاز.. فالعلاقات المتبادلة الاجتماعية تمتاز باللاحتمية لأنها تتضمن ذات الفاعل واختياراته بينما العلاقات في الفيزياء تمتاز بالحتمية الدائمة.

 لذلك نجد العديد من الأفراد لا يطيقون أدوارهم ولا يتحملون تبعات الدور المطلوب منهم اجتماعياً... مثل الطبيب الذي درس الطب نزولاً عند رغبة والده وهو لا يحب هذه المهنة ... نتوقع الفشل لهذا الطبيب لأنه رافض لدور مفروض عليه. ويضع المجتمع بوصفه هيئة مسلحة بالقانون والعرف مجموعة من أفعال العقاب والثواب لتنفيذ أو عدم تنفيذ الأدوار الاجتماعية كما تحددها الثقافة المجتمعية. فالأم التي ترعى أولادها وتضحي من أجلهم، تحنو عليهم وترعاهم تحظى بالاحترام الاجتماعي ويحتفل رسمياً بعيدها وهي مثال النبل والكرم، وبالمقابل الأم التي تحمل أولادها وتدعوهم للسرقة وتأخذ ما يسرقونه وتضربهم حين لا يسرقون.. تقوم بدور معاكس لدورها المتوقع، فهي مرفوضة اجتماعية ومحط توبيخ واحتقار.

الصفحة135:


المعايير الحقوقية التي يدرسها رجال القانون في تقسيم الجرائم الواقعة على الأفراد والجماعات ونوع العقوبة المناسبة، من سجن أو إعدام أو عزل تأخذ بعين الاعتبار الأدوار الاجتماعية بصورة حاسمة في تشديد العقوبة أو تخفيضها تبعاً لدور الجاني الاجتماعي بعلاقته بالضحية، لموقعه من الجريمة...

في جريمة السرقة – مثلاً – هناك فروقات متعددة ترتبط بمدى علاقة الجاني بالمسروقات: فإذا كان السارق أميناً للصندوق فهو المؤتمن على مال عام مما يقتضي تشديد العقوبة، أما إذا كان السارق شريكاً في المال كأن يكون شريكاً في متجر، وأخذ من حسابات المتجر فإن للسارق هنا حقاً جزئياً في مال المتجر، مما يخفف من مسؤوليته الجزائية. كذلك مسؤولية السارق القاصر أقل من مسؤولية البالغ الراشد. ومن باع المسروقات أقل من عقوبة السارق بواسطة الكسر والخلع... وهكذا.

مثال التعارض:

الدور يرتبط بأدوار أخرى، ولكن الدور نفسه يرتبط بمستويات مختلفة من الواجبات للدور الواحد. وهذه المستويات قد تتعارض إلى درجة التأزم والصراع... فالمعلم لا يتعارض دوره في المدرسة كمعلم ودوره كأب في المنزل. لكن المشكلة حين يكون للأدوار متطلبات متعارضة كما نجد عند قاضي يحكم في قضية، الجاني فيها أخوه.... إذ أن واجبات القاضي باتخاذ العقوبة الأشد في حالة القتل، تتعارض بشدة مع واجبات الأخوة التي تقتضي الرحمة والمشاركة.

تغير الأدوار:

النظرة المتفحصة ترينا الكثير من الأدوار التي عمل فيها الزمن تغييراً وتنقيحاً... من دور الزوجة إلى دور ساعي البريد ولاحقاً إلى دور حلاق الحارة... حتى إن بعض الأدوار

الصفحة136:


قد اختفت وانقرضت من حياتنا العامة مثل دور حاجب الملك، دور الحكواتي الذي كان يزين مقاهي البلد... واستبدل اليوم بالتلفاز الذي يقدم حكايات وأخباراً بدون توقف.

  1. جدل العلاقة بين الدور والشخصية:

يرى بارسونز Parsons «أن نظرية الأدوار هي انعكاس لتأثير قوة غريبة على الإنسان وهي قوة المجتمع الذي يرغم الفرد على أداء هذه الأدوار ولاسيما هذه التي لا تناسبه والتي تقوده إلى الاغتراب»

ويقول دارندوف إن عملية تقبل الأدوار «هي عملية فقدان دائم للشخصية uDepersonslisation تتحدد فيها حرية الفرد تحت رقابة المجتمع».

وحينما يكره الفرد على تقبل أدوار لا تناسبه يصبح الإنسان في حالة اغتراب. وهكذا فإن عملية تقبل الدور تبدو على شكل نوع من الضبط الاجتماعي الذي يمارسه المجتمع على أفراده وإذا كان دوركهايم قد أشار «في كتابة الانتحار، إلى أهمية القسر الاجتماعي في تكوين الشخصية الانتربولوجية المعاصرة، فإن الأنتربولوجيا المعاصرة تؤكد على أهمية النموذج الثقافي في صياغة السلوك وتحديد شخصية الفرد».

فالمجتمع يمارس عملية القسر الاجتماعي، عن طريق العقاب والثواب، في إكساب الفرد أدواراً ومراكز اجتماعية محددة ولابد من الإشارة في هذا السياق إلى وجود علاقة قوية بين المركز والشخصية حيث يتضمن المركز بعض التصورات والقيم التي تستدخل کنمط سلوكي يندرج في إطار الشخصية ويحددها في آن واحد.

ويؤدي التباين القائم بين المراكز من حيث الأهمية دوراً كبيراً في تحديد السمات الشخصية للأفراد الذين يحتلون هذه المراكز. فالمراكز الاجتماعية الجيدة تمارس دوراً إيجابياً على الأفراد الذين يحتلونها وذلك عندما تعزز فيهم الثقة بالنفس والإحساس بالمسؤولية وترسخ السمات الشخصية الإيجابية عند الفرد. وعلى العكس من ذلك فإن المراكز الدنيا

الصفحة137:


تكرس سمات النقص والضعف والإحساس بالدونية في شخصية هؤلاء الذين يحتلونها. فالمركز يعزز عند الأفراد بعض القيم السلوكية الإيجابية وقد يؤدي إلى تعزيز القيم السلوكية السلبية. (وطفة، 2002، 65).

الصفحة138:


القصل الثامن:

  1. الطفل في الأسرة
  2. علاقات الطفل الأسرية
  3. بيئة الطفل الأسرية

الصفحة139:


هناك عدة عوامل تؤدي بشكل فردي أو مجتمعة إلى حدوث التنشئة الاجتماعية، ومن بين هذه العوامل الأسرة والمدرسة والثقافة ووسائل الإعلام المختلفة والأصدقاء وغيرها وكلها تؤدي دوراً هاماً في دفع عمليات التنشئة الاجتماعية وتحديد ملامح النمو الاجتماعي للفرد.

 إن أساليب التنشئة داخل الأسرة تتأثر بعوامل كثيرة تتعلق بوضعها الاجتماعي، الايديولوجي، الثقافي، وهذا ما يؤدي إلى اختلاف أساليب التنشئة بين أسرة وأخرى في القطر الواحد وكذلك بين قطر وآخر.

وتوضح المعلومات المتوافرة عن هذه الدراسات الحقلية تباين أساليب التنشئة في البلدان العربية واختلاف هذه الأساليب داخل البلد الواحد.

إن بناء الطفل يتطلب إعداده وفق المفاهيم والأسس العلمية، وإن التنشئة بمعناها الواسع تعني تعلم القيم بواسطة أدوات التنشئة كالأسرة والمدرسة والأصدقاء ووسائل الإعلام المختلفة من صحافة وإذاعة وتلفاز وغيرها.

يضاف إلى ذلك أن التنشئة عملية نفسية اجتماعية تخلق فيها الشخصيات تحت تأثير المنظمات التربوية فهي عملية تقترن أولاً بالنظام الذي فيه ترتبط عملية التشريط العامة بفاعلية المدرسة والأسرة وجماعة اللعب وما يُبث من وسائل الإعلام، وثانياً تقترن ببعض مشكلات سوسيولوجيا الجماعة التي تنتظمها العملية التربوية والجماعات المشتغلين بالتربية من معلمين وآباء ومخططيهم وتربويين وهيئات إدارية.

إن الأسرة والمدرسة والأصدقاء ووسائل الإعلام تكسب الطفل وتعلمه من خلال تفاعله معها عادات المجتمع وقيمه وتقاليده، كما يؤثر هو بالمقابل فيها.. وباندماج وتفاعل وتكامل العوامل الفسيولوجية والاجتماعية معاً منذ الميلاد وخلال مراحل النمو المختلفة حتى البلوغ تنمو شخصية الطفل ثم تصبح تنظيماً متكاملاً يوجه سلوكه عند البلوغ والرشد.

الصفحة141:


فالتأثير في سلوك الطفل عملية متفاعلة تبدأ من تقليد الوالدين مروراً بتأثير الأصدقاء ودور المدرسة والمعلم وانتهاء بتأثيرات وسائل الاتصال الجماهيري. 

وهذه العملية بمجملها تفرضها قيم وثقافة المجتمع، ويتعرض الطفل لثقافات تناقض ثقافة مجتمعه كما هو الحال في بعض المسلسلات التي يعرضها التلفاز.. 

إن الأسرة والمدرسة والأصدقاء ووسائل الاتصال الجماهيري تشكل الإطار المؤسسي | للتنشئة الاجتماعية لذلك لابد من التعرض إلى دورها في التنشئة. 

  1. الطفل في الأسرة:

«تعتبر الأسرة إحدى وسائل التنشئة الاجتماعية وتؤدي دوراً أساسياً في مقومات شخصية الطفل فعالم الطفولة يبدأ من الأسرة ثم يتسع ليضم عالم الرفاق وزملاء المدرسة».

والأسرة هي جماعة من الأفراد تربطهم روابط قوية ناتجة عن صلات الزواج، الدم، التبني، وهذه الجماعة تعيش في دار واحدة وتربط بين أعضائها صلات اجتماعية متماسكة أساسها المصالح والأهداف المشتركة. وتشكل الأسرة وحدة اجتماعية هدفها المحافظة على النوع الإنساني. إن الأسرة كمؤسسة اجتماعية هي الوسيط الرئيسي بين شخصية الفرد والحضارة الاجتماعية التي ينتمي إليها من خلال الأسرة وتقوى بواسطتها. ويعتبر «أوبير» أن التنشئة السنوات الأولى من العمر، ففي ذلك الحين يمكن تتفتح المشاعر الطبيعية التي يؤيدها ويقويها طابع المؤسسة الاجتماعية الذي تأخذه الأسرة. حيث يورث الآباء بنيهم خبرات سابقة كثيرة على النحو الذي وصلت إليهم به هذه الخبرات، من جانبهم يتمثلون هذا التراث في ملاحظة وتقليد اتجاهات آبائهم وعقائدهم وطرق تفكيرهم ومعيشتهم. (دكاك، 1991، 75). 

والعلاقات التي تتكون في الأسرة هي من أولى العلاقات التي يكونها الفرد مع

الصفحة142:


الآخرين، وتعتبر الأسرة هي الممثل الأساسي لثقافة المجتمع الذي توجد فيه بما يحتويه من قيم وعادات واتجاهات. ومن الأسرة يتعلم الطفل: فكرة الصواب والخطأ.

يضاف إلى ذلك أن الأسرة تبدأ في بث الولاء السياسي نحو البلاد لدى الأطفال وفي نمو الارتباط بالأمة أو القومية حيث يكون الولاء الأول للفرد والأسرة. (سالم،75.1983(

والأسرة بحكم وظيفتها في المجتمع مسؤولة عن تهيئة الطفل كي يعيش في هذا المجتمع عن طريق ما نسميه بالتنشئة الاجتماعية وتؤدي التنشئة الاجتماعية السليمة إلى يتشرب الفرد معايير الأسرة التي هي معايير المجتمع، وعلى أساس حاجته للأسرة وانتمائه ينشأ ولاؤه لها. ويتطلب الشعور بالانتماء تقبل الفرد للجماعة التي ينتمي إليها وتقبل الجماعة له، أي التقبل ضروري من الطرفين وإلا انعدم الولاء. 

«ويؤدي الانتماء إلى ضرورة التعاون وتتسع دائرة الانتماء وبالتالي تتسع دائرة الولاء والتعاون، كلما نما الطفل وترعرع فيتكون الولاء للأصدقاء والولاء للمدرسة والولاء

الصفحة143:


لأندية النشاط والجماعة التي ينتمي إليها وكلها تهيّئ الولاء للوطن الذي ينتمي إليه. وإذا تزعزع الولاء للأسرة، ونفر الفرد منها فولاؤه لأي جماعة مشكوك فيه لأن الدرس الأول الذي تعلمه في الأسرة كانت أساليبه فاشلة». (جلال، 1974، 82).

  1. علاقات الطفل الأسرية:

وإلى جانب الوظيفة الاجتماعية للأسرة فإن لها وظيفة نفسية، فالأسرة هي تحدد إلى درجة كبيرة ما إذا كان الطفل سوف ينمو نمواً نفسياً سليماً أم لا، فالأسرة المستقرة التي تشبع حاجات الطفل في اتزان وما تتميز به من تجاوب عاطفي بين أفرادها تعتبر عاملاً مهماً في سعادة الطفل والعكس صحيح، فالأسرة المضطربة تعتبر مرتعاً خصباً للانحرافات السلوكية والاضطرابات النفسية، فالخبرات الأسرية التي يتعرض لها الطفل في أحضان الأسرة من أهم العوامل والمؤثرات في النمو الاجتماعي والنفسي للطفل، وهناك الكثير من العلاقات المختلفة داخل الأسرة تؤثر تأثيراً كبيراً في دور الأسرة في مجال التنشئة الاجتماعية على سبيل المثال :

إن هذه العلاقات تؤثر تأثيراً كبيراً في نمو الطفل الاجتماعي، والأسرة تعطي لأبنائها الكثير، وأهم ما تعطيه الأسرة للطفل هو تحديد دوره في الثقافة تبعاً لجنسه وسنه ومستواه.

الأب والأم هما قدوة يقلدهما الطفل بشكل لا شعوري ويتعلم كل تصرفاتهما وسلوكهما عن طريق التقليد وبدون وعي وخاصة في مرحلة الطفولة المبكرة، حيث يرى علماء النفس أن السنوات الخمس الأولى في عمر الطفل هي من أخطر سنوات العمر على الإطلاق ففيها يتم إرساء الشخصية التي تبقى مع الفرد على مدى عمره. (جمال

الصفحة144:


الدين، 2001، 64).

يقول الشاعر أحمد شوقي شارحاً علاقة الطفل التربوية بأبويه وأهمية تعليم المرأة:

 وإذا النساء نشأن في أميةٍ                                     رضع الرجال جهالة وخمولا

ليس اليتيم من انتهى أبواه                                      في هم الحياة وخلفاه ذليلاً

إن اليتيم هو الذي تلقى له                                       أماً تخلت أو أباً مشغولا

وكذلك يقول الشاعر حافظ إبراهيم في تأكيد العلاقة بين الأم والتربية:

إني لتطربني الخلال كريمة                                   طرب الغريب بأوبة وتلاق

الأم مدرسة إذا أعددتها                                       أعددت شعباً طيب الأعراق

  1. بيئة الطفل الأسرية:

يأتي تأثير الأسرة القوي في الأطفال نتيجة عدة عوامل متعددة منها أن الطفل يكون في بداية حياته مزوداً بإمكانيات عدة إلا أنه يبقى عاجزاً عن تلبية حاجاته فيعتمد على أسرته، وبهذا تبدأ مقومات شخصيته بالتكون بصورة تدريجية نتيجة التفاعل بينه وبين الأشخاص المحيطين به.

إن استعدادات الطفولة وعجزها لها دلالة ارتقائية بالغة الأهمية من جهة، ودلالة على أهمية الأسرة وتأثيرها من جهة ثانية باعتبارها المحيط الأول الذي يحيط بالطفل ويرعاه، كما أن لتصرف ومواقف الوالدين تأثيراً مهماً في نوع الشخصية لأن هذه التصرفات والمواقف تؤثر في حاجات الطفل الأساسية.

كما أن التغيرات التي تطرأ على طرق تربية الطفل وعلى تجاوب الطفولة تنبع قبل كل شيء من موضع الطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها الأسرة ومستواها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

يؤكد " اللقاني “في كتابه تثقيف الطفل أن الأسرة بالنسبة للطفل تمثل أول

الصفحة145:


جماعة إنسانية يتفاعل معها كما أنها تعتبر بمثابة العامل الأساسي في تشكيل شخصيته في مرحلة نمو تتميز بقابلية الطفل للتشكيل والتكوين بقدر أكبر بكثير من قابليته للتشكيل في مراحل النمو المتقدمة. كما يتمكن الطفل في هذه البيئة الاجتماعية من التعرف على نفسه وتكوين ذاته عن طريق ما يحدث من تعامل وتفاعل بينه وبين أعضاء الأسرة التي يعيش فيها. (اللقاني، 1976، 49).

 ويرى الباحثون أن مستوى الأسرة الثقافي يؤثر بشكل مباشر مستوى النمو الانفعالي والمعرفي واللغوي عند الأطفال.

في المستوى اللغوي يلاحظ أن أجواء الأسرة تشكل مناخاً مناسباً كلما ارتفع مستوى تحصيل الأبوين التعليمي والثقافي. ونعني بالمناخ الأسري جملة المثيرات اللغوية والثقافية التي تتشمل في سلوك الوالدين الثقافي.

فالآباء الذين يتميزون بارتفاع سويتهم الثقافية غالباً ما يحيطون الطفل بنبع متدفق من العبارات اللغوية المتكاملة التي يكتسبها الطفل بشكل مباشر أو غير مباشر. وهم بذلك يشكلون بيئة مناسبة لنمو السلوك اللغوي عند أطفالهم، وفي أغلب الأحيان تلجاً الأسرة المثقفة لاستعمال الأساليب الديمقراطية في علاقتها مع الأطفال، ويترك لهم الوالدان حرية التعبير الحر عن ذواتهم ونشاطاتهم... وهم يساعدون الأطفال على تطوير أنماط سلوك لغوية متطورة، فالأسر ذات المستوى الثقافي والتعليمي المتطور يمكن أن تتيح

للطفل:

  1. فرصة متنوعة للتعليم داخل المنزل.
  2. مفردات لغوية متطورة وغنية.
  3. أسلوباً لغوياً متميزاً ومتطوراً.
  4. أن يجد الطفل إمكانية واسعة لتصحيح أخطائه اللغوية. 
  5. أن يجد الطفل المثيرات الثقافية في الكتب والمحالات والصحف.

الصفحة146:


  1. أن تكون الأحاديث بين الوالدين أو الأصدقاء ذات مضمون اجتماعي وثقافي متطور، من شأنه أن ينعكس على مستوى لغة الطفل.
  2. أن تميل العلاقات السائدة في وسط الأسرة إلى تحقيق حرية واسعة في التعبير.

 وخلاف ذلك إذا كان مستوى الوالدين متديناً في السلم الثقافي والتعليمي فإن الطفل يجد نفسه في بيئة لا تساعده على نمو استعداداته العقلية واللغوية وهذا يؤثر في تطوره الفكري واللغوي في مراحل عمره المقبلة.

وعلى المستوى الاقتصادي يلاحظ أن الأسر الميسورة تستطيع دائماً أن تقدم مساعدات كبيرة في مجال تطوير المستوى العقلي واللغوي عند الطفل، وذلك عن طريق تأمين حاجاته المختلفة وغالباً ما يقترن المستوى الاقتصادي بالمستوى الثقافي للأسرة ويصبح مناخ الطفل أفضل عندما تقترن السوية الثقافية العالية للوالدين بسوية اقتصادية ومهنية عالية.

وعلى الرغم من أن الأسرة هي البيئة الطبيعية لنشوء الأطفال وتربيتهم وتزويدهم بالعوامل النفسية والثقافية اللازمة لنموهم، إلا أن تربية الطفل لم تعد شأناً خاصاً م شؤون الأسرة وحدها. ويرجع ذلك إلى تعقد ظروف الحياة وتراكم المعرفة البشرية، وانشغال الأبوين في كسب موارد الرزق، فدخلت عوامل متعددة إلى جانب الأسرة في تنشئة الطفل والاهتمام به، بتقديم قيم ومعارف وأفكار مؤثرة في تكوين الطفل – الناشئ - الشاب الثقافي ونموّه... من عوامل التنشئة المؤثرة اليوم - المتممة لعمل الأسرة – المدرسة والرفاق في الحي ومجال حياة الفرد، وكذلك وسائل الإعلام... فهل تتكامل هذه العوامل سات لتقديم التربية الصحيحة للطفل؟

الصفحة147:



الفصل التاسع: المدرسة

  1. أتاريخ المدرسة
  2. تعريف المدرسة
  3. المدرسة والتطبيع الاجتماعي
  4. مميزات المدرسة
  5. مدرسة المستقبل
  6. منزلقات المدرسة
  7. حركة المدرسة الفرنسية
  8. ماذا بقي اليوم من المدرسة الجديدة

الصفحة149:


تعتبر المدرسة اليوم ركناً أساسياً من أركان الحياة الاجتماعية في كل مجتمع حيث يمر فيها الأفراد جميعاً بشكل إلزامي في مجتمعنا، وتأخذ قسطاً من فعالياتهم وحياتهم، وتؤثر في تكوين صداقاتهم ومحيطهم الاجتماعي، إذ هي جزء من أي حي أو منطقة أو مجموعة سكنية، وتتصل بالأسرة من خلال ما يطرحه الأبناء من آراء ومتطلبات ونماذج سلوك أخذوها من المدرسة وتفاعلت مع الأسرة والعلاقة بين البيت والمدرسة تأخذ شكلها الرسمي من خلال مجالس الأولياء، ولكن ذلك لا يحدث لأن الآباء لا يهتمون على الغالب بهذه الاجتماعات أو لا تمكنهم أوقاتهم من حضورها.

المدرسة بناء أساسي من أبنية المجتمع وأعمدته أوجدها لتقوم بتربية أبنائه وتنشئتهم وصبغهم بصبغته، مستظلة ومسترشدة بالفلسفة والنظم التي رسمها وحددها لها، تتأثر بكل كبيرة وصغيرة تجري في هذا المجتمع، وتخضع للدوافع والمواقف السائدة فيه والمسيرة له.

أما وظيفتها فهي تنشئة الجيل الطالع على أسس رسمها المجتمع فهي الأداة والآلة والمكان الذي بواسطته ينتقل الفرد من حياة التمركز حول الذات إلى حياة التمركز حول الجماعة، فالمدرسة هي المؤسسة التي تنفذ الأهداف التي يديرها ويرسمها المجتمع وفقاً لخطط ومناهج محددة، وعمليات تفاعل، وأنشطة مبرمجة داخل الفصول الدراسية وخارجها، على جميع المستويات الدراسية والفنية والثقافية والاجتماعية والرياضية. 

ولما كانت التربية هي الحياة فقد اقتضى الأمر أن تكون المدرسة جزءاً حياً نامياً، وليس معزولاً عن المجتمع الذي نشأت فيه وهكذا تصبح المدرسة تلك المؤسسة التي لتكون قيمة على الحضارة الإنسانية والثقافية الخاصة به. لتتولى تربية نشئه الطالع وتكيفه مع الحياة من حوله. (ناصر، 1992، 72).

لقد تحولت المدرسة من مفهوم الكتاب التلقيني، ومن ظاهرة تربوية إلى ظاهرة اجتماعية بالغة التعقيد. خاصة بعد أن بدأت المدرسة تعكس أطياف المجتمع وتختصر

الصفحة151:


موقف جماعاته من النظم الرمزية للمجتمع، حتى دخلت المدرسة في نسيج الظواهر الاجتماعية وأصبحت واحدة من المؤسسات الاجتماعية المعبرة عن ميول الجماعات واتجاهاتها.

حتى إن الجماعات القادرة باتت تؤسس مدارسها الخاصة، أو هي تستأثر بمدارس أخرى موجودة وبذلك دخلت المدرسة في سيرورة الحراك الاجتماعي.

بناء عليه دخلت المدرسة قطاع الدراسات الاجتماعية مبدأ البحث في بنية هذا التكوين الاجتماعي التربوي بما في ذلك دراسة دينامية العلاقات والقوانين المتحكمة فيها داخل هذه البنية، وبذلك نشأ فرع اجتماعي جديد هو علم الاجتماع المدرسي وتحت هذا العنوان كتب " علي وطفة " و " علي الشهاب " كتاباً يشرحا مدى شمولية تفاعل المؤسسة المدرسية مع المجتمع المعاصر في نشاطه الإنساني ودينامية العلاقة مختلف مع المستويات المجتمعية من الأسرة ولغاية العلاقة بالسلطة المجتمعية، بحيث تسهم المدرسة في إعادة إنتاج حضارة المجتمع وأيديولوجيته. (تلخيص كتاب، 2004، 69).

تعتبر المدرسة من المؤسسات القيمة على الحضارة العالمية. وقد أشار أحد المربين إلى ذلك بقوله: «هناك مؤسسات رئيسية خمس تتولى أمر الحضارة محتفظة بماضيها وصائنة حاضرها ومؤمنة مستقبلها التقدمي. وهذه المؤسسات هي البيت والمدرسة والدولة ومؤسسة العمل ومؤسسة الدين. وتقوم كل منها على فكرة جوهرية تسوّغ وجود المؤسسة، وتبين الخدمة التي تؤديها إلى الحضارة... أما الفكرة التي تقوم عليها المدرسة فهي التنشئة. ننشئة الجسم والعقل معاً. وعلى هذا تكون المدرسة قد أسدت إلى الولد ما أسدته الدهور إلى الجنس البشري بأسره.. (12, 1966, Howne).

  1. تاريخ المدرس:

تعد المدرسة مؤسسة متخصصة للتعليم حديثة في تاريخ الإنسانية. وقبلها مرت

الصفحة152:


البشرية بمراحل متعددة نقل المعارف إلى الجيل الجديد بدأت بأن تنتقل من الأب إلى من ولده مباشرة وذلك قبل اختراع الكتابة 3200 ق.م. وبظهور اللغة (وعاء الثقافة) أصبح بالإمكان نقل المعرفة من جيل إلى جيل، وقد انتقل التعليم ونقل المعارف من الأسرة إلى المعابد حيث ارتبط التعليم فترة طويلة بتعلم أمور الدين وبعض أمور الدنيا.

تطور المدرسة عبر الأزمنة:

  1. المدرسة البيتية:

في هذه المرحلة كان الأبوان وحدهما هما المسؤولين عن تربية الأبناء، وكانت الأسرة البدائية تقوم بوظائف عديدة ومن ضمنها التربية فكان الصبي يرافق والده إلى الحقل أو الصيد أو المرعى يعاونه في شؤون الحياة المعيشية، وكانت البنت تساعد أمها في شؤون المنزل من إعداد للطعام واللبس والمأوى. وكان التعليم يتم عن طريق الملاحظة والتقليد والممارسة بصورة عرضية غير مقصودة، أثناء انشغال الأسرة في الأمور المعاشية فلا الوالدان كان يدريان بأنهم يقومان بدور المعلم، ولا الأولاد كانوا يدرون بأنهم يمارسون دور التلاميذ. وبالإضافة إلى ما تقدم، كان الأولاد يتعلمون الشيء الكثير عن طريق اللعب، وذلك بتقليد الكبار في ممارساتهم اليومية.

  1. المدرسة القبلية:

رغم ذلك لم تكن المدرسة البيتية كافية لسد حاجات الأقوام البدائية، لعجزها عن ممارسة الشؤون الروحية وإعداد الأطفال لها، فاستعان الآباء بخبرات القبيلة بعقائدهم وشعائرهم الدينية. فكانوا يؤمنون بالأرواح والقوى المسترة، وأن لكل جسم نفساً أو قريناً. وقد توصل الإنسان البدائي إلى ذلك عن طريق رؤية ظله في الأيام المشمسة والمقمرة، ورؤية خياله في الماء. وأحلامه. وعلى أساس هذه العقائد الخرافية، كان الإنسان البدائي يبني سلوكه اليومي... فكان يقوم باسترضاء لتلك القوى المستترة وتهدئتها، بشعائر

الصفحة153:


خاصة يرافقها الرقص والتعديد وتفسير الخرافات والتقاليد والأساطير ... وهذا ما دفع الوالدين إلى الاستعانة بالعرافين العالمين بأخبار هذه القوى الخفية وأسرارها في تعليم الأولاد، وإطلاع الناشئين على تلك الأخبار وتدريبهم على تلك الشعائر عندما يناهزون البلوغ، لاسترضاء القوى الخفية وتحقيق ما يطمحون إليه في حياتهم العامة.

  1. المدرسة الحقيقية:

بعد ذلك ظهرت المدرسة الحقيقية التي يديرها معلمون من أهل الاختصاص، وتتخذ لها مكاناً محدداً، وقد ساعدت على ظهورها العوامل الثلاثة الرئيسية التالية: العامل الأول غزارة التراث الثقافي وتراكمه الناجم عن تطور الإنسان وتحضره، مما دعا إلى مؤسسة متخصصة لتكون حلقة الاتصال بين التراث الثقافي والأجيال الناشئة، والعامل الثاني تعقد التراث الثقافي الذي يرافق تطور الإنسان وغزارة تراثه، فيصعب نقلها إلى الجيل الجديد إلا من خلال مؤسسة متخصصة تقوم بتنشيط هذا التراث. أما العامل الثالث فهو استنباط اللغة المكتوبة وإبداعها التراث الثقافي، مما دعا الناشئة إلى ضرورة تعلم اللغة وكتابتها للاطلاع على محتواها الثقافي.

ويبدو أن المدارس الأولى التي أنشئت لتعليم أفراد معينين الكتابة، قد أنشئت تحت ا سيطرة طبقة الكهنة وطبقة الكتبة المدنيين. أما متى وأين ظهرت مثل هذه المدارس فإنه الصعب تحديد ذلك. أما كلمة مدرسة عند الإغريق القدماء مشتقة من الكلمة فهي من اليونانية Schule وتعني وقت الفراغ ومن الواضح أن الإغريق قد خصصوا وقت الفراغ لمتابعة الأنشطة التعليمية، وبذلك بدأت التربية عندهم تنفصل عن مجرى الأنشطة اليومية التي يقوم بها الأفراد وتتمايز عن الحياة. على أن ارتباط التربية بالفراغ أو المدرسة بقضاء وقت الفراغ قد ساير موجات التحسن الاقتصادي، فأدى هذا إلى متابعة العلم من أجل العلم لا من أجل دخول حياة الكبار أو استمرار حياتهم، ولذا أصبحت التربية غاية بحد ذاتها لا وسيلة كما كانت الحال سابقاً. إلا أن هذه التربية عند الإغريق لم تلبث أن

الصفحة154:


ناقضت نفسها وأدت إلى ارتباط جديد بالحياة عن طريق ارتباط أنشطة وقت الفراغ بمظاهر نشاط البالغين السياسية والدينية وما شابه ذلك. (الرشدان، 1999، 124). 

شهدت مدن الحضارة العربية الكثير من الزوايا ضمن المساجد التي تعلم اليافعين والشبان الفقه والمنطق والرياضيات.. مثل الجامع الأموي وجوامع بغداد وجامع الزيتونة بتونس والأزهر الشريف في مصر والمساجد في مكة المكرمة والمدينة المنورة وغيرها.

وتعلم مفكرو عصر النهضة العربية في كتاتيب يديرها شيوخ يعلمون القرآن الكريم والقراءة والكتابة ومبادئ الحساب وقواعد النحو. هذه الكتاتيب انتشرت في الوطن العربي وخاصة في مصر وسورية وأخذت أشكالاً متعددة في مناطق أخرى من الوطن العربي كتلك التي انتشرت في الجزائر أو في جنوب وادي النيل وموريتانيا.

ويرى الباحث والمؤرخ أكرم حسن العلبي أن أول مدرسة نظامية في سورية تدرس فيها مختلف المواد الدراسية، والأقرب لمفهوم المدرسة كما نعرفه اليوم، هي مكتب عنبر 1305 هجرية سنة افتتاحه رسمياً ليكون أول مدرسة عالية حديثة في دمشق وقد سمي (مكتب إعدادية ملكية) كما هو مدون عليه إلى اليوم.

«وقد شهد مكتب عنبر حركات وطنية عربية ضد سياسيات التتريك التي فرضها الأتراك. كما شهد أول ثورة عربية ضد غرورهم وعنجهيتهم وعنصريتهم». (العلبي،276.1985(.

  1. تعريف المدرسة:

يعرف " فردينالد بويسون “المدرسة أنها «مؤسسة اجتماعية ضرورية تهدف إلى ضمان عملية التواصل بين الأسرة والدولة من أجل إعداد الأجيال الجديدة ودمجها في إطار الحياة الاجتماعية».

ويعرفها " فريدريك باتسن “: «بأنها نظام معقد من السلوك المنظم الذي

الصفحة155:


يهدف إلى تحقيق جملة من الوظائف في إطار النظام الاجتماعي القائم». واضح أن هذا التعريف عام لكل مؤسسة، لا يقتصر على المدرسة ولا يشرحها.

 ونظر " ارنولد كلوس “إلى المدرسة بوصفها «نسقاً منظماً من العقائد والقيم والتقاليد وأنماط التفكير والسلوك التي تتجسد في بنية المدرسة وفي أيديولوجيتها الخاصة» ویری (شيبمان) أن المدرسة «شبكة من المراكز والأدوار التي يقوم بها المعلمون والتلاميذ حيث يتم اكتساب المعايير التي تحدد لهم أدوارهم المستقبلية في الحياة الاجتماعية» (وطفة، 2002، 95).

نميل في قسم علم الاجتماع إلى اعتبار المدرسة بنية اجتماعية أساسية في المجتمع تعتمد على مجموعة أدوار، من معلمين وإداريين وطلاب ومناهج وجماعات إدارة وخدمة... ونظام قائم في هذه البنية الهادفة إلى نقل العادات والتقاليد والمعارف والفكر السياسي من جيل إلى جيل في نظام اجتماعي محدد.

  1. المدرسة والتطبيع الاجتماعي:

التطبيع الاجتماعي: هو تحول الفرد من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي. وهي في أساسها عملية تعلم لأن الطفل يتعلم أثناء تفاعله مع بيئته الاجتماعية عادات وأسلوب حياة أسرته وبيئته المباشرة ومجتمعه عامة.

التطبيع والتعلم: تعتبر قدرة الفرد على التعاون وتعديل سلوكه من أهم الصفات المميزة للإنسان، وليس معنى ذلك أن الإنسان وحده هو القادر على التعلم، فقد أثبتت الدارسات أن هذه القدرة توجد بدرجات متفاوتة في السلسلة الحيوانية. 

المؤسسة الأولى لعلاقة الفرد بالمجتمع هي الأسرة ثم تأتي المدرسة... ومع أن الطفل يخرج من نطاق الأسرة وقد تأثرت شخصيته بما تأثيراً عميقاً، إلا أن أثر المدرسة مهم في نمو شخصيته، فهي تستطيع أن تفعل الكثير من أجل الطفل، إذا قامت بوظيفتها كما

الصفحة156:


ينبغي.

والواقع أن انتقال الطفل من المنزل إلى المدرسة يعتبر حدثاً رئيسياً في حياته، إذ ينتقل من بيئة ضيقة نسبياً إلى بيئة أوسع وأعقد وأكثر اتصالاً بالحياة، يحتك فيها بعدد كبير من القرناء، ويرى فيها من الكبار نماذج تختلف في قليل أو كثير عن والديه.

وقد أطلق بيرت" Burt" على الهرب من المدرسة (روضة أطفال الجريمة) إذ أن خروج الطفل من بيئة المدرسة التربوية وقضاء أوقاته في الشارع يفتح أمام الطفل أبواب الجريمة ويسرع به إليها. (أحمد، 1999، 15).

  1. مميزات المدرسة ووظائفها:

تتميز المدرسة بمميزات خاصة، يمكن على أساسها أن ندرسها كوحدات اجتماعية مستقلة، هذه المميزات هي: 

  1. إن المدرسة تضم أفراداً معينين هم المدرسون، والتلاميذ، فالمدرسون يقومون بعملية التعلم، وهم فئة معينة لها تاريخها ومقوماتها الأكاديمية ولها نقابتها الخاصة. أما التلاميذ فهم الفئة التي تتلقى التعليم، ويخضعون إلى عملية انتقاء وغربلة في بعض المدارس الخاصة، أما المدارس العامة فهي تنتقي تلاميذها على أساس السن دون اعتبار للمستوى الاقتصادي والاجتماعي
  2. إن المدرسة لها تكوين سياسي واضح التحديد. فطريقة التفاعل الاجتماعي نجدها في المدرسة، والتي تتمركز حول القيام بالتعليم وأدواره، تحدد النظام سياسي للمدرسة والعملية التعليمية داخل المدرسة تتكون من حقائق ومهارات واتجاهات وقيم أخلاقية ومع هذا فالمدرسون يرغبون دائماً في أن يسيطر تلاميذهم على المواد الدراسية سيرة إجبارية، لو ميرا لما أرادوها.
  3. إنها تمثل مركزاً للعلاقات الاجتماعية المتداخلة والمعقدة. وهذه العلاقات

الصفحة157:


الاجتماعية هي المسالك التي يتخذها التفاعل الاجتماعي، والقنوات التي يجري فيها التأثير الاجتماعي... والعلاقات الاجتماعية المركزة في المدرسة يمكن تحليلها على أساس الجماعات المتفاعلة فيها وأهمها التلاميذ والمدرسون، ولكل منها دستورها الأخلاقي وعاداتها نحو المجموعة الأخرى.

  1. يسودها الشعور بالانتماء أي الشعور بـ به " نحن فالذين يتعلمون في المدرسة، يرتبطون فيها ويشعرون بأنهم جزء منها، وأنها تمثل في حياتهم فترة مهمة. وتبرز هذه الروح بوضوح في الاحتفالات العامة وفي المباريات التنافسية مع الآخرين، وفي جماعات الخريجين ... 
  2. إن لها ثقافتها الخاصة. هذه الثقافة التي تكون في جزء منها من خلق التلاميذ مختلفي الأعمار، وفي الجزء الآخر من خلق المدرسين. هذه الثقافة الخاصة هي الوسيلة الفعالة في ارتباط الشخصيات المكونة للمدرسة بعضها بالبعض الآخر.
  3. وظائف المدرسة كمؤسسة اجتماعية قائمة
  4. انتقال الثقافة: وظيفة المدرسة من وجهة نظر المجتمع هي المحافظة على الثقافة. 
  5. المحافظة على تقاليد الثقافات الفرعية: فالجماعات ذات العرق الواحد أو الجماعات الدينية غالباً ما تضع على عاتق المدرسة متطلبات نقل مجموعة معايير وقيم ومعلومات خاصة.
  6. الإصلاح الاجتماعي: المدرسة عامل فعال في تنفيذ التغيرات المرغوبة في البناء الاجتماعي، ومن هنا تصبح المدرسة بسبب نصيبها في عملية التنشئة الاجتماعية وأهميتها بوصفها نظاماً حيوياً في حياة كل عضو من أعضاء المجتمع وهي البؤرة الأولى في نظر المصلح الاجتماعي، سواء كان اهتمامه متجهاً إلى تخفيض عدد الجرائم على سبيل المثال، أو تحسين المركز الاجتماعي للأشخاص، أو الحد من الزيادة السكانية.. فإن للمدرسة نصيباً مهماً في تشجيع أو رفض توجهات معينة

الصفحة158:


من التغيرات المرغوبة في المجتمع.

  1. إعداد الأفراد للعمل المنتج: إعداد الأفراد للعمل المنتج في مختلف مجالات الحياة والتخصصات المختلفة.
  2. إعداد المواطن الصالح: زرع محبة الوطن في نفوس أبنائه وزيادة إحساس الفرد بالانتماء إلى المجتمع والمواطنة       الصالحة.
  3. تكامل الشخصية: تهدف المدرسة إلى إعداد شخصيات متكاملة داخل الإطار الاجتماعي تعكس خصائص المجتمع وشخصيته الوطنية. (أحمد، 1999، 18).
  4. توفير بيئة اجتماعية أكثر اتزاناً من البيئة الخارجية مما يؤثر في تنشئة التلميذ وتكوين شخصيته، تكويناً يمكنه من التفاعل والتكيف مع المجتمع، ومن العمل على تطويره إن البيئة الاجتماعية خارج المدرسة تضم جماعات عديدة متباينة ولكل من هذه الجماعات أهدافها ونظمها وعلاقاتها التي تنعكس في تأثيرها التشكيلي لشخصيات أعضائها. إن اختلاف هذا التأثير وتعارضه وعدم اتزانه يؤثر في قدرة التلميذ على التكيف مع المجتمع الكبير. فالطفل حين ينشأ في جماعته الأولى وهي الأسرة ثم ينتقل إلى جماعة أخرى كجماعة الأصدقاء أو النادي فإنه يعاني من صعوبة التكيف مع الجماعة الجديدة نظراً لانطوائه داخل جماعته الأصلية، ولكن المدرسة توجد الاتزان بين العناصر المختلفة والأوضاع المتعارضة في البيئة الخارجية وتعمل على تحرير كل فرد من هذا الانطواء داخل جماعته ليدخل بعدها في معترك الحياة في البيئة الأوسع. (شتا، 1997، 174).
  5. وظائف المدرسة إزاء سائر المؤسسات التعليمية:

إن المدرسة، وإن تكن هي النظام المختص بشؤون التربية، إلا أنها ليست الوحيدة التي تهتم بها أو ببعض نواحيها. فهناك نظم أخرى كالأسرة والمنظمات العلمية والمهنية، والجمعيات الدينية والأدبية، والهيئات الرياضية والكشفية والصحافة، والإذاعة. والسينما،

الصفحة159:


وغيرها... تهتم بأمر التربية إلى حد محدود مشاركة المدرسة في مهمتها الخطيرة، فما وظيفة المدرسة إزاء هذه المؤسسات؟ إن لها ثلاث وظائف أساسية هي: (الرشدان،129.1999(

  1. المدرسة أداة استكمال: إذ تقوم المدرسة باستكمال ما بدأته المؤسسات الأعمال التربوية وعلى رأسها البيت والمدرسة حريصة على هذا الأخرى من التعاون الوثيق مع البيت ويتم عن طريق إنشاء مجالس الآباء والمعلمين، ومجالس الأمهات والمعلمات في المدارس الحديثة.
  2. المدرسة أداة تصحيح: تقوم المدرسة بتصحيح الأخطاء التربوية التي قد ترتكبها النظم الأخرى في المجتمع.. فإن كان هناك نقص تلافته، أو كان هناك فراغ ملأته. 
  3. المدرسة أداة تنسيق: إذ تقوم بتنسيق الجهود التي تبذلها سائر النظم الاجتماعية في سبيل تربية الأطفال، وتظل على اتصال بها لترشدها إلى أفضل الأساليب التربوية، وتتعاون معها على تنشئة الجيل الجديد أحسن تنشئة، ومما لاجدال فيه، أن المدرسة هي المرجع الأساسي في كل ما يتعلق بعملية التربية.
  4. مدرسة المستقبل:

بعد ثورة المعلومات بحث العلماء علاقة الشبكة الالكترونية للمعلومات الموجودة في كل بيت بمدرسة المستقبل، فجرى الحديث عن نموذج المدرسة الإلكترونية التي لن يحتاج معها الطلاب إلى الحضور وسماع الدروس التي يلقيها المعلم، وذلك لأن الدروس تلقى من خلال الشبكة، وبذلك تكون الشبكة بمنزلة وسيلة النقل بدلاً من المعلم، كما أن الطالب الذي يستخدم الشبكة يكون أكثر معرفة من المعلم في بعض الأحيان، وذلك تبعاً لاهتمام هذا الطالب النموذج المثقل بالمعلومات. ومن خلال الشبكة يمكن أن يقوم الطالب بتوجيه الأسئلة والحصول على معلومات وتغذية راجعة فورية لا على الصعيد

الصفحة160:


المحلي فحسب، بل وعلى المستوى العالمي، بحيث يتم التفاعل على مستوى (القرية لعالمية).

والتعليم، من خلال الشبكة، سيؤدي إلى التحوّل في نظرة الطالب إلى المعلم، وإلى التغير في دوره من كونه نموذجاً للسلطة وللمعرفة، وذلك بسبب توسع المعرفة المتاحة للطالب من مصدر آخر غير المعلم.

  1. موت المدرسة لصالح الشبكة

الباحثة " ديل سبندر " في مجال المعلوماتية. تجد أن التغير سيكون كبيراً بين النص المطبوع إلى النص الالكتروني.

تقول (سبندر) إن مدرسة المستقبل ستكون ضرورية للمعلمين للأخذ بدور انتقالي من كونهم مصدراً لنقل المعرفة إلى كونهم مستخدمين للمعرفة من أجل أن يبدعوا في مهنة التعليم. وذلك بسبب الفجوة التي ستوجد بين ما يعلمه المعلمون وبين ما هو متاح من المعرفة الالكترونية على مستوى واسع وكبير وهذا معناه أن تبدأ إدارات المدارس والمعلمون الاستعداد له. وسيكون ذلك مبعث اهتمام لمن يعمل في مجال التعليم، وهذا مما يستوجب الإعداد والاستعداد وتجهيز المعلمين لهذا التغيير.

فالطالب في سن العاشرة في مدرسة المستقبل ومن خلال معرفته استخدام قاعدة البيانات يستطيع أن يحصل على المعلومات الكثيرة عن الديناصورات أو عن الأحجار أو ذلك وقد يكون على علم ومعرفة بهذا الموضوع أكثر من المعلم.

وهنا لابد من سؤال مهم هو: هل سيتم اكتساب المعلومات والمعرفة من خلال الشبكة وفهم الطالب لها جيداً، أو أنه سيكون بحاجة إلى المعلم للمساعدة على فهم المعرفة الجديدة المكتسبة وعلى إجابته عن أي سؤال ممكن أن يتبادر إلى ذهنه؟ 

هناك من يؤيد الاعتماد شبه الكلي على الكومبيوتر، وهناك من يعارضه،

الصفحة161:


وخصوصاً فيما يتعلق بتخزين المعلومات، إذ من الممكن الاعتماد على الكومبيوتر في استخدام الذاكرة الخارجية التي هي امتداد لذاكرة الفرد.

فعلى سبيل المثال كان "سقراط" ضد الكتابة لأنها تضعف الاعتماد على الذاكرة.. وبالمقابل هناك من هو ضد الكومبيوتر لأنه يلغي الاعتماد على الذاكرة والحفظ والتذكر. وهذا يعني ضعف المتلقي للمعلومة لأنه لم يتعامل مع المعلومة بتأن وتدقيق لكونه مجرد آخذ وليس منشئاً لها، فليس المطلوب أخذ الطلبة للمعلومة من الكومبيوتر فقط، بل يجب إيجاد معلومة جديدة منها وبناء معرفتهم الذاتية، فالكتاب للمعرفة، والكومبيوتر للعمل. والمعلومة المطبوعة وسيلة استقبال المعرفة بطريقة سلبية في حين أن المعلومة الإلكترونية وسيلة استقبال تفاعلية، لأن المستخدم أو المتعلم ينشئ معلومة جديدة من المعلومة المستقبلة. فلو أخذنا مثلاً الألعاب الإلكترونية لوجدنا أنها مثيرة للتعلم لأنها تجعل الطالب يفكر، ويقوّم، ويتجاوب ويقرر ويتصرف بطريقة قلما توجد ضمن المؤسسة التعليمية.

إن التعليم سيتاح في مدرسة المستقبل للجميع، فلن يكون هناك ضوابط تبين ماذا يتعلم الطالب في مرحلة دراسية معينة بل سيكون التعلم في المدرسة الإلكترونية مفتوحاً لأي طالب في أي عمر وأي صف دراسي ومن أي جنسية.

أما سلطة المعلم فسوف تأخذ منعطفاً آخر، فتكون مبنية على أسس المشاركة بدلاً من أسس تسلسل السلطة. إن قاعة الفصل لن تحوي كراسي وطاولات، بل ربما يجلس الطلاب على سجادة، وكل واحد منهم يعمل على جهازه الخاص باستغراق تام. وهذه المدرسة لا يحدها عامل الوقت والمكان فأجهزة الكومبيوتر المحمولة تجعل الطالب يستخدم الجهاز في كل الأمكنة (سبندر، 2003، 49)

نحن في علم الاجتماع نميل أكثر لمعارضة " سبندر “حول مدرسة المستقبل ونعتقد أن للمدرسة دوراً اجتماعياً تربوياً يحقق عند الطالب الفرد تنمية قدرات تفاعلية

الصفحة162:


لابد منها لكل فرد للانخراط في الحياة الاجتماعية ونفضل أن يكون للمدرسة دور مستقبلي أكثر تأثيراً وفعالية في المجتمع لتعويد الطفل - المراهق على أساليب العمل الجماعي المهمة لنمو شخصيته، ولمجتمعنا.

  1. تجديد دور المدرسة من خلال المعلم والمبنى:

انعقد في دمشق في الفترة من 29 يوليو / 2000 مؤتمر لملامح المعلم في مدرسة المستقبل. وقد ناقش المربون في المؤتمر أبعاد مدرسة المستقبل ودور المعلم فيها، يتمثل دور المعلم في مدرسة المستقبل في:

وقد أشار المجتمعون في دمشق بشكل خاص إلى المبنى المدرسي لمدرسة المستقبل:

يتزايد الاهتمام بالمبنى المدرسي لكونه أحد المستلزمات الأساسية لتنفيذ أنشطة العملية التربوية وإنجاز فعالياتها المختلفة، وعلى نوعية بنائه وسعة مشتملاته وطاقة استيعابه يتوقف إلى حد كبير سير العمل التربوي في المدرسة، وتحقيق الأهداف المرسومة له. وإذا ما أريد لمدرسة المستقبل التقدم والتطور فلابد من الاهتمام بالمبنى

الصفحة163:


المدرسي، وفي هذا المجال قدمت سورية تصورها المستقبلي لما ينبغي أن يكون عليه بناء مدرسة المستقبل وذلك على النحو التالي:

  1. الوسائل التي تساعد المدرسة على إقامة علاقات تربوية سليمة مع المجتمع:
  2. تدعيم مجالس الآباء وتنشيط دورها: وذلك يتطلب توجيه أهدافها التي تتمثل في أن يتلاقى الآباء والمدرسون كطرفين مسؤولين عن تنشئة الطفل ونموه بصورة دورية للاتفاق على توحيد السياسة في معاملة الأبناء والبحث في جميع السبل التي تؤدي إلى تحقيق التربية السليمة، وحل المشكلات الدراسية والاجتماعية والصحية التي تعترض الأبناء. ولكي تؤدي مجالس الآباء دورها على وجه سليم لابد أن يوضع لها نظام تهتدي به المدارس في تكوين المجالس، وتوضيح اختصاصاتها وطرق مزاولة نشاطها، كذلك تقوم المدرسة بواجبها في استقبال الآباء وتبصيرهم بحقوقهم في المشكلات التعليمية وأثرها في تربية أبنائهم، كذلك يجب على الآباء أن يدركوا أن نجاح هذه المجالس، إنما يتوقف على مدى استجابتهم في

الصفحة164:


المشاركة في تنفيذ هذه القرارات والتوصيات.

  1. جعل المدرسة مركز إشعاع للمجتمع: عن طريق تعريف الأبناء وغيرهم من أفراد المجتمع بمجالات النشاط المدرسي ويكون ذلك بدعوتهم لحضور البرامج التي تقدمها المدرسة في المحالات الرياضية والاجتماعية والفنية والترويحية. إن المسرح المدرسي يزيد من ارتباط المدرسة بالمجتمع ويبقي الثقة بينهما، كذلك ينطبق القول على زيارة أهل البيئة المحاورة لمتحف العلوم ومعرض الفنون في المدرسة وعندها تكون المدرسة، قد أسهمت في إثراء المعلومات وإشعاع الفكر والعلم والفن في المجتمع. 
  2. الدراسة على الطبيعة وبحث مشكلات المجتمع: أي الاتصال المباشر بالبيئة والتعرف على أوضاعها ودراسة مشكلاتها. يمكن ذلك عن طريق تناول بعض موضوعات الدراسة تداولاً محسوساً وواقعياً بالخروج إلى البيئة وعمل الزيارات للمنازل والمرافق والمؤسسات، حيث يجمع التلاميذ البيانات ويبحثون عن الحقائق المتصلة بموضوع الدراسة ويتحسسون حجم المشكلة، وأبعادها إن الدراسة الواقعية المحسوسة تعطي نتائج تعليمية إيجابية لأنها أكثر ثباتاً وتأثيراً وتشويقاً من الدراسة النظرية داخل الفصول.
  3. دور المدرسة في تنمية المجتمع وتعليم الكبار: تستطيع المدرسة بمالها من إمكانيات معنوية ومادية أن تقوم بدور فعال في النهوض بالمجتمع وتتضمن عملية تنمية المجتمع القيام ببعض العمليات التي تستطيع المدرسة أن تشارك فيها:

المتصلة بتحسين مستوى إنتاج

الصفحة165:


الصناعات المحلية أو الريفية واستخدام حقل الدراسة كحقل إرشاد زراعي..  وغير ذلك مما يتضمن أساليب التوجيه والتجريب والإيضاح.

ويشير " كولوج " (1987 ,Coolidge) إلى الخدمات المجتمعية الصغيرة وبيان أهميتها من خلال التركيز على إشراك العناصر الطلابية الشابة في هذه الخدمات. في مدينة بوسطن في ولاية ماساجوستس الأمريكية، تم تشكيل برنامج خدمات مجتمعية مدرسي في ربيع 1986م. واشترك ما بين 15-40 طالباً بالعمل في المؤسسات المجتمعية، التي تحتاج إلى خدمات ومساعدات إنسانية مثل المستشفيات، والملاجئ، ومراكز العناية اليومية بالكبار والصغار. وكان الهدف من هذا البرنامج إعطاء الفرص للطلاب للاطلاع والتعامل مع الأفراد المحتاجين لمساعدات معينة، من أجل إثراء خبرات الطلاب في المجتمعات المحلية المحيطة بالمدرسة وكان من نتائج هذا البرنامج تقوية العلاقات بين المدرسة والمؤسسات التي تقدم خدمات للمواطنين.

  1. منزلقات المدرسة:

لا تستطيع المدرسة أن تحقق أهدافها، أو أن تقوم برسالتها على أحسن وجه إلا إذا راعت عدم الوقوع في بعض المنزلقات التي تحول دون نجاحها، وأهمها ما يلي:

  1. الانعزالية: ويقصد بذلك أن تقيم المدرسة الحواجز الحصينة بينها وبين الحياة الاجتماعية، بدلا من أن تجعل تربيتها على اتصال دائم بها وتفاعل معها. وقد كانت هذه حال المدرسة القديمة. فهي تعتزل البيئة الاجتماعية ومتطلباتها وحاجاتها، وتركز على حشو الأدمغة بالألفاظ الجوفاء. أما المدرسة الحديثة فهي شر الانعزالية بالتركيز على خدمة المجتمع والانفتاح على البيئة، مستوحية مناهجها من واقع الحياة.
  2. الرجعية: وتعني التمشي مع المبدأ القائل ببقاء القديم على قدمه. والابتعاد عن

الصفحة166:


كل ما هو جديد. وإذا أصيبت المدرسة بهذا الداء فإنها تتحجر وتتخلف عن ركب المدرسة الحديثة ويكون مثلها كمثل الماء الراكد الذي لا يتجدد، إذ سرعان ما تفوح منه الروائح الكريهة. ولعل من اقوى عوامل الرجعية في المدرسة المعلمين والمديرين الذين لم ينعموا بثقافة مسلكية متجددة توسع أفاقهم.

  1. الاهتمام بمستقبل الطفل دون حاضره: يجب على المدرسة الانطلاق من واقع الطفل وميوله وحاجاته والاهتمام بها، لا باعتباره رجلاً صغيراً كما كانت تفعل التربية القديمة ومدارسها. وقد قال " روسو " بهذا الصدد: «ماذا نقول في التربية البربرية التي تضحي بحاضر الطفل من أجل مستقبله، وتتعس هذا الحاضر طمعاً بسعادة مزعومة لا يجود بها المستقبل أبداً». (الرشدان، 1999، 129).
  2. حركة المدرسة الفرنسية الحديثة:

سنعرض الآن عرضاً تفصيلياً لأحد تيارات التربية الحديثة، ولقد اخترنا لهذا أوسعها تأثيراً وأقلها تطرفاً وهي «حركة المدرسة الفرنسية الحديثة» التي أنشأها سيليستان فرينيه (1966-1896) سنة 1944.

  1. من سيليستان فرينيه؟ وما طريقته في الصف؟

كان فرينيه معلماً في المدارس الابتدائية وخاض الحرب العالمية الأولى حيث أصيب بجروح في رئتيه جعلته ضعيف الصحة رقيقها. واضطر بسبب آرائه وطرقه في يترك وزارة التربية، كان يرى بأن الوسيلة الطبيعية للتعلم ليست أبداً الملاحظة أو الشرح أو البرهنة وإنما هي أن يتلمس الطالب طريقه تجريبياً. وأن هذه هي الطريقة التي تطابق فطرة الطالب أين ما كان وفي أي عصر من العصور!   وكان فرينيه ينتقد بشدة أن تُطبق «الوسائل التعليمية النشيطة» التي أشرنا إليها فيما سبق على نحو آلي. وكان يرى أن الواجب أن نعيد للنشاطات المدرسية معناها وذلك بأن نعيد للتعليم أهدافه الملموسة

الصفحة167:


! وخلافاً لتربويين آخرين من المدرسة الجديدة كان فرينيه يرى أن الطفل لا يتعلّم بوساطة اللعب وإنما عن طريق العمل.

وكان يستقي أفكاره أحياناً من سابقيه كما استلهم على سبيل المثال فكرة «الطريقة الشاملة أو الكلية» من دراسات " ديكرولي.". ولقد أدخل فرينيه كذلك مجموعة من التقنيات الجديدة في خدمة مناهجه التربوية كاستخدام آلات المطابع وما أسماه بخطط العمل. وهي نمط من العقود الفردية يلتزم الطالب بالقيام بها. وأدخل ما نمط يسمى بوثائق التصحيح الذاتي وهي من التعليم المبرمج حسب المادة يجتاز الطفل مراحلها الواحدة بعد الأخرى حين يرى أنه أتقن سابقتها وذلك بأن يصحح بذاته عمله. واخترع فرينيه مكتبة العمل وهي مجموعة من الملقات المتعلقة بشتى المواضيع المختلفة توضع في متناول يد الطلاب وتحت تصرفهم. وهي تحل محل الكتب المدرسية. وأدخل كذلك «الروضة المدرسية» وفيها يربي الطلاب بعض الحيوانات الصغيرة كالدجاج والأرانب والكلاب الأليفة. واستخدم قرينيه المراسم وورشات لصنع الفخار وورشات أخرى لكتابة النصوص المسرحية والتمثيل المسرحي أو لكتابة الشعر. ولكن هذه الأدوات والوسائل كلها كانت تخدم أنموذجاً من العمل لا تقل غايته الاجتماعية التعاونية أهمية عن ظروفه المادية.

لقد اخترع فرينيه مجموعة من المهارات التربوية التي لا تزال تعرف باسمه. لكن فرينيه أنشأ نظرية في علم نفس الأطفال تعتمد جوهرياً على مسلّمتين اثنتين:

 «الاندفاع الحيوي» ويعني ذلك أن طاقة حيوية طبيعية تحرك الطفل وينبغي على المدرس ألا يعاكسها.

«التلمس التجريبي» وهذا يعني أننا نصل إلى قوانين ا وقواعد النحو والخط بأن نضع موضع التطبيق كل ما يخطر في بالنا. ويرى فرينيه أن الخطأ وسيلة من الوسائل التي تقود إلى المعرفة (عبد السلام، 2002، 39).

الصفحة168:


ولتكوين فكرة دقيقة عما يجري اليوم في صف يمارس فلسفة ووجهات نظر فرينيه في التعليم دعونا ندخل إلى أحد هذه الصفوف.

وليكن الصف الأول من المرحلة الابتدائية يجتمع الطلاب في بداية الأسبوع في حلقة حول مدرسهم. ويقترح كل منهم على زملائه قصة يستحسن أن تكون من أفكاره. وبعد نقاش يختار الطلاب بعض القصص المقترحة. ثم ينشطون إلى طباعتها بأنفسهم، فهم يبحثون عن أحرف الطباعة الضرورية، ثم ينظمونها حسب قواعد الكتابة والخط التي يكشفونها في الوقت نفسه وحسب ضرورات التأليف. وبعد طباعة القصص تضاف هذه على بقية القصص التي سبق اختيارها وهي تشكل جميعها ما يسمونه: (كتاب الحياة).

ومن (كتاب الحياة) هذا تُؤخذ المواد الضرورية لتأليف (الجريدة المدرسية). ولكن الجريدة تنشر بالإضافة إلى هذه المواد مساهمات أخرى تُشارك بها بقية صفوف المدرسة كمواضيع الإنشاء الحرّة التي يكتبها الطلاب الكبار أو كالأبحاث الجماعية التي يقومون بها حول مختلف المواضيع أو كالتحقيقات الصحفية التي يقوم بها طلاب من صفوف مختلفة للتعريف بالقرية أو بالحي أو بالمنطقة التي توجد بها مدرستهم. وتنشر الصحيفة كذلك المراسلات التي يتبادلها أطفال المدرسة مع أولاد آخرين من مدرسة أخرى.

  1. مكان المدرسة في الاستراتيجية التربوية عند فيرنيه:

إن المدرسة ليست إلا جزءاً من الوسط التربوي الإجمالي وتبديل المدرسة لن يكون تأثير ضئيل إذا لم تبدل الاستراتيجية التربوية في جميع الميادين: التربية الأسرية، إدارة رياض الأطفال، حياة الأحياء والمجاميع السكنية الكبيرة والمجموعات الريفية، والنشاطات التربوية غير المدرسية: كالمخيمات ومعسكرات العطلات والنوادي الرياضية والروابط الثقافية ووسائل الإعلام الكبرى مثل الصحف والمذياع والتلفاز والسينما.

الأطفال واليافعون يخضعون لظروف معيشة متفاقمة الإرهاق كما أنهم نهب

الصفحة169:


تأثيرات متناقضة التطوّر: الأهل متزايدو (الغياب (مشغولون بأعمال مهنية لا يدرك أولادهم واقعها ولا هدفها وينزعون إلى الاتكال على المدرسة في أمر التربية «متوقعون منها أن تعيد للسلطة المتردية شأنها». وأما المدرسة فهي مترددة بين الاستبداد الحائل وبين التسيب ونادراً ما تبدو في صورة مؤسسة استطاعت التصدي لقصورات البيئة والتجاوب مع رغبة جميع الأطفال واليافعين في أن تكون وسط حياة حقيقية حيث يعبر وينتج ويستمع ويوجد معالم وقواعد معيشة معدة جماعياً (تحقيق ذاتية، حريات، حدود والزامات) لكن توجد أيضاً مشاريع ومسؤوليات (آمال وحقوق المجموع وكل فرد فيه) (فرينيه، 1994، 149).

وخارج الحقبة المدرسية يكون نصيب معظم الأطفال السراح الكلي في الشارع ونصيب آخرين الإحاطة المفرطة والتكييف الثقافي المفرط دون دقيقة واحدة من إراحة (دروس موسيقى دروس، رقص، نادي كرة قدم أو جودو ...)

ونصيب الجميع وظائف حفظ وكتابة تضاف إلى مواقيت عمل مذهلة، منذ المدرسة الابتدائية أحياناً، ونصيب الكثير تنقلات مديدة ونصيب أصغرهم سناً مواقيت طويلة في رياض الأطفال غالباً ما تضاف إليها مواقيت دور الحضانة [تلك هي ظروف معيشة يأباها الكبار لأنفسهم ويرتضونها بل يطالبون بها أحياناً لأولادهم].

وسيلاحظ أن القضايا المطروحة تستلزم اختيارات سياسية وتربوية تتجاوز حقاً المسؤوليات الفردية وتستدعي استراتيجية تربوية متفقاً عليها بين الأوساط المعنية. والواقع هناك إمكاناً لهذه الاستراتيجية منذ الآن كما أن هناك إمكاناً في الوسط المدرسي لعمل تربوي تعاوني، وكما أن هناك أيضاً إمكاناً لبداية عمل تربوي إجمالي، وتشهد على ذلك التجربة الحديثة والمحدودة في المدارس المنفتحة.

هذا الاتفاق ممكن بين الأسرة والمدرسة والروابط والحركات المختلفة لكن كذلك بين مختلف الدرجات المدرسية (انتقالات بين رياض الأطفال والمدارس الابتدائية والمعاهد

الصفحة170:


الثانوية، وبين المدرسة والمؤسسات الصناعية، وبين المدرسة والحي..).

والتربية ليست فقط شأن المربين المحترفين (من معلمين ومديري أنشطة وما أشبه ذلك) بل هي شأن تعاون مستمر بين جميع الذين تعنيهم قضايا التربية في كل المجالات التي سلف ذكرها.

هذا إلى أن وضع المربي ليس في نظرنا محصوراً في الكبار، كما أن وضع قابلية التربي لا تقتصر على السنين العشرين الأولى من العمر: ففي منظور تربية مستديمة غير مختصرة في التدريب المهني الإضافي نرى أن الوسائل التعليمية ينبغي أن تمكن كل فرد أياً كانت سنه ومهما تباينت جدارته ومنزلته الاجتماعية من أن يكون دورياً أو في وقت واحد في حالة استعداد لتثقيف نفسه ولمساعدة الآخرين على تثقيف أنفسهم. وبهذا التناوب الدائب فقط بين دوري المربي والمربى يمكن تأمل إطالة التأهيل الأولي وتعميم التأهيل الدائم دون أن يُشعر بذلك كإكراه.

وفي هذا المنظور لا تستبعد أن تتعدّل المؤسسة المدرسية عميقاً، ربما إلى درجة أن تزول، بيد أننا نعتبر من الأفضل، والوسط الاجتماعي غير منظم حالياً بحيث يتولى هذه التربية الإجمالية، أن نناضل في سبيل تحويل المدرسة إلى وسط تربوي منفتح، مترابط مع سائر الأوساط التربوية، بدلاً من السعي إلى القضاء عليها. (فرينيه، 1994، 150).

  1. ماذا بقي اليوم من المدرسة الجديدة؟

لقد تطورت كثيراً معطيّاتُ المجتمع الأوربي مع نهاية القرن العشرين وتطورت كذلك أفكاره التربوية سيان منها الأفكار الرسمية أو الأفكار المعارضة. وقد أصبح كثير من أفكار التربية الجديدة من تراث الفكر التربوي العام يتبنّاه جمهور التربويين. وكذلك تخلّى أنصار المدرسة الحديثة اليوم عن كثير من معتقداتهم السابقة بعد أن ظهر طابعها المتطرف. ويقوم الإجماع اليوم مثلاً على أن المدرسة الداخلية مؤسسة شرها أكبر بكثير

الصفحة171:


من خيرها بعكس ما كانت تنادي به المدرسة الجديدة بعد الحرب العالمية الأولى. ولقد ثبت الرأي على أن للبيئة الأسرية دوراً أساسياً في توازن الطفل النفسي وبالتالي في تفتح قدراته العقلية ورغبته في الدراسة على ما يحسبه أنصار المدرسة الجديدة في العقد السادس والسابع من القرن العشرين وجعل تطور الحضارة الصناعية الأوربية اليوم من المدينة المكان الذي تنشأ فيه الحياة الإنسانية وتنمو فكراً وتنظيماً. ولا يفتا عدد سكان الأرياف في الانخفاض حتى إنهم لا يشكلون اليوم إلا نسبة ضئيلة جداً من مجموع سكان المدن ولم يعد المتصور أن تنشأ حياة تعليمية وتربوية نشيطة في ريف هجرها ره أهله.

لكن بعض ما كان ينادي به أنصار التربية الجديدة قد لقي آذانا صاغية. ولقد ظهرت في السبعينيات من القرن العشرين ثم تكاثرت أنماط من المدارس التي تستوحي أفكار التيار الجديد من أمثال (المدرسة الموازية) أو (المدرسة المفتوحة) وهي نقيض المدرسة الداخلية القائمة في الأرياف وهي مدرسة لا أبواب لها ولا حائط يفصلها عن الحي أو عن الشارع الذي تقوم فيه، ويدخلها الطالب وغير الطالب متى شاء ذلك ويخرج منها متى يريد. ولقد تخلى الكثيرون اليوم عن هذا الأنموذج بعد أن ثبت بالتجربة صعوبة الدراسة والتعلم في مثل هذه الظروف وبعد أن أثبتت التجربة أن فتح المدرسة على الحياة العامة قد يعني فتح أبواب المدرسة على مفاسد الحياة.

وظهرت كذلك (المدرسة الثانوية ذات الإدارة الذاتية (. وكان الطلاب يديرون أمورها بعد أن ينتخبوا ممثلين عنهم وكان للطلاب الحق باختيار المواد التعليمية ومضمونها، ثم تخلت أغلب هذه المدارس عن هذه الطريقة بعد أن ظهر بوضوح تباين المستويات التعليمية بين المدارس التي تطبق الإدارة الذاتية وتلك التي تطبق فيها الإدارة على النحو المألوف. ولكن ما تزال بعض هذه المدارس التجريبية قائمة حتى اليوم.

وما تزال كذلك بعض المدارس تطبق طرقاً تعليمية نادى بها دعاة المدرسة الجديدة كمدرسة) ديكرولي التطبيقية). وما تزال حركة فرينيه تستقطب باستمرار أنصاراً جدداً

الصفحة172:


بين المعلمين الشباب الذين يجدون في التقنيات الجديدة كالفاكس أو الحاسوب أدوات ممتازة لتطبيق أفكارهم التربوية وتطوير وسائل تعليمهم.

ونلاحظ عامة أن كثيراً من الأفكار الأساسية التي ظهرت في الأوساط التجديدية قد دخلت شيئاً فشيئاً في العلوم التربوية الرسمية وفي التعليمات الوزارية لكثير من البلدان الأوربية. فاستخدام (الطرق التعليمية النشيطة) مثلاً أمر تنصح به مختلف الأوساط التربوية الرسمية.

ولقد برهنت أبحاث علم النفس التربوي الآن على صحة ما كان ينادي به أنصار المدرسة الجديدة من أن على الطفل أن يبني معارفه بنفسه. وقد استوعبت الأوساط التعليمية النظامية كثيراً من أفكار هذا التيار وتبنته على نحو جديد بعد أن أدخلت عليه بعض التعديلات. كالتربية القائمة على الحوافز الشخصية أو على المشروع الفردي أو العقد أو العمل الجماعي أو التأهيل الذاتي. وكذلك فإن أغلب علماء التربية التقليدية مقتنعون اليوم بضرورة إدخال الديمقراطية في المدرسة على نحو أوسع. (عبد السلام، 41 2002(

ولقد قام الدكتور محمد علي عاشور الأستاذ بجامعة اليرموك، بدراسة على مدراء المدارس في. محافظة إربد هدفت إلى معرفة «الدور المستقبلي لمدير المدرسة كقائد تربوي في مدرسة المجتمع» ركزت على تغير دور المدرسة التقليدي وتحولها إلى مركز إشعاع حضاري، يكون مدير المدرسة هو القائد التربوي فيها القادر على التفاعل مع المجتمع لرفع مستوى المجتمع وبث الوعي الاجتماعي وتقديم المساعدات المختلفة لأحداث التغير الاجتماعي نحو الأفضل.

وقد خلص الباحث لعدة توصيات بنتيجة دراسته هي:

الصفحة173:


يتمكن مدير المدرسة من القيام بدوره المستقبلي في مدرسة المجتمع.

أخيراً يمكن القول: لقد مضى العصر الذي كان يمكن فيه للمدرسة أن تعيش بمعزل عن المجتمع دون أن يؤرقها الوخز الحاد من المجتمع، وأصبحنا في عصر لا يمكن فيه للمدرسة أن تتذوق نسمة من هدوء مادامت بعيدة عن المجتمع.

إذا كان القرن التاسع عشر هو قرن العلوم والمعارف والقرن العشرون قد شهد اهتماماً متزايداً بالطفل والطفولة، فإنه يحق للباحث المدقق والمربي المستطلع والناقد أن يسمي الفترة القادمة فترة الانتفاضة في المجتمعات وفترة التحدي الصارخ للفرد والجماعة فترة في عالم المدرسة والتربية والتعليم والتهذيب وقد قال البروفسور " جغري براكلو" إن

الصفحة174:


التحدي الذي تواجهه التربية اليوم يكمن في استجلاء افتراضاتها وفرز ما هو أساسي فيها بالضرورة عما هو غير أساسي وإعادة النظر فيها وذلك في ضوء عالم دينامي سريع والمبالغة في مثل ذلك لا يتعدى محال واقع الضرورة، وإذا فشلت التربية عند نقطة التحول في أن تُلهب خيال الجيل الطالع، وإذا عجزت قبل كل شيء، في تقديم صورة جلية عن الكون النامي فإن العديد من القوى المتعددة الكامنة والآخذة في التفتح أمامنا يمكن أن تتفتت فتصبح هباءً منثوراً وسيفتح لعهد من البربرة الغاشمة قوامها المقدرة العلمية الفنية الآلية، وفي هذا العهد سيصبح وقت الراحة عبثاً والتربية نفسها ستكون مشقة الروح، والحياة مجرد احتفاظ بالوجود. إن الألفية الجديدة سوف تكون عصراً مزدهراً أو مخيفاً وذلك يعتمد على قدرتنا في لجم جماح أخلاقنا، إذ إنه توجد قيود أخلاقية أو بيولوجية تخاطر بتجاوزها ولكي نبني حضارة تدوم وتزهر فإن البشرية مطالبة من خلال مؤسساتها، والمدرسة واحدة منها، بأن تتصالح مع الطبيعة أو مع ذاتها، وعليها أن تعتنق ثقافة حضارية وتعددية تتسم بالتسامح وتمتزج بشعور عميق بكل ما هو مقدس أو ديني. ويرى " جاك أتالي "، أن نجاح التربية منوط بقدرتنا على حسم الصراع القائم من أجل تعلم كيفية التعامل مع المشكلات التي تُعد بحق مشكلات عالمية في طبيعتها، فالعالمية هي المشكلات التي نواجهها الآن. ولذا فنحن بحاجة إلى أن نكون رؤية تربوية جديدة، أن ننشئ مؤسسات جديدة وأن يكون لنا فلسفة تربوية تستطيع أن تضع لنا المبدأ الذي يجب أن نسير عليه، ومن هنا كانت مهمة المربي والمشرف الاجتماعي، إن وجد، ومدير المدرسة والمدرسين، ومن ورائهم واضعو الخطط وأولياء أمور الطلبة.. شاقة جداً وهم هذا التحدي (أتالي، 1995، 44).

الصفحة175:



الفصل العاشر: جماعة الأقران

تعني (جماعة الأقران) نظرياً كل جماعة تتكون من أشخاص متساوين بالاستناد إلى معيار معين ولكن علماء الاجتماع يطلقون هذا المصطلح عادة على الجماعة المكونة من أشخاص متماثلين في السن، ولاسيما على جماعات الأطفال أو المراهقين. وغالباً ما تكون هذه الجماعات صغيرة تضم شخصين أو أكثر قليلاً. ويجب ألا نخلط بين هذه الجماعات والعصابات التي تنصف عادة بالانحراف أو الجنوح.

إن الجماعة التي نتحدث عنها تؤدي دوراً طبيعياً في عملية التنشئة الاجتماعية في معظم المجتمعات وهي توفر للناشئين تجارب من النوع الذي لا يتوافر في أسرهم. إن الأطفال ينظرون إلى العائلة على أنها ذات بنيان متدرج من حيث المراتب. وهم يشغلون في هذا التدرج مرتبة دنيا لان أهلهم أكثر قدرة منهم وقبل أن يغادروا أسرهم التي نشوا فيها ليذهبوا إلى العمل أو ليكونوا أسراً جديدة، يحتاج الفتيان والفتيات إلى بعض التجارب التي توفر لهم مهارات ضرورية للحياة الراشدة فهم يحتاجون للاختلاط بالآخرين في إطار جماعات لا تحوي فروقاً كبيرة في المرتبة، ويستطيع الأفراد فيها أن يحققوا مراكز جيدة بجهدهم الشخصي، بدلاً من تلك التي تفرض عليهم وضعاً أدنى من غيرهم. إن الانقطاع بين دور الطفل ودور الإنسان الراشد يمكن أن تخف حدته إذا ما اختلط الأطفال أو المراهقون مع أفراد من جنسهم وعمرهم ينتمون إلى أسر أخرى. 

ويذكر عدد من الراشدين الارتباك الذي صادفوه لدى دخولهم الحياة الاجتماعية، بذكر عدد من ال ولكنهم ينسون أن ارتباكهم هذا كان أقل مما هو متوقع أثناء مباشرة تجربة جديدة، نظراً الانخراطهم السابق في عدد من جماعات الأقران، (أبيض، 1988، 23)

لمجموعة الأقران قوة جذب كبيرة على الطفل ومجموعة الأقران أكثر إغراء وتنبيهاً للطفل من تأثير البيت. ويتأثر الطفل جزئياً عندما يحتك بأفراد أقل تعوداً عليهم من أفراد أسرته. ويتأثر جزئياً أيضاً بعدم التغلب على المجموعات التي تختلف تماماً. المجموعة الموجودة في المنزل، ويمثل ذلك تحدياً عندما يواجه الطفل مشكلات مختلفة عما تعود عليه

الصفحة179:

في المنزل.

ومجموعة الأقران جاذبة لأنهم يمثلون نفس المستوى من الوضع مقارنة بالأسرة. بينما تكون حالته ووضعه وقوته في المنزل ثابتة عند مستوى محدد نسبياً. أما الآن فهو قد يعين أحياناً في مركز أقل بواسطة المجموعة، ولكنه يكون حراً في البحث عن مجموعة أخرى أو إنشاء مجموعة خاصة به وبالنسبة لبعض الأطفال يمثل الصراع على المراكز، والانحرافات نحو الفوضى تحدياً قوياً مقارنة بالثبات والأمن في البيت، أو الانغماس في نشاطات انعزالية.

من المحتمل أن يكون لما تقدمه مجموعة الأقران للطفل تأثير كبير في سلوكه أكثر مما تقدمه المجموعة للبالغ. وذلك لأن المجموعة كأعضاء متشابهين، يمكنهم التفاهم معاً والتأكد من أن أعمالهم وطرق تفكيرهم أكثر ملاءمة للطفل لدرجة يكون من السهل فيها على الطفل أن يستبعد السلوك الخاص بالبالغين كقيم لا تلائمه، وأن يقلد من تكون قدراتهم واهتماماتهم وخبراتهم أكثر تطابقاً. مع ما لديه.

وهكذا يصبح الأقران بالنسبة له ما يسميه علماء النفس (المجموعة المرجعية) وهي التي يرجع إليها الطفل في سلوكه وحكمه. وإذا ما رفض من المجموعة يكون ذلك نوعاً من العقاب، وحينما يُقبل تكون هذه مكافأة له، وبطرده من المجموعة لا يفقد مركزه فقط، ولكن يفقد هويته ولا يدري لمن ينتمي ولا أين يذهب) واطسون وليند جرين، 536،2004. (

وإذا ما أردنا المقارنة بين دور كل من الأسرة والمدرسة وجماعة الأقران في التنشئة الاجتماعية رأينا أن الأسرة التي يضع معظم الناس على عاتقها واجب التنشئة الاجتماعية للأجيال الجديدة تؤدي ذلك غالباً دون أن يفكر الآباء أو الأفراد الآخرون في الأسرة في هذه العملية.

أما المدارس فقد أنشئت خصيصاً للقيام بهذا الدور، لأنه قد تبادر إلى الأذهان أن

الصفحة180:


مهمة إعادة بناء الواقع الاجتماعي قد تجاوزت إمكانية الأسرة، ومع ذلك فهذه المدارس لم تنجح في ذلك كلياً لعدد من الأسباب.

وبالرغم من أن جماعة الأقران هي في طبيعتها جماعة عفوية منصرفة لشغل أوقات الفراغ، فإنها عامل قوي جداً في التنشئة الاجتماعية للصغار. (أبيض، 1988، 24)

المركز الاجتماعي الواحد بين الأقران قد يكون مؤثراً جداً في توجيه سلوك الأطفال، في تبنّيهم مجموعة من القيم المختلفة عن اسرهم خاصة في فترة المراهقة حيث إمكانية الاستهواء والرغبة بالاستقلالية عن الأسر الأكبر إن المراهق المرفوض في أسرته لأسباب شتّى، عرضة أكثر للاختلاط برفاق السوء لتكون قيمها هي قيمه المرجعية... لذلك قالت العرب: «قل لي من تعاشر أقل لك من أنت»، وهذا يدلّ أيضاً على أن الصديق الخير الموافق لك دافع للمزيد من التطوير في شخصيتك ومعارفك عن الحياة وعن محيطك الإنساني.

الصفحة181:



الفصل الحادي عشر: وسائل الانصال الجماهيري

  1. وسائل الاتصال والتنشئة
  2. الوسائل المقروءة
  3. الوسائل السمعية
  4. الوسائل السمعية البصرية

الصفحة183:

في عصر العلم والمعرفة والتفجر المعرفي وعصر الاتصال والمعلوماتية تأخذ وسائل الاتصال مكانة متقدّمة وخطيرة. فلم يعد دور هذه الوسائل يقتصر على تحقيق الاتصال بين المتلقي والمرسل، وإيصال المعلومات، بل اتضح أنها أصبحت تؤثر في جوانب الحياة المختلفة السياسية والاجتماعية والتربوية والثقافية والاقتصادية حتى ساد الاقتناع بين الباحثين والمربين والسياسيين ورجال الاتصال والأعمال أن هذه الوسائل تؤثر في كل جانب من جوانب السلوك) كالسلوك السياسي والاجتماعي، وسلوك المستهلك والصحة والتعليم.. إلخ) وتؤدي هذه الوسائل دوراً هاماً في صناعة الرأي العام وتشكيل العقول والحفاظ على الأيديولوجيات السائدة أو القضاء عليها ودعم الأنظمة أو هدمها.

 بدأ اهتمام الباحثين والتربويين والسياسيين منذ القرن الماضي بدراسة ما تحمله هذه الوسائل من مضامين ثقافية وسياسية واجتماعية وتربوية مختلفة وازداد هذا الاهتمام في عصرنا الحالي عصر الفضائيات، الذي يحمل ثقافات مختلفة.

يقصد بوسائل الاتصال: الأدوات التي تنقل بواسطتها الرسالة إلى أعداد كبيرة من الأفراد المنتشرين في أماكن متفرقة، وقد تكون الوسيلة إما سمعية أو بصرية أو سمعية بصرية معاً، وتختلف كل وسيلة عن الأخرى في نوع الجمهور الذي تتصل به، وفي نوع الرسالة التي تحملها وفي نوع التأثيرات التي تتركها.

تؤدي وسائل الاتصال دوراً لا يقل أهمية عن دور الأسرة أو المدرسة في عملية التنشئة الاجتماعية فالصحف والمجلات والمذياع والسينما والمسرح والتلفاز وغيرها من وسائل الاتصال الجماهيرية تدعم القيم التراثية وفي الوقت نفسه فهي التي تنقل المعلومات والأخبار من المواطن إلى الدولة والعكس بالعكس. ومع التقدم التكنولوجي الذي نراه اليوم لوسائل الاتصال تركز الدول على هذه الوسائل كأساسيات للتنشئة.

وإذا كانت هذه الوسائل موجهة وهادفة يمكنها أن تساعد الطفل على تقبل أي تغيير جديد وتعزيز القيم الإيجابية، وتصل بالفرد إلى تنشئة متكاملة من الجوانب التربوية

الصفحة185:


والاجتماعية والخلقية، كما تنمي الشعور.

  1. وسائل الاتصال الجماهيري والتنشئة الاجتماعية للطفل:

تشكل وسائل الاتصال بحكم طبيعتها وبحكم تفاعل الإنسان معها أداة من أدوات التنشئة نظراً لانتشارها الواسع وتأثيرها المباشر في سلوك الأطفال، من خلال ما تقدمه من ن مضامين تعمل على التثقيف والتوجيه والترفيه.

ففي المجال الاجتماعي، تؤدي وسائل الاتصال دوراً مهماً في تنشئة الأطفال وتعمل على تعميق القيم الصالحة واكتساب الأطفال السلوك الجيد إذا أُحسن استغلالها من خلال ما تقدمه من مضامين تعمل على التثقيف والتوجيه والترفيه.

وفي المجال العلمي يستطيع الطفل أن يتعرف من خلالها على منجزات التقدم العلمي والكون المحيط، وأن يستفيد من أحدث المعلومات العلمية، وفي المجال الإنساني يتعرف على العالم ويتفاعل مع الأحداث التي تجري في مناطق لا يعرفها إلا من خلال وسائل الاتصال.

تسهم وسائل الاتصال إذن إلى جانب المؤسسات الأخرى (كالأسرة، والمدرسة والأصدقاء وغيرها (في عملية التنشئة، ودورها لا يقل أهمية عن دور هذه المؤسسات، إلا أن هذه الوسائل سلاح ذو حدين؛ فقد تساعد الطفل على تكوين مقومات شخصيته تكويناً متكاملاً اجتماعياً ونفسياً وخلقياً ووطنياً وقومياً إذا أحسن استعمالها وقد تكون ذلك، وتشكل خطراً على الثقافة القومية والوطنية، وتترك آثاراً سلبية في شخصية الطفل.

  1. تأثير وسائل الاتصال:

إن وسائل الاتصال تستطيع من خلال ما تقدمه من مضامين هادفة وأساليب

الصفحة186:


مناسبة أن تؤثر في وعي الأطفال كما تؤثر مؤسسات التنشئة الأخرى إن لم تتفوق عليها، وتؤدي بذلك دوراً إيجابياً في تنشئتهم ومما يزيد في فعالية تلك الوسائل انتشارها الواسع والوقت المتزايد الذي يكرسه الأطفال لها. فالطفل يبدأ بالتعرض لبعضها (التلفاز مثلاً) في سن مبكرة ويستمر في ذلك مدى حياته. ولهذه الوسائل تأثيران:

التأثير الأول: على الأفراد الراشدين ويطلق عليه اسم التأثير المتعاصر، يحدث للأفراد وهم في مرحلة البلوغ والنضج.

التأثير الثاني: التأثير النمائي وهو الذي يسهم بدراسة أثر وسائل الاتصال في سلوك الأطفال خلال مراحل نموهم منذ الطفولة حتى البلوغ، وقد بدأت مثل هذه الدراسات بعد ظهور التلفاز خاصة.

  1. وظائف وسائل الاتصال:

تقوم وسائل الاتصال بعدة وظائف منها: الوظيفة الإعلامية، التثقيفية، الترفيهية، التربوية، السياسية... وهذه الوظائف تتوحد وتتكامل فيما بينها لتؤدي وظيفة التنشئة الاجتماعية، ويرى علماء الاجتماع أن لكل وظيفة من هذه الوظائف السابقة إيجابيتها وسلبياتها ونتائج غير مرغوب فيها على الصعيدين الفردي والاجتماعي، ويحذرون من النتائج غير المرغوب فيها. وتكمن أهم إشكالات هذه الوسائل في التبعية الإعلامية التي امتداد للتبعية الاقتصادية، فقد أصبحت تشكل خطراً على الثقافة الوطنية والقومية لا سيما بعد انتشار الأقمار الصناعية وتعدد الفضائيات. إذا لم نحسن اختيار ما يقدم مضامين برامجية أو أعمال درامية، وإذا لم نتمكن من تحصين الجيل من هذا الغزو المتعدد بتعدد الأقنية الفضائية.

من الواضح أنه لا يمكن سد الأبواب أمام لابد من تعرف ما يجري في هذا العالم آخذين بالحسبان أن ما يبث عبر وسائل الإعلام وخاصة التلفزة يؤدي إلى الانتاج والتنمية في ضوء برامجه أو إلى التخريب والهدم. وإذا كان)  فيكتور

الصفحة187:


هيجو) يقول، قد نستطيع مقاومة غزو السلاح ولكننا لا نستطيع مقاومة غزو الأفكار. فإن ذلك يلاحظ جلياً في عالمنا المعاصر، إذ أن الغزو الثقافي الغربي والأمريكي خاصة بات ظاهرة بارزة في العديد من دول العالم، وتتمثل هذه الظاهرة في مجالين أساسيين أولهما وسائل الإعلام وثانيهما وسائل ثقافة الطفل. 

وقد عملت بعض الدول المتقدمة المعتزة بثقافتها على مقاومة هذا الغزو الثقافي الأمريكي الممتد مع ما يسمى بالنظام العالمي الجديد فقد أثار وجود (ألعاب دزني) في ضواحي باريس موجة من النقد والهجوم من مثقفي فرنسا وبعض سياسييها، وعدوها مستعمرة ثقافية أمريكية، وقاطعها الفرنسيون، وباتت تعتمد على السياح من الأوروبيين وغيرهم فجاءت مداخيلها أقل بكثير من التوقعات.

وأثار انتشار الماكل الأمريكية السريعة التحضير كالهامبرغر في أسواق فرنسا حفيظة وزارة الثقافة مما حدا بها إلى تهيئة برامج تعليمية للأطفال والشباب عن المطبخ الفرنسي وميزاته كما أعاد الفرنسيون الاهتمام والاعتبار لشخصيات الرسوم المتحركة الفرنسية مثل (كران تان تان (لمواجهة شخصيات (والت ديزني) والهدايا والألعاب والملابس المرتبطة بها والتي غزت أسواق فرنسا) السيد، 2001، 38-39)

وإذا كانت الدول الأوربية تدعو إلى حماية ثقافتها فحري بالبلدان النامية الحفاظ على ثقافتها الوطنية والخروج من حصار التبعية الإعلامية التي جزء مكون من منظومة التبعية بوجه عام والتي تتعارض مع مصالح البلدان النامية وأهدافها الأساسية.

  1. أنواع وسائل الاتصال:

تعددت وسائل الاتصال وتطورت مع مرور الزمن ومع التقدم العلمي المجتمعات البدائية كانت وسائل الاتصال شفهية لفظية تتم عن طريق الخطبة، وقد انتشرت عند العرب والرومان، وكانت وسيلة الاتصال الوحيدة في المجتمعات القديمة، ثم جاءت الندوات وهي وسيلة إعلامية رئيسية حيث تضم عدداً قليلاً من الناس، وهي متخصصة في مجال معين. ومع تطور الطباعة ظهرت وسائل الاتصال

الصفحة188:


المكتوبة وتتمثل في الكتاب والصحافة والمجلات والرسائل.

«ومع انتشار الكهرباء والتقدم التقني والعلمي ظهرت وسيلة الاتصال السمعية (الإذاعة) ثم ظهرت وسيلة الاتصال السمعية البصرية (التلفاز) والذي جذب إليه شيئاً فشيئاً جماهير الإذاعة والصحافة لأنه قام بدور إخباري وإعلامي واسع» (همام 11.198 (

ولكن ظهور كل وسيلة من هذه الوسائل لم يلغ دور الوسيلة التي سبقتها فالإذاعة الصحف، وكذلك التلفاز لم يلغ دور الإذاعة، فلكل وسيلة جمهورها.

ويمكن تصنيف وسائل الاتصال الجماهيري إلى:

وسيتم الحديث عن الوسائل الأكثر جماهيرية في عصرنا الحالي وهي والإذاعة والتلفاز والتي تؤدي دوراً رئيسياً في التنشئة وتقوم بدور الإعلام التربوي.

  1. الوسائل المقروءة:

الصحافة

تأخذ الوسائل المقروءة أشكالاً مختلفة منها: الصحف، المجلات، الكتب، القصص النشرات الملصقات وغيرها ... وتعتبر المجلة والقصة من أكثر الوسائل المقروءة تداولاً بين الأطفال خاصة في مرحلة الطفولة المتأخرة (9- 12) سنة.

  1. المجلة


 المجلة هي كل صحيفة كما جاء في كتب اللغة والصحيفة هي (اسم للمكتوب على أي شيء صالح للكتابة). والمجلة هي وسط بين الكتاب والصحيفة، تسجل كل إبداع وابتكار وهي وسيلة جادة للثقافة ونشر الوعي والمعرفة. وتتميز مجلة الطفل بأنها

الصفحة189:


تتناول موضوعات متعددة متنوعة بهدف توسيع مدارك الأطفال وتنمية معارفهم والارتفاع بمستوى تذوقهم للفنون.

إنها من المؤثرات الثقافية الكبرى لأنها تسهم في توجيههم وإعلامهم وتنشئتهم وتكوين عادات وتقاليد ومثل عليا ومعايير وقيم عندهم، وتعمل على إشباع خيالهم وتنمية ميولهم نحو القراءة وإثراء لغتهم.

ويقبل الأطفال على قراءة المجلات لأنها تقع خارج المنهاج المدرسي، ويشعرون بالحرية في اختيارها، فضلاً عن ذلك فإن المجلة تتناول موضوعات متعددة ومتنوعة تشبع حاجات الأطفال المختلفة وتلبي رغباتهم المتعددة على خلاف الكتاب الذي يتناول موضوعاً واحداً أو مجموعة من الدراسات أو القصص. فإذا كان الكتاب مجموعة من القصص أو الأشعار أو المسرحيات، فإن المجلة تأخذ منه هذه الصفة لكنها تتفادى رتابة الموضوعات التي قد تسرب الملل إلى نفوس الأطفال، ولعل هذه الخاصية هي التي تدفع الطفل إلى قراءة المجلة، إلى جانب أنها تزوده بكل ما يدور في ذهنه من تساؤلات قد لا يجدها ضمن صفحات الكتاب إلى جانب هذا فإن المجلة تقوم بدور مكمل للكتاب فتسهل أمام الطفل عملية القراءة وتنمي مهاراته وترسخها تلك التي تجعل من القراءة عملية منتجة، ومثمرة (دكاك، 2000، 83-84)

 كما أن اعتماد المجلة على الكلمة المطبوعة والصورة واللون يجعلها من أكثر الوسائل تحريضاً للطفل على القراءة وتأمل الفكر واستيعابها على خلاف التلفاز مثلاً. وبهذا يصاحب الطفل الأفكار الخلافة فالطفل في ذاته بصري أولاً أي يفكر بواسطة الصور البصرية قبل كل شيء، فضلاً عن ذلك فإن المجلة تفسح المجال أمام الطفل للمشاركة الفعالة في شئون مجتمعها وتعرف محيطه الاجتماعي من تلقي رسائله والرد عليها ونشر صوره، إلى جانب ما تتضمنه من مسابقات وأسمهان تحاول الأطفال ونتاجاتهم.

إضافة إلى ذلك فإن المجلة تفسح المجال للطفل ليطلع على كل جديد وعلى آخر

الصفحة190:


الأحداث، وتلبي حاجته للتسلية والترفيه، وتمضيه أوقاته من خلال أبوابها المتنوعة وغنى موادها وتنوعها في وقت أصبح فيه الترويح من الطرق الرئيسية في التنشئة الاجتماعية. وبهذا فإن المحلة تقدم غذاء لعقل الطفل وراحة لنفسه.

ونظراً لأهمية مجلة الطفل فقد أفرد لها حلقات بحث خاصة على مستوى الوطن العربي، واهتمت جامعة الدول العربية بثقافة الطفل العربي من خلال مؤتمرات وندوات تم عقدها للعناية بثقافة الطفل العربي. وأكدت هذه المؤتمرات ضرورة الهيمنة القومية على صحف ومجلات الأطفال لحمايتها من أضرار الصحف التجارية العالمية والترجمة التي لا تتفق مع طبيعة الطفل العربي من عادات وتقاليد وثقافة المجتمع العربي.

وأكدت ضرورة الاهتمام بإصدار مجلات للأطفال تخاطب المرحلة العمرية الخاصة بأطوار نمو الأطفال، إلى جانب حماية صحافة الأطفال من خطر الموضوعات التي قد تسيء إلى نموهم وطالبت بعض الأقلام بإصدار بعض التشريعات التي تحمي صحافة الأطفال من الأفلام التي تفسد أخلاق الأطفال والمراهقين، منوهة إلى ما صدر في فرنسا عام 1945 من تشريع خاص بمطبوعات الأطفال يؤكد على ضرورة خلو مطبوعات الأطفال من الصور والتقارير والفقرات والتعليقات التي تتضمن الإشادة بأعمال اللصوصية أو الكذب أو السرقة والجبن والكراهية و الفجور أو عن أي أعمال أخرى مكونة للجريمة أو المخالفات التي يُحتمل أن تفسد أخلاق الأطفال والمراهقين.

بدأت محلات الأطفال بداية مدرسية، تتخذ من التلاميذ عماداً لها في تحرير موادها، ومعتمدة على حرية التعبير وانطلاق الخيال ووضوح الفكرة وسلامة الأسلوب، واختيار الألفاظ وعملت هذه المحلات المدرسية الحائطية على إبراز شخصية التلميذ وتشجيعه على التعبير عما في نفسه، بإشراف معلمين تربويين ثم تطورت حتى تحولت إلى صحافة موجبة تشرف عليها مؤسسات حكومية أو مستقلة، يحرر فيها شعراء وكتاب ورسامون... وتتناول شيئاً من أساليب الحياة الهدف منها تثقيف الطفل وتوعيته

الصفحة191:


والإسهام في تنشئته.

يفهم مما تقدم أن المجلة تشكل جزءاً كبيراً من اهتمامات الطفل، لهذا انتبه الاختصاصيون في عالم الطفل، كذلك دور النشر والأسواق التجارية إلى رغبة الطفل هذه، فكثرت كتب الأطفال وتنوعت محلاتهم فالصورة الزاهية والملونة تؤدي دور المحرض على القراءة خاصة إذا رافقت الطفل الأم أو الأب في عملية تصفح المجلات وقراءتها. 

  1. القصة:

احتلت القصة منذ القديم مكانة مهمة في الآداب القديمة كما احتلت هذه المكانة في الآداب الحديثة والمكتبة العربية زاخرة بالكثير من القصص التي يتحلى بها وجه المجتمع العربي. «والقصة هذه الحكاية النثرية باعتبارها تسرد واقعة أو جملة وقائع تستمد من الواقع أو الخيال أو كليهما معاً وتُبنى على قواعد معينة من الفن الأدبي». (أبوحرب، 1985، 58( هي ظاهرة بشرية عميقة الجذور في حياة الإنسان وانعكاس لمظاهر حياته النفسية والاجتماعية والعقائدية لهذا فهي أقرب أنواع الأدب إلى واقعنا الاجتماعي فمادة القصة هي المجتمع وواقعه، غير أنها تنتظر القاص البارع كي يصوغها في صورة بشرية ثابتة. (ضيف، 1962، 228)

وعلى الرغم من أهمية القصة وتأثيرها إلا أن الاهتمام كان منصباً على قصص الكبار ولم يحظ الأطفال بعناية ظاهرة إلا في العصر الحديث عندما ازداد إيمان التربويين والأدباء في مختلف بلدان العالم بأهمية القصة في تنشئة الأطفال، نظراً لتعلقهم بها منذ الفترة المبكرة من حياتهم. وقصة الطفل هي حكاية قصيرة تتضمن غرضاً تربوياً، فنياً أو أخلاقياً أو علمياً أو لغوياً أو ترويحياً، وقد تشمل هذه الأغراض كلها. وهي ذات مضمون ثقافي إذ تحمل الأفكار وفلسفة المجتمع، لذا فالقصة من أكثر الفنون الأدبية تأثيراً في الطفل فعن طريقها تبث الأفكار والمفاهيم والقيم التي تمثل ثقافة المجتمع وإطاره الحضاري، وبذلك تسهم باعتبارها وسيطاً ثقافياً في عملية تنشئة الأطفال ومواجهة

الصفحة192:


مطالب نموهم واحتياجاتهم في المراحل المختلفة، يضاف إلى ذلك أن قصة الأطفال تقومعلى الأحداث والصراع والعقدة والحل والشخوص والزمان والمكان.

تنتشر القصة بين شعوب مختلفة بوساطة الوسائل السمعية والبصرية (إذاعة تلفاز، مجلات، كتب صحف وغيرها) لهذا تعد وسيلة مهمة من وسائل نشر الثقافات والعلوم بين الأطفال بما تحمله من أفكار ومعلومات علمية وتاريخية وجغرافية وأدبية ونفسية واجتماعية فضلاً عما فيها من أخيلة وتصورات ونظرات وما تتضمنه من قيم واتجاهات ومواقف وأنماط سلوكية.

وبكلمة مختصرة فإن القصة هي من أحب أنواع الأدب عند الأطفال ومن أكثره تأثيراً فيهم لهذا يمكن الانتفاع من القصة وتوظيفها لتنشئتهم تنشئة سليمة. (دكاك،46.2000(

  1. أهمية القصة القصيرة عند الطفل:

تعد القصة وسيلة مهمة من وسائل تنشئة الطفل، فقد بين علماء النفس والتربية أن الكثير أهداف تنشئة الطفل يمكن أن تتحقق بوساطة القصة نظراً لإقبال الطفل من على القصة ورغبته في قراءتها والاستماع إليها، ومحاولته تقمص مواقفها ومحاكاة شخصياتها كما يرون أن استمتاع الطفل بالقصة يبدأ منذ أن يتمكن من فهم ما يحيط به من حوادث وما يُذكر أمامه من أخبار، وذلك في أواخر السنة الثالثة من عمره، فهو على صغر سنه ينصت للقصة التي تناسبه ويشغف بها ويطلب المزيد منها. (جعفر، 1979، 43). وعندما يصبح الطفل قادراً على القراءة يتعرض للكثير من القصص التي تزوده بالأفكار وتساعده على زيادة حصيلته اللغوية وتنمي خياله وقدرته على الابتكار. ويصف مكسيم غوركي في كتابه (طفولتي (تعلقه بجدته التي كانت تحكي له حكاية فيقول: «أما أنا فكنت أحب في أعقابها وأدب النهار بطوله متعلقاً بأثوابها، إن في الساحة أو الحديقة أو عند الجيران، حيث كانت تجلس لبضع ساعات تحتسي الشاي،

الصفحة193:


وتعيد سرد ما لديها من قصص وأخبار، وكنت أبدو وقت ذاك وكأني قطعة منها، وأنا لا أذكر أحداً خلال تلك الفترة من حياتي، اللهم إلا هذه العجوز اللطيفة».

«وأعطى روسو قصة الطفل أهمية خاصة من حيث هي وسيلة تربوية لا غني عنها للأطفال، فقد كان ينصح بسرد قصص حقيقية على الأطفال مع نماذج خلقية رفيعة، والمثال الذي يقدمه لنا هو (روبنسون كروزو (أي كتاب التدريب الذي يتعلم منه الطفل كيف يعيش وكيف يعمل وكيف يكون». (جعفر، 1983، 141).

تأتي أهمية قصة الطفل في أنها تبدأ من الواقع الذي يعيشه الأطفال، وتنطلق من خبراتهم إلى عالم أكثر غنى واتساعاً وتعطيهم شعوراً واضحاً بالعلاقة بين هذه الخبرات وخبرات الإنسانية كلها (الحديدي 1973، ص 133).

كما تعد القصة أيضاً مجالاً كبيراً لنمو وعي الطفل، وتطور إدراكه الاجتماعي، فينمو إحساسه بشعور الآخرين من خلال العلاقات الاجتماعية المتبادلة بين شخصيات القصة ذلك لأن أحداث القصة تصبح بالنسبة للطفل جزءاً من ذاته لأنها تحمل في نظره أهمية ومعنى. فالقصة ذات تأثير قوي في تكوين مهارات الاتصال الكلامي عند الأطفال، إلى جانب هذا فإنها كما يرى "شحاته" «كتاب يؤلف لتزويد الطفل بالخبرات غير المباشرة التي تعمل على تحقيق السعادة والمتعة والتسلية لدى الطفل وعلى تلبية حاجاته إلى الأمن والحب والطمأنينة» 

وتعد القصة إضافة إلى ما تحمله من قيم ومعايير اجتماعية وسيلة جيدة من وسائل تنشئة الطفل وبناء شخصيته، وبطبيعة الحال فإن القصة بتخطيها أبعاد الزمان والمكان تنقل الأطفال عبر الدهور المختلفة، كما تتجاوز بهم الحاضر إلى المستقبل، وتنقلهم إلى أماكن مختلفة، وبتجاوزها الواقع تجعل الأطفال أمام حوادث وشخصيات وأجواء خارج نطاق الخبرة الشخصية للأطفال وتهيئ لهم الطوفان على أجنحة الخيال في عوالم مختلفة.

الصفحة194:


ومع أهمية القصة في تنشئة الطفل إلا أنها سرعان ما تفقد قيمتها التربوية إذا لم تتوافر فيها المادة المناسبة لمستوى نضج الطفل، ولم يجد فيها ما يناسب قدراته وميوله التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار من قبل الكتاب

  1. الميول القرائية:

تعد القراءة من المهارات الضرورية واللازمة للفرد كي ينجح في حياته الخاصة والعامة، على اعتبار أنها وسيلة من الوسائل الأساسية للتفاهم والاتصال والتواصل بين أبناء الجنس البشري، وهو سبيل لا غنى عنه في توسيع آفاق الفرد العلمية والمعرفية. وإتاحة الفرص أمامه للاستزادة من الخبرات الإنسانية، وذلك كله يؤمن له العوامل الأساسية للنمو العقلي والانفعالي والاجتماعي. (حنا، 1995، 20).

يميل الأطفال في مرحلة الطفولة المتأخرة إلى القراءة، وحين يستطيع الطفل أن يقرأ لنفسه يصبح مسيطراً تقريباً على المهارات القرائية فتصبح عنده القدرة على الفهم والتأثير، ويساعده على ذلك الاستقرار الانفعالي والنفسي، وتعتبر القراءة نشاطاً عقلياً فكرياً متكاملاً، تتداخل فيه مجموعة من العوامل، والغرض منه تمكن القارئ من فهم ما يقرأ، وما يتبع ذلك الفهم من اكتساب معرفي ينمي لديه القدرة على التحليل والتركيب والنقد، وتمييز الأفكار الصحيحة عن الأفكار الخاطئة.

ترتبط ميول الأطفال نحو القراءة بخصائصهم النفسية وهذا يتطلب معرفة دقيقة بميول الأطفال القرائية في مراحل أعمارهم المختلفة ومعرفة مستوياتهم اللغوية والفكرية.

 وهناك بعض الميول التي يشترك فيها الأطفال في مرحلة الطفولة المتأخرة منها:

يميل الأطفال في مرحلة الطفولة المتأخرة إلى قراءة القصص التي تدور حول الطبيعة والبيئة المحيطة بهم لأنهم يرغبون في أن يحسنوا فهم الطبيعة لشغفهم بها وليجدوا الإجابة عن الأسئلة التي تدور في أذهانهم حول بعض الكائنات والظواهر الطبيعية.

يميل الأطفال إلى قراءة قصص الرحلات والاستكشافات وتلك التي تعالج أموراً خيالية

الصفحة195:


أو عجائب خرافية ولا يرونها تبتعد كثيراً عن عجائب الحياة المعاصرة كما يراها الكبار وذلك لسعة خيالهم في هذه المرحلة التي تجعلهم يقربون الأمور الخيالية من الواقع. كذلك يميل أطفال هذه المرحلة إلى قراءة القصص المسلسلة التي تدور حول أبطال لا يتغيرون يتخذهم الطفل رفاقاً له، ويتابع تحركاتهم عبر قصصهم المسلسلة وخاصة ما يتعلق منها بالنواحي التاريخية التي تتصل بسرد حياة العظماء، أو القصص المسلسلة التي تدور حول أبطال وهميين، ويرغبون في معرفة أحداث الماضي القدماء، ولا شك أن هذه وسير القصص ذات فائدة عظيمة إذا ربطت الماضي بالحياة المعاصرة (دكاك، 2000، 59). ويميلون أيضاً إلى قراءة القصص التي تعكس حياة العائلة وتصرفات أفرادها وعندما يصل الطفل إلى سن العاشرة أو الحادية عشرة فإنه يميل إلى القصص العائلية الواقعية التي تصور الحياة نفسها، ولا يتطلب ذلك أن تكون الأسرة بجميع أفرادها على حالة من الانسجام والتفاهم في كل الظروف. الأطفال في هذه المرحلة ميالون إلى قراءة القصص التي تدور حول الأطفال في البيئات البعيدة والقريبة وأكثرها ما يجذبهم هو تصرفات هؤلاء الأطفال في محيطهم الأسري وأسلوب حياتهم، ومن شأن هذه القصص أن تقرب بين الأطفال. يميل الأطفال إلى قراءة قصص الأبطال الرياضيين أو ما يدور حول الرياضة نفسها وإلى قراءة القصص التي تدور حول الأنشطة الاجتماعية والقصص البوليسية وهم لا يطلبون أن تكون هذه القصص منطقية تماماً أو أن تكون شخصياتها واقعية ولكن ما يطلبونه هو أن تكون هذه القصص سريعة التحرك على شاشة الأحداث وتحتوي جانباً كبيراً من الإثارة. (فرانك، 1960، 90).

إضافة إلى ما سبق فإن الأطفال يميلون أيضاً إلى قراءة القصص الفكاهية وينجذبون إليها وخاصة تلك التي تشمل على مواقف مضحكة وتنتهي بنهايات غريبة غير متوقعة، ولدى الأطفال استعداد لتقبل الفكاهة المبنية على السخرية من تصرفات غيرهم من الكبار والصغار، إلى جانب ذلك فإن قصص الخيال تجذب أطفال هذه المرحلة، والواقع

الصفحة196:


أنه لا توجد حدود يقف عندها الإنسان في قراءته لقصص الخيال حيث إن الشغف بها قد يستمر طوال الحياة كقصص ألف ليلة وليلة إذ يمكن أن تمتع جميع الأعمار.

 ولكن نوعية القصص الخيالية التي تمتع أطفال مرحلة الطفولة المتأخرة تختلف عن تلك التي تعجب الأصغر منهم سناً، فهم يريدونها أن تكون أكثر عمقاً وأن يكون لها مردود فلسفي أو مغزى عميق ويمكن أن تكون القصص الخيالية مبنية على أحداث تجري في زمننا، كذلك فإن معرفة الحقائق تستهوي بعضهم في هذه المرحلة والحقائق العلمية، في حين يميل البعض الآخر إلى معرفة تلك المعلومات العلمية مغلفة برداء من الخيال أو مصاغه بأسلوب أدبي.

ومما تجدر الإشارة إليه أن ميل الأطفال في الوقت المعاصر قد ازداد نحو القصص العلمية نظراً للتقدم المفاجئ بالعلم، ومن المناسب أن تكون هذه القصص مزودة بالصور التي تُيسر للقارئ فهم المعلومات، وأن تجمع بين الحقائق العلمية والحياة المعاصرة. 

يميل الأطفال إلى قراءة قصص الأساطير وشخصيات أبطالها، وهذه القصص تخدم جوانب نفسية معينة لدى الطفل القارئ إذ أنه يتخيل نفسه مكان البطل وبذلك يحقق بعض ما تصبو إليه نفسه من خلال قراءته لهذا النوع من القصص. ويميلون إلى القصص الشعبية التي طالما شغلت خيال الطفل، وإلى القصص التي تتحدث عن حسن التصرف في المواقف المختلفة.

لا شك في أن الميول القرائية لدى الأطفال تتغير بتباين مراحل الطفولة، وهذا التغير يتعلق بنوعية المادة المقروءة ومستواها، ويكون أسرع في المراحل العمرية الأولى منه في المراحل التالية، وتذكر "جوزيت فرانك " أنه من الصعب تحديد ذوق الأطفال بصفة قاطعة في مرحلة الطفولة المتأخرة لأن الأطفال في هذه السن لا يميلون للإفصاح عن ميولهم القرائية للكبار.

وتربط بعض الدراسات الميول القرائية بنوع الجنس، فقد تبين أن الاختلافات في

الصفحة197:


أذواق الذكور والإناث من الأطفال تبدأ في الظهور فوق سن الثامنة فتميل الإناث إلى قراءة القصص المليئة بالأحداث المتعلقة بالمنزل في حين يميل الذكور إلى القصص التي تحتوي عنصر المخاطرة والإثارة ولكن يشترك الجميع في قراءة قصص الحيوانات. كما أشارت دراسة أخرى إلى تشابه اهتمامات الأطفال القرائية لدى الجنسين في الصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الابتدائية، ثم تبدأ الاختلافات في الظهور حتى تصل إلى ذروتها في نهاية الطفولة المتأخرة أي في سن الثانية عشرة، فيكون الأولاد أكثر ميلاً إلى قصص المغامرات في حين تكون البنات أكثر ميلاً إلى قصص الحياة الأسرية والقصص المتعلقة بالنواحي الإنسانية وحسن التصرف.

في حين تتشابه ميول الأطفال القرائية من الجنسين نحو قصص الأساطير والمغامرات وسير العظماء والقصص التي تدور حول الحيوانات لاسيما الكلاب والخيول، وتظهر الاختلافات كلما اقترب الأطفال من مرحلة المراهقة فتميل الفتيات إلى قراءة القصص التي تدور حول المنزل والمدرسة والقصص التي تروي المغامرات الهادئة أو الحب الرومانسي، في حين يميل البنون إلى القصص التي يكون فيها البطل ذكراً وتتحدث عن البطولة الخارقة.

استناداً إلى خصائص اهتمامات مرحلة الطفولة المتأخرة المشار إليها سابقاً فإن قصص الأطفال المناسبة هي التي تهتم بدفع الأطفال إلى قراءتها وتنمية عادة المطالعة، وتسعى إلى خلق اهتمامات وميول قرائية نحو موضوعات جديدة، خاصة أن هذه المرحلة الطفولة المتأخرة تُعد من أفضل المراحل العمرية وأخصبها لتنمية الميل القرائي. ويُعزى عزوف الكبار عن القراءة بالدرجة الأولى إلى مرحلة الطفولة، ولهذا فإن طفل الطفولة المتأخرة يحتاج إلى التوجيه في اختيار ما يقرأ من القصص أكثر منه في أي مرحلة أخرى خاصة وأنه يمر في مرحلة حرجة جداً في وسط المؤثرات الإلكترونية (التلفاز - وما تبثه الفضائيات المختلفة، الحاسوب، الإنترنت إلخ ...)

الصفحة198:


كما يحتاج إلى تهيئة المناخ المناسب للقراءة منذ المراحل المبكرة للطفولة، لأن التواصل مع الطفل من خلال القراءة الممتعة تزيد من ميله للقراءة ورغبته فيها، كما يتأثر سلوكه إلى حد كبير بالبيئة المحيطة به. لهذا فإن تشجيع الأسرة للطفل على القراءة يعد من أهم العوامل المساعدة على إثارة ميله إلى القراءة والاطلاع بدافع إشباع فضوله وحبه لاستطلاع ما تحويه المواد المتوافرة في هذه البيئة من صور وأفكار. كما تؤثر كذلك الأنشطة المدرسية ونوع الإرشاد الذي يتلقاه في أثناء القراءة، إضافة إلى تأثير المؤسسات الثقافية الأخرى والإذاعة والتلفاز والصحف والمجلات ودور العبادة المختلفة...

  1. الوسائل السمعية (الإذاعة):

تضم وسائل الاتصال السمعية: إذاعة المدرسة المركزية، وإذاعة المعسكر، وأماكن العمل، ودور العبادة... فهي كلها من وسائل الاتصال السمعية، ولكن أهمها وأكثرها تأثيراً هي الإذاعة:

تعد الإذاعة وسيلة إعلامية رئيسية فهي من أكثر وسائل الاتصال الجماهيري ذيوعاً وانتشاراً «فهي تتخطى كل الحواجز وتصل إلى كل مكان، وإنها تحاول أن ترضي كل الأذواق، وكل المستويات الثقافية للأطفال والكبار بواسطة تنوع برامجها، وتأتي أهمية الإذاعة

لأنها ا تزود الطلاب بما وصل إليه العلم والمعرفة في المجالات التي لا تستطيع الكتب والمناهج الدراسية أن تلاحقها وبذلك تساعد على تحديد معلوماتهم وعلى تبسيط المواد الدراسية وفهمها». (الزبادي 1989، 63).

الإذاعة قوة رئيسية للتأثير في الرأي العام كما أنها أداة تثقيف وترفيه وإرشاد. جمهور الاطفال هو جزء من هذا الرأي العام وهو الأهم فيه، تأثير الإذاعة كبير في بناء شخصية الطفل العقلية والنفسية والانفعالية واللغوية.

«تعتمد الإذاعة المسموعة للاتصال بجمهورها على التعبير بالصوت، أي أنها

الصفحة199:


تعتمد على حاسة السمع في كل ما يصل إلى الأطفال عن طريقها. فهي تستعمل المؤثرات الصوتية والموسيقية والقدرة التمثيلية ونبرات الصوت، إن وسيلة التعبير في الإذاعة المسموعة هي الصوت لذلك يمكنها أن تصل إلى استثارة خيال الأطفال وتجعلهم يعيشون أحداث برامجها، فإنها بواسطة النص الإذاعي الجيد والإخراج الدقيق الحساس الواعي والاستثمار الحسن للإمكانيات الإذاعية وتمتاز الإذاعة بتأثيرها الشديد من الناحية النفسية والقومية والاجتماعية وهي تتميز بسهولة الاستخدام حيث يسمع الإنسان الإذاعة وهو يزاول عملاً آخر.». (دياب، 1985، 81).

  1. أهمية الإذاعة:

أخذت الإذاعة مكانة مهمة في الوطن العربي منذ نشوئها واعتبرت من أهم وسائل مخاطبة الجماهير وازدادت أهمية الإذاعة في الدول العربية خاصة في البدايات وذلك لاعتبارات كثيرة أهمها: 

  1. ارتفاع نسبة الأمية، فقد وجد الذين لا يقرؤون ولا يكتبون في الإذاعة ما يحتاجون إليه.
  2. ارتفاع نسبة الأطفال الذين على مقاعد الدراسة وازدياد الطلب على التعليم وبروز دور الإذاعة في هذا المجال لما لها من خصائص إعلامية متميزة.
  3. إن للإذاعة أهمية خاصة في حياة المراهقين حيث تضع أمامهم فرص الثقافة على اختلاف أشكالها ومصادرها ولاسيما أنه في هذه المرحلة تتبلور الشخصية وتنمو فيها القدرات العقلية وتجعل الطالب يميل إلى دراسة العلة والمعلول.
  4. خصائص الإذاعة:


تتمتع الإذاعة بعدة خصائص منها:

  1. سرعة الانتشار: حيث إن الاتصال الإذاعي لا يتطلب خصائص معينة لمستقبليه مثل القراءة والكتابة ولا يتطلب مستوى اقتصادي أو ثقافي معين.


الصفحة200:


  1. الاستحواذ وقابليتها لاستهواء الجماهير فالمادة المذاعة تعتمد العبارات الواضحة البسيطة والتي تكون مفهومة لدى كل الأفراد، فضلاً عن تنوع البرامج التي ترضي كل الأذواق.
  2. تتخطى جميع الحواجز حواجز الفقر والإعاقة والزمان والمكان.. ويرى همام" أن موجاتها قادرة على اختراق كل أنحاء العالم في لحظة، وتستطيع أن تخاطب كل فئات المجتمع وأن تجذب المستمع، لأنها تستخدم عناصر ثلاثة تضفي على المادة الإعلامية جاذبية خاصة، وهذه العناصر هي المؤثرات الصوتية، والموسيقى، والحوار، (همام، 1985، 73).

يتبين مما تقدم أن الإذاعة هي وسيلة من وسائل الاتصال الجماهيري وتستطيع من خلال برامجها الجيدة التأثير في جمهورها لاسيما جمهور الأطفال إذا أحسن إعداد هذه البرامج وإخراجها بما يتناسب ومراحل الطفولة ومعرفة خصائص جمهور الأطفال. لتسهم هذه البرامج الموجهة إلى الأطفال في بناء شخصية الطفل المتلقي المستمع من حيث زيادة قدرته اللغوية وإغناء معارفه وخبراته وتوسيع مداركه العقلية وتنمية علاقاته الاجتماعية وتطورها بإطلاعه على نماذج مختلفة من العلاقات الاجتماعية، إضافة إلى أن هذه البرامج تعزز لدى المستمع الإحساس المرهف والذوق السليم، فتعمل بالتالي على تفتح إبداعاتهم الأدبية ومواهبهم الفنية.

  1. مواصفات البرامج الموجهة للطفل:

إن للبرامج الإذاعية الخاصة بالأطفال بمراحلهم المختلفة، وكذلك التمثيليات والمسلسلات والأعمال الدرامية الأخرى والأغاني تأثيراً كبيراً وفاعلاً في نفوس الأطفال وجوانب شخصيتهم الوجدانية والعقلية والاجتماعية، لذلك يحاول المسؤولون عن هذه البرامج أن يكون إعدادها على درجة عالية من الإتقان من الجوانب الثقافية والتربوية

والفنية والنفسية، بحيث تتناسب مع أعمار الأطفال وتحقق التوازن بين أهداف المجتمع

الصفحة201:


وحاجات الأطفال واهتماماتهم وميولهم وتكون أكثر جاذبية ومتعة وفائدة مع اختيار الوقت المناسب لإذاعتها. وإذا أردنا أن تكون برامج الأطفال ناجحة وتحقق الهدف في تنشئة الأطفال فلابد من توافر المواصفات التالية:

  1. إثارة اهتمام الطفل وجذبه دون إثارة التوتر لديه وتشتيت فكره، لأن الطفل لا يستطيع الانتباه مدة طويلة فإذا لم يجد ما يشد انتباهه ترك الاستماع وانتقل بفكره إلى شيء آخر يجذبه.
  2. الوضوح والإيجاز: حتى لا يصيب الطفل التعب الذهني والنفسي.
  3.  استخدام موسيقا مميزة لاسيما في (شارة البرنامج) والفواصل الموسيقية التي تفصل بين فقرة وأخرى إضافة إلى الأغنيات الجميلة اللحن والكلمة الهادفة، ويفضل أن يغنيها الأطفال.
  4. التناسب بين مضمون البرنامج وطريقة إخراجه وبين حصيلة الطفل اللغوية، ومستوى نموه العقلي والعاطفي والنفسي والاجتماعي.
  5. استخدام شخصيات (في الحكاية) صادقة ومعبرة وواقعية.
  6. تقديم المتعة والترفيه إضافة إلى العلم والفكر والتجربة في صورة اقناعية جذابة. 
  7. رفع السوية الأخلاقية لدى الطفل وبث القيم الصالحة فيه وتأكيد احترامه لذاته وإحساسه بقيمته وجدارته باحترام الآخرين مع التواضع والبعد عن الغرور والأنانية.
  8. مشاركة الأطفال في تقديم برامجهم. 

إن الإذاعة كوسيلة من وسائل الاتصال الجماهيري يمكن أن تؤدي دورها المتميز، الجماهيري يم كقناة من قنوات التنشئة إذا أحسن الاستفادة منها ولكن الإفادة من جهاز الإذاعة حتى اليوم بالنسبة مازالت قليلة ومقصرة، لقلة وجود برامج دورية أو أعمال درامية ثبت للأطفال بصورة خاصة. ولكي تؤدي الإذاعة دورها في تنشئة الأطفال ينبغي أن تتوجه توجهاً جاداً لما يطرح من مواد ثقافية وعلمية واجتماعية وفنية، من حيث المضمون

الصفحة202:


الفكري وطريقة التقديم. ويلاحظ أن عدد البرامج الإذاعية ضئيل بالمقارنة مع البرامج التلفازية التي تُبث يومياً.

  1. الوسائل السمعية البصرية «التلفاز»:

الوسائل السمعية البصرية كثيرة منها: اللوحات الكمبيوترية الطرقية، والكمبيوتر، وحدات التعليم الضوئي.... ولكن أهمها والأساس الذي تطوّرت عنه هو التلفاز.

انتشر التلفاز منذ الحرب العالمية الثانية وأصبح في عصرنا الحالي وسيلة رئيسية، فما يبث من خلال التلفاز لاسيما في عصر الفضائيات يصل ملايين المشاهدين. يعد التلفاز أحد معجزات العصر الحالي، فلم تمض سنوات قليلة حتى أصبح أداة فعالة من أدوات الاتصال فعن طريقه يمكن نقل الصوت والصورة والحركة واللون إلى المشاهدين فضلاً عن ذلك، فهو وسيلة اقتصادية في الاتصال بالجماهير ولذلك يستخدم بنجاح في إحداث كثير من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.

وقد أظهر التحقيق أن للتلفاز إمكانيات هائلة للسيطرة على تفكير البيئات الاجتماعية عامة، على الأوساط الشعبية وعلى النشء والجيل الجديد، وقد شملت هذه السيطرة جميع مواطن الاهتمام سواء كانت سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية... ويقول ولبر شرام عالم الاتصال الأمريكي إن التلفاز يملك جميع الإمكانيات والظروف التي يستطيع بها أن يأسر انتباه المشاهد ويشجعه على الاستغراق مع البرامج. (دكاك،105.1991(

  1. خصائص التلفاز:

ويمكن تلخيص بعض خصائص التلفاز فيما يلي:

  1. الجاذبية: من خواص التلفاز المميزة أنّ له قدرة كبيرة تجذب الانتباه وتدعو إلى الاستغراق وهذا شيء يتصل بتركيب الجهاز فهو يسيطر على العينين والأذنين أي

الصفحة203:


على حاستي السمع والبصر معاً، ويركز انتباه المشاهد على الحركة في مساحة صغيرة من الجهاز. وهذا يؤدي إلى الاستحواذ التام على انتباه المتلقي وكذلك فإن استعمال الألوان أضفى على التلفاز جاذبية لا تضاهى، وتصعب مقاومة إغرائها. 

  1. الفورية: إمكانية نقل الأحداث الاجتماعية على الهواء ساعة وقوعها: كزيارة الملوك والرؤساء أو افتتاح جلسات المجالس النيابية أو المظاهرات والمباريات إلخ.. 
  2. الواقعية: ومن أهم خصائص التلفاز برأي " شرام “قربه من واقع الاتصال الوجاهي مما يزيد من فعاليته وأثره في نفوس المتلقين لدرجة اختلاط الأمور عند بعض المشاهدين وعدم قدرتهم على التمييز بين الواقع والخيال، ويعتبر التلفاز وسيلة لنقل الخبرات الواقعية.
  3. الوضوح: يتميز التلفاز بقدرته على تقديم دقائق الأمور بوضوح كما أنه يقدم الشخصيات البارزة إلى المشاهد ويتعرف عليها عن كثب، إضافة إلى ذلك فهو ينقل الأحداث مصورة أين كان موقعها في أرجاء العالم، لذلك يعتبر التلفاز النافذة التي يطل منها المشاهد على العالم كله.

يرى أحد الباحثين أن جهاز التلفاز جهاز خطير إذ يفوق تأثيره وسائل الاتصال الأخرى نظراً لما جمعته برامج التلفاز من شتى الألوان والأذواق.

تؤكد الدكتورة عواطف عبد الرحمن على أهمية التلفاز بقولها: أما التلفاز فإن ظهوره كوسيلة اتصال، جماهيري، يعد تجسيداً لخلاصة التقدم الذي أحرزته وسائل الاتصال.

يقوم التلفاز من وجهة نظر سيوسيولوجيا الاتصال الجماهيري بالوظائف التالية:

الإعلام التسلية، التثقيف، التنشئة، الدعاية، الجارة والسياسة.

ويؤدي دوراً رئيسياً في التوجه المهني والتعرف بالمهن المختلفة ومتطلباتها، وكذلك له أثر في تنمية الحس الخلقي والشعور الوطني. (عيسوي، 1979، 151).

الصفحة204:


وهذه الوظائف أو المهام كما يسميها " أنطون رحمة"، لا تخرج كثيراً عن حدود العمل التربوي فالتوجيه الاجتماعي بجوانبه السياسية والأخلاقية والعلمية والرياضية وسواها، نوع من التعلم والتعليم فهي مهمات تربوية في مرماها ومضمونها، والإعلام والتسلية والترفيه أدوات وسبل تساعد في تحقيق المهمات التربوية. (رحمة، 1981،84. (

وعلى الرغم من أن التلفاز وسيلة اتصال جماهيرية إلا أن هناك من يرى أن التلفاز ينقصه القيمة التأثيرية في حياة الناس اليومية نتيجة لتكرار البرامج وعدم الأخذ بنتائج بحوث استطلاع الرأي نحو برامج التلفاز. (عيسوي 1979، 200). 

وما يؤخذ على التلفاز أنه وسيلة اتصال من جانب واحد فلا يستطيع المشاهد أن يسأل المحاضر أو يتفاعل معه في أثناء المحاضرات أو المناقشات، وكذلك فإن المحاضر لا يستطيع أن يشاهد أو يلمس ردود فعل مشاهديه أو انفعالاتهم وبالتالي لا يستطيع أن يغير أو يعدل من أسلوبه، بحيث يتمشى مع ميول المشاهدين وقدراتهم ولذلك يقال في نقده كوسيلة تعليمية إنه يعمل على سلبية التلميذ. (عيسوي، 1979، 18).

التلفاز يشجع على السلبية يضاف إلى ذلك أن المشاهد يتكاسل حتى عن مجرد التفكير أو النقد أو التمحيص فيما يرى ويسمع. يضاف إلى ذلك أنه يرى اشياء معروضة عليه، ليس له دخل في تصميم البرامج أو صُنعها وكذلك ليس هناك إمكانية لإيجاد التفاعل بين المحاضر في التلفاز والمشاهدين، فالتأثير هنا من جانب واحد. ويؤكد أحد الباحثين أنه إذا كان التلفاز قد نجح في جمع أعضاء الأسرة في انسجام وتناغم... فإن هناك جوانب أخرى سلبية وضارة على أخلاق الشباب وأنماط سلوكه حين يعرض التلفاز أفلام وأفلام الجنس والقتل والسرقة. ويستند في ذلك إلى دراسات ترجع ازدياد الجرائم الإجرامية، وأن امام دراسات العنيفة إلى ارتفاع نسبة عرض الأفلام الإجرامية، وإن استمرار عرض مثل هذه الأعمال يوحي للأطفال مع الزمن بتقبل هذه الأعمال (قباري، 1984، 457).

الصفحة205:


أخيراً على الرغم من أن التلفاز قد خلق إحساساً وجدانياً مشتركاً لم يكن موجوداً من قبل وسط مجتمع جديد يمكن تسميته بالمجتمع التلفازي، فما زال بعض الأطباء وعلماء النفس يرون أن التلفاز كالسيارة والسيجارة والخمر ... آفة من الآفات التي تميز بها القرن العشرون لأنها تهدد صحة الإنسان وتفسد عقله وتمنعه من الحركة وتدفع به إلى البلادة والكسل، ويضربون لذلك مثالاً، عندما يجلس الإنسان أمام الشاشة الصغيرة في عملية مشاهدة تستغرق ساعات طويلة كل يوم، فالنتيجة أن تتأثر بنيته وحواسه البصرية والسمعية ولو بنسب مختلفة... بالإضافة إلى خلقه ميولاً إلى السلبية الداخلية، تنشأ من تعود الفرد المشاهدة فقط دون المشاركة.

أما ما يثير قلق علماء الاجتماع والاتصال بدرجة أكبر فهو تأثير التلفاز في حياة المجتمع متمثلاً في مفاهيمه وسلوك أفراده وجماعاته وبمعنى أشمل مضمون الرسالة التلفازية وأثرها بالسلب والإيجاب على حياة الناس. (زكي، 1987، 37).

  1. دور التلفاز في تنشئة الأطفال:

يقول خبير اليونسيف الدكتور عثمان لبيب فراج: إن دخول التلفاز إلى أي بيت يمثل فرحة كبيرة للصغير والكبير ولكن سرعان ما يكتشف الآباء أنها فرحة لم تتم لأنه سرق أعز مالديهم سرق منهم أطفالهم بل وأصبح هذا الصندوق السحري هو الحاكم المطلق في البيت الذي يحدد كيف يستخدم الطفل وقته ومواعيد نومه وميزانية الأسرة.... (الابراهيم،5.1985(

إن أول اتصال بين الطفل والتلفاز يتم في سن الثانية عندما ينصت مصادفة إلى برنامج يستمع له شخص آخر، ولكن سرعان ما يبدأ باستطلاع عالم التلفاز ويكون لنفسه ذوقاً اً خاصاً بالنسبة للبرامج التي يختارها حتى إذا بلغ سن الثالثة يستطيع أن يطلب برنامجه المفضل وطبعاً يكون هذا ضمن برامج الأطفال. (شرام، 1965، 44). ولقد أوضحت بعض البحوث أن الأطفال يبدؤون المشاهدة الهادفة للتلفاز من سن سنتين إلى

الصفحة206:


ثلاث سنوات وهي سن مبكرة جداً ولذلك يكاد يشترك التلفاز مع الوالدين في الاتصال المبكر نسبياً مع الأطفال في الأسرة وبذلك يبدأ تأثير التلفاز وارتباط الطفل به كما بينت بعض الدراسات أن الأطفال يقضون في بعض البلدان أمام شاشة التلفاز وقتاً أطول من الوقت الذي يقضونه في المدرسة.

إن هذا الانتشار في مدى المشاهدة عند الأطفال وهذه الصلة الوثيقة التي تمتد بين الأطفال والتلفاز ليسا بالضرورة ناجمين عن مضامين البرامج التي تنقلها الشاشة إلى الأطفال، وإن كان لهذه المضامين دورها في عملية استمرار المشاهدة والتحريض عليها تشويقاً وترغيباً وتبعاً لتقدم الطفل في مراحل نموه بيد أن لمشاهدة التلفاز من الناحية التلقائية والعفوية أسباباً عديدة لعل من أهمها وجوده وقربه وكونه في متناول الطفل مما لا يقتضي منه أي جهدٍ يُذكر في تشغيله ولاريب في أن سهولة التعرض إلى التلفاز عامل فعال في إحكام الصلة بينه وبين الطفل، فضلاً عن المكونات النفسية والفيزيولوجية التي تستجيب لدى الطفل لمنعكسات وردود الحركة واللون والصورة. إن اهتمام الأطفال بالتلفاز يجعله من أهم وسائل الاتصال تأثيراً في سلوكهم وتنشئتهم وفي هذا المجال يرى بعض الباحثين أن التلفاز أصبح المربي الأول للطفل لا البيت ولا المدرسة أصبح لهما السيطرة التقليدية في عملية التنشئة بعد أن حل الضيف الجديد مكانهما. (الابراهيم،5.1985(.

  1. تأثير التلفاز الإيجابي والسلبي:
  2. نلخص بعض أوجه التأثيرات الإيجابية التي يمكن أن يتركها التلفاز:
  3. يعمل الإسراع في نمو عقلية الأطفال لأنه يعرض بصورة مبكرة مجالات عن عالم الكبار، كما عرض الصور جديدة عن المعرفة ومشكلات م الكبار، كما ينشط خيال الطفل ويفتح المجال لإثارة موضوعات حيوية تناقش فيما بعد على مختلف الأصعدة والمجالات.

الصفحة207:


كما أنه يُمكن الطفل من رؤية مناظر خارجية أبعد من حدود البيئة وهذا يشبع حبه للاستطلاع. 

  1. يتعلم الطفل عن طريق التلفاز مهارات مختلفة مثل القراءة والحساب... ويتعرف على القيم والعادات والتقاليد التي يتميز بها مجتمعه، كذلك يكتسب بعض المعرفة عن نظم وتاريخ الحضارة التي يعاصرها وأنماط السلوك التي سيتخذها مثلاً له. 

ومن سلبيات التلفاز:

  1. الصمت الذي يسيطر على أفراد الأسرة أثناء مشاهدة التلفاز (كباراً وصغاراً) وقد وصف علماء الاجتماع الأمريكيون جهاز التلفاز بأنه (صندوق البلهاء) لما لاحظوه من جلوس الأفراد أمام الجهاز في صمت ينظرون إلى الصورة دون أي تبادل للحديث أو مناقشة فيما بينهم خاصة بين الفئات الشعبية أو بين الفئات التي لم تنل قسطاً من التعليم.
  2. إنه يلهي الأطفال عن الدراسة وخاصة في سن الطفولة المتأخرة من (9-12 سنة) ويحول دون مطالعة الكتب الثقافية والعلمية وممارسة الهوايات.
  3. إن عرض الأعمال الإجرامية قد يوحي للأطفال مع الزمن بتقبل هذه الأعمال وخاصة عند مشاهدة الأطفال لبرامج الكبار.
  4. يُدخل الأطفال إلى عالم الكبار مما يجعل الطفل يتأثر بموضوعات ومشكلات خاصة بالراشدين.
  5. يبقى الطفل تحت رحمة ما يعرض من برامج مستوردة، وخاصة الغريبة عن بيئته ومجتمعه وثقافته ويسلب منه حرية الاختيار.
  6. لا يحقق التلفاز مزايا التعليم المباشر مثل مراعاة الفرصة للمشاركة واستثمار المنافسة روح المنافسة بين التلاميذ.
  7. التلفاز لا يتوجه إلى الطفولة بمراحلها المبكرة والمتأخرة.. إلخ بل إن طفل الثالثة

الصفحة208:


يشاهد ما يراه طفل الثانية عشرة.

إضافة إلى المساوئ النفسية التي تتركها بعض المسلسلات والأفلام وخاصة تلك التي تحمل مظاهر العنف.

وللتلفاز مساوئ صحية عديدة منها ما يقوله اختصاصيو العيون: إن الجلوس على مسافة قريبة جداً من التلفاز وتركيز البصر على الشاشة، أو مشاهدة التلفاز في حجرة مظلمة كل هذا يزيد من حدة الضوء الذي تستقبله العين وبذلك يعرضها للإرهاق، ولا شك أن كثيراً من الأطفال لا يراعون القواعد الصحية عند مشاهدة التلفاز، ويرى” ولبر شرام “عالم الإعلام الأمريكي أن لا داعي للقلق والخوف على بصر الطفل نتيجة لمشاهدة التلفاز ما دمنا نراعي وجود إضاءة صحية في الحجرة. وتشير دراسة حديثة في انجلترا أن نسبة مشاهدة الأطفال البريطانيين التي تزيد على بقية الدول الأوروبية تهدد أبصارهم وقدرتهم على التركيز، حيث إن أكثر من %50 من الصغار في بريطانية يشاهدون على الأقل أربع ساعات كاملة من برامج التلفاز اليومية.

يرى اختصاصيون نفسيون أن إدمان الأطفال على الجلوس أمام التلفاز قد يسبب لهم أمراضاً نفسية وجسمية عديدة، حيث تؤثر الذبذبات المرئية على جهاز المخ. وللتلفاز مساوئ عديدة إذا أسيء اختيار وانتقاء البرامج أو الأفلام أو المسلسلات الموجهة للأطفال وخاصة فيما يتعلق (بشخصية البطل (، حيث يتأثر الطفل بهذه الشخصيات ويقلدها إضافة إلى بعض أفلام المغامرة والعنف التي تترك أثاراً سلبية.

إن القلق من تأثيره في شخصية الأطفال وفي سلوكهم، وكان الخوف الرئيسي الذي يراود تأثير التلفاز في الأطفال أدى إلى نشوء حركة واسعة في دول العالم المسؤولين أن يصبح الأطفال أكثر سلبية أو قلقاً أو خضوعاً أو انجرافا نتيجة لمشاهدة التلفاز. إذا كان الحال كذلك في المجتمعات الغربية فكيف يكون الحال في الدول النامية التي تعاني من غزو ثقافي وإعلامي وتبعية إعلامية خاصة أن معظم المواد التلفازية المقدمة

الصفحة209:


للأطفال غير منتجة محلياً. (دكاك، 1991 ،123)، كما أن معظم البرامج المنتجة محلياً لا ترضي الأطفال ولا تراعي مراحلهم العمرية ومتطلباتهم وبالتالي لا تساعد في تنشئتهم.

ويبدو أثر التلفاز السلبي كبيراً في تعويد الطفل على تلقي المعلومات دون المشاركة في صنعها. يقول الباحث " هيم لويت “: «إن المشاهدة التلفازية نفسها نشاط ذهني سلبي» والمشكلة أن الأطفال يثقون بهذا الجهاز أكثر من ثقتهم بأي مصدر آخر. (عرابي، 2002، 131).

لذلك يجب إدراك خطورة ما يقدم من خلال هذه الوسيلة الإعلامية (التلفاز) وخاصة ما يبث عبر الفضائيات المختلفة، والعمل على حماية أبنائنا مما قد يسيء إلى نفسياتهم والاهتمام بالبرامج المنتجة محلياً التي ترسخ القيم الروحية والاجتماعية والجمالية والسلوكية والوطنية والقومية.. إلى جانب الاستزادة من المعارف العلمية وتنمية ثروة الطفل اللغوية، وإضافة الخبرات الجديدة وهذا لا يتم إلا بالتعاون ما بين الإعلاميين والتربويين والعاملين في مجالات التنمية، ليتم التخطيط والإعداد العلمي اللازم لمثل هذه البرامج التي تتوجه إلى الطفولة، مراعية المراحل العمرية المختلفة وخصائصها.

  1. دور الأسرة في مشاهدة الطفل للتلفاز:

إن الجو الأسري المحيط بالطفل وعلاقات الصداقة بين الأطفال والآباء والأمهات تؤثر كثيراً في سلوك الأطفال وفي أسلوب استخدام التلفاز ونجد كثيراً من الأمهات تضع طفلها أمام التلفاز أو تضع له أحياناً شرائط فيديو لبعض أفلام الكارتون... وتتركه لساعات ظناً منها أنه يلهو، وأنها تستطيع إنجاز بعض الأعمال المنزلية أو غيرها.. مع خطورة ذلك تربوياً، والأفضل أن يتم استخدام التلفاز بأوقات منظمة وعدم البقاء طوال الوقت أمامه ما يبث من خلاله بحكمة واختيار والعمل على الاستفادة من وقت الفراغ لاصطحاب الأطفال إلى الحدائق العامة حيث تتوافر الألعاب التي يحبها الطفل، وممارسة هوايته مع الأطفال الآخرين، وكذلك محاولة تعليم الأطفال القراءة

الصفحة210:


والكتابة والرسم والموسيقى... وإيجاد صلة بينهم وبين المجلة الطفلية من خلال لفت نظرهم بداية إلى ما تحتويه من رسوم حيوانات أو أشكال أو أطفال وتعريفهم بها. وكذلك تزويده بالقصص الجيدة التي تساعد في تنمية مهارات القراءة عندهم، وتعمل على تنشئتهم من خلال ما تؤكد عليه من قيم.

التنشئة السليمة هي التي تستفيد من طاقات الطفل جميعها، وتختار للطفل الأنسب والأكثر تنوّعاً من وسائل الاتصال ومن الأنشطة الاجتماعية والرياضية والفنية، بما يكفل للطفل وللناشئ، نموّاً سليماً غنياً في شخصيته وثقافته.

الصفحة211:



الفصل الثاني عشر: الضبط الاجتماعي


  1. معاني الضبط الاجتماعي
  2. ضرورة الضبط الاجتماعي
  3. لضبط الاجتماعي والتربية
  4. خصائص الضبط الاجتماعي
  5. مضامين الضبط الاجتماعي
  6. وسائل الضبط الاجتماعي

الصفحة213:


إن مصطلح «الضبط الاجتماعي Social Control» لم يتحدد مفهومة بدقة إلا حديثا. لأن آراء العلماء الذين بحثوا في الضبط الاجتماعي كانت لهم اتجاهات مختلفة ومتعددة لأن كلاً منهم كان يبحثه من وجهة نظره أو منطلقاً من فلسفة اجتماعية معينة، وأفكار اجتماعية مختلفة، ويمكن إرجاع ذلك إلى ما يلي:

  1. اختلاف وجهات النظر فيما يتعلق بالأمور الأخرى المتصلة اتصالاً وثيقاً بفكرة الضبط.
  2. ما يكمن وراء فكرة الضبط من اتجاهات إيديولوجية تحدد معالم النظام الاجتماعي الذي تعمل وسائل الضبط على صيانته أو تطويره في إطار التركيب المورفولوجي العام للجماعة.

ويكاد ينعقد الإجماع على أن لهذا الاصطلاح معنى. عاماً كما قصده العلماء: هو كل مظهر من مظاهر ممارسة المجتمع للسيطرة على سلوك الناس، تكيفاً يتلاءم مع ما اصطلحت عليه الجماعة من قواعد وقوالب للتفكير العام. وهذا المدلول العام الذي شاع استعماله عند غالبية علماء الاجتماع حتى القرن العشرين وقد كان موضوع الضبط الاجتماعي موزعاً بين فروع متعددة من فروع الدراسات الإنسانية والاجتماعية لهذا لم يدرس الموضوع -الضبط الاجتماعي - دراسة متخصصة، وإنما كان يعالج في نطاق المضمون الكلي العام للبناء الاجتماعي، وفي ثنايا معالجة الخصائص المميزة للظواهر الاجتماعية الأخرى، ولم يكن يجمعه إطار فكري متناسق حتى وضع العالم الأمريكي روس Ross كتابه ( الضبط الاجتماعي Social Control ) سنة 1951 ويعتبرهذا أول كتاب تناول الموضوع بوصفه دراسة متخصصة، الاجتماع العام. (ناصر،1992، بتصرف (

الصفحة215:


  1. معاني الضبط الاجتماعي:

يمثل موضوع الضبط الاجتماعي محور ارتكاز رئيسياً بالنسبة لعلم الاجتماع المعاصر، مع أن فكرة الضبط الاجتماعي قديمة، فقد وردت في عدة موضوعات لتشير إلى النظام والقواعد المنظمة للسلوك والسلطة، وفي كثير من الكتابات التي ظهرت قبل علم الاجتماع بمفهومه الحديث كعلم مستقل.

 وقد تعرض عدد كبير من الفلاسفة والمفكرين الاجتماعيين لمسألة الضبط الاجتماعي، ولكنهم استخدموا هذا المصطلح بمفهومه الواسع واستعملوا تسميات أخرى له، ووصفوه بالقانون أو الدين أو العرف أو الأخلاق ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر (مونتسكيو (في كتابه «روح القوانين»، مع ذلك فإن هذا المصطلح لم ينتشر ولم يكتب له الذيوع إلا بعد أن كتب " Ross " مجموعة مقالات عن الضبط في المجلة الأمريكية لعلم الاجتماع، ثم ظهر كتابه السابق الذكر) الضبط الاجتماعي) بعد ذلك. وقد عالج الرواد الأوائل هذا المفهوم من عدة نواح وعرفوه تعريفات عديدة. فمن الناحية الواقعية عرفه " Ross " في مقدمة كتابه بقوله «إنه سيطرة اجتماعية مقصودة وهادفة».

ومعنى ذلك أنه استبعد في تعريفه كل عنصر من عناصر التأثير الاجتماعي المباشر أو التلقائي أو اللاإرادي، كما استبعد العنصر الأخلاقي أو السيكولوجي. أما دروکهايم، فيرى أن الضبط الاجتماعي لا يتعلق بالفرد نفسه، وإنه ليس مفروضاً من الخارج وإنما هو جزء من الموقف العام الذي يمثله. أما من الناحية السيكولوجية، فحدد لومي" Lomy" مفهوم الضبط الاجتماعي بأنه تلك الميكانيزمات الرمزية التي طورها الجنس البشري سواء بطريقة مقصودة أو غير مقصودة لإحداث الضغط السيكولوجي، دون اللجوء إلى العقاب

الصفحة216:


الفيزيقي، أو الجزاء الفيزيقي مهما كانت صوره. ويتمثل ذلك السلوك في المدح، أو الذم، أو الإرشاد. ولهذا يعرفه لومي بأنه «مجموعة من الحيل النفسية التي تستهدف الضبط السيكولوجي الذي يمكن وصفه بأنه منهج رمزي إنساني في مقابل استخدام منهج القوة الفيزيقية».

أما من ناحية المثالية، فيعرف" لانديز Landis"  الضبط الاجتماعي بأنه العملية التي يمكن عن طريقها أن ينشأ النظام ويتدعم ويقوى أو أنه مجموعة من العمليات الاجتماعية التي تجعل الفرد مسؤولاً أمام جماعته والتي يقام عن طريقها التنظيم الاجتماعي، ويتدعم وتتكون الشخصية الإنسانية، ويتحقق نظام اجتماعي أفضل». أما العلماء المحدثون والمعاصرون الذين تحدثوا في الضبط الاجتماعي وبحثوا فيه، فقد عرفوه كما يلي:

 هولبخ شيد: عرف الضبط الاجتماعي بأنه تلك الممارسات والقيم الملزمة التي تحدد علاقات شخص معين ببقية الأشخاص والأشياء والأفكار والجماعات والطبقات ثم بالمجتمع كله.

آدم بوجوركي (وآخرون معه): نظروا إلى الضبط الاجتماعي بوصفه «نوعاً من أنواع التخطيط العقلاني»، ومن ثم يركز هؤلاء على ضرورة استخدام العلم والتطبيق لتحقيق أهداف الضبط الاجتماعي.

أندرسون: يرى أن الضبط الاجتماعي هو نوع من أنواع السلوك الاجتماعي التي تؤثر في الأفراد أو الجماعات وتوجههم نحو الامتثال للمعايير القائمة أو المرغوبة. وإذا كانت للضبط طرق كثيرة يمارس من خلالها، فإن هدفه النهائي هو الامتثال الذي يمكن اعتباره استجابة ملائمة للضبط، والذي يتضمن لا أداء السلوك المتوقع فقط، بل يتضمن كذلك ضرورة تفكير الشخص المتمثل في سلوك، ومعرفته ووعيه بامتثاله هذا.

الصفحة217:


بروم و سلزتيك : يريان في كتابهما ( علم الاجتماع(أن الضبط الاجتماعي ليس عاملاً أو قوة تؤثر في السلوك، وإنما هو نتيجة للتنظيم الاجتماعي.

مما سبق من تعاريف يمكن القول إن الضبط الاجتماعي.. عبارة عن القوة التي يمارسها المجتمع على أفراده والطرق والمعايير التي يفرضها والإشراف على سلوكهم وأساليبهم في التفكير والعمل، وذلك لضمان سلامة البنيان الاجتماعي، والحرص على أوضاعه ونظمه والبعد عن عوامل الانحراف والتمسك بالقيم والأنظمة والتعليمات المرغوبة والمقبولة لاستمرار نظام المجتمع.

  1. ضرورة الضبط الاجتماعي :

الضبط الاجتماعي ضرورة لازمة لاستقرار النظم والمؤسسات الاجتماعية ولضمان استمرار فاعليتها على صورة تحفظ الشكل البنائي والهيكل الوظيفي للجماعة وفئاتها وطوائفها.

وهذه الضرورة تنبثق من طبيعة النسق الاجتماعية، فلكل مجتمع نسق خاص يتفق مع القيم السائدة فيه، والموروثات الثقافية المنقولة إليه، وكل جماعة مهما صغر حجمها أو كبر ترتضي بعض القواعد العامة الخاصة بها.

وهذه القواعد العامة الخاصة بالسيطرة على وسائل إشباع الدوافع والميول الأولية لا تلبث أن تكتسب صفة الديمومة والاستمرار والثبات والجمود مادامت قد أصبحت لازمة للبنيان الاجتماعي ولا تلبث أن تشكل عادات اجتماعية، وآداباً سلوكية عامة وتقاليد طبقية ومهنية وطائفية ثم تمثل قوة إلزامية عامة وشاملة ذات صبغة خلقية معيارية. إن كل تنظيم اجتماعي يقوم من الناحية الوظيفية بواجبين أساسين هما : 

الصفحة218:


والسيطرة على الأفراد في تعبيرهم وتلبيتهم لتلك الدوافع والميول والرغبات، مثل الحاجة الأولية في الحصول على الغذاء والمأوى والرغبة الطبيعية في الإنجاب والأنسال وحضانة وتربية الأطفال.

وبهذا يكون للأسرة شكل وأداة مهمة للتنظيم الاجتماعي، لها وظائف متعددة من طبيعية حياتية وتربوية واقتصادية وفي نفس الوقت في نطاق هذه المنظمة الاجتماعية، تستجاب الدوافع والاحتياجات والميول الأولية أو تشبع الرغبات الطبيعية بطريقة غريزية فطرية ويتم ذلك بطريقة منسقة، وفق عادات وشعائر وتقاليد اجتماعية.

الواجب الثاني وهو ضبط سلوك الأفراد والسيطرة عليهم وتعديل مواقفهم إزاء ميولهم، وتجاه معاملاتهم. ومما يساعد على ذلك انطواء البنية الاجتماعية على عمليات وأجهزة من شأنها أن تروض الأفراد والفئات وتعودهم على تقبل ما يفرضه عليهم التنظيم الاجتماعي من قيود وضوابط منذ نعومة أظفارهم حتى مماتهم.

غير أن بعض العلماء القدامى، قد عالجوا الضرورة الاجتماعية للضبط من زاوية السلطة، كضرورة لاحتفاظ الدولة أو رأس الدولة بسطوته وسلطاته لحفظ النظام في جماعته، وضمان طاعتهم، ونذكر هنا ما ذهب إليه العلامة العربي (ابن خلدون) في قوله « بأنه لابد للبشر في الاجتماع من وازع حاكم يرجعون إليه، وحكمه فيهم تارة يكون مستنداً إلى شرع منزل من عند الله، وتارة يكون مستنداً إلى سياسة عقلية توجب انقيادهم إليها بما يتوقعون من ثواب أو عقاب ». إن الضبط الاجتماعي في نظر ابن خلدون ضرورة اجتماعية حفظاً للنظام وصوناً للملك ومنعاً لاعتداء الأفراد أو الهيئات على البعض الآخر وتحقيقاً للصالح العام.

  1. الضبط الاجتماعي والتربية :

الصفحة219:


تركز التربية باعتبارها عملية اجتماعية على العمليات الثقافية التي تشكل حياة الفرد، كما يركز علم الاجتماع التربوي، وهو من فروع علم التربية، على التفاعل بين الفرد ومحيطه الثقافي بمكوناته المختلفة من أفراد وجماعات وأنماط سلوكية، وأنظمة اجتماعية. من هنا تعتبر التربية العملية الواعية التي تؤدي إلى إحداث تغيير في سلوك الفرد، الذي يحدث بدوره تغييرات في الجماعة التي ينتمي إليها عملية مستمرة، ولذا يستمر تغير الفرد في مجتمعه طوال حياته، وبواسطتها تتم عملية التنمية وتصل الجماعة إلى أهدافها المنشودة لأن التربية في محتواها دوماً خيرة.

وبهذا المفهوم الاجتماعي للتربية فهي تنحصر فقط في المدرسة أو المنزل والأسرة، مع أنهما المؤسستان الاجتماعيتان الرسميتان والمسؤولتان بصورة مباشرة عن التأثير في سلوك الناشئين والشباب والشيوخ رجالاً ونساء، أولاداً وبنات. بل إن التربية تمتد إلى المؤسسات الاجتماعية والتربوية الأخرى، مثل أماكن العبادة وأماكن العمل، والمؤسسات الترويحية (كالأندية والجمعيات )  بالإضافة إلى المؤسسات الاقتصادية والمنظمات الاجتماعية المحلية والدولية، والمؤسسات السياسية من أحزاب، ونقابات، وتجمعات .. كل هذه المؤسسات وما تمليه الحياة من سرعة تغير المجتمعات الحديثة وتعدد مصادر هذا التغير وما يولد عنه من مشكلات.. يفرض على التربية مسؤولية التوجيه والضبط السلوك الأفراد والجماعات. لقد تغيرت وظائف التربية وأجهزتها في عصر التكنولوجيا الحديثة عنها في العصور القديمة، والتي كانت تتسم بالبساطة ونقل التراث وأنماط الحياة المألوفة، فالتربية الحديثة اليوم لها دور رئيسي في العملية الاجتماعية وتوجيه الأفراد كما تريد الجماعة أو المؤسسات السياسية الرسمية، وعن طريقها يمكن ضبط أي سلوك، وتوجيه النشء بحيث تغرس فيهم الاتجاهات والتوجيهات المرغوبة من قبل المجتمع، فتأصل في نفوسهم القيم وأنماط السلوك العامة لمواقفهم وتصرفاتهم التي تتضمن الإخلاص والولاء للنظام الاجتماعي القائم.

فالتربية إذن عملية اجتماعية تعمل على تكيف سلوك الأفراد ومواقفهم لتساير

الصفحة220:


القوالب والأنماط الثقافية والضوابط الاجتماعية التي ارتضتها الجماعة.

ولهذا يجب أن يكون واضحاً في الذهن أن التربية سلطة اجتماعية ضابطة، وتتمثل صفتها الضابطة في أخذها بسنن وقواعد معينة ارتضاها المجتمع، فهي في هذه الناحية ليست وليدة أفكار فلسفية أو تأملات نظرية بقدر ماهي انعكاس تنظيمي لمقتضيات الرأي الجماعي. فلكل جماعة نظامها التربوي الذي يتأثر بتكوين جماعتها، وبيئتها الطبيعية وبأحوالها السياسية وأنماطها الثقافية والحضارية.

إن الرقابة التربوية – في العصر الحالي - تتخذ مكان الصدارة من جانب الدول كأداة ضابطة ولازمة لاستقرار البيئة الاجتماعية وتدعيم السلطة السياسية، كما أصبحت التربية وسيلة تنظيمية لتحقيق أغراض سياسية من طبيعة قومية أو دولية أو إنسانية أو دعم إيدلويولوجيات معينة. ويبدو الاهتمام بمكانة التربية وأثرها واضحاً جلياً كلما وصل إلى السلطة، في أي مجتمع رجال أو أحزاب أو فئات جديدة، فإن هؤلاء يطالبون بنظام جديد يختلف عن النظام السابق، فعقب كل انقلاب، أو ثورة، يدرك القادة أن حكمهم لا يمكن أن يثبت ويقوي وتتوطد دعائمه إلا عن طريق لون جديد من التربية التي تعمل على تشكيل عقول الناس على نحو يلائم تقبلهم وحماسهم وولاءهم للنظام الجديد بل الذود والدفاع عنه. فيلجأ هؤلاء إلى التربية لغرس مبادئهم الجديدة في نفوس الأطفال وعقول النشء، ويكون ذلك عن طريق تعديل مناهج الدراسة، والتركيز على الشعارات والمفاهيم والأفكار المؤيدة للتغير الذي حدث للمجتمع.

  1. خصائص الضبط الاجتماعي :

یری علم الاجتماع أن الضبط الاجتماعي يتضمن توجيهاً مقصوداً لذا يمكن تحديد بعض الخصائص التي تميز عملية الضبط الاجتماعي، فيما يلي :

  1. يتضمن فكرة التدخل الفعلي في النظم الاجتماعية وهذه الفكرة وليدة التجربة

الصفحة221:


الاجتماعية. وأظهرت الدراسات الاجتماعية إنه بإمكان الإنسان التدخل لكي يعدل ويكيف النظم الاجتماعية بكل ما تنطوي عليه من جوانب التراث الثقافي.

  1. لا يكون التدخل في النظم الاجتماعية عشوائياً أو تلقائياً، وإنما يتبع . خطة منظمة هادفة وتعاونية تشترك في تنظيمها وتنفيذها القطاعات الموجودة في المجتمع، والمؤسسات المختلفة لتحقيق الضبط الاجتماعي. 
  2.  يرتكز الضبط الاجتماعي على القانون الاجتماعي، فمن المسلم به وجود دوافع أولية أو حاجات عند الفرد كالحاجة إلى الطعام والشراب والنوم والجنس، وكل هذه المعطيات تتطلب الإشباع، إلا أن إشباعها لا يتم بلاضوابط، كما الحال عند الحيوان، وإنما تخضع إلى عوامل الضبط الاجتماعي.
  3.  إذا كان الضبط هادفاً فمعنى ذلك أنه لابد أن يأخذ بعين الاعتبار علاج وتعديل الانحراف في المجتمع.
  4. إن وظيفة الضبط الاجتماعي الأساسية تحديد نطاق السلوك المقبول في المجتمع.
  5. مضامين الضبط الاجتماعي :

أهم المضامين التي تنطوي عليها ظاهرة الضبط الاجتماعي من الناحية الوظيفية المتكاملة فهي :

  1. السيطرة الاجتماعية : 

ولهذه السيطرة معنيان :

الصفحة222:


  1. إن الفرد يتحدد سلوكه من قبل الجماعة المحلية أو المجتمع الأكبر الذي ينتمي  إليه، وإن عليه أن يكيف سلوكه مع الآخرين.
  2.  إن هذه السيطرة لا تفرض على الفرد بغرض إظهار سيادة المجتمع والجماعة، وإنما لأن هذه السيطرة تؤدي إلى حسن قيام الفرد بوظيفته الاجتماعية، أو الدور الاجتماعي الذي أنيط به من خلال المنظمة الاجتماعية المنتمي لها.
  3. السيطرة الإيجابية والسيطرة السلبية :


العملية الضبط الاجتماعي في كل مجتمع وجماعة مظهران هما :

  1. السيطرة الإيجابية : وتتمثل في مجموعة الطرق والأساليب الإيجابية التي تدفع الأفراد وتشجعهم على الالتزام بالقيم والمعايير والأنماط السلوكية المقبولة اجتماعياً، والتي يرافق الالتزام بها المدح والثناء للرضا والتقدير المادي المتمثل بالمنح والجوائز.
  2. السيطرة السلبية : وتتمثل فيما تتخذه الجماعة أو يتطلبه التنظيم الاجتماعي من الوسائل والأساليب التي يتم إيقاعها على الأفراد الذين يخرجون عن القيم والمعايير والأنماط السلوكية التي ترتضيها الجماعة التي يعيشون فيها، وتؤدي إلى الأضرار والإخلال بالنظام.
  3. السيطرة الرسمية وغير الرسمية :
  4. السيطرة الرسمية : وذلك باللجوء إلى فرض نوع من السيطرة الرسمية على الأفراد، عن طريق القوانين والتشريعات المختلفة والأنظمة الاجتماعية التي تلتزم بها الهيئات والمنظمات والجماعات المختلفة في شتى الفاعليات الاجتماعية . وسميت وهو هذه السيطرة رسمية لأنها وضعت من قبل الهيئات التي لها حق فرض الجزاءات

الصفحة223:

على كل من يخرج عليها.

  1. السيطرة غير الرسمية : لا تنص عليها قوانين الدولة بل تمارس بصورة تقليدية مستمدة سلطتها من القواعد المتعارف عليها في تنظيم العلاقات بين أفراد الجماعات المختلفة ( اعتماد بتصرف على ناصر 1992).
  2. وسائل الضبط الاجتماعي :

اختلف علماء الاجتماع في تحديدهم وسائل الضبط، وخاصة بالنسبة لأهميتها في الجماعات المحلية ومدى ربطها بالبنية الاجتماعية، وقد حدد العالم روس Ross أهم وسائل الضبط الاجتماعي حسب أهميتها وهي :

  1. الرأي العام
  2. القانون 
  3. العقيدة
  4. الإيحاء الاجتماعي 
  5. التربية
  6. العادة الجمعية
  7. دين الجماعة
  8. المثل العليا الشخصية
  9. الشعائر والطقوس
  10. الفن
  11. الشخصية
  12. التنوير والتثقيف
  13. الخرافات
  14. القيم الاجتماعية 
  15. قيم الطليعة الواعية

الصفحة224:



الفصل الثالث عشر: الإرشد الاجتماعي

  1. مهارات العمل الإرشادي
  2. الأهداف العامة للإرشاد الاجتماعي
  3. مهام الموجه الاختصاصي للإرشاد الاجتماعي 
  4. مهام المرشد الاجتماعي إزاء الطلبة 
  5. إدارة المدرسة والمرشد الاجتماعي 
  6. مهام المرشد الاجتماعي في المدرسة
  7. المرشد الاجتماعي وأسرة الطالب
  8. التنيسق بين الإرشاد النفسي والاجتماعي

الصفحة225:


يُعد تخصص الإرشاد النفسي والاجتماعي مطلباً رئيساً في وقتنا الحاضر ؛ نظراً لما تمر به المجتمعات العربية من تغييرات اجتماعية واقتصادية وثقافية مختلفة أدت إلى ظهور بعض المشكلات النفسية والاجتماعية، مما يدعو لوجود شخص متخصص يساعد الأفراد الذين يواجهون مثل هذه المشكلات في التعامل مع مشكلاتهم وتجاوزها بما يمتلكه من معرفة وخبرة ومهارة وخصائص شخصية ... تؤهله للقيام بهذا الدور.

والمرشد هو الشخص المؤهل علمياً لتقديم المساعدة المتخصصة للأفراد والجماعات الذين يواجهون بعض الصعوبات والمشكلات النفسية والاجتماعية.

وترى ( 1986 ,Schram & Mandell ) أن كل العاملين في محال . المساعدة مهن الإنسانية بما فيهم (المرشد) يعملون على مساعدة مسترشديهم للتعبير عن مشاعرهم المرتبطة بموقف أو مشكلة معينة وتوضيحها لهم، كما يعملون أيضاً من خلال البحث عن الموارد الضرورية لمقابلة حاجات مسترشديهم واستخدامها وتحسينها.

  1. مهارات العمل الإرشادي :
  2. مهارات الاتحاد الدولي :

أشارت (1991,Barker) إلى أن الاتحاد الدولي للاختصاصيين الاجتماعيين (National Association of Social Workers) (NASW) حدد ( 12 ) اثنتي عشرة مهارة باعتبارها مهارات أساسية لممارسة مهن المساعدة الإنسانية Helping Profession نلخصها في التالي :

  1. القدرة على الاستماع والإنصات للآخرين والقدرة فهمهم وإبداء التسامح و التعاطف .
  2. القدرة على استنباط واستخراج المعلومات وجمع الحقائق ذات الصلة، وتركيبها لإعداد التقرير النفسي الاجتماعي، والقيام بعملية التقدير.

الصفحة227:


  1. القدرة على تكوين علاقة المساعدة والمحافظة عليها. 
  2. القدرة على ملاحظة السلوك اللفظي وغير اللفظي وتفسيرهما، والقدرة على استخدام معرفته بنظريات السلوك وطرائق التشخيص.
  3. القدرة على إشراك المسترشدين ( أفراداً أو جماعات أو أسراً ) في الجهود العلاجية المبذولة لحل مشكلاتهم واكتساب ثقتهم.
  4. القدرة على الحديث عن الموضوعات النفسية الحساسة بطريقة داعمة ومشجعة، ودون أدنى شعور بالخوف والإرباك والتهديد.
  5. القدرة على إيجاد حلول جديدة ومبتكرة تتفق مع حاجات الفرد والجماعة.
  6. القدرة على تحديد الحاجة إلى إنهاء العلاقة العلاجية.
  7. القدرة على إجراء البحوث وتفسير النتائج ومعرفة الدراسات المتخصصة والاستفادة منها.
  8. القدرة على التوسط والتفاوض بين أطراف متنازعة، حين تدعو الحاجة لذلك.
  9. القدرة على توفير خدمات علائقية متبادلة داخل المؤسسة التي يعمل بها. 
  10. القدرة على تفسير الحاجات والمطالب الاجتماعية والنفسية وإيصالها إلى مصادر التمويل، والعامة، والمشرعين.
  11. المهارات التي حددها " شيرتزر : 

هذه مهارات العمل الإرشادي لكن العلماء يؤكدون على خصائص محددة لكل مرشد هي على النحو التالي: 

حدد (1974, Shertzer & Stone) خمس خصائص أساسية يشترك فيها جميع المتخصصين في مهن المساعدة الإنسانية ( المرشد، والطبيب النفسي، والمختص النفسي  Psychologist   والمختص الاجتماعي Social Worker) وهي:

الصفحة228:


  1. الافتراض بأن كل سلوك مكتسب ومتعلَّم وبالتالي فإنه يمكن تعديله وتغييره.
  2. الاشتراك في الهدف وهو مساعدة المسترشدين لكي يصبحوا أكثر فاعلية.
  3. استخدام علاقة المساعدة كأداة أو وسيلة أساسية لتوفير المساعدة. 
  4. التأكيد على أهمية الوقاية Prevention
  5. الجميع يشتركون في امتلاك المعرفة والخبرة والمهارة والتدريب اللازم. 
  6. ويمكن لنا أن نلخص الخصائص الرئيسة للمرشد في جانبين أساسيين هما :
  7. الإعداد المهني :


فالإعداد المهني يعني تزوَّد المرشد بقاعدة علمية واسعة من العلوم الإنسانية المختلفة وخاصة علم النفس بفروعه المختلفة ذات العلاقة والاجتماع والصحة ودراسة شاملة لمهنة الإرشاد يشمل ،ماهيته وفلسفته ومبادئه ،وطرائقه وعملياته، ومواثيقه الأخلاقية. وتدريباً عملياً يخضع لإشراف مؤسسي، يُكسب الممارس خبرة عملية لربط النظرية بالتطبيق ولتكوين المهارات الأساسية للمهنة.

  1. الخصائص الشخصية :

أما الخصائص الشخصية فتشمل الصفات الشخصية التالية :

الصفحة229:


  1. الخصائص المطلوبة لمممارسة العمل عند الشناوي :

يرى ( الشناوي، 1996) أن المرشد ينبغي أن يتصف بعدة خصائص أساسية ليمارس العمل الإرشادي هي :

  1. العلم : وقد حدّده في مجموعة من المقررات الدراسية الأساسية للعمل الإرشادي هي: أساسيات علم النفس وعلم نفس النمو، وعلم نفس الشخصية، وأسس القياس النفسي، وعلم نفس الشواذ، والمشكلات السلوكية، وأساليب التشخيص، ونظريات الإرشاد والعلاج النفسي والعملية الإرشادية والعلاجية، وطرائق الإرشاد والعلاج السلوكي والإرشاد الجماعي، والإرشاد المهني، ودراسة الحالة، ومناهج البحث والإحصاء. 
  2. الصفات الشخصية : حيث يؤكد على أن مهنة الإرشاد تتطلب من المرشد أن يضع نفسه داخل هذا العمل، وأن يكون مستعداً للعطاء دون ملل أو ضجرٍ أو يأس. ولخص هذه الصفات في التالي : الأمانة والتطابق، والطاقة، والكفاية الذهنية، والمساندة والتراحم والمرونة والقدرة على التأثير، والرفق والإخلاص، والوعي بالذات، إضافة إلى الصبر والحلم وضبط النفس والجرأة والحياء ومعرفة قيمة الوقت، والقدرة على التنظيم وتحمل المسؤولية.
  3. المهارات : حيث قسم ( الشناوي ( هذه المهارات بناء على المراحل التي تمر بها العملية الإرشادية فأشار إلى أن العلاقة الإرشادية تتطلب مهارات خاصة كالتقبل والاحترام والمشاركة. أما المهارات المطلوبة لتشخيص المشكلات تتضمن مهارة الإصغاء والقدرة على الاستجابة والتواصل مع المسترشد في صور لفظية وغير لفظية والقدرة على تفسير الجوانب غير اللفظية في سلوك المسترشد، والقدرة على إدارة الحوار أثناء المقابلة والقدرة على الملاحظة والمواجهة، وإدارة فترات الصمت، وكسب ثقة المسترشد، هذا بالإضافة إلى مهارات صياغة

الصفحة230:


الفروض، وتحديد المعلومات والبيانات المطلوبة وجمعها وتحليلها واستخلاص النتائج منها وتفسيرها. أما فيما يتعلق بالمهارات المطلوبة لوضع الأهداف الإرشادية فتتمثل في القدرة على معرفة وتحديد الأهداف ومعرفة مدى ملاءمتها لعمل المرشد وللمشكلة التي جاء بها المسترشد، كما يجب أن تكون لدى المرشد القدرة على المساعدة في إعداد أهداف عامة وأهداف نوعية وسلوكية تساعده في تقويم عمله. وفي مرحلة اختيار الطريقة الإرشادية المناسبة فإن المرشد بحاجة إلى خبرة معرفية وعلمية بمجموعة من النماذج النظرية والطرائق المتنوعة المندرجة تحتها. وفي مرحلة التقويم Evaluation يحتاج المرشد إلى أن تكون أهداف عمله واضحة وأن يكون سلوك المسترشد محدداً بشكل واضح، كما يحتاج التقويم إلى مهارات في تحديد البيانات المطلوبة، وإعداد أدوات جمع البيانات، واختيار أساليب التحليل وتفسير النتائج.

  1. شروط الإخصائي المرشد عند ” عقل “:

أما ( عقل، 1996 ) فيرى أن للمرشد شروطاً أساسية تتحدد من خلال الآتي:

  1. الخصائص الشخصية للمرشد.
  2. الخصائص المهارية والإعداد العلمي.
  3. الإعداد الميداني.

إن المرشد شخص يمتلك المعرفة والخبرة والمهارة ويُعَدُّ عاملاً أساسياً في إحداث المنشود في حياة المسترشد، وأن مهمته الأساسية تتلخص في القيام بالعمليات المهنية ( دراسة وتشخيصاً وعلاجاً )  بطريقة دقيقة ومنظمة، فهو الذي يقوم بتحديد المشكلات والمساعدة في وضع الخطط العلاجية المناسبة والمشاركة في عملية التنفيذ، إضافة إلى مسؤوليته في متابعة المسترشد وتقويمه، ويشترط فيه صفات نفسية وجسمية أساسية منها : ( على سبيل المثال (التعاطف والمشاركة الوجدانية، والتقدير، ورباطة

الصفحة231:


الجأش والصبر والاستعداد للمناقشة والتقبل، والجدية في أداء العمل، وخلوه من العاهات البدنية التي تعوقه عن أداء العمل.

  1. خصائص برينر :

أكد ( 1982, Brenner ) على وجود خمس خصائص أساسية وضرورية ينبغي أن تتوافر في كل معالج هي :

  1. التعاطف والمشاركة الوجدانية Empathy حيث إنَّ كل مسترشد بحاجة إلى أن يكون مسموعاً ومفهوماً من قبل الآخرين وعلى المعالج إيصال هذه الرسالة إلى المسترشد، كما ينبغي أن يعرف المسترشد بأن المرشد منصت إليه ومهتم بمشكلته ومقدر لمشاعره وما يمر به من أزمة نفسية، فالتعاطف إذن يعني قدرة المرشد على معرفة وإدراك وفهم الحالة النفسية للمسترشد.
  2. الهدوء ورباطة الجأش Composure فمن الضروري أن يكون المرشد مرتاحاً لعلاقته بالمسترشد بغض النظر عن رأيه فيه وفيما يقوله ويفعله ويشعر به.
  3. الاستعداد لمناقشة أي شيء Readiness to Discuss Anything فالمرشد ينبغي أن يكون مستعداً لمناقشة أي شيء أو موضوع يطرحه المسترشد، وهذا لا يعني بالضرورة أن يكون المرشد قادراً على التعامل مع كل موضوع أو مشكلة أو قادراً على الإجابة عن أي سؤال، ولكن الاستعداد هنا يعني بذل الجهد ومحاولة مساعدة المسترشد قدر الإمكان ولو أدى الأمر إلى تحديد موعد آخر لمزيد من الاطلاع.
  4. تشجيع Encouragement فالمرشد الناجح والمؤثر هو الذي يؤمن بقدرة مسترشديه على مساعدة أنفسهم وقدرتهم على تحمل المسؤولية، وأن دوره معهم ينبغي أن يركز على تشجيعهم وتزويدهم بالدعم والمعونة والمساندة  . Support 
  5. أن يكون المرشد هادفاً في عمله Purposefulness بمعنى أن يكون لكل عمل أو

الصفحة232:


نشاط يقوم به هدف وغاية يسعى إلى تحقيقها وأن تكون هذه الأهداف موجهة نحو خدمة المسترشد أو المسترشدين، كما أن عليه واجب توضيح الهدف من عمله للمسترشد والمسترشدين، وأن يتأكد من فهمهم لذلك. (نيازي،(60.2001

نجد أن هذه الصفات التي فصلنا فيها حول حالة المرشد هدفها التعامل الصحيح فصلنا فيها حول - مع المسترشد وهو طالب النصح والسداد في حياته العادية التي هي شبيهة بحياة الكثير في مجتمعنا الذين يطلبون نصحاً نتيجة ظروف ما منعتهم من التكيف الاجتماعي الصحيح مع محيطهم. ولنعرف دائماً أن لسلوك المسترشد دافعاً ومعنى يرتبط بشخصيته التي كونها من وراثته وبيئته المحيطة، وأن لهذا المسترشد دائماً حاجات ترتبط بسبل قيامه بدوره الاجتماعي بما يرضي النظام الاجتماعي الذي يعيش فيه ومهمة المرشد تحقيق هذا التوافق مع محيط الفرد والجماعة قدر ما تسمح به معطيات كل حالة.

  1. الأهداف العامة للإرشاد الاجتماعي في مدارس الجمهورية العربية السورية:

 تأخذ عملية الإرشاد الاجتماعي في الجمهورية العربية السورية خصائصها وأبعادها التطبيقية من الأهداف الأساسية التي تسعى إليها، والتي تأتي استجابة للتحديات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية المستحدثة والتي تشكل مصدر خطر أساسياً يهدد وحدة المجتمع وتماسك أبنائه، وتستنزف طاقاتهم وإمكاناتهم، وتجعلهم أكثر ميلاً إلى التشتت منهم إلى الوحدة والتكامل.

 وبالنظر إلى طبيعة التحديات التي تهدد أمن المجتمع العربي في الظروف الراهنة تقوم عملية الإرشاد الاجتماعي في المؤسسات التعليمية عامة، ولاسيما في مؤسسات التعليم الأساسي على الأهداف الرئيسية التالية :

  1. تعزيز مبدأ العيش المشترك بين أبناء المجتمع الواحد على اختلاف شرائحه

الصفحة233:

ومكوناته.

  1. تعزيز قيم التفاعل الاجتماعي مع الآخر بوصفه الجزء المتمم للذات. 
  2. تعزيز مفهوم العدالة بوصفها الأساس الذي تقام عليه عملية التفاعل مع الأفراد 
  3. تعزيز مبدأ الموازنة بين الحقوق والواجبات المترتبة على عملية التفاعل مع الآخر.
  4. تعزيز قيمة الإنسان واحترامه بمكوناته الثقافية والحضارية على اختلاف أشكالها. وتشكل هذه الأهداف جوهر الرسالة التي يتمثلها المرشد الاجتماعي في ذاته ووعيه، وتقع على عاتقه مسؤولية تحققها في الواقع ليصبح أطفال اليوم ورجال الغد قادرين على تجاوز التحديات التي تجابه بنية المجتمع وتنظيماته ومكوناته الثقافية والحضارية.

وسعياً نحو تحقيق هذه الأهداف يسعى المرشد الاجتماعي لمعالجة المشكلات التي تعترض العملية التعليمية في الميدان التربوي وذات البعد الاجتماعي بالدرجة الأولى في ضوء التصور العام لمهمته الرئيسية ومهنته التي تنفرد بجملة من الخصائص والوسائل التي قلما يستخدمها العاملون في الميادين الأخرى. فهو يستقرئ الظواهر التي يعيشها الطالب وتؤثر في بنية الروابط الاجتماعية التي يقيمها مع الآخرين، وتجد آثارها السلبية في حياة الطالب من جهة، وفي مستوى تحصيله الدراسي من جهة أخرى، بالإضافة إلى آثارها التي تمتد إلى مستوى تكيفه مع الواقع الاجتماعي الذي يحياه في إطار أسرته، وبيئته الاجتماعية.

وتوجز المهام الأساسية المباشرة التي تقع على عاتق المرشد الاجتماعي في خمسة : مهام التوجيه الاختصاصي للإرشاد الاجتماعي، وواجبات المرشد الاجتماعي إزاء التلاميذ في المؤسسات التعليمية، وواجباته نحو أسر التلاميذ وكيفية تنظيم عملية التواصل المستمر معهم وعلاقته بإدارة المؤسسة التعليميمة وجهازها التعليمي، ورصد المشكلات العامة والظواهر المعيقة للعملية التربوية، وللأهداف الرئيسية التي تسعى

الصفحة234:


إليها عملية الإرشاد الاجتماعي عامة، كما أوردتها دائرة الإرشاد الاجتماعي في وزارة التربية السورية.

ومع الأهمية الكبيرة للمهام الأساسية التي يقوم بها المرشد الاجتماعي في المؤسسة التعليمية، وهي المهام التي سبقت الإشارة إليها، فإن تحقق هذه المهام مرتبط بالتصور العام الذي يتمثله المرشد في مشاعره وأحاسيسه، وهو التصور القائم على الإيمان بتعزيز قيم العيش المشترك، والتفاعل البناء، والمساواة في تبادل الحقوق والواجبات مع الآخرين، والإيمان بقيمة الإنسان بوصفه منطلق الحياة وهدفها في الآن ذاته.

  1. مهام الموجه الاختصاصي للإرشاد الاجتماعي :
  2. وضع خطة الإرشاد الاجتماعي على مستوى مديرية التربية في المحافظة، بالتنسيق مع دائرة الإرشاد النفسي والاجتماعي في الوزارة ( الإدارة المركزية ).
  3. أن يقوم الموجه الاختصاصي للإرشاد بزيارات ميدانية للمدارس بشكل منتظم، والاطلاع على العمل الميداني وتزويد المرشدين الاجتماعيين بتوجيهات الوزارة حول مستجدات عملية الإرشاد.
  4. عقد اجتماعات دورية مع المرشدين الاجتماعيين في المديرية للاطلاع على معوقات العمل، ودراسة المشكلات التي تعترض الطلاب واقتراح الحلول وتدوين نتائج الزيارات والاجتماعات، وتزويد دائرة الإرشاد النفسي والاجتماعي بأهمها. 
  5. إعداد الخطط والبرامج لتوعية المعلمين ومديري المدارس والطلاب وأولياء أمور الطلبة بأهداف الإرشاد الاجتماعي وأساليبه.
  6. تحديد المشكلات السلوكية والتعليمية التي يمكن دراستها وبحثها على مستوى المحافظة.
  7. الإشراف على البحوث التي تتم على مستوى المدارس.
  8.  تهيئة الظروف المناسبة كي يقوم المرشد الاجتماعي بعمله على الوجه المطلوب،

الصفحة235:

ومساعدته للتغلب على العقبات والمشكلات التي تعترضه في مجال عمله.

  1. المشاركة في إلقاء المحاضرات وكتابة المقالات في الصحف اليومية التي تصدر في الجمهورية العربية السورية والمحافظات حول أهمية الإرشاد الاجتماعي.
  2. مهام المرشد الاجتماعي وواجباته إزاء الطلبة :

يقوم المرشد الاجتماعي بمساعدة الطالب على إدراك الواقع الاجتماعي الذي يعيشه، بتقبل وضعه من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، ليصل به إلى بناء شخصيته السوية المتوازنة من خلال تفاعله الإيجابي مع البيئة الاجتماعية والمحيط الاجتماعي. وتقع على عاتق المرشد الاجتماعي في هذا السياق مجموعة من المهام التي تأتي في مقدمتها: 

  1. وضع ملف خاص لكل طالب وبيان وضعه بشكل عام. 
  2. الإشراف على اللجان الطلابية في المدارس لتسهيل مهام الإرشاد الاجتماعي ومتابعة تنفيذ توصياتها وتقويم نتائجها مع المرشد النفسي والتربوي.
  3.  تحديد ودراسة المشكلات السلوكية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية والصحية وآثارها وسبل التعامل معها ومواجهتها وحلها.. من هذه المشكلات:
  4. مشكلات سلوكية : العدوانية السرقة الكذب الغيرة، الغش، الإهمال فيالهندام، العناد، قلق الطلاب من الامتحان عدم القدرة على ضبط النفس، عدم الاهتمام بمشاعر الآخرين عدم الرغبة في تحمل المسؤولية، الخجل المعيق الفعالية الطالب أو الطالبة، التخريب 
  5. مشكلات تربوية : الكسل الفوضى عدم كتابة الوظائف، إهمال الواجبات المدرسية.
  6. مشكلات اجتماعية : عدم القدرة على تكوين الأصدقاء والاحتفاظ بهم،الارتباك عند مقابلة الآخرين، عدم القدرة على بناء روابط اجتماعية مع

الصفحة236:


الآخرين من الطلاب مثل ) تبادل الزيارات الرحلات.. ) صعوبة الاندماج والتفاعل الإيجابي مع الزملاء، عدم المشاركة في الألعاب داخل المدرسة، ضعف الانتماء إلى المدرسة، صعوبة التوافق مع أنظمة وقوانين المدرسة، تسلط الطلاب الكبار سناً على الطلاب صغار السن الجنوح، التشرد، التسول، الظروف الأسرية وعلاقتها بحياة الطالب المدرسية.

  1. مشكلات اقتصادية : الدراسة لاتعود عليهم بفائدة مادية، التفكير في ترك المدرسة للبحث عن عمل الوضع الاقتصادي لأسرة الطالب، عدم الحصول على مصروف يومي عدم توفر مواصلات تنقلهم إلى المدرسة، عدم القدرة على شراء الاحتياجات المدرسية (كتب – دفاتر – أقلام )، الاستدانة من أجل توفير مستلزمات المدرسة.
  2. مشكلات صحية : وهي كثيرة ويهمنا ما يعيق الطالب عن القيام بواجباته في المدرسة ومنها: ضعف السمع وضعف البصر والشعور بالتعب، أو الرغبة بالنوم، والشعور بالألم من مرض عادي أو مزمن، والصداع وآلام الأسنان والفم.. وكذلك دراسة ذوي الاحتياجات الخاصة ومختلف الإعاقات وإمكانية اندماجهم ضمن مجتمع المدرسة. كذلك على المرشد ملاحظة انتشار مرض معين مثل الجرب أو القمل وإبلاغ الجهة المختصة عن ذلك.

واضح لنا جميعاً أن الحدود واهية في تصنيف هذه المشكلات، فكل مشكلة لها جوانب متعددة ومتداخلة، فالعدوانية في المدرسة قد تكون نتيجة ظروف أسرية قامعة للطالب في المنزل... وإدماج المعاق حركياً في المدرسة يقتضي قيام علاقات اجتماعية مع زملائه في الصف، وتفهم متبادل بينهم، وتوفير ظروف مناسبة لحركته في المدرسة.

  1. تكوين اتجاهات إيجابية نحو العمل المهني لدى الطالب تبعاً لتحقيق الإرشاد المهني

الصفحة237:


في ضوء خصائص الطلبة، وحاجات التنمية في المجتمع عامة، ولاسيما المجتمع المحلي.

  1. مساعدة الطالب المستجد على التكيف مع البيئة المدرسية، وإرشاده لقوانينها وأنظمتها، وواجباته وحقوقه
  2. الاهتمام بالطلاب المتفوقين دراسياً ورعايتهم وتشجيعهم وتكريمهم.
  3.  التعرف على الطلاب ذوي المواهب والقدرات الخاصة ورعايتهم، وتنمية قدراتهم. 
  4. تعميق الصلة مع الطلبة بروح علمية وعملية تقوم على الحوار والإصغاء وتوثيق العلاقة على مبدأ الثقة والكفاية والاحترام المتبادل بما يحقق الهدف من عملية الإرشاد الاجتماعي.
  5. إجراء مقابلات فردية وجماعية، حول المشكلات الاجتماعية والأسرية التي تجابه الطلبة، ويستوجب الأمر معالجتها.
  6. مشاركة الطلاب بالرحلات العلمية والترفيهية سعياً نحو تعزيز الصلة معهم، وتوثيق العلاقة على مبدأ الثقة المتبادلة.
  7. مساعدة الطلاب الذين تجاههم مشكلات خاصة، على مجابهة هذه المشكلات ومعالجتها بالطرق المناسبة، والتي يقرها العرف الاجتماعي، ومبدأ الموازنة بين الحقوق والواجبات . 
  8. الإفادة من النشاطات واللا صفية ذات الصبغة الاجتماعية، مثل محلات الحائط والرحلات العلمية والاحتفالات المدرسية.
  9. إدارة المدرسة والمرشد الاجتماعي :

إن مدير المدرسة هو المسؤول من الناحية الرسمية أمام الجهات الأخرى الرسمية منها

الصفحة238:


وغير الرسمية، بما في ذلك أولياء أمور الطلاب وذووهم، والمرشدون الاجتماعيون أنفسهم. ولهذا من الضروري أن تأتي العلاقة بين المرشد الاجتماعي وإدارة المدرسة على درجة عالية من التوافق والانسجام ومن الطبيعي أن يترك أي خلل في هذه العلاقة آثاره السلبية في عملية الإرشاد الاجتماعي برمتها وحتى تحقق عملية الإرشاد أهدافها لابد أن تشارك إدارة المدرسة في مجموعة الأعمال ذات الطابع الإرشادي، ومن . ذلك :

  1. إدارة برامج التوجيه والإرشاد والإشراف على خطته وميزانيته. 
  2. تهيئة البيئة والظروف المناسبة التي تساعد في تحقيق رعاية الطلاب وحل مشكلاتهم الفردية والجماعية.
  3. تيسير الإمكانات والوسائل التي تساعد في تطبيق برامج التوجيه والإرشاد داخل المدرسة، والاستفادة من الكفاءات المتوافرة في المدرسة.
  4. عدم تكليف المرشد الاجتماعي بأعمال إدارية تعيق عمله كمرشد للطلاب، وإزالة العقبات التي تعترض عمله، وحل المشكلات التي تستوجب الحل.
  5. يترأس مدير المدرسة لجنة التوجيه والإرشاد ومجلس الآباء والمعلمين، وتوزيع العمل على الأعضاء ومتابعة تنفيذ التوصيات التي تقرها الاجتماعات.
  6. إيضاح دور المرشد الاجتماعي للمعلمين في المدرسة والأهل في مجالس الأولياء.
  7. التنسيق بين برامج الإرشاد النفسي والإرشاد الاجتماعي في المدرسة.
  8. العمل على توفير الظروف المناسبة للمرشد الاجتماعي، وتمكينه من أداء دوره بالشكل المطلوب.
  9. مهام المرشد الاجتماعي في المدرسة :
  10. يضع المرشد الاجتماعي خطة عمل سنوية وبرامج تنظيمية لكل شهر دراسي، لعمله في المدرسة.
  11. يساعد المرشد الاجتماعي الإدارة في الحد من موضوع الشعب الذي يمارسه بعض

الصفحة239:


الطلبة في الحصص الدراسية.. وذلك من خلال إبراز أهمية الوقت لتحصيل أكبر قدر ممكن من المعلومات.

  1. جعل تعديل السلوك هدفاً أساسياً من أهداف المرشد، بحيث يصبح سلوك الطالب سلوكاً متوازناً اجتماعياً ونفسياً والتأكيد على التعامل الودي مع الآخرين، والصدق في القول والفعل.
  2. إبراز أهمية توظيف وقت الفراغ، والاستفادة منه في تنمية المواهب واتباع دورات تهيئ الطالب لصقل مهاراته والقدرات التي يملكها.
  3. وضع تقويم مناسب لما أنجز من خطة المرشد الاجتماعية.
  4. المرشد الاجتماعي وأسرة الطالب ( أولياء أمور الطلبة ) :
  5. التعاون الوثيق بين المدرسة والبيت من خلال الاتصال الشخصي والهاتفي، وخاصة في المناسبات الاجتماعية الرئيسية عند الضرورة.
  6. تقديم الاقتراحات والتوصيات للأهل التي يمكن أن تفيد الطلبة، وتساعد الأهل في تجاوز المشكلات التي تعترض علاقاتهم مع أبنائهم إن وجدت.
  7. تزويد الطلبة المتفوقين والموهوبين والمتأخرين دراسياً والمعاقين وذوي الحاجات الخاصة بملاحظاته وآرائه ومقترحاته، التي من شأنها إفادتهم ومساعدتهم للحصول على أفضل النتائج في مجال دراستهم وتحصيلهم الدراسي، وتنمية مواهبهم وقدراتهم.
  8. مساعدة الطلاب الذين يحتاجون إلى متابعة واهتمام خاصة إذا كانت هذه الحاجة نتيجة الإهمال في البيت أو غياب أحد الوالدين، أو انفصالهما، وغير ذلك من الاعتبارات.
  9.  طلب بعض أولياء أمور الطلبة بشكل إفرادي لمعالجة وضع الطلاب ذوي المشكلات الخاصة.

الصفحة240:


  1. تفهم المشكلات التي يمكن أن تنشأ بين الطلبة وذويهم لأسباب عديدة، والعمل على توجيه النصائح للأبناء والآباء التي من شأنها تضييق الفجوة، ومعالجة الخلل ضمن سياسة الولاء للأسرة، وضمن حقوق الأبناء.
  2. التعرف على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحالة التعليمية لأسرة الطالب ( من خلال استمارة خاصة ).
  3. المشاركة في مجالس أولاء أمور الطلبة والتعامل معهم لمواجهة المشكلات التي تعترض سير أبنائهم.
  4. التنسيق بين الإرشاد النفسي والإرشاد الاجتماعي :
  5. توجيه الطلاب من النواحي النفسية والاجتماعية والأخلاقية والتربوية والمهنية بحيث يصبح الطالب عضواً فعالاً في المجتمع.
  6.  التعاون مع المرشد التربوي والنفسي لرصد المشكلات التي يواجهها الطلاب أثناء الدراسة، سواء أكانت هذه المشكلات شخصية أو اجتماعية أو تربوية... والعمل على إيجاد الحلول المناسبة التي تساعد الطالب على التحصيل الجيد. 
  7. التعاون بين المدرسة والبيت والتنسيق بين الإرشاد النفسي والاجتماعي كي يصبح كل منهما متمماً للآخر، وليس بديلاً عنه.
  8. استقبال الطلاب في بداية العام الدراسي وتوفير المناخ النفسي والاجتماعي المناسب لهم.

 أكد المشرفون على تجربة الإرشاد النفسي والاجتماعي، في دراسة أجرتها مجلة بناء الأجيال في وزارة التربية السورية، ضرورة وجود المرشد في جميع المدارس، لأهمية ذلك في توجيه الطالب نفسياً وأخلاقياً وتربوياً ومهنياً، ودراسة مشكلات الطالب واكتشاف مواهبه وقدراته ومساعدته على اختيار نوع الدراسة والمهنة وغير ذلك. ولقد واجه التجربة في بداية تطبيقها  (العام الدراسي 2001 - 2002 ) بعض الصعوبات منها

الصفحة241:


اختلاف ثقافة المسترشد واطلاعه والفروق بين المرشدين في التعامل... مما يؤكد ضرورة إقامة دورات وندوات دورية للمرشدين النفسيين والاجتماعيين، تتضمن فعاليات نظرية وعملية ميدانية لتوحيد طرق العمل وصقل معرفة المرشد بالتعامل الصحيح مع مشكلات الطلبة النفسية والاجتماعية وسبل حلها، وبنفس الوقت زيادة خبرة ومعرفة المرشد بالبحوث التربوية الاجتماعية بين الطلبة ورفد المدارس بالمراجع اللازمة لمهمة المرشد ( لطف الله، 2001، 42 ).

إن مهمة الإرشاد الاجتماعي بالتعاون مع الإرشاد النفسي لمراحل التعليم المختلفة في سورية، تهدف إلى تنمية شخصية الطالب بكل جوانبها النفسية والاجتماعية والسلوكية، وهي مهمة مكملة لمهمة المدرسة التعليمية والتربوية، وذلك لتأهيل المتعلم – الطالب لدور المواطن الصالح القادر على بناء مجتمعه والمساهمة بشكل متوازن في التنمية البشرية والمجتمعية، من أجل مستقبل أفضل.

الصفحة242:



الفصل الرابع عشر: التربية في المجتمع العربي

  1. ملامح التربية الحالية في الوطن العربي.
  2. تصورات لتربية المستقبل
  3. الأمن القومي العربي والتربية

الصفحة243:


لقد شهد الوطن العربي في السنوات الأخيرة تغيرات متسارعة، أثرت في بنيته الاجتماعية والسياسية والثقافية، أهمها تأثره بالعولمة والانفتاح العالمي للقنوات الفضائية، وما قدمته من ثقافة ونماذج، وكذلك احتلال العراق والغطرسة الإسرائيلية، التي تؤثر في منظومة القيم العربية، وتتطلب من التربية بالذات مهمات عاجلة لتحصين الإنسان العربي من الغزو الثقافي والاهتمام بالبناء التربوي للأجيال العربية.

مؤلفا هذا الكتاب يؤمنان بقدرة التربية النظامية ( الأسرة والمدرسة )، وغير النظامية ( وسائل الاتصال ( على القيام بدور مهم في رسم صورة التغير المجتمعي المطلوب وذلك بالتعاون مع مختلف قطاعات المجتمع التنموية، مع التأكيد على أهمية التربية كأساس لهذه القطاعات التنموية، لأنها تهتم ببناء الإنسان وهو هدف وأداة التنمية البشرية.

إن سبل التعامل الصحيح مع البيئة وحماية الموارد الطبيعية للدولة، يرتبط أشد الارتباط بوجود تربية اجتماعية حقيقية تضع عند الطفل والراشد سبل التعامل باحترام وتقدير للمحيط البيئي الذي يعيش فيه. وهذا المثال ينطبق أيضاً على إعطاء دور جديد للمرأة في المجتمع. العلاقة بين الأجيال.. المحافظة على المال العام ومنع الهدر.. سيادة القانون... كل ذلك يرتبط بتربية عربية جديدة متكاملة لبناء الإنسان القادر على حماية الوطن، وتحقيق النهوض المجتمعي الذي نطمح إليه.

  1. ملامح التربية الحالية في الوطن  العربي :

نستعرض هنا أوضاع التربية العربية مركزين على مواقع الخلل في العملية التربوية والخطاب التربوي ونبحث البيئة العلمية التي يعيش فيها الباحث العربي وما معوقات الخطاب التربوي، ليتمكن من تشكيل السلوك لرسالته.

الصفحة245:


  1. خلل التربية العربية:

بالنظر إلى أوضاع التربية الحالية في الوطن العربي يرى زكي حنوش أن خلل التربية يتمثل بما يلي : 

  1. اقتصار الجهود التربوية أو توجيه معظمها نحو التربية النظامية المؤسساتية، وإهمال برامج التربية غير النظامية وعائدها الإنمائي.
  2. أحادية التوجه الكمي أو اتباع استراتيجية النمو الكمي للتعليم على حساب نوعيته .
  3. اقتصار التعليم على العمل المدرسي المعزول عن حياة المجتمع وواقعه.
  4. اتباع مناهج رسمية ومركزية جادة، مع التركيز على استخدام الكتب المقررة نفسها في جميع المدارس، وعدم توفير المرونة للمعلم في اختيار ما هو ملائم لقدرات الطلبة وحاجاتهم واهتماماتهم.
  5. تعاني التربية من إشكالية إعادة إنتاج عنصر الأزمة التي يعاني منها الفكر العربي والثقافة العربية، بسبب الافتقار إلى الفلسفة التربوية، وضعف التحصيل الدراسي لدى الطلبة.
  6. تركز معظم الأنظمة التربوية في الوطن العربي على تعليم الطلبة النظام والطاعة المطلقة، ثم القراءة والكتابة عن طريق التعليم وتعليم الطلبة ضرورة المحافظة على قيم ومعايير المجتمع التي من شأنها ترسيخ الوضع القائم. (حنوش، 2000،.(171

هذا يرتبط بوضع التربية في مجتمع الدول النامية، حيث إن التربية تعاني، مثلها مثل قطاعات المجتمع الأخرى، من ذيول التخلف التي تخيم على الجميع، والتي تجعل جهود يحق لأن عناصرها، واهم التربية لا تؤتي ثمارها، كما أن التنمية لا تتحقق لأن عناصرها، وأهمها التربية، لا تقدم لها البنية المناسبة للتقدم. وهذه تسمى نظرية الحلقة المفرغة من نظريات التخلف، لأن كل

الصفحة246:


جانب من جوانب المجتمع، يرتبط بجانب متخلف بما يمنع المجتمع من النهوض. سلسلة التخلف تربط أوضاع الصحة بالتصنيع بالتربية بالتجارة... إلخ.

  1. خلل الخطاب التربوي:

ویری " محمود شمال حسن" ، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة بغداد، أن خطابنا التربوي العربي غير فاعل في تشكيل السلوك، وذلك للأسباب التالية : 

  1. إن خطابنا التربوي لم ينجح في تشكيل اتجاهات تنطوي على العقلانية والمنطق، بدليل أن المتعلم لا يزال يحمل الكثير من الأفكار اللاعقلانية والغيبية فيما يتصل بتفسير الظاهرة الاجتماعية والطبيعية والحياتية التي يتعرض لها، ولم يعد يفسرها طبقاً لقواعد المنطق العلمي الذي تعلمه في وقت سابق، وهذا ما یسمی بانتقال أثر التدريب، فلكي يكون الخطاب التربوي فاعلاً ينبغي أن تتم في الحال عملية انتقال أثر التدريب، وإلا فإن ذلك يؤشر على تدني مستوى كفاءة الخطاب في تشكيل السلوك.
  2.  ولأن خطابنا التربوي يستند إلى التلقين، فهو لم يسهم في تنمية نسق قيمي يتناسب مع الأهداف التربوية المعلنة، التي تتلخص بإعداد الأفراد المتعلمين بأن يكونوا في المستقبل المنظور مواطنين قادرين على المشاركة في بناء المجتمع، فضلاً عن التمتع بالمسؤولية الاجتماعية والوطنية، وذلك يرجع أساساً إلى أن خطابنا التربوي ينحو المنحى اليوتوبي في معالجة القضايا المجتمعية، فبينما يدعو إلى مجتمع نموذجي - مجتمع المدينة الفاضلة – الذي تذوب فيه الفوارق بين الناس ويسود لقانون والنظام والعدالة، وإذا بالأفراد يشاهدون بأم أعينهم معطيات الواقع اليومي بيانات الخطاب التربوي الذي . تناقض تماماً مع ب صرف الانتباه عن سماع رسائله ومن ثم عدم التأثر بها، ومن المتوقع في حال استمرار الخطاب التربوي بعدم مراعاة الاتساق بين معطيات الواقع اليومي والأهداف التربوية واليوتوبية

الصفحة247:


المحددة مسبقاً في الخطاب السياسي، أن لا يؤدي إلى تنمية النسق القيمي الذي ينسجم مع توجهات الثقافة السائدة.

  1. ولما كان خطابنا التربوي تلقينياً، أي خطاباً يخلو من الإبداع والأصالة، فمن أن لا يؤدي إلى تنمية مهارات المتعلمين على المستوى المعرفي والعلمي ؛ ذلك أن خطابنا التربوي يعاني من غياب التطابق والانسجام بين التنظير والتطبيق، ويعد كل منهما غريباً عن الآخر، وليس بينهما ارتباط.
  2. إن استلام المتعلم المعلوماته ومعارفه بطريقة التلقين والحفظ، سيؤدي إلى تعليمه إنتاج أفكار قليلة عن موضوع ما في فترة زمنية ثابتة، وعلى خلاف ذلك، عند استخدام طريقة الحوار والمناقشة والنقد سيؤدي ذلك إلى إنتاج أفكار كثيرة عن موضوع ما في فترة زمنية ثابتة وعلى ذلك، فإن خطابنا التربوي المغرق بالتلقينية، أثبتت الوقائع عجزه عن تنمية أساليب من التفكير من قبيل التحليل والاستنتاج والنقد.
  3. لقد غدا المتعلمون في معظم بلادنا العربية معتمدين التلقين في تزويدهم بالمعلومات عن العالم من حولهم وبطبيعة الحال فإن الثورة المعلوماتية التي نشهدها الآن ونتلمس آثارها لا يمكن بأي حال من الأحوال، الإلمام بمعارفها بالأسلوب المدرسي إن صح التعبير، الذي تتبعه المؤسسة التربوية، وهو عادة ما يرتكز على الكتاب المقرر بعد إقرار مفرداته ثم طباعته، وبذلك فإن المعلومة الجديدة التي يراد توصيلها إلى المتعلمين يكون قد مضى عليها زمن، وربما طورت استعيض عنها بمعلومة أخرى، وذلك يعني أن عالم المعلومات في حالة تكون على الدوام، ولما كان عالم المعلومات كذلك فإن الأمر يقتضي المواكبة المستمرة للمعارف والمعلومات من مصادر مختلفة. 
  4. يعد الإنتاج العلمي أحد المؤشرات الدالة على كفاءة المؤسسة التربوية، ويمكن الاعتماد هنا على النشر للدراسات العلمية والمقالات والكتب، فضلاً عن براءات

الصفحة248:


الاختراع.

  1. البيئة العلمية للتربية:

إذا نحن عدنا إلى البيئة العلمية التي يعيش بين ظهرانيها الباحث العلمي في البلاد العربية لوجدنا أنها غير مشجعة على الإنتاج العلمي، بسبب غياب مستلزمات الإنتاج العلمي التي يمكن حصرها في الآتي:

  1. قلة المختبرات العلمية ورداءة نوعيتها.
  2. قلة المواد الخام لإجراء التجارب وأحياناً عدم تيسرها.
  3. قلة مستلزمات الطباعة وصعوبة توزيع استمارات البحوث. 
  4. قلة الكادر الفني الذي يعتمد عليه في متابعة الدراسات والتجارب وإجرائها في وقتها المحدد، ومن ثم تفريغ البيانات ومعالجتها. (حسن، 2003، 110)
  5. معوقات الخطاب التربوي العربي


إن الخطاب التربوي لا يتمكن من تشكيل السلوك المطلوب، لأن هناك معوقات متعددة ترافق الخطاب التربوي وتجعل من رسائله الاتصالية رسائل غير مؤثرة في تشكيل السلوك، أبرزها معوقات تتعلق بالمعلم والمتعلم والمنهج الدراسي:

  1. المعوقات المرتبطة بالمعلم: فهو محور الخطاب التربوي ولكنه لم يُعد إعداداً علمياً مناسباً لمهنة التدريس ضالة دخله انشغاله بهمومه المعيشية... بدل الاهتمام والتحضير المناسب لدروسه وتحصيل المعرفة.
  2. معوقات تتعلق بالمتعلم: حيث هناك فروق في فرص التعليم بين الريف والمدينة، فروق بين المدارس في عدد الطلاب للأستاذ الواحد، وهذا يؤدي بالمتعلم إلى ضعف الإنجاز الدراسي أولاً والتسرب من الدراسة ثانية. 
  3.  معوقات تتعلق بالمنهج الدراسي: فليس هناك اتفاق على الأهداف التربوية

الصفحة249:


للمناهج الدراسية، وكذلك لا يراعي المنهج التطورات المعرفية العالمية الحالية، فلابد من وجود الجنة تنظر بالتغيرات الدائمة علمياً لتضمينها في المنهج.

إن المقررات الدراسية لكي تكون فاعلة في تشكيل سلوك المتعلمين لابد من أن تحدث علاقة ارتباطية بين ما يعرض من تنبيهات على السطور والاستجابة الصادرة عنهم، ولكي تحدث هذه العلاقة فإن ذلك يقتضي أن تستجر المنبهات المزيد من الاستجابات، عند ذاك نقول إن العلاقة الشرطية قد حدثت، وهذا أن الأفراد قد يعني اكتسبوا الأنماط السلوكية التي يدعو إليها الخطاب التربوي، على سبيل المثال إذا حدث أن فسر المتعلمون الظواهر الطبيعية استناداً إلى ما تم تعلمه في الفيزياء والكيمياء، بعيداً عن التفسيرات اللاعقلانية، عند ذاك يمكننا القول، إن ثمة تغييراً قد حصل في اتجاهاتهم وهو ما يهدف إليه الخطاب التربوي وتكون الحالة معاكسة، أي عدم حدوث علاقة ارتباطية، عندما تكون التنبيهات الموجودة غير قادرة على أن تستجر استجابات معينة، وفي ذلك إشارة إلى أن الخطاب التربوي لم يتمكن من إحداث تغيير في الاتجاهات لدى المتعلمين. (شمال حسن،107.2003. (

  1. تصورات لتربية المستقبل:

يرى الدكتور " عبد الله عبد الدائم “، وهو المفكر التربوي الباحث في قضايا التربية العربية، أن أي تربية مستقبلية عليها:

  1. التركيز على التعليم الذاتي، باعتباره أبرز عنصر من عناصر تربية المستقبل، وفي هذا عنصر من ء السياق لابد من التأكيد على ضرورة أن يكون الإنسان قابلاً لأن يتعلم لا إنساناً متعلماً فحسب، يجب أن يتم إعداد إنسان يملك الأدوات والمعارف والمهارات اللازمة لكي يزداد علماً ويصبح قادراً على مواجهة كل جديد ولاسيما بعد انتشار الحاسوب والإنترنت وسائر وسائل المعرفة والإعلام.

الصفحة250:


  1. الاهتمام بموضوع التربية المستمرة الدائمة طوال الحياة، حيث إنها عنصر مهم من عناصر التربية المستقبلية، وهو مرتبط بعنصر التعليم الذاتي ويكمله، وهنا يجدر ذكر ما ورد في الحديث الشريف " يظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإن ظن أنه علم فقد جهل "، ومن أهم فضائل التربية المستمرة وما تشتمل عليه من تدريب وتجديد للتدريب، أنها يمكن أن تكون أفضل الحلول لتحقيق التوافق بين حاجات سوق العمل وهي متغيرة بسرعة وبين مخرجات النظام التربوي التي كثيراً ما يتقادم عليها الزمن ويبطلها التطور السريع لأدوات الإنتاج. 


وبالإضافة إلى ذلك فإن الاهتمام بالتربية المستمرة ونشرها وإتقانها، من شأنه أن يساعد على إعادة النظر في المدرسة النظامية من حيث المناهج والبيئة وعدد سنوات الدراسة، إذ إنه في وسع التربية المستمرة أن تفتح للطالب إمكانات التكيف مع المستقبل، عن طريق تجديد التدريب والمعرفة والأعداد دوماً وأبداً، بحيث يصبح المجتمع كله مجتمعاً عالماً متعلمان.

  1. الاهتمام بتكوين المواقع والاتجاهات النفسية والمهارات التي لابد منها للتكيف مع أي طارئ جديد في شكل العمل أو أدواته أو مستلزماته في المستقبل، وهذا هو العنصر الثالث من عناصر التربية المفتوحة على المستقبل، فالاهتمام بالمواقف والاتجاهات النفسية يركز على الاتجاهات اللازمة للنجاح في الأعمال على مختلف أنواعها، مثل الإتقان وامتلاك القدرة على التخطيط، والقدرة على التعاون مع الآخرين، والقدرة على التكيف مع المواقف الجديدة وامتلاك روح الخلق والإبداع والقدرة على فهم المبتكرات العلمية الجديدة والتعامل معها، فضلاً عن معرفة اساليب البحث العلمي والتمرس بها، بالإضافة إلى إدراك الصلة بين حقائق العلم والتقانة وبين ما يجري في المجتمع العلمي.

يتبع امتلاك المواقف والاتجاهات اللازمة لعصر العلم والتقانة، امتلاك القيم الخلقية الملائمة لهذا العنصر مثل قيمة الحوار والمسؤولية، ولا يمكن أن يقف الوطن العربي

الصفحة251:


موقف العاجز، حيث يمتلك من الثقافة والحضارة ما يجعله قادراً على الإسهام في سعي العالم لخلق قيم إنسانية، تقي حضارة العصر من الضلال، وتقي المستقبل من الضياع، ولعل أبرز القيم العربية هي التكامل والتضامن والتواصل، وقد أصبحت الدعوة إلى هذه القيم شعار كثير من الدول المتقدمة خاصة بعد انتشار مشكلات البطالة والفقر والجوع.

  1. ومن العناصر المهمة لتربية المستقبل: 
  1. العناية الكبرى التي ينبغي أن توليها تربية المستقبل لتكوين روح الخلق والإبداع فمن المعروف أن للمدرسة والتربية دوراً أساسياً في طمس الإبداع ودفنه أو في إغنائه وتفجيره، وتدل التجارب التاريخية على أن الأمم التي استطاعت أن تحقق نهضة سريعة في تاريخها، كانت تلك التي عملت على تعبئة قواها من أجل إقامة نظام تربوي جديد وعنيت من خلاله بإطلاق قدرات الشعب الخلاقة، وهذا يتجلى بشكل خاص في تجربة اليابان في عصر ميجي 

. (1912-1868)             

  1. المرونة كأحد العناصر المهمة التي تكاد تجمع صفات التربية المستقبلية، فالتربية المرنة ضرورة لمواجهة التغير المستمر في بنية العصر الحاضر، بحيث توفر لدى الفرد القدرة على التكيف والتعديل المستمر للسلوك والتجديد الدائم للخبرة والمعرفة والقدرة على الرد على التحديات الجديدة التي ولدتها العولمة في العصر الحديث.


الصفحة252:


  1. القدرة على الاستباق ومحاولة معرفة احتمالات المستقبل بحيث توفر الوسائل التي تحمينا من مفاجآت المستقبل، وفيما سوف يقذف به من جديد غير متوقع، فإنسان الغد يجب أن يكون ذا تكوين مرن قادر على مواجهة الجديد، وذلك لما يتصف به هذا الإنسان من مرونة وقدرة ذاتية على التعلم والتكيف مع المواقف الجديدة (عبد الدائم، 2000، 129).
  2. مفهوم الأمن القومي العربي والتربية:

إن البيئة العلمية العربية بواقعها الحالي من نظم تعليم مختلفة وبرامج دراسية تعتمد على الحفظ بعيداً عن المحاكمة العقلية بهكذا بيئة علمية لا يمكن إنتاج عقل متحرر يحاكي عصر التكنولوجيا بمفرداته، مع العلم بأن التخلف العلمي ليس قدراً مكتوباً على العرب.. إن الخطر الذي يهدد الأمن القومي مرده (الفجوة التكنولوجية) التي تفصل بين العرب وإسرائيل.. (الناصر، 2003، 556)، إن ردم هذه الفجوة في الحقيقة يحتاج إلى مناهج علمية وعقلية تربوية، يعتمد عليها في بناء قوة عربية علمية تدعم الحق العربي وتحقق الأمن القومي الذي يشكل العلم أهم أعمدته.

لقد تحول مفهوم الأمن القومي عالمياً إلى مفهوم متعدد ومتشابك، فلم يعد مفهوماً عن القوة العسكرية، وإنما نتاج توافر مجموعة من العوامل والمرتكزات المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبشرية والتكنولوجية - العلمية التي تتضافر لتشكل مفهوم الأمن القومي المجتمعي.

وتتبع أهمية التعاون الثقافي بين الدول العربية من كون الثقافة عاملاً أساسياً في تكوين شخصية الإنسان العربي ووعيه وأنّ قيام التعاون الثقافي يشكل عاملاً مساعداً وأساسياً في قيام الأمن القومي العربي الذي يرتكز على وحدة اللغة والتراث، وهذا يسهم الأنسب القومي العربي ر على وحدة اللغة والتراث، وهذا يسهم في الحد من التفاوت الثقافي، والتفاوت في مستويات التربية والتعليم، ويؤدي إلى تعزيز

الصفحة253:


الوعي القومي وترسيخه (شدود، 1999، 97)

ويرى شدود أن امتلاك العرب للقوة هو الذي سيجعل لهم وجوداً فاعلاً مؤثراً.... وهذه القوة هي قوة الوحدة فالعرب بغير التعاون والتنسيق والوحدة: كم ضعيف، وعجزهم عن تحقيق تعاونهم ووحدتهم هو ما كشف أمنهم القومي أمام الطامعين بهم، وهو ما سيبقيهم الطرف الضعيف في العالم الذي يرتكز على القوة، ويسير ويعمل باتجاه تحقيقها (شدود، 1999، 108).

إن النهوض بالمجتمع العربي على أسس تنموية متكاملة، مهمة مصيرية للعرب مما دعاهم إلى وضع «استراتيجية تطوير التربية العربية » عام 1979 حيث تم التأكيد على ضرورة تمكين المتعلم من تطوير شخصيته من جوانبها الروحية والفكرية والوجدانية والخلقية والجسمية والاجتماعية بصورة متوازية شاملة متكاملة، وكذلك ضرورة تمكين المتعلم من الاعتماد على جهوده الذاتية في تربية نفسه وتطوير شخصيته من جميع جوانبها، ومن التمسك بحقوقه الأصيلة والقيام بواجباته ومن التعويل على عقله وضميره وعلى قدراته... وفي العمل والإبداع والابتكار.

تهدف الاستراتيجية العربية للتربية إلى التوفيق بين الأصالة والتجديد في ثقافة المجتمع. «وذلك للابتعاد عن الرجوع الحرفي إلى الماضي، فمهمة التربية العربية اليوم هي تكوين فكر نقدي حر قادر على أن يترجم الثقافة العربية الإسلامية إلى لغة العصر، بحيث تقوم حملة متكاملة بين هذه الثقافة في شتى مجالاتها وبين ما يتلقاه المتعلم أحدث ما وصلت إليه العلوم والمعرفة والثقافة.. (الرشدان، 2003، 99).

السكاني عريض القاعدة الذي يجعل نصف سكان الوطن العربي من الشباب والناشئة، الإمكانات الهائلة التي يملكها العرب، يدعو التربية للقيام بدور فعال ومهم من أجل العمل العربي المشترك المؤمن بقدرة الأمة العربية على النهوض وتحقيق رسالتها الخالدة من أجل مستقبل أفضل لأمتنا وللعالم.

الصفحة254:

الهوامش العربية:

  1. الإبراهيم حسن، التلفاز والمهمة الصعبة مجلة الجمعية الكويتية لتقدّم الطفولة العربية، العدد الرابع، الكويت، 1985.
  2. أبو حرب، محمد خير، المعجم المدرسي، وزارة التربية، دمشق، 1985.
  3. أبيض، ملكة الثقافة وقيم الشباب وزارة الثقافة، دمشق، 1984. 
  4. أبيض، ملكة علم الاجتماع التربوي منشورات جامعة دمشق، دمشق،1988.
  5. أتالي، جاك، الألفية الجديدة، الرابحون والخاسرون في النظام العالمي القادم، ت: عبد الفتاح جلال المركز القومي للبحوث التربوية، القاهرة، 1995. 
  6. أحمد، محمد مصطفى، الخدمة الاجتماعية وتطبيقاتها في التعليم ورعاية الشباب المكتب الجامعي الحديث الاسكندرية، 1999.
  7. البدوي، محمد علي، علم اجتماع الأدب النظرية والمنهج والموضوع، كلية الآداب، جامعة الاسكندرية، دار المعرفة الجامعية، القاهرة، 2002.
  8. الثبيتي، عبد الله، علم الاجتماع التربوي جامعة أم القرى، سلسلة بحوث العلوم الاجتماعية، السعودية، 1995.
  9. جعفر، عبد الرزاق، أدب الأطفال، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1979 
  10. جعفر، عبد الرزاق، الأطفال، منشورات دمشق، 1980.
  11. جلال، سعد المرجع في علم النفس، دار المعارف، مصر، 1974.

الصفحة255:


  1. جمال الدين نجوى، يوسف محاضرات في اجتماعيات التربية، جامعة القاهرة، مكتبة الآداب، القاهرة، 2001.
  2. جمعة محمد علي، التخلف والتبعية «أزمة الهوية وأثرها على القيم في المجتمع العربي المعاصر»، دار الشجرة، ط1، 1997.
  3. الجولاني، فايزة عمر علم الاجتماع التربوي مؤسسة شباب الجامعة، الاسكندرية، 1993.
  4. الحديدي، علي، الأدب وبناء الإنسان منشورات الجامعة الليبية، طرابلس،1973.
  5. حنورة، عيسى، مشكلات الشباب الكويتي، مجلة العلوم الاجتماعية، مجلد16، العدد 1، الكويت، ربيع 1988.
  6. حنوش، زكي، نحو تربية أفضل لأجيالنا في القرن الجديد – رؤية للإشكاليات والحلول، شؤون عربية، العدد 104، بيروت، ديسمبر، 2000.
  7. الحوات، علي، أسس علم الاجتماع التربوي جامعة الفاتح، ط1، طرابلس، ليبيا، 1979.
  8. خرطبيل سامي الوجود والقيمة دار الطليعة، بيروت، ط1، 1980. 
  9. خليفة، عبد اللطيف محمد، ارتقاء القيم سلسلة عالم المعرفة، العدد 160، الكويت، نيسان، 1992.
  10. خلیل، حامد مشکلات فلسفية منشورات جامعة دمشق، دمشق، 1985.، فلسفة، منشورات جامعه
  11. داود، ليلى، الاتصال بالجماهير بحث غير منشور، دمشق 1988
  12. داود، ليلى، مبادئ علم النفس، ج 1، جامعة دمشق، دمشق، 1988.
  13. دركهايم اميل التربية والمجتمع ت علي، وطفة دار الوسيم، ط1، دمشق،1992.

الصفحة256:


  1. دركهایم، اميل، قواعد المنهج في علم الاجتماع ت: محمود القاسم، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1951.
  2. دكاك، أمل، دور التلفاز في تنشئة الأطفال سياسياً، منشورات وزارة الإعلام، دمشق، 1991.
  3. دكاك، أمل دور القصة في تنشئة الأطفال اجتماعياً، اطروحة دكتوراه، جامعة في تحفة الأطفال اجماع دمشق، 2000.
  4. دويبي عبد السلام علم النفس الاجتماعي، منشورات الجامعة المفتوحة، طرابلس، ليبيا، 1987.
  5. دياب فوزية القيم والعادات الاجتماعية، دار النهضة العربية، بيروت،1980.
  6. دياب، مفتاح محمد، مقدمة في أدب الإطفال، المنشأة العامة للنشر والتوزيع، ط1، طرابلس، ليبيا، 1985
  7. رحمة، أنطون، التخطيط لاستخدام التلفاز كأداة تربوية، سلسلة الإعداد النقابي، دمشق، 1981.
  8. الرشدان، عبد الفتاح دور التربية في مواجهة تحديات العولمة، مجلة شؤون عربية صادرة عن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، العدد 15، القاهرة، خريف 2003.
  9. الرشدان، عبد الفتاح علم اجتماع التربية دار الشروق، ط1، عمان، الأردن،1999.
  10. روسو، ان جاك، يميل والتربية، ت: عادل زعيتر، القاهرة، دار المعارف،1956.

الصفحة257:


  1. رويه ريمون فلسفة القيم ت عادل العوا، مطبعة جامعة دمشق، دمشق،1960.
  2. الزبادي، أحمد وآخرون أثر وسائل الإعلام على الطفل، عمان، 1989. 
  3. زكريا خضر، عن الوضع الاجتماعي للمرأة العربية دار الأهالي، ط1، دمشق،1998.
  4. زكي، صلاح التلفاز يصنع مستقبل الأطفال، مجلة الكويت، العدد 14، الكويت، 1987.
  5. سبندر ديل، التشابك مع الشبكة ت عيسى اسماعيل، مجلة بناة الأجيال، نقابة المعلمين دمشق العدد 46 شتاء 2003.
  6. سليمان، وديع القيم والتطور الاجتماعي المجلس الوطني للثقافة، الكويت،1987.
  7. السيد، عبد الحكيم، علم النفس الاجتماعي والإعلام، دار الثقافة، القاهرة، .1971.
  8. السيد محمود أحمد، في الإعلام التربوي، ط1، دمشق، 2001.
  9. شازال، جان، الطفولة الجانحة ت أنطوان عبده منشورات عويدات، ط2، بيروت، 1983.
  10. الشال، انشراح، مدخل إلى علم الاجتماع الإعلامي، دار الفكر * مدخل إلى: الاجتماع | القاهرة، 2001.
  11. شتا، علم الاجتماع التربوي، مكتبة الإشعاع الفنية اسكندرية1997.
  12. شدود، ماجد، الأمن القومي العربي، مطبعة اليازجي، دمشق، 1999.
  13. شرابي، هشام، مقدّمات لدراسة المجتمع العربي، ط4، الأهلية للنشر والتوزيع،

الصفحة258:


بيروت، 1981.

  1. شرام، ولبر، ادوین، باركر، التلفاز وأثره في حياة أطفالنا، ت: زكريا سيد حسن الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، 1965.
  2. شمال حسن محمود الخطاب التربوي وإشكالية تشكيل السلوك، مجلة شؤون عربية، الأمانة العامة لجامعة الدول العربية العدد 115، القاهرة، خريف2003.
  3. شمس الدين، عبد الأمير الفكر التربوي عند ابن خلدون وابن الأزرق، الشركة العالمية للكتاب، بيروت، 1991.
  4.  شیلر هربرت المتلاعبون بالعقول ت عبد السلام رضوان، سلسلة عالم المعرفة الكويتية، العدد 243 الإصدار الثاني، الكويت، آذار 1999.
  5. صليبا، جميل، المعجم الفلسفي، ج2، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1980. 
  6. ضيف شوقي، في النقد الأدبي، دار المعارف بمصر، ط2، القاهرة، 1962.
  7. الطويل، توفيق، أسس الفلسفة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1967. 
  8.  عارف مجيد حميد، الأنثروبولوجيا التربوية، جامعة بغداد، بغداد، 1990. 
  9. عاشور، محمد علي، الدور المستقبلي لمدير المدرسة كقائد تربوي في مدرسة المجتمع، مجلة دراسات مستقبلية مركز دراسات المستقبل، جامعة أسيوط، مصر، العدد 7 يناير 2003
  10. العايد، أحمد، الديمقراطية مفهوم اجتماعي، مجلة الشاهد، العدد 123، تشرين الثاني، 1995.
  11. عبد الدائم، عبد الله، الرؤيا المستقبلية للتربية في البلاد العربية، مجلة شؤون عربية، العدد 101، بيروت، آذار 2000
  12. عبد السلام نجوى التربية والتطور الاجتماعي مجلة المعلم العربي، السنة 55

الصفحة259:


العدد 3 وزارة التربية ايلول 2002

  1. عبد العال، محمد سيد، دينامية العلاقة بين القيم ومستوى الطموح في ضوء المستوى الاقتصادي والاجتماعي جامعة عين شمس، القاهرة، 1976.
  2. عرابي بلال القيم والتغير الاجتماعي، مجلة دراسات مستقبلية، مركز دراسات المستقبل، جامعة أسيوط، العدد 6، مصر، 2001.
  3. عرابي، بلال، قضايا في إعلام الطفولة، مجلة الطفولة والتنمية، المجلس للطفولة، مصر، العدد 6 مجلد2، صيف 2002

العربي

  1. عرقسوسي محمد خير الدراسات الاجتماعية والتربوية عند ابن خلدون، مطبعة العلم، دمشق، 1969.
  2. عطية، أحمد عبد الحميد، الأخلاق في الفكر العربي المعاصر، دار الثقافة للنشر، ط1، القاهرة، 1990.
  3. عفيفي، محمد الهادي، التربية ومشكلات المجتمع، مكتبة القاهرة الحديثة، القاهرة، 1971.
  4. العلبي أكرم حسن خطط دمشق دار، الطباع، ط1، دمشق، 1985. 
  5. العوا، عادل العمدة في فلسفة القيم، دار طلاس، ط1، دمشق، 1986. 
  6. عيسوي عبد الرحمن الآثار الفلسفية والاجتماعية للتلفاز العربي، الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة، 1979
  7. عيون السود نزار نشوء وتطور الفكر النفسي – الاجتماعي عند العرب اتحاد كتاب العرب، دمشق، 1995.
  8. غوروفا، ريناتا، مقدمة في علم لاجتماعي التربوي، ت: نزار عيون السود، داردمشق، ط1، دمشق، 1984.
  9. فرانك جوزيت قراءة أطفالكم اليوم، نيويورك، 1960.

الصفحة260:


  1. فرح، محمد سعيد، الطفولة والثقافة والمجتمع منشآة المعارف، الاسكندرية،1980.
  2.  فرينيه، سيليستان تعليمية فرينيه آفاق تربية شعبية ت: صلاح الدين برمدا، دراسات اجتماعية، عدد 18 وزارة الثقافة، دمشق، 1994.
  3. قباري، محمد اسماعيل، علم الاجتماع الجماهيري وبناء الاتصال، منشأة المعارف بالاسكندريةمصر،.1984
  4. كركوتلي، عبد المجيد، المشكلات العاطفية وأثرها في إنتاجية الشباب العربي السوري ضمن كتاب: قضايا الشباب ومشكلاتهم، الندوة الفكرية الثالثة، اتحاد الشبيبة، دمشق، 1985.
  5. كنعان أحمد القيم التربوية السائدة في شعر الأطفال، رسالة دكتوراه غير منشورة كلية التربية جامعة دمشق، دمشق، 1990.
  6. لطف الله، عفاف، تجديدات تربوية - المرشد النفسي، مجلة بناة الأجيال، نقابة المعلمين، سورية، السنة 10، العدد 39 دمشق تموز 2001
  7. اللقاني، فاروق عبد الحميد، تثقيف الطفل فلسفته- أهدافه - مصادره، منشأة الاسكندرية، 1976.
  8. محمود زكي نجيب قيم من التراث دار الشروق، بيروت، 1984. 
  9. مسلم، عدنان، دراسة استطلاعية حول مساعدة الشباب في تكوين أسرة سليمة، بحث غير منشور قدم في ورشة العمل حول قضايا الشباب، دمشق، .1996.
  10. المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم مؤتمر وزراء التربية والتعليم والمعارف في الوطن العربي مدرسة المستقبل، دمشق، تموز، 2000.

الصفحة261:


  1. ناصر إبراهيم استيتيه دلال علم الاجتماع التربوي، كلية التربية، الجامعة الأردنية عمان، 1984.
  2. ناصر، إبراهيم، علم الاجتماع التربوي، ط 1 ، دار الجيل، لبنان، 1992. 
  3. الناصر، ناجي عبيد الأمن القومي في عالم متغير دراسات سياسية، القيادة القطرية، دمشق، 2003.
  4. النجيحي، محمد لبيب، الأسس الاجتماعية للتربية، دار النهضة، ط8، بيروت، .1981
  5. نيازي، عبد المجيد طاش ابوعبادة، صالح بن عبد الله، الإرشاد النفسي والاجتماعي، ط1، مكتبة العبيكان، الرياض، 2001.
  6. همام، طلعت، مائة سؤال في الإعلام مؤسسة الرسالة، بيروت، 1985. 
  7. واطسون، روبرت – ليندغرين، هنري سيكولوجية الطفل والمراهق، ت: داليا عزت مؤمن مكتبة مدبولي، ط1، القاهرة، 2004.
  8. وطفة على النظريات التربوية المعاصرة مجلة المعلم العربي، وزارة التربية السنة 55، العدد 3، دمشق، ایلول 2002
  9. وطفة، علي شهاب علي تلخيص كتاب بنيوية الظاهرة المدرسية ووظيفتها الاجتماعية، مجلة الثقافة النفسية المتخصصة، العدد 57، المجلد 15، لبنان، كانون الثاني 2004
  10. وطفة، علي، علم الاجتماع التربوي جامعة دمشق، ط2، دمشق، 2002.

الصفحة262:


الهوامش الأجنبية:

  1. Coolidge, T. Jefferson, "The Thomas Jefferson Forum Starting Small Thinking Big". Community Education Journal, Ocotober, 1987.
  2. Durian, G. Effective Schooling and At-Risk Youth : What The Reaserch Shows. Office of Educational Reaserch and Improvement. (ED), Washington DC, 1986.
  3. Emille Durhiem, Society and Education, Monica Dixon and Kathy Glovthe, International School Association, 1992.
  4.  Frank, Gosette, Your Child Reading Today, Doubleay and Company Inc, Garden City, New York, 1960.
  5. G.H. Mead. "Mind self, and Society", Univ. Of Chicago Press, Chicago, 1934.
  6. Horn, H.H, Philosophy of Education. New York, 1966.
  7.  Huntley, C.W., And Daves, F., " Undergraduate Study of Value as Predictors of Occupation 25 years later", New York, Free Press, 1983.
  8. Lerman, P. (Ed), "Individual Values", American Sociology Review, Vol.32, 1968.
  9. Rokeach, M., "The Nature of Himan Values ", New York, Free Press, 1973.
  10. Rokeach, M., " Belifes, Attitudes, and Values : A Theory of Organization and Chang", San Francisco : Jessy-Bass, 1976.
  11. Scott, W., A., " Values and Orgabization", Chicago, Ran Mc nally, 1965.
  12. Shaffer, D.R.," Social Psychology from Social Developmental Prospective ", New York, John Wiley and I Prospective ". New York, J Sons, 1977.
  13. Wright, J.D., and Wright, S.R. (Ed), "Social Class and Parental Value for Children", American Sociological Review, Vol. 14, No.16, 1976.

الصفحة263: