فهم التعلم والتدريس

المؤلف: مايكل بروسو وكيث تريغويل

التصنيف: الديداكتيك

عرض PDF

الوصف:

مايكل بروسو وكيث تريغويل، فهم التعلم والتدريس، ترجمة هاني صالح، دار العبيكان 1430 ه ، المملكة العربية السعودية.

تمهيد



   لهذا الكتاب أبعاد عدة. إنه قبل كل شيء كتاب موجه لأولئك المهتمين بالعملية الأكاديمية. بشقيها الماثلين في التدريس والتعلم. في التعليم العالي. ويركز الكتاب على خبرات التعلم عند الطلاب، ويربط الأفكار التي تقدمها البحوث بخبرات التدريس لدى المدرسين في التعليم العالي. ومن هذا المنظور يمكن القول إن الكتاب يتمم رسالتي الاتجاهين اللذين يحظيان اليوم بالقدر الأكبر من الاهتمام والرواج بين النصوص المعنية بالمملية الأكاديمية في التعليم العالي. ويمد الجسور بين هاتين الرسالتين. يتضمن الكتاب توسيماً لبحوث تعلم الطلاب. التي يسوقها رامسدن، بفية إيضاح ودعم رسالة كتابه «تعلم التدريب في التعليم العالي، (رامسدن، 1992).

ويربط بين النظرة الموجهة نحو التركيز على التعلم. والتي يتبناها مارتون في كتابه «خبرات التعلم» (مارتون وآخرون، 1997) من جهة. وخبرات أساتذة الجامعة في التدريس، من جهة أخرى. ويضع الكتاب بين يدي أستاذ الجامعة منهجاً جديداً في التدريس. ودليلاً لتطبيق الأفكار المعرفية في التعليم الجامعي.

ورغم أن الكتاب يشاطر الكتابين المذكورين أعلاه في وجهة النظر ذاتها. فإن رسالته تختلف عن رسالتي سابقيه في التأكيد أن الطريق إلى الأمام يتجسد في التركيز على حالات التعلم والتدريس، مع الحفاظ على جودة التعلم. وهذا لا يمني على الإطلاق أننا نقلل هنا من أهمية جودة التعلم. وسوف ترى في قراءتك للكتاب أننا لا نشك في أن جودة التعلم تمثل الهدف الأسمى والأهم للعملية الأكاديمية برمتها.

كما قد توضح وثبت من خلال العديد من الأعمال السابقة. كالكتابين الذين أتينا على ذكرهما سابقاً. ونعتقد بوجود حاجة ماسة مع الأمل أن نوفق إلى تقديمه هنا. هو الطريق إلى تحقيق ما نطمح إليه لتحقيق تلك الجودة. ويقوم منهجنا على مناقشة العلاقات التي تربط مختلف جوانب خبرات التعلم عند الطلاب بعضها ببعض.

الصفحة 8

تضمن هذه الجوانب إدراك الطالب لحالة التعلم التي يعيشها: ومنهجه في التعلم:

وخبراته السابقة في التعلم: والمخرجات التي يجنيها من التعلم. وفي دراستنا لتلك العلاقات نستند بقوة إلى الأفكار التي يقدمها مارتون وبوث في كتابهما الجديد « التعلم والوعي» (مارتون وبوث. 1997).

    كذلك فإن الكتاب موجه أيضاً إلى المهتمين باستكشاف المبادئ التي تقوم عليها طرق التدريس المختلفة. بما في ذلك التعليم عن بعد: والتدريس في محيط تنوع الثقفات: وكذلك استخدام التقنيات الحديثة في التدريس. ويتعلق محتوى الكتاب بما تقدمه لوريلارد في كتابها "إعادة النظر في التدريس الجامعي: الإطار المناسب للاستخدام الفعال لتقنيات التعليم. (لوريلارد، 1993). غير أن توجهات هذا الكتاب أكثر عمومية واتساعاً.

   وأخيراً: فإن هذا الكتاب موجه إلى أساتذة الجامعة الراغبين في تطوير وإضافة عناصر البحث لنشاطاتهم التعليمية. فالكتاب لا يكتفي بتقديم أهم وأحدث ما توصلت إليه بحوث التدريص والتعلم. مستعرضاً في ذلك لا النتائج فحسب. وإنما المنهج والطرق أيضأ في كثير من الأحيان. بل يتضمن أيضا الكثير من التفاصيل حول الأسئلة والطرق التي من شأنها أن تقدم للأساتذة الباحثين فائدة مباشرة في سعيهم إلى استكشاف واقع العملية التدريسية التي يديرونها. ومن المظاهر المميزة للكتاب، ولجملة الأمثلة البحثية التي يسوقها. فإنه ينظر إلى نتائج، البحوث الكيفية والكمية على أنها تكمل بعضها بعضاً من حيث الطرق والنتائج. وكلا النوعين ساهم في تطوير أفكار الكتاب بشكل لم يكن ليتسنى لنا على الإطلاق. لو أننا اقتصرنا على أحد النوعين دون الأخر.

   ويقدم الفصل الأول لمحة عامة عن هذه البحوث وعن الكتاب. ويقوم هذا الفصل بتصوير المشهد الذي تدور فيه أحداث العملية التدريسية. موجهاً الاهتمام بشكل خاص نحو ظاهرة التباين بين الطلاب في تعاملهم مع مسألة التعلم. كما يقدم أيضا مؤشرات واضحة للاتجاهات العريضة التي سنسلكها في سمينا إلى تطوير عمليتي التعليم والتدريس. ويهتم الفصل الثاني بعرض وتوصيف النموذج النظري والذي

الصفحة9

يربط جوانب التباين المختلفة بعضها ببعض. على امتداد فصول الكتاب. ونعرف في هذا الفصل ما نعنيه في استخدامنا للمفاهيم الأساسية: الخبرة: التباين: الوعي:

المقدمة/ الخلفية: والرؤية ذات الصلة. ويوضع هذا الفصل أيضاً بإيجاز. الطيف العريض الذي يضم وجهات النظر المختلفة حول التعلم والتدريس في التعليم العالي على المستويين البحثي والتطبيقي.

   وتتشابه الفصول 3-6 في بنيتها. ويستقل كل من هذه الفصول بذاته. لكنه في الوقت نفسه يبدي بنية قائمة على علاقة من النمط «مقدمة وخلفية». بين جوانب النموذج المختلفة، حيث يحتل الجانب الذي يمثل موضوع الفصل موقع المقدمة. بينما شكل الجوانب الأخرى الخلفية الطبيعية للنموذج، التي تساعد على إبراز معالم ذلك الجانب ودوره. ويستعرض كل من هذه الفصول بحوث تعلم الطلاب التي تهتم بالجانب الذي يركز عليه الفصل. ويناقش أهم المبادئ التطبيقية التي تقدمها نتائج تلك الأعمال البحثية لواقع العملية التدريسية. ويختتم كل فصل باستعراض بعض الأمثلة للنشاطات البحثية ضمن إطار الصف. والتي توضح تطبيق تلك المبادئ.

   ويركز الفصل 7 على التدريس، حيث يستعرض أحدث البحوث التي تعنى بخبرات التدريس. محاولاً الربط بين تصورات الأستاذ لماهية التدريس، وإدراكه لحالة التدريس التي يعيشها. ومنهجه في التعليم مع طرق تعلم الطلاب.

   وفي الفصل الأخير من الكتاب نقوم بجمع الرسائل المختلفة التي تقدمها الفصول السابقة. ونوجز انمكاسات ما طرحناه من أفكار وما خلصنا إليه من نتائج ومبادئ على صعيد تعلم الطلاب. والتدريس. والتطوير الأكاديمي في حقل التعليم المالي.

مايكل بروسر

كيث تريغويل


الصفحة 11


شكر وتقدير

   لقد ساهم أشخاص كثيرون بطرق متنوعة في فكرة هذا الكتاب وتطوره. ولقد كانت عملية جمع الأفكار وتنسيقها ونتائج البحوث التي ستتعرف عليها في فصول الكتاب. تراكمية امتدت على حقبة طويلة من الزمن. أما مصادر الإلهام فكانت كثيرة ومتنوعة، تضمنت فيما تضمنته ملاحظات الزملاء والأصدقاء. كما تضمنت أيضا الكثير من النقاشات الممتعة المثيرة والمحفزة، الرسمية وغير الرسمية. وتلقينا الدعم الفكري والمالي والمعنوي لجمع تلك الأفكار بعضها إلى بعض. كما تلقينا أيضاً الدعم اللازم للوصول بتلك الأفكار إلى الشكل الذي ألت إليه في صورة الكتاب الذي بين أيديكم. وعلى العموم فقد ارتاينا توزيع الأشخاص الذين نود هنا أن نشكر ونقدر لهم مساهماتهم في تطوير هذا الكتاب ضمن مجموعات ست.

   المجموعة الأولى: تضم الباحثين والأساتذة . الذين تعاونوا ممنا من خلال وضعهم أفكارنا. وبعضاً من أفكارهم الذاتية، موضع الاختبار العملي ضمن بيئة تدريس حقيقية على أرض الواقع. وقد اشتركنا مع الكثيرين منهم في إعداد العديد من نشر أوراق البحث. وبعض تلك الأوراق مشار إليه في الكتاب، في عدة مواقع من الفصول القادمة.

هؤلاء هم: جين بلاكويل. كريس كوب، كاثرين كراوفورد. جين ديفي، مارك غارنر، سو غوردون، مايكل جاكسون، روزماري ميلار، جيكي نيكولاس. أنا رايد، كارين سكولار.يان سيفتون، ريه سليت، فيليب تايلور، باول ووكر. وكارولاين ويب.

  ثم هناك مجموعة الدعم الأسري: تولت كاي نولان مهمة تنسيق فهرس المصطلحات، ورافقتنا جنباً إلى جنب مع كل من أولمبيا وانغريد ووكر. في رحلتنا الشيقة عبر محطات الكتاب. وقد من ملاحظاتهن حول مسودات النص. وتحملن ما أفسدناه عليهن من أيام العطل. كما تحملن معنا أيضا أياما صعبة أمضيناها في محاولات غير موفقة للتقدم في صياغة فقرات الكتاب.

الصفحة12

   ولقد ساعدنا ديفيد بود والخوض في هذه المغامرة. والتقدم إلى الناشر المناسب.وهو واحد من أفراد مجموعة البحث. التي تضم أيضاً الزميلات والزملاء: جون باين. جون بيغس، شيرلي بوث، جون بودن، غلوريا دال ألبا، نويل إنتويستل. إيلين مارتين. فيرينس مارتون، إيريك ماير، باول رامسدن. ويور غن ساندبيرغ. الذين كانوا جميعاً مورد إلهام لا ينضب. طرحنا أمامهم أفكارنا. وناقشناها معهم. استعرنا منهم أفكاراً جديدة. وتعلمنا منهم الكثير.

كما قدمت زميلاتنا وزملاؤنا في العمل. هيلين إدواردس. دينيس كير كباتريك.بريان لو، جيكي لابلين. جوماك كينزي، إيريكا مارتنس. آنا رايد، وفيونا ووترهاوس.

هامشا من الحرية، وبعض الدعم الأكاديمي. وبعض الملاحظات والتوجيهات القيمة 

   وفيما يخص طباعة الكتاب، نشكر للسيد جون سكيلتون والسيدة ليندا ووتكنس من دار النشر أوبن يونفير سيتي صبرهما وسعة صدريهما، عبر كفاحنا الطويل مع مواعيد التسليم. كما نشكر لدار النشر ما قدمته من دعم. بعد أن تمكنا في نهاية المطاف من تسليم النص.

   وأخيراً نشكر السادة أعضاء المجلس الأسترالي للبحث العلمي (1998-1988) .وكذلك السادة المحكمين الذين استعان بهم المجلس. على تكرمهم بتقديم الدعم المالي السخي والمنتظم. الذي أتاح لنا إمكانية إجراء القسم الأعظم من البحوث التي متمد عليها الكتاب. كما نشكر أيضا جميع الطاقات البشرية التي ساعدتنا. بتمويل كريم من المجلس، في إتمام تلك المشاريع البحثية.

الصفحة13



التعلم والتدريس في حقل التعليم العالي



سيناريو :

    أخفق أنتوني كابوس في اجتياز أحد مقررات الرياضيات الأساسية في عامه الجامعي الأول. أما ميليسا داريمه فقد نجحت في المقرر ذاته بدرجة امتياز. لقد تلقى الاثنان المنهج ذاته بواسطة الأساتذة ذاتهم. وقد حضرا نفس المحاضرات.وشاركا في التدريبات العملية عينها. وقدما الوظائف والواجبات ذاتها. كذلك فقد مصل الاثنان على علامات متقاربة في فحص القبول للدراسة الجامعية. ويزعم كل منهما أنه عمل بجد طيلة العام الدراسي. وما من سبب يدعو إلى التشكيك في مزاعم أي منهما. لماذا إذاً جاءت نتيجتاهما مختلفتين إلى ذلك الحد؟ ماذا عن خبراتهما التي من شأنها أن تساعد على فهم ذلك الاختلاف؟ هل كان بمقدور أساتذة المقرر استكشاف تلك الخبرات المتباينة. وكيف؟ ولنفرض جدلا أنهم قد عرفوا الطريق إلى ذلك. هل كان بمقدورهم عندها التأثير في النتيجة؟

   سوف نعالج هذه الأسئلة وغيرها من القضايا ذات الصلة في الصفحات القادمة من هذا الكتاب، محاولين في ذلك إعطاء أسائدة الجامعة فرصة حقيقية لإلقاء نظرة عميقة إلى داخل عالم التعلم الخاص الذي يعيشه طلابهم. ودعونا نلقي على سبيل المثال نظرة فاحصة إلى الصورة التي ترسمها ميليسا عن خبراتها. تقول ميليسا:

أهتم بالرياضيات كوسيلة لتطوير منهج تفكير منطقي أكثر من اهتمامي بها لغرض النجاح في المقرر الدراسي بحد ذاته...

وتتابع ميليسما موضحة:

الصفحة14

إن الرياضيات تمثل باعتقادي قبل كل شيء ألية تفكير. وهي ليست كأي من صنوف المعرفة التي يتلقاها المرء في دراسته لأي من المواد الأخرى. وأعتقد أن هذا الأمر هو بالتحديد ما يشدني بشكل خاص إلى الرياضيات ويدفعني إلى دراستها... حسناً. أعتقد أنفي أتعمد النظر إلى المقرر الدراسي بوصفه واحداً من الأجزاء الكثيرة المكونة للصورة الأكبر. وأحاول أن أرى كيف تنتظم أجزاء الصورة في مواضعها واحداً تلو الآخر. وأعتقد أنني إذا نجحت في الوصول إلى نظرة شاملة لأجزاء الصورة جميعها. فسوف أقدر على فهم الموضوع بشكل أفضل. حيث إنفي أستطيع عندها أن أرى في أي اتجاه تسير الأمور.وأين نستقر. وأعتقد أنه من الصعب على المرء الذي لا يتقن الرياضيات أن يستوضع في أي اتجاه تسير الأمور. أولئك الأشخاص يحصرون اهتمامهم في أمر واحد دون سواه. يتحدد في كل لحظة تبعاً لما تقتضيه الظروف.

وفيما يخص الطريق الذي تسلكه في دراستها تقول ميليسا:

إنتي أتممد الخوض في أكبر قدر من أنماط الأسئلة المختلفة. وأحاول في كل مرة أن أستوضع الصلات التي تربط الموضوع الذي بين يدي مع المواضيع الأخرى التي سبق أن درستها. وأن أستكمل أجزاء الصورة الكلية... عندما أضع أمامي كرّاس محاضرات المقرر. وأبدأ أقلب صفحاته فإن أول ما أسعى إليه هو فهم المبادئ الكامنة وراء الموضوع... إنني لا أعود إلى الوراء من وقت لآخر لأعاود التدرب على معالجة النمط ذاته من المسائل مرات ومرات. وقد أعود أحياناً خلال مراجعتي لمفردات المقرر قليلاً إلى الوراء. وأعاود حل النوع ذاته من المسائل مرة أخرى، لكنني عندما أنغمس في محاولة تعلم موضوع جديد أكتفي بمعالجة مسألة واحدة. أو مسألتين على الأكثر. من كل نمط من أنماط المسائل المتعلقة بذلك الموضوع.

وفي المقابل يقول أنتوني:

أرى أن الرياضيات عملية توظيف للطرق والتقنيات العددية في حل المسائل المختلفة. والأمر بنظري لا يتمدى حدود استخدام الأعداد بشيء من البراعة

الصفحة15

والإتقان. لكني مع ذلك أشعر أن الرياضيات قد تقوم بدورٍ مساعدٍ بالنسبة لطيف واسع من المواد والمقررات التي تنتظرنا في المستقبل.

ومن ثم يؤكد أنتوني نظرته هذه بوصفه الرياضيات بأنها:

  أعداد. وأعداد. ومسائل. وعملية إيجاد الإجابة المطلوبة لهذه المسألة أو تلك.

وعن الطرق التي يتبعها في الدراسة كتب أنتوني:

   غالباً ما أقرأ الخلاصات، وأحاول حفظ المعادلات غيبا عند الضرورة. كذلك فإنني أهتم أيضاً بحل المسائل. والإجابة على الأسئلة، ومراجعة أسئلة الدورات السابقة...

وقد دعم وصفه هذا بالتعليق الآتي:

لقد اعتدت على حل أسئلة الدورات السابقة. والتدرب على حل المسائل. وكتابة المعادلات والعلاقات الهامة. على أمل أن أنجح في استحضارها إلى ذهني أثناء الاختبار... وأعتقد أنفي أحاول ببساطة أن أحفظ تلك الأشياء غيباً. لا أكثر ولا أقل. ولا أعرف ما إذا كانت تلك الطريقة جيدة. ولكنفي...

    ولم لا يعمد أنتوني إلى الحفظ والاستظهار؟ ألم يكن الجزء الأكبر من دراسته لمادة الرياضيات خلال المرحلة الثانوية موجها باتجاه الحفظ والاستظهار؟ ألم يكن يطلب منه مراراً وتكراراً حل الأنماط القليلة ذاتها من المسائل؟ ألم يطلب منه أيضا الإجابة على مجموعة من الأسئلة التقليدية المكررة في اختبار القبول للدراسة الجامعية؟ ألم ينجز دراسته الثانوية بنجاح وبممدل جيد؟ ثم. ألم يحصل على القبول اللازم لدخول فرع الرياضيات الذي يتسابق إليه خيرة الطلاب؟ بلى. ولكن تلك كانت أيضا مسيرة ميليسا. ومع ذلك فقد جاء وصفها للطريقة التي تنتهجها في دراستها الجامعية مختلفا تماماً.

ويتجسد الموضوع المركزي لهذا الكتاب في التباينات بين الطلاب فيما يخص إدراكهم لعملية التعلم. وسوف نناقش حجتنا التي تقول بأن تلك الاختلافات إنما

الصفحة16

تبعث في معظمها من الاختلاف في حالة التعلم. كما يعيشها الطالب. وكما يراها منظاره الخاص. قد يشترك مجموعة من الطلاب في محيط التعلم ذاته. كما في مثال أنتوني وميليسا. إلا أن خبراتهم السابقة المتباينة كثيراً ما تجعل كل واحد منهم بنظر إلى حالة التعلم التي يعيشها بمنظار خاص مختلف تماماً عن مناظير الآخرين.

وهكذا فإن الطرق التي يتبعها أولئك الطلاب في تعاطيهم مع عملية التعلم تبدي تبايناً كبيراً فيما بينها. وكذلك هي أيضاً حال المستوى النوعي للمعرفة الذي يجنونه من دراستهم. ولكن ما معنى ذلك. وكيف ينعكس الأمر على عملية التدريس؟

تفسير :

  إن بعض البحوث المثيرة للاهتمام التي تناولت مسألة التعلم في التعليم العالي على مدى العشرين عاماً المنصرمة. وأكثرها التصاقا بجوهر الموضوع، لا تقدم قسيراً واضعاً لواقع أنتوني وميليسا فحسب، بل إنها تقدم لأساتذة الجامعات آلية فعالة للعمل على تحسين الجودة في قضايا التعلم. وتقترح تلك البحوث أن أمام كل طالب. مهما اختلفت قدراته. طرقاً أفضل. وأخرى أسوأ. في التعامل مع عملية التعلم. كذلك فإنها تقول للمدرسين إن إدخال بعض التعديل على طريقة التعلم من شأنه أن يحسن عملية التعلم وذلك عبر تحفيز الطلاب على انتهاج طرق التعلم الأكثر فعالية.

   وباختصار. فإن بحوث التعلم تصنف الطرق التي يتبعها الطلاب في التعلم، ضمن منهجين اثنين مختلفين نوعياً فيما بينهما (بيغس 1987 أ.ب: رامسدن. 1992:مارتون وآخرون. 1997). وفي المنهج الأول (المنهج المعمق) يسعى الطلاب إلى فهم الأفكار. وتقصي المعاني. إنهم يتلمسون في أنفسهم اهتماماً حقيقياً بالمسألة التي بين أيديهم. ويتوقعون أن يجدوا المتعة في حلها. كما إنهم يتبنون الإستراتيجيات التي تساعدهم على إرضاء فضولهم العلمي. كأن يعمدوا إلى التوفيق بين المسألة التي يواجهونها من جهة. ومعرفتهم وخبرتهم الذاتية من جهة أخرى: وأن يربطوا بين الحجة والبرهان. ويميزوا بينهما في الوقت ذاته: ويتقصوا نماذج الانتظام والمبادئ الكامنة وراءها: ويحاولوا دمج المسألة في بنيان وعيه العلمي: وينظروا إلى أجزاء

الصفحة17

المسألة بصفتها عناصر متكاملة تصنع الكل: ويعملوا على بناء تصوراتهم الخاصة عن ذلك الكل: ويضعوا الفرضيات المختلفة: ويحاولوا الاستفادة مما يعرفونه عن أجزاء أخرى من الموضوع ذاته. والمواضيع الأخرى ذات الصلة. وهم في كل ما يفعلونه يركزون اهتمامهم دوماً على المعفى والمضمون: في الحجة: وفي الفكرة: وكذلك أيضاً في العلاقات. لكنهم يدركون بالمقابل أن المعاني لا تنفصل عن الكلمات والنص والمعادلات التي تحملها. ذلك هو المنهج الذي تتبناه ميليسا في تعاملها مع مادة الرياضيات.

  وفي المنهج الآخر (المنهج السطحي) ينظر الطلاب إلى المهام على أنها واجبات مفروضة عليهم من الخارج، ويحاولون التكيف مع الموقف عبر أداء تلك الواجبات.

أما دوافعهم إلى ذلك فتغلب عليها الطبيعة العملية أو العملياتية، إذ إنهم يسعون إلى إنجاز الواجبات التي تمليها المهام بأقل قدر ممكن من الجهد. وهم يتبنون إستراتيجيات تتضمن التركيز على أجزاء منفصلة من المهمة: ومعالجة الأجزاء المترابطة بشكل منفصل (كما في حالة المبادئ والأمثلة): والتركيز على المعلومات التي تبدو أساسية (المعطيات والقيم العددية وتمثيلها الرمزي) : واستحضار المعلومات الأساسية بأكبر قدر ممكن من الدقة: واستظهار المعلومة بهدف الفوز بتقدير جيد لا بهدف الفهم. وعلى العموم فإن هذا الفوع من الطلاب يبدو أنهم منغمسون في الدراسة دون الاهتمام بانعكاسات تلك الدراسة على الهدف أو الإستراتيجية. إذ إن جل اهتمامهم في دراستهم يتركز على الكلمات: والنص: والمعادلات. وهذا هو المنهج الذي أشار إليه أنتوني.

    وبينما لا يمكن اعتبار منهج التعلم واحدة من الصفات المميزة للطالب (وعلى سبيل المثال يمكن لميليسا أن تتبنى منهجا معمقاً في تعاملها مع واحد من مقررات الرياضيات، وتتبع في مرحلة لاحقة منهجاً سطحياً في التعاطي مع هذا الموضوع أو ذاك في بعض المقررات الدراسية الأخرى). فإن هناك ارتباطاً وثيقاً بين المنهج الذي يتبعه الطالب من جهة، ونوعية الناتج الذي يحصده من عملية التعلم من جهة أخرى. لقد فشل أنتوني في اجتياز الاختبار. بينما نجحت ميليسا في الاختبار ذاته بدرجة امتياز.

الصفحة 18

كذلك فقد فشل أنتوني في إدراك أهمية الرياضيات والدور والخدمات الجليلة التي

من شأنها أن تقدمها في مجالات العلوم الأخرى. أما ميليسا فقد رأت في الرياضيات اليات للتفكير المنطقي التجريدي، يمكن استخدامها لدراسة طيف واسع من المسائل.وإيجاد الحلول المناسبة لها. ولقد أظهرت دراسة قام بها مجموعة من الباحثين المختصين في جامعة غوتتبرغ في السويد أن الفوارق النوعية في مخرجات التعلم ترتبط ارتباطاً وثيقا بالاختلافات النوعية في المنهج المتبع في عملية التعلم (مارتون وسيلجوي. 1997). وقد جرى التحقق من نتائج ذلك العمل من خلال العديد من الدراسات اللاحقة. وكذلك فقد جرى توسيع العمل في اتجاهات عدة ( كما سوف نرى في الفصل 2). تؤكد نتائج تلك الدراسات قاطبة. ودون أي استثناء. أن المنهج المعمق في التعلم يقترن غالباً بنتائج ذات مستوى نوعي أعلى. إن مخرجات التعلم أو سبل الفهم التي تقوم على تصورات أكثر اكتمالاً حول جوانب الموضوع وأبعاده المختلفة.تتمتع بمستوى نوعي أرفع من تلك التي تبنى على تصورات ضيقة محدودة. كذلك فإن الطلاب الذين يتمتعون بالقدرة على رؤية الروابط بين العناصر المختلفة التي تكون فهمهم الخاص للموضوع. ويدركون سبل توظيف ذلك الفهم وتلك الروابط والعلاقات في سياق تجريدي جديد. يحققون في عملية التعلم نتائج نوعية أعلى بالمقارنة مع أقرانهم الذين لا يملكون القدرة على ذلك.

   وتتمتع هذه النتيجة بأهمية فائقة. تجعل من الصعب علينا أن نوفيها حقها من الاهتمام. إن الطريق التي يسلكها الطالب في تعامله مع عملية التعلم. ترتبط ارتباطاً عضويا بنوعية النتائج التي يحققها. والطلاب الذين يتبعون منهجيا سطحيا في التعلم. من غير المتوقع أن يبلغوا في فهمهم للمادة المستوى الذي ينبغي على الطالب الجامعي بلوغه. وتأتي هذه النتيجة مناقضة للنتائج التي تخلص إليها أنواع أخرى من البحوث المهتمة بموضوع التعلم عند الطلاب في التعليم العالي. والتي لا تبدي صلات واضحة أو مفيدة من هذا القبيل.

   لكن أهمية نتائج أعمال البحث تلك. والفائدة المتوخاة منها لا تقفان عند هذا الحد. ذلك أن تلك النتائج تقول أيضاً إن وعي الطالب لبيئة التعلم التي يعيشها يرتبط بدوره بمنهج التعلم الذي يتبعه. وهذا يمني أن منهج التعلم مفهوم نسبي.

الصفحة 19

وفي هذا الإطار يتحدث رامسدن (1992) عن دراسات تناولت العلاقات بين إدراك الطلاب لبيئة التعلم التي يعيشونها، وتبين منهج التعلم الذي يتبعونه. وتبين هذه الدراسات أن الطلاب الذين يمتقدون أن طبيعة التقويم تمثل حافزاً على استظهار المعلومة واستحضارها عند اللزوم. ويشعرون بأن المقرر الدراسي يثقل كاهلهم بأعباء جسيمة. يميلون في الغالب إلى اتباع منهج سطحي في التعلم. أما المنهج العميق فتبيّن الدراسات أنه يقترن بنظرة إيجابية لدى الطلاب. تجاه المستوى النوعي للعملية التدريسية. وكذلك أيضاً بقدر من الحرية في انتقاء المواضيع التي تستحق الاهتمام.فضلاً عن الوعي الواضع للأهداف التي ينبغي بلوغها والمعايير التي ينبغي تحقيقها في الموضوع (تريفويل وبروسر، 1991 ب).

  وينتج عن ذلك أن أساتذة الجامعات إذا ما أرادوا العمل على تطوير مناهج التعلم التي يتبعها طلابهم. وتحسين المستوى النوعي للنتائج التي يحققونها. فإن عليهم أن يستكشفوا قبل كل شيء نظرة الطلاب إلى عملية التقويم وإلى أعباء الدراسة: ودرجة وضوح رؤيتهم للأهداف والمعايير: وكذلك نظرتهم إلى نوعية التدريس الذي يتلقونه.

ورؤيتهم لخيارات التعلم المتاحة أمامهم. إن إدخال التمديل إلى المحيط التدريسي.

وإلى سياق تقديم المعلومة. بقصد إحداث تغيير إيجابي في إدراك الطلاب لواقع عملية التعلم من شأنه أن يجسد إستراتيجية هامة لتطوير عملية التعلم. والارتقاء بمستواها النوعي. وربما يكون الاختلاف في إدراك الطلاب لواقعهم مرتبطا مع الاختلاف في منهج التعلم الذي يتبعونه. وتصف ميليسا رؤيتها للعملية التدريسية في مادة الرياضيات بأنها عملية تقوم على تحفيز النقاش ضمن مجموعات مصفرة.لساعدة كل فرد على استكشاف تفكير الآخرين. أما أنتوني فيمتقد أن من الممكن أن يحقق الطالب درجات أعلى إذا ما أحسن التدرّب على المسائل: واستظهار المعلومات:واستحضارها في الامتحان. ومنهجه في التعلم موجه تماماً في ذلك الاتجاه.

   وهناك بعد ثالث لفوائد هذا النوع من البحث وآفاق استخدامه. ولقد تبين أن منهج التعلم الذي يتبعه الطالب ( معمقا كان أو سطحياً) لا ينفصل عن تصوراته الشخصية حول عملية التعلم. وحول المادة التي يتعلمها. فالطلاب الذين يتصورون

الصفحة 20    

تعلم موضوع ما. على أنه بشكل أو بآخر زيادة حجم المعرفة. أو حفظ المزيد من المعلومات في الذاكرة، نادراً ما يميلون إلى اعتماد منهج معمق في التعلم. وبالمقابل فإن الطلاب الذين يبنون تصورات أكثر تكاملاً. كأن ينظروا إلى عملية التعلم على أنها محاولة لتجريد المعاني والمضامين. أو عملية تفسيرية تهدف إلى فهم الحقيقة.يميلون غالباً إلى تبني المنهج المعمق في التعلم (مارتون وسيلجوي، 56 :1997).ينظر أنتوني إلى تعلم الرياضيات على أنه عملية قوامها التدرب على حل المسائل العددية: إنه يتعلم الرياضيات بتصورات محدودة حول طبيعة عملية التعلم. وهو ينظر إلى الرياضيات كملم يختص بدراسة الأعداد وتطبيقاتها في مجالات العلوم الأخرى، وفي عالمنا المادي، إنه يتعلم الرياضيات، بتصورات محدودة حول طبيعة مادة الرياضيات. وإذا لم يعمد أنتوني إلى تطوير القدرة على إدراك عملية التعلم كمملية تتجاوز بوضوح حدود الزيادة الكمية في حجم المعرفة التي يمكن للمرء أن كتسبها عبر الاستظهار والحفظ والتدرّب. فإنه سوف يواجه صعوبة بالغة في تطوير الخبرات اللازمة لبلوغ مستوى نوعي أرفع في عملية التعلم. وإذا لم يغلح أنتوني في رؤية الرياضيات كنظام منطقي متكامل. يصلح للاستخدام في حل المسائل المعقدة.فإنه سوف يجد صعوبة بالغة في تطوير الخبرات التي تسمح بالارتقاء بالمستوى النوعي لعملية التعلم (كراوفورد وآخرون، 1998 .1994 أ). إن تصورات الطالب مملية التعلم ولطبيعة المادة التي يتعلمها. قد تكون أيضا من العوامل الجدية. التي من شأنها أن تؤدي إلى محدودية منهج التعلم الذي يمكن للطالب أن ينتهجه.

   لقد ركب كل من ميليسا وانتوني قطار الدراسة الجامعية، حاملين في جعبتهما خبرات سابقة مختلفة عن خبرات الآخر، سواء فيما يخص تعلم الرياضيات. أو فيما خص رؤيتهما لطبيعة تلك المادة. إن هذا التباين في الخبرات السابقة يؤدي إلى نشوء حالات تعلم متباينة. تختلف من طالب لأخر. حتى وإن تقاسم الطلاب جميعهم محيط التعلم عينه. وبدوره فإن التباين في حالات التعلم يقود بالطبع إلى الاختلاف بين الطلاب في إدراك حالة التعلم التي يعيشها. ويدرك أنتوني حالته على أنها تدعم المنهج السطحي في التعلم. بينما ترى ميليسا حالة التعلم التي تعيشها كحالة محفزة

الصفحة 21

على اتباع المنهج المعمق. وفي هذا الإطار ماذا يعرف أساتذة الجامعات عن إدراك طلابهم لواقع التعلم الذي يعيشونه. وماذا يفعلون في هذا الخصوص؟ سوف نتابع هذه التساؤلات في الفقرة القادمة، وبمزيد من العمق في الفصول 3-7.

   إن هذا النوع من البحوث. الذي يحاول سبر واقع عملية التعلم عند الطالب من وجهة نظر نسبية علاقاتية. بمثل ركيزة إضافية تدعم الرسالة الأساسية التي يقدمها هذا الكتاب. فهو يبني على قاعدة الدراسات الخصبة التي تناولت الطرق والمناهج التي يتبعها الطلاب في التعلم (مارتون وسيلجوي، 1997) وكيفية إدراكهم لطبيعة عملية التعلم (سيلجوي، 1979). ولقد سبق أن تم استمراض ذلك الاتجاه البحثي بكل تفاصيله في أعمال ومراجع أخرى. لكل من مارتون ورفاقه (1997): ورامسدن(1992). وسوف نأتي بدورنا أيضاً  إلى وصف هذا النوع من البحث بمزيد من التفصيل في الفصول 6 - 2 منطلقين في ذلك من رؤيتنا الخاصة للموضوع من زاوية التباين بين طالب وآخر. وسوف نستكشف العلاقات التي تربط بين تصورات الطلاب للتعلم: وإدراكهم لبيئة التعلم التي يميشونها: ومنهج التعلم الذي يتبمونه: ومخرجات التعلم في التعليم العالي

التدريس:

   بالنظر إلى ما يلاحظه أساتذة الجامعة من تباين كبير بين طلابهم فيما يخص مسألة التعلم يمكن القول بأن ميليسا وأنتوني يحتلان موقمين متطرفين بين أقرانهما.ونحاول في هذا الكتاب أن نقدم التفسير لهذا التباين، وأن نخلص عبر ذلك التفسير إلى الوسيلة الناجعة لمعالجة مختلف القضايا الناجمة عن ذلك التباين. إن الطلاب المستجدين من أمثال ميليسا وأنتوني يدخلون أجواء التعلم والتدريس. التي يحدد معالمها أساتذة الجامعة أنفسهم. حاملين معهم الخبرات السابقة فيما بخص مسألة الدراسة. ولدى دخولهم تلك الأجواء. فإن الحالة التي يجدون أنفسهم فيها. توقظ لديهم جوانب معينة من تلك الخبرات السابقة. أو تدفع بتلك الجوانب إلى الواجهة.وعلى سبيل المثال فإن الحالة الجديدة التي يعيشها أنتوني في تعلمه الرياضيات في 

الصفحة22

الجامعة قد توقظ لديه الوعي بجملة من المعادلات والعلاقات الرياضية، كان قد حفظها غيباً خلال مرحلة الدراسة الثانوية: والوعي بأنه كان يكره حسابات التفاضل والتكامل: والوعي بأنه يملك القدرة على النجاح في هذه المادة: والوعي بطيف واسع من المفاهيم الرياضية والأفكار المنفصلة كلياً. بعضها عن بعض: والوعي بأن الرياضيات كانت تعني له بشكل أساسي التعامل مع الأعداد والمعادلات: والوعي بأنه قد تمكن من النجاح في تلك المادة عبر العمل الدؤوب مع رفاقه. والتدرب على أنماط المسائل المختلفة المطروحة في مقرر المادة: والوعي بأن مادة الرياضيات في الجامعة تقتقر إلى البرنامج الزمني الواضع والمواعيد الملزمة. كما تفتقر أيضاً إلى وضوح الأهداف والتوقعات. إذا ما قورنت برياضيات المرحلة الثانوية. إن تلك الجوانب من خبراته السابقة قد استيقظت من سباتها وتحركت إلى الواجهة. بتحريض من الحالة التي يجد نفسه فيها الآن. لقد سبق لأنتوني أن نجح في امتحانات سابقة تضمنت المعلومات الأساسية في الرياضيات. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن الحالة الجديدة سوف توقظ لديه الوعي ذاته الذي قاده حينها إلى تجربته الناجحة تلك. إننا نعلم أن لتلك الخبرات السابقة المنبعثة إلى الوعي أهمية خاصة فيما يتعلق بنوعية التعلم في الحالة الجديدة، كما نعلم أيضاً أن محيط التعلم الجديد وكذلك إدراك الطالب لذلك المحيط. لا يقلان أهمية بهذا الخصوص. إذاً. ماذا الذي يمكن أن نستقرئه من ذلك بخصوص طرق التدريس وسبل مساعدة الطلاب على التعلم؟

  إن الإجابة على هذا السؤال تجسد إلى حد بعيد موضوع هذا الكتاب. وسوف نبعث عن تلك الإجابة عبر جملة من الأسئلة الفرعية التي قد تتبادر إلى ذهن المدرس خلال بحثه عن إجابة شافية لذلك السؤال. وكل من الأسئلة الفرعية تلك. يمثل بعد ذاته جزءا من الإجابة المنشودة لذلك السؤال الجوهري الكبير. ومن أمثلة تلك الأسئلة الفرعية:

• ما هي طبيعة التوجهات السابقة لدى الطلاب حيال مسألة التعلم. وماذا عن درجة التباين في طبيعة تلك التوجهات؟

الصفحة23

• ما هي طبيعة الرؤية المتفاوتة لدى الطلاب، حيال ما يقصد بالتعلم والفهم ومضمون المادة الدراسية، عند التحاقهم بالدراسة الجامعية؟

• ما نوع الأمور التي تستحوذ اهتمام الطلاب. وتستأثر بوعيهم عند دراسة مقرراتهم؟

• ما طبيعة العلاقة بين ما يستحوذ على اهتمام الطلاب ووعيهم من جهة.

والمخططات التي وضعها أساتذة الجامعة للمقررات الدراسية من جهة أخرى؟

• ما طبيعة أثر هذا التباين في الرؤية على جودة التعلم عند الطلاب؟

• كيف يقوم الطلاب بدراستهم؟ وكيف يستكشف أساتذة الجامعة ماهية تعامل طلابهم مع دراستهم؟ وماذا يمكن لأساتذة الجامعة أن يفعلوا إذا ما أرادوا التأثير في تعامل طلابهم مع مفهوم الدراسة؟

• ماذا يتعلم الطلاب؟ كيف يستكشف أساتذة الجامعة ما يتعلمه طلابهم؟

• هل يختلف الطلاب في حجم ما يتعلمه كل واحد منهم حول موضوع ما. أم إنهم يختلفون في فهمهم للموضوع؟

• هل يحسن الطلاب الإفادة مما تعلموه؟ أي الجوانب مما تعلموه يصحبونه معهم خارج المقرر الدراسي؟

  وكما يتباين الطلاب في طريقة تعاطيهم مع عملية التعلم. يتباين أساتذة الجامعة بدورهم أيضاً في طريقة تعاطيهم مع عملية التدريس. إن إدراكهم لمهمتهم التدريسية: وكذلك طرق التدريس التي يتبعونها: والنتائج التي تفضي إليها طرقهم:تختلف جميعها ضمن إطار المحيط التدريسي الواحد من جهة: ومن محيط إلى آخر من جهة أخرى. وبينما جد هذا النوع من التباين محور اهتمام الكثير من الأعمال على صعيد البحث في مسألة التعلم عند الطلاب خلال العقد المنصرم. فإن البحث المشابه في مسألة التدريس حظي بقدر قلبل من الاهتمام لتطوير التعلم والتدريس.

الصفحة 24

وذلك بالرغم من حقيقة أن هذا النوع من البحث له آثار كبيرة على الواقع التطبيقي العملية التدريسية.

   لقد أشرنا في الفقرة السابقة إلى اعتقادنا الراسخ (والذي تدعمه نتائج البحث التي عرضناها في الفقرة السابقة وسوف نعاود عرضها بمزيد من التفصيل على امتداد الفصول القادمة) بأن أمام الطلاب طرقاً أفضل وأخرى أسواً فيما يخص تعاطيهم مع مسألة التعلم. المنهج المعمق أفضل من المنهج السطحي. وتشير بحوث أخرى من طبيعة مشابهة إلى أن أمام أساتذة الجامعة طرقاً أفضل وأخرى أسوا للتماطي مع مسألة التدريسي. وإن هناك طرقاً أفضل وأخرى أسوا لتحفيز هذا المنهج التدريسي أو ذاك. إن كلا من الأسئلة الواردة أعلاه يركز على جوانب معينة لمسألة التعلم عند الطلاب. ويمثل البحث عن إجابات شافية لتلك الأسئلة جزءأ هاماً من المنهج الأفضل في التماطي مع مسألة التدريس. وتقدم الإجابات بحد ذاتها المعطيات التي يحتاجها أساتذة الجامعة في مواجهة السؤال الجوهري الأهم: «ماذا يمكن لأساتذة الجامعة أن يقدموا من أجل تحسين المستوى النوعي لمملية التعلم عند الطلاب؟. إن مبادئ التطبيق العملي لمهام التدريس المستقاة من المنهج الذي يقدمه هذا الكتاب. والأمثلة المستخدمة في إيضاح تلك المبادئ، من شأنها أن تدفع بأساتذة الجامعة إلى المضي قدماً نحو مواجهة ذلك السؤال الجوهري وما بعده.

   وببلوغ مرحلة القدرة لمواجهة السؤال الجوهري الحاسم. يكون أساتذة الجامعة قد أتموا إنجاز طيف واسع من الدراسات حول خبرة التعلم عند الطلاب. وهذه الأخيرة لا تمثل قاعدة بيانات لا غنى عنها في عملية تطوير مستوى التعلم والتدريس نحسب، بل هي في الوقت ذاته مورد خصب. يستفيد منه الباحثون في إغناء الأدبيات المختصة بنشر أوراق البحوث الجديدة.

البحث في التدريس:

سبق أن أشرنا في فقرة سابقة إلى جاذبية وملادمة البحث الذي بمثل الركيزة الأساسية لهذا الكتاب وأهميته. وهو إنما يستمد سحره وجاذبيته من عاملين اثنين.

الصفحة 25 

يرتبط أحدهما بالآخر. أولاً: كافة المعطيات التي تم جمعها ضمن إطار البحث تعود إلى الطلاب أو الأساتذة أنفسهم. وذلك ضمن الشروط الطبيعية لبيئة التعلم أو التدريس التي يعيشونها. إنهم هنا لا يتصنعون شيئاً ولا يمارسون التعلم والتدريس خارج حدود بيئتهما الطبيعية. وثانياً: إن تلك المعطيات هي في مجملها تقارير ذاتية مقدمة من الطلاب أو من الأساتذة. يتحدثون فيها عن خبراتهم الخاصة، وليممت تقارير لباحثين مستقلين قاموا بمراقبة سلوك الطلاب أو الأساتذة. وبالإضافة إلى ذلك فإن نتائج البحث تقول أيضاً إن باستطاعة أساتذة الجامعة أن يساهموا جدياً في تطوير عملية التعلم عند طلابهم، لا عبر محاولة تغيير الطالب، وإنما عبر العمل على إدخال بعض التغيير إلى محيط التعلم كما يدركه الطالب بمنظوره الخاص.ويتمتع هذا النوع من التغيير بجاذبية خاصة لدى بعض أساتذة الجامعة وينسجم مع تطلعاتهم نحو مستقبل أفضل للتعلم والتدريس.

   لقد استندنا في هذا التحليل إلى بحث صادر من داخل بيئة التعلم والتدريس التي يعيشها الطلاب والأساتذة. وموجه في الوقت ذاته إلى الطلاب والأساتذة أنفسهم.وهو بذلك يساهم أيضاً في ردم الهوة التي تفصل البحث التدريسي عن الواقع التطبيقي للعملية التدريصية في التعليم العالي. ويتيح إن الجزء الأكبر من جوانب هذا النوع من البحث لأساتذة الجامعة إمكانية التطبيق العملي المباشر داخل حدود بيئتهم التدريسية الخاصة.

    وتكمن نقطة البداية التي ينطلق منها هذا الكتاب في مناقشة بعض الطرق التي تسمع لأساتذة الجامعة باستكشاف خبرات التعلم عند طلابهم. ويتضمن الكتاب العديد من الأمثلة لدراسات ميدانية قام بها أساتذة الجامعة بهدف استكشاف تلك الخبرات. كما إنه يقدم معلومات هامة حول طرق البحث التي يحتاجها أساتذة الجامعة المهتمون باستكشاف بيئة التعلم والتدريس المحيطة بهم. للانطلاق في رحلة البحث التي يترقبونها.

  ولتأخذ مثلا الدراسة التي قدمت المعطيات المستخدمة في التحليلات المتعلقة ميليسا وأنتوني. فلا جدل بأن الأسماء الواردة في تلك الدراسة وهمية. لكن

الصفحة 26  

المعطيات الموضوعية مأخوذة بمجملها من دراسة أجريت على طلاب السنة الأولى في فرع الرياضيات في إحدى الجامعات الأسترالية. وفي ثلاثة تقارير علمية نتجت عن تلك الدراسة قدم الباحثون معلومات هامة تضمنت تصورات الطلاب حول الرياضيات: وإدراكهم لحالة التعلم التي يعيشونها: ومنهج التعلم الذي يتبعونه في تعاطيهم مع مادة الرياضيات: ونتائجهم التي تجسد حصيلة جهدهم في تعلم الرياضيات: وكذلك أيضا مختلف الروابط التي تربط تلك المتغيرات بعضها ببعض (كراوفورد وآخرون. 1998.1994 أ. ب). ونظراً لما تتمتع به تلك الدراسة من العمق والشمولية فقد عمدنا إلى الإفادة من نتائجها على امتداد فصول هذا الكتاب. لقد بدأت تلك الدراسة كدراسة كيفية، أي ذات طابع كيفي لا كمي. وقد قامت على قاعدة الإجابات الخطية للطلاب على جملة من الأسئلة المفتوحة التي طرحت عليهم، وسوف تطرق إلى طبيعة تلك الأسئلة بشيء من التفصيل في فقرة لاحقة من الكتاب. وفي المرحلة الثانية من الدراسة تم انتقاء مجموعة مصغرة من الطلاب. وأجريت معهم مقابلات مطولة تناولت الموضوع بمزيد من العمق. وأعطي فيها الطلاب الفرصة لدعم إجاباتهم المكتوبة بمزيد من الشرح، أو رفدها ببعض الجوانب الإضافية. وقد قدمت لك المقابلات إغناء كبيراً لقاعدة المعطيات المكتوبة. وسوف نأتي لاحقاً على وصف الطرق الكيفية التي استخدمت في تحليل تلك المعطيات. واستخدمت كذلك طرق كمية ضمنت التحليل الترابطي والعاملي والعنقودي. وذلك بهدف إظهار الصلات التي تربط بين المتغيرات المختلفة. وقد جرى عرض النتائج بأسلوب نموذ جي يبين ملاءمة تلك الطرق لطبيعة هذا النوع من أنواع البحث.

    ويعتمد تحسين عمليتي التعلم والتدريص بالدرجة الأولى على تطور البحث والدراسات المتعلقة بالتدريس. وقد اختيرت النتائج الأعمال البحثية المقدمة في هذا الكتاب بحيث تتبح لأعضاء هيئة التدريس في التعليم العالي إمكانية التطبيق العملي من جهة. وتفتح لهم في الوقت ذاته أبواب البحث والمتابعة من جهة أخرى. لذلك فإن لكتاب يطرح نفسه كمورد وحافز بأن معاً: مورد للمعلومات المتعلقة ببيئة الدراسة الجامعية. وحافز لأساتذة الجامعات لتقديم مساهماتهم.

الصفحة 27

نستعرض في الفصول القادمة من هذا الكتاب نموذجا عملياً لتطوير التدريس في التعليم العالي. ويقوم هذا النموذج على قاعدة نتائج بحوث التعلم عند الطلاب، محاولاً تبيان العلاقة بين أفكار أساتذة الجامعة وعملهم: وأفكار الطلاب وأفعالهم: والمستوى النوعي لمخرجات التعلم. ويربط النموذج بين الخبرات السابقة التي يحملها الطالب في جعبته عند التحاقه بالجامعة. وبين كل من إدراكه لبيئة التعلم التي يعيشها. ومنهج التعلم الذي يتبعه. وناتج عملية التعلم. ويركز الكتاب بشكل أساسي على الاختلاف بين الطلاب في كل من تلك الجوانب، وكذلك على العلاقة بين الاختلاف القائم في أحد هذه الجوانب. وما يقابله من اختلاف في الجوانب الأخرى.

خلاصة الفصل الأول:

    قدمنا في هذا الفصل لمحة موجزة لمجمل محتوى الكتاب. وأشرنا إلى الجوانب التي من شأنها أن تجمل منه كتاباً ذا أهمية خاصة بالنسبة لأساتذة الجامعة. لقد أشرنا إلى أنه كتاب يهتم بالتدريس من وجهة نظر ترابطية، بمعنى أن إدراك الطلاب لحالة التعلم التي يعيشونها يوقظ لديهم بعضاً من خبراتهم السابقة. وهذه بدورها تؤثر في منهج التعلم الذي يتبعونه، وفي النتائج التي يحققونها. كذلك فقد ألمحنا إلى أن الآثار العملية: على صعيد واقع التدريس وإعداد المقررات الدراسية: وكذلك أيضا على صعيد البحث، سوف تنال حقها من المناقشة في كل فصل من الفصول القادمة. وسوف تشكل القاعدة التي تحدد القيمة الحقيقية لهذا الكتاب بالنسبة للواقع التطبيقي لممليتي التعلم والتدريس. والمتابعة الأكاديمية للتعلم والتدريس.

   ولقد رأينا كيف أن اثقين من طلاب الرياضات، ميليسا وأنتوني. عبر التحاقهما بالدراسة الجامعية. ولديهما خبرات سابقة مختلفة تماماً فيما يخص تعلم الرياضيات.وتصورات مختلفة تماما حول طبيعة الرياضيات. وقد أدى ذلك الاختلاف في الخبرات السابقة إلى نشوء حالتي تعلم مختلفتين عند الاثنين اللذين يتقاسمان محيط التعلم ذاته. وبالطبع فقد نما لدى كل منهما إدراكه المختلف بحالة التعلم التي يعيشها.

الصفحة 28 

لقد وجد أنتوني أن حالته تدفعه إلى انتهاج منهج سطحي في التعلم. أما ميليسا فقد أدركت حالة التعلم التي تعيشها كحالة تشجع على اتباع منهج معمق في التعلم. ولقد رسب أنتوني في اختبار المادة، بينما نجعت ميليسا بتقدير امتياز.

الصفحة 29



نموذج لفهم التعلم والتدريس في حقل التعليم العالي



مقدمة :

   قدمنا في الفصل الأول لمحة موجزة عن مجمل محتوى الكتاب: التركيز على ظاهرة التباين بين فرد وآخر. ومناقشة الروابط التي تربط بين الخبرات السابقة للطلاب.ومنهج التعلم الذي يتبعونه. وجودة مخرجات التعلم. وقد ركزنا في حديثنا بشكل خاص على المكانة المميزة التي يحتلها إدراك الطلاب لحالة التعلم التي يعيشونها. وأشرنا إلى أن أساتذة الجامعة مدعوون للإفادة من تلك المعلومة في إدارتهم للتدريس.لكننا لم نتطرق إلى الحديث عن النموذج أو أي من الأفكار النظرية التي يقوم عليها بنيان هذا الكتاب. بل أرجأنا ذلك إلى صفحات هذا الفصل الذي خصصناه لمرض النموذج بكل ما فيه من أفكار وتفاصيل. ويهتم النموذج بالربط بين مختلف جوانب خبرات التعلم عند الطلاب، أما الأفكار النظرية فيجري استقراؤها من الواقع بمنظار وصفي ظاهري. وعلى وجه الخصوص فإن تلك الأفكار تقول إن العالم كما يراه الطلاب والمدرسون ليس عالماً ثنائياً. هذا يعني أن خبرات الطلاب والمدرسين لا تتكون بمعزل عن عالم التعلم والتدريس الذي يحتضن نشاطهم. بل إن تلك الخبرات وذلك العالم يتشكلان جنباً إلى جنب في جو من التأثير المتبادل. بهذا المعنى يمكن القول إن عالم التعلم والتدريس عالم منفعل يتأثر بخبرات من فيه. ومن وجهة النظر هذه يمكن القول أيضاً إن خبرات الطلاب والمدرسين هي على الدوام خبرات متعلقة بموضوع ما. فالطلاب لا يكتسبون خبرات تعلم مطلقة وإنما هي دائما خبرات تعلم مرتبطة بموضوع ما. وكذلك حال المدرسين، فالمدرس لا يكتسب خبرة تدريس مطلقة.وإنما خبرة تدريس متعلقة بموضوع ما (مارتون وبوث، 1997).

الصفحة 30  

  إننا في اقتراحنا نموذجاً يساعد على فهم وتوصيف الأشكال المختلفة لخبرات التعلم والتدريس وطرق اكتساب تلك الخبرات، نعي تماما أن أي محاولة لفمذجة ظاهرة معقدة من هذا النوع. لا بد أن تقوم على تبسيط تلك الظاهرة. ونحن هنا صدد اقتراح نموذج يكون لفا الأداة الناجعة في تحليل ظاهرة شديدة التعقيد، تتمثل في خبرات التعلم والتدريس عند الطلاب والمدرسين.

  ولما كانت الأفكار التي يقوم عليها النموذج بمثابة الخلفية التي ينبغي على القارئ أن ينظر إلى باقي محتويات الكتاب في ضوئها. فإننا لا نجد بديلاً من الاعتراف مسبقاً بأنها قد لا تكون على نفس الدرجة من الأهمية بالنسبة لجميع القراء. وكذلك فإن الخوض في غمارها لن يكون على نفس الدرجة من السهولة. وحرصاً منا على استيعاب ذلك الاختلاف فقد ختمنا هذا الفصل بخلاصة موسعة، تتضمن مجمل العناصر الرئيسة لتلك الأفكار. إلى جانب وصف موجز للنموذج الذي يمثل القاسم المشترك لباقي محتويات الكتاب.

يعالج هذا الفصل العديد من القضايا التالية:

• ما هي النماذج النظرية التي استخدمت لفرض إضفاء المعنى والانسجام على الواقع التطبيقي للتعلم والتدريس في التعليم العالي؟

• هل يعني التدريس من حيث المبدأ نقل المعلومات من المعلم إلى المتعلم. أم إنه.

كما نود أن نثبت في هذا الكتاب. يدور حول خلق البيئة المناسبة التي تجعل التعلم ممكنا؟

• وبافتراض صحة رؤيتنا الأخيرة تلك للتدريس. ماذا يمني ذلك؟ ماذا تقول تلك الرؤية بخصوص السبل التي ينبغي أن يسلكها أساتذة الجامعة في رؤيتهم لعملية التعلم والتدريس، وفي ممارستهم العملية لنشاطهم التدريسي؟

• هل يختلف كل من أساتذة الجامعة والطلاب في رؤيتهم لعملية التعلم والتدريس؟ وإذا كان الأمر كذلك. فما هو جوهر ذلك الاختلاف؟

الصفحة 31  

   سوف نعرض وجهة نظرنا التي تقول إن التعلم والتدريس عمليتان متلازمتان. وإن التدريس الجيد ينبغي أن يصاغ تمريفه قياساً على فعاليته في مساعدة الطلاب على التعلم: وينبغي أن يوجه اهتمامه إلى سير عملية التعلم عند الطلاب. لا إلى طبيعة النشاطات التدريسية التي يقدمها الأساتذة. وسوف نبين أن التدريس الجيد يقوم على التقريب بين رؤية أساتذة الجامعة. وفهمهم لمسألة التعلم والتدريس (وعيهم للتعلم والتدريس). ورؤية الطلاب. وفهمهم لتلك المسألة. وأن التعلم الجيد يقتضي أن يركز الطلاب على المعنى وأن يسعوا إلى فهم مضمون المادة التي يدرسونها.

   سوف نقدم حجتنا التي تقضي بأن أساتذة الجامعة وطلابها ينظرون إلى بيئة التعلم والتدريس التي تجمعهم معاً. كلٌّ بمنظاره الخاص. إننا نعتقد أن التدريس الجيد يدور حول أمور ثلاثة: أولاً: أن يقوم الأساتذة بتطوير رؤية شاملة يسودها الوضوح والانسجام للناتج الذي يبغون تحقيقه في التدريس. وكذلك للطريق التي يريدون سلوكها لبلوغ ذلك. ثانياً: أن يعمل الأساتذة على استكشاف حجم التباين بين الطلاب في إدراكهم لبيئة التعلم التي خط حدودها أساتذتهم. ثالثا: أن يعمل الأساتذة على تقريب طلابهم من رؤيتهم الواضحة تلك لبيئة التعلم. ومساعدتهم على فهم مضمونها بالشكل الصحيح.

    إن وجهة النظر هذه تتعارض يوضوح مع النظرة السائدة التي ترى أن التدريس الجيد في التعليم العالي إنما يتجسد في إعطاء محتوى المادة الدراسية البنية المناسبة.وفي فن عرض المعلومة وتقديمها إلى الطلاب. أو في تطوير المهارات التدريسية المتميزة. أو اعتماد أسلوب مرن في إيصال المعلومة إلى الطالب. أو في إعطاء الطلاب هامشأ من حرية الاختيار. لا شك في أن هذه الأوصاف تعد جميعها من الجوانب الهامة التي تميز التدريس الجيد عن سواه. إلا أنها لا يجوز أن تحقل ذلك الموقع المركزي الذي يستقطب اهتمام الجهود الرامية إلى تطوير التدريص. بل ينبغي أن ينظر إليها بوصفها تمثل مجتمعة الخلفية المناسبة للتدريس، أما الصدارة ومركز الاهتمام الرئيس فيجب أن يُتركا لعملية التعلم بحد ذاتها. ولبيئة التعلم كما يدركها الطلاب أنفسهم.

الصفحة 32

حدس - فعلٌ - ناتج: نموذج للتعلم والتدريس:

   ترجع الأفكار التي يقدمها هذا الكتاب حول التعلم ، والتدريس من حيث المنشا إلى نموذج • حدس - فعل - ناتج» لظاهرة التعلم عند الطلاب (بيغس، 1978: بروسر وأخرون. 1994 أ). ويبين الشكل 1 - 2 مخططاً بيانياً لأحد من الأشكال التي يتخذها هذا النوع من النماذج. ويمكن النظر إلى إدراك الطالب لمحيط التعلم والتدريس في هذا النموذج على أنه حصيلة التفاعل بين خبراته السابقة حول التعلم والتدريس من جهة. ومحيط التعلم والتدريس عينه من جهة أخرى. ومن ناحية ثانية فإن منهج الطالب في التعلم يتأثر بإدراكه لمحيطه من جهة. ويؤثر في نوعية ناتج التعلم من جهة أخرى. هذه هي خلاصة الواقع الذي سبق أن تلمسنا خطوطه المريضة في الفصل الأول. ويركز النموذج المبين في الشكل 1 -2 على التعلم، إلا أن هناك نماذج مشابهة تتناول موضوع التدريس (بيفس، 1989).

)انظر الشكل 1-2 الصفحة (32

الشكل 2-1 نموذج «حسر - فعل - ناتج» لظاهرة التعلم عند الطلاب المصدر: المصدر:بروسر وأخرين 1944أ.

  لا شك في أنه كان لتلك الفماذج دور كبير في تعميق فهمنا لدور التدريس في خدمة التعلم عند الطلاب. غير أننا نعتقد أنها قد طرحت أيضا العديد من الأسئلة. ومن تلك الأسئلة على سبيل المثال. وفيما يخص دور التفاعل المتبادل بين النماذج المختلفة:هل تتشكل العناصر المختلفة لتلك النماذج بمعزل عن بعضها البعض؟ هل يرتبط

الصفحة 33

بعضها ببعض بعلاقة سببية؟ هل تعنى النماذج بوصف مدة زمنية مطولة. أم أنها تهتم بوصف حدث آني؟ إن مناقشة هذه القضايا تقود بدورها إلى تطوير نماذج جديدة شبيهة بالنموذج الذي يقوم عليه هذا الكتاب.

   إن الأساس الذي تبنى عليه الإجابات على مثل تلك الأسئلة. إنما يتجسد في جملة القناعات المعرفية والوجودية للشخص المعني بتفسير النموذج. وجملة القناعات التي تنطلق منها في مناقشة قضايا التعلم والتدريس في هذا الكتاب، تعرف بالنظرة التشكيلية التي تمثل النظرة الوصفية الظاهرة لإحدى أشكالها المتمددة. وجوهر هذه النظرة هو أن المعنى إنما يتشكل من خلال علاقة داخلية بين الفرد والعالم المحيط والتعلم ما هو إلا اختبار مادة الدراسة بطريقة خاصة. حيث إن الخبرة تمثل علاقة بين الشخص الذي يقوم بالاختبار من جهة، والمادة التي يجري اختبارها من جهة أخرى. وتختلف هذه النظرة جذرياً عن وجهات النظر الأخرى في موضوع التعلم.كالنظرة العقلانية. أو النظرة الاستدلالية الفردية. أو الاستدلالية الجماعية. وسوف نقدم شرحاً موجزاً للنموذج من وجهات النظر المختلفة. أخذين بعين الاعتبار خطر المبالغة في تبسيط بعض وجهات النظر تلك.

   ومن وجهة نظر المنطق العقلاني. التي تقوم على المعالجة العقلية للمعلومة. يسود الاعتقاد بأن المعطيات الحصية تدخل ذهن الطالب . وتحفظ فيه لمدة وجيزة تخضع خلالها لمعالجة داخلية. لتنتقل بعدها إلى ذاكرة الحفظ البعيدة. أو ليستفاد منها في توليد ناتج ما وإرساله إلى العالم الخارجي (غاردنر، 1987). وبلغة النموذج حدس - فعل - ناتج. يعتقد أصحاب هذه النظرة أن أجزاء النموذج المختلفة تتشكل باستقلالية تامة عن بعضها بعضا وتنتظم في سلسلة سببية من الحدس إلى الناتج.

   ومن وجهة نظر المنطق الاستدلالي الفردي. فإن المعرفة تبنى في عملية داخلية.ويجري اختبارها عبر التفاعل مع العالم الخارجي (فون غلاسير سفيلد. 1995).وانطلاقاً من وجهة النظر هذه طرح بيفس (1993 أ) رؤية جديدة لنموذج حدس -فعل - ناتج، تستند إلى نظرية النظم وتتشكل وفقها أجزاء النموذج المختلفة بمعزل عن بعضها بعضاً. لكنها لا تلبث أن تدخل في عملية مستمرة من التفاعل المتبادل فيما

الصفحة 34 

بينها. والنموذج في هذه الحالة لا يصف عملية سببية، وإنما جملة تكون عناصرها في حالة مستمرة من التفاعل المتبادل. وتسير عملية بناء المعرفة بدفع وتوجيه داخليين الدمج. (دمج المعارف الجديدة داخل البنى المعرفية القائمة). والتطوير ( تمديل البنى المعرفية القائمة).

    ومن وجهة نظر المنطق الاستدلالي الجماعي «الفيفوتسكي» فإن المعرفة تنمو وتتطور داخلياً. ولكن ضمن عملية تدار عبر التفاعل الاجتماعي مع العالم الخارجي (فيرتش. 1985). ومن وجهة النظر هذه فإن المحيط - وتحديداً المحيط الاجتماعي- يتمتع بأهمية خاصة. فالمحيط هو المحرك الحقيقي لعملية تطوير المعرفة عند الطالب.

  وتشترك وجهات النظر تلك جميعها في وجود نوع من الفصل بين الفرد والعالم الخارجي. أما المعرفة فتأتي تارة من الخارج، وتتكون طوراً ضمن عملية داخلية. إن وجهات النظر تلك جميعها ذات طبيعة ثنائية. إذ إنها تفترض وجود عنصرين اثنين متفصلين بعضهما عن الآخر: الطالب والعالم الخارجي.

  وتكمن نقطة الفصل. التي تنطلق منها وجهة النظر التشكيلية مبتعدة عن جميع وجهات النظر الأخرى التي تقدم ذكرها. في أن النظرة التشكيلية ليست ذات طبيعة ثنائية. وتقوم النظرة التشكيلية في التعلم على افتراض علاقة داخلية بين الفرد والعالم الخارجي. والفرد والعالم لا يتكونان بمعزل عن بعضهما بعضا.يرتبط الفرد والعالم بعلاقة داخلية عبر وعي الفرد لعالمه. والعالم هو عالم منفعل يتكون من خبرات الأفراد. والوعي ليس له أي بنية داخلية يمكن تجزئتها إلى أجزاء نفصلة أو نمذجتها باستخدام عناصر مستقلة بعضها عن بعض. إننا إذ نتحدث عن الإدراك والمنهج والناتج كما لو كانت مفاهيم منفصلة. بعضها عن بعضا. إنما نفعل ذلك لأغراض تحليلية لا أكثر. والحقيقة أن علينا أن ننظر إلى تلك العناصر.كمناصر حاضرة جميعها في وعي الطالب بأن معاً إلى جانب بعضها بعضاً. لا كمناصر منفصلة يتكون كل منها بصورة مستقلة. وقد قدم مارتون وبوث (1997)شرحاً شاملا للتعلم والوعي من وجهة النظر التشكيلية هذه، تضمّن تحليلاً للعوامل

الصفحة 35

التي تجعل النظرة التشكيلية. النظرة الأكثر ملاءمة للفهم المعاصر لطبيعة عملية التعلم.

   إن اعتمادنا وجهة نظر المنطق التشكيلي. يعني القول إن عناصر الخبرة السابقة والإدراك والمنهج والناتج لا بد أن تكون حاضرة جميعها في كل حدث يمت للتعلم والتدريس بصلة. وإن كان بعض تلك العناصر قد يقفز إلى مواقع الوعي الأمامية.فيما يتراجع بعضها الآخر إلى المواقع الخلفية تبعاً للبيئة المحيطة بالحدث. وتبعاً لهذه النظرة فإن نموذج حدس - فعل- ناتج. لا يصف هنا سلسلة من العمليات السببية لها امتدادها على محور الزمن. بقدر ما يقدم تحليلا لوعي الأفراد لأحداث التعلم والتدريس التي يشاركون في صياغتها.

   وفي رحلتنا مع صفحات هذا الكتاب، سوف نعتمد النظرة التشكيلية في فهم بحوث التعلم والتدريس ذات الطبيعة النسبية العلاقاتية وتفسيرها. وتبدي هذه البحوث طبيعة الحال انسجاماً كبيراً مع وجهة النظر التشكيلية. ولقد عرضنا في الفصل الأول من الكتاب بعضاً من نتائج هذا النوع من البحوث ذات الطبيعة العلاقاتية.في سياق المثال الذي تناول سير دراسة كل من ميليسا وأنتوني. ويتضمن هذا الاتجاه البحثي دراسات للتصورات السائدة عن عملية التعلم. فضلاً عن الدراسات الموسعة التي عنيت باستكشاف العلاقات التي تربط بين التصورات والمنهج والناتج في عمليتي التعلم والتدريس. ويستقد هذا المنهج البحثي إلى العلاقة الداخلية غير الثنائية بين الطالب ومحيطه. وهو يستمد طاقته من الإيمان بأن البيئة المحيطة تمثل جز، ألا يتجزا من الظاهرة أو العلاقة المراد دراستها: وهذا ما يعطي البحث طبيعته النسبية العلاقاتية. وتعرض في هذا الكتاب العديد من الدراسات التي تندرج ضمن إطار منهج البحث النسبي العلاقاتي، الذي ينسجم مع رؤيتنا التشكيلية لعملية التعلم.ويعالج هذا النوع من البحوث خمس قضايا رئيمة: ما هي الأشكال المختلفة لمنهج التعلم عند الطلاب. والتي يمكن وصفها بأنها متمايزة نوعياً بعضها عن بعض؟ ما طبيعة العلاقة بين منهج التعلم. ومخرجاته؟ ما طبيعة العلاقة التي تربط الطرق التي يتبعها الطلاب في التعلم بإدراكهم لبيئة التعلم المحيطة بهم؟ ما هي تصورات

الصفحة 36 

الطالب حول طبيعة عملية التعلم؟ كيف ترتبط تلك التصورات مع منهج التعلم الذي ينتهجه الطالب؟ ولإلقاء نظرة شاملة تحيط بمختلف جوانب البحث العلاقاتي في التعلم. وللحصول على المزيد من التفاصيل حول التحليل الذي يقدمه هذا النوع من البحث. نلفت عناية القارئ الكريم إلى المراجع الآتية: رامسدن. 1992: مارتون وبوث. 1997 : مارتون وآخرون. 1997.

لمحة عن البحث المتعلق بالتعلم عند الطلاب:

  السؤال 1: ماذا عن الاختلاف النوعي بين الطلاب في منهج التعلم الذي يتبعونه؟ كما رأينا في الفصل الأول. فإن البحث في طرق التعلم عند الطلاب يقول إن هناك منهجين اثنين للتعلم. مختلفين جذرياً فيما بينهما: المنهج العميق. والمنهج السطحي في المنهج العميق يعنى الطالب بفهم الأفكار والبحث عن المعاني. ويهتم بمضمون المسألة. محاولاً أن يربط بينه وبين لديه من معارف سابقة. أما في المنهج السطحي فينظر الطالب إلى المسائل على أنها واجب مفروض عليه. وهو إنما يسعى إلى إنجاز ذلك الواجب بغية التخلص من عبئه. وتجده على العموم منهمكا في الدراسة دون أن يكون لعمله أي انعكاس على أهدافه واستراتيجياته (بيفس. 1987 أ. ب: رامسدن.1992: مارتون وآخرون. 1997). إن بنية الوعي لدى الطلاب الذين يعتمدون المنهج لعميق تكون أكثر اتساعاً وأكثر شمولية منها لدى أولئك الذين يتبعون منهجاً مطحياً. بل إن من الممكن القول إنها أكثر اكتمالا. إذ إنها تتضمن طيفاً واسعاً من جوانب الفهم المختلفة والمترابطة فيما بينها. والطالب الذي يعتمد منهجا عميقا في التعلم. قادر دوماً على استحضار مزيد من المعارف المتصلة بالموضوع الذي يدرسه لتوه. والتي من شأنها أن تفيده في تعلم أشياء جديدة وتطوير فهم أوسع وأشمل.وهو قادر أيضا على الدفع بتلك المعارف في اللحظة المناسبة إلى المواقع الأمامية من وعيه.

   السؤال 2: ما طبيعة العلاقة بين منهج التعلم وناتج عملية التعلم؟ إن المنهج الذي يتبعه الطالب في التعلم يرتبط ارتباطاً وثيقا بالمستوى النوعي لناتج عملية التعلم.

الصفحة 37

وتظهر إحدى الدراسات التي أجريت للمرة الأولى على يد فريق من الباحثين في جامعة غوتنبرغ في السويد، أن المنهج العميق في التعلم غالباً ما يقترن بجودة ناتج عملية التعلم (مارتون وسيلجوي، 1976). فالطلاب الذين اعتمدوا منهجاً عميقاً في قراءة النص، كانوا في الوقت ذاته الأكثر دقة ووضوحاً في وصف مضمونه. وقد جرى التحقق من صحة هذا النوع من النتائج مراراً وتكراراً. كما جرى توسيع الدراسة السابقة من خلال عدد كبير من الدراسات التي تبعتها (على سبيل المثال:

بيغس. 1979: فان روسوم وشيفك، 1984: بروسر وميلر، 1989: ماير وآخرون.

1990: تريغويل وسليت، 0199: تريغويل وبروسر، 1991 أ. ب: كراوفورد وآخرون.1994: بروسر وآخرون. 1996: كراوفورد وآخرون. 1998 أ: إنتويستل. 1998: تانغ1998  .(

   السؤال 3: كيف يرتبط منهج التعلم الذي يتبعه الطالب بإدراك هذا الأخير لبيئة التعلم المحيطة به؟ كشفت دراسات لاحقة. تناول فيها إنتويستل ورامسدن الظاهرة السابقة بمزيد من البحث. عن أن منهج التعلم الذي يتبعه الطالب يرتبط بدوره ارتباطاً وثيقا بوعي الطالب لبيئة التعلم المحيطة به. وهذا يعني أن منهج التعلم هو في حقيقة الأمر مفهوم نسبي أو علاقاتي. وقد ذكر رامسدن (1992) في تقرير له عن إحدى تلك الدراسات، أن هنالك خمسة عوامل أساسية لبيئة التعلم لها دورَ هامّ في لحديد منهج التعلم. الذي يسلكه الطالب. وبناء على تلك الدراسات حول العلاقة بين إدراك الطالب لبيئة التعلم المحيطة به ومنهج التعلم الذي يسلكه. فقد بات من المعلوم اليوم أن الطلاب الذين ينظرون إلى المقتضيات الدراسية المتعلقة بمادة ما على أنها أعباء ثقيلة. وإلى طبيعة التقويم على أنها تشجع استحضار الحقائق والمعلومات الجزئية. غالباً ما يميلون إلى اعتماد منهج سطحي في التعلم. أما المنهج العميق فقد تبين أنه يقترن برؤية إيجابية لبيئة التعلم. مفادها أن للطالب بعض الحرية في اختيار ما يريد تعلمه. وأن مستوى التدريس عالٍ لاسيما من الناحية النوعية، وأن هناك وضوحاً في الأهداف وكذلك في المعايير التي تحدد ما ينبغي تعلمه (تريغويل وبروسر.1991 ب: بروسر وآخرون، 1996: تريغويل وآخرون. 1998).

الصفحة 38

السوال البحثي الرئيسي 4: فيتعلق بتصورات الطلاب عن عملية التعلم. وقد أورد سيلجوي (1979) في تقرير له حول دراسة أجراها على مجموعة من الطلاب السويديين الراشدين. خمسة اتجاهات مختلفة (5 - 1) لتصورات الطلاب عن التعلم. تبدي تمايزاً نوعياً فيما بينها. وتبعاً لتلك الاتجاهات فإن الطلاب ينظرون للتعلم على أنه:

1. زيادة كمية في حجم المعارف.

2. استظهار.

3. استيعاب الحقائق والطرق وغيرها بقصد استخدامها لاحقا.

4. تجريد المعنى.

5. عملية تفسيرية تهدف إلى فهم الواقع.

(مارتون وسيلجوي، 55 :1997)

وقد أضاف مارتون وزملاؤه (1993) سادساً ( التعلم بصفته عملية تساعد على بناء الذات وتطوير الشخصية). وذلك من خلال دراسة لاحقة قدمت إثباتاً إضافياً على صحة تصنيف الاتجاهات الخمسة التي وردت أنفاً ومن جهة أخرى فإن تصورات الطلاب حول مضمون المادة التي يدرسونها تقبل تصنيفاً مشابها للتصنيف السابق.وعلى سبيل المثال فقد وجدت كراوفورد وزملاؤها (1994) في دراسة أجروها على طلاب السنة الأولى في فرع الرياضيات. عنيت بنظرة الطلاب إلى مادة الرياضيات.خمسة اتجاهات مختلفة (أ - ه):

أ. الرياضيات أعداد وقوانين ومعادلات.

ب. الرياضيات أعداد وقوانين ومعادلات يمكن استخدامها في حل المسائل.

ج. الرياضيات نظام منطقي معقد: منهج تفكير منطقي.

د. الرياضيات نظام منطقي معقد، يمكن استخدامه في حل المسائل المعقدة.

الصفحة 39

ه. الرياضيات نظام منطقي معقد يمكن استخدامه في حل المسائل المعقدة. وهو يقدم رؤية جديدة تساعد على فهم جديد للعالم.

(كراوفورد وآخرون. 335 :1994)

السؤال 5: كيف ترتبط تصورات الطالب عن عملية التعلم بمنهج التعلم الذي ينتهجه؟ لقد أظهرت الدراسات أن منهج التعلم الذي ينتهجه الطالب يرتبط ارتباطاً مضوياً بتصوراته عن عملية التعلم. وكذلك أيضاً بتصوراته عن مضمون المادة الدراسية. فالطلاب الذين ينظرون إلى تعلم مادة ما بمنظار ضيق محدود (كما في مثال النظر إلى التعلم على أنه استظهار المزيد من المعلومات. أو تحقيق زيادة كمية في حجم المعارف) نادراً ما يميلون إلى اتباع منهج عميق في تعلم تلك المادة. وبالمقابل فإن الطلاب الذين بملكون تصوراً أكثر شمولاً (كالنظر إلى التعلم على أنه تجريد المعنى. أو عملية تفسيرية تهدف إلى فهم الواقع) يميلون في الغالب إلى تبني منهج عميق في تعلم المادة (فان روسوم وشينك. 1984: كراوفورد وأخرون. 1994: مارتون وسيلجوي، 1997). إن تصورات الطالب عن التعلم. وكذلك أيضاً عن طبيعة المادة التي يدرسها. تمثل جزءا من خبراته السابقة، وربما كانت أيضا جزءاً من وعيه الذي يدفعه في اتجاه منهج تعلم معين.

  ويشكل البحث العلاقاتي، الذي يعنى بدراسة عناصر الوعي الأربعة ذات الصلة بظاهرة التعلم - الخبرات السابقة. وإدراك الطالب لبيئته. ومنهج التعلم. وناتج عملية التعلم- والعلاقات التي تربط بعضها ببعض، الركيزة التجريبية لنموذج التعلم عند الطلاب الذي نعرضه بمزيد من التفصيل في الفقرة الأتية.

نموذج لفهم التباين في التعلم:

   يمثل الجدول الداخلي في المخطط المبين في الشكل 2 - 2 خبرات الطالب الخاصة فيما يخص التعلم. ويصف هذا االجدول حالة التعلم الخاصة التي يعيشها الطالب ضمن بيئة التعلم والتدريس المحيطة. وعندما يدخل الطالب محيط التعلم (العالم الخارجي الذي يحيط بالصندوق الداخلي). فإن التفاعل بين الطالب والمحيط يؤدي إلى تشكيل حالة تعلم فريدة خاصة بالطالب عينه (ممثلة في الشكل عبر الجدول

الصفحة 40

الداخلي ومحتوياته). وحالة التعلم هذه تختلف من طالب إلى آخر. حتى وإن كان الطلاب جميعهم يشتركون في محيط التعلم ذاته. والسبب في ذلك الاختلاف يرجع إلى أن حالة التعلم هي وليدة التفاعل بين الطالب ومحيط التعلم. بكل ما يضمه هذا الأخير من طلاب آخرين ومدرسين وعلاقات اجتماعية وما إلى ذلك. وعندما يدخل أحد الطلاب مدرج محاضرة العمارة على سبيل المثال. فإن حالة فريدة تتشكل عبر التفاعل بين الطالب نفسه من جهة، والمدرج والأستاذ المحاضر والطلاب الأخرين وما إلى ذلك من جهة أخرى. ومن المؤكد أن الطالب سوف يعي جوانب معينة من حالته. وجوانب الوعي تلك التي تندفع إلى خطوط الوعي الأمامية قد تكون عند بعض الطلاب أكثر شمولاً وتطوراً منها عند بعضهم الآخر.

   إن كل طالب سيكون له إدراكه الخاص لحالته الفريدة. وهذا الإدراك لا يمكن وصفه بموضوعية، أي باستقلالية تامة عن كل من الطالب والمحيط. وسوف نبين في هذا الكتاب أن إدراك الطالب لحالة التعلم التي يعيشها. يتعلق بكل من: الخبرات السابقة التي جناها الطالب من حالات أخرى مر بها سابقاً: ومنهج التعلم الذي اعتاد أن ينتهجه: وناتج التعلم الذي يرجوه الطالب في نهاية المطاف (الشكل 2-2).وأن هذا الإدراك يختلف من طالب إلى آخر. تلك هي القاعدة التي ننطلق منها في محاولتنا لفهم ذلك التباين بين طالب وأخر وتفسيره.

 ) انظر الصفحة من 40الى41 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه)

الصفحة 41

سوف نستخدم نموذج « حدس - فعل - ناتج، على امتداد الفصول 6 -3 من الكتاب. كقاعدة ننطلق منها في مناقشة التباين في مختلف جوانب عملية التعلم عند الطلاب. اعتمد مارتون وزملاؤه (1995) مفهوم « الأنيّة» في تحليل بنية تصورات الطلاب عن عملية التعلم. وتقوم الفكرة الأساسية لهذه النظرة على أن كل حادثة تعلم تزج بالطالب في عملية ذهنية مؤلفة من ثلاثة مراحل متتابعة: استقبال: معرفة:تطبيق. غير أن ذهن الطالب يوزع نشاطه اللحظي بشكل متزامن على المراحل الثلاث معاً. وسوف نستخدم هنا الفكرة ذاتها ضمن إطار نظري مشابه. في سعينا إلى تحليل البنية الزمنية لإدراك الطلاب لحالات التعلم التي يعيشونها. وبعبارة أخرى يمكن القول إننا هنا بصدد إعادة صياغة مخطط النموذج « حدس - فعل - ناتج، الذي يربط بين كل من الخبرات السابقة: وإدراك الطالب لمحيط التعلم: ومنهج التعلم الذي يتبعه الطالب: ومخرجات التعلم.

  إننا. من وجهة نظرنا التشكيلية. نعتقد أن خبرات الطالب السابقة وإدراكه لبيئته ومنهجه ونتائجه. تكون جميعها حاضرة معاً بشكل متزامن في وعي الطالب. ما نعنيه هنا أن الطالب الذي يدرس الرياضيات. كما هي حال ميليسا على سبيل المثال. لا بد أن يكون مدركاً في كل لحظة لعدد كبير من الأشياء والظواهر المتعلقة بالرياضيات (ولكثير من الأشياء الأخرى التي لا علاقة لها بتلك المادة). ولا شك أنه سوف يركز اهتمامه على بعض تلك الأشياء أكثر من بعضها الآخر. (بعضها سبحتل موقعاً مركزياً في مقدمة وعيه: والبعض الآخر سيكون أكثر بعداً عن المركز. وقد يتراجع إلى المواقع الخلفية) (مارتون وبوث، 1997). ولا شك في أن جوانب عديدة من خبراته في التعلم ستكون حاضرة في وعيه. وهو حتى عندما ينشغل في البحث عن الحل الأنسب لمسألة بعينها، سيتبادر إلى ذهنه ما إذا كان قد سبق له أن واجه مسألة مشابهة أم لا. ولن يغيب عن ذهنه التقدير الذي يأمل أن يناله في اختبار المادة. وكذلك أيضا توقعات أستاذه فيما يخص قدراته وإمكاناته. وسيتذكر شعوره في احتكاكه السابق مع الموضوع، وقد يفكر فيما ينوي فعله أثناء استراحة الغداء. وربما تخيل جدته المريضة.وراح يتكهن حول ما تشعر أو تفكر به لتوها... إلى آخر ما هنالك من خواطر وأفكار.

الصفحة 42

إن خبراته السابقة. وإدراكه لحالته، ومنهجه في التعلم. وناتج التعلم الذي يطمح إليه. ستكون جميعها حاضرة معاً في الوقت ذاته في حنايا وعيه.

   إذا فإن هذه الجوانب ستكون حاضرة جميعها معاً في الوقت نفسه. في وعي الطالب. إننا ننظر. لأسباب تحليلية. إلى بنية خبرات التعلم عند الطالب كبنية تتابعية لحظية مترابطة. (بمعنى أنها آنية) لا امتداد لها على محور الزمن. ولنأخذ مثلاً طالباً لديه بعضاً من خبرات التعلم السابقة فيما يخص موضوعاً بعينه. لا شك أن ذلك الطالب سوف يعي حالة التعلم التي يعيشها على ضوء تلك الخبرات السابقة.وسوف يتبنى منهجا معيناً في التعلم. وسوف تكون جميع تلك الجوانب المتعلقة بحالة التعلم لدى ذلك الطالب جزءاً من وعيه على امتداد الزمن. لكن في كل لحظة سيكون هناك عناصر أقرب إلى مقدمة وعيه. وأخرى في المواقع الخلفية. وقد حاولفا تمثيل بنية الوعي هذه في الشكل 2 - 2 عبر الزج بجميع تلك العناصر (دون حدود فاصلة) إلى داخل صندوق واحد يمثل حالة الطالب. ولكن مع الحفاظ على درجة معينة من الترتيب التعاقبي (من اليمين إلى اليسار). وسوف نعمد في الفصول 6 - 3 إلى تسليط الضوء على عنصر بعينه دون سواه من عناصر الوعي الأخرى. وذلك بغية إبراز دور ذلك العنصر وإعطائه حقه من التحليل والمناقشة.

  ربما يكون القارئ قد لاحظ فيما تقدم من صفحات هذا الكتاب أننا. في حديثنا عن واقع التعلم عند الطالب. نعمد إلى التمييز بوضوح بين مفهوم الحالة ومفهوم المحيط. إننا نستخدم مفهوم المحيط للتعبير عن «عالم التعلم، الذي يتضمن الطالب.ويمكن القول إنه مجموعة التدريس التي أعدها أستاذ المادة. وبعبارة أبسط فإن ما قصده بمفهوم «المحيط» هو التدريس برمته. وقد يتجسد محيط التعلم في أحد المختبرات العلمية. أو في ورشة من ورشات الأعمال الهندسية على سبيل المثال. أما الحالة فهي ما يتشكل عند دخول الطالب إلى محيط التعلم. إنها العلاقة بين المحيط والطالب. وهي بذلك تختلف من طالب إلى آخر. وبالرجوع إلى مثال المختبر كمحيط تعلم محتمل فإن حالة التعلم تتجسد هنا في التفاعل بين الطالب والمختبر.

الصفحة 43

ولكل طالب إدراكه الخاص للمحيط. وكذلك أيضاً إدراكه الخاص لحالته الفريدة ضمن إطار ذلك المحيط. وقد يختلف هذا عن ذاك. وعلى سبيل المثال فإن الطالب قد يرى أن حجم أعباء العمل. وفق ما أقره الأستاذ المشرف على ساعات عمل المختبر.متناسب مع طبيعة المادة. ومستواها، في حين أنه يرى في الوقت ذاته أن تلك الأعباء شديدة الضغامة بالنسبة له شخصياً بما يعرفه عن ذاته من خبرات تعلم سابقة على سعيد عمل المختبر. لقد دأب بعض المؤلفين في حقل التعلم والتدريس على استخدام صطلح «البيئة». في مواقع كنا سنستخدم فيها واحداً من المفهومين: المحيط أو الحالة. لذلك فإننا في استمراضنا لأعمال هؤلا، قد نلتزم في بعض الأحيان باستخدام صطلح «البيئة». لاسيما حيث قد تلتبس علينا حقيقة ما قصده المؤلف من ذلك المصطلح. إن بمقدور أساتذة الجامعة أن يغيروا محيط التعلم والتدريس، لكن المهم- لاسيما بالنظر إلى الرسالة التي يقدمها هذا الكتاب - أن يستكشفوا حقيقة إدراك الطالب لحالة التعلم التي يعيشها. وأن يحاولوا التأثير في إدراك الطالب لحالته عند الضرورة. والمفتاح الأساسي لإحداث تغييرات من هذا القبيل إنما يكمن في إعمال التغيير في المحيط التدريسي ذاته.

  ونستعرض فيما يلي كيف يمكن لنموذ جنا ذي الطابع العام أن يصف حالات فردية للتعلم عند الطلاب. تبدي تبايناً كبيراً فيما بينها. وينصب اهتمامنا في هذا الكتاب على مسألة التباين: التباين بين الطلاب في منهج التعلم الذي يتبعونه. التباين في نوعية ناتج التعلم، التباين في إدراك الطلاب لحالة التعلم التي يعيشونها. يبين الشكل 2- 3القدرة الكبيرة التي يتمتع بها النموذج فيما يخص توصيف جوانب التباين وتفسيرها. ويظهر الشكل تحليلاً لبعض الأمثلة البسيطة لخبرات التعلم الشخصية المتباينة من طالب إلى آخر. ويتضمن الشكل كذلك تحليلاً لخمسة أنواع مختلفة من خبرات التعلم في أربع من حالات التعلم المختلفة. ينسجم هذا التحليل مع نتائج بحوث التعلم عند الطلاب التي أتينا على ذكرها مراراً. في صفحات هذا الفصل. وكذلك أيضاً في الفصل الأول من الكتاب.

الصفحة 44

) انظر الصفحة من44الى45 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه)

ملاحظة: تنبع نصورات اللاب للتعلم في الشكل النصنيف الذي قدمه مارتين وزملاؤه(1993). والذي يمكن اعتباره نسحة مطورة من تصنيف سبلجوي (1979). ترمز التصورات المحدودة إلى التصورات 1-3. (ص 15). والتي تركز بشكل لساسي على القدرة على استحصار المعلومة. وإعادة لناء الصورة. بهنما ترمز النصورات الأكثر شمولاً إلى النصورات 4- 6في نصنيف مارنون التي مركز شكل أساسي على المضمون والمعنى.

الشكل مقتبس من تريغويل وبروس 1997.

  ويصور الشكل 2-3أمثلة مبسطة لخمسة أنواع مختلفة من خبرات التعلم عند الطلاب. يبين الشكل الجزئي 2-3. أ الحالة (أ) حيث يشجع المحيط على اتباع منهج

الصفحة 45 

عميق في التعلم، غير أن الطالب يدخل ذلك المحيط حاملاً معه خبرات سابقة تقوم على تصورات محدودة عن التعلم. ومنهج سطحي في التعلم (يمكن وصف المحيط الذي يشجع على اتباع منهج عميق في التعلم بأنه على سبيل المثال. المحيط الذي يتميز بالوضوح فيما يخص أهداف التعلم. وبأن التدريس يراعي الخبرات السابقة للطلاب. ويترك لهم هامشاً من الاستقلالية في انتقاء ما يريدون تعلمه. وكذلك في اختيار طريقة التعلم التي يرونها مناسبة). وفي هذه الحالة القائمة على خبرات سابقة ضيقة ومحدودة الأفق، يميل الطالب إلى إدراك حالة التعلم كحالة لا تسمح باتباع منهج عميق مبرراً لنفسه اعتماد المنهج السطحي. الأمر الذي ينعكس سلباً على جودة مخرجات التعلم. إن الطالب يدرك هذه العناصر جميعها (خبرات سابقة.تصور، منهج، ناتج) كأجزاء مترابطة تتتابع لحظياً (آنياً) في وعيه. مكونة معاً إدراكه الخاص لحالة التعلم.

   وخلافاً للحالة المبينة في الشكل2. 3أ. والقائمة على تناقض واضع بين خبرات الطالب السابقة وخواص محيط التعلم. فإن الشكلين 2 -3 ب . 2-3ج يصفان حالتين (الحالة ب والحالة ج) تنسمان بالتجانس بين الخبرات السابقة والمحيط. في الشكل 2- 3ب. نجد أن الخبرات السابقة من طبيعة سطحية (تصورات محدودة عن التعلم ومنهج سطحي في التعلم) والمحيط يشجع بدوره المنهج السطحي أيضاً. أما في الشكل 2- 3ج. فإن الخبرات السابقة ذات طبيعة عميقة (تصورات أكثر شمولاً ومنهج عميق في التعلم) والمحيط يشجع في الوقت ذاته المنهج العميق في التعلم. وفي كلتا الحالتين يأتي ناتج عملية التعلم منسجماً مع منهج التعلم أي جودة متدنية في الحالة (ب). ومرتفعة في الحالة (ج).

ومن جهة أخرى فإن الشكل 2- 3د يمرض حالة مختلفة في بعض جوانبها عما تقدم، وهي حالة تجمع بين محيط يشجع على اتباع منهج سطحي، وطالب تقوم خبراته السابقة على منهج عميق في التعلم. وفي الغالب فإن هذا الطالب سوف يدرك حالته كحالة تشجع على اتباع منهج سطحي. وقد يتبنى بالفعل منهجاً سطحياً في تعامله

الصفحة 46

مع تلك الحالة. غير أن طالباً من هذا النوع قد يميل بالمقابل أيضاً إلى تجاوز حالته تلك. (أو الانعتاق من قيودها) . والتزام منهج عميق في التعلم. إن صفة الاكتمال ( أو الشمول) التي تميز التصورات السابقة عن التعلم لدى ذلك الطالب وطرق التعلم التي سبق أن استخدمها في تجاربه الدراسية السابقة. تجعل التحرر من فيود الحالة ممكنا بالنسبة لذلك الطالب. وغير ممكن بالنسبة لطالب آخر تقوم خبراته السابقة على تصورات محدودة (أو أقل شمولاً) . ومنهج سطحي في التعلم.

   ويساعد هذا النوع من الدراسات التحليلية على فهم التباين في خبرات الطلاب ضمن محيط التعلم الواحد، وكذلك أيضاً بين محيط وآخر. وسوف نستخدم هذه الدراسات التحليلية. وكذلك أيضاً النموذج الذي تقوم عليه (الشكل 2 - 2). على امتداد الفصول الأربعة القادمة من الكتاب كقاعدة تنطلق منها في مناقشة تفصيلية ظواهر التباين في التعلم. وآثارها على التدريس. وسوف نركز اهتمامنا في الفصل السابع على التدريس والتباين في التدريس. وسوف ندعم مناقشتنا تلك عبر صياغة جديدة لنموذج « حدس - فعل - ناتج». ومبدأ الآنية، بما يسمع بتحليل خبرات التدريس المختلفة وفهمها. والتي تبدي بدورها تبايناً واضحاً بين مدرس وآخر. نعرض في الفقرة القادمة لمحة موجزة عن طبيعة البحث الذي يستند إليه ذلك النموذج في صيغته الخاصة بالتدريس، مرجئين الخوض في التفاصيل إلى الفصل الصابع من الكتاب.

البحث العلاقاتي في التدريس الجامعي:

لم يعرف ميدان البحث حتى تاريخه سوى عدد قليل من الأعمال على صعيد البحث العلاقاتي حول تصورات أساتذة الجامعة للتدريس. وعدد أقل حول إدراك الأساتذة للمحيط التدريسي. وطرقهم في التدريس، وناتج نشاطهم التدريسي، والعلاقات التي تربط تلك الجوانب المختلفة بعضها مع بعض. بيد أن ما ورد في تقارير تلك الأعمال البحثية يدعم - كما سنبين في هذه الفقرة- النظير التدريسي (المبين في الشكل 2- 4) لنموذج التعلم الذي أوردناه بشيء من التفصيل في الفقرة السابقة. في إطار سعينا لتحليل ظواهر التباين في التعلم عند الطلاب.

الصفحة 47

) انظر الصفحة من 47الى48 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه)

   نعلم أن في السنوات الثماني الماضية سجلت أكثر من عشر دراسات تعرضت بالتحليل والبحث للخبرات السابقة لدى أساتذة الجامعة. وقد ركز معظم تلك الدراسات على تصورات الأساتذة للتدريس (للحصول على لمحة عامة عن تلك الدراسات انظر كيمبر، 1997). وقد اعتمدت خمس من تلك الدراسات وجهة النظر النسبية العلاقاتية (دال ألبا، 1993: مارتين وباللا، 1991: صاموثيلوفيتش وباين.1992: مارتين ورامسدن، 1993: بروسر وآخرون، 1994 ب). وقد تمخضت جميع تلك الدراسات عن نتائج متشابهة. تؤكد وجود تباين كبير في رؤية أساتذة الجامعة لماهية التدريس. بدها من الرؤية الضيقة المعدودة، وصولاً إلى الرؤية الشاملة المكتملة. ويقدم الهامش الذي رسمه بروسر وزملاؤه (1994 ب) صورة معبرة عن طبيعة ذلك التباين. فالرؤية الأكثر شمولاً واكتمالاً تتسع لتشمل فيما تشمله مساعدة الطلاب على تطوير تصوراتهم لمضمون المادة، بينما لا تتجاوز الرؤية الضيقة حدود نقل المعلومات المتضمنة في المادة. أو بالأحرى تصدير فهم الأستاذ المدرس لمضمون مادته إلى أذهان الطلاب.

وعلى العموم يسود الاعتقاد بأن التصورات الأكثر شمولاً فيما يخص ماهية التدريس تقترن بالإدراك الواعي لطيف واسع من الجوانب الإضافية للتدريس. وعلى سبيل المثال فإن المدرس الذي يستند إلى تصورات أكثر شمولاً في مزاولته لنشاطه التدريسي. قد يرى أن أهداف التدريس تتجسد في توسيع معارف الطلاب عبر نقل

الصفحة 48

المعلومة إلى أذهانهم. ومساعدة الطلاب على استيعاب الأفكار المتضمنة في المادة.

وتطوير تصورات الطلاب لمضمون المادة. أو إحداث تغيير جذري في تلك التصورات.أما الأستاذ الذي ينطلق في نشاطه التدريسي من تصورات محدودة ضيقة. فغالباً ما يعتقد أن هدف التدريس لا يتعدى في أي حال من الأحوال حدود زيادة حجم المعرفة عند الطالب، عبر نقل المعلومة المناسبة إلى ذهنه.

  وتطالعنا المراجع المختصة بدراسة يتيمة تطرقت إلى مناقشة إدراك المدرسين لحالة التدريس التي يعيشونها (بروسر وتريفويل، 1997 أ). وبتقرير يتيم آخر تناول المناهج التي يتبعها الأساتذة في التدريس من وجهة النظر العلاقائية (تريفويل وآخرون. 1994). وقد أظهر كلا العملين تبايناً واضحاً في رؤية المدرسين لمختلف جوانب التدريس، كما أكدت كلتا الدراستين أيضا صحة التوقعات القائلة بوجود روابط وثيقة بين مختلف جوانب التدريس من جهة. والخبرات السابقة عند المدرسين من جهة أخرى.

  وفي دراسة أجريناها حول طرق التدريس التي يتبعها الأساتذة في تدريس مقررات السنة الجامعية الأولى في فرعي الفيزياء والكيمياء. وقعنا على خمسة مناهج مختلفة تبدي تمايزاً نوعياً فيما بينها، يختلف بعضها عن بعض في تركيزه على استراتيجيات تدريس معينة أكثر من سواها. وكذلك أيضا في المقاصد التي يرمي إليها الأستاذ في تبنيه تلك الإستراتيجيات. ويمكن تصنيف تلك المناهج ضمن مجموعتين رئيستين تختلف إحداهما عن الأخرى اختلافاً نوعياً. تتميز المجموعة الأولى بالتركيز على الأستاذ أو على المضمون. وتتجسد غايتها في نقل المعلومة أو المضمون من الأستاذ المدرس إلى الطلاب. أما مناهج المجموعة الثانية فتركز خلافاً لسابقتها على الطالب ذاته. وتهدف إلى تطوير أو تغيير تصورات الطالب عن المادة التي يتعلمونها (تريغويل وأخرون. 1994).

وقد تبين أن المدرسين الذين لديهم خبرات تدريس سابقة قائمة على تصورات أكثر شمولاً واكتمالا حول العملية التدريسية. يغلب عليهم تبني مناهج تدريس تندرج ضمن المجموعة الثانية (تركيز على الطالب) . بينما تقترن التصورات المحدودة

الصفحة 49 

غالباً بمناهج التدريس التي تركز على المدرس أو على المضمون (تريغويل وبروسر.1996 أ). كذلك فقد لوحظ أيضاً وجود صلات واضحة بين منهج المدرس في التدريس من جهة. وإدراكه لمحيطه التدريسي من جهة ثانية. وقد وجدنا في دراسة نسبية استطلاعية مستقلة - وإن كانت لا تنفصل عن الموضوع - علاقات بينية من طراز العلاقات ذاتها التي تحدثنا عنها في مناقشتنا للتعلم عند الطلاب (تريغويل وبروسر.1997). وتشير نتائج تلك الدراسة أن المدرسين الذين يشعرون بأنهم يتمتعون ببعض السيادة في تحديد مضمون المادة الدراسية وتفاصيلها، وكذلك في تحديد الطريقة التي يقدمون بها تلك المادة إلى طلابهم. يميلون على الغالب إلى تبني منهج التدريس الذي يركز على الطالب. والمنهج ذاته يقترن أيضاً مع إدراك الأستاذ المدرس بأن أعباء العمل التي يفرضها المقرر ليست بالثقيلة، وأن التباين في مستوى الطلاب ليس بالكبير. وأن عدد طلاب الفصل ليس بالضخم. وبالمقابل فإن المنهج الذي يركز على المدرس أو على نقل المعلومة يقترن عادة مع إدراك المدرس بأن الطلاب لا يكترثون كثيراً لحصته، وبأنه لا يتمتع بالسيادة في اختيار مواضيع المقرر.

   ما مخرجات التدريس؟ من وجهة نظر النموذج المبين في الشكل 4 -2 والذي يجسد موضوع هذه الفقرة من الكتاب. فإن مخرجات التدريس يمثل عنصراً من عناصر إدراك المدرس للتدريس. وقد يشمل أيضاً وعياً خاصاً لعدد من المواضيع المتعلقة بخبرة تدريسية معينة. وعلى سبيل المثال فإن المدرس قد يظهر وعياً خاصاً لسألة إطلاق النقاش ضمن مجموعات مصغرة من الطلاب: أو لضرورة انتزاع الرهبة والوجل من قلوب الطلاب الذين لم يسبق لهم قط أن قاموا بإلقاء محاضرة.أو بتقديم عرض شفهي أمام زملائهم: أو لحقيقة أن معظم الطلاب يجدون صعوبة بالغة في استيعاب موضوع بعينه من المواضيع الأساسية المكونة لمضمون المادة: أو لحجم مجموعة الطلاب المهددين بالرسوب في امتحان المادة وبنيتهم. وتجدر الإشارة إلى أن هذا النوع من مخرجات التدريص مازال إلى اليوم خارج دائرة البعث. وقد أن الأوان لاستدراك ذلك.

ومن وجهة نظر عملية، يمكن النظر إلى ما يتعلمه الطالب باعتباره صورة لمخرجات التدريس، وقد جرى البحث مؤخراً في العلاقة التي تربط بين منهج الطالب في التعلم

الصفحة 50

ومنهج الأستاذ في التدريس. وذلك ضمن دراستين اثنتين حديثتي العهد (تريفويل وآخرون. 1998: تريفويل وآخرون. 1999). وقد بينت كلتا الدراستين أن فصول أولئك المدرسين الذين يغلب عليهم استخدام مناهج التدريس التي تركز على الطالب. قد ضمت نسبة كبيرة من الطلاب الذين يعتمدون منهج تعلم عميق ذا جودة عالية. أما صفوف المدرسين الذين يغلب عليهم استخدام المناهج القائمة على نقل المعلومة والتي تركز على المدرس لا على الطالب. فقد تحدث غالبية طلابها عن استخدامهم مناهج تعلم أكثر سطحية.

   وتدعم هذه النتائج صحة نموذ جنا وفق صيغته المبينة في الشكل 4 - 2. وتساعد على تفسير خبرات أساتذة الجامعة المختلفة ضمن المحيط التدريسي الواحد. وكذلك بين محيط تدريسي وآخر. كما إنها تساعد أيضاً على تفسير التباين بين المدرسين على صعيد طرق التدريس ومناهج التدريس التي يتبعونها. وكذلك على صعيد إدراك كل منهم لحالة التدريس الخاصة التي يعيشها. وكذلك أيضا على صعيد تصوراتهم السابقة لماهية التدريس . وكما رأينا في حديثنا عن الطلاب وحالات التعلم الخاصة التي يعيشها واحدهم. فإن لكل مدرس أيضاً إدراكه الفريد لحالته الخاصة التي يعيشها في ممارستها لتدريس. وهذا الإدراك في أشكاله المختلفة، وكذلك خبرات المدرسين السابقة. ومناهج التدريس التي يتبعونها. ومخرجات التدريس تكون جميعها حاضرة معاً. وعلى الدوام. في وعي كل منهم. بيد أن بعضاً من تلك المناصر قد يستأثر لنفسه بموقع الصدارة على حساب بعضها الآخر.

  إن كلا الطرفين - المدرسين والطلاب- يرى ويدرك الظواهر المختلفة في عالمنا هذا. من خلال علاقتها بغيرها من الظواهر الأخرى. إننا نرى الأشياء من خلال اختلافها عن الأشياء الأخرى أو تشابهها معها. وإذا لم نع حقيقة التباين في إدراك لفرد لظاهرتي التعلم والتدريس، فإننا لن نقدر أن نعي حقيقة إدراكنا الذاتي لهاتين الظاهرتين. إن وعينا لطبيعة وحجم التباين في إدراك الآخرين لعمليني التعلم والتدريس. وفي طرقهم التي يتبعونها في ممارسة التعلم والتدريس. يمثل خطوة أساسية على طريق بناء وتطوير وعينا الذاتي لإدراكنا الخاص لهاتين العمليتين وتطويره ومنهجنا الخاص في ممارستنا العملية لهما.

الصفحة 51

   وربما يرى بعضهم من هذا الموقع أن ما نقدمه هنا لا يتعدى كونه تحليلاً مغرقاً في التبسيط لخبرات الطلاب والمدرسين في التعلم والتدريس. وردّنا على ذلك الانتقاد هو أننا في تحليلنا هذا نركز على الجوانب التي نعتقد أنها تمثل الجوانب الأساسية فيما يخص بنية التباين السائد على صعيد تلك الخبرات. إننا لا نسعى هنا إلى تقديم تحليل شامل لتلك الخبرات. ونعتقد أن بمقدور وجهات النظر الأخرى في التعلم والتدريس أن تقدم مثل ذلك التحليل. لكننا نؤكد أن الجوانب التي نركز عليها في تحليلنا هي جوانب بالغة الأهمية. من حيث إنها الجوانب التي نرجح أنها الأبلغ أثراً في مخرجات عملية التعلم عند الطلاب. والتي يمثل تطويرها وتحسينها محور الاهتمام الرئيس للكتاب الذي بين أيدينا.

   وانطلاقاً من منظورنا النظري الموضع آنفا. سوف نعمل عبر ما تبقى من سفعات الكتاب على إرساء فكرتين اثقتين. أولاً: إن التدريس الجيد يعني أن يعي المدرس حقيقة تصوراته الشخصية للتعلم والتدريس وطبيعة المناهج، والطرق التي يعتمدها في التدريس، وطبيعة الناتج الذي يرجوه في التدريس. ثانيا: إن واحدة من المهام الرئيسة في التدريس الجيد - والتي لا تزال عيون المدرصين غافلة عنها إلى حد بعيد - تكمن في تلمس إدراك الطالب لحالة التعلم الخاصة التي يعيشها، والسعي إلى تطوير محيط التعلم والتدريس في الاتجاه الذي يقرب رؤية الطالب لذلك المحيط من الصورة التي يرنو إليها المدرس. وهذا يتطلب بالضرورة التركيز على الجوانب الفردية عقد الطالب ومخاطبة خبراته وإدراكه، وبعبارة أخرى فإن التدريس الجيد لا يستوي إلا باعتماد مناهج التدريس التي تركز على الطالب أكثر من تركيزها على مضمون المادة.

خلاصة الفصل 2:

   يرى الطلاب حسب خبراتهم العالم الواحد بمناظير مختلفة. وقد رأيقا في الفصل الأول كيف أن ميليسا وأنتوني اللذين يشتركان في دراسة مقرر الرياضيات ذاته في عامهم الجامعي الأول قد حصلا على نتيجتين مختلفتين تماماً. وقد قلنا إن أحد الموامل الهامة في فهم ذلك التباين. إنما يكمن في الاختلاف القائم بين الطلاب

الصفحة: 52

 فيما يخص إدراكهم لحالة التعلم الخاصة التي يعيشونها. صحيح أن ميليسا وأنتوني يتقاسمان محيط التعلم ذاته، لكن خبراتهما السابقة متباينة. ووجودهما في محيط التعلم ذاته يوقظ لدى كل منهما جوانب مختلفة من خبراته السابقة. والتباين في إدراك حالة التعلم يقترن بدوره بالتباين في منهج التعلم. وكذلك أيضاً في النتيجة.

وبصورة مشابهة فإن المدرسين بدورهم لا يتقاسمون جميعهم الصورة ذاتها للعالم.

وهناك تباين واضح فيما بينهم على صعيد الطرق والمناهج التي يتبعونها في التدريس.وعلى صعيد إدراكهم لحالة التعلم الخاصة التي يعيشونها. وكذلك أيضا على صعيد ما يحملونه من خبرات التدريس السابقة. وطلابهم لا يرون العالم بالضرورة بالصورة التي كانوا هم -أساتذة الجامعة- بأملونها منهم.

  إن ذلك النوع من التباين في الخبرة وفي الإدراك. يجسد محور اهتمام هذا الكتاب. لقد بات بمقدورنا. من خلال دراستنا للتباين في خبرات المدرسين والطلاب وفهمه. أن نقدم بعض السبل لتفسير التباين في مخرجات التعلم عند الطلاب. وأن نولي اهتماماً خاصاً لطرق التدريس ومناهجه. التي غالباً ما تقترن بجودة مرتفعة لخرجات التعلم.

  لقد أرسينا في هذا الفصل قاعدة المفاهيم اللازمة لبناء نموذج التعلم عند الطلاب الذي يتيح لنا تفسير ذلك التباين ووضعه في إطاره الصحيح. وقد قدمنا تعريفاً واضحاً لما نعنيه باستخدامنا مفهوم النظرة التشكيلية، واستخدمنا تلك النظرة في بناء نموذجنا المبين أدناه (انظر أيضأ الشكل 2 - 2 والشكل المدرج في مطلع كل من الفصول الأربعة القادمة). كذلك فقد قمنا أيضاً بتطوير نموذج مشابه يعنى بظاهرة التدريس. ضمن إطار النموذج في صيفته الخاصة بدراسة التعلم عند الطلاب. ننظر إلى حالة التعلم التي يعيشها الطالب (داخل الصندوق) . لدى دخوله إلى محيط تعلم معين. باعتبارها الوعاء الذي يحوي فيما يحويه خبرات الطالب السابقة وإدراكه لوضعه. ومنهجه في التعلم. وناتج التعلم الذي قد حققه والذي يطمح إليه. كما ننظر إلى تلك العناصر المختلفة على أنها جميعها متشابكة بعضها مع بعض عبر جملة من العلاقات والروابط. وحاضرة معاً في اللحظة ذاتها في وعي الطالب.

الصفحة 53

) انظر الصفحة من 53الى54 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه)

  والعلاقات بين عناصر الوعي المختلفة تلك لا تنتظم ضمن ترتيب زمني أو سببي معين. بل تعمل بالتزامن مع بعضها بعضاً. وعلى سبيل المثال فإن طالباً لديه مخزوناً معيناً من خبرات التعلم السابقة المتصلة بحالة معينة، سوف يدرك حالته من منظور خاص. يتحدد على ضوء تلك الخبرات السابقة، وسوف يتبنى منهج تعلم معين بناء على إدراكه هذا. وجميع العناصر المكونة لتلك الحالة سوف تكون حاضرة معاً وفي جميع الأوقات في وعي الطالب، غير أن بعض تلك المناصر قد يشغل في لحظة ما موقع الصدارة على حساب بعضها الآخر.

   ما نعنيه هنا هو أن طالباً يدرس الرياضيات، كما هي حال أنتوني على سبيل المثال، سيكون في كل لحظة واعياً لعدد كبير من الأشياء والظواهر المتعلقة بتلك المادة (وكثير من الأشياء والظواهر الأخرى التي لا علاقة لها بها). ولا بد أنه سيولي بعض تلك الأشياء اهتماماً خاصاً على حساب بعضها الآخر (بعضها سيحتل موقعاً مركزيا في مقدمة وعيه. بينما يبتعد بعضها الآخر عن المركز متراجعاً إلى صفوف الوعي الخلفية). وهكذا فإن سبل إدراك بعض الظواهر ستشغل مواقع الصدارة في وعيه. بينما تتراجع سبل إدراك بعضها الآخر إلى المواقع الخلفية. إنه سيكون قادراً على استعضار مبل إدراك ظواهر معينة إلى مقدمة وعيه، بينما ستتراجع بعض الظواهر الأخرى إلى المؤخرة (مارتون وبوث، 1997). لا بد أن جوانب كثيرة من خبرته في التعلم ستكون حاضرة على الدوام في وعيه. وحتى في انصرافه إلى معالجة موضوع بعينه في الرياضيات، سيتبادر إلى ذهنه ما إذا كان قد سبق له أن

الصفحة 54

درس موضوعاً مشابها أم لا: ولا بد أنه سيتساءل عن معايير التقويم وعن توقعات أستاذه: وسيستحضر لبرهة المشاعر التي ألمت به خلال احتكاكه الأخير مع الموضوع:وسيتبادر إلى ذهنه ما ينوي فعله في المساء: وقد يتذكر أيضا أن عليه إعادة كتاب كان قد استعاره من المكتبة. قبل انقضاء مدة الإعارة... إلى آخر ما هنالك من خواطر وأفكار. إن خبراته السابقة وإدراكه لحالته ومنهجه في التعلم ونتائجه ستكون جميعها حاضرة معاً في وعيه.

   لقد اعتمدنا هذا المنظور في استخدامنا للنموذج ضمن محاولتنا فهم التباين الكبير الذي يسود حوادث التعلم الفردية المختلفة على قاعدة الوعي الفردي الذي ختلف من فرد إلى آخر في توزيع الأولويات بين الجوانب المختلفة للظاهرة. أو بين المناصر المختلفة لمحيط التعلم. وقد قدمنا استناداً إلى ذلك النموذج حجتنا التي تقول إن التباين في إدراك الطلاب لحالاتهم الفردية تبعاً لتباين خبراتهم السابقة يوقظ لدى كل منهم جوانب معينة من وعيه. أو يدفع بتلك الجوانب إلى مقدمة وعيه.الأمر الذي يقود إلى تباين واضع بين الطلاب على صعيد مناهج التعلم وطرائقه.وكذلك أيضاً على صعيد المستوى النوعي لناتج عملية التعلم.

   عندما نتظر إلى الموضوع بهذا المنظار النظري. فإننا نستوضح سريعاً أن واحدة من المهام الرئيسة للتدريس إنما تكمن في تلمس إدراك الطالب لحالته. والعمل على طوير محيط التعلم والتدريس بالشكل الذي يقرب بين رؤية الطالب للمقرر الدراسي من جهة. والرؤية التي أرادها أستاذ المادة لدى إعداد المقرر من جهة أخرى.

   وسوف نستخدم على مدى الفصول 7 - 3 النتائج الكمية والكيفية لأدييات البحث النسبي العلاقاتي في التعلم والتدريس، ساعين إلى دعم حجتنا تلك وتطويرها في الاتجاهات المختلفة، وسوف نستفيد في ذلك أيضاً من النماذج التي تقدم عرضها في هذا الفصل. سوف نقوم بطرح العديد من تقنيات التدريس المتناغمة تماماً مع مضمون حجتنا. وسوف نبين أيضاً كيف يمكن لأساتذة الجامعة توظيف نتائج البحث لخدمة نشاطهم التدريسي على أرض الواقع. وكيف يمكنهم أيضا أن يساهموا في

الصفحة 55

إغناء هذا النوع من البحث عبر رصد ظواهر التعلم عند طلابهم. بعين الباحث المراقب لا المدرس الرقيب.

  وسوف نعمل في كل من الفصول القادمة على إرساء قواعد المحيط الذي يشجع على اعتماد منهج عميق في التعلم والتدريس، مستفيدين من نموذ جنا الذي تقدم عرضه آنفأ في إيضاح التراكيب البنيوية للوعي. إننا جميعاً نعي الكثير من الأشياء بآن معا. يشغل بعض تلك الأشياه موقع الصدارة في وعينا. بينما يتراجع بعضها الأخر.والمدرس الجيد ينبغي أن يعنى بمساعدة طلابه على تمييز الجوانب المناسبة للموضوع.واستحضارها إلى مقدمة وعيهم في اللحظة المناسبة. والطالب في محيط تعلم معين بعي بالضرورة جوانب كثيرة من خبرته بما فيها الجوانب المتصلة بحالته الراهنة.ونحاول في الفصل 3 أن ندفع بخبرات الطالب السابقة إلى مقدمة وعي القارئ. ولكن دون أن نففل في ذلك دور العناصر الأخرى (إدراك الطالب لحالته، منهج الطالب في التعلم. ناتج التعلم) كجزء هام من خلفية الوعي. وفي الفصل 4 سوف ندفع بإدراك الطالب إلى المقدمة. ونعيد الخبرات السابقة إلى جوار العناصر الأخرى، لتشكل معها جزءاً من الخلفية. وهكذا دواليك في الفصلين 5 و 6. وفي الفصل 7 يتحول اهتمامنا إلى موضوع التدريس. أما في الفصل الأخير فتعمل على تجميع استنتاجاتنا التي مصلنا عليها في تحليلاتنا المختلفة عبر فصول الكتاب، ووضعها إلى جانب بعضها بعضاً. بغية الوصول إلى صورة كلية. نأمل أن تتسم بالتكامل والتناغم.

 الصفحة57