الوضعية المشكلة الدامجة والتعليم الصريح
المرجعيات وجدل العلاقات
المؤلف: محمد ملحاوي
التصنيف: مقالات علمية
عرض PDFالوصف:
ملخص الدراسة: ترمي هذه الدراسة إلى بسط أجرأة التنزيل الديداكتيكي للوضعية المشكلة الدامجة، وتحديد المرجعيات التي تقوم عليها، سواء من حيث نظريات التعلم، أو من حيت البيداغوجيات الحديثة وعلى رأسها البيداغوجية الصريحة، وذلك من خلال البحث في الطابع المفاهيمي لكل من الوضعية المشكلة الدامجة والتعليم الصريح، والنظر في أدوارهم ومكانتهم والتبصر في المآلات العلائقية التي تنتج عن الربط بين هذه المفاهيم على مستوى الفصل الدراسي، اعتمادا عل المنهج الوصفي والتحليلي المحكوم بضوابط اللغة ودلالات الاصطلاح وجدل العلاقات وطبيعتها. نستطيع أن نقول إن الوضعية المشكلة ولا سيما الدامجة باتت مدخلا أساسيا في التدريس وفق المقاربة بالكفايات، وعليه تصبح مسألة ضبط الوضعيات بأنواعها المختلفة، سواء من حيث الصياغة، أو من حيث التدبير والتنزيل، أمرا في غاية الأهمية، ذلك أننا متى تمكنا من صياغتها وفق الضوابط التي تميز كل نوع منها، أمكننا ذلك من تحقيق الكفايات اللازمة. إن النظر في طبيعة الوضعية المشكلة الدامجة وقيمتها الوظيفية يساعدنا على إدراك العلاقة بينها وبين التدريس بالكفايات، وبين ما بات يُعرف بالتعليم الصريح، ومن ثم يمكننا أن ندرك حجم الأهمية التي يكتسيها كل طرف بالنسبة للطرف الآخر، ولما كانت الوضعية المشكلة الدامجة ومازالت هي السلاح الذي تتسلح به المقاربة بالكفايات من أجل بناء المعارف واكساب والمهارات والقيم وتمثلها على أرض الواقع، فإن ما يترتب على ذلك، الاستنتاج اللازم القائل:"إن روح المقاربة بالكفايات هي الوضعية المشكلة الدامجة"، وعليه يمكننا القول إن الوضع المأزوم لمخرجات المنظومة التربوية مرجعه ليس إلى المقاربة المعتمدة نفسها، ولا إلى التصور القائم حول التدريس بالوضعية المشكلة، وإنما يرجع إلى صياغة الوضعية المشكلة الدامجة وإشكالات تنزيلها في الفصول الدراسية . لذلك جاءت هذه الدراسة لتجيب عن إشكالية عامة هي: كيف تصاغ الوضعية المشكلة الدامجة؟ وهل يمكن الاستغناء عنها في ظل التدريس وفق المقاربة بالكفايات، وما موقعها ضمن ما أضحى يُعرف بالتعليم الصريح؟
ومحاولة منا للإجابة عن الإشكالية العامة للدراسة، وكذا أسئلتها الفرعية، انتهجنا سبيل خطة قسمنا الدراسة من خلالها إلى ثلاثة محاور هي كالتالي:
المحور الأول: مرجعيات الوضعية المشكلة الدامجة وضوابط صياغتها.
المحور الثاني: التعليم الصريح والتدريس بالوضعية المشكلة.
المحور الثالث: نموذج تطبيقي للوضعية المشكلة الدامجة لمادة التربية الإسلامية " الثانية بكالوريا أنموذجا".
الكلمات المفاتيح
الوضعية المشكلة الدامجة، التعليم الصريح، المقاربة بالكفايات.
مقدمة:
لا شك أن تبني المدرسة المغربية للمقاربة بالكفايات جاء بعد بحث طويل ، وجهد ليس باليسير، وذلك سعيا وراء الجودة والفعالية، وتحقيق التكيف السليم للفرد مع محيطه بتمكينه من حل المشكلات الحياتية، والمشاركة في بناء وتطوير المجتمع، وتكوين شخصية مستقلة ومتوازنة وقادرة على الاختيار، ومتشبعة بالقيم الإسلامية والمواطنة والديمقراطية، هذا الرهان اقتضى من كل الفاعلين في المجال التربوي جعل المتعلم في قلب العملية التعليمية التعلمية، وتتطلب توظيف أحدث الطرائق والوسائل المنسجمة مع طبيعة المقاربة بالكفايات، بيد أن ذلك لن يبرح مجاله النظري ما لم يجد الاستراتيجيات المناسبة والوضعيات الملائمة والكفيلة بإكساب الكفايات، ولعل ما بات يُعرف بالوضعية المشكلة الدامجة أحد أهم هذه الاستراتيجيات، لذلك ثمة أسئلة كثيرة، وتحديات متنوعة ينبغي الوقوف عندها، والانطلاق منها، لا سيما وأن الحديث عن التدريس أضحى يقتضي بالضرورة الحديث عن الوضعية المشكلة، وباتت كل التوجيهات التربوية تحث على الوضعية المشكلة، فأمسى همّ جلّ المدرسين هو صياغة الوضعية المشكلة، فما الوضعية المشكلة؟ وما ضوابطها؟ هل هي استراتيجية تتسم بالدقة والوظيفية وقابلية التطبيق في مختلف المواد وجميع المستويات؟
الصفحة 3
المحور الأول: مرجعيات الوضعية المشكلة الدامجة والتعليم الصريح:
تهمّ وضعيات التعلم كل السياقات التي يوجد فيها المتعلم في علاقة مع المادة الدراسية، والمدرس، وجماعة القسم، وتشمل مجموعة من الخطوات التي يتم التخطيط لها بمراعاة مختلف الأبعاد السيكولوجيا والسوسيولوجيا والسيكوسوسيولجيا، وهذا ما يدل على أنها تتضمن مجموعة من المكونات المتفاعلة (مدرس، تلاميذ، مادة، طرائق، وسائل، تقويم، دعم، مؤسسة، مجتمع...).
ولتحصل الكفاية ينبغي أن يواجه المتعلم مجموعة من المشكلات المعرفية الكفيلة بتعبئة مهاراته وقدراته وخبراته السابقة بشكل مدمج بحثا عن الحل. غير أن الكفاية لا تُكتسب من خلال وضعيات تقليدية نمطية، وإنما تتنوع الوضعيات وتختلف تبعا لنوع الكفاية المطلوب إكسابها للمتعلم، وتعتبر الوضعية المشكلة إحدى هذه الوضعيات.
أولا: الوضعية المشكلة:
إن التدريس القائم على حل المشكلات يقتضي أولا الانتباه لمجموعة من المصطلحات ذات الصلة، من قبيل:
الصفحة 3
المقاربة بالكفايات: تصور تربوي بيداغوجي، ينطلق من الكفايات المستهدفة في نهاية أي نشاط تعليمي، أو نهاية مرحلة تعليمية-تعلمية، لضبط استراتيجية التكوين في المدرسة، من حيث طرائق التدريس، والوسائل التعليمية، وأهداف التعلم، وانتقاء المحتويات، وأساليب التقويم، وأدواته[1].
المشكلة: تعرف باعتبارها عائقا يحول بين الفرد وتحقيق أهدافه، أو هي موقف محير لا يُملك حل جاهز له، حيث يُشكل ذلك الموقف المحير عقبة أو عقدة أو مانعا يحول دون تحقيق الأهداف[2].
حل المشكلات: يُعرف بأنه عملية تفكيرية مركبة يستخدم فيها الفرد خبراته ومهاراته، من أجل القيام بمهة غير مألوفة، لتجاوز مشكلة لا يوجد لها حل جاهز[3].
الوضعيات: الوضعَّيات مفردها وضعّية، والوضعّية: صفة لتموضع معين، تموضع المعلم والمتعلم لممارسة فعل التعليم والتعلم؛ وهي تعني في الغالب الظروف والسياقات التي يُجرى فيها النشاط أو يدور فيها الحدث التربوي[4].
وانطلاقا من ذلك يمكن تعريف الوضعية المشكلة بالعملية التي تضع المتعلم أمام تحديات معرفية حياتية، يتطلب حلها إدماج مجموعة من المعارف والمهارات والقدرات ليصل إلى مرحلة التكيف مع محيطه، بعد تجاوز مختلف العوائق التي كانت وراء خلخلة بنيته المعرفية.
أما فيما يتعلق بالوضعية المشكلة الدامجة فهي ذاتها الوضعية المشكلة غير أنها تتضمن مجموعة من المشكلات المرتبطة فيما بينها، والتي يتحقق بحلها الفهم الشمولي لوحدة دراسية كاملة، وبالتالي يتمكن المتعلم من إدراك العلاقات الرابطة بين مختلف الدروس، وهو ما يعرف بالكفايات الممتدة أو العرضانية. غير أنه ينبغي الإشارة إلى أنها تختلف عن الوضعية الإدماجية، أو ما يعرف بوضعيات الإدماج التي يصوغها المدرس بغية تمكين المتعلمين من التحكم في كفاياتهم عن طريق تدريبهم على التعامل مع المركب، وذلك بتعبئة مواردهم بشكل يضمن لها الاندماج والتكامل من أجل حل المشكلات. وانطلاقا من قاعدة أن المتعلم ينبغي أن يُقوم بالطريقة التي بها يُعلّم، كان من الضروري أن
الهوامش
[1] محمد صلاح الحثروبي، المدخل إلى التدريس بالكفايات، دار الهدى، الجزائر، ص37.
[2]رياض بن علي الجوادي، مفاهيم تربوية حديثة، ط2، دار التجديد 2016م-1438ه، ص 33-34 بتصرف.
[3]رياض بن علي الجوادي، مفاهيم تربوية حديثة، ص 33-34 بتصرف.
[4]صباح ساعد ووسيلة بن عامر، الخطوات الإجرائية في بناء الوضعية التقويمية وفق المقاربة بالكفايات، مجلة السراج في التربية وقضايا المجتمع، العدد 8، دجنبر 2018م، ص 28.
الصفحة 4
ينطلق المدرس من وضعية مشكلة دامجة ترمي إلى بناء الكفايات المطلوبة. إذ "لا يمكن للمتعلم أن يدمج مكتسبا معينا إلا إذا واجه عدة وضعيات مشكلة مركبة (الوضعية المشكلة الدامجة)" [1].
وتتكون الوضعية المشكلة الدامجة من عناصر ومكونات أساسية وهي كالآتي:
- السياق ويتضمن المعطيات المتعلقة بالوضعية موضوع الدراسة.
- الأسناد (نصوص، صور، مقاطع فيديو، احصائيات، خرائط، وقائع وأحداث ...).
- التعليمات أو المهمات.
ثانيا: ضوابط صياغة الوضعية المشكلة:
إن صياغة الوضعية المشكلة الدامجة يتطلب احترام مجموعة من الضوابط منها[2]:
- موضوع الوضعية المشكلة ينبغي أن يكون مستوحى من الواقع المعيش، في حدود البرامج المقررة.
- تحمل مدلولا بالنسبة للمتعلم؛
- تتجه في صياغتها إلى المتعلم بصفته مخاطبا؛
- تنطلق الوضعية المشكلة من معطيات تمهيدية تؤسس لعقدة السؤال؛
- تكون كفيلة بإقحام المتعلم في مأزق وتوريطه في تشغيل ما يمتلك من الطاقات والمهارات للخروج من المشكلة؛
- تجعل المتعلم يشعر بأنه الوحيد المعني بالوصول إلى طريقة المعالجة والحل؛
ثالثا: خطوات وآليات لحل الوضعية المشكلة:
الهوامش
[1] كزافييه، بيداغوجيا الإدماج، ترجمة نصر الدين الحافي وحماني أقفلي، ط1، مكتبة المدارس، الدار البيضاء-المغرب 2011/، ص 304 بتصرف.
[2]عظيمي مسعودة، الوضعية المشكلة في منهاج الجيل الثاني منهاج التربية العلمية والتكنولوجية للسنة الرابعة من التعليم الابتدائي أنموذجا، مجلة الشامل للعلوم التربوية، المجلد 04ـ العدد 02، 09-2021م، ص 433 بتصرف.
الصفحة 5
إن حل الوضعيات المشكلة يستلزم اتباع مجموعة من الخطوات وتوظيف مجموعة من البيداغوجيات ذات العلاقة بالتعلم النشط، كما هو مبين في الآتي:
أ- خطوات حل الوضعية المشكلة[1]:
1- الشعور بالمشكلة؛
2- جمع المعلومات المتعلقة بحل الوضعية المشكلة، خاصة القضايا المثارة والمواقف؛
3- تحديد المشكلة وتوضيحها؛
4- صياغة الفروض بغية تمحيصها أثناء اختبار الحلول؛
5- التوصل إلى النتائج والقواعد والقوانين التي يمكن توظيفها في مواقف مشابهة.
ب- أهم البيداغوجيات الحديثة لحل الوضعيات المشكلة:
لقد تطورت أساليب وطرق واستراتيجيات التدريس بعد أن أخذت الأبحاث التربوية بالحسبان التطور العلمي الهائل، والقفزة الإلكترونية الكبيرة، فأصبحت تستشعر ضرورة إضفاء طرق حديثة بديلة عن الطرق التقليدية، والأصح أن نقول إضافة طرق حديثة إلى الطرق التقليدية في عملية التعليم والتعلم، ومن هذه الطرق والاستراتيجيات على سبيل المثال لا الحصر ولا العد ما يلي:
- العصف الذهني: وهي عملية اسـتمطار الأفكـار وتوليـدها، وهـي مهـارة ضرورية ولازمة لممارسة بقية مهارات التفكير، تساعد على حل المـشكلات بـشكل إبـداعي، وتُتيح الفرصة للمتعلمين لتوليد أكبر عدد ممكن من الأفكار بشكل تلقائي وسريع، ثم غربلـة الأفكار واختيار الحل المناسب لها[2].
التعلم بالاكتشاف: تُتيح طريقة التعلم بالاكتشاف للمتعلمين الاشتراك الفعال في عملية التعلم، وينظر إليها عـلى أنـها العملية التي يصل بها المتعلم إلى الحل، أو الناتج أو الوصول لمعلومة بعينهـا، وقـد يحـصل الاكتشاف عند مواجهة الطالب للمشكلة، فيبحث عـن طـرق الحـل أو إعـادة الحـل، مـما يزيد قدرته على التفكير،
الهوامش
[1] وليد أحمد جابر، طرق التدريس العامة تخطيطها وتطبيقاتها التربوية، ط6، دار الفكر- عمان الأردن 1435ه-2014م، ص 232 بتصرف.
[2] وليد أحمد جابر، طرق التدريس العامة تخطيطها وتطبيقاتها التربوية، (م.س)، ص 128.
الصفحة 6
- والاكتشاف، وتساعد المتعلمين على تخزين المعلومات بطريقة تجعلهم يستطيعون استرجاعها بسهولة وقتما شاءوا[1].
- التعلم التعاوني: يسمح التعلم التعاوني بإشراك مجموعة من المتعلمين في تنفيذ عمل، أو نشاط تعليمي، أو حل مشكلة مطروحة، ويسهم كل منهم في النشاطـ، ويتبادلون الأفكار والأدوار، ويُعين كل منهم الآخر في تعلم المطلوب حسب إمكاناته وقدراته[2].
وبناء على ذلك يُمكن القول إن الوضعية المشكلة ولاسيما الدامجة "تأخذ بعدا مركزيا في التربية المستندة إلى الكفايات؛ لأنها وسيلة تضمن تحرك الكفايات داخل التوجه البنائي والسوسيوبنائي للتعلم، فالمشكلات التي تتضمنها الوضعية تدعو المتعلم إلى التفكير وإعمال قدراته العقلية واستخدامها بفعالية لإيجاد الحل الأنسب"[3]. لذاك تُعد إحدى الاستراتيجيات الفعالة التي لا يمكن الاستغناء عنها في تنزيل بعض مبادئ نظريات التعلم، وتفعيل بعض البيداغوجيات الحديثة.
ثانيا: مرجعيات التعلم القائم على حل المشكلات:
يعتبر التعلم القائم على حل المشكلات، وبالأخص الوضعيات المشكلة الدامجة من التطبيقات التربوية للتعلم القائم على مجموعة من النظريات، ولا سيما المشهورة منها والمعتمدة في بلد المغرب كالنظرية البنائية، والسوسيو بنائية، والنظرية الاجتماعية، ونظرية الذكاءات المتعددة، والجشطلتية، وفيما يلي أهم نظريات التعلم ذات الصلة بالوضعيات المشكلة:
1- النظرية الجشطلتية:
يرى أصحاب هذه النظرية أن التعلم ينطلق من الكل قبل الجزء، وأن السلوك يصدر بعد إعادة تنظيم مختلف عناصر التعلم حسب المواقف المختلفة، وبهذا يختلفون عن النظريات التي جعلت السلوك قابلا للتحليل وللقياس عبر ربطه بالمثيرات. وعليه فإن " الأمر المحوري في نظرية الجشطلت[4] هو الإدراك، والإدراك يكون إجماليا أولا، ثم يتدرج
الهوامش
[1] وليد أحمد جابر، طرق التدريس العامة تخطيطها وتطبيقاتها التربوية، (م.س)، ص 124.
[2] قاسم علي قحوان، إضاءات في أصول التربية، ط1، دار غيداء للنشر والتوزيع، عمان -الأردن 1437ه-2016م، ص 176.
[3] ماجد أيوب القيسي، المناهج وطرائق التدريس، ط1، دار أمجد للنشر والتوزيع، عمان-الأردن 2018م، ص 83.
[4] الجشطلت مصطلح ألماني يراد به: البينة: أو الشكل، أو الكل، أو الصيغة، أو المجال الذي يقع عليه الإدراك الأولي للشخص. إن مصطلح الجشطلت حسب فيرتمير هو: كل مترابط الأجزاء باتساق وانتظام؛ بحيث تكون الأجزاء المكونة له في ترابط دينامي فيما بينها من جهة، ومرتبطة مع الكل ذاته من جهة أخرى، فكل عنصر أو جزء من الجشطلت له مكانته ودوره ووظيفته التي تتطلبها طبيعة الكل.محمد حرب اللصاصمة، علم النفس المدرسي الحديث، دار الحامد للنشر والتوزيع 2007، ص 153..
الصفحة 7
إلى التفاصيل، وبعبارة أخرى لا تفهم التفاصيل إلا في إطار الكل الذي يجمعها، فمنه تأخذ معناها، ومن ترابطها بشكل أو آخر في الكل التي هي أجزاء فيه، يكون لهذه الأجزاء تأثيرها. وإن التعلم هو استبصار في هذا الكل، وفهم حقيقي للعلاقات القائمة بين أجزائه، بحيث يصبح لها معنى، وليس مجرد اشراطات بين مثيرات واستجابات أو ما شابه ذلك"[1]. وبما أن الوضعية المشكلة ينبغي أن تثير دافع المتعلم بما تحمله من حواجز، أو ألغاز وعقد، وتدفعه نحو التفكير المنظم لإيجاد الحلول المناسبة، فإنها بذلك تعتبر آلية خادمة للتطبيقات التربوية لمبادئ نظرية الجشطلت؛ لأنها تتوافق مع ما يراه الجشطلتيون في كون "التفكير نوع من التنظيم الإدراكي للعالم الخارجي، ويمكن فهمه من خلال معرفة الأسلوب الذي يتبعه المتعلم في إدراك المثيرات التي يتضمنها مجاله الإدراكي، لذا يُعتبر التفكير وحل المشكلات عمليات معرفية داخلية، ويعتبرون أن الأفراد القادرين على حل المشكلات هم أولئك الذين يتمكنون من إدراك المظاهر الرئيسية للمهمة التي تتطلب نوعا من الحل الاستبصاري، وأن ظهور الحل على نحو سريع ومفاجئ يوحي بسلوك الفرد وقيامه بإعادة إدراك المثيرات في الوضع القائم على المشكلة"[2]
2- النظرية البنائية:
تقوم النظرية البنائية على عدة مبادئ منها[3]:
- المتعلم يبني تعلماته في ضوء خبراته السابقة.
- المتعلم يبني معنى لما يتعلمه بنفسه ذاتيا.
- لا يحدث التعلم ما لم يحدث تغيير في بنية الفرد المعرفية، حيث يعاد تنظيم الأفكار والخبرات الموجودة بها عند دخول معلومات جديدة.
- يحدث التعلم على أفضل وجه عندما يواجه المتعلم مشكلة أو موقفا حقيقيا واقعيا.
الهوامش:
[1] حنان عبد الحميد العناني، سيكولوجيا التربية، سيكولوجيا التربية، دار صفاء، عمان، ط 5، 2014 (م.س)، ص192.
[2] محمد عبد السلام، استراتيجيات التدريس الحديثة دليل المعلم الناجح، مكتبة نور 2021م، ص 154 بتصرف.
[3]عادل بن مساعد الرشيدي، النظرية البنائية، بحث مقدم كأحد متطلبات مقرر الأصول الفلسفية والاجتماعية للتربية، جامعة الملك سعود، كلية التربية، 1436/1437هـ، ص 10.
الصفحة 8
- الخطأ والفهم والاستدلال والتجربة والتوازن من شروط التعلم.[1].
وقد حدد كمال زيتون مبادئ النظرية البنائية في الآتي:[2]
- التعلم يحدث بشكل طبيعي: التعلم الطبيعي يأخذ المتعلم إلى طريق التوجه الذاتي للتعلم، حيث يتحكم المتعلم في تعلمه، ويديره، ويقــــوده ذاتيا.
- التعلم عملية نشطة: يمارس المتعلم النشاط في معالجته للمعلومات، وتغيير أو تعديل بنيته العقلية، فيبذل المتعلم جهدا عقليا، ليكشف المعرفة بنفسه.
- يقود الاتزان لحدوث التعلم خلال عملية التعلم: بحيث يوضع المتعلم في موقف يجد فيه بنيته المعرفية الحالية غير مناسبة لتعلم ما يود تعلمه، فيشعر بحالة من عدم الاتزان فيحدث تغييرا في البنية المعرفية لديه ليستعيد هذا التوازن.
- التعلم عملية وجدانية: التعلم الجيد هو الذي يعتمد على الجانب الوجداني، فلابد أن يمتزج الموقف التعليمي بالجاذبية، والتشويق، والفضول، والإثارة، فمثل هذه العوامل تجذب المتعلم بدافعيته نحو التعلم.
- يبني المتعلم هويته العلمية: بمعنى أن المتعلم يجب أن يتعرف بمساعدة المعلم على ما يمتلكه من معرفة بالفعل، ليبني فوقها المعلومــات التي يكتسبها، ويحولها لمعرفة تشكل هويته العلمية التي تكون في الأساس نتاجا للخبرات التعليمية التي شارك فيها.
- التعلم عملية بنائية ومستمرة: التعلم عملية إبداعية يقوم فيها المتعلم بتنظيم تراكيبه المعرفية، وتعديلها بحيث تؤدي لاكتساب خبرات جديدة المعنى.
ولتحقيق مبادئ النظرية البنائية ينبغي الانطلاق من الوضعية المشكلة التي تستحضر في سياقها المعارف المسبقة للمتعلمين، ولاسيما التمثلات الخاطئة وجعلها الأساس الذي ينطلق منه المدرس، باعتبارها فاعلة أساسية في إثارة دافع التعلم؛ لأن المتعلم حين يجد نفسه أمام عائق يعجز نسبيا عن تجاوزه، لعدم ملائمة مكتسباته مع ما
الهوامش:
[1] خالد المير وآخرون، سلسلة التكوين التربوي، دار الاعتصام، الدار البيضاء، العدد الثاني، ص 36-37 بتصرف.
[2] كمال زيتون، التدريس نماذجه ومهاراته، عالم الكتب، القاهرة، ص 19-20.
الصفحة 9
يعترضه من مشكلات، يضطر للتفكير والبحث والمحاولة والتجربة والاستدلال، بحثا عن حصول التوازن الداخلي وإطفاء الصراع المعرفي الحاصل لديه، فعند تحقق ذلك يمكن القول أننا أمام مؤشر واضح على حدوث التعلم. وعليه، فإن الوضعية المشكلة آلية تسعى نحو جعل المتعلمين يتعلمون ذاتيا، فهم من يستشعرون المشكلة، وهم من يفكرون، ويناقشون ويجربون، ويعممون النتائج على الوضعيات المشابهة، فيكونون بذلك نشطاء بين منزلتين، منزلة اللاتوازن المعرفي وتكون عند كل وضعية مشكلة يواجهونها، ومنزلة التوازن المعرفي وتكون بعد حل كل وضعية مشكلة تم حلها بنجاح، مما يدل على أن عملية التعلم عملية بنائية مستمرة وهو ما يتوافق مع كل مبادئ البنائية التي سبق ذكرها.
3- النظرية السوسيوبنائية:
يعتبر التصور السوسيو-بنائي للتعلّم امتدادا وتطويرا لنظرية بياجيه البنائية. وقد قام عالم النفس الروسي، ليف سيميونوفيتش فيكوتسكي بوضع أسس هذه النظرية في محاولة منه لتجاوز نقاط الضعف في نظرية بياجيه البنائية التي كانت ترى أن بناء المعرفة يتم بشكل فردي ومستقل، بينما فيكوتسكي، وانطلاقا من "التأكيد على أهمية رؤية الطفل كعنصر فاعل في المجال الاجتماعي والثقافي، يقدم تصويبا لآراء بياجيه، معتبرًا أن الفكر والفعل مرتبطان بشكل لا ينفصل عن سياق اجتماعي معين، وأن التفكير هو عملية جماعية قائمة على التفاعل".[1] بحيث يتم التركيز في هذه النظرية على التفاعل بين المتعلم ومحيطه الاجتماعي. وبناء على ذلك ينبغي أن تصاغ الوضعية المشكلة في ظل المشكلات الحياتية التي يعيشها المتعلم، وعلى المدرس أن يوظف طريقة العمل بالمجموعات أو ما بات يعرف بالتعلم التعاوني؛ باعتبار أن التعلم يحدث في السياق الاجتماعي. ويقتصر دوره على التوجيه والتأطير والإشراف، والتدخل للتغذية الراجعة، وتمهيد المشكلات والسبل وتذليلها.
وبما أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، ينمو في جماعة، ويتعلَّم من الجماعة، ويكتسب قيم وعادات وتقاليد الجماعة، وقد أثبت الأبحاث المتعلقة بالفروقات الفردية بين المتعلمين أن منهم مَن لا يتعلَّم إلا في جماعة، فإن التعلُّم في الجماعة يكتسي أهمية كبرى، فعندما تختلف وجهات النظر، وتتباين التمثلات للموضوع أو المشكلة المطروحة، تحتك أفكار المتعلمين ببعضها، فتتدافع تارة، وتتقارب تارة أخرى، فناظر للمشكلة من هذه الجهة يقترح حلا معينا، وناظر إليها من الجهة الأخرى يقترح حلا آخر، فيحصل بذلك التعلُّم.
الهوامش:
[1] Jonathan Michie, Reader’s Guide to The Social Sciences, Routledge, V 1, 2000, p 181.
الصفحة 10
4- نظرية معالجة المعلومات:
إن نظرية معالجة المعلومة تستلهم الكثير من مقوماتها من النموذج المعلوماتي، وتنطلق من كون الذهن يعالج المعلومات كما يعالجها الحاسوب، لذلك كان ارتباطها ارتباطا وثيقا بنظرية معالجة المعلومات، وتمر هذه المعالجة بمستويات أربع: الاكتساب؛ التخزين؛ الاسترجاع؛ الاستعمال[1].
وعلى هذا الأساس يعتقد رواد هذه النظرية "بأننا نتعلم -عندما نعالج المعلومات- بتأثير العوامل الداخلية (التمثلات) أكثر من تأثير العوامل الخارجية، ولذلك فإن تفسيرنا للحادثة موضوع التعلم، وفهمنا لها، ولمعناها، يؤثر على تعلمها. ولهذا تفترض النظرية المعرفية أن التعلم حدث ذهني داخلي يمارسه المتعلم بهدف استدخال المعرفة على صورة خبرة معرفية"[2]. وعليه يمكن القول، إن العلاقة بين نظرية معالجة المعلومات والوضعية المشكلة علاقة امداد واستمداد، إذ إن عرض المشكلات من طرف المتخصصين على المتعلم ودراسة كيفية تعامله معها فهما وتفكيرا وحلا، يمكّن من تفسير طريقة اشتغال الدماغ في حل المشكلات واستخلاص نتائج ذلك وتوظيفها في صياغة مشكلات ديداكتيكية أخرى تكون منطلقا في عملتي التعليم والتعلم.
5- نظرية الذكاءات المتعددة:
نظرية الذكاءات المتعددة، هي نظرية وضعها عالم النفس الأمريكي هوارد جاردنر في بداية ثمانينات القرن الماضي، فاشتهرت نظريته بثمانية ذكاءات، غير أن جاردنر أكد على إمكانية وجود أنواع أخرى من الذكاءات، مثل الذكاء الروحي، والذكاء الوجودي، ونص على أن قدرات المتعلمين مرتبطة فيما بينها لكنها في بعض الحالات تكون منفصلة. واستند في ذلك على أدلة من قبيل أن إصابة المخ الناتجة عن السكتة الدماغية (مثلاً) تتداخل في غالبية الأحيان مع الوظيفة في إحدى المناطق، مثل اللغة؛ ولكنها لا تؤثر في وظائف مناطق أخرى. لذا قد يتميز الأفراد بنوع من الذكاء، بينما قد لا يكون لديهم قدرات ملحوظة في الذكاءات الأخرى.
الهوامش:
[1] سعيد حليم، المرجع في كيفية التدريس، ص 172 بتصرف.
[2] يوسف قطامي، النظرية المعرفية في التعلم، (م.س)، ص 32.
الصفحة 11
قد يسأل سائل عن علاقة هذه النظرية بالوضعية المشكلة. فالجواب:
إن صياغة الوضعية المشكلة أوسع بكثير مما قد يتبادر إلى الأذهان، حيث قد يظن البعض أن الوضعية المشكلة هي الوضعية المكونة من سياق لفظي، وأسناد لفظية، ومهمات؛ لكنّ ذلك ليس صحيحا، إذ من الممكن أن يعتمد المدرس على مقطع مصور (فيديو)، أو مجموعة من الصور كوضعيات مشكلة. في هذه الحالة قد يتفوق في حل هذا النوع من الوضعيات أصحاب الذكاء البصري، أو من الممكن أن يوظف إحصائيات حول حدث معين، فيتفوق في هذه الحالة أصحاب الذكاء الرياضي ...إلخ. بالإضافة إلى أن التطبيقات التربوية لنظرية الذكاءات المتعددة تعطي المتعلمين مجالا واسعا في الإبداع باعتباره أحد الصفات المميزة للأفراد المتمتعين بمستوى عال من الذكاء.
نخلص مما سبق إلى أن الوضعية المشكلة هي استراتيجية مهمة في التدريس، وآلية يمكن من خلالها تنزيل أهم المبادئ التي نصت عليها نظريات التعلم. غير أن ما بات يُعرف اليوم بالتعليم الصريح الذي ينص على أن المدرس ينبغي أن يكون محورا للعملية التعليمية، قد يوحي إلى تعارض جلي بين كل من التعليم الصريح واستراتيجية التدريس بالوضعية المشكلة، أو غيرها مما ينص على أن المتعلم هو من يبني تعلماته. من هذا المنطلق جاءت محاولة هذه الدراسة للإجابة عمّا بقي من الإشكالات المطروحة سابقا وهي: هل الوضعية المشكلة استراتيجية تتسم بالدقة والوظيفية وقابلية التطبيق في مختلف المواد وجميع المستويات؟ هل التدريس بالوضعية المشكلة يتعارض مع التعليم الصريح؟ إذا كان الجواب: نعم، فما فائدة الوضعية المشكلة ونظريات التعلم؟ وإذا كان الجواب: لا. فأية علاقة بين نظريات التعلم والتعليم الصريح؟
المحور الثاني: التعليم الصريح والتدريس بالوضعية المشكلة:
أولا: التعريف بالتعليم الصريح[1]:
التعليم الصريح أو البيداغوجية الصريحة من أحدث البيداغوجيات، أسسها الباحث والبيداغوجي سيفريد انجلمان سنة 1960. وطورها بأبحاثه باراك روزنشاين انطلاقا من ملاحظة أداء المدرسين ومستوى المتعلمين الذين
الهوامش:
[1] البيداغوجية الصريحة أو التعليم الصريح، سميرة بونكة، ص 2 وما بعدها. التدريس الفعال، ورشة تكوينية لفائدة المفتشين المواكبين لمشروع مدارس الريادة بتاريخ 27 و28 أكتوبر 2023. بتصرف.
الصفحة 12
يحصلون على نتائج جيدة. دامت الدراسة عشر سنوات حيث تمت فيها مقارنة تسع مقاربات بيداغوجية، وكانت الدراسة الأكبر والأطول من نوعها، وكان التعليم المباشر أفضل مقاربة من حيث النتائج سواء من حيث اكتساب الكفايات، أو من حيث تحقيق الأهداف. واستنادا إلى نتائجها وضع روز نشاين الخطوط الكبرى للبيداغوجية الصريحة سنة 1983. والبيداغوجية الصريحة هي إحدى طرق التعليم والتعلم النشط أو الفعال بحيث يكون التعليم فيها صريحا ومباشرا ومنظما يقوده ويوجهه المدرس، ظهرت وانتشرت في أمريكا الشمالية. تقوم على عدة مبادئ منها:
- التدريس الفعال هو تعليم صريح: حيث يُصرح للمتعلم بكل شيء، ويوضح له كيفية التفكير، وكيفية القيام بذلك، ولماذا يفعل ذلك؛ أي أن الأمر يتعلق بجعل غير المرئي مرئيا، من خلال عرض جميع المهام التي يتعين على التلاميذ القيام بها.
- التدرج من البسيط إلى المركب: وذلك للتحكم في مستوى الصعوبة والانسجام مع مبادئ تدبير الحمولة المعرفية[1] ، فجميع المهام المطلوبة من المتعلم يتم نمذجتها بشكل صريح قبليا. ويحرص الأستاذ على تعزيز نمذجته بأمثلة وأمثلة مضادة تحاكي الأخطاء المحتملة بغرض تجنبها، مع التركيز على النوع بدل الكم.
- التركيز على الدعم في بداية العملية التعليمية التعلمية مع مواكبته لجميع مراحل الدرس: الحرص على الانطلاق من دعم المكتسبات مع تنويع الأساليب والطرق، فيمكن أن يكون هذا الدعم مرئيا (الرسوم البيانية، قائمة الخطوات...)، أو شفهيا (شرح الأستاذ، تقاسم بين الأقران). مع الحرص على دعم وتثبيت وتوليف التعلمات بشكل منتظم ومتباعد تدريجيا يسمح بالعودة إلى ما تم تدريسه سابقا.
- التحقق الدائم والمنتظم من الفهم وحدوث التعلم: لا يتم المرور من مرحلة إلى أخرى إلا بعد تحقيق نسبة تحكم تفوق 80 %. وفي حالة عدم تحقق نسبة التحكم يلجأ الأستاذ إلى إعادة النمذجة أو إعادة التدريس.
- الحرص على رصد أخطاء المتعلمين بشكل منهجي ومعالجتها بالشكل المناسب: يعمل الأستاذ على الدفع بالمتعلم إلى التصريح باستراتيجياتهم الذهنية للوعي بطريقة تفكيرهم وإدراك مصادر أخطائهم وتجاوزها.
- ضمان التعلم الفعلي للجميع: بحيث يتم دعم المتعلمين المتعثرين ومواكبتهم داخل الفصل الدراسي وخارجه.
االهوامش:
[1] الحمولة المعرفية: يقصد بها سعة حمولة الذاكرة العاملة. ورشة تكوينية لفائدة المفتشين المواكبين لمشروع مدارس الريادة بتاريخ 27 و28 أكتوبر 2023.
الصفحة 13
- الرفع من إيقاع الدروس: استثمار أساليب التدريس الحديثة، بشكل صريح وبما يضمن الانخراط الفعلي النشط لكل المتعلمين.
- هيكلة الدروس: تنتظم المقاطع التعليمية وفق التدريس الفعال حول خمس مقاطع رئيسية:
1- افتتاح الدرس؛
2- النمذجة؛
3- الممارسة الموجهة؛
4- الممارسة المستقلة؛
5- اختتام الدرس.
وللإجابة عن الإشكال المطروح بخصوص تعارض التعليم الصريح مع الوضعية المشكلة، فإن الدراسة التي بين أيدينا تفند بشكل قاطع هذا الادعاء، وتنص على أن التدريس بالوضعية المشكلة لا يتعارض مع التعليم الصريح إذا ما تم توظيفها في سياقها المناسب (الممارسة الموجهة، والممارسة المستقلة)، كما أن التعليم الصريح ليس تلقينا، ولا بنائيا أو سوسيوبنائيا محضا، وإنما يجمع بينما هو بنائي وسوسيوبنائي وبين التعلم بالنمذجة التي يتوافق مع النظرية الاجتماعية، وفيما يلي أهم المرجعيات التي يقوم عليها التعليم الصريح:
1-النظرية الاجتماعية: تُعرف هذه النظرية بأسماء أخرى مثل نظرية التعلم بالملاحظة والتقليد، أو نظرية التعلم بالنمذجة، وهي من النظريات الانتقائية التوفيقية، نظرا لكونها تشكّل حلقة وصل بين النظريات المعرفية والسلوكية (نظريات الارتباط - المثير والاستجابة)، فهي في تفسيرها لعملية التعلم تستند إلى توليفة من المفاهيم المختلفة المستمدة من تلك النظريات.[1] وقد تم وضع أسس هذه النظرية من طرف عالم النفس الكندي ألبرت باندورا. وتقوم النظرية الاجتماعية على مفاهيم أساسية منها:
التعلم بالملاحظة: حيث يتعلم الناس (وخاصة الأطفال) من خلال مراقبة الآخرين ثم تقليد الأفعال الملاحظة.[2]
الهوامش:
[1] عماد الزغلول، نظريات التعلم، دار الشروق، عمان، ط 1، 2010، ص 139.
[2] Alan Slater and Gavin Bremner and others, An Introduction to Developmental Psychology, British Psychological Society and John Wiley & Sons Ltd, Third Edition, 2017, p 61.
الصفحة 14
التعلم بالتقليد أو الاقتداء: في هذا النوع من التعلم ينصب الاهتمام على نسخ جوانب السلوك، وفي بعض الأحيان تنسخ الاستجابات بدقة ودون فهم، وهو ما يطلق عليه التقليد المحض.
التعلم بالنمذجة: يعرف باندورا التعلم بالنمذجة بأنه عملية اكتساب استجابات بسيطة أو معقدة من خلال ملاحظة نموذج يقوم بأداء هذه الاستجابات. ويرى "ويتيج" أن التعلم بالنمذجة يتضمن ملاحظة بعض نماذج السلوك، ويلي ذلك أداء نفس السلوك أو سلوك مشابه، وقد يكون النموذج الملاحظ شخصاً آخر، أو أي نموذج يستطيع أداء السلوك، بما في ذلك الإنسان والحيوان، أو أية نماذج رمزية تتضمن مثيرات لفظية، كالتلفزيون أو السينما أو غيرها.[1]
خطوات التعلم بالنمذجة:
تتكون خطوات التعلم بالنمذجة من خمسة مراحل هي: [2]
- مرحلة العرض: وفيها يتم تعريف التلاميذ بالسلوك، حيث يُشرح لهم السلوك بطريقة مرئية ومسموعة.
- مرحلة الانتباه: وفيها يتم توجيه الانتباه إلى التركيز على السلوك الذي يتم شرحه وهذه الخطوة ملازمة
للمرحلة الأولى.
- مرحلة الممارسة: وفيها يعطى المدرس الفرصة للتلاميذ لممارسة السلوك المناسب.
- مرحلة تقديم التغذية الراجعة التصحيحية: حيث يقدم المدرس لتلاميذه التغذية الراجعة المتكررة والنوعية
والمباشرة والفورية لتعزيز السلوك المناسب والصحيح، ويتم تصحيح السلوك الخاطئ.
- مرحلة التطبيق: وفي هذه المرحلة يوفر المدرس للتلاميذ بعض الأنشطة والمواقف في الفصل لتطبيق ما تعلموه.
فهذه الخطوات تتوافق مع الخطوات التي يقوم عليها التعليم الصريح؛ لذلك يُمكن اعتباره من الاستراتيجيات الحديثة التي ينبغي الاهتمام بها؛ لأنه يسعى نحو منهجة عملية التعلم والتعليم وهيكلتها من خلال ضبط مراحلها وتعميمها لضمان المشاركة الفعالة لكل المتعلمين والمتعلمات.
انطلاقا من هذا الأساس قد يسأل سائل عن مصير التوجه البنائي والسوسيوبنائي في علمية التعليم والتعلم، لاسيما وأن البيداغوجية الصريحة قد جعلت من المدرس محورا أساسا في التعليم، فالجواب: إن التعليم الصريح لا ينص على إلغاء محورية المتعلم في العملية التعليمية التعلمية، وليس بديلا عن التوجه البنائي والسوسيوبنائي، وإنما عملية
الهوامش:
[1] عواطف محمد حسانين، سيكولوجية التعلم، المكتبة الأكاديمية، القاهرة، ط 1، 2012، ص 148.
[2] عواطف محمد حسانين، سيكولوجية التعلم، (م.س)، ص 152.
الصفحة 15
بناء المعرفة تحضر بقوة في مرحلة الممارسة المستقلة للمتعلمين، ولا نبالغ إذا قلنا إن بناء المعرفة في ظل البيداغوجية الصريحة قد يكون أنجع من بنائها في غيرها، باعتبارها قدمت نموذجا بنائيا مؤطرا من المدرس أثناء مرحلة النمذجة والممارسة الموجهة، وهذا ما يُجنب المتعلمين أخطاء وتعثرات بفضل محاكاتهم للمدرس في التعامل مع الوضعيات وفهمها وحل المشكلات وبناء المعرفة، فالمدرس في البيداغوجية الصريحة موجه وميسر لبناء المعرفة وإكساب الكفايات، وليس ملقنا أو مسيطرا على المعرفة. إن المتعلم والمدرس معا، أصبحا محور عملية التعليم والتعلم، فالمدرس يوجه ويرشد وييسر ويقوم ويدعم. والمتعلم يمارس ويجرب، ويناقش ويحلل، ويحل المشكلات، كل ذلك عن طريق المحاكاة. وعليه يمكن القول إن المدرس قد أضيفت له مهمة جديدة، وهي تعليم المتعلم كيف يتعلم ويبني معرفته، وكيف يفكر ويحلل، كيف يطبق ويوظف، كيف يركب ويقوم ...إلخ.
2 - النظرية المعرفية: إن سيرورة التعلم في النظرية المعرفية تمر عبر المراحل الآتية[1]:
1- مرحلة المثيرات والمنبهات؛
2- مرحلة الترميز؛
3- الانتباه الانتقائي؛
4- مرحلة التخزين والاحتفاظ؛
5- مرحلة الاستعادة والاسترجاع.
وللتعليم الصريح ارتباط وثيق بالنظرية المعرفية، إذ تُعتبر أحد النظريات التي يقوم عليها، وذلك لكونه "يجعل احترام الحمولة المعرفية للمتعلم شرط أساسي لحدوث التعلم"[2]. بالإضافة إلى أنه يهتم بكيفية عمل الذاكرة من حيث طرق التخزين والاحتفاظ، وكذلك من حيث الاستعادة والاسترجاع. وتُعتبر النظرية المعرفية مرتعا خصبا يمكن الإفادة منها، ولا سيما أنها تعتبر "معرفة الإنسان بالعالم الخارجي أو البيئة المحيطة به ليست معرفة مباشرة، لأن خبرة الفرد بالبيئة، تقوم على نوعية المعلومات أو المثيرات المتوافرة في البيئة، والتي يمكن ترميزها، فالمثيرات غير المرمزة لا تشكل جزءا من خبرتنا، ولا نستطيع معالجتها. وتنطوي البيئة عادة على حوادث ومثيرات متعددة ومتنوعة، لا نستطيع ترميزها جميعا، بسبب افتقارنا إلى الأجهزة الحسية اللازمة لاستقبال بعض هذه المثيرات، مثل الموجات
الهوامش:
[1] عبد المجيد نشواتي، سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 374.
[2] ورشة تكوينية لفائدة المفتشين المواكبين لمشروع مدارس الريادة بتاريخ 27 و28 أكتوبر 2023. بتصرف.
الصفحة 16
الضوئية أو الأشعة فوق البنفسجية، أو بعض الترددات الصوتية، وهناك بعض المثيرات الأخرى التي نستطيع إدراكها، وترميزها، إلا أننا لا نرغب في ذلك، بسبب عدم توجيه انتباهنا إليها. لذلك فإن قضية توجيه الانتباه تبقى قضية مهمة وهو ما يطلق عليه بالانتباه الانتقائي؛ لأن الانتباه يتم على نحو انتقائي لبعض أجزاء من المعلومات الحسية وإهمال البعض الآخر، اعتبارا لعدة عوامل منها خصائص المثيرات أو المنبهات، وأهميتها، والخبرة السابقة بمثل هذه المنبهات. فعلى سبيل المثال قد تشاهد الكثير من المناظر وتسمع الكثير من الأصوات أثناء تجولك في الأماكن العامة، ولكن لا يتم الاحتفاظ بكل هذه المنبهات باستثناء تلك التي توليها مزيداً من الانتباه والاهتمام. "[1]
أما مرحلة التخزين والاحتفاظ فتتعلق بذاكرة الإنسان؛ وتقوم على مبادئ منها[2]:
- تذكر الحوادث والمثيرات بعد فترات زمنية قصيرة جدا، يختلف نوعا وكما عن تذكر هذه الحوادث والمثيرات بعد فترات زمنية أطول؛
- طاقة الذاكرة قصيرة المدى محدودة؛
- بعض المعلومات المخزنة تتلاشى بعد مرور وقت وجيز؛
- بعض المعلومات تنتقل للذاكرة طويلة المدى لتصبح أكثر ثباتا مع مرور الزمن، وأقل عرضة للتأثر بالمدخلات الجديدة من المعلومات في الذاكرة قصيرة المدى.
ولقد "عرف برودبينت الذاكرة بأنها نظام متعدد المراحل وهي: المسجل الحسي، والمخزن القصير المدى، والمخزن الطويل المدى.
الهوامش:
[1] عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، (م.س) ص 142؛ عبد المجيد نشواتي، سيكولوجيا التربية، (م.س) ص 374-375 بتصرف.
[2] حنان عبد الحميد العناني، سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 199-200 بتصرف.
الصفحة 17
"إن المعلومات يتم معالجتها في مراحل متتالية، وكل مرحلة تظهر في تركيب خاص في نظام الذاكرة، أولها مرحلة المسجلات الحسية، وهي عبارة عن مسجلات سمعية، بصرية، تستقبل مجموعة من الإشارات المادية من البيئة، وجدير بالذكر أن معظم هذه الإشارات يتم فقدانها بعد بقائها في المسجلات الحسية لمدة تتراوح بين (0,5 – 2 ثانية)، ويتم اختيار المتبقي لعملية المعالجة التالية، وفي حال رفضها يتم إسقاطها من النظام المعرفي. وعلى هذا الأساس فإن المعلومات التي تم اختيارها لعملية المعالجة التالية تدخل الذاكرة قصيرة المدى، فإذا تم ترميزها وأصبحت ذات معنى فإنها تتحول إلى الذاكرة طويلة المدى للتخزين الدائم."[1] وبعد المرور من هذه المراحل تأتي مرحلة عملية الاستعادة والاسترجاع؛ بحيث "تشير هذه العملية إلى البحث عن المعلومات المرغوب فيها في مخـزن الذاكرة وتعيين موقعها في هذا المخزن، وعملية تجميع هذه المعلومات وتنظيمها، وعملية أدائها على شكل استجابات ذاكرية"[2].
إن معرفة طريقة عمل الذاكرة يستوجب اتباع خطوات محددة تتوافق وطريقة عملها، وهو ما تسعى البيداغوجية الصريحة تحقيقه من خلال المبادئ التي تقوم عليها، خاصة مبدأ انتظام الدعم والمراجعة والتوليف، والتحقق الدائم من الفهم.
إذا كانت النظرية الاجتماعية والنظرية المعرفية من أهم المرجعيات التي يقوم عليها التعليم الصريح، فإن مبادئ النظرية البنائية والسوسيوبنائية والجشطلتية ونظرية الذكاءات المتعددة ينبغي أن تكون منطلقا في مرحلة الممارسة المستقلة للمتعلمين باعتبارها مرحلة تفسح المجال أمام المتعلمين لبناء معارفهم وتوظيف كفاياتهم، كما ينبغي أن تكون
الهوامش:
[1] يوسف محمد قطامي، نظريات التعلم والتعليم، (م.س)، ص 210 بتصرف.
[2] حنان عبد الحميد العناني، سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 200.
الصفحة 18
مرجعا للمدرس في تصميم أنشطته ووضعياته، سواء الديداكتيكية منها أو التقويمية، حينئذ وفقط نكون في صلب المقاربة بالكفايات، ويمكن حينها أن نتحدث عن فعالية التعليم والجودة والمدرسة الرائدة.
المحور الثالث: نموذج تطبيقي للوضعية المشكلة الدامجة لمادة التربية الإسلامية " الثانية بكالوريا أنموذجا".
كتبتم مقالا على صفحة الفايسبوك تحت عنوان «إن الهدف من الاجتهاد والتجديد هو جلب المصالح ودفع المفاسد» محاولين أن توظفوا ءايات من سورة يس، ومقتطفات من خطبة الوداع التي نصت على أهم الحقوق. فوقع نقاش بينكم حيث قال الصديق عمر: أعتقد أن مسألة الاجتهاد والتجديد تتناقض مع قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ اُ۬لِاسْلامَ دِينا﴾[1]. وهذا الأمر نتج عنه عدة اشكالات منها عدم ايجاد أحكام لعدة مسائل مستجدة لم تكن في حياة النبي ﷺ كمسألة التدخين، الذي يدعي بعض العلماء تحريمه دون سند شرعي. هذا الجمود في الشريعة الإسلامية أدى إلى شك وإلحاد كثير من الناس، وفي بعض الحالات تشددهم وتطرفهم. كذلك بالنسبة لقضية الحرية والتوحيد، أليس هذا هو التعارض نفسه!؟ أليس التوحيد يقتضي الخضوع التام لله، في حين تعني الحرية ألا تكون عبدا. رد عليه صديقكم أحمد: الحرية لا تتحقق إلا بالتوحيد، والله سبحانه ورسوله ﷺ قد فصلوا كل شيء، قال تعالى: ﴿وَكُلَّ شيْءٖ فَصَّلْنَٰهُ تَفْصِيلاٗ﴾[2]، لكنّ الجهل بخصائص الشريعة الإسلامية هو سبب قولك لذلك. أما ذكرك للتشدد والتطرف فسببهما يرجع إلى عدم الإلمام بضوابط فهم النص الشرعي.
فقررتم نشر نقاشكم على صفحتكم فوصلتكم بعض التعاليق.
تضمن هذا النموذج من الوضعية المشكلة الدامجة مجموعة من دروس مادة التربية الإسلامية للسنة الثانية بكالوريا وهي:
- سورة يس؛
- التوحيد والحرية؛
- الاجتهاد والتجديد؛
الهوامش:
[1] سورة المائدة، الآية 4.
[2] سورة الإسراء، الآية 12.
الصفحة 19
- ضوابط فهم النص الشرعي؛
- التوسط والاعتدال؛
- الإلحاد بين الحقيقة والوهم؛
- مقاصد الشريعة الإسلامية؛
- إكمال الدين ووفاة الرسول ﷺ؛
- خصائص الشريعة الإسلامية.
وقد تمت إثارة مجموعة من المشكلات المتفرعة عن إشكالية عامة ناتجة عن اختلاف الآراء حول قضية الاجتهاد والتجديد، هذه المشكلات ينبغي أن تُحدد من طرف المتعلمين بمساعدة وتوجيه المدرس بعد قراءتهم للوضعية المشكلة الدامجة وتحديد قضاياها ومواقفها المختلفة، ولعل أبرز هذه المشكلات مايلي:
- اعتقاد الصديق عمر أن الاجتهاد والتجديد يتناقض مع قوله تعالى: ﴿اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نعمتي وَرَضِيتُ لَكُمُ اُ۬لِاسْلَٰمَ دِينا﴾ سورة المائدة.
- الجهل بحكم التدخين.
- اتهام الشريعة الإسلامية بالجمود والتطرف.
- ظن عمر أن غياب الأجوبة الدينية على مجموعة من الأسئلة سبب من أسباب وقوع الناس في الحرج والتطرف والإنكار إلى حدّ الإلحاد أحيانا.
- زعم التعارض بين الحرية والتوحيد.
- الجهل بدور بخصائص الشريعة الإسلامية وضوابط فهم نصوصها.
بعد تحديد مختلف المشكلات وفهمها يتم الانتقال إلى مرحلة تطعيم الوضعية بالأسناد المناسبة والسياقات الملائمة، وذلك عبر ربط الوضعية المشكلة الدامجة بوضعيات جزئية تابعة لها وخادمة لأحد الدروس المتضمنة فيها، كأن يقول المدرس على سبيل المثال لا الحصر:
الصفحة 20
بعد أن نشرتم نقاشكم على صفحتكم وصلتكم بعض التعاليق المتعلقة بدرس التوحيد والحرية، ومن هذه التعليقات ما يلي:
- التعليق الأول ردا على الصديق الأول:
قلت بأن التوحيد يتعارض مع الحرية، بحجة أن التوحيد يقتضي الخضوع لله عز وجل بالعبادة في حين تعني الحرية ألا تكون عبدا. فهل يمكن أن تأتي بنظام مادي(طبيعي) أو مؤسسي ينص على الحرية المطلقة؟
- التعليق الثاني ردا على الصديق الثاني.
ماذا تقصد بكون الحرية لا تتحقق إلا بالتوحيد؟ لأنني أظن أن الحرية تقتضي أن يعيش الانسان وفق ارادته في قراراته واختياراته غير خاضع لأي قيد، أو ضابط كيفما كان.
- السند الأول: بَابُ مَا تَنْطِقُ بِهِ الأَلْسِنَةُ وَتَعْتَقِدُهُ الأَفْئِدَةُ مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ
مِنْ ذَلِكَ: الإِيمَانُ بِالْقَلْبِ وَالنُّطْقُ بِاللِّسَانِ والعمل بالجوارح َبقتضى أنَّ اللهَ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، وَلاَ شَبِيهَ لَهُ، وَلاَ نَظِيرَ لَهُ، وَلاَ وَلَدَ لَهُ، وَلاَ وَالِدَ لَهُ، وَلاَ صَاحِبَةَ لَهُ، وَلاَ شَرِيكَ لَهُ . كتاب الرسالة لابن أبي زيد القيرواني بتصرف
- المهمات:
1- حدد قضية التعاليق؟
2- ما موقفكم من صاحب التعليق الأول؟
2- هل تعتقد بأن دول الغرب تحترم الحريات؟
3- قم بتصويب قول صاحب التعليق الثاني حتى يصبح قوله مفهوما شرعيا مناسبا للحرية
4- استعن بمكتسباتك وبالسند الأول وصغ مفهوما مناسبا للتوحيد؟
وبعد الانتقال من الكل إلى الجزء؛ أي من الوضعية المشكلة الدامجة إلى الوضعية المشكلة الجزئية ومعالجة مقاطع درس التوحيد والحرية بما يناسب من الأسناد والمهمات، يتم الانتقال إلى وضعية جزئية أخرى، وأسناد أخرى متعلقة بدرس آخر، كالاجتهاد والتجديد، وضوابط فهم النص الشرعي على سبيل المثال:
الصفحة 21
قلتم في مقالكم بأن الهدف من الاجتهاد والتجديد هو جلب المصالح ودفع المفاسد، فكيف يمكن لنصوص شرعية محدودة متناهية أن تجلب المصالح وتساير وقائع الناس وحوادثهم المتجددة غير المتناهية. أعتقد أنه ليس من المعقول حصر اللامحدود بالمحدود وعلى هذا الأساس فخاصية التجديد في الشريعة الإسلامية لا أساس لها من الصحة.
أجبتم بعد أن تذكرتم صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان من خلال درس خصائص الشريعة الإسلامية (يكون قد تم إنجازه بوضعية جزئية خاصة به): يجب علينا تفعيل دور الاجتهاد حتى تستطيع الشريعة مواكبة مستجدات الحياة.
عقب صديقكم أحمد: إن فتح باب الاجتهاد يؤدي إلى قول كل واحد منا برأيه في القرآن والسنة، وليس هذا إلا انتهاك لحرمة وقداسة النصوص الشرعية.
فقررتم الرد بقولكم: إن الاجتهاد ما هو إلا وسيلة نصل بها إلى المراد، ولابد من وجود ضوابط للتعامل مع النصوص الشرعية. فتعجب الكل من مداخلتكم فسألوكم عن أي ضوابط تتحدثون؟
بناء على هذا النموذج يتبين أنه من الممكن الانطلاق التدريس بوضعية مشكلة دامجة تُذيل بوضعيات جزئية تابعة لها مصحوبة بأسناد وظيفية مناسبة لحل كل مشكلة على حدة، وذلك بعد صياغة الفروض المتعلقة بالدرس موضوع الحصة، لكيلا يكون المدرس أمام عدد كبير من الأسناد، ووضعيات طويلة لعرض السياق، فيتجنب بذلك تشويش ذهن المتعلمين بأسناد أو سياقات لا تخدم موضوع الدرس. إذن، يمكن استخلاص قاعدة مهمة وهي:"لكل سياق مشكلته، ولكل مشكلة أسناد ومهمات لحلها، وحل كل مشكلة هو جزء من حل الإشكالية العامة".
الصفحة 22
من خلال ما سبق يمكننا الخروج بعدة نتائج وتوصيات أهمها:
- النتائج:
1. الوضعية المشكلة الدامجة استراتيجية ذات أهمية كبرى في التدريس بالكفايات.
2. الوضعية المشكلة الدامجة هي أحد طرق التدريس المهمة إلى جانب مجموعة من الطرق الأخرى التي لا تقل أهمية عنها.
3. لا ينبغي الاستغناء عن التدريس بالوضعية المشكلة إلا لضرورة تقتضيها بعض الدروس كدرس القرآن الكريم.
4. الوضعية المشكلة الدامجة لا تتعارض مع التعليم الصريح.
5. التعليم الصريح جاء لتنظيم عملية التعلم والتعليم وهيكلتها من حيث الأدوار والطرق والوسائل، ولم يأت بديلا عن طرق التدريس السابقة وعلى رأسها التدريس بالوضعية المشكلة.
- التوصيات:
6. العمل على صياغة بنك للوضعيات المشكلة الدامجة حسب المواد والمستويات.
7. عقد ندوات ومؤتمرات للتعريف بالتعليم الصريح والوضعية المشكلة في ضوء علاقته بمختلف النظريات والبيداغوجيات التربوية.
8. تنظيم تكوينات وورشات تعمل على تنمية كفايات المدرسين المتعلقة بالمهننة.
9. استقطاب الكفاءات من حاملي الشهادات للإشراف على التكوينات والورشات وتأطير المدرسين والمدرسات.