أزمة القيم في المنظومة التربوية، الواقع، التحديات، الحلول

المؤلف: محمد ملحاوي

التصنيف: مقالات علمية

عرض PDF

الوصف:

مقال علمي محمكم نشر في مجلة أنساق للفنون والآداب والعلوم الإنسانية ضمن الإصدار السابع عشر، المجلد الخامس، العدد الثالث، بتاريخ 19 نوفمبر 2024

ملخص الدراسة

إذا كان المنهاج التربوي قد نص على تربية المتعلمين على القيم، فإنه يتحتم على كل المتدخلين في الفعل التربوي إعادة النظر في كل أسسه بما فيها الأسس الفلسفية؛ لأنه يبدو أن تمت إشكالات على مستوى تمثل وتطبيق القيم على أرض الواقع، إذ الملاحظ أن المتعلمين لا يتمثلون ما يتلقونه في المؤسسات التعليمية، فهم يعيشون فتقا معرفيا وقيميا بين ما يدرسونه وما يعيشونه، لذلك جاءت هذه الدراسة من أجل تسليط الضوء على أهم الصعوبات والتحديات التي تقف عارضا أمام تربية الناشئة على القيم، وذلك بالاعتماد على المنهج الوصفي التحليلي المحكوم بضوابط اللغة ودلالات الاصطلاح والنقد البناء. نستطيع أن نقول بأن التربية على القيم بات مدخلا أساسيا لإصلاح المجتمع -أي مجتمع كان - وعليه تصبح مسألة العناية بالمنهاج التربوي بمختلف مكوناته باعتباره حاضنا للقيم، أمرا في غاية الأهمية؛ ذلك أننا متى تمكنا من التحكم في تصميمه صياغة وتنزيلا وتقويما، أمكننا ذلك من تحقيق مخرجاته وعلى رأسها مسألة التربية على القيم. إن النظر في طبيعة القيم وقيمتها الوظيفية يساعدنا على إدراك العلاقة بينها وبين إعداد الجيل الصالح المنشود، ومن ثم يمكننا أن ندرك حجم الأهمية التي يكتسيها كل طرف بالنسبة للطرف الآخر، ولما كان صلاح المجتمع رهين بمدى تمثل أفراده للقيم، فإن ما يترتب على ذلك، الاستنتاج اللازم القائل: "إن النهوض بالمنظومة التربوية رهين بمدى قدرتها على ترسيخ القيم"، وعليه يمكننا القول إن الوضع المأزوم لمخرجات المنظومة التربوية سيظل مأزوما ما لم يقف عند أهم الصعوبات والتحديات التي تحول دون استدماج المتعلمين لما يتلقونه من القيم. لذلك جاءت هذه الدراسة لتجيب عن إشكالية عامة هي: ما سبب فشل المنظومة التربية على الرغم من الإصلاحات المتتالية؟ وما هي أهم الصعوبات التي تواجه إصلاح منظومة التربية والتعليم؟ وما هي الحلول المقترحة؟

ومحاولة منا للإجابة عن الإشكالية العامة للدراسة، وكذا أسئلتها الفرعية، انتهجنا سبيل خطة قسمنا الدراسة من خلالها إلى ثلاثة محاور هي كالتالي:

المحور الأول: مفهوم القيم وخصائصها:

المحور الثاني: واقع التربية على القيم في المنظومة التربوية.

المحور الثالث: حلول مقترحة للتربية على القيم.

الكلمات المفاتيح: القيم؛ الأخلاق؛ المنهاج التربوي.

الصفحة 1


مقدمة

يثير مصطلح القيم العديد من الإشكالات، سواء على مستوى الصياغة والتوافق، أو على مستوى التمثل والتوظيف، وذلك بالنظر إلى واقع القيم الأخلاقية، وسبل مقاربتها، وتدريسها وبنائها وترسيخها، وكذا تقويمها لدى المتعلم في الوسط المدرسي، وجدانيا، ومعرفيا، وسلوكيا. لذلك كانت القيم محل اهتمام مختلف الفاعلين في المجال التربوي باعتبار أن المدرسة من أبرز المؤسسات المسهمة في ترسيخ القيم في وجدان المتعلمين وسلوكاتهم الأخلاقية، من أجل ذلك يعدّ الاهتمام بوظيفة المدرسة، وتجويد مناهجها وبرامجها التعليمية، أمرا في غاية الأهمية في الوقت الراهن. لأنها أصبحت ملزمة بالجمع بين مقومات الهوية الخصوصية، والانفتاح على الحضارة الإنسانية المعاصرة، لا سيما في ظل الشرخ والفتق الملحوظ بين ما يتعلمه المتعلم في المدرسة وما يعيشه في المجتمع، حيث أصبح التناقض القيمي سيد الموقف وسلطناه. وإذا لم تنجح المدرسة، بخطابها القيمي الأخلاقي وبمناهجها وبرامجها الدراسية في رتق الصدع القيمي الحاصل، فإن المجتمع سيفقد، بعد الأسرة، الحصن الثاني ضد كل أشكال التطرف والعنف والكراهية والاغتراب والغزو الفكري، والصراع الحضاري الهوياتي.

الصفحة 2



المحور الأول: مفهوم القيم وخصائصها


أولا: مفهوم القيم:

أ - المفهوم اللغوي للقيمة:

يقال قوّمه بمعنى ثمّن الشيء بالتقويم، وقوّمت السلعة تقويما أي ثمّنتها وقدّرتها، واستقام المرء: اعتدل، وقومته فقام بمعنى استقام. والاستقامة: اعتدال الشيء واستواؤه، ويقال أقام الشيء؛ أي أقام درأه، بمعنى أزال عوجه [1].

وإذا تتبعنا كلمة القيمة، واستعمال الألفاظ المشتقة من نفس مصدرها فإننا نجد لها معاني أخرى، فمن العبارات الشائعة قولهم: "ما له قيمة " إذا كان لا يدوم ولا يثبت على شيء، ومنها أيضا: وصف الإنسان أو الشيء أو العمل أو الدين بكونه قيما كما في قوله تعالى: ﴿ فِيهَا كُتُب قَيِّمَة ٣ وَمَا تَفَرَّقَ اَ۬لذِينَ أُوتُواْ اُ۬لْكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ اُ۬لْبَيِّنَةُ ٤ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ اُ۬للَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ اُ۬لدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ اُ۬لصَّلَوٰةَ وَيُوتُواْ اُ۬لزَّكَوٰةَ وَذَٰلِكَ دِينُ اُ۬لْقَيِّمَةِ﴾

[2]

بمعنى المستقيم، وقوله تعالى  ﴿اِنَّ هَٰذَا اَ۬لْقُرْءَانَ يَهْدِے لِلتي هِيَ أَقْوَمُ﴾[3] يعني يهدي للطريق المستقيم. ومنها "استقام الأمر" ومعناه اعتدل واستوى[4]، واستقام الشعر أي اتزن ... إلخ.

ب المفهوم الاصطلاحي للقيمة:

تأتي القيمة مرادفة لكل ما هو نافع أو لائق[5]، وعُرّفت بكونها: المعنى الخلقي الذي يستحق أن يتطلع المرء إليه بكليته ويجتهد في الإتيان بأفعاله على مقتضاه؛ أي أنه الذي يجمع بين استحقاقين اثنين: استحقاق التوجه إليه، واستحقاق التطبيق له:[6] وتجذر الإشارة إلى أن مفهوم القيمة تعدد بتعدد الرؤى من طرف ...

الهوامش

[1] محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي (المتوفى: 1205هـ)، تاج العروس من جواهر القاموس، دار الهداية، ج:33، باب: ق و م، ص 308.

[2] سورة البينة، الآية 3-4-5.

[3] سورة الإسراء، الآية 9.

[4] محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (المتوفى: 711هـ)، لسان العرب، ط3، دار صادر - بيروت1414 هـ، ج:12، فصل القاف، ص 498.

[5] عبد الكريم بكار، تجديد الوعي، ط1، دار العلم، دمشق 2000م، ص 13.

[6]  عبد الرحمان وعبد الله محمد، علم الاجتماع السياسي النشأة التطورية والاتجاهات الحديثة والمعاصرة، دار النهضة العربية-بيروت، ص11.

الصفحة 2

... الباحثين والعلماء، لذلك سأقتصر على بعضها على النحو الآتي:

-      القيمة هي الركيزة الأساسية التي يستند إليها الفعل، وهي طريقة في الحياة أو العمل، ينظر إليها الشخص أو الجماعة بوصفها مفهومها يلتبس ويتشخص به الأفراد وتصرفاتهم ويصبح شعارا لهم[1].

-      القيم محطات ومقاييس يحكم بها على الأفكار والأشخاص والأشياء والأعمال والموضوعات الفردية والجماعية من حيث حسنها وقيمتها، أو من حيث سوئها وعدم قيمتها وكراهيتها[2].

-      القيمة حالة عقلية ووجدانية، يمكن تعرفها في الأفراد والجماعات والمجتمعات من خلال مؤشرات، هي المعتقدات والاتجاهات والميول والطموحات والسلوك العملي، وتدفع الحالة العقلية والوجدانية صاحبها إلى أن يصطفي بإرادة حرة واعية وبصورة متكررة نشاطاً إنسانياً - يتسق فيه الفكر والقول والفعل- يرجحه على ما عداه من أنشطة بديلة متاحة فيستغرق فيه، ويسعد به، ويحتمل فيه ومن أجله أكثر مما يحتمل فـي غيـره دون انتظار لمنفعة ذاتية[3].

وتجذر الإشارة إلى أن مصطلح القيم يختلف عن مصطلح الأخلاق على الرغم من أنهام يتوافقان في بعض النقاط ويختلفان في نقط أخرى، فالأخلاق هي "مجمــوع مــن المعــاني والصـفات المسـتقرة فـي الـنفس، وفـي ضـوئها وميزانهـا يحسـن الفعـل فـي نظـر الإنسـان أو يقبح، ومن ثم يقدم عليه أو يحجم عنه"[4]، والتربية الأخلاقية هي "عملية تكيف الأفراد مع القيم التي تحظى بالتقدير في المجتمع المحدد سواء أكانت قيمة اجتماعية، أم دينية، أم فكرية، أو مهنية...، وممارسة الصحيح منها، والابتعاد عن الخاطئ، والشرير من السلوكيات التي تمارس ضمن القواعد والمبادئ التي يعرفها ويقبلها أعضاء الجماعة، والتي يتعرض من يخرج عليها لعقوبات اجتماعية أو قانونية على درجة مختلفة من الشدة يحددها الجماعة والنظام الاجتماعي المحدد"[5].

ويمكن أن نجمل الفرق بين القيم والأخلاق فيما ذكره علاء الدين الزعتري[6]:

-      القيم هي كل ما له قيمة، وهي تشمل أشياء كثيرة، والأخلاق جزء منها؛ أي إن الأخلاق منها ما هو ذا قيمة ومنها ما ليس له قيمة.

مثال: تقدير المال وعدم الإسراف فيه يعتبر قيمة، لكنه ليس خلق، بينما الكرم خلق حسن (وهو قيمة) والبخل خلق ذميم (وهو ليس قيمة).

-      القيم ذاتية ومتعدية، أي أن منها ما هو مرتبط بالفرد نفسه، ومنها ما مرتبط بالآخرين، بينما الأخلاق فإنها متعدية وهي ما يرتبط بالآخرين عادة.

مثال: تقدير الشخص للأعمال الفنية يعتبر قيمة لديه، (مرتبط به ذاتياً) بينما احترام الآخرين خلق وقيمة في نفس الوقت (مرتبط بالآخرين).

-      الأخلاق قد تكون حسنة وقد تكون سيئة، بينما القيم كلها حسن، وكل ما له قيمة فهو طيب.

الهوامش

[1] زين الدين علي، الأخلاق والقيم في المعنى والمصطلح والتجربة، مجلة الاستغراب، العدد الرابع، بيروت، ص 183.

[2] الكيلاني ماجد عرسان، فلسفة التربية الإسلامية، ط1، ص 992.

[3] عبد الحليم أحمد مهدي، تعليم القيم فريضة غائبة، مجلة المسلم المعاصر 1991، ص 65-66.

[4] عبد الكريم زيدان، أصول الدعوة، مؤسسة الرسالة، ط 9، 2001م، ص 79.

[5] لينا ماجد سليمان المعلوف وعبد السلام فهد نمر العوامرة، دور رياض الأطفال في غرس قيم التربية الأخلاقية لدى أطفالها من وجهة نظر المعلمات والمديرات في محافظة عمان العاصمة، مجلة دراسات، العلوم التربوية، المجلد 45، العدد 4، سنة 2018، ص4.

[6]علاء الدين الزعتري، الفرق بين القيم والأخلاق، بتاريخ 10-11-2024، على الساعة 14:34، الرابط:

http://alzatari.net/researches/view/192

الصفحة 3

... مثال: العدوان خلق ذميم ورحمة الآخرين خلق حميد.

-      القيم اسم شامل تدخل فيه الأخلاق ضمناً، بينما الأخلاق مفهوم خاص، فكل خلق جيد قيمة، وليس كل قيمة خلق.

 مثال: المحافظة على الوقت قيمة، ولكنها ليست خلقاً، بينما احترام المواعيد مع الآخرين خلق حسن، وهو أيضاً قيمة، وتضييع أوقات الآخرين خلق سيء، ولكنه ليس قيمة.

ج- خصائص القيم:

إن أهم خاصية تتميز بها القيم هي كونها إنسانية، إلا أنها تصمن مجموعة من الخصائص منها:

الثبات[1]:

تتميز القيم بخاصية الثبات، فهي من مقومات وجود الأمم واستمراريتها في الزمان والمكان، كما أنها تدوم بدوام المعتقدات والاختيارات الفكرية المؤطرة لها، وتترسخ برسوخها، ولا يصيبها التغيير إلا بعد حقب طويلة من التألق والعطاء حيث تتأثر عادة بحركية الأمة، وأوضاع صحتها، ومرضها، ونهوضها وانحطاطها.

-      الفاعلية [2]:

وهي قدرة القيم على إبداع الأفكار، وصبغها بصبغتها الخاصة، وتوجيه العواطف وتأجيجها، وضبط السلوك وتقويمه، وتوحيد وجهة الأمة وتعبئتها في ميدان التنمية والبناء الحضاري. ومن ثم فإن قيم الأمة، لا بد أن تحضر بقوة فاعلة في سياستها واقتصادها وقانونها واجتماعها وتربيتها وفنونها، وأن تشكل القلب النابض في ثقافتها وفلسفتها في الحياة.

-      التكاملية[3]:

توجد القيم ضمن منظومة متكاملة يشد بعضها بعضا، وتقوي ممارسة كل قيمة ما يرتبط بها من القيم الأخرى، فقيمة المسؤولية مثلا تحتم على الإنسان أن يتصف ويسلك صفة أخرى تبرز تلك الصفة عنده، فالقيمة التي تكمل الأولى هي الكفاءة والإتقان، فكلما شعر الإنسان بروح المسؤولية في أي عمل يقوم به، سواء كان في الأسرة أو في العمل، أو في أي مكان آخر دفه ذلك إلى إتقان ما يقوم به، فالأم في بيتها حين تشعر بمسؤوليتها تجاه أبنائها فإنها تتفانى في حسن تربيتهم، فتتقن دورها أيما إتقان.

الهوامش

[1] مرعي توفيق، الميسر في علم النفس الاجتماعي، دار الفرقان للنشر والتوزيع، الأردن 1982، ص 217.

[2] ألو النيل محمود السيد، دراسات في علم النفس الاجتماعي، تحقيق مكتبة التراث، ط3، الجهاز المركزي للكتب الجامعية 1984، ج:1، ص141.

[3] فتيحة محمد بوشعالة، القيم الروحية والتربوية في السنة النبوية مجلة المنهل، العدد الأول، يونيو 2016، ص 150-151.

الصفحة 4






المحور الثاني: واقع التربية على القيم في المنظومة التربوية.



لقد كانت المناهج التربوية[1] - ولا تزال - أهـم وجهـة مـستهدفة للإصـلاح والتغـيير والتطوير والتعديل، "وقد شهدت - ولا تزال تشهد - علـى مـر العـصور وكـرّ الـدهور ضروبا من إعادة الصياغة والتصميم أملاً في أن تسهم بفاعلية في إنتاج جيـل متمـسك بالقيم والثوابت والمبادئ، ومواكب للـتغيرات والتطـورات، ومتفاعـل مـع مـستجدات الواقـع المعاش، فتتحقق لهذا الجيل حياة ملؤها الاستقرار، والتقدم، والنهضة، والتطور، والأمان. ولن تقوى المناهج على تحقيق هذه الغايـات مـا لم تغـد منـاهج جامعـة بـين ...

الهوامش

[1] المنهاج التربوي يعتبر مخططا تربويا، يتضمن عناصر مكونة من أهداف ومحتوى وخبرات تعليمية وتدريس وتقويم، مشتقة من أسس فلسفية واجتماعية، ونفسية، ومعرفية، مرتبطة بالمتعلم ومجتمعه، ومطبقة في مواقف تعليمية داخل المدرسة وخارجها تحت إشراف منها، بصدد الإسهام في تحقيق النمو المتكامل لشخصية المتعلم بجوانبها العقلية والوجدانية، والجسمية، وتقوم مدى تحقق ذلك كله لدى المتعلم. (المنهج المدرسي المعاصر، جودت أحمد سعادة وعبد الله محمد ابراهيم، الطبعة السابعة، دار الفكر ناشرون وموزعون 2014، ص30).

 الصفحة 4

... الأصـالة والمعاصرة، ومتمتعة بوضوح الرؤيـة ووحدة المعرفة، وسـلامة الهـدف في الحيـاة، وواقعيـة الأسـاليب والوسائل التي تستخدم من أجل الوصول إلى الغايات والأهداف المرسومة.

إنّ هذه الأهمية القصوى والمكانة العليا التي تحتلها المناهج التعليمية في تحديد مصائر الشعوب ومستقبل الأمم، هي التي تجعلها محل اهتمام وتركيز وتـصميم ومراقبة لدى الأمم التي ترغب في السيطرة والتأثير والاستيلاء على غيرهـا مـن الأمـم بغية ضـمان اسـتمرارية سـيطرتها وقبـضتها علـى زمام أمورها، والـتحكم في مـصائرها ومنطلقاتها ومواقفها. إذ إنَّ تحكم أمة في غيرها لا يتحقق ما لم تكـن الأمـة المتحكمـة ذات مناهج رائعة واقعية جامعـة شـاملة متكاملة تتـسم في الغالـب بوضـوح الهـدف، وسـلامة المنطلق، وسداد الأسلوب؛ وبالمقابل تكون الأمـة المـتحكَم فيهـا ذات منـاهج مهلهلـة، هائمة، وعائمة، غامضة الهدف، وغير واقعية، ولا مواكبة لما تجري به الحيـاة في الواقـع، مما يجعلها فريسة لغيرها يتـصرف فيهـا كيفمـا شـاء، ويطوعهـا لإرادتها وابتلاءاتهـا، والتاريخ المعاصر، والدراسة السابقة خير شاهد على هذا الأمر"[1] خصوصا ما تشهده المناهج التربوية من أزمة وشرخ كبير بين الهوية الحضارية والانتمـاء، وبـين مسايرة الركب العلمي والتقدمي الذي عليه المناهج التربوية في الغـرب، فالمتعلم أصبح يواجـه في جميـع تخصصـاته نظريات مستوردة، وأفكارا هدامة تهدد هويته وثقافته، وقيمه الدينية حتى أصبح يعيش تناقضا مع ذاته وغيره، وأصبحت القيم بذلك لا تبرح الحبر المكتوبة به في البرامج والمقررات الدراسية. وعلى الرغم من أن مختلف الوثائق الرسمية تحث على كون التربية على القيم هي المدخل الأساس في تنمية المجتمع وإصلاحه فإن واقع الحال يشهد مجموعة من الإكراهات والتحديات التي تقف عائقا أمام قيام المدرسة بوظيفتها المنوطة بها، خاصة أن مؤشرات تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين تؤكد على[2]:

-      اتســاع الهــوة بيــن الخطــاب حــول القيــم والحقــوق والواجبــات، وبيــن الممارســة الفعليــة لهــا، بالنظــر لاســتفحال الســلوكات المخلــة بالقيــم داخــل المدرســة وفــي محيطهــا.

-       تبنـي مؤسسـاتي لبرامـج متتاليـة كبـرى للتربيـة علـى القيـم، مقابل ندرة أو شـبه غيـاب التقييمات المنتظمــة لهــذه البرامــج، ممــا يضعــف ســيرورات الإصلاح، ويكــون ســببا فــي هــدر الطاقــات والإمكانيــات.

-      رهـان قـوي علـى أدوار الفاعليـن التربوييـن، مقابل ضعف تكوينهم الأساس والمسـتمر، فـي مجـال القيـم والتربيـة عليهـا، ومـا لـه مـن آثـار علـى ممارسـاتهم التربويـة وانخراطهـم فـي إنجـاح الإصلاحات ذات الصلـة

-      تأكيـد الأدوار الوازنـة لمحيـط المدرسـة فـي التربيـة علـى القيـم، مقابـل محدوديـة قـدرة المدرسـة المغربيــة علــى تنميــة الشــراكات فــي هــذا الشــأن، خصوصــا فــي عالقــة بتنميــة أدوار الحيــاة المدرســية والجامعيــة، فــي عالقــة بمشــروع المؤسســة.

إن الناظر لهذا الواقع المرير الذي تعيشه المنظومة التربوية بصفة خاصة وما يعيشه المجتمع بصفة عامة ليستوقفه هذا الفشل الذريع في تربية الناشئة على القيم، لا سيما أن المنظومة التربوية المغربية بوثائقها الرسمية تجعل التربية على القيم مدخلا أساسيا ومنطلقا مهما في تنشئة الأجيال وتربيتها، سواء على مستوى مشاريع إصلاحها أم على

الهوامش

 [1] مناهج التعليم في العالم الإسلامي حتمية المراجعة وضرورة التطوير، ثقافتنا للدراسات والبحوث، العدد :25 سنة 1431ه/2010/ (44) بتصرف.

[2] المملكة المغربية، التربية على القيم بالمنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي، مجلة التعليمية، المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، يناير 2017، ص7-8.

 الصفحة 5

... مستوى السياسات العمومية في ميادين التربية والتكوين والبحث، فهذه بعضها على سبيل المثال[1]:

-      دسـتور المملكـة الـذي ينـص فـي الكثيـر مـن فصولـه علـى مقتضيـات تهـم ترسـيخ ثوابـت الأمة ومنظومتهــا القيميــة؛

-       الميثــاق الوطنــي للتربيــة والتكويــن الــذي نــص علــى مجموعــة مــن المبــادئ التــي توجــه نظــام التربيـة والتكويـن، تتعلـق فـي مجملهـا بقيـم العقيـدة الإسلامية والمواطنـة المتسـمة بالاعتدال والتســامح، وحــب المعرفــة والإبداع، وروح المبــادرة الإيجابية، وأطــر العمليــة التربويــة ضمــن نســق مــن الحقــوق والواجبــات، التــي تهــم الأفراد والجماعــات والمؤسســات؛

-        إدمـاج متـدرج للتربيـة الوطنيـة وللتربيـة علـى حقـوق الإنسان، والتربيـة علـى المواطنـة، وثقافـة المســاواة بيــن الرجــال والنســاء، وقيــم التســامح، والتربيــة علــى احتــرام البيئــة، وإدمــاج مبــادئ مدونــة الأسرة، فــي المقــررات والمضاميــن الدراســية، وبرامــج التكويــن الأساس والمســتمر للفاعليــن، فــي ارتبــاط بالرصيــد التشــريعي والاجتماعي المحــرز فــي مياديــن اجتماعيــة عــدة؛

-       الـرأي الصـادر عـن المجلـس الأعلى للتعليـم حـول (دور المدرسـة فـي تنميـة السـلوك المدن) والــذي ارتكــز علــى التوجيهــات الــواردة فــي الرســالة الملكيــة بتاريــخ 2007، التــي ربطــت الغايــة المثلـى مـن تنميـة السـلوك المدنـي بتكويـن المواطـن المتشـبث بالثوابـت الدينيـة والوطنيـة، والمتمسـك بهويتـه بشـتى روافدهـا، المتشـبع بقيـم التسـامح والتضامـن والتعايـش، وبالقيـم الديمقراطيـة، فـي انفتـاح علـى القيـم الكونيـة.

-      الرؤيــة الاستراتيجية للإصلاح 2015 - 2030 التــي جعلــت ضمــن غايــات المنظومــة التربويــة ضـرورة اعتبـار التربيـة علـى القيـم الديمقراطيـة والمواطنـة الفاعلـة وفضائـل السـلوك المدني، والنهــوض بالمســاواة ومحاربــة كل أشــكال التمييــز، خيــارا ً اســتراتيجيا لا محيــد عنــه.

-      خطـط وبرامـج تفعيـل الرؤيـة الاستراتيجية للإصلاح التربـوي، التـي أعدتهـا القطاعـات الحكوميـة للتربيــة والتكويـــن ســنة 2015، والتــي تركـــز فــي مجملهــا علـــى تعزيــز النزاهــة والقيــم فــي المدرســة، والتمكيـــن مـــن التعلمـــات التــي تتيـــح تملــك القيــم والسلـــوك المـــدني، وتحمــــل المســؤولية تجـــاه المدرســـة والارتقاء بهـــا.

يلاحظ من خلال هذه الوثائق أن التربية على القيم تحتل مركزا مهما ضمن تصور الوزارة الوصية للمشروع الإصلاحي، وهو ما يبين بأن الأزمة القيمية التي تعيشها المنظومة التربوية تتجاوز هذه الوثائق إلى ما هو إجرائي وتنزيلي، وهنا نطرح سؤالا في غاية الأهمية وهو: ما هي الآليات التي يمكن من خلالها نقل القيم من المحتويات والبرامج والمناهج والكتب إلى التوظيف العملي في الواقع المعاش؟

إن الإجابة عن هذا السؤال الجوهري لا ينبغي أن يقحم جهة معينة دون أخرى، بحيث لا يمكن أن نلزم المدرسة وحدها بهذه الوظيفة التي تفوقها حجما، إذ لا بد أن تتظافر الجهود، ولابد أن تؤدي الأسرة وظيفتها أولا باعتبارها واضعة اللبنة الأولى، إضافة إلى أنه ينبغي على مختلف المؤسسات العمومية (مساجد، نوادي، جمعيات...) الحرص على تأدية واجبها الوطني في تربية الناشئة، ليأتي بعد ذلك دور المدرسة في التربية على القيم من خلال تثمين الحمولة القيمية التي يلج بها المتعلمون المدرسة، وتعديل...

الهوامش

[1] المملكة المغربية، التربية على القيم بالمنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي، مجلة التعليمية، المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، يناير 2017، ص6-7.

 الصفحة 6

...بعضها وتصويبه، وإضافة بعضها وترسيخه. إننا في هذا المقام سنقتصر في الحديث عن الآليات التنزيلية المتعلقة بالمدرسة دون غيرها وذلك بذكر أهم التحديات التي تواجه هذا الصرح الإصلاحي واقتراح بعض الحلول المناسبة.

 الصفحة7







المحور الثالث: حلول مقترحة للتربية على القيم.


أولا: التحديد الصريح للأصول العامة للقيم المرغوب فيها:

إن الحديث بشكل صريح عن الأصول التي تُستمد منها القيم كفيل بالقضاء على معالم التناقض بين القيم الإنسانية الحقة وبين ما يتم إقحامه داخل دائرة القيم تحت ذريعة ما يسمى بالقيم الإنسانية المعاصرة، لذلك ينبغي النص على أن القيم تُستمد من أصول ثلاثة وهي: القرآن الكريم؛ السنة النبوية؛ السيرة النبوية، باعتبارها قيما حقة قادرة على إحداث نقلة نوعية في مجال التربية. وفيما يلي توضيح لهذه الأصول:

أ‌-   القرآن الكريم:

ينبغي أن يكون القرآن الكريم مصدرا وينبوعا تؤخذ منه القيم ليتم تصريفها عبر المناهج والبرامج التربوية، ولا ينبغي الالتفات إلى أيّ قيمة ذمها القرآن الكريم، تحت ذريعة ما يسمى بالانفتاح؛ لأن ذلك من شأنه أن يحدث تناقضا عند المتعلم. فالقرآن الكريم بهذا الاعتبار هو المعيار في قبول القيم أو رفضها.

إن البشرية اكتسبت "عبر تاريخها الطويل قيَمًا إنسانيَّةً عليا، ولم تبلغ تلك القيم كمالها إلا حينما اتصلت بخالقها عن طريق الرسالات السماوية، ولكن حينما تسود أهواء البشر، تُخلد الإنسانية إلى الأرض، فتضِل وتنحَط قِيَمُها، فينتشر بذلك الفساد، قال تعالى: ﴿ظَهَرَ اَ۬لْفَسَادُ في اِ۬لْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتَ اَيْدِي اِ۬لنَّاسِ﴾[1]. وإذا كانت كلمة "الإنسان" على كثرة ذكرها في القرآن الكريم (56 مرة) قد جاءت تكشف في الإنسان صفات سلبية؛ حيث خُلِق الإنسان ضعيفًا، وهو يؤوس، قنوط، كادح، كنود، ظلوم، جهول، جَزُوع، إلى غير ذلك من الصفات الذميمة، فإن القرآن الكريم في الوقت نفسه قد بيَّن السبل والوسائل التي تأخذ بذلك الإنسان؛ لترتفع بصفاته السلبية، فتُحَوِّلها لتصبح صفات إيجابية، وهنا تكتسب البشرية قيمًا إنسانية، تعلو على الأهواء والأنانية، قيمًا تتسم بالسماحة دون العناد، والإخاء دون العنصرية، والمساواة دون الفرقة، والتعارف دون الرفض، والإيثار دون الشُّح، والعدل دون الظلم، والرخاء دون الفقر، والرحمة دون القسوة، والتعاون على البر دون الإثم والعدوان"[2]

والإنسان الضعيف أمام النساء جاء القرآن يُوجِّه شهوته إلى وجهتها الصحيحة بالزواج الشرعي ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾[3]

والإنسان اليؤوس القنوط، جاء القرآن ليعالج يأسه وقنوطه بالصبر: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي أِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾[4].

الهوامش

[1] سورة الروم، الآية 40.

[2] حسني حمدان الدوسقي، القيم الإنسانية في القرآن الكريم، بتاريخ 25-10-2024، الساعة 10h30 ، على الرابط:

https://2u.pw/WANVEgzs

[3] سورة النساء، الآيات 26-27-28.

[4] سورة النساء، الآيات 9-10-11.

 الصفحة7

والإنسان المستصغِر نعمة الله عليه جاء القرآن ليعالج استشعاره بالعَوَز بتذكيره بنعم الله التي لا تُعَدُّ ولا تحصى: ﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾[1].

والإنسان المتكبر الذي يخاصم ربه لسوء تقديره لمقام الله، يجيء القرآن ليرده إلى حقيقة خلقه الْهَيِّن: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾[2].

ولربما نسي الإنسان ربه في فترات الرخاء، ولكنَّ القرآن يشعره بحاجته إلى الله وحده في أوقات الشدة: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا﴾[3].

والإنسان الْمُتَّسِم بالتقتير والشح يجد القرآن يأخذ بيده ليعالجه من هذا الداء بتذكيره أن ما عند الله لا ينفد: ﴿قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا﴾[4]. وقال تعالى: ﴿وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا﴾[5].

وهكذا نجد القرآن يأخذ بالإنسان؛ ليحرره من الصفات الذميمة جميعًا، ويُحَوِّل تلك الصفات إلى قيم إنسانية عليا، وبذلك يتحرر الإنسان ويسمو فوق كونه كفورًا، وعاقًّا، وجهولاً، وخصيمًا مبينًا، ويؤوسًا قنوطًا، ساخطًا حال الشدة، ومُوَسْوِسًا، وهلُوعًا، وفاجرًا، وشاكًّا في البعث.. إلى إنسان مؤمن صالح معتدل محب للخير (... إلخ).

أ‌-  السنة والسيرة النبوية:

إن الوقوف عند معالم الحرص النبوي على إرساء منظومة القيم الإسلامية؛ واعتبارها اللبنة الاساس لبناء الإنسانية يحملنا على الجزم بأن تحقيق جودة المدرسة المغربية وتأدية أحد أسمى وظائفها المتعلق بالتربية على القيم لا يتم إلا من خلال صون القيم النبوية وحراستها؛ خصوصا في ظل متغيرات عالمية تدفع الى التشكيك في جدواها وفاعليتها ومسألة استمراريتها؛ معتبرة أن التقيد بمصدرين اثنين ( القرآن والسنة) ما هو إلا تقييد لحرية المتعلمين وعائق يمنعهم من الانطلاق الفكري والنهوض المجتمعي... غير أن الحقيقة تختلف عن ذلك تماما؛ لأن الرسالة الحقيقة من مبعث النبي الكريم هي التربية على القيم، فقد قال ﷺ : «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»[6]، وقال : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»[7] .

لذلك ينبغي تضمين القيم النبوية في المنهاج التربوي، تضمينا يجمع بين النوع والدلالة الشرعية، ويحرص على إبعاد القيم الفارغة من مضمونها الشرعي، لأن معنى الحرية على سبيل المثال عند العلمانيين يختلف تماما عن المعنى الأصلي الذي أقره القرآن الكريم أصالة والسنة النبوية تبعا، فقد أصبحت بعض القيم تحمل في طياتها ما يتعارض مع الشرع الحكيم محدثة بذلك تناقضا بين ما يعيشه المتعلمون ويتابعونه على مواقع التواصل وبين ما يتعلمونه في المدرسة. إن أول خطوة ينبغي أن تتبع هو تخليص القيم مما علق بها من ...

الهوامش

[1] سورة ابراهيم، الآية 34.

[2] سورة النحل، الآية 4.

[3] سورة الإسراء، الآية 67.

[4] سورة الإسراء، الآية 100.

[5] سورة مريم، الآية 66-67.


[6]مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفى: 261هـ)، المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ج:1، ص 74.

[7]أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق بن خلاد بن عبيد الله العتكي المعروف بالبزار (المتوفى: 292هـ) مسند البزار المنشور باسم البحر الزخار، ط1، تحقيق محفوظ الرحمن زين الله وعادل بن سعد وصبري عبد الخالق الشافعي، مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة، ج:15، ص:364.

  الصفحة8

...الشوائب والإيديولوجيات الهدامة المعارضة لمعناها الحقيقي، ولربما لذلك يعزى فشل المنظومة التربوية في التربية على القيم على الرغم من كون وثائقها الرسمية لا تكاد تخل من ذكر القيم.

ثانيا: تحديد المواد ذات العلاقة المباشرة في تصريف القيم والرفع من قيمتها.

يتضمن المنهاج التربوي، أي منهاج كان مجوعة من المواد المكونة من معارف ومهارات وقيم، غير أن المواد تختلف عن بعضها بعض من حيث علاقتها بالقيم، ولا شك أنها جميعها مرتبطة بها، غير أن هذا الارتباط يحضر بقوة في بعض المواد من قبيل مادة الفلسفة والتربية الإسلامية والتاريخ (...إلخ) ويحضر بشكل أخف في باقي المواد. ومن تم ينبغي الحرص على الرفع من قيمة المواد القيمية باعتبارها حاملة وغارسة للقيم من جهة، ولانبناء غيرها عليها من جهة أخرى، وذلك من خلال الاهتمام بفلسفة التربية كونها تحتل المركز الأول في العملية التربوية. فمنها "تنبثق أهداف التربية ومناهجها ومؤسساتها وطرقها ورسائلها في التعليم وفي التقويم كما تنبثق الجذور والسيقان والأغصان والأوراق والأزهار والثمار من البذرة التي تودع في باطن الأرض. لذلك تتأثر الأهداف والمناهج والتطبيقات التربوية بفلسفة التربية التي تنبثق عنها، وتكون نسبة الصواب والفاعلية فيها بالقدر الذي يكون في فلسفة التربية نفسها. ويتحتم على فلسفة التربية بعد أن تقوم ببلورة الغايات والأهداف ثم الأساليب والوسائل أن تستمر في توجيه هذه الأساليب والوسائل نحو تحقيق هذه الغايات والأهداف"[1]. ولا بد أن يعاد الاعتبار لمادة التربية الإسلامية ومادة الفلسفة والتاريخ في المنهاج التربوي المغربي، فهل يعقل أن يكون المعامل في مادة تعتبر أصل القيم وينبوعها هو اثنان بينما يكون المعامل في مادة أخرى -أي مادة كانت- سبعة أو تسعة. إن واقع الحال بات يهتم بالمواد من حيث وظيفيتها وآفاقها المتعلقة بما هو مادي ناسيا بأن أساس جميع المواد وقوتها قائم على أرض تربتها القيم، إن صلحت، صلحت مختلف المواد، وإن فسدت فسدت مختلف المواد. فالطبيب على سبيل المثال لن تأخذه الرأفة والرحمة بالمريض ما لم يكن متشبعا بقيم الرحمة والإنسانية والشفقة النابعة عن قول رسول الله ﷺ «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»[2]، والمهندس لن يتقن عمله ما لم يتشرب قيمة الإتقان والحكمة والعلم، بناء على قول رسول الله ﷺ «إن الله عز وجل يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»[3]، والمدرس لن يتفانى في عمله ما لم يكن متجملا بقيم العطاء والإيثار والحلم والصبر والمحبة. قال رسول الله ﷺ : «إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم ، ومن يتحر الخير يعطه , ومن يتوق الشر يوقه» [4]، وفي سياق الصبر على تعليم الناس قالت عائشة رضي الله عنها لرسول الله ﷺ: هل آتى عليك يوم أشد من يوم أحد، فقال النبي ﷺ «لقد لَقِيتُ من قومِكِ ما لَقِيتُ، وكانَ أشدُّ ما لقيتُ منهُم يومَ العقبةِ؛ إذ عرضْتُ نفسي على ابنِ عبدِ يالِيلَ بنِ عبدِ كُلالٍ؛ فلم يُجِبْني إلى...

الهوامش

[1]ماجد عرسان الكيلاني، فلسفة التربية الإسلامية دراسة مقارنة بين فلسفة التربية الإسلامية والفلسفات التربوية المعاصرة، ط1، دار البشائر الإسلامية، بيروت-لبنان، 1407ه الموافق ل 1987 م، ص 14-15 بتصرف.

[2] مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفى: 261هـ)، المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ج:4 ص 1999.

[3] سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني (المتوفى: 360هـ)، المعجم الأوسط، تحقيق طارق بن عوض الله بن محمد، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين – القاهرة، ج:1، ص 275.

[4] أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458هـ)، المدخل إلى السنن الكبرى، تحقيق محمد ضياء الرحمن الأعظمي، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي – الكويت، ص270.

  الصفحة 9

ما أردتُ، فانطلَقْتُ وأنا مهمومٌ على وجهي، فلم أسْتَفِقْ إلا وأنا بقَرْنِ الثَّعالِبِ، فرفَعْتُ رأسي، فإذا أنا بسحابةٍ قد أظلَّتْني، فنظرتُ، فإذا فيها جبريلُ، فناداني فقال: إنَّ اللهَ قد سَمعَ قولَ قومِكَ لكَ، وما رَدُّوا عليكَ، وقد بَعَثَ إليكَ مَلَكَ الجبالِ لِتَأْمُرَهُ بما شئتَ فيهم، فناداني مَلَكُ الجبالِ، فسلَّمَ عليَّ، ثم قالَ: يا محمدُ! فقالَ: ذلك فيما شِئتَ، إنْ شئتَ أنْ أُطْبِقَ عليهِم الأخْشَبَيْنِ، فقالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: بل أرجو أن يُخْرِجَ اللهُ مِن أصْلابِهِم مَن يعبُدُ اللهَ وحدَهُ لا يُشْرِكُ بهِ شيئاً»[1].

فمن هذا الحديث وأمثاله يظهر صبر النبي ﷺ وتضحيته في تعليم الناس مع اختلاف بيئاتهم ومشاربهم وشخصياتهم، ومثل هذه-الأحاديث النبوية- هي الكفيلة بإعطاء المدرس مجموعة من القيم التي تعينه على تأدية وظيفته.

نستنتج بناء على ما أتينا بعرضه موجزا، هو أننا بحاجة ماسة لنقد القيم الأخلاقية الحالية، وإن قيمة هذه القيم ينبغي أن تطرح قبل كل شيء على بساط البحث، ومن أجل ذلك فإنه من الضروري ضرورة ماسة أن يُعرف واقع القيم في المنظومة التربوية، وتُعرف تحديات النهوض بها، إضافة إلى الحلول المقترحة والتي من بينها الرفع من شأن المواد القيمية، فإن ذلك يُعد من إن من أبرز الحلول للنهوض بالمنظومة التربوية وجعلها قادرة على تأدية المهمة المنوطة بها وهي تربية الأجيال على القيم، وهذه بعض الإشارات على دور هذه المواد في غرس القيم ونشرها:

إن الفلسفة على سبيل المثال تلعب دورا مهما في ترسيخ القيم من خلال "استخدام الطريقة الفلسفية في التفكير والبحث، في مناقشة المسائل التربوية وعلى رأسها القيم. أو ممارسة جهد عقلي لمناقشة وتحليل ونقد جملة المفاهيم الأساسية التي يتركز عليها العمل التربوي وعلى رأسها: طبيعة الحياة التي ينبغي أن تفضي إليها التربية؛ طبيعة الإنسان الذي نريده؛ طبيعة المجتمع الذي نريد إنتاجه"[2]. وعلى هذا الأساس تقدم الفلسفة مجموعة من الأسس المنطقية للتفكير في القيم، فالفلاسفة عبر مختلف العصور ناقشوا أسئلة مرتبطة بما هو صواب وما هو خطأ، وتناولوا كيف ينبغي أن يعيش الإنسان في المجتمع بشكل أدى إلى تشكيل إطار قيمي يستند إلى التفكير النقدي والفهم العميق للمبادئ والقيم الأخلاقية. فقد تحدث أفلاطون وأرسطو وسقراط عن الفضيلة على سبيل المثال واعتبروها أساس الحياة الجيدة، فهي عند سقراط "أمر بديهي، في أساس تكوين الإنسان، لكن الإنسان حين يخطئ معاينة الفضيلة يظن الباطل حقا والشر فضيلة. لهذا فإن الحقيقة التي يحب سقراط نقلها إلى الناس هو أنه عليهم إعادة فحص ما هم متيقنون من معرفته. وذهب سقراط إلى الربط بين الفضيلة والمعرفة، فالإنسان الذي يرغب أن يكون فاضلاً، فلا بد أن يكون عارفاً، وبمقدار ما يتحصل المرء من المعرفة، معرفة عن نفسه وما تشتمل عليه من ملكات وقوى، ومعرفته عن الكون بمقدار ما يكون المرء فاضلاً. إنّ معرفة الخير ستدفع إلى فعله، ومعرفة الشر تحض المرء على تركه، والإنسان يبتعد عن فعل الخير ويسلك الشر لأنّه جاهل بالخير والشر. يرى سقراط أنّ الإنسان روح وعقل يُسيِّر الجسم ويدّبره، وليس مركباً من الهوى والشهوة كما ذهب السوفسطائيون"[3]. وتناول ديكارت مسألة القيم في قوله:" "ينبغي على البشر الذين جزؤهم الرئيسي هو الذهن...

الهوامش

[1] أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني (المتوفى: 1420هـ)، مُخْتَصَر صَحِيحُ الإِمَامِ البُخَارِي، ط1 1422 هـ - 2002 م، مكتَبة المَعارف للنَّشْر والتوزيع، الرياض، ج:2، ص 387.

[2] سعيد إسماعيل علي، فلسفات تربوية معاصرة، عالم المعرفة 1995 م، ص 21.

[3] صالح الرقب، دراسة في الفلسفة اليونانية والإسلامية، ص35.

  الصفحة 10

...أن يوجهوا أكبر قسط من عنايتهم إلى طلب الحكمة التي هي غذاؤه الصحيح ... وليس من النفوس نفس مهما بلغت من قلة النبل تظل متعلقة بأمور الحواس تعلقا كبيرا يحول دون انصرافها عنها أحيانا، مؤملة خيرا آخر أكبر، وإن كانت تجهل في الأغلب ماهية ذلك الخير ... وهذا الخير الأسمى إذا اعتبر بالنور الطبيعي دون نور الإيمان، لم يكن شيئا آخر غير معرفة الحقيقة بواسطة علتها الأولى، أعني: الحكمة"[1]. وأثار كانط نظرية الواجب الأخلاقية التي تستند إلى فكرة[2]:

ما من شيء على الإطلاق في هذا العالم يمكن اعتباره جيدا في ذاته دون قيد أو شرط سوى الإرادة الخيّرة. ثم تطورت النظرية كنتيجة لعقلانية التنوير، التي تنص على أن ما يضفي على الإرادة الخيرة صفة الخير ليس هو النتائج الخيرة التي تترتب عليها، بل هو الطابع الإلزامي الذي يتسم به فعلها حين يجئ مطابقا للقانون الأخلاقي.

أما الناظر لمادة التربية الإسلامية فيجدها المادة الأساس التي تُقعّد للقيم، وتعتبرها مبادئ عامة وموجهات أساسية يقيس الفرد في ضوئها الأفكار والمبادئ والقواعد السائدة في المجتمع، ليقبل ما يتوافق وهذه الموجهات ويُرفض ما يخالفها، وللقيم حضور جلي في منهاج التربية الإسلامية  في جميع الأسلاك التعليمية، ويهدف إلى تحقيق التوازن الذي يستهدفه المجتمع في تكوين أفراده؛ وبذلك تعتبر التربية  الإسلامية محضنا للقيم ومرتكزا أساسيا لإدماجها وتعزيزها وترسيخها، فكرا وممارسة، وفق التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فالتربية على القيم ضرورة تربوية وحضارية ملحة، وشرط لازم للمواطنة والتنمية، ولذلك تم النص على أهم القيم في منهاج التربية الإسلامية، لا سيما المحددة في[3]:

إذن، يمكن القول إن المنهاج التربوي يتضمن منظومة من القيم والاتجاهات والميول ويعتبرها ركيزة من الركائز التي يقوم عليها العمل التربوي كهدف ووظيفة، وهي مكون رئيسي للبناء الثقافي للمجتمع، وقد اعتبر المواد الدراسية وسيلة لإنزال القيم من مستوى التنظير إلى مستوى التنزيل والتطبيق. خاصة وأن موضوع القيم بات له راهنية في المجتمع المغربي نتيجة الثورة التكنولوجية للإعلام والتواصل وما نتج عنه من تغيرات جذرية على المستوى الأخلاقي والاجتماعي، إضافة إلى التحول الملحوظ على مستوى الأعراف والتقاليد وما ترتب عليه من إعادة تشكيل الكثير من معارفنا ومفاهيمنا عن الحياة، أمام هذا الوضع المتحول والمأزوم فقد أصبحت مسألة إعادة النظر في المواد الحاضنة للقيم ضرورة ماسة، لا سيما فيما يتعلق بالرفع من شأنها وقيمتها، ومادة التاريخ من هذه المواد؛ لأن "المعرفة التاريخية تخضع لتناقضات وصراعات تعكس الرؤى السياسية والأيديولوجية التي تخترق المجتمع. الأمر الذي يلقي بظله على مدخل القيم الذي يعتبر عنصرا أساسيا في الفلسفة التربوية لبلادنا. إذ إن هذه التناقضات تبرز على السطح كلما تمت معالجة إحدى القضايا الحساسة ذات مخلفات...

الهوامش:

[1] عثمان أمين، ديكارت مبادئ الفلسفة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، ص13.

[2] كانط، نقد العقل المحض، ترجمة موسى وهبة، مركز الانتماء القومي، بيروت-لبنان، ص329 بتصرف.

[3] مديرية المناهج، منهاج التربية الإسلامية بسلكي التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي العمومي والخصوصي، يوينو 2016، ص 3-4.

الصفحة 11

...في الذاكرة الجماعية أو المرتبطة بالهوية. وهو ما يستدعي إعادة مناهج التاريخ لترتكز على تاريخ الانسانية والمراحل الكبرى التي مرت بها، بالشكل الذي يستوعب به المتعلمون نسبية الأحداث ونسبية الانتماءات الخاصة، ونسبية القيم في علاقتها بالتحولات الكبرى التي عرفتها ثقافتهم وحضارتهم المحلية والوطنية. كما أنه يجب إعادة النظر في مفهوم الانتماء الوطني ليتحدد بالاعتراف بجميع الرموز اللغوية والتاريخية والوطنية...لتتحول إلى مشترك رمزي يغذي مواطنة تؤمن بالأبعاد المحلية وتنفتح على المعارف والقيم الكونية. وأخيرا يجب ترسيخ مفهوم الانتماء المحلي الذي يتشكل منه المسار التاريخي الشخصي للمتعلمين وللجماعات المحلية والذي يجب أن يستدمج في المنظومة التربوية بوصفه إحدى لبنات الصرح الهوياتي الوطني والكوني وأحد مداخل تجويد المعرفة وترسيخ القيم"[1].

ثالثا: التعبئة المجتمعية.

إن من بين الحلول الرامية إلى تفعيل الدور الذي يلعبه المنهاج التربوي في ترسيخ القيم هو مسألة التعبئة المجتمعية، ولن يتأتى ذلك إلا بتحديد المهام والمسؤوليات التي تقوم بها مختلف المؤسسات المجتمعية، ولتكون هذه المؤسسات قادرة على تأدية المهام المنوطة بها وجب أولا تحديد أهم الصوبات والتحديات التي تواجه هذا الصرح العظيم، وقد أجملها عبد اللطيف المودني في خمس[2]:

 الصعوبة الأولى: تمثلها إشكالية تقاسم المسؤولية في نقل القيم وترسيخها، ذلك أن تنمية القيم، إذا كانت مهمة مطروحة بإلحاح على المنظومة التربوية، فإنها تضل مسؤولية متقاسمة تتولاها المدرسة إلى جانب الأسرة، والإعلام. وكذا المؤسسات والجمعيات ذات الوظائف التربوية والثقافية والتأطيرية التي ما فتئت تقوم بدور رائد، وبمبادرات متميزة، من أجل نشر ثقافة القيم المواطنة، مما يستدعي إعطاء الأهمية لإرساء صيغ مؤسساتية مستديمة للشراكة، والتعاقد، والتنسيق، من أجل برامج مشتركة لتنمية القيم، وترسيخها لدى الأجيال الصاعدة.

الصعوبة الثانية: تجليها محدودية التجسيد الفعلي للقيم في السلوك والممارسات، في مقابل تضخم الخطاب البيداغوجي الذي يتم إنتاجه.

الصعوبة الثالثة: تبرز في موسمية البرامج المخصصة للتربية على القيم. في مقابل إشكالية استمرارها، واستدامتها.

الصعوبة الرابعة: تمثلها مسألة تدبير التربية على القيم، وذلك بالانتقال من التوجيهات التربوية، وبرامج العمل الوطنية والجهوية. إلى قلب الفصول الدراسية. وفضاءات المؤسسات التعليمية. ومن ثم إلى تحقيق الاقتناع بها، والالتزام بقواعدها، وتجسيدها في السلوك والمعاملة، والممارسات اليومية لدى كل متعلم.

الصعوبة الخامسة: تتحدد في نقص الأدوات الكفيلة بتتبع الأثر على مستوى بناء السلوك والفعل، وتقويم مؤشرات الإنجاز، ولاسيما في مجال التربية على القيم. التي يظل تلمس نتائجها في الممارسات محدودا كما أن تحقيق أهدافها يندرج في مدى زمني بعيد.

بعد تحديد هذه الصعوبات وتشخيصها يأتي الدور على تفعيل دور المؤسسات المجتمعية، لاسيما هذه الأربعة:

الأسرة؛

المدرسة؛

المساجد؛

الهوامش:

[1] توفيق أكياس، التربية على القيم الإنسانية، تدريس التاريخ نموذجا، بتاريخ 8-11-2024 على الساعة 10:13، الرابط:

https://2u.pw/mM1pLTDb

[2] عبد اللطيف المودني، المدرسة المغربية ومسارات التربية على القيم المشتركة، مجلة دفاتر التربية والتكوين، عدد 5 شتنبر 2011، ص12-13

الصفحة 11

...المؤسسات العمومية (نوادي، مسرح، حدائق، محاكم، مؤسسات أمنية ...).

وتجذر الإشارة إلى أن أدوار هذه المؤسسات تتكامل فيما بينها، بحيث إذا أدت كل مؤسسة دورها في التربية على القيم، فإننا نستطيع بذلك القضاء على الازدواجية والتنافر الأخلاقي الذي يعيشه المتعلم، في الوقت ذاته إذا أخلت مؤسسة ما بمهمتها وتخلت عن وظيفتها فإن ذلك سيؤثر بالضرورة على دور باقي المؤسسات، وبالتالي نجد أنفسنا أمام أزمة قيمية كالتي نعيشها.

إن الأسرة هي "المؤسسة التربوية الأولى في المجتمع والنظام الاجتماعي الذي يشكل سلوك الأفراد، ولها الدور الفعال في تنشئة الأجيال بما ينسجم مع قيم المجتمع، وأنظمته وأعرافه، فهي تبني الأجساد، وتقوم بالتطبيع الاجتماعي بما نحدثه من نقل لثقافة المجتمع، وتراثه، وقوانينه، ومفاهيمه، وعاداته، وتقاليده إلى الفرد منذ طفولته وتحيق الهوية الاجتماعية"[1].

إن الحرص على تربية الطفل بما يتوافق مع القيم النبيلة لا سيما في الفترة التي يعيشها الطفل في أحضان أسرته يكون بمثابة البذرة التي تودع في باطن الأرض، ثم تأتي مرحلة السقي وهي المرحلة التي تتدخل فيها مختلف المؤسسات الاجتماعية مثل المدرسة والمسجد (...)، ويتجلى دورهم في تثمين القيم التي تلقاها الطفل في أسرته، وإضافة القيم المتعلقة بالحياة الاجتماعية، فتنمو بذلك أزهار البذرة الأولى وتتكاثر لتشكل الأغصان والأوراق والثمار المتمثلة في تكوين متعلم ذو شخصية متكاملة ومتوازنة وقادرة على استدماج القيم في مواقف حياتية مختلفة.

الهوامش:

[1] حسين عليق، دور التربية الأسرية في بناء منظومة القيم الاجتماعية عند الأبناء، مجلة الحداثة، العدد 189/190، 2018، ص4.

 الصفحة 13














خاتمة

خلصت الدراسة إلى نتائج وتوصيات أجملها في الآتي:

-      تعيش المنظومة التربوية أزمة قيمية، خاصة على مستوى مخرجاتها وهي متجلية في عدم تمثل المتعلمين للقيم التي يدرسونها؛

-      تعترض المنظومة التربوية فيما يتعلق بالتربية على القيم عدة صعوبات وتحديات؛

-      صلاح المجتمع رهين بنجاح المنظومة التربوية.

وتم اقتراح مجموعة من الحلول من شأنها أن تسهم في نجاح المنظومة التربوية، وكفيلة بترسيخ القيم في الناشئة، وهي كالآتي:

-      تحديد مصادر القيم بشكل واضح وصريح؛ وهما القرآن الكريم والسنة النبوية؛

-      تخليص القيم من الشوائب والمعاني والمحتويات الدخيلة وذلك بعرضها على القرآن والسنة؛

-      الرفع من قيمة المواد الحاضنة للقيم وذلك من خلال الرفع من معامل تأثيرها والزيادة في حصص تدريسها وعلى رأسها مادة التربية الإسلامية والفلسفة والتاريخ؛

-      إلزام مختلف المؤسسات المجتمعية بأداء أدوارها، وتفعيل دور المؤسسات الأمنية لربط المسؤولية بالمحاسبة.

الصفحة 13