سيكولوجيا النمو ونظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية


المؤلف: الدكتور يوسف العلمي والدكتور محمد ملحاوي وآخرون

التصنيف: سيكولوجيا النمو

عرض PDF

الوصف:

تألـــــــــــــــــــــــــــــــــيف  : د. يوسف العلمي  ذ. يوسف حاسين   ذ. منير عاند  د. محمد ملحاوي

الـــــــــــــــــــطـــــــبــــعــــــــة  : الأولى 1445هـ/2024م

الـــــــــــــطـــــــبــــــــــــــع    : مكتبة قرطبة – وجدة

الإيداع القانوني : 2024MO2755

ردمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك  : 978-9920-31-869-3

مكتبة قرطبة

14 زنقة البندقية حي القدس، وجدة

المملكة المغربية

00212673025501

brahimpaix@gmail.com



تقديم


تتبدى أهمية هذا الكتاب من خلال اشتغاله على دراسة علم النفس النمو باعتباره يكتسي أهمية كبيرة من خلال حرصه على فهم العملية التي يتطور بها الإنسان منذ الطفولة حتى البلوغ. فهو منتوج فكري سيساعد المهتمين على الوقوف عند المراحل المختلفة لنمو الإنسان وتحديد العوامل التي تؤثر في تطور شخصيته وسلوكه. بالإضافة إلى تبيان مظاهر تدخل علم النفس النمو كآلية لتحسين العلاقات الاجتماعية والعاطفية بين الأفراد، ومساعدتهم على تعزيز تنميتهم الشخصية، وتحقيق النجاح في حياتهم، من خلال الاحتكام إلى الأدوات والمعرفة اللازمة للتعامل مع التحديات التنموية التي يواجهها الأفراد في حياتهم. ويمكن اعتبار هذا العمل أساسا لتعزيز الوعي الذاتي وفهم الذات، وذلك من خلال استكشاف مختلف النظريات والمفاهيم المتعلقة بعلم النفس النمو، والتي من شأنها تنمية مهارات التفكير والتحليل عند الأفراد، من خلال تقديم نماذج عملية للتفكير النقدي والتحليلي، مما يساهم في تطوير القدرات الذهنية والاستيعاب العقلي. هذا ناهيك عما يحمله العمل من رهانات بسط الأدوات والتوجيهات اللازمة لتحقيق التحسين والنمو في حياة القارئ المهتم.

 وتكمن قوة هذا الكتاب بالإضافة إلى ما ذكر فيما اعتمده من أسلوب بسيط يتوخى تبني اللغة العلمية والموضوعية في طرح الأفكار بقالب سلس، يجعل المتلقي متماهيا مع سطوره بشكل يعزز التفاعل مع محاوره، بما يخدم هدف الاستيعاب الشامل للمفاهيم المبسوطة، خصوصا وأن مجال علم النفس النمو يتسم بعمق المعنى وأحيانا بصعوبة ضبط جهازه المفاهيمي إذا لم يكن الكاتب متفاعلا بذكاء مع خصوصيات المحاور التي يرغب في معالجتها، حتى لا يتيه القارئ في مطبات القراءات المتعددة، بما يشتت التفكير، ويخرج عن السياقات السليمة التي من المفترض معالجتها، والاشتغال بمساراتها.

إنه مجهود يشكر، وعمل يستحق التنويه وكثير من الاهتمام، لما يحمله من فرص الارتباط بالمعلومة المرتبة، والتي تخدم البحث العلمي في أبعاده الكبرى بشكل يفتح المجال أمام اجتهادات أخرى تبدأ من حيث انتهى هذا العمل. وهذا أمر محمود لا يمكن إلا أن نصفق له ونباركه لما له من وقع على تحصيل المعارف وتقييم ارتباطاتها بالهم الجمعي. 

حسن تاج

أستاذ محاضر بالمدرسة العليا للتربية والتكوين بوجدة


مقدمة

أدى تراكم الأبحاث والدراسات وتقدمها في العديد من فروع مجال علم النفس، إلى الكثير من النتائج الإيجابية على العملية التربوية، وذلك منذ استقلال علم النفس عن الفلسفة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. إذ لم يمض إلاّ وقت يسير حتى أصبح لدينا فرعا خاصا، هو سيكولوجيا التربية يُعنى بشكل أساسي، بقضايا وشؤون التربية والتعليم.

اليوم، ومنذ مدة غير يسيرة، يعتمد معظم البيداغوجيين والمتخصصين في مجال التربية والتعليم على ما يتم التوصل إليه من قبل الباحثين في هذا الحقل المعرفي أثناء بنائهم وتطويرهم للمقاربات والبيداغوجيات التربوية والتعليمية-التعلمية. بيد أن هؤلاء الأخصائيين وباقي الفاعلين في المجال التربوي من مدرسيين ومربيين وإداريين ومفتشين ومستشارين في التوجيه التربوي، لا ينهلون فقط مما توفره سيكولوجيا التربية، بل أيضا من تخصصات أخرى تفرعت عن علم النفس، كسيكولوجيا النمو. هذه الأخيرة التي تهتم بنطاق واسع من المواضيع والقضايا، تتعدى ما يتصل بالتربية والتعليم لتشمل ظاهرة النمو الإنساني بكافة مراحلها من بداية تشكل الجنين في الرحم إلى أواخر مرحلة الشيخوخة قبل الوفاة. إلاّ أنها أصبحت في الآونة الأخيرة تكتسي أهمية كبيرة في مجال التربية والتعليم، بشكل لا يقل درجة عن سيكولوجيا التربية. 

الصفحة 4

في هذا السياق ارتأينا من خلال هذا العمل، تقريب عموم القراء والمربيين والمدرسيين وكل المهتمين بالشأن التربوي والتعليمي من أبرز المعارف التي توصّل إليها الباحثون في هذا الحقل المعرفي، وذلك بالتركيز على تلك المرتبطة بعملية التدريس. حيث تم تخصيص الفصل الأول للتعريف بموضوع سيكولوجيا النمو، والعوامل المؤثرة في النمو ومظاهره، وببعض اضطرابات النمو الأكثر انتشارا بين الأطفال، فضلا عن الإشارة بإيجاز في نهاية هذا الفصل إلى كل من سيكولوجيا التعلم سيكولوجيا التربية، على اعتبار أن هذه الفروع الثلاثة من علم النفس تشكل إلى جانب حقول معرفية أخرى، الخلفية النظرية الأساس لنظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية التي يعالجها الفصل الثاني من الكتاب. ونتمنى أن نكون قد وفقنا في إنجاز المهمة بأقل نسبة ممكنة من الهفوات، كما لا يفوتنا أن نتقدم بجزيل الشكر والامتنان للأساتذة الأفاضل (...) الذين قبلوا مراجعة هذا العمل وتقديم ملاحظاتهم وتوجيهاتهم السديدة.

الصفحة 5




الفصل الأول: سيكولوجيا التربية وسيكولوجيا النمو



المبحث الأول: سيكولوجيا النمو

لطالما أثار الإنسان وجهة العلماء في البحث، بدراسات تحاول الكشف عن مراحل نموه، منذ بداية نشأته وهو نطفة حتى بلوغه أشدّه، مع ما تعرفه كل مرحلة من تغييرات فسيولوجية وسيكولوجية، قصد معرفة متطلبات كل مرحلة، وما يناسبها في التفاعل معها. وهذا النمو يعرف تغييرات كثيرة بسبب ما يطرأ عليه من تأثيرات. كما نجد جملة من المظاهر تسهم في بيان خصائص كل مرحلة. ما سنبينه في المحاور الآتية.

أولا: تعريف سيكولوجيا النمو

لسيكولوجيا النمو تعريفات عديدة تختلف حسب طبيعة الدراسات المنجزة وأهدافها؛ ومن بين هذه التعاريف، نذكر:

- علم "يعنى بدراسة مراحل النمو المختلفة للفرد، ودراسة مظاهر النمو واتجاهاتها في أبعادها الجسمية والعقلية والانفعالية، ودراسة مطالب النمو في مراحله المختلفة."[1]

الهوامش:

[1] - مجدى عزيز إبراهيم، معجم مصطلحات ومفاهيم التعليم والتعلم، عالم الكتب، القاهرة، ط1، 1430هـ-2009م، ص 739.

الصفحة 6

- "هو العلم الذي يدرس سلوك الكائن الحي، وما وراءه من عمليات عقلية، وبدوافعه ودينامياته وآثاره، دراسة علمية يمكن على أساسها فهم وضبط السلوك والتنبؤ به والتخطيط له"[1]. والقصد من الدراسة العلمية هنا؛ تلك الإجراءات العلمية التجريبية في الدراسة إذ من المعلوم أن هذا العلم يقوم على دراسات وتجارب ميدانية. أما ضبط سلوكه فيعني معرفة سبب ذلك السلوك والعمل على تعديله إيجابيا.

-  "الدراسة العلمية لمظاهر النمو لدى الكائن البشري منذ بداية تكوينه كبويضة مرورا بمراحل نموه المختلفة حتى نهاية حياته."[2]

وتجدر الإشارة أن القصد بنمو الطفل هو: "العملية الديناميكية لنشوء وتفاعل التغيرات البدنية والنفسية والاجتماعية التي تصحب نمو الطفل، ولمعرفة هذه التغيرات أهمية كبيرة في تربية الطفل."[3]

فسيكولوجيا النمو علم يهتم بدراسة مراحل النمو منذ مرحلة الإخصاب، وبفضل التطور التكنولوجي تتم متابعة نمو الطفل وهو لا يزال في بطن أمه، ومعرفة كل ...

الهوامش:

[1] - حامد عبد السلام زهران، علم النفس النمو "الطفولة والمراهقة"، دار المعارف، ط1، 1986م، ص 09.

[2] - محمد عبد الله أبو جعفر، محاضرات مادة: علم النفس النمو، تقديم: فوزية بنت عبد الرحمن با ناعمة، 1439هـ، الكلية الجامعية بمحافظة الليث، قسم التربية وعلم النفس، 1439، ص 15.

[3] - محمد حمدان، معجم مصطلحات التربية والتعليم، دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 1428هـ-2007م، ص 21.

الصفحة 7

التغييرات التي تطرأ على مستوى نموه، إلى أن يخرج للحياة ومن ثم جميع مراحل حياته إلى أن يموت.

فمن الحسن مدارسة مراحل النمو قصد معرفة خصائصها ومميزاتها، لإيجاد الطرائق المناسبة للتعامل مع كل فترة عمرية، فالطفل في السنوات العشر الأولى ليس كالطفل في العشر الثانية وهكذا.

ومن خلال ما سبق يتبين التعريف الأكثر شمولا لسيكولوجيا النمو: هو علم يهتم بدراسة مظاهر النمو عند الفرد منذ تكوينه كبويضة مرورا بمراحل نموه المختلفة حتى نهاية حياته، قصد إيجاد متطلبات كل مرحلة والعمل على توفيرها لتحقيق نمو سليم.

ثانيا: نشأة سيكولوجيا النمو

سيكولوجيا النمو ليست وليدة اللحظة أو العصر الحديث، وإن برزت في العصر الحديث فإن بذورها تمتد إلى فترة وجود التعاليم الدينية في الكون، وأيضا في التأملات الفلسفية القديمة، فقد حاول علماء الدين والفلاسفة على مر العصور تسليط الضوء على ظاهرة النمو. ومن هؤلاء[1]:

تذكر كتب التاريخ أن أخناتون (أحد ملوك مصر قديما) قد حاول أن يصور حياة الجنين في تطورها.

الهوامش:

[1] - حامد عبد السلام زهران، علم النفس النمو "الطفولة والمراهقة"، (م.س)، ص 15 وما بعدها.

الصفحة 8

وقد تكلم أفلاطون عن التكاثر وذكر مبادئ النمو عند الطفل وخصائصه في المراحل المختلفة وعن سبل تربية الشباب ليصبحوا مواطنين صالحين.

وذكر جون لوك في القرن السابع عشر الكثير عن عادات الطفل وكيفية تكوينها ودوافعه وأنواعها واتفاقها مع معايير الجماعة، وقال إن الطفل يولد وعقله صفحة بيضاء.

وكتب جان جاك روسو في القرن الثامن عشر كتابه "إميل" ونادى بإعطاء الطفل حريته المطلقة للتعبير عن نزعاته الطبيعية وتنمية مواهبه وقدراته.

وأسهم تشارلز داروين (صاحب نظرية التطور) مباشرة في سيكولوجيا النمو حيث نشر في سنة 1877 تحليلا لتاريخ حياة طفله الأول الذي ولد سنة 1839. وغيرهم ممن اهتم بالإنسان ومراحل نموه.

ثالثا: رواد سيكولوجيا النمو

لن يكون الحديث في هذا المحور على الذين زرعوا البذرة الأولى لهذا العلم والذي سبق ذكر بعضهم، بل الحديث سيكون عن المعاصرين الذين برزوا في هذا العلم، وأنجزوا دراسات وحققوا نظريات علمية أفادت المجال التربوي، ومن أبرز هؤلاء[1]:

الهوامش:

[1] - إبراز إسهامات بعض الرواد في سيكولوجيا النمو، سيأتي في حديثنا عن النظريات.

الصفحة 9

-                  أرنولد جيزل[1]: (1880-1961) كان عالما نفسيا سريريا أمريكيا، وطبيب أطفال، وأستاذا في جامعة ييل معروفا بأبحاثه ومساهماته في مجال تنمية الطفل.

-                  بروس فريديك سكينر: هو أخصائي علم النفس وسلوكي، ومؤلف ومخترع وفيلسوف اجتماعي أمريكي. وهو الأخصائي الأكثر تأثيرا في علم النفس في القرن العشرين. وهو أستاذ فلسفة إدجر بيرس (Edgar pierce) في جامعة هارفارد من عام 1958م حتى تقاعده في عام 1974م.

ولد وشب في بلدة سسكيهانا بولاية بنسلفينا، تخرج من قسم اللغة الإنجليزية بكلية هاميلتون، اهتم بكتابات واطسون وبافلوف، التحق ببرنامج للدراسات العليا في علم النفس بجامعة هارفرد التي بدأ سلسلة تجاربه فيها، والتي نتج عنها كتابة عشرات المقالات في المجلات المتخصصة، ثم جمعها في كتاب أطلق عليه اسم "سلوك الكائنات الحية، وتوفي في أغسطس عام 1990م.[2]

جون بياجيه[3]: (1896 – 1980) كان عالم نفس وفيلسوف سويسري وقد طور نظرية التطور المعرفي عند الأطفال فيما يعرف الآن بالإبستمولوجيا...

الهوامش:

[1] - أرنولد جيزيل - ويكيبيديا (wikipedia.org) بتاريخ: 16/10/2023 بتوقيت 11:30.

[2] - للمزيد ينظر: مصطفى ناصف، نظريات التعلم -دراسة مقارنه-، مراجعة: عطية محمود هنا، سلسلة علم المعرفة، يناير 1978م، ص 138، وما بعدها.

[3] - عادل بن مساعد الرشيدي، النظرية البنائية، بحث مقدم كأحد متطلبات مقرر الأصول الفلسفية والاجتماعية للتربية، جامعة الملك سعود، كلية التربية، 1436/1437هـ، ص 10 بتصرف. 

الصفحة 10

-                  التكوينية. أنشأ بياجيه في عام 1965 مركز الإبستمولوجيا التكوينية في جينيف وترأسه حتى وفاته في عام 1980. ويعتبر رائد المدرسة البنائية في علم النفس.

من أشهر كتبه:

-                  اللغة والفكر عند الطفل. 1923

-                  Language and Thoughts of the child 1923 

-                  الحكم والاستدلال عن الطفل. 1924

Judgement and Reasoning of the Child 1924

-                  سيغموند فرويد[1]: (1856 – 1939) هو مفكر نفسي نمساوي يهودي، أسس مدرسة التحليل النفسي من علم النفس للعلاج من خلال الحوار بين المريض والطبيب النفسي. عُرف بنظرياته عن العقل الباطن، وإعادة تعريف الليبيدو كأول طاقة تحفيزية للحياة البشرية، وقد ساهم بالتعريف بمراحل النمو من خلال التحليل النفسي، وما تقتضيه كل مرحلة.

ومن مؤلفاته:

-                  دراسات عن الهستيريا؛

-                  ثلاث مقالات عن النظرية الجنسية؛

-                  النرجسية؛

الهوامش:

[1] - للمزيد ينظر: عبد الرحمن بدوي، موسوعة الفلسفة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1983، 2/122 وما بعدها.

الصفحة 11

-                  الأنا والهو؛

وتقوم نظرية التحليل النفسي عند فرويد على الطاقة الغريزية للإنسان، "وأن الغرض الأساسي من كل فعل يقوم به الإنسان هو تحصيل أكبر لذة وجعل الألم أقل ما يمكن. ذلك أن السلوك يتجه نحو السعادة، بمعنى تحصيل أكبر لذة، أو إشباع الحاجات الحسية"[1]. ويتم تحقيق هذه الرغبات وفق ثلاثة مكونات أساسية للشخصية وهي: الهو[2] والأنا[3] والأنا الأعلى[4]، وهذه المكونات تقودنا إلى استحضار مستويات النفس البشرية التي عقد لها فرويد مستويات ثلاث، وهي: الشعور[5]

الهوامش:

[1] - نفسه، 2/123.

[2] - "يعبر الهو عن الغاية الحقيقية لحياة الكائن العضوي، وتنحصر هذه الغاية في إشباع حاجته الفطرية".

سيجموند فرويد، الموجز في التحليل النفسي، ترجمة: سامي محمود علي وعبد السلام القفاش، مهرجان القراءة للجميع 2000، مكتبة الأسرة، ص 29.

[3] - "هو الجزء من الشخصية الذي ينشد العثور على مخارج واقعية لدوافع "الهو"، وفي نفس الوقت يُؤمّن الشخص من الوقوع في نزاع مع محيطه يجنبه التجارب الأليمة".

عبد الرحمن بدوي، موسوعة الفلسفة، (م.س)، 2/124.

[4] - "هي الضمير الذي يميز بين ما يليق فعله مما لا يليق، "فهي تشمل القيم الأخلاقية التي يهتدى بها الشخص".

عبد الرحمن بدوي، موسوعة الفلسفة، (م.س)، 2/124.

[5] - "كان الشعور موضوع علم النفس قبل ظهور التحليل النفسي الذي عارض هذا التيار، وأقام ما يسمى بعلم نفس الأعماق أو علم نفس اللاشعور".

سيجموند فرويد، الموجز في التحليل النفسي، (م.س)، ص 138.

الصفحة 12

واللاشعور[1] وما قبل الشعور[2]، ومن مفاهيم هذه النظرية إضافة إلى ما سبق ذكره: اللبيدو[3]، وعقدة أديب[4]، والغريزة[5]، والكبت.[6]

وتحدث فرويد وفق نظرية التحليل النفسي عن نمو الشخصية عند الطفل من خلال خمس مراحل كما يبين الجدول الآتي (انظر الصفحة 14 و15 في ملف البدف أعلاه)[7]:

الهوامش:

[1] - "هو أعمق المستويات النفسية، ويتكون من الذكريات التي تؤثر في السلوك، ولا يمكن استدعاؤها ولكن تظهر في الأحلام وزلات اللسان".

أحمد يحياوي وأحمد كرارمة، محاضرات في علم النفس النمو، (م.س)، ص 22.

[2] - هو: "وإلى جانب الشعور واللاشعور هناك ظاهرة يسميها فرويد باسم "ما قبل الشعور" وهو المادة التي يستطيع الشخص أن يتذكرها بحسب إرادته، لكنها لم تكن في وعيه وانتباهه طوال الوقت".

عبد الرحمن بدوي، موسوعة الفلسفة، (م.س)، 2/124.

[3] - هو "طاقة غريزة الحياة التي تتوزع بين الأنا (الليبيدو النرجسي) والموضوعات أو الأشخاص (الليبيدو الموضوعي)".

سيجموند فرويد، الموجز في التحليل النفسي، (م.س)، ص 150.

[4] - "تشير إلى تعلق الطفل بالوالد من الجنس الآخر تعلقا يتناوله الكبت، بسبب الصراع الذي ينشأ من اصطدام هذا التعلق بمشاعر الحب والكره والخوف التي يشعر بها الطفل تجاه الوالد من نفس الجنس".

سيجموند فرويد، الموجز في التحليل النفسي، (م.س)، ص 143.

[5] - "هي الممثل النفسي للمنبهات التي تصدر عن الكائن العضوي وتتغلغل في النفس، وهي في الآن ذاته مقياس للمطالب التي تفرضها على الطاقة النفسية صلة النفس بالبدن".

سيجموند فرويد، الموجز في التحليل النفسي، (م.س)، ص 145.

[6] - هو "استبعاد أشياء مثيرة للقلق كالدوافع والانفعالات والأفكار الشعورية المؤلمة والمخيفة، وطردها إلى حيز اللاشعور".

العربي اسليماني، المعين في التربية، المطبعة والوراقة الوطنية - مراكش، ط 9، 2016م،ج1 ص 162.

[7] - ينظر: عبد الرحمن بدوي، موسوعة الفلسفة، (م.س)، 2/124.

- العربي اسليماني، المعين في التربية، (م.س)، 1/158.

- أحمد يحياوي وأحمد كرارمة، محاضرات في علم النفس النمو، ص 21.

الصفحة 13

رابعا: موضوع سيكولوجيا النمو

من خلال التعريفات السابقة، وبناء على اهتمامات بعض الفلاسفة والرواد، يتبين أن موضوع سيكولوجيا النمو هو دراسة المراحل العمرية للإنسان وما تعرفه كل مرحلة من خصوصيات، فقد جاء في كتاب "علم النفس النمو"[1] لحامد عبد السلام زهران ما يلي:

إن "موضوع سيكولوجيا النمو هو دراسة سلوك الأطفال والمراهقين والراشدين والشيوخ ونموهم النفسي منذ بداية وجودهم. أي منذ لحظة الإخصاب إلى الممات. والنمو سلسلة متتابعة متكاملة من التغيرات تسعى بالفرد نحو اكتمال النضج واستمراره

الهوامش:

[1] - حامد عبد السلام زهران، علم النفس النمو، (م.س)، ص 11.

الصفحة 15

وبدء انحداره. والنمو هو العملية التي تتفتح خلالها إمكانية الفرد الكامنة وتظهر في شكل قدرات ومهارات وصفات وخصائص شخصية".

خامسا: أهمية علم النفس النمو.

-                  دراسات سيكولوجيا النمو تفيد الطبيب في علاجه، والأسرة في تربيتها، والمدرس في تعليمه، والباحث في مواضيعه ... ويمكن تلخيص أهميته في النقط الآتية:

-                  "إمكانية التنبؤ بالسلوك واتجاهه، فإذا كان الطفل متفوقا عقليا، ففي الغالب يكون متفوقا في النمو الانفعالي والاجتماعي."[1]

-                  معرفة العوامل التي تسهم في خلق الفوارق الفردية، فالنضج العقلي يؤثر بشكل كبير في رغبات ودوافع الطفل أو المتعلم، ما يجعل بعضهم يختلف عن الآخرين، وإن كان لهم نفس الفترة العمرية.

-                  تحديد قِبْلة الدراسات النفسية الخاصة بسيكولوجيا النمو، والمتمثلة في اتجاهين أساسيين وهما: دراسة النمو العضوي، ودراسة النمو الوظيفي. ما يجعلنا نتعرف على طبيعة وخصائص المراحل العمرية للإنسان.

الهوامش:

[1] - حنان عبد الحميد العناني، سيكولوجيا التربية، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، ط5، 1435هـ-2014م، ص 111 -بتصرف.

الصفحة 16

-                  "تحديد معايير النمو في كافة مظاهره وخلال مراحله المختلفة مثل معايير النمو الجسمي والعقلي والانفعالي والاجتماعي في مرحلة ما قبل الميلاد، ثم مرحلة الطفولة، ثم مرحلة المراهقة، ثم الرشد فالشيخوخة."[1]

-                  يساعد على معرفة خصائص الأطفال والمراهقين وقدراتهم قصد إعداد المناهج التعليمية المناسبة لهم.

-                  "فهم النمو العقلي ونمو الذكاء والقدرات الخاصة والاستعدادات والتفكير والتذكر والتخيل والقدرة على التحصيل في العملية التربوية حيث يوصل إلى أفضل طرق التربية والتعليم التي تناسب المرحلة ومستوى النضج."[2]

-                  "فهم أساليب تفكير الأطفال، وطرق معرفتهم بالعالم المحيط بهم، وهو ما له علاقة وثيقة بالعملية التعليمية – التعلمية، فلكي يفهم المعلم كيف يسلك طلابه مسارهم نحو التعلم، وكيف يتغير سلوكهم، عليه أن يعرف كيف يتعلمون، وماذا يتعلمون، وكيف يستخدمون ما تعلموه؟"[3]

الهوامش:

[1] - حامد عبد السلام زهران، علم النفس النمو، (م.س)، ص 13.

[2] - نفسه، ص 13.

[3] - عبد المجيد نشواتي، سيكولوجيا التربية، دار الفرقان للنشر والتوزيع، عمان، ط4، 1432هـ-2003م، ص 150-151.

الصفحة 17

المبحث الثاني: العوامل المؤثرة في النمو

تتدخل في عملية النمو مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية، والخصائص الفردية؛ وترتبط الخصائص الفردية بالعوامل الوراثية والبيئية، لأن الطفل منذ لحظة الإخصاب إلى حين خروجه إلى الوجود، يتميز بمجموعة من الخصائص التي قد تكون منقولة وراثيا عن طريق الجينات، أو ناتجة عن النظام الغذائي للأم، أو الصدمات التي قد تتعرض لها الأم الحامل...، وقد تكون هذه الخصائص مكتسبة من البيئة الخارجية التي نشأ فيها الطفل، ولذلك سيتم التركيز على العوامل الوراثية والبيئية، باعتبارها متضمنة للخصائص الفردية، وذلك في الآتي:

العوامل الوراثية:

تشكل الوراثة واحدا من أهم العوامل المؤثرة على النمو، وذلك من خلال ظهور تغيرات جسمية ونفسية وعقلية منقولة من الوالدين أو الأجداد أو أحد الأقارب إلى الأبناء.

كما تؤثر الوراثة على النمو سلبا وإيجابا، فكما نرث مستوى رفيعا من الذكاء، قد نرث بعض الأمراض، كالسكري، أو بنية جسمية قوية أو ضعيفة، أو بشرة بيضاء أو صفراء؛ أي أننا نأخذ مما هـو موجود لدى آبائنا وأسلافنا من خصائص وسمات. وتؤثر الوراثة أيضا على سرعة النمو وتباطئه ونضجه، أو قصوره ونوعه، وتنقــل الخصــائص الوراثيــة إلــى الأجيال الجديدة عن طريق الجينات التي تحملها 

الصفحة 18

الكرموزومات[1] (chromosome) التي يحملها كل من الحيوان المنوي الذكري والبويضة الأنثوية، وبعد اختراق الحيوان المنوي جدار البويضة والتصاق نواته بنواتها، تصبح بويضة مخصبة تحمــل صفات من الأب والأم والأجداد، وتتفاعل هذه الموروثات فيما بينها لتنتج صفات جديدة قد تختلف بعضها عن تلك التي تُميز الآباء والأمهات، ومثــال ذلك: زواج آسيـوي بأوروبية قد ينتج عنه طفل أوروبي القامة وأسيوي العينين، وقد يكون شعره أشقر، أو بشرته صفراء، وقد تكون كل هذه الصفات أو بعضها مشتركة بين الأبناء كنتيجة لتلك التفاعلات التي تحدث داخل البويضة.[2]

وتختلف الصفات الوراثية باختلاف الجنس، ذكرا كان أم أنثى، أي أن بعض الصفات الوراثية ترتبط بجنس دون الآخر، فمن الملاحظ أن الصلع مثلا من الصفات الوراثية المرتبطة بالجنس، والتي تظهر فقط عند الذكور بعد البلوغ وتتنحى ولا تظهر...

الهوامش:

[1] - جزيئة DNA مجمعة مع RNA وبروتين لتشكل تركيب خيطي يحتوي على المعلومات الوراثية (الجينات) مرتبة بشكل خطي ويمكن مشاهدة هذا التركيب الخيطي أثناء الـ mitosis والـ meiosis. وهو قادر على التكاثر الذاتي والاحتفاظ بخصائصه المظهرية والوظيفية عبر مراحل الانقسامات الخلوية المتعاقبة، وتحتوي خلايا النوع الواحد على عدد ثابت من الكروموسومات كما أن الأمشاج تحتوي على نصف العدد الأصلي من الكروموسومات والبيضة المخصبة تحتوي على العدد الكامل منها.

رأفت حمدي الحديثي، الوراثة العامة: الكروموسوم، جامعة الأنبار، كلية العلوم، قسم علوم الحياة، العراق، ص 02.

[2] - محمد عبد الله أبو جعفر، سيكولوجيا النمو، تقديم: فوزية بنت عبد الرحمن با ناعمة، الكلية الجامعية بمحافظة الليث، قسم التربية وعلم النفس، 1437هـ، ص 19-20 بتصرف.

الصفحة 19

عند الإناث(...)، وهدف الوراثة المحافظة على الصفات العامة للنوع والسلالة والأجيال.[1]

ويشير البعض أن مرحلة المهد أو الرضاعة التي تبدأ من لحظة الميلاد إلى السنة الثانية،[2] تعرف تغيرات وراثية لها تأثيرات نفسية على الطفل، ويجعلون العامل الوراثي سببا من أسباب التأثير النفسي عليه من أول مرحلة إلى ما بعدها من المراحل الأخرى، وبالتالي قد يؤثر ذلك على نموه النفسي الطبيعي. وفي هذا تقول خلود المهيزع في بحث لها حول أسباب المرض النفسي: "فقد أظهرت كثير من البحوث العلمية الدقيقة أثر الوراثة في الاستعداد للإصابة بالأمراض الذهانية أو العصابية على حد سواء...، إلا أن وجود هذا العامل لا يعني حتمية الإصابة بالاضطراب النفسي، حتى إن إصابة الوالدين، أو أحدهما لا يؤدي بالضرورة إلى إصابة الأبناء أو الأحفاد به، فالعامل الوراثي هو أحد العوامل المتعددة والمتشابكة، وليس هو السبب المباشر للأمراض النفسية".[3]

الهوامش:

[1] - حامد عبد السلام زهران، سيكولوجيا النمو (الطفولة والمراهقة)، دار المعارف، 1986هـ، ص 37 بتصرف.

[2]- ينظر: فوزي عبد الرحمن الشربيني وعفت مصطفى الطناوي، المناهج: مفهومها وأسس بنائها وعناصرها وتنظيماتها، مركز الكتاب للنشر، ط1، 2015م، ص 33 وما بعدها بتصرف.

[3]- ينظر: خلود بنت عبد الرحمن المهيزع، أحكام المريض النفسي في الفقه الإسلامي، رسالة ماجستر، كلية الشريعة بالرياض، 1431ه/1432ه، ص 57.

-الصحة النفسية والعلاج النفسي، حامد عبد السلام زهران، عالم الكتب نشر وتوزيع وطباعة، ط4، 2005م، ص 110.

الصفحة 20

ومنه فالعامل الوراثي واحد من العوامل التي يمكن أن تؤثر سلبا على النمو النفسي للأبناء، ولا يمكن تعميمه على جميع الأبناء المصابين باضطرابات نفسية، لأن الخصائص الوراثية النفسية للآباء ليست نفسها الموجودة عند الأبناء، كما أنه ليس سببا مباشرا لذلك.

وعموما فإن الوراثة تؤثر على نمو الطفل، سواء تعلق الأمر بوراثة الخصائص الفسيولوجية المرتبطة بالأمراض كالقلب والسكري وضغط الدم، أو الخصائص الجسدية كالطول والوزن واللون، أو الخصائص العقلية كالإبداع والذكاء والتفكير.

ثانيا: العوامل البيئية

إلى جانب تأثير الوراثة على سيرورة نمو الإنسان، تؤثر البيئة والمحيط الذي يعيش في كنفه الفرد بشكل بالغ على نموه. ويقصد بالبيئة هنا "المجال الذي تحدث فيه عملية النمو؛ أي جميع ما يحيط بالفرد من مكونات يتفاعل معها أثناء نموه، ويتأثر بها الفرد ويؤثر فيها في سياق نموه على طول حياته، سواء كانت هذه العوامل داخلية أو خارجية، ثقافية أو اجتماعية، قبل الولادة أو بعدها. وفي هذا الإطار الشامل لمفهوم البيئة يمكن تقسيم البيئة في تأثيرها على النمو الإنساني إلى قسمين: البيئة الداخلية قبل الولادة والبيئة الخارجية بعد الولادة.[1]

الهوامش:

[1]- حسن مصطفى عبد المعطي وهدى محمد قناوي، سيكولوجيا النمو، دار قباء للطباعة والنشر، ط 1، ج 1، 2001، ص 114.

الصفحة 21

-                  البيئة الداخلية:

تشمل البيئة الداخلية العوامل البيولوجية والكيميائية التي تؤثر في الجنين قبل الولادة، ومنها على سبيل المثال: تأثير بعض الأدوية والعقاقير المهدئة التي قد تتناولها الحامل على الأجنة في مرحلة ما قبل الولادة. فضلا عن تأثير الحالة الصحية والنفسية للأم الحامل ونظامها الغذائي، حيث " أوضح موناجوMontago 1972 أن الحامل التي تتناول أغذية متكاملة خلال حملها ينمو جنينها نموا طبيعيًا، وتلد طفلا يتمتع بصحة جيدة. كما أوضحت دراسة كابلان Kaplan 1972 أن الحامل التي ينقصها الغذاء الجيد ينمو جنينها نموا غير طبيعي وتنجب طفلا يتميز بنقص الوزن وانعدام الصحة، بل الإصابة ببعض الأمراض أحيانا. كما أوضحت دراسات أخرى أن الأمهات اللائي يعانين من نقص في الغذاء غالبا ما يلدن أطفالاً يعانون من نقص جسمي أو عقلي أو اضطراب نفسي شديد. وأوضحت دراسات کوخ ‏"Koch 1986" أن نقص فيتامين ب12 في غذاء الأمهات الحوامل يؤذي جهازها العصبي ويؤدي إلى ولادة صغار مشوهين جسميا وعقليا".[1]

-                  البيئة الخارجية:

وهي تتضمن البيئة والمحيط الخارجي الذي يعيش داخله الإنسان بعد ولادته، ويشمل تأثيرات البيئة الطبيعية والبيئة التاريخية والبيئة الاجتماعية والثقافية.[1]

الهوامش:

نفسه، ص 118. حسن مصطفى عبد المعطي وهدى محمد قناوي، سيكولوجيا النمو، (م.س)، ص 114.

الصفحة 22

-                  البيئة الطبيعية:

تشير البيئة الطبيعية إلى الظروف المادية المحيطة بالفرد من عوامل جغرافية ومكانية؛ كالطقس والمناخ. فإذا نظرت على سبيل المثال إلى "السلالات والأجناس البشرية في مشارق الأرض ومغاربها، شمالها وجنوبها، تجد فروقا ترجع إلى حد كبير إلى الاختلافات في البيئة الجغرافية"[1].

-                  البيئة التاريخية:

يقصد بالبيئة التاريخية الظروف والشروط التي تميز العصر الذي يعيش فيه الفرد ودرجة التطور التي أحرزها المجتمع على المستوى الحضاري بإنتاجه، وأدواته، ورموزه في سياق العملية التاريخية، تلك الحضارة التي تتفتح فيها إمكانات الأطفال. ذلك أن العامل الحضاري للمجتمع له تأثيره على نمو الطفل وتفتحه. إذ لا شك أن الإنسان الذي عاش في القرن 18 غير الإنسان الذي عاش في القرن 19 أو في القرن 20، كما أن الإنسان المعاصر يختلف عن سابقه في خصائصه، وسماته العقلية والفكرية، وتطلعاته وآماله، وقلقه، وانفعالاته، وعلاقاته الاجتماعية وصراعاته وإحباطاته، وكل ذلك يمثل مكونات الشخصية، وعامل من العوامل المؤثرة في النمو الإنساني.[2]

الهوامش:

[1]- حامد عبد السلام زهران، سيكولوجيا النمو: الطفولة والمراهقة، (م.س)، ص 38.

[2]- حسن مصطفى عبد المعطي وهدى محمد قناوي، (م س)، ص 126.

الصفحة 23 -                  البيئة الاجتماعية والثقافية:

تحيل البيئة الاجتماعية والثقافية: على تأثيرات مختلف المكونات الثقافية والاجتماعية السائدة في المجتمع على نمو الفرد، بما في ذلك: الأنساق العلمية والفكرية وأنماط السلوك والقيم والعادات والتقاليد والمعتقدات، والنظم والمؤسسات الاجتماعية والسياسة (الأسرة، المدرسة، الدولة ومؤسساتها...إلخ.) المنتشرة في المحيط الذي يعيش فيه الفرد. "فالبيئة الاجتماعية والثقافية التي يعيش فيها الإنسان منذ أن يرى النور تُشكّله اجتماعيا وتحوله إلى شخصية اجتماعية متميزة. فضلا عن الطبقة الاجتماعية والخلفية الاجتماعية والاقتصادية والتربوية للفرد وتوجيهه النفسي والفرص المتاحة أمامه تؤثر في عملية النمو. كما يلاحظ أن هناك تداخلا في نمط الحياة في الأسر التي تقع في النطاق بين طبقة اجتماعية وأخرى. إلا أن الفروق تتضح كلما تدرجنا صعودا وهبوطا على سلم الطبقات الاجتماعية، ويكتسب الفرد النامي أنماط ونماذج سلوكه وسمات شخصيته نتيجة للتفاعل الاجتماعي مع غيره من الناس من خلال عملية التنشئة والتطبيع الاجتماعي. وخلال سنوات حياته الأولى تكون الأسرة (الوالدان والإخوة) هي أبرز عوامل التأثير الاجتماعي، وبعد ذلك يأتي دور الصحبة والرفاق في المدرسة وفي المجتمع الكبير، وكذلك تؤثر وسائل الاعلام ودور العبادة والنمط الثقافي الذي ينمو في إطاره الفرد".[1]

الهوامش:

[1]- حامد عبد السلام زهران، سيكولوجيا النمو، (م.س)، ص 38.

الصفحة 24

ومن بين أشهر النظريات التي أكدت على الأهمية البالغة للعوامل البيئية في نمو الأشخاص، "نظرية النظم البيئية، التي طرحها يوري برونفنبرينر Bronfenbrenner, U سنة 1979.[1] وهي تفترض أن البيئة الطبيعية هي المصدر الرئيسي للتأثير على نمو الشخص. وتشرح الكيفية التي يتأثر بها النمو البشري بأنواع مختلفة من النظم البيئية. وهي خمسة أنظمة بيئية متداخلة ومتفاوتة التأثير على نمو الفرد (أنظر الصفحة 25 من ملف بدف في أعلى الصفحة ):

الهوامش:

[1]- Bronfenbrenner, U. (1994). Ecological models of human development. In International Encyclopedia of Education, Vol. 3, 2nd. Ed. Oxford: Elsevier. Reprinted in: Gauvain, M. & Cole, M. (Eds.), Readings on the development of children, 2nd Ed. (1993, pp. 37-43). NY: Freeman.

الصفحة 25

الميكروسيستم Microsystems أو النظام المصغر: وهو نمط من الأنشطة والأدوار الاجتماعية والعلاقات الشخصية التي يعيشها الفرد في بيئة معينة ويكون فيها التفاعل مباشرا مع مكونات هذا النظام. ويكون التأثير في هذا النظام ثنائي الاتجاه، بمعنى أن الفرد يتأثر بالأفراد المحيطين به، ويؤثر فيهم أيضا.

الميزوسيستم Mesosystems أو النظام الوسيط: ويشمل الروابط والعمليات التي تجري بين اثنين أو أكثر من الأنظمة البيئية (مثل، العلاقات بين المنزل والمدرسة، والمدرسة ومكان العمل، وما إلى ذلك)، وهو على حد تعبير برونفنبرينر نظام تعمل فيه الأنظمة البيئية مع بعضها البعض للتأثير على نمو الأفراد. وكمثال على ذلك يذكر برونفنبرينر التأثير ثنائي الاتجاه للأسرة والمدرسة من خلال مشاركة الآباء والمدرّسين معا في صناعة القرارات التي تخص التلاميذ.

الإكزوسيستم Exosystems أو النظام الخارجي: ويتضمن الروابط والتفاعلات التي تحدث بين اثنين أو أكثر من الأنظمة البيئية، واحدة منها على الأقل لا تحتوي على الشخص المعني بعملية النمو، ولكنها تشهد أحداثا تؤثر بشكل غير مباشر على العمليات داخل البيئة المباشرة التي يعيش فيها الشخص (على سبيل المثال، بالنسبة للطفل، العلاقة بين المنزل ومكان عمل الوالدين).

الماكروسيسم Macrosystems أو النظام الأكبر: ويتشكل من الأنظمة الثلاث السابقة (المصغرة والوسطى والخارجية) المميزة لثقافة معينة، مع إشارة بشكل 

الصفحة 26

خاص إلى أنظمة المعتقدات، ومجموعات المعرفة، والموارد المادية، والعادات، وأنماط العيش...إلخ. يمكن اعتبار هذا النظام بمثابة مخطط مجتمعي لثقافة معينة.

الكرونوسيستم Chronosystems ويشير هذا النظام إلى تأثير البعد الزمني على نمو الفرد. وهو يتضمن التغيير أو الاتساق مع مرور الزمن، ليس في خصائص الشخص فقط، بل حتى في البيئة التي يعيش فيها، مثل التحولات التي تطرأ على بنية الأسرة، أو الحالة الاجتماعية والاقتصادية، أو الوظيفة، أو مكان الإقامة...إلخ.

الصفحة 27

المبحث الثالث: مظاهر النمو

1-            النمو الانفعالي Emotional Development:

يعتبر النمو الانفعالي أحد أكثر الجوانب أهمية وتأثيرا في شخصية الكائن البشري، "ويتمثل الانفعال Emotion في كل ما ينتاب الفرد من حالات وجدانية كالحزن أو الغضب أو الغيرة أو القلق أو النفور أو الحب أو الكره...إلخ. كما يصاحب الانفعال حدوث استجابة فيزيولوجية على درجة من الشدة تتضح في الارتفاع المفاجئ لضربات القلب؛ انقباض عضلات المعدة؛ ازدياد في ضغط الدم؛ ازدياد التوتر العضلي. ومن ثم يمكن القول بأن الانفعال هو حالة تغير مفاجئ تشمل الفرد كله دون أن يختص بها جزء معين من جسمه، أي أنه حالة وجدانية شعورية يشعر بها الفرد ويمكنه وصفها. ولهذا يمثل النمو الانفعالي أحد الجوانب الهامة في عملية النمو الإنساني، حيث تؤثر الانفعالات على الإنسان خلال تفاعله مع بيته في المواقف المختلفة، فالخبرات الانفعالية التي يمر بها الإنسان وبصفة خاصة في المراحل التكوينية الأولى لها تأثيراتها اللاحقة في حياته وعلى صحته النفسية، كما يعتبر الاضطراب النفسي أو العقلي في الغالب اضطرابا انفعاليا"[1].

الهوامش:

[1]- حسن مصطفى عبد المعطي وهدى محمد قناوي، سيكولوجيا النمو، (م.س)، ص 189.

الصفحة 28

-                  الانفعال موضوعا لعلم النفس:

وقد ظل النمو الانفعالي بعيدا عن اهتمام الباحثين المختصين في دراسة النمو الإنساني لعقود من الزمن، وهو إهمال يمكن رده إلى عاملين أساسيين: [1]

الأول: الاعتقاد الذي كان سائدا على نطاق واسع بأن الانفعالات والعواطف هي مسألة ثانوية.

الثاني: الانفعالات غير قابلة للقياس بشكل دقيق.

هذا على الرغم من الاهتمام الذي أبداه أحد أبرز مؤسسي علم النفس الحديث، بمسألة الانفعالات والعواطف في وقت مبكر من نشأة علم النفس؛ حيث كتب الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي وليام جيمس "سنة 1884 مقالًا طرح فيه سؤالًا مهمًا مفاده: ما هو الانفعال؟ هذا السؤال الذي شغل بال الفلاسفة والمفكرين لعدة قرون قبل زمن جيمس. وقد نص جيمس في هذا المقال على أن العواطف لها أساس فزيولوجي، وذلك ردًا على كتاب تشارلز داروين، "التعبير عن الانفعالات عند البشر والحيوانات" المنشور سنة 1872، والذي افترض فيه داروين أنه من خلال الانتقاء

الهوامش:

[1]- Carolyn Saarni and others, Emotional Development: Action, Communication, And Understanding, in Handbook of Child Psychology. Social, Emotional, and Personality Development William Damon, and others, Vol. 3, 6th, Wiley, 2006 (pp: 226-300), p 226. 

الصفحة 29

الطبيعي، طور البشر والحيوانات مجموعة مشتركة من السمات تشمل الاستجابات العاطفية".[1]

إن هذا الإهمال الذي طال دراسة الانفعالات والعواطف في علم النفس. "يعود إلى التأثير الذي مارسته النظرية السلوكية، والمناهج المعرفية في علم النفس، فقد اعتبر الانفعال متغيرًا مزعجًا وشيئًا لا علاقة له بالموضوع الحقيقي لعلم النفس لسنوات عديدة. غير أن الأمر سيتغير في السنوات الأخيرة، بحيث ستصبح الانفعالات والعواطف قضية مركزية في دراسة النمو. ويعتبر التركيز الحالي على الانفعال خروجا جذريا عن وجهة النظر السابقة للعواطف والانفعالات التي كانت تنظر إليها باعتبارها لا تلعب دورًا سببيًا في سلوك الأفراد وأنها منتجات ثانوية لعمليات أكثر أهمية. فقد أصبح يُنظر إلى الانفعالات اليوم على أنها قوى تحفيزية تلعب دورًا محوريا في سلوكنا الاجتماعي".[2]

الهوامش:

[1]- LoBue V. and others, Introduction: Emotional Development, Past, and Present. In: LoBue, V., Pérez-Edgar, K., Buss, K.A. (eds) Handbook of Emotional Development. Springer, Cham, 2019, P 1. https://doi.org/10.1007/978-3-030-17332-6_1

[2]- Nancy Eisenberg, Handbook Of Child Psychology, Wiley & Sons, 2006, p 4.

الصفحة 30

-                  الانفعال بين المنظورين البنيوي والوظيفي:

"إن الأبحاث المعاصرة حول وظائف الانفعالات في سلوك النمو، مصحوبة بنقاش حول طبيعة الانفعالات نفسها. ويمكن التمييز في هذه الدراسات بين منظورين أساسيين: [1]

المنظور البنيوي: وهو الذي يحدد الانفعال أو العاطفة من حيث الحالات الانفعالية المنفصلة، والتي يكون لكل منها أنماط فريدة من الشعور الذاتي، والتقييم المعرفي، والإثارة الفسيولوجية، وتعبيرات الوجه. هذه المكونات العاطفية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا مع بعضها. وهي متجذرة بعمق في النمو البشري (على سبيل المثال: مشاعر الغضب تنطوي على مكونات داخلية وإدراكية وذاتية وتعبيرية ذات صلة بالدفاع عن النفس).

المنظور الوظيفي: الذي يشمل وجهات النظر الوظيفية حول النمو الانفعالي المتسائلة عما إذا كانت الحياة العاطفية مشكلة بطريقة منفصلة، وقدمت وجهة نظر بديلة. في هذا المنظور، يتم تعريف الانفعالات من حيث نوعية التفاعلات بين الشخص والبيئة المحيطة به، وذلك في المسائل ذات الأهمية بالنسبة للفرد. وبالتالي، فما يحدد الانفعال ليس شبكة من المكونات الداخلية الذاتية والفيزيولوجية وغيرها من

الهوامش:

[1]-Thompson Ross, Infancy and Childhood: Emotional Development, In book: International Encyclopedia of the Social & Behavioral Sciences, (pp.7382-7387), 2001, p 7383. 10.1016/B0-08-043076-7/01707-1.

الصفحة 31

المكونات، بل مجموعة من أهداف الشخص، وتقييماته، وميولاته، وقدراته فيما يتعلق بالابتكارات البيئية، والعقبات، والفرص. ونتيجة لذلك، لا تقتصر التجربة الانفعالية والعاطفية على مجموعة محددة مسبقًا من فئات المشاعر، ولكنها يمكن أن تشمل مجموعة متنوعة غنية من التوليفات العاطفية الدقيقة تبعا لما يميّز التجربة اليومية للفرد".

إن التراكم المعرفي الحاصل في الدراسات والأبحاث المنجزة حول الانفعالات في الفترة الراهنة "غيرت بشكل كبير تصورنا لكل من طبيعة العواطف ووظيفتها في النمو. وتبرز ثلاثة مواضيع رئيسية في الأبحاث الحديثة:

- الارتباط الوثيق بين الانفعالات والفعل.

- الوظائف الاجتماعية للانفعالات.

- سد الفجوة المعرفية حول النمو بين مرحلة الطفولة والمراهقة."[1]

وبالتالي "فالنمو الانفعالي له أهمية مركزية في فهم النمو في مرحلة الطفولة ويقدم منظورًا تكامليًا فريدًا للنمو البشري. ففهمه يتطلب تجميع وجهات النظر البيولوجية حول النمو (بما في ذلك النمو البيولوجي العصبي) مع وجهات النظر الاجتماعية (بما في ذلك التأثيرات العلائقية والأسرية، وفهم الطفل المتنامي للمعايير

الهوامش:

[1]- Carolyn Saarni and others, Emotional Development: Action, Communication, And Understanding, op.cit, p 227.

الصفحة32

الثقافية). ويُنظر إلى الانفعالات على أنها ذات سمات بناءة وغير منظمة. وعلى الرغم من أن الانفعالات والعواطف قادرة على تقويض الأداء الفعال (وهو ما يفسر الاهتمام العلمي الحالي بنمو تنظيم الانفعالات)، فإن الباحثين في مجال النمو يؤكدون أيضًا على كيفية تحفيز الانفعالات وتنظيم التفاعل الاجتماعي، وتَشكٌّل أساس جودة العلاقات الاجتماعية المبكرة، وتشكيل فهم الذات، وتوفير حوافز لتطوير مهارات وقدرات جديدة. وهذا يتوافق مع التقدير الجديد للدور التنظيمي البناء للانفعالات في مجالات أخرى من الدراسة النفسية"[1].

 إن الدراسة المعاصرة للنمو الانفعالي في مرحلة الرضاعة والطفولة مدفوعة أيضًا بالمخاوف الإكلينيكية؛ وأبرزها الإدراك المتزايد للظهور المبكر للاضطرابات المرتبطة بالانفعالات والعواطف لدى الأطفال، بما في ذلك الاكتئاب واضطرابات القلق والمشكلات السلوكية. وبالتالي فإن دراسة التطور العاطفي تسترشد بالدراسات النفسية المرضية النمائية لأصول هذه الاضطرابات في العلاقات المضطربة بين الوالدين والطفل، والضعف المزاجي، والمخاطر البيئية والوراثية، والقدرات الفردية على التنظيم الذاتي العاطفي"[2]. إن النمو الانفعالي يدمج عمليات النمو المتنوعة، بما في ذلك النمو النفسي والبيولوجي، والعمليات الإدراكية، والفهم العاطفي والاجتماعي، والوعي الذاتي وفهم الذات[3].

الهوامش:

[1]- Thompson Ross, Infancy and Childhood: Emotional Development, op.cit, p 7382.

[2]- Thompson Ross, Infancy and Childhood: Emotional Development, op.cit, p 7382.

[3]- Ibidem.

الصفحة 33

-                   الانفعالي وعملية التعليم والتعلم:

إن النمو الانفعالي لا يقل أهمية عن باقي مستويات النمو في عملية التعليم والتعلم، إذ "تلعب العوامل الانفعالية دوراً حاسماً في تعزيز أو إعاقة التعلُّم"[1].

في هذا السياق، يذكر فريمان (Freeman, Joan) أن معظم الدراسات التي أجريت على المتفوقين من جميع الأعمار وجدت أنهم أقوى عاطفياً من غيرهم، مع إنتاجية أعلى، وتحفيز ودافع أعلى، ومستويات أقل من القلق. وهذا معناه أن الإبداع عالي المستوى يتطلب قوة شخصية ملحوظة".[2]وفي مراجعة للأدبيات المتعلقة بالرضا والتواصل الاجتماعي لكل من الأطفال الموهوبين وغير الموهوبين، تم التوصل إلى أنه في حالة وجود اختلافات بينهم، فإنهم كانوا أكثر تفضيلاً للموهوبين على وجه الخصوص، ووُجد أن تلاميذ المدارس الابتدائية الموهوبين لديهم مستويات أقل من القلق، مع إنتاجية وتحفيز أعلى من أقرانهم. كما أنهم كانوا أكثر استقلالية عن الآباء، وتعاملوا بشكل أفضل مع المشاكل النفسية.[3]

الهوامش:

[1]- ثائر أحمد وخالد محمد، سيكولوجيا النمو الإنساني بين الطفولة والمراهقة، مكتبة المجتمع العربي للنشر والتوزيع، ط 1، عمان، 2015، ص 269.

[2]- Freeman, Joan. “The Emotional Development of the Highly Able.” European Journal of Psychology of Education 12, no. 4, 1997 PP 479–493. P 480.

[3]- ibid, P 481.

الصفحة 34

ويشمل النمو العاطفي ثلاثة مجالات أساسية، يتضمن كل مجال منها مجموعة من الكفايات والمهارات التي ينبغي على المتعلم التمكن منها لتحقيق نمو سليم وتطوير القدرة على التعامل مع المواقف العاطفية: [1]

 • تحديد وفهم الانفعالات: ويحيل هذا المجال على المهارات والقدرات التي من شأنها أن تمكن المتعلم من الوعي بالمشاعر والانفعالات، وتحديدها والتعبير عنها؛ سواء تلك المتعلقة به كفرد، أو تلك المرتبطة بالآخرين الذين يتفاعل معهم في مختلف المواقف والسياقات الاجتماعية.

 • إدارة العواطف: ويرتبط بالقدرة على التحكم في الانفعالات وإدارتها بشكل يجعل المتعلم قادرا على تجنب المشاعر السلبية وتعزيز المشاعر الإيجابية.

  • مهارات التعاطف والعلاقات الاجتماعية: وتهمّ المهارات والقدرات التي تتيح للمتعلم توظيف قدرته على فهم انفعالات الآخرين في إظهار التعاطف معهم والمشاركة في تجاربهم العاطفية. وذلك بهدف المشاركة في التفاعلات الاجتماعية وبناء علاقات اجتماعية سليمة ومتوازنة.

الهوامش:

[1]- Laura and Olivia, Emotional Development: Introductory Guide for Teachers and Educationa lManager, Cambridge University Press, 2019, P 4.

 الصفحة 35

1-            النمو الحركي:

إن الحديث عن النمو الحركي ضمن مظاهر النمو باعتباره محورا يتشكل من عوامل مختلفة سواء كانت نفسية، أو عقلية، أو حسية، أو عاطفية، ويختلف هذا النمو باختلاف الطبيعة الخاصة لكل فرد، حيث إن النمو الحركي يتعلق بوضعية الجسم وحركته.

يقول حامد عبد السلام: "ويرتبط النمو الحركي بنمو حركة الجسم وانتقاله –المهارات الحركية- مثل الكتابة وغير ذلك مما يلزم في أوجه النشاط المختلفة في الحياة".[1]

وللحديث عن مظاهر النمو الحركي، لا بد من تحديد مراحل النمو الإنساني أولا، ثم بعد ذلك محاولة إبراز المظاهر الحركية المرتبطة بكل مرحلة، وذلك على النحو الآتي:[2]

- مرحلة المهد أو الرضاعة: وتبدأ من لحظة الميلاد وحتى سن الثانية.

في مرحلة الرضاعة تساهم الحواس في التعرف على الأشياء المحيطة بالرضيع، ويكون الذكاء في هذه المرحلة حسيا حركيا...، ويجب العمل (في العام

الهوامش:

[1]- حامد عبد السلام زهران، علم النفس النمو"الطفولة والمراهقة"، دار المعارف، ط1: 1986م، ص 65.

[2]- ينظر بتفصيل: فوزي عبد الرحمن الشربيني وعفت مصطفى الطناوي، المناهج: مفهومها وأسس بنائها وعناصرها وتنظيماتها، (م.س)، ص 33 وما بعدها بتصرف.                                 

الصفحة 36

الثاني من الرضاعة خصوصا) على رعاية النمو النفسي، بإشباع حاجات الرضيع إلى الاستكشاف، وحب الاستطلاع، واختبار قدراته والتعبير عن نفسه.[1]

ومن مظاهر النمو الحركي في هذه المرحلة: ( أنظر الجدول في الصفحة 37-38 من ملف البدف أعلاه[2])

الصفحة 37

- مرحلة الطفولة المبكرة: وتبدأ من سن الثانية وحتى سن السادسة، ويحتاج الطفل في هذه المرحلة إلى التعرف على الأشياء من خلال وضع الأسئلة.

ومن مظاهر النمو الحركي في هذه المرحلة: أنظر الجدول في الصفحة 38-39 من ملف البدف أعلاه[1]

الهوامش:

[1]- وقيق صفوت مختار، النمو الحركي للطفل وأهم الأنشطة الترويحية والمدرسية، دار الطلائع للنشر والتوزيع والتصدير، القاهرة، ط 2011، ص 27-28.

الصفحة 38

- مرحلة الطفولة الوسطى: وتبدأ من سن السادسة إلى سن التاسعة، وهي مرحلة التعليم في الصفوف الأولى، ويتميز الطفل في هذه المرحلة بالنمو السريع لجهازه العصبي واكتمال نمو الدماغ لديه، ويكتسب فيها المهارات اللغوية والحركية.

ويعتبر مفكرو الإسلام هذه المرحلة مرحلة التمهيد للتمييز الذي يتفاوت الناس في سن بلوغه.[1]

وتتميز مرحلة الطفولة المبكرة بحب الاستطلاع والاكتشاف بكثرة، ويكون الذكاء تصوريا تستخدم فيه اللغة بوضوح، وتزداد القدرة على الفهم والتعلم بالتقدم في العمر والاستفادة من الخبرة والمحاولة والخطأ، ويزداد التذكر المباشر، ويكون التفكير ذاتيا

الهوامش:

[1]- ينظر: ابن قيم الجوزية شمس الدين أبو عبد الله محمد، تحفة المودود بأحكام المولود، خرج أحاديثه أحمد بن شعبان بن أحمد، مكتبة الصفا، ط1، القاهرة، 2005م، ص 197 بتصرف.

الصفحة 39

يدور حول نفسه، ويظهر التفكير الرمزي والخيالي أكثر من ظهور التفكير المنطقي، إلا إذا كان الطفل يتمتع بذكاء جيد.[1]

وفي مرحلة الطفولة الوسطى تساهم كل من المدرسة والوالدين في تربية الطفل، وينمو ذكاؤه بالتدريج، وتزداد قدرته على الحفظ، وينمو تفكيره من تفكير حسي وملموس إلى تفكير مجرد، وينمو التفكير الناقد لديه في نهاية هذه المرحلة، وينمو كذلك التخيل وحب الاستطلاع.[2]

ففي هاتين المرحلتين يزداد الطفل في الاعتماد على نفسه، من خلال التفاعل مع البيئة الخارجية.

ومن مظاهر النمو الحركي في هذه المرحلة: [3]

-في سن ستة أعوام:

 هو سن النشاط، فالطفل يكاد يكون في نشاط مستديم سواء أكان واقفا أم جالسا. وهناك قدر كبير من اللعب الصاخب الذي يتجلى فيه التنقل والتدافع، وهو يفرط في امتداداته وتوسعاته في كثير من سلوكه الحركي، وهو يحاول أن يقوم بوثبة جري واسعة المدى دون أن يكترث أو يبالي بالوقوع. كثيرا ما يتحرك من مجال إلى

الهوامش:

[1]- سعيد كاظم العذاري، دراسات إسلامية في سيكولوجيا النمو: مرحلة الطفولة ومراحل النمو ومقومات التربية، (م.س)، ص 126 بتصرف.

[2]- نفسه، ص 127 بتصرف.

[3]- وقيق صفوت مختار، النمو الحركي للطفل وأهم الأنشطة الترويحية والمدرسية، دار الطلائع للنشر والتوزيع والتصدير، القاهرة، ط 2011، ص 31-32.

الصفحة 40

آخر، وهو يبدو في حركة دائمة حتى حين يستقر فإنه يدأب على تجديد الاستقرار فلا يبرح أن يغير وضعه باستمرار، وهو يتناول في حركات سريعة الأدوات التي يعمل بها، ويكون الجسم في هذه السن في اتزان ويلعب ألعابا نشيطة، كثيرا ما نراه وهو يصارع ويقع أو يزحف على يديه ورجليه، ويدفع الكتل وقطع الأثاث الكبيرة.

-في سن سبعة أعوام:

طفل السابعة يتميز بأنه كثير الحركة، إذ إن حاجته العامة للنشاط تبدو متسلطة على جميع النواحي في سلوكه، قد يقفز واقفا أثناء تناوله الطعام، وقد يجد صعوبة في الجلوس ساكنا. يحصر اهتمامه بين يديه من عمل، ويبدي مثابرة وتشبًثا في الاستعمال الدقيق للأقلام والأدوات مثل: المقص. وهو يهتم بإتمام ما عهد إليه من عمل. يبدو أكثر حيطة في كثير من الأنشطة الحركية الكبيرة، يقوم بنشاط معين كالجري أو الرقص أو الإمساك بالكرة. قد تظهر فيه رغبة في ركوب الدراجة مسافة ما، وإن كان استعداده لاستعمالها مقصورا على حدود ضعيفة. وهو يبدأ في الاهتمام باستخدام مضرب الكرة، وكذلك قذف الكرة.

-في سن ثمانية أعوام:

هي سن حماسية، إنها السن التي يبدو الطفل فيها مستعدا لمواجهة أي شيء، وكثيرا ما يظهر من الاندفاع فيما يحاول القيام به أكثر مما يظهر من الحكمة، ولهذا السبب تبدو هذه الفترة مليئة بالمخاطر حيث تبدو نسبة الحوادث فيها أكثر من أية سنة أخرى، لذلك فإن الطفل بحاجة إلى الكبح؛ لأنه سرعان ما يخرج عن 

الصفحة 41

الحدود المألوفة؛ وطفل الثامنة في حركة دائمة فهو يجرى، ويطارد، ويصارع، فقد يمارس بعض الأطفال المصارعة أو الملاكمة تجاه بعضهم البعض؛

- مرحلة الطفولة المتأخرة: وتبدأ من سن التاسعة وحتى الثانية عشرة، ويبدأ فيها الطفل باختيار أصدقائه والاندماج في شتى أنواع النشاط، وإتقان المهارات الأساسية، لذلك تعد مرحلة مهمة جدا في عملية التنشئة الاجتماعية.

ويتوسع في هذه المرحلة التفكير المجرد والتخيل الواقعي والإبداعي، ويزداد لديه حب الاستطلاع، والنقد في جميع مجالاته ومظاهره، وخصوصا نقد الكبار.[1]

ومن مظاهر النمو الحركي في هذه المرحلة:[2]

الزيادة الواضحة في النشاط والقوة والطاقة، فالطفل لا يستطيع أن يظل ساكنا بلا حركة مستمرة. وتكون الحركة أسرع وأكثر قوة، ويستطيع الطفل التحكم فيها بدرجة أفضل. ونلاحظ في هذه المرحلة اللعب مثل: الجري والمطاردة وركوب الدرجات ذات العجلتين والسباحة والسباق والألعاب الرياضية المنظمة وغير ذلك من ألوان النشاط التي تصرف الطاقة المتدفقة لدى الطفل، والتي تحتاج إلى مهارة وشجاعة أكثر من ذي قبل. وأثناء النشاط الحركي المستمر للطفل قد يتعرض لبعض الجروح الطفيفة. ويميل الطفل في هذه المرحلة إلى كل ما هو عملي، فيبدو وكأن

الهوامش:

[1]- سعيد كاظم العذاري، دراسات إسلامية في سيكولوجيا النمو: مرحلة الطفولة ومراحل النمو ومقومات التربية، (م.س)، ص 129-130 بتصرف.

[2] - وفيق صفوت مختار، النمو الحركي للطفل وأهم الأنشطة الترويحية والمدرسية، ط 2011، دار الطلائع للنشر والتوزيع والتصدير، القاهرة، ص 35 بتصرف.

الصفحة 42 الأطفال عمال صغار، ممتلئون نشاطا وحيوية ومثابرة. ويميل الطفل إلى العمل، ويود أن يشعر أنه يصنع شيئا لنفسه. وينمو التوافق الحركي، وتزداد الكفاءة والمهارة اليدوية إذ يسمح لما بلغته العضلات الدقيقة من نضج بالقيام بنشاط يتطلب استعمال هذه العضلات مثل: النجارة عند البنين، وأعمال الخياطة عند البنات...، ويلاحظ أن بعض الأطفال يمكنهم في نهاية هذه المرحلة التدرب على استعمال بعض الآلات الموسيقية. وتتم السيطرة التامة على الكتابة. وتظهر فروق واضحة بين الجنسين، حيث يقوم البنون باللعب المنظم القوي الذي يحتاج إلى مهارة وشجاعة وتعبير عضلي عنيف كالكرة والجري، وتقوم البنات باللعب الذي يحتاج إلى تنظيم في الحركات كالرقص مثلا.

- مرحلة المراهقة: وتبدأ من سن الثانية عشرة وحتى الحادية والعشرين، ويدخل الفرد خلالها مرحلة التفكير التجريدي، ويتسارع نموه الجسمي والعقلي والوجداني والحركي، ويواجه بعض الصراعات النفسية والضغوط الاجتماعية، وعادة ما يكتسب المراهق المهارة الحركية المكتسبة من المراحل السابقة والمتطورة بفضل تفاعله مع بيئته في مختلف المجالات التي تعرف نشاطا وحركة، فيصبح بذلك أكثر نضجا واكتمالا من مختلف النواحي، سواء كانت حركية أو غيرها كالجسمية والعقلية والنفسية والوجدانية.

من خلال ما سبق ذكره من مختلف المراحل التي يمر بها الطفل، خلال تفاعله مع البيئة الخارجية المحيطة به، يمكن القول إن النمو الحركي يعرف مظاهر متعددة، 

الصفحة43

تختلف باختلاف كل مرحلة والخصائص التي تميزها، كما تستدعي المساهمة الفعالة والإرشاد الإيجابي لتحقيق المهارة الحركية على الوجه الصحيح الذي يعود بالنفع على الطفل.

 

1-            النمو الاجتماعي

يعتبر النمو الاجتماعي من أهم المظاهر الخاصة بنمو الفرد، وذلك أن الكائن البشري اجتماعي بطبعه، ولا تستقيم حياته في معزل عن الأفراد الآخرين، وتختلف وثيرة النمو الاجتماعي من حيث التطور حسب الفئات العمرية التي تنتمي إليها.

ويعد إريك إريكسون أبرز من بصم في هذا الاتجاه، "من خلال مجموعة من المنشورات مثل "الشباب والأزمة" عام 1968، و"تاريخ الحياة واللحظة التاريخية" عام 1975، التي أراد من خلالها تقديم تحفيزات عملية للتأهيل التخصصي للأطباء والمتخصصين النفسيين والخدمة الاجتماعية. كما اهتم بشكل خاص بمراحل حياة الراشدين وإشكالية الشيخوخة ومعنى الحياة."[1]

"يرى إريكسون أن نمو الشخصية يتم في ثمان مراحل من الطفولة إلى الشيخوخة، وكل مرحلة تمثل نقطة تحول تتضمن أزمة نفسية اجتماعية يعبر عنها

الهوامش:

[1] - peter cozen، البحث عن الهوية "الهوية وتشتتها في حياة إيركسون وأعماله"، دار الكتاب الجامعي، الإمارات العربية، ط1، 1430-2010، ص 68 - بتصرف

الصفحة 44

اتجاهان: أحدهما خاصية مرغوبة، والآخر يتضمن خطرا"[1]. وأن هذه الأزمات لابد من إيجاد حل لها قبل انتقال الفرد بنجاح إلى المرحلة الموالية، وإذا بقي ذلك التراكم بلا حل سيشكل اضطرابا ويترك أثرا سلبيا في حياة الفرد.

وتلخص نظرية إريكسون في المراحل الثمانية الآتية (أنظر الجدول في الصفحة 45-46-47-48 من ملف البدف في أعلى الصفحة)[2]:

الهوامش:

[1] - أحمد يحياوي، محاضرات في علم النفس النمو، جامعة وهران للعلوم والتكنولوجيا محمد بوضياف -معهد التربية البدنية والرياضية- الجزائر، 2018-2019، ص 23، بدون بيانات النشر.

[2] - ينظر: عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، دار الكتاب الجامعي، الإمارات العربية المتحدة، ط 2، 1433ه-2012م، ص 198-201.

- محمد محمود هليل، سيكولوجيا النمو، مكتبة دار العلم بالفيوم، ص 50-55، بدون بيانات الطبع.

- محمد السعيد أبو حلاوة، النموذج الاجتماعي الانفعالي، ، بدون بيانات النشر والطبع، ص 03.

الصفحة 45

1-            النمو الأخلاقي:

تعتبر الأخلاق صفات حميدة يحاول الشخص الاتصاف بها، حتى يستطيع تحقيق التكيف الاجتماعي، وينتقل من اهتماماته الأنانية والشخصية إلى مسؤوليات اجتماعية تجعله شخصا صالحا في مجتمعه.

والقصد بالنمو الأخلاقي كل ما له صلة بالاعتبارات والمبادئ والقيم المتضمنة لسلوك مرغوب فيه. والمحاولات الأولى لتحديد مفهومه كانت مع "بياجيه" وبعده "كولبرج" "ومن وجهة نظرهما، فإن النمو الأخلاقي لم يعد يمثل معرفة أو دراية متزايدة بالقيم الثقافية التي عادة ما تفضي إلى نسبية أخلاقية، بل أضحى يمثل التحولات التي تحدث في البنية الفكرية للفرد."[1]

كما يعتبر بياجيه وكولبرج من أهم رواد النمو الأخلاقي، وتكمن نظريتهما في الآتي:

- نظرية بياجيه:

"ينظر بياجيه إلى النمو الأخلاقي على أساس أنه وجه من وجوه النمو المعرفي وأشار أن النمو الخلقي يمكن فهمه وتفسيره عن طريق فهم مراحل النمو المعرفي والذي يحدد بعوامل أساسية منها: النضج البيولوجي، والتفاعل مع البيئة الطبيعية

الهوامش:

[1] - عبد الفتاح أحمد حجاج، النمو الخلقي والتربية الخلقية، ص 03، بدون بيانات النشر والطبع، -بتصرف.

الصفحة 49

والاجتماعية، ويتمثل أثرهما في حالة توازن تشير إلى عملية تقدمية ذات تنظيم ذاتي وتهدف إلى التكيف مع البيئة بواسطة عملية التمثل وعملية التلاؤم."[1]

وقد خلص بياجيه إلى أن الفرد يمر خلال نموه الأخلاقي بمرحلتين هما: مرحلة الأخلاق التبعية ومرحلة الأخلاقية الذاتية أو الاستقلالية. وقد توصل إلى ذلك من خلال "مقابلات أجراها على عدد من الأطفال، حيث عرض عليهم قصصا تتضمن مشكلات أخلاقية وقام بتسجيل الأحكام والتعليقات التي أصدروها عليها"[2]. فبناء على هذه التجربة استطاع بياجيه تحديد مراحل النمو الأخلاقي، وخصوصية كل من المرحلتين في الآتي (أنظر الجدول في الصفحة 50-51 من ملف البدف أعلاه) [3]:

الهوامش:

[1] - أسيل أكرم الشوارب ومحمود عبد الله خوالده، النمو الخلقي والاجتماعي، دار الحامد للنشر والتوزيع -عمان، ط1: 2008م، ص 31-32، - بتصرف.

[2] - نفسه، ص 32.

[3] - عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 192.

الصفحة 50

- نظرية كولبرج:

بعد جون بياجيه يوجد كولبرج الذي تأثر بنظرية بياجيه وبأفكاره، ووضع طريقة مشابهة لطريقته، "وتمكن كولبرج عام 1958 من وضع نظريته في النمو الأخلاقي بعد عدة دراسات قام بها في مدينة شيكاغو الأمريكية استمرت حوالي عشرين عاما، واستخدم بها عينات تراوحت أعمار أفرادها بين (10و16) عاما. كما توسع في نظريته وطورها بحيث اشتملت على مستويات عمرية أعلى، وأيدها بدراسات عديدة أجراها في الأعوام 1963/1969/1973."[1]

وأنتجت نظرية كولبرج مراحل ست ضمن ثلاثة مستويات يمر بها الطفل، وكل مرحلة لها مميزاتها وعواملها التي تختلف عن الأخرى كما هو مبين في الجدول الآتي(أنظر الجدول في الصفحة 52-53 من ملف البدف أعلاه) [2]:

الهوامش:

[1] - عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 193.

[2] - ينظر: عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 194-196؛ أسيل أكرم الشوارب ومحمود عبد الله خوالده، النمو الخلقي والاجتماعي، (م.س)، ص 38-43؛ عبد المجيد نشواتي، سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 190-192.

الصفحة51

- دور المؤسسات التعليمية في النمو الأخلاقي:

يعتبر النمو الأخلاقي أو القيمي عند المتعلمين من أهم التحديات التي تعرفها المؤسسات التربوية، ولأهميتها كانت التربية على القيم إلى جانب التربية على 

الصفحة53

الاختيار والمقاربة بالكفايات من بين أهم ما ركزت عليه الإصلاحات البيداغوجية[1]. ومن أهم ما يساهم في تنمية البعد الأخلاقي لدى المتعلمين:

-                  أن الأخلاق الحميدة لابد أن تتجلى في المدرس أولا، لأنه القدوة لتلامذته، وعلى الغالب بعضهم يتأثر به ويسير على نهجه وفكره وأخلاقه؛

-                  "حث المتعلمين على التفكير في صراعات أخلاقية أصيلة، وفي الأسس والمبررات التي يستخدمونها في التغلب على تلك الصراعات، ومن ثم التعرف على عدم الاتساق أو عدم الاطراد أو عدم ملاءمة طرق وأساليب التفكير التي يتبعونها وبالتالي اتباع طرق أخرى لحسم الصراعات الأخلاقية؛"[2]

-                  الاعتماد على أنشطة تعليمية تعلمية تعزز القيم والمبادئ التي تتوافق مع متطلبات المجتمع والتقدم به؛

-                  تضمين المناهج الدراسية نصوصا ذات حمولة أخلاقية، قصد استنباطها ودراستها والعمل بها في الحياة؛

-                  "التأكد من فهم الطلاب للمشكلة الأخلاقية أو الموقف الخلقي المعروض، ومساعدتهم على إدراك كنه العناصر الخلقية المتضمنة فيها."[3]

الهوامش:

[1] - من الإصلاحات البيداغوجية التي ركزت عليها المملكة المغربية من خلال الميثاق الوطني للتربية والتكوين لسنة 1999م.

[2] - عبد الفتاح أحمد حجاج، النمو الخلقي والتربية الخلقية، (م.س)، ص 11 –بتصرف.

[3] - نفسه، ص 13

الصفحة54

المبحث الرابع: اضطرابات النمو

سبقت الإشارة إلى أن تحديد الخصائص النمائية يُعد من أهم أهداف سيكولوجيا التربية، وعلماء النفس والمدرسون، وحتى الآباء قد يعترضهم أثناء تحديدهم لهذه الخصائص بعض المعيقات، بعضها يرجع إلى البيئة التي يعيش فيها الطفل، لكنّ بعضها قد يعود إلى وجود اضطراب يستدعي التدخل العاجل لمعالجته، لذلك كان من الضروري أن يُسلط الضوء في هذا المبحث على مفهوم اضطراب النمو وأسبابه وطرق علاجه.

-                  مفهوم اضطرابات النمو وأنواعه وأسبابه:

يُقصد بالاضطراب وفقا "لموسوعة علم النفس والتحليل النفسي الفساد أو الضعف أو الخلل، وهو لفظ يُستخدم في مجال علم النفس الإكلينيكي بصفة خاصة، وكذلك في علم الطب النفسي، ويطلق على الاضطرابات التي تصيب الجوانب المختلفة من الشخصية؛ وبهذا يعني الاضطراب مجموع الأمراض التي تعكس سوء توافق الفرد."[1]

ويشير "إلى ظهور التأخر النمائي لدى الطفل خلال أول عامين من عمره في مجالين أو أكثر من مجالات النمو، وهذه الاضطرابات قد تكون موروثة، (تنتقل من

الهوامش:

[1] - محمد حسن غانم، الاضطرابات النفسجسمية، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2011، ص 31-32. 

الصفحة55

أحد الوالدين أو أحد الأجداد إلى الطفل) عن طريق الجينات والكروموسومات[1]، أو تحدث بواسطة عارض كالإصابة بأحد الأمراض المؤثرة على نمو الطفل."[2]

  وأطلق (stephen brian sulkes)على اضطرابات النمو "اسم اضطرابات التطور العصبي. وتعرّف اضطرابات التطور العصبي بأنها حالات عصبية يمكن أن تؤثر في اكتساب المهارات أو المعلومات أو الاحتفاظ بها أو ممارستها. هذه الاضطرابات قد تنطوي على مشاكل في الانتباه، أو الذاكرة، أو الإدراك، أو المهارات اللغوية، أو مهارات حل المشكلات، أو التفاعل الاجتماعي. غير أنه يمكن أن تكون هذه الاضطرابات خفيفة يمكن السيطرة عليها بسهولة بواسطة المعالجات السلوكية التعليمية، وأحيانا تكون أكثر شدة وتتطلب مزيدًا من الدعم والمعالجة"[3].

الهوامش:

[1] - الجين: هو عبارة عن مجموعة من جزيئات الحامض النووي منتظمة ومسلسلة ثنائيات متصلة مع بعضها البعض بواسطة روابط من الأزواج المكملة. وما يحمل الجينات يسمى كروموسوم حيث تنتظم في صورة سلسلتين ملفوفتين حول بعضهما ذات شكل حلزوني، وقد يقال إن الكروموسوم يتكون مـن وحـدات بناء، وهذه الوحدات هي الجينات التي تحمل الشفرات الوراثية المسؤولة عن تكوين كل كائن بشري وبخصائصه المميزة. إذن فالوحدات الجينية مرتبة ومنتظمة تشكل في تناسقها ما يسمى بالكروموسوم، الذي هو بالتالي جزء من الخلية البشرية المكونة للأعضاء المختلفة للإنسان، والتي يكون بعضها مهيئ لظهور أو حمل أمراض تنتقل عبر الأجيال. محمد صالح الإمام وفؤاد عيد الجوالده، اضطرابات النمو الشامل، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2011/1432ه، ص 62.

[2] - محمد صالح الإمام وفؤاد عيد الجوالده، اضطرابات النمو الشامل، (م.س)، ص 62.

[3] - موقع أدلة MSD ، باب قضايا صحة الأطفال، قسم اضطرابات التعلم والنمو، بتاريخ: 06/12/2023 على الساعة 11:00

https://url-r.fr/svOti

الصفحة 56

وجدير بالذكر أننا سنتناول موضوع اضطرابات النمو من زاوية تأثيره السلبي على عملية التعلم؛ "إذ هناك نسبة من الأطفال تتراوح بين 10% إلى 20% يكون ضعف أدائهم الدراسي راجع بالأساس إلى اضطراب منشأه اختلال بالجهاز العصبي ويُطلق عليه «اضطراب التعلم»، ويعني وجود مشكلة في التحصيل الأكاديمي سواء في مواد القراءة أو الكتابة أو الحساب، وما يميز هذا النوع من الاضطرابات كونها خفية غير ظاهرة، وليس لها أثر واضح يجعل الآباء ينتبهون له، وهذا ما يحول دون التدخل العاجل لتقديم المساعدة اللازمة"[1]. بالإضافة إلى أن الاضطرابات النمائية كثيرة يصعب الإحاطة بها جميعها، لذا؛ ستنصب جهودنا نحو نوع أو نوعين لهما علاقة مباشرة بالتعلم.

بداية يمكن القول إن "هناك اتفاق بين المتخصصين والعاملين في مجال صعوبات التعلم على تصنيف الصعوبات تحت تصنيفين رئيسيين هما: الأول، صعوبات التعلم النمائية (أي الناتجة عن اضطرابات النمو) والثاني، صعوبات التعلم الأكاديمية. ويقصد بصعوبات التعلم النمائية الصعوبات التي تتعلق بالوظائف الدماغية وبالعمليات العقلية والمعرفية التي يحتاجها الطفل في تحصيله الأكاديمي، وقد يكون السبب في حدوثها اضطرابات وظيفية تخص الجهاز العصبي المركزي، ويقصد بها الصعوبات التي تتناول العمليات ما قبل الأكاديمية، وتتمثل في العمليات المعرفية المتعلقة بالانتباه والإدراك والذاكرة والتفكير واللغة والتي يُعتمد عليها في

الهوامش:

[1] - عبد الله غني، صعوبات التعلم لدى الأطفال، مجلة دراسات تربوية، العدد 20، سنة 2010، ص 144 بتصرف.

الصفحة57

التحصيل المعرفي، وتشكل أهم الأسس التي يقوم عليها النشاط العقلي وتنقسم إلى قسمين: اضطرابات أولية مثل الانتباه والإدراك والذاكرة. اضطرابات ثانوية مثل التفكير والكلام والفهم واللغة الشفوية. أما صعوبات التعلم الأكاديمية فيقصد بها الأداء المدرسي المعرفي، والتي تتمثل في القراءة والكتابة والحساب، وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الصعوبات من الممكن أن يكون لها ارتباط مع صعوبات التعلم النمائية (اضطرابات النمو) ومن الممكن أن يكون سببها غير ذلك."[1]

إن من أكثر الاضطرابات النمائية انتشارا في الوسائط التعليمية، اضطراب «تشتت الانتباه وفرط النشاط» واضطراب «عسر القراءة»، فما المقصود بهما؟ وما أعراضهما؟

أولا: مفهوم اضطراب تشتت الانتباه وفرط النشاط:

تشتت الانتباه وفرط الحركة هو "حالة عامة تتصف بحركات جسمية مفرطة، وخصائص سلوكية مرافقة لها كالاندفاعية والتهور، والقابلية للإثارة، وعدم القدرة على الانتباه الذي يلعب دورا بالغ الأهمية في مستوى تعلم الطفل وتدني تحصيله الدراسي فضلا عن مشكلات سلوكية واجتماعية في حياته مستقبلا."[2]

الهوامش:

[1] - عبد الله غني، صعوبات التعلم لدى الأطفال، (م.س)، ص 154/155 بتصرف.

[2] - ليلى يوسف كريم المرسومى، فاعلية برنامج سلوكي في تعديل سلوك أطفال الروضة المضطربين بتشتت الانتباه وفرط النشاط الحركي، المكتب الجامعي للحديث 2011، ص 40.

الصفحة58

1-            أسباب اضطراب تشتت الانتباه وفرط الحركة:

يُمكن إرجاع أسباب اضطراب تشتت الانتباه وفرط الحركة إلى ثلاثة عوامل[1]:

- العوامل الوراثية: حيث إن حوالي 5% من الأطفال المصابين باضطراب الانتباه يوجد في أسرهم من يعاني من هذا الاضطراب، وأن نسبة 10 % من آباء الأطفال مفرطي الحركة كانوا أيضا مفرطي الحركة في طفولتهم، مما أدى إلى اعتقاد بعض الدارسين وجود انتقال جيني وراثي لزيادة النشاط وفرط الحركة.

- العوامل العصبية والبيولوجية: ترتبط هذه الأسباب بوجود خلل (اضطراب في النمو) في وظائف المخ المسؤولة عن الانتباه، أو خلل في التوازن الكيميائي للناقلات العصبية ولنظام التنشيط الشبكي لوظائف المخ.

- العوامل البيئية: يُعتبر الجانب الأسري مؤثر في سلوك الطفل، فالعوامل البيئية الأسرية المحيطة بالطفل والمتمثلة في سلوكيات أفراد الأسرة والأساليب الوالدية، لها دور مهم في إحداث اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط.

2-            أعراض اضطراب تشتت الانتباه وفرط النشاط:

أعراض تشتت الانتباه تختلف عن أعراض فرط الحركة، كما تختلف معايير تحديد اضطرابات النمو، بحيث يمكن القول بأن "استمرار ستة من الأعراض أو أكثر، ولمدة ستة أشهر على الأقل، وبشكل لا يتوافق مع المستوى النمائي ويؤثر

الهوامش:

[1] - خالد سعد محمد القاضي، تعديل سلوك الأطفال ذوي اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، عالم الكتب، ص 29 -30 بتصرف.

الصفحة 59

على الأنشطة الاجتماعية والدراسية بشكل مباشر، دليل على وجود الاضطراب النمائي على مستوى الانتباه"[1]، وهذه الأعراض كالآتي[2]:

أ‌-               أعراض تشتت الانتباه:

- عدم الاهتمام بتفاصيل موضوع التعلم، وغالبا ما يفشل المصاب في إنهاء الأشياء التي بدأها.

- لا يبدو الطفل أنه يستمع عند الحديث إليه مباشرة.

- يتشتت انتباهه بسهولة.

- لديه صعوبة في التركيز على عمله المدرسي، أو المهام الأخرى التي تتطلب مواصلة الانتباه.

- غالبا ما يتجنب الطفل ويتردد في الانخراط في الأنشطة التي تتطلب جهدا عقليا، وفي حال انخراطه يجد صعوبة في الاستمرار في النشاط المطلوب.

ب‌-           أعراض فرط الحركة:

أعراض الحركة الزائدة كثيرة، ولا يمكن الحكم على أن الطفل مصاب باضطراب فرط الحركة إلا إذا اجتمعت فيه ثلاثة أعراض فما فوق من الأعراض الآتية[3]:

الهوامش:

[1] - تواتي فايزة وبوقصة عمر، فرط النشاط المصحوب بتشتت الانتباه، مجلة العلوم الانسانية، المجلد 19، العدد 2، سنة 2019، ص 605-607 بتصرف.

[2] - ماجدة السيد عبيد، الاضطرابات السلوكية، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، ط1 1436ه-2015م، ص 150 بتصرف.

[3] - تواتي فايزة وبوقصة عمر، فرط النشاط المصحوب بتشتت الانتباه، (م.س)، ص 605-607 بتصرف؛ ماجدة السيد عبيد، الاضطرابات السلوكية، (م.س)، ص 151-150 بتصرف.

الصفحة 60

- كثرة التحرك في الجلوس.

- يجد صعوبة إذا طُلب منه أن يجلس طويلا.

- دائم التحول من نشاط إلى آخر.

- دائما يطلب المساعدة من زملائه في الفصل الدراسي.

- لا يبدي الطفل رغبته للمشاركة في الألعاب ذات الصبغة الهادئة.

- يتصرف قبل أن يفكر ويندفع في الإجابة قبل اكتمال السؤال.

- يجد الطفل صعوبة في انتظار دوره.

ثانيا: مفهوم عسر القراءة وسببه:

إن القراءة هي غذاء العقل، وهي جزء حيوي وضروري للكائن البشري، نظرا لاعتبارها المهارة التي بواسطتها يكتسب الفرد المعارف والعلوم، وبناء على ذلك تُعد القدرة على القراءة السليمة مهارة أساسية ومفتاحا رئيسيا للتعلم، وأي خلل يحدث على مستوى هذه المهارة سيؤثر بالضرورة على عملية التعلم، ويجعلنا أمام اضطراب يُعد من أكثر الاضطرابات انتشارا، ألا وهو عسر القراءة. فما المقصود بعسر القراءة؟ وما أسبابه وأعراضه؟ وكيف السبيل إلى علاجه.

يُعرف عسر القراءة على أنه "حالة قصور في القدرة على القراءة الصحيحة، بالدرجة التي يُتقنها أقران الطفل من الذين هم في مثل عمره ومرحلته التعليمية، وتحدث نتيجة عوامل عضوية، أو وراثية أثناء مرحلة النمو نتيجة قصور في نمو 

الصفحة 61


الجهاز العصبي المركزي، وبصفة خاصة في مرحلة تكوين خلايا قشرة المخ، وبالذات في المراكز التي تتحكم بوظائف القراءة والتعلم"[1].

1-            أعراض عسر القراءة:

تختلف أعراض عسر القراءة من فرد إلى آخر، كما تختلف من حيث النوع وشدة الاضطراب، وفيما يلي عرض لبعض هذه الأعراض[2]:

الأعراض المتعلقة بالقراءة:

- قصور لغوي يتمثل في الخلط بين الحروف والكلمات والجمل، أو إغفال بعضها عند القراءة.

- التردد أو التوقف المتكرر عند بعض الكلمات، أو إغفال بعضها أو صعوبة قراءتها.

- ضعف الرغبة في القراءة، والشعور بالإرهاق عند ممارستها

- عدم وضوح النصوص المكتوبة، حيث يرى بعض الحروف أو الكلمات غير واضحة المعالم، أو يراها مزدوجة ذات ظل، أو متحركة، أو متداخلة في بعضها.

الهوامش:

[1] - عثمان لبيب فراج، الإعاقات الذهنية في مرحلة الطفولة، المجلس العربي للطفولة والتنمية، مصر، ط1 2002، ص 254.

[2] - أحمد عبد الكريم حمزة، سيكولوجية عسر القراءة (الديسلكسيا)، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان-الأردن، ط1 2008، ص 61 و62 و63 بتصرف؛ عثمان لبيب فراج، الإعاقات الذهنية في مرحلة الطفولة، (م.س)، ص 256 وما بعدها، بتصرف.

الصفحة 62

- تكرار بشكل ملحوظ لأخطاء الطفل في القراءة، بينما تكون هذه الأخطاء قد قلت أو اختفت أدى الأطفال المساوين له في العمر والذكاء.

- القراءة ببطء شديد، وإسقاط بعض الكلمات القصيرة مثل: من، على، في...الخ

الأعراض المتعلقة بالكتابة:

- خط رديء مشوش تصعب قراءته، وتباين في أحجام الحروف أو الكلمات، وتباعد المسافات بين الحروف أو بين الكلمات.

- ميل السطر إلى جهة معينة، أو تماوج الأسطر.

الأعراض المتعلقة بالقراءة بصوت مسموع:

- التهتهة أو مضغ الكلمات.

- صعوبة الربط بين الكلمات والوقوع في الأخطاء أثناء تلفظها.

- البطء الواضح في نطق ما يقرأ من الكلمات.

الأعراض المتعلقة بالذاكرة:

- صعوبة الاستدعاء من الذاكرة في ترجمة الإشارات البصرية إلى إشارات سمعية.

- سرعة النسيان فيما يتعلق بتهجي الكلمات مع نسيان الأسماء والمصطلحات وتسلسل أحرف الهجاء وأيام الأسبوع.

الصفحة 63

ثانيا: علاج اضطرابات النمو:

إن بعض الاضطرابات النمائية تحتاج للتدخل العلاجي والمواكبة والمساندة والتوجيه، لكنّ التدخل العلاجي يقتضي أولا تشخيص الاضطراب، ولاسيما فيما يتعلق بمعرفة سببه، بحيث إذا كان السبب راجع إلى العامل الوراثي[1] فالعلاج يُستحسن أن يكون استباقيا عن طريق ما يعرف بالإرشاد الجيني؛ "إذ أصبح بمقدور

الهوامش:

[1] - إن الإضرابات الناتجة عن العوامل الوراثية ترجع إلى سببين: 1) وجود خلل في الكروموسوم الموجود عليه الجين.2) حدوث خلل في الجين نفسه. ويحدث ذلك الخلل عند نمو البويضة أو الحيوان المنوي؛ أي قبل بدء الحمل، وقد يحدث أثناء عملية انقسام الخلية حيث تنفصل البويضة أو الحيوان المنوي ومعه مجموعة من الكروموسومات، وعندما تلتحم الخلية التي تحمل جملة من الكروموسومات التي بها خلل مع بويضة أو حيوان منوي طبيعي ينتج عنه جنين لديه خلل في الكروموسومات، ويطلق عليه في هذه الحالة: (تريزومي trisomy) وفي بعض الحالات التي يحمل فيها الجنين عدد خاطئ من الكروموسومات لا يستمر الطفل على قيد الحياة، وقد يحدث إجهاض للجنين. وهذا الخلل أو الاضطراب يحدث في الحالات الآتية: الحذف: وهو عبارة عن انقطاع جزء من الكروموسوم أو عدة كروموسومات، ويسبب هذا الانقطاع تغيير في حالة وشكل الكروموسوم ويتوقـف تـأثير هذا القطـع علـى حـجـم الجـزء المفقـود مـن الكروموسوم وأي الجينات فقدت وفي أي قطاع، وعلـى أيـة حـال يـكـون القطـع مـن أكثر الاضطرابات الجينية تأثيراً على الفرد، وهذا يؤثر حتمياً على بقية الجنين. التغيير Translocation : يحدث أثناء الانقسام الميوزيDivision Almiose  ،وفيـه يتم فـصـل جـزء في أحـد الكروموسومات وينضم هـذا الجـزء إلى كروموسوم آخر، وهـو في بعض الأحيـان قـد لا يسبب للفرد أية مشكلات لكنه قد يسبب مشكلات وراثية من الدرجة الأولى مستقبلاً. الزيادة Increase: وفيه يتم إضافة جزء من الكروموسوم، إلى كروموسوم آخر قد لا يسبب اضطرابات للفـرد ذاته، بل ينتقل للأبناء.  النسخ Duplication: وفيه يتم نسخ جزء من الكروموسوم، حيث يحمل الفـرد ثلاث نسخ بدلا مـن نـسختين، وعليـه يكـون لـدى الجنيـن نسخة زائـدة مـن التعليمات، مما يؤدي إلى التداخل في الوظائف الذي قد يسبب الاضطرابات لدي الجنين. الشقلبة Somersault : تتكون الشقلبة من منطقتين معطوبتين في كروموسوم واحد، والمساحة الواقعة بين هذين المساحتين يتم شقلبتها أو عكسها ـ أي تدور حول نفسها، وقد لا تحدث هذه العملية لكن يحدث تبديل المساحتين بطريقة تبدو منتظمة ليعيد الانضمام لجسم الكروموسـوم مـن بـدايـة خروجـه منـه، وإذا كانت الشقلبة في وسط الكروموسوم سميت (الشقلبة المركزية)، أما إذا كان غير ذلك سميت شقلبة غير مركزية. (محمد صالح الإمام وفؤاد عيد الجوالده، اضرابات النمو الشامل، (م.س)، ص 66 -71.

الصفحة 64

الإنسان التعرف على بعض أسباب اضطرابات النمو والكشف عنهـا، وهـي في مجملها لا تفسر إلا نسبة قليلـة مـن حالاته، إلاّ أن تعـدد أسباب الاضطرابات يجعل أمر الوقاية عملية صعبة، ذلك أن الوقاية يجب أن تتجه نحو الحـد من تفاقم هذه الأسباب وانتشارها، والواقع أنه مهما بدت عملية الوقاية صعبة وشاقة إلا أن أهميتها تظهر واضحة. ولاسيما في ظل التقدم الواضح في مجال الكشف عن أسباب اضطرابات النمو الذي ساهم بفاعلية في وضع سبل الوقاية والعلاج لبعض الحالات. إن معرفة الإنسان في مجال الاضطرابات التي تصيب الكروموسومات الوراثية كما هو الحال في حالة متلازمة داون مثلا، أو الأمراض التي يمكن أن تتعرض لها الأم الحامل والتي تترك آثارها على الجنين وتسبب له أشكالاً مختلفة من الإعاقة العقلية أو الحسية أو الجسمية؛ قد ساعدت جميعهـا في وضـع تـدابير الوقاية من المتلازمات المختلفة، وذلك بمراقبة هذه الاضطرابات والأمراض ومعالجتها قبل أن تُحدث أثرها على الجنين، أو من خلال تجنب الحمل في بعض الحالات التي يكون فيها احتمال الإعاقة كبيراً. هذا بالإضافة إلى معرفة الإنسان بطبيعة بعض الأمراض السارية التي يمكن أن تصيب الأم الحامل من جهة، أو تصيب الطفل بعد الولادة من جهة ثانية، وبعض الأخطار التي قد يتعرض لها الجنين قبل الولادة أو بعـدها، كمرض التهاب السحايا واضطرابات الغـدد وغيرها من الأمراض. إن المعرفة بهذه الأمراض 

الصفحة 65

وطبيعتها والآثار التي تحدثها في الجنين أو الطفل قد ساعدت إلى حد كبير في الوقاية من اضطرابات النمو"[1]، وللسعي نحو مزيد من الوقاية وجب مراعاة ما يلي[2]:

- نشر الوعي وتثقيف الجمهور بشتى الوسائل لتعم الفائدة.

-تهيئة خدمات الإرشاد الجيني للأسر والمقبلين على الزواج.

- تدريب المختصين على مستوى عالي من الكفاءة.

- ينبغي أن يكون الإرشاد الجيني ذو طابع ديني، لا طابع علماني.

- نتائج الإرشاد الجيني سرية، ولا يجوز الإفشاء بها.

- ينبغي أن تحتوي الكتب المدرسية، على المعرفة الجينية.

- زيادة اهتمام وسائل الإعلام بتوعية الناس بأهمية الإرشاد الجيني.

- الانتباه والتشديد في فحص زواج الأقارب.

- الأسر هي مرآة نفسها، فهي أعلم بالتاريخ الوراثي لعائلاتها.

- زيادة أعداد وحدات الوراثة البشرية لتوفير المتخصص لأجل تقديم الإرشاد الجيني.

الهوامش:

[1] - محمد صالح الإمام وفؤاد عيد الجوالده، اضطرابات النمو الشامل، (م.س)، ص77و78.

[2] - نفسه، ص 78.

الصفحة 66

أما إذا كان السبب يرجع إلى العوامل البيولوجية أو البيئية، فالعلاج يكون آنيا ومواكبا كما هو الشأن في علاج اضطراب تشتت الانتباه وفرط الحركة، فقد تقرر أن العلاج يكون على النحو الآتي: [1]

- العلاج بالأدوية: تقلل بعض الأدوية المنشطة أو المنبهة من درجة التوثر والتهيج، وتعيد تنشيط التوازن في خلايا المخ مما يخفف من حدة أعراض هذا الاضطراب.

- العلاج السلوكي أو ما يسمى بتعديل السلوك: يقوم على عدة أساليب تهدف إلى إحداث تغيرات بناءة على مستوى السلوك.

- تكييف بيئة الطفل: وذلك من خلال محاولة تقليل المثيرات التي تزيد من حدة هذا الاضطراب.

- العلاج التربوي: وذلك من خلال تنويع الأساليب التعليمية ومصادر المعلومات؛ لأن الطفل الذي يعاني من هذه الاضطرابات سريع الملل. بالإضافة إلى ضرورة معاملة الطفل الذي يعاني من اضطراب تشتت الانتباه وفرط الحركة معاملة خاصة، مثل تقليل مشتتات الانتباه والحرص على جذب انتباهه إلى موضوع التعلم بوسائل متنوعة (رسوم، مقاطع فيديو ...).

الهوامش:

[1] - خالد سعد محمد القاضي، تعديل سلوك الأطفال ذوي اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، (م.س)، ص 63-74-78-79-80 بتصرف.

الصفحة67

- نظام التغذية: وذلك من خلال استبعاد المواد الصناعية التي قد تكون من العوامل المسببة لنقص الانتباه وفرط النشاط، ومن أمثلة هذه المواد الأطعمة المحتوية على الألوان والنكهات الصناعية (...).


المبحث الخامس: سيكولوجيا التعلم

التعلم من الموضوعات التي شغلت بال الباحثين قديما وحديثا، وصعب عليهم الاتفاق على تحديد ماهيته؛ لأنه عملية لا يمكن ملاحظتها، وإنما يستدل عليها من خلال السلوك، أو الأداء الخارجي القابل للملاحظة، وهذا ما جعل الباحثين يختلفون في مفهومه، ويعجزون عن حصر خصائصه ودوافعه وشروطه؛ لكنهم وعلى الرغم من اختلافهم إلاّ أنهم يسعون جميعهم إلى تحقيق هدف واحد، وهو تفسير التعلم من حيث كيفية حدوثه والعوامل المؤثرة فيه. وفيما يلي بعض مفاهيم التعلم:

-  معنى التعلم:

- التعلم هو جميع التغيرات الثابتة نسبيا في جميع المظاهر السلوكية والعقلية والاجتماعية والانفعالية واللغوية والحركية الناتجة من تفاعل الفرد مع البيئة المادية والاجتماعية[1].

الهوامش:

[1] - عماد عبد الرحيم الزغلول، بادئ سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 82.

الصفحة 68

- التعلم عبارة عن تغير يحدث في السلوك نتيجة لقيام الكائن الحي بنشاط معين[1].

- التعلم هو عملية تغير شبه دائم في سلوك الفرد، لا يلاحظ بشكل مباشر، ولكن يُستدل عليه من السلوك، ويتكون نتيجة الممارسة، كما يظهر في تغير الأداء لدى الكائن الحي[2].

- التعلم عملية مستمرة طوال حياة الإنسان من خلال تفاعله مع البيئة بشقيها المادي والاجتماعي[3].

- التعلم هو العملية الآلية التي يكون فيها للفرد كامل الفعالية في المجتمع[4].

- التعلم هو تغير شبه دائم في السلوك نتيجة الخبرة والتدريب[5].

- التعلم هو العملية التي تتم بتفاعل الفرد مع خبرات البيئة، وينتج عنه زيادة في المعارف أو الميول أو القيم أو المهارات السلوكية التي يمتلكها[6].

الهوامش:

[1] - عبد الرحمن محمد عيسوي، علم النفس الفسيولوجي دراسة في تفسير السلوك الإنساني، دار النهضة العربية للطباع والنشر، بيروت، ص 196.

[2] - أنور محمد الشرقاوي، التعلم – نظريات وتطبيقات، مكتبة الأنجلو المصرية، ط1: 2012، ص 11-12.

[3] - كفاح يحيى صالح العسكري وآخرون، نظريات التعلم وتطبيقاته التربوية، ط1، 2012، ص 10.

[4] - يوسف محمود قطامي، نظريات التعلم والتعليم، دار الفكر، الأردن، ط1، 1426ه/2005م، ص 172.

[5] - حنان عبد الحميد العناني، سيكولوجيا التربيةة، (م.س)، ص 159.

[6] - محمد زياد حمدان، نظريات التعلم تطبيقات علم نفس التعلم في التربية، دار التربية الحديثة، عمان، 1417هـ-1997م، ص 5.

الصفحة 69


- التعلم هو العملية التي نستدل بها على التغيرات التي تطرأ على سلوك الفرد، والناجمة عن التفاعل مع البيئة أو التدريب أو الخبرة[1].

إن تعدد هذه المفاهيم وتنوعها يعتبر بحد ذاته اتفاق على مجموعة من الأمور تخص التعلم، مثل:

- التعلم مفهوم مجرد لا يمكن ملاحظته؛

- التعلم يُستدل عليه بالأداء؛

- التعلم تغير شبه دائم في السلوك؛

- التعلم تغير ثابت نسبيا؛

- التعلم نتاج تفاعل بين الخبرة والممارسة والبيئة الاجتماعية؛

- التعلم يشمل تغيرات في جوانب مختلفة (معارف، مهارات، قيم...).

وعليه، فالتعلم هو مجموع التغيرات المعرفية والأخلاقية والانفعالية واللغوية والمهارية التي تحدث للفرد نتيجة تفاعله مع مختلف عناصر البيئة المحيطة به.

- العوامل المؤثرة في التعلم:

من العوامل المؤثرة في التعلم ما يلي:

الهوامش:

[1] - عبد المجيد نشواتي، سيكولوجيا التربية، (م.س) ص 274.

الصفحة 70

1-            النضج:

يشير مفهوم النضج "إلى جميع التغيرات التي تطرأ على المظاهر الجسمية للفرد والمحكومة بالمخطط الجيني الوراثي، والتي ليس للعوامل البيئية أثر فيها، فالنضج مؤشر لاكتمال نمو الأعضاء والأجهزة الجسمية المختلفة كالعضلات الكبيرة والدقيقة والأجهزة الحسية والعصبية بحيث تصبح قادرة على القيام بوظائفها المتعددة."[1]

يعتبر النضج في كافة النواحي الجـسمية والانفعاليـة والاجتماعيـة والعقلية من العوامل المهمة المؤثرة في التعلم، لأنه يحدد إمكانات سلوك الفرد، وبالتالي معرفة مدى قدرة الطفل على القيام بنشاط تعلمي معين، ولذلك فإن الأب أو المدرس الذي يدرك مدى نمو الطفل ومستوى نضجه يستطيع أن يهيئ له المواقف المناسبة التي تتوافق مع هذا المستوى، كما يستطيع أن يشخص علة فشله في تحصيل المعرفة أو الخبرة أو المهارة في مختلف المواقف، فعلى سبيل المثال فنحن لا نستطيع أن نجبر الطفل على المشي قبـل أن تنـضج عضلات رجليه، وعبثا يحاول الأبوان تعليم ابنهما المشي قبل السن المناسبة، وليس من الممكن أن يستطيع الطفل الكتابة قبل أن تنضج عضلات أصابعه الدقيقة التي تمكنه من الإمساك بالقلم وتحريكه بالكيفية المطلوبة."[2]

الهوامش:

[1] - عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 82-85 بتصرف.

[2] - عواطف محمد حسانين، سيكولوجية التعلم (نظريات-عمليات معرفية- قدرات عقلية)، المكتبة الأكاديمية، مصر، ط1، 1433ه/2012م، ص 78 بتصرف.

الصفحة 71

1-            الاستعداد

يشير الاستعداد إلى "الحالة التي يكون فيها الفرد قادراً على تعلم مهمة أو خبرة ما. ويرتبط الاستعداد في كثير من الحالات بعامل النضج: حيث يزود عامل النضج الأفراد بالإمكانات والقابليات التي تثير استعدادهم لتعلم خبرة أو اكتساب مهارة ما"[1]. "فالطفل على سبيل المثال لا يكون مستعدا لتعلم عمليات الضرب والقسمة إلا إذا وصل إلى مستوى من النضج العقلي يساعده على أداء هذه العمليات بالموازاة مع ذلك لا بد أن تكون لديه خبرة عن الأعداد وعمليات الجمع والطرح اللازمة لتعلم عمليات الضرب والقسمة"[2] .

2-            الدافعية

يرى محمد الموسوي أن الدافعية "تمثل عاملا هاما يتفاعل مع محددات المتعلم ليؤثر على السلوك الأدائي الذي يبديه المتعلم في الفصل، وهي تمثل القوة التي تحرك وتستثير المتعلم لكي يؤدي العمل المدرسي؛ أي قوة الحماس أو الرغبة للقيام بمهام الدرس. إن معرفة الدوافع التي تكون وراء السلوك تمكننا من تقديم ما نستطيع تقديمه للمتعلم في مواجهة مشاكل الضعف لديه وإيجاد سبل حلها، ومنها على سبيل المثال، خلق زيادة في الانتباه أو معالجة ضعف الاهتمام للدرس. والدافعية تنقسم إلى قسيمين: دوافع داخلية، وتعني الاستثارة التي توجد داخل النشاط أو العمل أو

الهوامش:

[1] - عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص83.

 [2] - حنان عبد الحميد العناني، سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 162.

الصفحة 72

الموضوع والتي تجذب المتعلم نحوها وتشده إليها فيشعر بالرغبة في أداء العمل أو الانهماك في الموضوع. دوافع خارجية، وهي الإثارة الموجودة خارج العمل أو النشاط أو الموضوع ولا علاقة تربطها به إلا من حيث الهدف أو التنظيم أو الطريقة، ويتخذها المدرس بشكل معززات أو جوائز ودرجات، مادية أو معنوية"[1] .

الأمر نفسه بالنسبة لعماد عبد الرحيم الزغلول فهو يرى أن الدافعية "تمثل حالة نقص أو توثر داخلي بحاجة إلى خفض، أو إشباع، قد ينشأ بسبب عوامل داخلية كالجوع مثلاً، أو بسبب عوامل خارجية كالحاجة إلى التقدير. وتلعب الدافعية دوراً في حدوث التعلم في كونها تقوم بثلاث وظائف رئيسية في هذا الشأن تتمثل في توليد السلوك وتحريكيه، توجيه السلوك نحو الهدف، والحفاظ على استمرارية وديمومة السلوك"[2] .

وجدير بالذكر أن الدافعية تختلف عن الأهداف والمحفزات" فالأهداف هي ما يسعى المرء إلى بلوغه، فإذا وصل إليه تحقق إشباع الدافع، فالوصول إلى الطعام هدف يسعى الجائع إلى بلوغه، فإذا حصل عليه أشبع دافع الجوع، والمحفزات أشياء أو معنويات موجودة في المواقف، تحرك الفرد وتساعده على تحقيق هدفه، فإذا كان

الهوامش:

[1] - عباس نوح سليمان محمد الموسوي، سيكولوجيا التربية مفاهيم ومبادئ، دار الرضوان للنشر والتوزيع- عمان، ط1 143ه/2015، ص 83-84.

[2] - عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص85.

الصفحة 73

هدف الطالب هو النجاح (لإشباع دافع التقدير) فإن ميزة النجاح، أو الجائزة المنتظرة تُعد من المحفزات على بذل مزيد من الجهد لتحقيق النجاح". [1]

1-            التدريب والممارسة أو الخبرة:

"يعد هذا العامل من أكثر العوامل أثراً في عملية التعلم. ويقصد بالخبرة أو الممارسة فُرص التفاعل التي تتم بين الفرد والمثيرات المادية والاجتماعية التي يصادفها في بيئته. إذ إن مثل هذه الفرص والتفاعلات تسهم في تزويد الفرد بالخبرات والمعلومات عن الأشياء والمثيرات المختلفة، ويتحدد في ضوئها نمط السلوك حيال تلك الأشياء وفقا لنتائج تفاعلاته معها. وتعتمد حصيلة الخبرات والأنماط السلوكية التي يشكلها الفرد نتيجة تفاعلاته المتعددة مع المثيرات البيئية على طبيعة البيئة التي يعيش فيها أو يصادفها. فالبيئات الغنية بالمثيرات نوعاً وكماً تسهم في تزويد الفرد بحصيلة خبرات وأنماط سلوكية أكثر من البيئات الفقيرة. من هنا يتضح أهمية التأكيد على إثراء البيئة التعليمية وذلك من أجل إتاحة الفرصة للمتعلم بأكبر قدر من التفاعل واكتساب الخبرات المتعددة"[2].

2-            البيئة الخارجية:

إن العوامل التي سبق ذكرها ترجع إلى ذات المتعلم، وعلى الرغم "من إمكانية حدوث منبهات التعلم ذاتياً بتأمل الفرد في خبراته ومعارفه وخروجـه بتعلم جديد على

الهوامش:

[1] - كفاح يحيى العسكري وآخرون، نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية، (م.س)، ص 18.

 [2] - عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 82-85.

الصفحة 74

شكل معرفة أو مهارة أو عاطفة، إلاّ أن البيئة لها دور كبير في إعاقة ذلك أو تسهيله. وعوامل البيئة متنوعة وكثيرة تبدأ بالأسرة والبيئة الأسرية والمدرسـة والأقران والمناهج، وتنتهي بالمجتمع الواسع حيث الشارع الذي يفصل المدرسة عن الأسرة، والسوق والمؤسسات العامة المختلفة ووسائل الإعلام التي ترسل منبهاتهـا دون هوادة طيلة أربع وعشرين ساعة في اليـوم؛ والعادات الاجتماعية العامة أو الثقافة العامة للمجتمع، والحالة الاقتصادية والمستوى الحضـاري والطبيعة الجغرافية للبيئة ونوع مناخها بوجه عام. كل هذه العوامل وغيرها مما لم نذكر تتدخل في التعلم سلباً أو إيجابا. فالأسرة السلطوية أو المتسيبة أو المفككـة، والمدرسـة غير المؤهلة بالوسائل اللازمة، والمعلمين المهملين أو غير المؤهلين وظيفياً، والأقران المنحرفين، والمناهج الناقصة أو غير السوية، والشارع المهدم في شكله وسلوكياته غير الخلقية، ووسائل الاعلام الأنانية أو الرخيصة في رسائلها، والتسامح الاجتماعي مع تناول الممنوعات مثل المخدرات والكحول ، والإمكانات الاقتصادية المتدهورة للناس، والمناخ الحـار الرطب جدا أو البارد جدا دون وسائل التكييف أو حتى الطاقة الكهربائية المنتظمة، والجهل أو التخلف الحضاري العام للبيئة تخدم كلها عوامل معيقة للتعلم نفسياً وإداريـاً ومادياً بدون شك."[1]

الهوامش:

[1] - محمد زياد حمدان، نظريات التعلم تطبيقات علم نفس التعلم في التربية، (م.س)، ص 12 بتصرف.

الصفحة 75

المبحث السادس: سيكولوجيا التربية

أصبح الاهتمام بالمعرفة النفسية والمبادئ التي تحكم سلوك المتعلمين أمرا في غاية الأهمية، ولاسيما في ظل الأوضاع المأزومة التي تعيشها منظومتنا التربوية، ولأجل فهم سلوك المتعلم والعوامل المؤثرة فيه، بغرض التأثير فيه، توجيها وتحكما وضبطا، بالإضافة إلى السعي نحو النهوض بمخرجات المنظومة التربوية، وتطوير قدرات وكفاءات المتعلمين على مواجهة المشكلات ومساعدتهم، ينبغي أن يزيد اهتمامنا بسيكولوجيا التربية نظرا لعلاقته المباشرة بالعملية التربوية، حيث إنها تُمكن من اختيار المعرفة المناسبة، والوسائل والأساليب والطرائق الفعالة لتقديمها وتقويمها بحيث تتلاءم وخصائص المتعلم النمائية، سواء العقلية أو الانفعالية أو الاجتماعية أو اللغوية أو الحركية أو غيرها... لذلك سيتناول هذا المبحث من هذا الكتاب؛ مفهوم سيكولوجيا التربية ونشأتها، وأهميتها وأهدافها، وبعض ما يتعلق بها، وذلك على النحو التالي:

أولا: مفهوم سيكولوجيا التربية

عرّف الباحثون في الشأن التربوي سيكولوجيا التربية بتعريفات متنوعة تشترك جميعها في الاهتمام بدراسة السلوك المتعلق بكيفية حدوث التعلم، ومن بين هذه التعريفات ما يلي:

الدراسة العلمية للسلوك الإنساني خلال العملية التربوية وما وراءه من عمليات عقلية وانفعالية وجسمية، بهدف تنمية المتعلم من جميع النواحي الجسمية 

الصفحة 76

-                  والعقلية والانفعالية والاجتماعية ومساعدة المدرس على فهم سلوك المتعلم وضبطه والتنبؤ به والتخطيط له[1].

-                  الدراسة العلمية للسلوك في المواقف التربوية، وهو العلم الذي يهتم بالتعلم والتعليم[2].

-                  العلم الذي يدرس سلوك الكائن الحي، وما وراءه من عمليات عقلية دراسة يمكن على أساسها فهم وضبط السلوك والتنبؤ به والتخطيط له بهدف توجيهه وتصويبه وتقويمه وتقييمه[3].

وحدد "تايتل" ثلاث وجهات نظر حول تعريف سيكولوجيا التربية[4]:

وجهة النظر الأولى، تنظر إلى تعريف سيكولوجيا التربية بأنه علم نفس التربية والدراسة العلمية لعلم النفس في مجال التربية؛ أي وضع المبادئ والمفاهيم والنظريات التي تحكم سلوك المتعلم في مواقف التعلم والتعليم. أما وجهة النظر الثانية، فتنظر إليه باعتباره أحد فروع علم النفس العام التطبيقية يهتم بتوظيف المبادئ والنظريات والمفاهيم النفسية بما يخدم العملية التربوية في الفصل الدراسي. في حين أن وجهة النظر الثالثة تنظر إلى تعريف سيكولوجيا التربية على أنه عملية التقويم المنظمة لعمليتي التعلم والتعليم، وتعتبر سيكولوجيا التربية ذلك الحقل الذي يجب أن يعنى

الهوامش:

[1] - حنان عبد الحميد العناني، سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص15.

[2] - عباس نوح سليمان محمد الموسوي، سيكولوجيا التربية مفاهيم ومبادئ،  (م.س)، ص 2.

[3] - عبد السلام زهران، سيكولوجيا النمو الطفولة والمراهقة، دار المعارف، ص 9 بتصرف.

[4] - عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 23-24 بتصرف.

الصفحة77

بالدراسة النفسية للمشكلات التربوية المتعددة والعمل على حلها من خلال توفير المبادئ والمفاهيم والأساليب والنماذج المتعددة.

 في ضوء ما سبق، يمكن تعريف سيكولوجيا التربية على أنها الدراسة العلمية التي تهتم بالسلوك الإنساني وما وراءه من العمليات العقلية في المواقف التعلمية التعليمية بهدف الكشف عن العوامل التي تحكم السلوك، ومن ثمة العمل على ضبطه والتحكم فيه.

ثانيا- نشأة سيكولوجيا التربية

تُعد سيكولوجيا التربية أحد فروع علم النفس العام، ويمكن ارجاع "ظهورها إلى الفترة الواقعة بين 1800-1850 كنتيجة لتطور علم النفس العام"[1]، وكانت بداية "اعتبارها علما تجريبيا سنة 1879 عندما أنشأ ويليام فونت) wundt) معمله السيكولوجي في مدينة ليبزج (leipzig) الألمانية، ففي هذا المعمل بدأ علم النفس مسيرته، وتبنى طرائقه الخاصة"[2]، واستقل بمنهجه التجريبي عن الفلسفة، وبعد ذلك تم الاتفاق على ضرورة تطبيق مبادئه وقوانينه في الفصول الدراسية، وقد اقترن ذلك "بتعيين كل من إدوارد لي ثورندايك؛ تشارلز هوبارد جود؛ ولويس تريمان ماديسون بعد سنة 1900 في وظائف جامعية متخصصة في هذا الميدان"[3]. ثم توالت دعوات

الهوامش:

[1] - عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية،  (م.س)، ص 21.

[2] - محمود عبد الحليم منسى وآخرون، المدخل إلى سيكولوجيا التربية، ص 5.

[3] - أرثر جيتس وآخرون، سيكولوجيا التربية، ترجمة: ابراهيم حافظ وآخرون، مكتبة النهضة المصرية 1945، ص7.

الصفحة 78

الاهتمام بسيكولوجيا التربية وهو ما يجعلنا نطرح أسئلة عديدة من قبيل:

لماذا سيكولوجيا التربية؟ وما مفهومها؟ وأين تتجلى أهميتها في العملية التعليمية التعلمية؟

ثالثا: أهمية سيكولوجيا التربية

إن الحديث عن الأهداف السالفة الذكر يُبين مدى أهمية سيكولوجيا التربية، ويُعد المدرس من الأكثر المستفيدين من هذا العلم بسبب ما يُقدمه له من مبادئ ومناهج معينة على ممارسة مهنة التعليم، ولعل أبرزها ما يلي[1]:

- يتمكن المدرس بفضل سيكولوجيا التربية من السعي نحو تحقيق التوافق بين الفرد والمجتمع والمساهمة في التنشئة الاجتماعية وإعداد جيل صالح.

- تساهم سيكولوجيا التربية في إمداد المدرس بالآليات التي تساعده على فهم العوامل المختلفة المؤثرة في عملية النمو التربوي؛ وإدراك أثر هذه العوامل المؤثرة في العملية التربوية يساعد على ممارسة الإشراف على هذه العملية بنجاح ويوجهها إلى الوجهة المناسبة، وهو مل يدل على مكانة سيكولوجيا التربية وأهميتها في عملية التعلم.

- توجه سيكولوجيا التربية المدرس إلى الطريقة الناجعة لاستغلال نشاط المتعلمين وتوجيهه توجيها مناسبا.

استبعاد كل ما هو غير صحيح من العملية التعلمية التعليمية التي اكتُسبت

الهوامش:

[1] - رشاد صالح دمنهوري وآخرون، سيكولوجيا التربية، مكتبة دار جدة، ط1، 1421ه، ص 11 وما بعدها، بتصرف.

الصفحة 79

- سابقا من خلال المحاكاة أو التقليد، ولاسيما الاعتقاد السائد المتعلق بكون الإلمام بالمادة المعرفية كاف لتحقيق الأهداف التربوية، فعلى سبيل المثال لا يكفي الإلمام التام بأصول الحساب من أجل تعليمه للتلميذ، إذ لا بد من الاطلاع على الجانب النفسي والعقلي للمتعلم، بالإضافة إلى التمكن من طرائق التدريس وأساليبه المناسبة فضلا عن الإلمام الكلي بالمادة المعرفية؛ وهذا ما تسعى سيكولوجيا التربية إلى تحقيقه الأمر الذي يؤكد أهميتها في عملية التعلم.

- تقدم سيكولوجيا التربية الطرق التي من خلالها يستطيع المدرس أن يعمل على تهيئة الفصل الدراسي بالطريقة التي تساهم في إنماء الجوانب العقلية والخلقية والمعرفية للمتعلمين بما يتفق مع ميولاتهم واستعداداتهم وقدراتهم.

مساعدة المدرس في فهم خصائص المتعلمين قبل عملية التعلم، والكشف عن مدى أهمية الفروق الفردية بين المتعلمين؛ فقديما كان ينظر إلى الفروق الفردية أو الاختلافات الموجودة بين الأفراد على أنـها عيوب يجب التخلص منها، وكان ينظر إلى المتعلميـن علـى أنـهم متسـاوون ومتشابهون في كل القدرات العقلية، وعلى ذلك يجب أن يتساوى تحصيلـهم. إلا أن علم النفس بصفة عامة، وسيكولوجيا التربية بصفة خاصة قد كشف عـن وجـود الفروق الفردية، وأنها لا تمثل عيوب بين الأفراد، وأحيانا تكون أسبابها بعيدة عن الفرد نفسه؛ أي إنه لا يوجد دخل للفرد في إحداثها. كما أنه لا توجـد مجموعة متشابهة أو متساوية من الأفراد في كل أو بعض الخصائص النفسـية والعقلية مهما كانت درجة قرابتهم، حتى وإن كانوا من التوائم المتماثلة أو المتشابهة. فعلى المدرس أن يعي الفـروق فـي القدرات العقلية، 

الصفحة 80

- والاستعدادات والميول للمواد الدراسية؛ حيث يوجد بعض التلاميـذ يمتلكون استعدادا وميولا لتعلم مادة دراسية معينة، ويقل هذا الاستعداد وهاته الميولات تجاه مادة أخرى. كذلك على المدرس أن يعي الفروق الموجودة بين المتعلمين فيما يتعلـق بالجوانب الانفعالية والعاطفية والأمزجة والطبائع. وعليه، فإن أهمية سيكولوجيا التربية تتجلى في كونها علما لم يقتصر على الكشف عن هذه الفروق الموجودة بين الأفراد، بل كشف عن أصولـها وأسبابها وكيفيـة التعامل معها.

إن أهمية سيكولوجيا التربية تكمن في عدم إمكانية الاستغناء عنها، فهي بمثابة المرشد المعين على عمليتي التعلم والتعليم، يستفيد منه كل الفاعلين التربويين، فالمدرس ليس في غنى عمّا تقدمه سيكولوجيا التربية في سبيل معرفة خصائص المتعلمين وفروقاتهم الفردية، وليس في غنى عن معرفة العوامل المؤثرة في التعلم. كذلك الشأن بالنسبة لواضعي المناهج والبرامج؛ فإنهم لن يتوفقوا في هندستها ما لم يطلعوا على نظريات التعلم وشروطه ودوافعه. وهي كذلك مفيدة للأسر فيما يتعلق بمعرفة الخصائص النمائية لأطفالهم من أجل تلبية حاجاتهم النفسية والمعرفية والحركية. فسيكولوجيا التربية إذن تمثل مجالا نفسيا حيويا وأساسيا لا غنـى لكافـة المتدخلين التربويين عـن الإلمام ببعض مبادئها ومضامينها.

رابعا: أهداف سيكولوجيا التربية

تسعى سيكولوجيا التربية إلى تحقيق هدفين أساسين[1]:

الهوامش:

[1]عبد المجيد نشواتي، سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 15-16 بتصرف.

الصفحة 81

الأول: المساهمة في صياغة المعرفة النظرية الخاصة بالتعلم وتنظيمها على نحو منهجي، بحيث تشكل نظريات ومبادئ ذات صلة بالعملية التعليمية التعلمية. ولهذا الهدف ارتباط مباشر بالجانب النظري الذي تنطوي عليه سيكولوجيا التربية، باعتبارها علمَ سلوكٍ يتناول دراسة سلوك المتعلم في الأوضاع التعليمية المختلفة، ويبحث في طبيعة التعلم ونتائجه وقياسه، وفي خصائص المتعلم النفسية والحركية والعقلية.

الثاني: توظيف ما تم التوصل إليه في صياغة المعرفة بطريقة تمكن الفاعلين التربويين من تنزيلها، ويتعلق هذا الهدف بالجانب التطبيقي لعلم النفس؛ إذ إن مجرد اختيار المعرفة ووضع النظريات والمبادئ ذات العلاقة بالعملية التربوية لا يكف لضمان نجاح عملية التعلم والتعليم. إذ لا بد من تنظيم هذه المعارف والنظريات والمبادئ في أشكال تمكن المدرسين من استخدامها واختبارها وبيان مدى صدقها وفعاليتها وأثرها في العملية التربوية.

وبتحقيق هذين الهدفين يتم رأب الصدع بين النظرية والتطبيق؛ لأن علم النفس التربوي يتضمن هذين الجانبين معا، فلا هو نظري بحت كعلم النفس، ولا هو تطبيقي محض كفن التدريس، بل يحتل مركزا وسطا بينهما.

ويضيف الباحث محمود عبد الحليم منسى وآخرون أهدافا أخرى لسيكولوجيا التربية منها[1]:

الهوامش:

[1] - محمود عبد الحليم منسى وآخرون، المدخل إلى سيكولوجيا التربية، ص 31.

الصفحة 82

- فهم السلوك وتفسيره؛

- ضبط السلوك والتحكم فيه بتعديله وتحسينه؛

- التنبؤ بما سيكون عليه السلوك.

وقد وضحت الباحثة هناء حسين الفلفلي المقصود بهذه الأهداف الثلاثة على النحو الآتي[1]:

 الفهم: ويتمثل في القدرة على تفسير العلاقات القائمة بين المتغيرات والظـواهر التربوية بطريقة منطقية وعلمية، فالباحث يعمل على تحقيق الفهم العلمـي المستند إلى مناهج البحث العلمي للظواهر التربوية حتى تعمل على تحقيـق الفهم والتفسير العلمي الدقيق، وإزالة الغموض من ذهن المعلم والتربوي من مثل هذه الظواهر.

التنبؤ: ويتعلق بقدرة المدرس على الاستفادة من الفهم والتفسيرات العلميـة في التنبؤ بشكل الظواهر التربوية في المستقبل من خلال طرح العديد من الأسئلة التنبئية المستقبلية والتي تبدأ بكلمة ماذا أو متى، (مثل: ماذا يحصل لو تم تنويع طرائق التدريس لنفس الدرس).

الضبط والتحكم: يستندان على الإدراك الجيد لكل من عمليتي الفهم والتنبؤ، ويهدفان إلى تنمية شخصية المتعلم من خلال تعديل سلوكه وتحسينه، ومعالجة المشاكل التربوية التي يتعرض لها.

الهوامش:

[1] - هناء حسين الفلفلي، سيكولوجيا التربية، دار كنوز المعرفة-عمان، ط1، 1434ه-2013م، ص 47-48 بتصرف.

الصفحة83

خامسا: مجالات علم نفس التربوي

تعددت موضوعات ومجالات سيكولوجيا التربية نظرا لارتباطها بعملية التعلم، التي تتسم بالتنوع من حيث حدوثها وخصائصها ودوافعها وشروطها، لكنّ الباحثين في الشأن التربوي قاموا بتحليلات لمحتوى بعض المؤلفات المكتوبة في سيكولوجيا التربية فوجدوا أن أكثر الموضوعات تكرارا وذات الصلة بالموضوع ما يلي[1]:

- عمليات التعلم ونظرياته، وطرق قياسه والعوامل المؤثرة فيه؛

- النمو المعرفي والجسمي والخلقي والاجتماعي والانفعالي؛

- الصحة النفسية والتوافق الاجتماعي والمدرسي.

وبناء على ذلك يمكن القول بأن مجالات سيكولوجيا التربية ترتبط بعمليتي التعلم والتعليم وما يتعلق بهما، سواء من حيث طريقة حدوثهما، أو ما يتعلق بالشروط المعينة لتحققهما، فضلا عن خصائص الذات المتعلمة وسيرورة نموها، وكفايات المدرس المهنية والمعرفية، إضافة إلى مختلف العوامل المؤثرة في التعلم والتعليم.

علاقة سيكولوجيا التربية بعلم النفس وفروعه:

سيكولوجيا التربية هي أحد الفروع التطبيقية لعلم النفس، وتشترك مع باقي الفروع الأخرى لعلم النفس في أمرين أساسين وهما[2]:

الهوامش:

[1] - حنان عبد الحميد العناني، سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 17 بتصرف.

[2]  - عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 27 بتصرف.

الصفحة 84

- دراسة السلوك الإنساني؛

- الاعتماد على الدراسة العلمية في فهم السلوك الإنساني بغرض التنبؤ به ومن ثم ضبطه والتحكم فيه؛

وعلـى هـذا الاعتبار يمكن القول بأن "مجالات نشاط السلوك الإنساني هـي المسؤولة بشكل مباشر عن تحديد مجالات علم النفس، فإذا كان النشاط السلوكي يصدر في مراحل حياة الإنسان المختلفة، فهذه هـي سيكولوجيا النمو، ولو صدرت وفقا لمعطيات وتأثيرات اجتماعية، فالناتج علم النفس الاجتماعي، ولو صدرت في ضـوء قيام الأعضـاء بـوظائفها فعلـم نفـس فسيولوجي، ولـو تعلقت السلوكيات موضوع الدراسة بمهنة من المهن المختلفة وبعطاء الإنسان ورضاه الوظيفي، فعلم نفـس مهـني، ولـو ارتبطت بالمتغيرات والمعطيات الصناعية وتأثيراتها في السلوك البشري، فعلم نفس صناعي، ولو دلت على نتائج غير سوية وسلوكيات خاطئة أو مضطربة تحتاج للتعديل والمعالجة، فعلم نفس علاجي، وهكذا وعلى نفس هذا المنوال، فإنه يمكن القول بأن سيكولوجيا التربية تستمد وجودها وكينونتها الخاصـة مـن كونها تهتم بدراسة النشاطات السلوكية الصادرة عن الإنسان في البيئات التعليمية، والدالة على نوعية المبادئ والمعايير التربوية التي يكتسبها، والمتعلقة بأسس وآليات تعلمه، وبالنشاطات المعرفية والعمليات العقلية ذات الصلة بهذا التعلم"[1].

الهوامش:

[1] - هشام عثمان خوجلي، أسس سيكولوجيا التربية، مكتبة الرشد الرياض – المملكة العربية السعودية 1426ه، ص 17-18.

الصفحة 85

وجدير بالذكر أن سيكولوجيا التربية وإن كانت تتعلق بدراسة السلوك في المجال التربوي فهي دائمة الارتباط والتكامل مع باقي فروع علم النفس العام، وهذه بعض تجليات ذلك:

سيكولوجيا التربية وسيكولوجيا النمو:

"يهتم هذا العلم بالتغيرات التي تطرأ على السلوك الإنساني في مختلف مراحل الحياة، والتي من بينها دراسة علم نمو الأطفال والمراهقين -المتعلمين- اللذين هما موضوع سيكولوجيا التربية، وقد أفاد هذا العلم سيكولوجيا التربية من خلال النتائج المتوصل إليها في فهم القدرات العقلية وسمات الشخصية لدى الطفل ويسر له حسن استغلالها في العملية التعلمية التعليمية"[1].

سيكولوجيا التربية وعلم النفس التجريبي:

"يرتكز هذا الفرع من علم النفس على الدراسة التجريبية التي غالبا ما تتعلق بدراسة السلوك الحيواني داخل المختبرات والمعامل بغرض فهم الدافع وراء بعض السلوكيات المعينة. ورغم ذلك فقد جذبت هذه التجارب ونتائجها انتباه المهتمين بالتربية، وخاصة ما قدمته نتائجها من أفكار وحلول لمشكلات التعلم المدرسي كالتعزيز والتعليم المبرمج(...)"[2].

الهوامش:

[1] - حنان عبد الحميد العناني، سيكولوجيا التربية، دار صفاء للنشر والتوزيع عمان، ط2، ص 15 بتصرف.

[2] - نفسه، ص 16 بتصرف. 

الصفحة 86

سيكولوجيا التربية وعلم النفس الاجتماعي:

"يهتم هذا العلم بدراسة الفرد بوصفه عضوا في الجماعة، ويتناول بالبحث تأثير الآخرين على سلوك الفرد خلال عمليات التفاعل الاجتماعي. وعملية التعلم والتعليم تحدث داخل الفصول الدراسية المكونة من جماعة من المتعلمين غالبا، لذا فإن المعلم بحاجة ماسة إلى الإلمام بمبادئ هذا العلم ليكون أكثر قدرة على التفاعل مع التلاميذ، ومع القوى الاجتماعية التي تؤثر في عملية التعلم"[1].

سيكولوجيا التربية وعلم النفس العلاجي:

"يختص هذا العلم بتقديم الخدمات الإرشادية والعلاجية للفرد بهدف مساعداته على تحقيق التوافق الشخصي والاجتماعي والصحة النفسية.

وتتفق هذه الأهداف مع أهداف التربية لذلك نجد أن الصحة النفسية للفرد والتوافق الاجتماعي والمدرسي من الموضوعات الهامة في العديد من مؤلفات سيكولوجيا التربية، ويأخذ الإرشاد التربوي على عاتقه تحقيق هذه الأهداف على أرض الواقع، وبمعنى آخر إن بحوث علم النفس العلاجي تساههم في حل العديد من المشكلات التربوية، مثل مشكلات المتفوقين والمتأخرين دراسيا، وسوء التوافق التربوي بين المدرس والطلاب، والمشكلات المتعلقة بالحفظ وكثرة النسيان وغيرهن كثير."[2]

الهوامش:

[1] - حنان عبد الحميد العناني، سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 16 بتصرف.

[2] حنان عبد الحميد العناني، سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 16 بتصرف.  

الصفحة 87






























































































































































 

































الفصل الثاني: نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية


اهتمت سيكولوجيا التربية بالسلوك الإنساني، محاولة فهمه ومعرفة محدداته، وإدراك طبيعته، وذلك حتى يتسنى وضع الطرائق المناسبة للتعلم. والنمو الإنساني يمكن تلخيص وظائفه في النضج والتعلم، ووظيفة النضج وما تعرفه كل مرحلة والعوامل المؤثرة فيها كما سبق ذكره في محور سيكولوجيا النمو. أما وظيفة التعلم فهي قبلة اهتمام نظريات التعلم.

إن الاهتمام بالطبيعة البشرية هو ما ولّد عند علماء النفس الاهتمام الكبير بالتعلم، وحاولوا من خلال تجارب متعددة أقيمت بعضها على الحيوانات وبعضها على الإنسان، استخلاص نظريات تربوية تفيد في كيفية تعلم الإنسان وفق طبيعته وتطوره وخصائص مراحله العمرية.

وجذير بالذكر أن نظريات التعلم كثيرة يصعب حصرها في فصل واحد، لذلك سنقتصر على أهم النظريات التي اشتهرت في المجال التربوي، وبرزت في العصر الحديث، ولها وقع مباشر على العملية التعليمية التعلمية، وذلك وفق منهج قائم على:

-                  التعريف بالنظرية؛

-                  ذكر روادها وأهم تجاربهم؛

-                  أهم المفاهيم المرتبطة بها؛

-                  تطبيقاتها في العملية التعليمية التعلمية.

الصفحة 88

المبحث الأول: النظرية السلوكية[1]

تعتبر النظريات التربوية من أهم المباحث في المجال التربوي-التعليمي لما لها من دور تفسيري في كيفية تعلم الإنسان. وعُرِّفت بأنها: "نسق من المفاهيم والمعارف والنماذج يتصف بالصلاحية، موضوعها من جهة، المساهمة في تطوير التربية. ومن جهة أخرى، المساعدة على تفسير الظواهر التربوية والتنبؤ بها"[2]. فكيف يحدث التعلم في النظرية السلوكية؟ وما دورها في تطوير العملية التربوية؟

إن مرتكز النظرية السلوكية في العملية التعليمية التعلمية هو السلوك، من خلال تحليله وظيفيا، وتحديد مثيراته التي تهتم بدراسة المحددات الخارجية المؤثرة على سلوك الفرد. فإذا عُرفت المثيرات يمكن التنبؤ بالاستجابات (السلوك) والعكس صحيح.

يعتبر جون واطسون John Watson (1878-1958) المؤسس الأول للمدرسة السلوكية في الولايات المتحدة، وأكثر السلوكين تزمتا في إرجاع السلوك الإنساني بما في ذلك التعلم، إلى البيئة والمنبهات الحسية. إن نظرية ومبادئ

الهوامش:

[1]- من روادها: إيفان بافلوف – جون واطسون– فريديك سكنر – إدوارد ثورندايك – فلاديميير بختيريف - سيليجمان – جثري – إدواردش تولمان.

[2]- عبد الكريم غريب وآخرون، معجم علوم التربية مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك، سلسلة علوم التربية، 9-10، ص 348

الصفحة 89

واطسون هي توأم متطابق لنظرية بافلوف، حيث لا تعد سوى اشراطات تقليدية على الطريقة الأمريكية.[1]

وتفصيل الحديث حول هذه النظرية سيكون من خلال نماذجها الثلاثة وهي:

النموذج الأول: الإشراط الكلاسيكي

يعرف هذا النموذج بالاشراط الاستجابي، والاشراط البافلوفي نسبة إلى صاحبه، العالم الروسي إيفان بافلوف Ivan Pavlov (1849-1936)، والحائز على جائزة نوبل عام 1904م لأبحاثه على الجهاز الهضمي، إلا أنه اشتهر بتجاربه على الكلاب فيما بعد.[2]

تنطلق تجربة بافلوف بملاحظة حيوانات المختبر (الكلاب)، حيث لاحظ أنها تقف في بعض الحالات على أرجلها وتبدأ بالتهيؤ للطعام، ويبدأ لعابها بالسيلان، تماما كما لو أن الطعام أمامها بالرغم من عدم وجوده، وبعدها حاول البحث عن ظروف تحديد هذه الظاهرة، ولاحظ أنها تحدث عندما يسمع الكلب صوت أقدام الحارس الذي يعتني بالكلاب ويقدم لها الطعام؛ فاستخدم بافلوف بعدها صوت الجرس كمثير قدّمه لكلب التجربة؛ حيث لاحظ عدم ظهور أية استجابة من الكلب حيال هذا المثير، فكانت هذه الخطوة الأولى. وفي الخطوة الثانية قدم صوت الجرس وهو بمثابة مثير محايد ليس له تأثير في سلوك الكلب ثم أتبعه بالطعام والذي يشكل

الهوامش:

[1]- محمد زياد حمدان، نظريات التعلم تطبيقات علم نفس التعلم في التربية، (م.س)، ص 35.

[2]- مصطفى ناصف، نظريات التعلم -دراسة مقارنة-، (م.س)، ص 64-65 –بتصرف.

الصفحة 90

كيف يستجيب له، فكانت الاستجابة من قبل الكلب هي سيلان اللعاب، وكرر العملية عدة مرات حتى أصبح الكلب يستجيب لمجرد سماع الجرس كنتيجة لتكرار الاقتران بينهما. ومن هنا أصبح صوت الجرس مثيرا شرطيا واستجابة سيلان الكلب التي يُحدثها تسمى استجابة شرطية.[1]

مفاهيم الإشراط الكلاسيكي

- المثير الطبيعي أو المثير غير الشرطي: هو حدث أو شيء يمكن أن نشعر به بحيث يثير لدينا ردة فعل معينة، وقد يكون هذا المثير ماديا أو معنويا.[2]

- المثير المحايد: هو المثير أو الحدث الذي ليس له تأثير في سلوك الفرد، ولكن يمكن أن يطور الفرد حياله سلوكا وفقا لمبدأ الإشراط.[3]

- الاستجابة الطبيعية (غير الشرطية): هي كل نشاط يظهر نتيجة لتغير ما في المحيط الخارجي أو الداخلي، فهي جواب وردة فعل على المثير لا تحتاج إلى تعلم.

الهوامش:

[1]- عماد عبد الرحيم زغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، دار الكتاب الجامعي – الإمارات العربية، ط2، 1499هـ-2012م، ص 92 وما بعدها –بتصرف.

[2]- عماد عبد الرحيم الزغلول، نظريات التعلم، دار الشروق، عمان، ط1، الإصدار الثاني: 2010م، ص 52.

[3]- عماد عبد الرحيم زغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، ص 92.

الصفحة 91

- الاستجابة الشرطية: هي الفعل المنعكس غير الطبيعي التي يتعلم الكائن الحي أدائه للمثير الشرطي نتيجة لاقترانه بمثيراتها الطبيعية التي تحدثها.[1]

- التعميم: تعميم استجابة ما على جميع المثيرات التي تتشابه، فكلما زاد التشابه كان احتمال انتقال التعميم كبيرا ويستدعي الاستجابة نفسها.

- الاقتران: ويقصد به التجاور الزمني لحدوث مثيرين أحدهما محايد لا يثير الكائن الحي والآخر يثيره ويؤدي إلى الاستجابة.

- الانطفاء أو المحو: ويعني تلاشي أو توقف ظهور الاستجابة الشرطية المتعلمة للمثير الشرطي. ويحدث هذا عندما يُقدم المثير الشرطي لعدد من المرات دون أن يُتبع بالمثير غير الشرطي، ومثال ذلك سيلان لعاب الكلب توقف عندما توالى تقديم الجرس دون الطعام.[2]

التطبيقات التربوية لنظرية الإشراط الكلاسيكي:

من خلال ما سبق، يمكن استخلاص بعض التطبيقات التربوية لنظرية الإشراط الكلاسيكي في الآتي:

استحضار مبدأ المثير والاستجابة في العملية التعليمية-التعلمية، فكلما استحضرنا المثيرات نحصل على استجابات من قبل المتعلمين. فكل نشاط تعليمي

الهوامش:

[1]- نفسه، ص 93.

[2]- عماد عبد الرحيم زغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، ص 94 -بتصرف.

الصفحة 92

رغم ما قدمه هذا النموذج من إفادات تربوية إلا أنه "غيب خصائص الذات المتعلمة، والفروق الفردية بين المتعلمين، وأغفل كذلك السيرورات العليا للدماغ؛ لأنها 

الصفحة 93

لا تقع تحت الرصد والملاحظة. بل إن واطسون كان يسمي (العقل) بـ(العلبة السوداء)."[1]

النموذج الثاني: المحاولة والخطأ

ينسب هذا النموذج للعالم الأمريكي إدوارد ثورندايك Edward leethorndike (1874-1949) "عالم النفس الذي كان يعمل في جامعة كولومبيا؛ وهو أحد العلماء الأساسيين الذين كان لهم الفضل في ظهور اتجاه في تفسير التعلم، لاسيما مع نشر أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه "ذكاء الحيوان" في عام 1898م. وكتابه "الطبيعة الإنسانية والنظام الاجتماعي" الذي نشر عام 1940م."[2]

عرف عن ثورندايك أنه اشتغل على الذكاء الحيواني، "فقامت تجاربه على بعض الحيوانات كالدجاج والقردة والقطط، وأشهرها تجربة القطة؛ حيث وضع قطة جائعة في صندوق يمكن فتحه من خلال الضغط على رافعة، ووضع خارجه سمك؛ بحيث يشكل مثيرا للقطة من أجل التخلص من حبس الصندوق، فكانت إحدى محاولاتها الضغط على الرافعة وفتح الصندوق فتمكنت من الخروج وأكل السمكة. فكرر ثورندايك العملية فلاحظ أن القطة عاودت استخدام الحركات العشوائية لتتمكن من فتح الصندوق لكن في وقت أقل من سابقه، إذ إن الوقت أصبح يتناقص بشكل

الهوامش:

[1]- سعيد حليم، مدخل إلى علم التدريس، مطبعة آنفو-برانت –فاس، ط1: 2015م، ص 49

[2]- للمزيد ينظر: أنور محمد الشرقاوي، التعلم – نظريات وتطبيقات، (م.س)، ص 50 وما بعدها

الصفحة 94

تدريجي في كل محاولة؛ حتى تمكنت في الأخير من الضغط على الرافعة مباشرة؛ أي تعلمت الاستجابة الصحيحة."[1]

قوانين التعلم في نموذج المحاولة والخطأ:

بين ثورندايك من خلال نظرياته وتجاربه أن عملية التعلم تقع من خلال القوانين الآتية[2]:

- قانون الاستعداد: إذ لابد من دافع يدفع المستهدف للقيام بالفعل.

- قانون التكرار: ذلك معناه أن التعلم يكون بتكرار الفعل.

- قانون الأثر: ومعناه أن الرابطة بين المثير والاستجابة تقوى إذا كانت متبوعة بحالة رضى واطمئنان.

- قانون المران أو التدريب: فالعادة الرابطة بين الاستجابة والمثير تزداد قوة بالممارسة والتكرار، وتضعف بعدم الممارسة وبالإهمال وعدم الاستخدام.

التطبيقات التربوية لنظرية المحاولة والخطأ

المحاولة والخطأ نموذج بيداغوجي أعطى للمتعلم الحق في الخطأ أثناء الأنشطة التعليمية التعلمية، ووجه المدرس نحو استغلال هذه الأخطاء والانطلاق منها لتحقيق الأهداف المنشودة. وفيما يلي بعض التطبيقات لهذا النموذج:

الهوامش:

[1]- عماد عبد الرحيم زغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، ص 98-99 –بتصرف.

[2]- ينظر: سعيد حليم، مدخل إلى علم التدريس، (م.س)، ص 49، -بتصرف. 

الصفحة 95

النموذج الثالث: الإشراط الإجرائي

صاحب هذا النموذج هو العالم الأمريكي بروس فريديك سكينر Burrhus frederic skinner (1904-1990) "ولد وشب في بلدة "سسكيهانا" بولاية بنسلفينا، وتخرج من قسم اللغة الإنجليزية بكلية "هاميلتون"، واهتم بكتابات واطسون وبافلوف، والتحق ببرنامج للدراسات العليا في علم النفس بجامعة هارفرد التي بدأ 

الصفحة 96

سلسلة تجاربه فيها، والتي نتج عنها كتابة عشرات المقالات في المجلات المتخصصة، ثم جمعها في كتاب أطلق عليه اسم "سلوك الكائنات الحية."[1]

أما تجربته فتكمن في وضع حمامة في صندوق بها قرص، وكلما تمكنت الحمامة من النقر عليه تحصل على حبات القمح (التعزيز) فبدأت الحمامة تكرر العملية لخبرتها بنتائجها التعزيزية، وبعد ذلك قام تجربة ثانية حيث وضع حمامة في نفس الصندوق، لكن عند نقرها القرص تصاب بصدمة كهربائية؛ الأمر الذي ترتب عنه التوقف عن النقر تجنبا للعقاب.[2]

استفاد سكينر من تجارب النموذجين السابقين وأبحاثهما واستطاع أن يقدم نظريته التي تقوم على "أن الفرد يتعلم أي شيء إذا حددنا له مكافأة على سلوكه، أو تعلمه."[3]

مفاهيم الإشراط الإجرائي:

- السلوك: هو مجموعة الاستجابات الناتجة عن مثيرات المحيط الخارجي طبيعيا كان أو اجتماعيا.

الهوامش:

[1]- للمزيد ينظر: مصطفى ناصف، نظريات التعلم -دراسة مقارنة-، (م.س)، ص 138، وما بعدها

[2] - ينظر، (م.ن)، ص: 168.

[3]- فارس الأشقر، فلسفة التربية ونظريات في التعلم والتعليم، ط1، 1431هـ-2011م، المملكة الأردنية، ص 133.

الصفحة 97

الهوامش:

[1]- عبد الكريم غريب، معجم علوم التربية، (م.س)، ص 286.

[2]- ينظر: عماد عبد الرحيم الزغلول، نظريات التعلم، (م.س)، ص 96 وما بعدها.

الصفحة 98

التطبيقات التربوية لنظرية الإشراط الإجرائي:

يعتبر تعزيز المتعلم إجراء بيداغوجيا يحفزه على العطاء، ويجعله قادرا على تحقيق الاستجابات المطلوبة، والتي يوجهها المدرس لتحقيق الأهداف المرجوة. ولتحقيق ذلك في العملية التعليمية التعلمية نقترح التطبيقات الآتية:

1) تقديم المعلومات المدرسة في شكل خطوات صغيرة؛

2) إعطاء المتعلم فرصة معرفة نتيجة أدائه إذا كان صحيحا أو غير صحيح؛

3) أن يمارس المتعلم عملية التعليم بالسرعة التي تتناسب وإمكانياته.

الهوامش:

[1]- أنور محمد الشرقاوي، التعلم – نظريات وتطبيقات، (م.س)، ص 79 -بتصرف.

الصفحة 99

المبحث الثاني: النظرية الجشطلتية

في الوقت ذاته الذي كانت فيه المدرسة السلوكية تقوم بتجاربها من أجل تفسير كيفية حدوث التعلم وتحديد قوانينه، ظهر على أيدي مجموعة من الباحثين الألمان في علم النفس تفسيرات للتعلم تختلف تماما عما جاءت به النظرية السلوكية، حيث اهتموا بالعمليات العقلية الخفية التي تسبق السلوك الإنساني، وعلى رأسها الإدراك من حيث اعتباره أساسا من أسس التعلم الذي يحدث بعد عملية الاستبصار، وقد تزعم هذا التوجه العالم الألماني ماكس فيرتيهمر 1988-1943.

يرى أصحاب هذه النظرية أن التعلم ينطلق من الكل قبل الجزء، وأن السلوك يصدر بعد إعادة تنظيم لمختلف عناصر التعلم حسب المواقف المختلفة، وبهذا يختلفون عن النظريات التي جعلت السلوك قابل للتحليل وللقياس عبر ربطه بالمثيرات.

وعليه فإن " الأمر المحوري في نظرية الجشطلت هو الإدراك، والإدراك يكون إجماليا أولا، ثم يتدرج إلى التفاصيل، وبعبارة أخرى لا تفهم التفاصيل إلا في إطار الكل الذي يجمعها، فمنه تأخذ معناها، ومن ترابطها بشكل أو آخر في الكل التي هي أجزاء فيه، يكون لهذه الأجزاء تأثيرها. وإن التعلم هو استبصار في هذا الكل، وفهم حقيقي للعلاقات القائمة بين أجزائه، بحيث يصبح لها معنى، وليس مجرد اشراطات بين مثيرات واستجابات أو ما شابه ذلك"[1]. فما هي أهم مفاهيم نظرية الجشطلت؟ وما هي قوانين التعلم وخصائصه حسب هذه النظرية؟

الهوامش:

[1] - حنان عبد الحميد العناني، سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص192. 

الصفحة 100

مفاهيم في نظرية الجشطلت:

1-             الجشطلت:

الجشطلت مصطلح ألماني يراد به: البينة: أو الشكل، أو الكل، أو الصيغة، أو المجال الذي يقع عليه الإدراك الأولي للشخص. إن مصطلح الجشطلت حسب فيرتمير هو: " كل مترابط الأجزاء باتساق وانتظام؛ بحيث تكون الأجزاء المكونة له في ترابط دينامي فيما بينها من جهة، ومرتبطة مع الكل ذاته من جهة أخرى، فكل عنصر أو جزء من الجشطلت له مكانته ودوره ووظيفته التي تتطلبها طبيعة الكل"[1].

وعرف الباحث يوسف محمود قطامي الجشطلت بأنه: " مجموع الأجزاء لا يساوي الكل؛ إن مجموع الحروف العربية لا توصل إلى كلام أو جمل؛ إن الأحرف لا تساوي الكلمة، فالكلمة أولا ثم الحروف"[2].

ويُعدّ "ماكس فيرتيمر[3] (1880-1943) هو مؤسس هذه النظرية، وقد تبناها كل من كوهلر [4] (1887-1967) في كتابه "عقلية القردة" الذي تحدث فيه عن

الهوامش:

[1] - محمد حرب اللصاصمة، علم النفس المدرسي الحديث، دار الحامد للنشر والتوزيع 2007، ص 153.

[2] - يوسف محمود قطامي، نظريات التعلم والتعليم، (م.س)، ص 79.

[3] - ماكس فريتمر (1880- 1943): ولد بمدينة براجو بألمانيا درس القانون، والفلسفة مع علم النفس في جامعة برلين وحصل على درجته العلمية الجامعية من جامعة فرزبورج سنة 1904، كذلك درجة الأستاذية من جامعة فرانكفورت 1929. كان فريتمر من أوائل الذين هاجروا إلى أمريكا، وصل إلى نيويورك عام 1913 وقضي بها بقية حياته إلى أن وافته المنية بها، وكانت سنوات إقامته بها حافلة الأنشطة والأبحاث التربوية وإن كانت قليلة بالمقارنة مع مؤسسي حركة الجشتطلت كما أجمع المؤرخون. كفاح يحيى صالح العسكري وآخرون، نظريات التعلم وتطبيقاته التربوية، (م.س)، ص 183 بتصرف.

[4] - فولفانج كوهلر (1887-1976): ولـد بمنطقـة البلطيـق، وانتقلـت أسـرته إلى شمــال ألمانيـا حيث تلقى كوهلـر تعليمـه في جامعات كوبنهجن وبون وبرلين، وحصل على إجازته العلميـة مـن جامعـة بـرلين تحـت إشراف كارل سـتمف، وعـام 1913 دعتـه الأكاديميـة الروسـية إلى "تنريـف" وهـي إحدى جزر الكناري لعمل دراسة علـى الـشمبانزي، ثـم حالـت الحـرب العالميـة الأولى دون مغادرته "تنريف" بعد إقامته بها ستة أشهر، وأنجز عمله الرائـع هنـاك "عقليـة القردة"، ثم عاد كوهلر إلى ألمانيا عام 1920، لكنه طُرد منها عـام 1935، ولقد منحت جمعيـة علـم الـنفس الأمريكية كوهلـر جـائزة الإنتـاج والتميـز، وكان لأبحاثه وكتاباته دور كبير في إغناء النظرية الجشطلتية. كفاح يحيى صالح العسكري وآخرون، نظريات التعلم وتطبيقاته التربوية، (م.س)، ص 183 بتصرف.

الصفحة 101

دور الاستبصار في التعلم، واعتبره بديلا للتعلم بالمحاولة والخطأ، كذلك بالنسبة لكوفكا[1] (1886-1941) الذي انتقد في كتابه "نمو العقل" نظرية التعلم بالمحاولة والخطأ"[2] .

وقد اشتهرت النظرية الجشتطلتية بقاعدة «الكل أكبر من مجموع أجزائه»، وهذه أمثلة توضيحية لنظرة الجشطالتين لبعض الأشياء وفق هذه القاعدة[3]:

فالدماغ على سبيل المثال هو أكثر من مجرد مجموعة من الخلايا المكونة له، والألحان الموسيقية أكثر بكثير من مجرد النغمات المتوالية التـي تـتـكـون مـنـهـا،

الهوامش:

[1] - کوفكا (1886- 1941): تلقى تعليمه بألمانيا حيث ولد، ودرس العلوم والفلسفة في شبابه في جامعة أدنبرة (1903. 1904)، وبعد عودته إلى برلين درس علم النفس وحصل على درجته العلمية عام 1909 تحت إشراف كارل ستمف، وبدأ مشواره المهني مع فرتيمر وكوهلر، وفي عام 1911 عمـل بجامعـة جيـشـن بوحـدة للطـب النفـسي حتى عـام 1924، حيث اهـتم بمعالجـة أمـراض الكـلام وحالات الانهيار العصبي، وبعد أن انتهت الحرب العالميـة الأولى أصـبح رواد علـم الـنفس الأمريكـي علـى درايـة بحركـة الجـشتطلت، ومـن ثـم طلـبوا مـن كوفكـا أن يكتـب عـن الجــشتطلت فخـط كتابـه "الإدراك، ومقدمــة لنظريـة الجــشتطلت قـدم فيـه المفــاهيم الأساسية للجشطلت، وعام 1921 نشر كوفكا كتابه "نمو العقل"، وهو كتاب علم نفس الطفل، ولقي نجاحا كبيرا في ألمانيا وأمريكا، ثم عمل كوفكا أستاذا زائرا بجامعة كورنل وسميث عام 1927، وعام 1933 قام بدراسات على شعوب وسط آسـيا، ثـم تـولى بعد ذلك تأليف كتابه "مبادئ علم نفس الجشتطلت. كفاح يحيى صالح العسكري وآخرون، نظريات التعلم وتطبيقاته التربوية، (م.س)، ص 183 بتصرف.

[2] - سعيد حليم، المرجع في كيفية التدريس، (م.س)، ص 152.

[3] - مصطفى ناصف، ترجمة علي حسين حجاج، نظريات التعلم دراسة مقارنة، (م.س)، ص 231-232 بتصرف. 

الصفحة 102

والمربع ليس مجرد مجموع أربعة خطوط مستقيمة متساوية، أو أربع زاويا قائمة، والسيمفونية (قطعة غنائية موسيقية) هي شيء يختلف كل الاختلاف عن مجرد مجموع الأصوات التي تصنعها مجموعة مختلفة من الموسيقيين عن طريق مجموعة من الآلات الموسيقية في آن واحد وفي غرفة واحـدة.

1-                   التركيب أو البنية:

يُقصد بالبنية إدراك العلاقة القائمة بين الأجزاء المترابطة، وهي تتغير بتغير العلاقات الرابطة بين أجزاء الكل"[1]، لذلك "تؤكد النظرية الجشطلتية على أن هناك بنية متأصلة خاصة بالكل أو الجشطلت بحيث تميزه عن غيره وتجعل منه شيئا مميزا ذو معنى أو وظيفة خاصة. وترى أن الأنواع المختلفة من الجشطلت (الكل) تشتمل على قوانين داخلية تحكم عناصرها، إذ إن تغيير أي جزء من أجزائها يؤدي إلى تغير البنية أو الوظيفة أو المعنى، فعلى سبيل المثال تمثل المقطوعة الموسيقية مجموعة نغمات متناسقة ومتكاملة وتعكس بنية لها وظيفة معينة، فإذا تم تغيير إحدى النغمات، فإن هذه المقطوعة تفقد بنيتها أو وظيفتها"[2].

2-              الاستبصار:

الاستبصار" تغير ذهني مفاجئ يحدث للمتعلم بهد وصوله إلى حالة الانتظام الادراكي"[3]. وبناء على هذا المفهوم يمكن تفسير "معارضة نظرية الجشطلت

الهوامش:

[1] - يوسف محمد قطامي، النظرية المعرفية في التعلم، (م.س)، ص 104 بتصرف.

[2] - عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 133.

[3] - يوسف محمد قطامي، نظريات التعلم والتعليم، (م.س)، ص 82 بتصرف.

الصفحة 103

للتفسيرات التي قدمتها النظريات السلوكية لعملية التعلم، ولاسيما التفسيرات التي تنص على أن التعلم مجرد عملية تشكيل ارتباطات جزئية بين مثيرات واستجابات معينة. فالنظرية الجشطلتية ترى أن مثل هذه الارتباطات لا يتم تعلمها على شكل تدريجي، وإنما على نحو مفاجئ وفقا لعملية الاستبصار التي يقوم بها الفرد. وتتضمن عملية الاستبصار إعادة تنظيم الموقف بحيث يستطيع الفرد إدراك العلاقات القائمة في ذلك الموقف واكتشاف بنيته، فالفرد في الموقف المشكل يلجأ إلى تنظيم مدركاته للمنبهات الموجودة فيه والعلاقات القائمة بينها بغية اكتشاف البنية المتأصلة فيه. وترى أن السلوك أو الحل الذي يتم اكتسابه من خلال عملية الاستبصار في موقف ما، يمكن أن يتكرر في ذلك الموقف أو المواقف الأخرى المشابهة، لأن ما يتم تعلمه من خلال هذه العملية ليس مجرد استجابة نوعية خاصة ولكنه علاقة معرفية تنظيمية بين وسائل وغايات.

 تعد تجارب كوهلر على القردة من أشهر التجارب التي أجريت على عملية الاستبصار، ففي إحدى تجاربه، وضع قرداً جائعاً في قفص به موز معلق، بحيث لا يستطيع القرد تناوله مباشرة، وكان في القفص صندوق وعصا، وقد هدف كوهلر من هذه التجربة تحديد ما إذا كان القرد قادراً على إدراك العلاقة بين العصا والصندوق وقطعة الموز، ولاحظ أن القرد حاول لعدة مرات تناول الموز مباشرة، ولكنه فشل في ذلك، مما دفعه إلى الجلوس والتأمل في الموقف المشكل، وكنتيجة لمحاولاته المتعددة التي باءت بالفشل اكتشف القرد أخيرا طريقة الحل، حيث استخدم الصندوق للوقوف عليه، والعصا لإسقاط الموز، وأخذ يكرر مثل هذا السلوك أو 

الصفحة 104

الحل في كل مرة يواجه فيها هذا الموقف، مما جعل كوهلر يستنتج أن القرد توصل إلى الحل بشكل فجائي من خلال عملية الاستبصار، إذ أن القرد كان يجلس بعد كل محاولة ليتأمل الموقف، الأمر الذي مكنه أخيراً من اكتشاف العلاقات القائمة بين عناصره الثلاث وهي الموز والصندوق والعصا"[1].

1-            التنظيم وإعادة التنظيم:

التنظيم هو "العملية التي بواسطتها يتم الكشف عن العلاقة بين أجزاء الجشطلت؛ بحيث تصير العلاقة التنظيمية التي تحكم عناصر البنية موضوعا للتعلم. أما إعادة التنظيم فيحيل على فعل الذات في البنية؛ من خلال إعادة تنظيم مكونات البنية بعد تحقق الفهم والاستبصار حسب خصائص الذات".[2]

2-            الانتقال:

 المراد من الانتقال هو التعميم؛ أي "قدرة المتعلم على نقل فهمه للموقف التعلمي التعليمي عن طريق الاستبصار إلى مواقف تعليمية متشابهة ومتقاربة".[3]

3-            المعنى:

يقوم مفهوم المعنى على أن "التعلم الحقيقي لا يتطلب إقامة ارتباطات تحكمية بين العناصر غير المترابطة. بل إن السياق التعلمي النمـطـي يـنـطـوي عـلـى الانتقال من موقف تكون الأشياء فيه لا معـنـى لـهـا، أو ذلـك الموقف الـذي يكون فيه التحكم

الهوامش:

[1] - عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 133-134.

[2] - سعيد حليم، المرجع في كيفية التدريس، (م.س)، ص 154 بتصرف.

[3] - سعيد حليم، المرجع في كيفية التدريس، (م.س)، ص 154 بتصرف.

الصفحة 105

هو القاعدة السائدة، إلى موقف له معنى تكون فيه العلاقات بين الأجزاء مفهومة وتعني شيئا، فخاصية المعنى أو مفهومه هو ليس مجـرد الارتباط الأعمى"[1]، وعليه يمكن القول بأن المعنى هو "ما يترتب على إدراك العلاقات القائمة بين أجزاء الكل"[2].

1-            الدافعية:

تُعتبر الدافعية الداخلية للمتعلم من أهم عوامل حدوث التعلم، لأن المتعلم إذا شعر برضى على نفسه بعد أن حل مشكلة تعلمية، فإن ذلك بحد ذاته يدفعه نحو مزيد من التعلم لذلك "فإن تحقيق الاستبصار عُدّ من أهم أشكال المكافأة الأصلية في جميع التجارب. وهذا يعني أن اكتساب الفهـم يمثل أهم أشكال هذه المكافأة، ومن هنا ينبغي إبعاد المـكـافـأة الخارجية وأشكال التعزيز غير المرتبطة ارتباطا مباشرا بالتعلمات التي نرغب في تعليمها. فالدافع الأصلي لمحاولة عمل شـيء لـه مـعـنـى مـن شـيء جـديـد كـاف فـي حـد ذاتـه ويؤدي إلى التعلم. أما الدافع الخارجي فمن المحتمل أن يؤدي إلى التشويش والاهتمام بشيء لا علاقة مباشرة بالعمل التعلـمـي ذاته".[3]

2-            الشكل والأرضية:

"إن تركيز علماء نفس الجشطلت على الكليات المتحدة لا يعني أنهم لا يعترفون بالانفصال بين الوحدات، فمن وجهة نظرهم أن الجشطلت «الصورة أو الشكل»

الهوامش:

[1] - مصطفى ناصف، نظريات التعلم دراسة مقارنة، (م.س) ص205.

[2] - يوسف محمد قطامي، النظرية المعرفية في التعلم، (م.س)، ص 104 بتصرف.

[3] - مصطفى ناصف، نظريات التعلم دراسة مقارنة، (م.س)، ص 206.

الصفحة 106

يمكن أن يشار إليه على أنه كل معزول بنفسه أو منفصل عن الكليات الأخرى، ومن هذا التصور للجشطلت وعلاقته بالجشطلتات الأخرى، خرجت فكرة الشكل والأرضية. حيث يشير فرتمير إلى أنه يمكن في بعض الأحيان النظر إلى الجشطلت على أنها كليات متمايزة منفصلة عن الأرضية التي تختلف عن الشكل في إدراك الفرد له على أنه الجشطلت «الصورة أو الصيغة» البارزة المميزة أمام الفرد، أو على أنه الشيء البارز الذي يدرك. في حين أن الأرضية تعتبر الخلفية الأقل تحديدا وتمايزا والتي يظهر عليها الشكل. فمثلا يعتبر اللحن المميز كالعزف على العود - وسط مجموعة أخرى – بمثابة الشكل، لأنه أكثر تمايزا وتحديدا من نغم الآلات الأخرى التي تكون بمثابة الأرضية التي يظهر عليها الجشطلت «الشكل أو الصيغة» مع ملاحظة أن تحديد ما هو شكل وما هو أرضية إنما هو أمر نسبي ويرتبط بظروف معينة؛ لأن مـا يُنظر إليه على أنه شكل في موقف معين قد يصبح هو ذاته أرضية في موقف آخر. مثال ذلك إذا توقف المستمع فجأة عن سماع ذلك اللحن المفضل لديه وتحول انتباهه إلى صوت آخر كصوت صديق له ينادي عليه أو يتحدث معه، فإن صوت صديقه في هذه الحالة يصبح «شكل» ويصبح اللحن الذي كان يستمع إليه جزء من الأرضية".[1]

وفي ضوء ما سبق يتضح أن التعلم حسب النظرية الجشطلتية يحدث كنتيجة لتفاعلات بين علمية الاستبصار والتنظيم وإعادة التنظيم، ثم الانتقال أو التعميم.

الهوامش:

[1] - أنور محمد الشرقاوي، التعلم نظريات وتطبيقات، (م.س)، ص 111. 

الصفحة 107

ولذلك تميز التعلم في النظرية الجشطلتية بمعنى خاص وهو ما سيأتي في المحور الموالي.

مفهوم التعلم في النظرية الجشطلتية وخصائصه:

التعلم عند الجشطالتين هو: "ظاهرة معرفية للكائن الحي يرى الحل بعد التأمل بالمشكلة. فالمتعلم يفكر بكل المكونات اللازمة لحل المسألة ويضعها مع بعضها البعض بشكل معرفي، أو مرة بطريقة، ثم بطريقة أخرى، إلى أن يحل المسألة. وعندما يأتي الحل يأتي فجأة. وبمعنى آخر الكائن يستبصر حل المشكلة"[1].

من خلال هذا التعريف يتبين أن التعلم في النظرية الجشطلتية يقترن بعدة خصائص منها[2]:

-  التعلم يقوم على إدراك البنية الكلية للجشطلت، وليس على أجزائه التي لا معنى لها عند الانفصال.

-  التعلم يتحقق بالإدراك والاستبصار من طرف الذات لموقف التعلم. فلا يتحقق التعلم إلا بعد الانتقال من الغموض إلى الوضوح، ومن حالة اللافهم إلى حالة الفهم العميق لبنية الجشطلت.

-  التعلم يقوم من خلال الاستبصار على التأمل والتدقيق والتـدبر للعلاقة التنظيمية التي تشكل بنية الجشطلت.

الهوامش:

[1] - محمد فرحان القضاه، أساسيات سيكولوجيا التربية، دار الحامد للنشر والتوزيع، 2016، ص 121.

[2] - كفاح يحيى صالح العسكري وآخرون، نظريات التعلم وتطبيقاته التربوية، (م.س)، ص 188؛ سعيد حليم، المرجع في كيفية التدريس، (م.س)، ص 155 بتصرف.

الصفحة 108

-  الاستبصار قد يقع فجأة وقد يتم ذلك عبر مراحل.

- التعلم يسير من العام إلى الخـاص؛ أي مـن الكـل إلى الجـزء. ولـذلك نجـد أن الطفـل يـدرك الجملـة أولا ثـم الكلمـة ثـم الحـرف.

-  الاستبصار قد يكون جزئيا يتعلق ببعض أجزاء البنية، وقد يكـون كليا.

- التعلم يقوم أساسا على فعل الذات في موضوع التعلم. وهذا على عكس ما كان عند السلوكيين الذين جعلوا المتعلم مجرد مستجيب للمؤثرات الخارجية.

-  تهتم الجشتطلت بالكيفية والآليـة الـتي يـتعلم منـها الفـرد أكثـر مـن اهتمامها بنوعيــة التعلم.

- التعلم لا يحدث بالتكرار وإنما بالفهم والاستبصار وهو أدوم وأبقى.

- الاهتمام بـالخبرات الماضـية (الألفـة) في تعلـم الموضـوعات الجديـدة (انتقـال أثـر التعلم).

- التعلم في النظرية الجشطلتية عملية استكشافية من قبل الذات المتعلمة.

الاستبصار هو لب نظرية الجشطلت، وهو يتأثر بعدة عوامل منها: النضج الجسمي؛ النضج العقلي؛ تنظيم المجال؛ الخبرة، ويُعتبر أهم أساس في عملية التعلم، ويقوم على عدة قوانين منها[1]:

قانون التشابه:

إن المتعلم يتمكن من تملك المعارف والمهارات المتقاربة بشكل أسهل وأسرع؛ لأنه يقيس بعضها على بعض، ولاسيما التي تشترك في نفس الخصائص كاللون أو

الهوامش:

[1] - عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، الصفحة 135-137 بتصرف.

الصفحة 109

الشكل أو الحجم، وذلك من خلال جمعها بناء على القواسم المشتركة التي تجمع أجزاءها ومكوناتها، ويبين الشكل أسفله كيفية إدراك الأشياء في ضوء مبدأ التشابه[1]:



(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 110 ضمن النسخة الورقية من الكتاب الموجود في أعلى الصفحة)

 

إن تصنيف المعارف المتشابهة وجمعها حسب خصائصها من شأنه أن يُسهم في ضبطها وسرعة فهمها وتذكرها، كما هو الشأن في الصورة أعلاه، إذ من السهل أن يدرك المتعلم أنها تحتوي على أربعة أصناف من الأشكال، لكن إذا تم النظر إليها عموديا من اليمين إلى اليسار فإن ذلك يكون أصعب من حيث إدراك طبيعة الأشكال وترتيبها بسرعة كما هو الشأن إذا النظر إليها عموديا. 

قانون التقارب:

"يُقصد بالتقارب أن العناصر تميل إلى تكوين مجموعات إدراكية تبعا لموضوعها في المكان، بحيث تكون العناصر الأقرب أيسر في التجميع، ويصدق هذا القانون على التقارب الزماني، فالوقائع الأقرب زمنيا للموقف الراهن يسهل تعلمها وتذكرها"[2]. والشكل أسفله يبين أن الخطوط تميل لأن تُدرك كأعمدة ثلاث، أو ثلاث مجموعات كل مجموعة تتكون من خطين[3]:

(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 111 ضمن النسخة الورقية من الكتاب الموجود في أعلى الصفحة)


الهوامش:

[1] - عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 135 بتصرف.

[2] - حنان عبد الحميد العناني، سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 196 بتصرف.

[3] - يوسف محمد قطامي، نظريات التعلم والتعليم، (م.س)، ص 79.

الصفحة 110


قانون الإغلاق:

يشير قانون الإغلاق "إلى أن إدراك الأشكال شبه المغلقة أو شبه الكاملة على أنها وحدات كاملة أو مغلقة، يكون أكثر من إدراكها على أنها أشكال أو وحدات مفتوحة"[1] كما هو موضح في الأشكال الآتية[2]:


(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 111 ضمن النسخة الورقية من الكتاب الموجود في أعلى الصفحة)


قانون الاتجاه المشترك أو الاتصال والاستمرار:

يُعد مبدأ الاستمرار شكلا من أشكال التعلم، وينص" على أن المنبهات الحسية التي تتصل معاً تبرز في الوعي الإنساني على شكل كلّ منظّم متتابع من الاستجابات؛ أي أن العناصر أو الوحدات أو الاستجابات السلوكية التي تتبع له

الهوامش:

[1] - أنور محمد الشرقاوي، التعلم نظريات وتطبيقات، (م.س)، ص 118-119.

[2] - عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 137.

الصفحة 111

نمطاً أو اتجاهاً أو وثيرة أو طبيعة أو أسلوباً أو تسلسلاً متتابعاً واحداً، يميل الفرد إلى إدراكها معاً بصيغة موحدة منظمـة مفيدة لمجمـل الشكل أو التوجه أو المنهج العام لحدوث الظاهرة البيئية التي بصددها، فالتعلم وفق هذا القانون يبدأ الفرد بالخطوة أو الاستجابة الأولى لتخدم منبهاً لخطوة أو استجابة لخرى، والأخرى منبها لثالثة، والثالثة لرابعة وهكذا حتى انتهاء المهمة المطلوبة، والمثل الصيني الذي يقـول بـأن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، يعني تماماً المبدأ الجشطالتي الحالي؛ أي الاستمرار.و تُعد المهارات اليدوية والفنيـة والمهام المنزلية والدراسية والاجتماعية المتخصصة باختلاف أنواعها ومجالاتها أو توجهاتها، والتي تبدأ بشيء أو سلوك لتنتهي بالنتيجـة المطلوبة دائماً، تطبيق مباشر لمبدأ الاستمرار. واختبارات تكملة الجملة والتجارب أيضاً مثال لاستخدام مبدأ الاستمرار، وكذلك الظواهر التي تفيد التسلسل في الشكل أو الوزن أو اللون أو الحجم هي أيضاً تتبع مبدأ الاستمرار الحالي، يقوم الإدراك الإنساني باستقبالها ووعيها وتبويبها في وحدات منظمة مفيدة معنى وسلوكا"[1]، والأمثلة التالية توضح ذلك أكثر[2]:

(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 113 ضمن النسخة الورقية من الكتاب الموجود في أعلى الصفحة)


الهوامش:

[1] - محمد زيدان حمدان، نظريات التعلم تطبيقات علم نفس التعلم في التربية، دار التربية الحديثة، الجمهورية العربية السورية 1417ه/1997م، ص 101-102 بتصرف.

[2] - محمد زيدان حمدان، نظريات التعلم تطبيقات علم نفس التعلم في التربية، (م.س)، ص 102.

الصفحة 112

إن هذه الأشكال المرسومة وفق مبدأ الاستمرار والاشتراك إذا قُدمت للمتعلم بترتيب مناسب فسيدرك بسهولة أنها تتزايد من حيث الشكل أو الحجم أو اللون؛ أي أنها تسير وتتحرك في اتجاه معين وأنها استمرار لموقف معين، وعليه سيستنج أنها تنتمي إلى مجموعة واحدة وهذا ما يجعل إدراكها أيسر وأسهل بالمقارنة مع الأشكال التي تسير في اتجاهات مختلفة.  


إن من أشهر التجارب في النظرية الجشطلتية تجربة كوهلر التي أجراها على القردة كما هو مبين في الشكل الآتي[1]:

(أنظر الصورة الموجود في الصفحة 114 ضمن النسخة الورقية من الكتاب الموجود في أعلى الصفحة)


الهوامش:

[1] - يوسف محمد قطامي، النظرية المعرفية في التعلم، (م.س)، ص 101.

الصفحة 113

"لقد ذكر كوهلر هذه التجربة في كتابه «عقلية القردة»، وكان قد أجراها على مجموعة من القردة في جزر الكناري، حيث فسر بها تعلم حل المشكلات القائم على الاستبصار. وقد صممت على أساس أن يوضع الموز- وسيلة إشباع دافع الجوع- بعيدا عن الحيوان، ولا يتم إشباع الدافع إلا بعد التمكن من حل المشكلة، والتي لم يسبق أن مرت على الكائن الحي، ومن أمثلة ذلك وضع الموز في أعلى سقف القفص الذي يوجد به القرد، مع وجود صندوق أو صندوقين في طرف القفص تُستخدم للوقوف عليها والحصول على الموز الموجود في الأعلى. وقد يوضع الموز- في بعض التجارب- خارج القفص، ولا يستطيع القرد الوصول إليه إلا بواسطة استخدام عصا أو بعض العصي الموجودة داخل القفص، قصد الاستعانة بها في جذب الموز إليه. هذا بالإضافة إلى بعض التجارب الأخرى التي أجراها كوهلر والتي كانت أكثر تعقيدا من السابقة، وتقوم على نفس الأسس المشار إليها"[1].

إن الملاحظة الأولية لنتائج تجربة كوهلر بينت أن التعلم وفق مبدأ المحاولة والخطأ لم ينجح نسبيا، وأن المحاولات العشوائية التي قام بها القرد باءت بالفشل، وبعد أخذه وقتا كان يتأمل فيه في العناصر (العصا، الصندوق، الموز) المتاحة في القفص، ويحاول أن يجد العلاقات الرابطة بينهما تمكن فجـأة من الجمع بين هذه العناصر، وتوظيفها بشكل صحيح مكنه من الحصول على الموز.

وبناء على ذلك يمكن القول بأن التعلم وفق تجربة كوهلر يحدث من خلال الاستبصار الذي يتطلب "حضور العناصر الضرورية لحل المشكلة بشكل واضح

الهوامش:

[1] - أنور محمد الشرقاوي، التعلم نظريات وتطبيقات، (م.س)، ص 114-115 بتصرف.

الصفحة 114

للكائن الحي، وهذا ما لم يتوفر في تجارب التعلم لدى السلوكيين. وقد وجد كوهلر نتيجة للدراسات التي قام بها أن الحيوان لا يصل إلى حل المشكلة موضوع الدراسة - فجأة فقط، بل غالباً ما كان يصل إلى الحل بشكل فوري عقب فترة تأمل وانتظار يمكث فيها الحيوان وكأنه يفكر في أسلوب جديد لحل المشكلة بعد الفشل في الوصول إلى الحل بواسطة الحلول المألوفة لديه، بما في ذلك رؤية الحيوان للصناديق والعصي، ليس على أنها أدوات لعب وتسلية، ولكن إدراكه لها على أنها وسائل معينة على الوصول إلى الهدف، أي إدراكه للعناصر الموجودة في المجال في علاقتها بموضوع الهدف، بالإضافة إلى إدراكه للعلاقات التي تربط بين هذه العناصر بعضها بالبعض الآخر، حيث إن فترة التأمل والانتظار يمارس فيها الحيوان عملية إعادة بناء المجال التي بمجرد أن تكتمل عناصرها يبدأ في ممارسة سلوك الحل الفوري والفجائي للمشكلة"[1].

v              مقارنة النظرية الجشطلتية مع النظرية السلوكية:

تعتمد النظرية الجشطلتية على الاستبصار الذي يُعتبر من أكبر الإسهامات التي قدمتها النظرية الجشطلتية لسيكولوجيا التربية، ولتوضيح ذلك لابد من إجراء مقارنة بين ما يحدث أثناء التعلم في هذه النظرية، مع ما يحدث أثناء التعلم في النظرية السلوكية.

"ففي إطار النظريات السلوكية يأخذ التعلم صـفـة التدريج، أي يحدث بعد عدة محاولات يتم فيها الارتباط بين المثيرات والاستجابات. عكس ما يقع في نظرية

الهوامش:

[1] - أنور محمد الشرقاوي، التعلم نظريات وتطبيقات، (م.س) 114-115 بتصرف.

الصفحة 115

الجشطلت؛ أي أن التعلم يحدث فجأة، بمعنى أنه قد يحدث من محاولة تسبقها فترة تأمل وانتظار، ويكون التعلم في هذه الحالة أنجع وأفضل لأنه يقاوم النسيان، هذا بالإضافة إلى أنه يتميز بسهولة الانتقال إلى المواقف الجديدة المشابهة للمواقف التي حدث فيها؛ أي أن عملية التعميم على المواقف الأخرى من الخواص الرئيسية التي تُميز التعلم بالاستبصار. وفسر أصحاب نظرية الجشطلت عملية التعلم على أساس أنها عملية إعادة تنظيم للمجال الإدراكي الذي يوجد فيه الكائن، إذ إن إدراك الكائن الحي العناصر والموضوعات الموجودة في المجال الذي يوجد فيه، وكذلك العلاقات التي تربط وتقوم بتنظيم المجال في كُلٍّ، أو في صورة جديدة، هذا الكل أو هذه الصورة هي ما يفسره أصحاب النظرية بالتعلم الذي ينشأ بواسطة عملية الاستبصار، حيث إن المتعلم يرى الموقف ككل بطريقة جديدة تشتمل على الفهم للعلاقات المنطقية بين عناصر الموقف، أو على إدراك العلاقات بين هذه العناصر؛ ولذلك فإن التعلم بالاستبصار يتضمن عمليتين من أهم العمليات العقلية التي يمارسها الفرد في مواقف التعلم، وهما عمليتي الفهم وإدراك العلاقات، وهما خاصيتان لا توجدا في التعلم في النظريات السلوكية التي يتم فيها التعلم على أساس الارتباط بين المثيرات والاستجابات، كما أن هذا النوع من التعلم (الاستبصار) لا يحدث إلا لدى الكائنات الحية التي تقع في المستويات العليا من السلم الحيواني التي تستطيع ممارسة العمليات العقلية العليا"[1].

الهوامش:

[1] - أنور محمد الشرقاوي، التعلم نظريات وتطبيقات، (م.س)، ص 113-114.

الصفحة 116

من أهم التوجيهات التربوية في نظرية الجشطلت ما يلي[1]:

ربط المادة التعليمية بالواقع عن طريق صياغة وضعيات مشكلة.

العمل على استثارة دافع الاستطلاع لدى المتعلم؛ لأن التعزيز في هذه النظرية داخلي، ومتى توصل المتعلم لحل المشكلة يتولد لديه الإحساس بالفهم والمعنى والرغبة في المزيد.

ضرورة تنظيم موقف التعلم بحيث يتمكن المتعلم من اكتشاف وإدراك العلاقات بين الأجزاء.

تقديم الدروس على شكل مواقف تعليمية في أنماط ووحدات جشطلتية ذات معنى.


ويمكن إضافة بعض التطبيقات التربوية من قبيل:

تحديد المعارف والمهارات التي سبق للمتعلم اكتسابها وذلك من أجل ربطها بالمعارف الجديدة وفق قانون الاستمرار.

مراعاة التدرج في بناء المعرفة.

اختيار الأنشطة التي من شأنها أن تحدث خلخلة لتمثلات المتعلمين.

اختيار الأسناد المعينة على تنظيم العلاقات بين مختلف عناصر التعلم.

الهوامش:

[1] - يوسف قطامي، النظرية المعرفية في التعلم، (م.س)، ص 115.

الصفحة 117

الإشارة بشكل عام في بادية الحصة إلى موضوع التعلم المرغوب في تعليمه قبل الخوض في جزئياته، ثم اثارته مرة أخرى في آخر الحصة وفق قانون الإغلاق حتى يتم التأكد من حدوث التعلم.

التركيز على المعارف المنظمة والمتكاملة، واعتماد المقاربة النوعية بدل المقاربة الكمية.

إعطاء الوقت الكافي للمتعلمين من أجل التأمل في المشكلة موضوع التعلم.

لا شك أن كل نظرية إلا وساهمت في تفسير كيفية حدوث التعلم، كما أن لكل منها عيوبها الخاصة التي تختلف بها عن غيرها، ومن أبرز عيوب نظرية الجشتطلت ما يلي[1]:

يربط الجشتطالتيون التعلم بحدوث الاستبصار، "وهو ما لا يمكن التنبؤ بحدوثه في وقت معين، ولا بعدد المحاولات التي سيستغرقها حدوثه. وقد انتقل بافلوف في انتقاده هذا من منطق استحالة حدوث الاستبصار على النحو المفاجئ الذي وصفه كوهلر. ولم يكتف بافلوف بنقده ذاك على الجانب النظري، بل أجرى تجارب على ستة قرود، وخلالها كان يضع القرد في قفص يوجد خارجه طعام، لا يستطيع القرد أن يحصل عليه ما لم يستخدم العصا الملقاة في أحد أركان القفص. فتبين له أن

الهوامش:

[1] - كفاح يحيى صالح العسكري وآخرون، نظريات التعلم وتطبيقاته التربوية، (م.س)، ص 188-189 بتصرف. 

الصفحة 118

قردا واحدا فقط من تمكن من تقديم حل استبصاري، ويذكر (بيرش) أن السبب في ذلك يعود إلى خبرة هذا القرد في التعامل مع الأداة المقترحة.

لم تركز نظرية الجشتطلت بشكل كبير على الخبرات السابقة في مواقف التعلم.

معظم تجارب الجشتطلت اعتمدوا فيها على الحيوانات وأهملوا الإنسان.

ركزت النظرية على الكل والشكل وكيفية الاستبصار دون مراعاة لطبقات ومستويات الإدراك لدى الفرد، وهذا فيه تهميش للفروقات الفردية وتهميش لدور الفرد وما يمتلكه من معارف، وما يقوم به من عمليات عقلية.


أعادت النظرية الجشطلتية الاعتبار للعمليات العقلية التي لم تأخذ حقها الكامل في النظرية السلوكية، ولعل التركيز على مبدإ الاستبصار التي تقوم عليه نظرية الجشطلت خير دليل على ذلك، بالإضافة إلى أن المعرفة المكتسبة بهذه الطريقة تكون أدوم وأبقى، بخلاف التعلم الحاصل كاستجابة لمثير كما هو الشأن في النظرية السلوكية، وبناء على ذلك ينبغي الحرص على صياغة وضعيات تقوم على مبدإ الاستبصار، وفيما يلي بعض التطبيقات التربوية التي يمكن الاستعانة بها لتوظيف مبادئ هذه النظرية على المستوى الفصول الدراسية:

تقوم نظرية الجشطلت على مبدأ الاستبصار، باعتباره الخطوة الأولى لحدوث التعلم، لذلك ينبغي على المدرس أن يكون حريصا على صياغة وضعيات ذات بنية كلية تتضمن أسنادا يستعين بها المتعلم لتنظيم الموقف التعليمي، مع ضرورة استثارة 

الصفحة 119

دوافع المتعلم وإعطاءه فرصة للتأمل في الوضعية وإدراك الفهم الكلي لبنيتها قصد الوصول إلى موضوع التعلم.

ينبغي على المدرس أن يحرص على البدء من العام إلى الخاص ومن الكل إلى الجزء، فالأستاذ على سبيل المثال إذا رغب في تعليم الأطفال بعض القواعد الصوتية، فينبغي عليه أن يبدأ بقراءة المقطع الكلي للنص، مشيرا إلى معناه الإجمالي، ثم ينتقل بعد ذلك إلى الكلمات وبعدها إلى الحروف، موظفا قانون التشابه في تبسيط القواعد الصوتية. وأستاذ اللغة العربية في تعليمه القراءة والكتابة للأطفال الصغار، ينبغي أن يتبع الطريقة الكلية بدلا من الطريقة الجزئية؛ أي البدء بالجمل ثم الكلمات ثم والحروف، فلو أراد أن يعلم الأطفال أحد الحروف فيجدر به أن يضعها في سياق كلي له معنى، كأن يقول في حال رغبته بتدريس حرف الحاء: "أحمد يسبح في البحر "، ويكلف المتعلمين باستخراج الحرف المشترك بين الكلمات (ح)، ثم يخوض فيه بالتفصيل. وعلى المدرس أن يستحضر بأن الفهم في النظرية الجشطلتية ينبغي أن يعمم على المواقف المشابهة، فيقدم بناء على ذلك جملة أخرى، كأن يقول "خرج خالد وأخوه" ويطلب من المتعلمين استخراج الحرف المشترك (خ)، ويكون حينئد أمام حرفين متشابهين ينبغي التمييز بينهما.

الصفحة 120

تستخدم النظرية الجشطلتية في التربية الفنية بحيث يستلزم أن يسبق الكل الجزء؛ لأن الإدراك الكلي يؤثر في تكوين الصورة الجمالية للشيء، فالرسم يعتمد على رسم الهيكل أولا ثم توضيح التفاصيل والأجزاء بالتدريج. ولعل اللوحة الفنية[1] أسفله خير مثال، إذ توحي لمن ينظر إليها نظرة كلية للوهلة الأولى بوجود

ثلاثة وجوه، لكن بعد إمعان النظر يتبين أن عدد الوجوه ستة.


(أنظر الصورة الموجود في الصفحة 121 ضمن النسخة الورقية من الكتاب الموجود في أعلى الصفحة)


ضرورة ربط التعلم بواقع المتعلم من خلال صياغة وضعيات مشكلة دالة ومركبة تضع المتعلم أمام عائق يستدعي التركيز والفهم من أجل تجاوزه، فكلما كانت الوضعيات واقعية كلما زاد اهتمام المتعلمين بها، وكلما كان العائق مثيرا، كلما زادت محاولة المتعلمين من أجل إيجاد حلول مناسبة لها، فالتجربة التي أُجريت على القردة وجعلتهم أمام عائق وهو صعوبة الوصول إلى الطعام (الموز) كانت سببا في استثارة القرد وتركيزه في البحث عن الحل المناسب وهو استخدام الصناديق والعصي لأجل الوصول إلى الطعام.

الاهتمام بالكفايات الممتدة؛ أي العلاقات الموجودة بين مختلف المواد، باعتبار أن المواد تتكامل فيما بينها، فكلما أدرك المتعلم العلاقات بين أجزاء المنهاج، كلما

الهوامش:

[1] - كفاح يحيى صالح العسكري وآخرون، نظريات التعلم وتطبيقاته التربوية، (م.س)، ص 191.

الصفحة 121

كوّن فهما كليا ودقيقا للمادة المعرفية، لذا يجب أن يحرص المتعلم على رصد علاقة مادته بجميع المواد الأخرى، ويشير إلى ذلك بشكل عام في بداية حصصه الدراسية، ثم ينتقل لشرح مادته الخاصة بتفصيل.

الصفحة 122

المبحث الثالث: النظرية البنائية

تعتبر البنائية واحدة من أهم نظريات التعلم، قوامها أن الطفل يكون نشطا في بناء أنماط التفكير لديه، نتيجة تفاعل قدراته الفطرية مع الخبرة.[1]

ويرى "بيلت" (Billett) "أن النظرية البنائية تقوم على فكرة أنه توجد دوافع فطرية لدى الفرد لفهم العالم من حوله، وبدلا من أن يستحوذ أو يستقبل بسلبية المعرفة المسـتهدفة الجديدة، يبني المتعلمون المعرفة بفاعلية عن طريق تكامل المعلومات الجديدة والخبرات مع ما فهموه في السابق، كما يقومون بتعديل وتفسير معارفهم السابقة لتتوافق مع المعرفة الجديدة".[2]

أما "أرنست فون جلاسر سفيلد" (Glasersfeld) فيرى أن البنائية عبارة عن نظرية معرفية تركـز على دور المتعلم في البناء الشخصي للمعرفة.[3]

فالنظرية البنائية هي عبارة عن عملية استقبال للتراكيب المعرفية الراهنة، يحدث من خلالها بناء المتعلمين لتراكيب ومعاني معرفية جديدة من خلال التفاعل النشط بين تراكيبهم المعرفية الحالية ومعرفتهم السابقة وبيئة التعلم.[4]

الهوامش:

[1] - حسن حسين زيتون وكمال عبد الحميد زيتون، التعلم والتدريس من منظور النظرية البنائية، مكتبة طريق العلم، عالم الكتب، ط 1، 1423هـ/ 2003م، ص 14، بتصرف.

[2] - نقلا عن: ناصر بن حمد العويشق، النظرية البنائية وتطبيقاتها في التعليم والتعلم، 1423هـ، ص 04.

[3]- نقلا عن: ناصر بن حمد العويشق، النظرية البنائية وتطبيقاتها في التعليم والتعلم، (م.س)، ص 04.

[4] - حسن حسين زيتون، استراتيجيات التدريس رؤية معاصرة لطرق التعليم والتعلم، عالم الكتب، القاهرة، 2003، ص 212.

الصفحة 123

وفي ضوء ذلك يمكن القول إن مفهوم النظرية البنائية يتضمن ثلاثة عناصر هي: [1]

- العنصر الأول: التراكيب المعرفية السابقة الموجودة لدى المتعلم؛

- العنصر الثاني: المعرفة التي يتعرض لها المتعلم في الموقف التعليمي التعلمي الراهن؛

- العنصر الثالث: بيئة التعلم بما تتضمنه من متغيرات متعددة.

ونتيجة وجود المتعلم في بيئة تعلم اجتماعية فاعلة، يحدث تفاعل نشط بين التراكيب المعرفية السابقة والتراكيب المعرفية الجديدة في مناخ اجتماعي تعلمي، يتولد عن هذا التفاعل بناء معرفة جديدة، ويمكن توضيح ذلك من خلال الشكل التالي:[2]

(أنظر الشكل في الصفحة 124 ضمن النسخة الورقية الموجودة في أعلى الصفحة)

الهوامش:

[1] - نجم عبد الله غالي الموسوي، النظرية البنائية واستراتيجيات ما وراء المعرفة، مكتبة طريق العلم، الرضوان للنشر والتوزيع، ص 39.

[2] - نجم عبد الله غالي الموسوي، النظرية البنائية واستراتيجيات (م.س)، ص 39.

الصفحة 124

نشأة النظرية البنائية وروادها:

منذ الثمانيات في القرن العشرين ظهرت نظرية جديدة في التعلم وهي النظرية البنائية. وتذهب إلى أن عملية التعلم هي عملية نشطة داخلية، يتعلم المتعلم المعاني من خلال ما تعلمه في حل المشكلات والتواصل مع غيره، حتى يتمكن من إيجاد المعاني من خلال المعرفة التي حصلها. واكتسبت النظرية البنائية شعبية كبيرة في السنوات الأخيرة على الرغم من أن فكرتها ليست حديثة، إذ يمكن ملاحظة اتجاهاتها نحو النظرية البنائية من خلال في أعمال كل من "سقراط"، و"أفلاطون"، و"أرسطو"، وجميع الذين تحدثوا عن "تكوين المعرفة"، ويرى كثير من التربويين أن البنائية تكونت نتيجة لجهود عديد من العلماء والفلاسفة، حيث كانت أفكارهم امتدادا للبنائية فيما بعد، ومنهم: الفيلسوف الإيطالي "جيامبتسافيكو" Giambattisa Vico) ) في أطروحته عن بناء المعرفة، حيث يرى أن العقل البشري يبني المعرفة، فلا يعرف العقل إلا ما يبنيه بنفسه. ومساهمات أنصار المذهب النقدي أمثال "كانط" (Kant) الذين يرون أن العقل البشري ينشئ المعرفة وفقا لتصوراته. وجهود المذهب الداروني ومنهم "بييرموري" (P.Moreau) و"روبرت تشمبرز" Chambers)) و"تشارلز داروين" (Charles Darwin)، حيث وضعوا فكرة أن المواءمة بين الكائن الحي والبنية تمثل أسسا للتكيف. ثم مساهمات أصحاب المذهب البرغماتي[1] وعلى رأسهم

الهوامش:

[1] - البرغماتية: "مذهب فلسفي یقرر أن العقل لا یبلغ غایته إلا إذا قاد صاحبه إلى العمل الناجح، فالفكرة الصحیحة هي الفكرة الناجحة أي الفكرة التي تحققها التجربة، فكل ما یتحقق بالفعل حق ولا یقاس صدق القضیة إلا بنتائجها العملیة".

جمیل صلیبا، المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني، بیروت، لبنان، 1982، ج1، ص 203.

الصفحة 125

"جون ديوي" (John Deweys) والذي يرى أن المعرفة آلة وظيفية في خدمة مطالب الحياة، وأنها تنمو وتتطور من خلال اكتساب مزيد من الخبرات. وكذلك أعمال ومساهمات "جان بياجيه"، وهو الذي قدم للبنائية أهم أفكارها حول كيفية اكتساب المعرفة، ويُعد "بياجيه" واضع اللبنات الأولى للبنائية. فالنظرية البنائية تعد نظرية في المعرفة منذ زمن طويل يمتد عبر القرون، وليس غريباً رؤية هذا التكرار من عدة فلاسفة ومنظرين عبر هذا التاريخ، في حين يبقى المُنظّر الحديث الوحيد الذي حاول تركيب هذه الأفكار المتعددة في نظرية متكاملة وشاملة هو العالم "جان بياجيه"، إذ قام بتوحيد الفلسفة وعلم النفس لتحويل انتباه الناس إلى الاهتمام بالتفكير والذكاء لدى الأطفال، وفاتحا الطريق أمام نظرة منظمة جديدة في التربية وعلم النفس.[1] ويعتبر "أرنست فون جلاسر سفيلد" أبرز منظـري البنائيـة المعاصرين.[2]

الهوامش:

[1] - نقلا عن: شاه خالد ناسوتيون، تطوير نموذج تدريس النحو في ضوء نظرية التعلم البنائية، رسالة دكتوراه، قسم تعليم اللغة العربية، كلية الدراسات العليا، جامعة مولانا مالك إبراهيم الإسلامية الحكومية مالانج بإندونيسيا، 2016م، ص 111-112، بتصرف.

ينظر أيضا: زيد سليمان العدوان، أحمد عيسى داود، النظرية البنائية الاجتماعية وتطبيقاتها في التدريس، مركز ديبونو لتعليم الفكر، ط 1، 2016، ص 38 وما بعدها.

[2] - ينظر: ناصر بن حمد العويشق، النظرية البنائية وتطبيقاتها في التعليم والتعلم، (م.س)، ص 05.

الصفحة 126

ومن أبرز رواد النظرية البنائية:

1-            "جان بياجيه Jean Piage" (1896م-1980م): [1]

فيلسـوف وعـالم نفـس سويسـري، طور نظريـة التطـور المعرفي عنـد الأطفال والـذي سـار يعـرف الآن بالإبستمولوجيا التكوينية، وقد أنشأ بياجيه مركز نظرية المعرفة الوراثية في جينيف، ويعتبر رائد المدرسة البنائية في علم النفس.

تجارب بياجيه على الأطفال:

قام جان بياجيه بسلسلة من التجارب لبناء فرضيات نظريته في التطور المعرفي لدى الأطفال، وقد ركز على الطريقة التي تتشكل فيها المفاهيم الأساسية لديهم مثل؛ فكرة العدد، والوقت، والكمية، ولم يصب اهتمامه على قياس مدى قدرة كل طفل على العد، أو التهجئة، أو حل المشكلات لتقدير مستوى ذكائه، وإنما كان الهدف هو تكوين مفهوم عن الآليات والعمليات العقلية التي تؤدي إلى تطور الأطفال منذ لحظة الولادة وحتى سن البلوغ، والتي تنمو بشكل تدريجي نتيجة للنضج البيولوجي والخبرات التي يكتسبها الأطفال من البيئة، مما ساعده على تقديم نموذج للتطور المعرفي يتألف من أربع مراحل وهي؛ المرحلة الحسية والحركية، ومرحلة ما قبل العمليات، ومرحلة العمليات الملموسة أو المادية، ومرحلة العمليات المجردة. وقد اعتمد بياجيه على مفهوم الخطاطات، بتقسيم الأشياء إلى مجموعات حيث افترض

الهوامش:

[1] - عادل بن مساعد الرشيدي، النظرية البنائية، بحث مقدم كأحد متطلبات مقرر الأصول الفلسفية والاجتماعية للتربية، جامعة الملك سعود، كلية التربية، 1436/1437هـ، ص 10 بتصرف.

الصفحة 127

أن الطفل لديه هياكل أولية وراثية، والتي يتم بناء كافة الخبرات والمعلومات التي يكتسبها عليها، ومن أشهر التجارب التي قام بها وفقا لمفهوم الخطاطات، وضع كوبين يحتوي كل منهما على نفس الكمية من الماء وقام بطرح السؤال التالي على ثلاثة أطفال من فئات عمرية مختلفة "هل يحتوي الكوبان على نفس الكمية من الماء؟" ومن ثم كرر نفس السؤال بعد أن سكب كمية الماء الموجودة في أحد الأكواب داخل وعاء، فوجد أن الأطفال الأصغر سنا لا يستطيعون التمييز بأن ما حدث كان مجرد نقل لنفس كمية الماء من الكوب إلى الوعاء، وأن كمية الماء لم تتغير، وقد استخدم بياجيه نفس المفهوم في تجربة أخرى حيث عرض صفان متساويان من المربعات والدوائر على الأطفال، وقام بسؤالهم ما إذا كان الصفان متساويين أم لا، ثم قام بنشر أحدهما على الطاولة وعند سؤال الأطفال وجد أن بعضهم قد استطاع أن يميز بأن العدد نفسه لم يتغير حتى بعد انتشاره والبعض الآخر وهم الأصغر سنا لم يستطيعوا ذلك.[1]

الهوامش:

[1]- نقلا عن: https://2u.pw/hkRbGKy، بتاريخ: 26/10/2023 على الساعة 23:55.

-ينظر أيضا: ترجمة علي حسين حجاج، مراجعة: عطية محمود هنا، نظريات التعلم: دراسة مقارنة، عالم المعرفة، سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1983م، ج 70، ص 281 وما بعدها.

الصفحة 128

ومن ذلك حدد بياجيه مراحل النمو المعرفي في الآتي:[1]

(أنظر الشكل في الصفحة 128-129 ضمن النسخة الورقية الموجودة في أعلى الصفحة)

الهوامش:

[1] - نجم عبد الله غالي الموسوي، النظرية البنائية واستراتيجيات ما وراء المعرفة، (م.س)، ص 49، بتصرف.

-ينظر أيضا: عبد الكريم جاسم العمراني، طرائق وأساليب تعليم مفاهيم العلوم للأطفال قبل المدرسة، دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع، ص 44 وما بعدها.

-يوسف قطامي، النظرية المعرفية في التعلم، (م.س)، ص 240.

الصفحة 129

المفاهيم الأساسية للنظرية البنائية:

ومن أهم مفاهيم النظرية البنائية:[1]

التكيف: هو اتجاه فطري يضم عنصرين وهما: التمثيل والمواءمة، وهو نتيجة التـوازن بـين التمثيل والمواءمة. فالفرد عندما يتعرض لخبرة ما، فإنه إما يتمثلها أو يـتلاءم معهـا. فـإذا وحّدها مع إحدى الصور العقلية التي لديه، فيكون قد تمثلها. وأحيانا تكون من الصـعوبة لدرجة أنه لا يستطيع تمثّلها، فيغيّر تركيب فهمه للعالم حتى يتكيّف مع هذه الخبرة الجديدة، وهذه هي عملية المواءمة. وبذلك يكون الذكاء عند "بياجيه" نوعاً من أنواع التكيف بين الإنسان والحياة عامة، وهو شبيه بالتكيف

الهوامش:

[1] - ناصر بن حمد العويشق، النظرية البنائية وتطبيقاتها في التعليم والتعلم، (م.س)، ص 08.

- ينظر أيضا: نجم عبد الله غالي الموسوي، النظرية البنائية واستراتيجيات ما وراء المعرفة، (م.س)، ص 71.

- خالد المير وآخرون، سلسلة التكوين التربوي، دار الاعتصام، الدار البيضاء، العدد الثاني، ص 33 وما بعدها.

الصفحة 130

-                  البيولوجي. وتتحدد وظيفته في تمثّل الكون مثلما تنحصر وظيفة الكائن الحي في تمثّل البيئة المحيطة به.

الصفحة 131

مبادئ النظرية البنائية:

من مبادئ النظرية البنائية:[1]

الهوامش:

[1]- عادل بن مساعد الرشيدي، النظرية البنائية، (م.س)، ص 10.

الصفحة 132

وقد حدد كمال زيتون مبادئ النظرية البنائية في الآتي:[2]

الهوامش:

[1] - ينظر بتفصيل: خالد المير وآخرون، سلسلة التكوين التربوي، (م.س)، ص 36-37 بتصرف.

[2] - كمال زيتون، التدريس نماذجه ومهاراته، عالم الكتب، القاهرة، ص 19-20.

الصفحة 133

-                  التعلم عملية وجدانية: التعلم الجيد هو الذي يعتمد على الجانب الوجداني، فلابد أن يمتزج الموقف التعليمي بالجاذبية، والتشويق، والفضول، والإثارة، فمثل هذه العوامل تجذب المتعلم بدافعيته نحو التعلم.

-                  يبني المتعلم هويته العلمية: بمعنى أن المتعلم يجب أن يتعرف بمساعدة المعلم على ما يمتلكه من معرفة بالفعل، ليبني فوقها المعلومــات التي يكتسبها، ويحولها لمعرفة تشكل هويته العلمية التي تكون في الأساس نتاجا للخبرات التعليمية التي شارك فيها.

-                  التعلم عملية بنائية ومستمرة: التعلم عملية إبداعية يقوم فيها المتعلم بتنظيم تراكيبه المعرفية، وتعديلها بحيث تؤدي لاكتساب خبرات جديدة المعنى.

مرتكزات النظرية البنائية

وتقوم النظرية البنائية على ثلاثة مرتكزات أساسية وهي:[1]

1-            أن المعنى يبنى ذاتيا من قبل الجهاز المعرفي للمتعلم، ولا يتم نقله جاهزا من المعلم إلى المتعلم، بمعنى أن المعنى يتشكل داخل الجهاز العصبي لدى المتعلم نتيجة تفاعل حواسه مع العالم الخارجي، حيث يتأثر هذا المعنى بخبراته السابقة وبالسياق الذي يحصل فيه التعلم الجديد.

الهوامش:

[1] - الرضواضية صالح محمد، حسن علي بني دومي، عمر حسين العمري، تكنولوجيا وتصميم التدريس، عمان، دار زمزم، ط1، 2011، ص 107-108.

الصفحة 134

1-            أن تشكيل المعنى لدى المتعلم عملية نفسية ديناميكية نشطة تحتاج إلى قدر من الجهد الذاتي العقلي، وهذه العملية تنعكس علـى شخصية المتعلم أما بالارتياح عندما يصبح البناء المعرفي لديه متزنا ومتوافقا أو بالحيرة وعدم الاتزان وذلك حين تتعارض معطيات الخبرة مع ما لديه من بناء معرفي سابق فيصاب بحالة عدم الاتزان وفي هذه الحالة ينشط عقل المتعلم لإعادة التوازن من خلال عدد من الخيارات، فهو إما أن ينكر خبراته ولا يحدث تعلم أو يعدل بناءه المعرفي بحيث يستوعب الخبرة الجديدة ويتواءم معها وهنا يتشكل التعلم ذو المعنى لديه، وإما أن ينسحب من الموقف ولايتهم له وكأن شيئا لا يعنيه.

2-            أن البيئة المعرفية المتكونة لدى المتعلم تقاوم التعديل والتغير بشكل كبير إذ يتمسك المتعلم بما لديه من خبرات حتى وان كانت خاطئة لأنها تقدم تفسيرات تبدو مقنعة له مما يتوجب على المعلم في مثل هذه الظروف اختيار مزيد من الأنشطة التي تؤكد صحة معطيات الخبرة الجديدة وتبين المفاهيم الخاطئة لدى المتعلم.

دور المعلم في النظرية البنائية:[1]

-                  المعلم يعتبر ميسرا وليس ناقلا للمعرفة.

-                  يشجع على التعليم التعاوني.

-                  يعرض ويطرح المشكلات والتساؤلات.

الهوامش:

[1] - عبيد وليم، استراتيجيات التعلم والتعليم، ط 1، دار المسيرة، عمان – الأردن، 2009م، ص 104- 105.

الصفحة 135

-                  يستخدم ويشجع على استعمال تكنولوجيا وبرمجيات التعلم.

-                  يساعد المتعلمين على ربط المعارف الجديدة بمعارفهم السابقة.

-                  يشجع المرونة العقلية وحسن إدارة الوقت واستثماره للوصول الى النتائج.

-                  لا يحكم على المتعلمين بالفشل بل يتخذ من مواطن أخطاءهم طرقا تحفزهم للبحث عن الطرق الصائبة.

-                  يوفر بيئات ومناخ تعلم مناسبا فردي وتعاوني.

-                  يمد المتعلمين بمصادر ومواقع تعلم مناسبة.

-                  يقوِّم المتعلمين على أساس تقدمهم بالنسبة لأنفسهم.

دور المتعلم في النظرية البنائية:[1]

-                  المتعلم النشيط: وهو المتعلم الذي يقوم بدور فعال ليكتسب المعرفة ويفهمها معتمدا على ذاته؛ أي يجب أن يكون دور المتعلم ايجابيا فهو يطرح الأسئلة ويناقش ويناظر ويفترض ويبحث بدلا من أن يستمع ويقرأ.

-                  المتعلم الاجتماعي: وهو المتعلم الذي يبني المعرفة وسط مجموعة من الأقران ويتبادل معهم المعلومات والأفكار ويتجادل حتى يصل إلى حلول مع إثبات صحتها.

الهوامش:

[1] - اليماني عبد الكريم علي، استراتيجيات التعلم والتعليم، عمان، زمزم ناشرون، 2009، ص 49.

الصفحة 136

-                  المتعلم المبدع: وهو المتعلم الذي يعيد بناء المعرفة وينظم الموقف التعليمي تنظيما جديدا للوصول إلى اكتشافات جديدة.

دور البيئة الصفية في النظرية البنائية:[1]

إن تبني البنائية في التعلم والتعليم يترتب عليه تحولات وتوجهات مهمة في المناهج، وأدوار المعلم والمتعلم، ولذلك تشير الدراسات التربوية الحديثة إلى ضرورة تهيئة بيئة الصف البنائية، وبيئة المتعلم البنائية في ضوء الاقتراحات الآتية:

 

-                  بيئة صف تقبل استقلالية وذاتية الطالب وتشجعها.

-                  بيئة صف يطرح فيها المعلم أسئلة مفتوحة النهاية ويسمح بزمن تفكير لتلقي الإجابات والمقترحات.

-                  بيئة صف تشجع المستويات العليا من التفكير.

-                  بيئة صف ينشغل فيها المتعلمون بالحوار والمناقشات والمناظرات العلمية مع المعلم، ومع بعضهم البعض.

-                  بيئة صف تشجع المتعلمين للانخراط والانهماك في الخبرات التي تتحدى الفرضيات من جهة، وتشجع المناقشات من جهة أخرى .

الهوامش:

[1] -زيد سليمان العدوان، أحمد عيسى داود، النظرية البنائية الاجتماعية وتطبيقاتها في التدريس، (م.س)، ص 54.

الصفحة 137

-                  بيئة صف يستخدم فيها المتعلمون البيانات الخام والمصادر الأولية، والموارد المادية المتفاعلة لتزويد الطلاب بالخبرات بدلا من استخدام بيانات الآخرين والاعتماد عليها فقط.

الأهداف والمحتوى واستراتيجيات التدريس والتقويم في النظرية البنائية:

-                  الأهداف التعليمية:

تصاغ وفقا للنموذج البنائي في صورة مقاصد عامة تحدد من خلال عملية مفاوضة اجتماعية بين المعلم والطلاب، بحيث تتضمن مقصدا عاملا لمهمة التعلم يسعى جميع الطلاب لتحقيقه، بالإضافة إلى مقاصد ذاتية شخصية تخص كل تلميذ أو عدة تلاميذ كل على حدة. [1]

-                 المحتوى:

غالبا ما يكون محتوى التعلم وفقا للنموذج البنائي في صورة مهام أو مشكلات حقيقية ذات صلة بحياة التلاميذ وواقعهم. أما بالنسبة للنموذج التقليدي فمحتوى التعلم غالبا ما يكون في صورة برامج تعليمية على شكل أطر أو وحدات تعليمية، وفي الغالب يكون المحتوى مرتبطا ارتباطا وثيقا بالأهداف السلوكية متدرجا في الصعوبة ويغطى عناصر موضوع التعلم. [2]

الهوامش:

[1] - حسن حسين زيتون وكمال عبد الحميد زيتون، (م.س)، ص 64 وما بعدها.

[2] - حسن حسين زيتون وكمال عبد الحميد زيتون، التعلم والتدريس من منظور النظرية البنائية، (م,س)، ص 64 وما بعدها.

الصفحة 138

-                 استراتيجيات التدريس:

تعتمد استراتيجيات التدريس وفقا للنموذج البنائي غالبا على مواجهة الطلاب بموقف أو مشكل حقيقي، يحاولون إيجاد حلول له من خلال البحث والتنقيب.[1]

-                 التقويم:

يعد التقويم من التحديات التي تواجه البنائيين، وفي هذا لا يتحمس البنائيون لنمطي التقويم المحك أو معايير المحك، كما أنهم أيضاً غير متحمسين لفكرة الاقتصار على الاختبارات الموضوعية التي تقيس مدى معرفة المتعلم بالمعرفة الموضوعية التي درسها، وبالتالي ليس للاختبارات الموضوعية مكان لتقويم نواتج التعلم البنائي المعرفي، وعلى الرغم من أنه لا توجد صيغة متكاملة متعمدة لتقويم التعلم البنائي إلا أن هناك اقتراحات تتعلق بتحديد أهداف التقويم ونتاجات التعلم وسياق التقويم ومعاييره والمشاركين، وبالتالي استخدام أساليب وأدوات التقويم الحقيقي كما في تقييم الأداء والملاحظة، والمقابلات، وكتابة التقارير، والتقويم الذاتي وتقويم الاقران، وفى هذا يتم تقويم نتاجات التعلم ومخرجاته.[2]

أهمية النظرية البنائية:

وتتجلى أهمية النظرية البنائية في:[3]

الهوامش:

[1] - ينظر: ناصر بن حمد العويشق، النظرية البنائية وتطبيقاتها في التعليم والتعلم، (م.س)، ص 18.

[2] - عادل بن مساعد الرشيدي، النظرية البنائية، (م.س)، ص 16 بتصرف.

[3] - نجم عبد الله غالي الموسوي، النظرية البنائية واستراتيجيات ما وراء المعرفة، (م.س)، ص 42.

الصفحة 139

-                  جعل المتعلم محوراً للعملية التعليمية بصورة فعلية، فهو الذي يبحـث ويجرب ويكتشف حتى يصل إلى النتيجة بنفسه.

-                  تدريب المتعلم على القيام بدور الباحثين والعلماء، مما ينمي لديه الاتجاه الإيجابي نحو العلم.

-                  إتاحة الفرصة للمتعلم لممارسة عمليات التعلم المختلفة، كالملاحظة والاستنتاج والقياس وغيرها من عمليات العلم.

-                  إتاحة الفرصة للمتعلم للمناقشة والحوار مع غيره من المتعلمين، ومع المعلم مما يكسبه لغة الحوار السليمة، ويجعله نشطاً وإيجابياً.

-                  الربط بين العلم والواقع مما يتيح الفرصة أمام المتعلمين لرؤية أهمية العلم بالنسبة للواقع الذي يعيشون فيه وحل مشكلات المجتمع.

-                  إتاحة الفرصة للمتعلمين للتفكير في أكبر عدد ممكن من الحلول للمشكلة الواحدة مما يجعل المتعلمين في حالة تفكير مستمر، مما يؤدي إلى تنمية أنماط التفكير المختلفة لديهم.

-                  إتاحة الفرصة للمتعلمين لتصحيح المفاهيم الخاطئة، وذلك من خلال جلسات الحوار التي يعقدونها مع المدرس.

-                 تنمية روح التعاون لدى المتعلمين من خلال العمل في مجموعات، والعمل بروح الفريق الواحد.

الصفحة 140

الانتقادات الموجهة للنظرية البنائية:

ومن الانتقادات الموجهة للنظرية البنائية:[1]

-                  تجزئة مراحل النمو وفصلها عن بعضـها البعض في شـكل فـترات مسـتقلة، تعتمـد أساسا على التحديد العمري، مرورا بالخصائص الذهنيـة لكـل مرحلـة، وانتهـاء بنواتجهـا المحتملة والمفترضة، وكأن الفرد موضوع هذه التجزئة ثابـتا لا يتغـير مهـما كانـت الظروف المحيطة به، فالعالم "بياجيه" اعتبر تقسيمه العلمي نموذجا عالميا يحتذى به والواقع يناقض توجهه. ولذلك يمكن اعتبار النظرية البنائيـة مفتقـرة إلى المرونـة في هذا المستوى ولا تلائم كل الأوساط الثقافية والاجتماعية، وبالتالي لا يمكن اعتمادها في مجال التعلم الإنساني بمعناه الكوني، وفيما عـدا ذلـك تظـل أعـمال "بياجيـه" ذات قيمة ثابتة في مجال التربية والتعليم.

-                  عند الأخذ بهذه النظرية فنحن نحتـاج إلى وقـت كبـير فـلا يوجـد طالبـان لـديهم معرفة واحدة.

-                  صعوبة التعرف على المعارف السابقة عند المتعلم ومدى صحتها.

الفرق بين الطريقة التقليدية والبنائية:[2]

(أنظر الجدول في الصفحة 141 -142 ضمن النسخة الورقية الموجودة في أعلى الصفحة)

الهوامش:

[1] - زيد سليمان العدوان، أحمد عيسى داود، النظرية البنائية الاجتماعية وتطبيقاتها في التدريس، (م.س)، ص 58.

[2] - نجم عبد الله غالي الموسوي، النظرية البنائية واستراتيجيات ما وراء المعرفة، (م.س)، ص 80.

الصفحة 141

لذلك وفقا للتدريس البنائي يؤكد بياجيه على:[1]

-                  جعل المتعلم يكوِّن المفاهيم ويضبط العلاقات بين الظواهر، بدل أن يستقبلها عن طريق التلقين.

-                  جعل المتعلم يكتسب السيرورات الإجرائية للمواضيع قبل بنائها رمزيا.

-                  جعل المتعلم يضبط بالمحسوس الأجسام والعلاقات الرياضية، ثم الانتقال به إلى تجريدها بالاستدلال الاستنباطي.

الهوامش:

[1]- Paiget , Psychologie et pédagogie, Paris, Denoel/ Gonthier, 1969, p 43.

ترجمة نقلا عن: خالد المير وآخرون، سلسلة التكوين التربوي، (م.س)، ص 40.

الصفحة 142

-                  تنمية سيرورات الاستدلالات الفرضية والاستنباطية الرياضية بشكل يوازي تطور المراحل النمائية لسنوات التدريس.

-                  إكساب المتعلم مناهج وطرائق التعامل مع المشاكل، وجمع المعطيات واستثمارها، وبلورة النتائج في صيغة قضايا وقوانين.

-                  تعويد المتعلم على المقاربة الاستكشافية عوض الاستظهار العقيم للأفكار والنظريات.

-                  تدريب المتعلم على التعامل مع الخطأ كخطوة في اتجاه المعرفة الصحيحة، وتمكينه من المراقبة والتقويم الذاتي، كشكل من أشكال التجاوز والنفي، وإقصاء الاضطرابات والتناقض كعوائق.

-                  إكساب المتعلم الاقتناع بأهمية التكوين الذاتي، اعتمادا على تبني منطق التفكير والاستدلال وإلغاء المعرفة المشوشة.

 

التطبيقات التربوية للنظرية البنائية:

تشكل النظرية البنائية، أهمية على المستوى التربوي، حيث تعين المدرس على تنويع الاستراتيجيات والطرق التربوية لبناء التعلمات، وتحقيق التفاعل الصفي، والمشاركة الإيجابية من المتعلمين في بناء الدروس وضبطها، لذلك سيتم عرض بعض النماذج التي تبرز كيفية تطبيق النظرية البنائية في التدريس وهي كالآتي:

الصفحة 143

-                  عرض وضعية مشكلة ومحاولة جعل المتعلمين يتفاعلون معها من خلال إبداء آرائهم المؤيدة والمعارضة، لاستنباط تمثلاتهم حولها، ومن خلال هذه التمثلات يتم بناء الدرس بدعم الخاطئة منها وتعزيز الصحيحة، وبالتالي يبني المتعلم معارفه انطلاقا من ذلك.

-                  إشراك المتعلمين في بناء مفهوم معين، من خلال مناقشته وطرح أفكارهم حوله، ومحاولة الجمع بين مقترحاتهم لاستنتاج مفهوم جماعي.

-                  طرح أسئلة على المتعلمين حول موضوع معين يكون مشابها لموضوع الدرس المراد إنجازه، واستنباط أفكارهم حوله، ومناقشة هذه الأفكار لإبراز الصحيح من عدمه، ثم بعد ذلك يتم طرح موضوع الدرس ليتم بناء المعرفة الجديدة انطلاقا من استنتاجاتهم للدرس السابق.

-                  التدريس بالأقران، وذلك بتكليف متعلم لتقديم درس معين، وفق معايير يتم الاتفاق عليها، ليكون الدرس وفقها، ويناقش المتعلم محاور الدرس مع زملائه بتوجيه المدرس وإرشاداته، حتى يتم بناء الدرس جماعيا.

-                  التدريس بالتدرج، وذلك بتقديم جزء معين من الدرس على أساسه يتم بناء باقي العناصر الأخرى، يتم فهمه جيدا ومناقشته، ثم محاولة الانتقال إلى المقطع الثاني والربط بينه وبين الأول، وهكذا حتى يتم الوصول إلى نهاية الدرس وضبطه وفق تعليم بنائي.

الصفحة 144

المبحث الرابع: النظرية السوسيو بنائية

نشأة النظرية السوسيو بنائية:

يعتبر التصور السوسيو-بنائي للتعلّم امتدادا وتطويرا لنظرية بياجيه البنائية. وقد قام عالم النفس الروسي المعاصر لبياجيه، ليف سيميونوفيتش فيكوتسكي Lev Semionovitch Vygotski (1896- 1934) بوضع أسس هذه النظرية في محاولة منه لتجاوز نقاط الضعف في نظرية بياجي البنائية التي كانت ترى أن بناء المعرفة يتم بشكل فردي ومستقل، بينما فيكوتسكي، وانطلاقا من "التأكيد على أهمية رؤية الطفل كعنصر فاعل في المجال الاجتماعي والثقافي، يقدم تصويبا لآراء بياجيه، معتبرًا أن الفكر والفعل مرتبطان بشكل لا ينفصل عن سياق اجتماعي معين، وأن التفكير هو عملية جماعية قائمة على التفاعل".[1] بحيث يتم التركيز في هذه النظرية على التفاعل بين المتعلم ومحيطه الاجتماعي.

المفاهيم الأساسية للنظرية السوسيو بنائية:

المتعلم: نظر فيكوتسكي إلى المتعلم/الطفل باعتباره باحثًا نشطًا عن المعرفة وهو يلتقي في هذا التصور مع بياجي. بيد أن فيكوتسكي يؤكد على أن تفكير

الهوامش:

[1]- Jonathan Michie, Reader’s Guide to The Social Sciences, Routledge, V 1, 2000, p 181.

الصفحة 145

الأطفال يتأثر بالسياقات الاجتماعية والثقافية. كما أنه يعتبر الأطفال جزءًا من المجتمع ومتعاونين مع البالغين في تعلّمهم.[1]

المتعلم الاجتماعي: تتولد المعرفة لدى المتعلم وفق هذا المفهوم في سياقات اجتماعية وليس في سياقات فردية. وعن طريق مناقشة الآخرين. كما تعتبر السياقات الاجتماعية هي مواقف مناسبة لتطور بنى المتعلم المعرفية عن طريق التفاعل.[2]

مفهوم السند المعرفي Cognitive Scaffolding:

يحيل المفهوم على دور الراشد أو المعلم في جعل الطفل أو المتعلم المبتدئ، قادراً على حل المشكلة التي تفوق قدراته الفردية. وتظهر أهمية السند أو الدعم المعرفي في السيطرة على مكونات المهمة التي تفوق قدرة أداء المتعلم المباشرة. وبالتالي فمفهوم السند المعرفي يصف العمليات الذهنية المعرفية والتغيرات المرتبطة بها، والتي يتوقع حدوثها أثناء تلقي المتعلم تعليماً محدداً.[3]

منطقة النمو القريب Zone Of Proximal Development:

ويقصد بها النطاق الفاصل بين المهام التي يتقنها الطفل ويمكن أن يؤديها بشكل مستقل، والمهام التي يمكن للطفل أن يتقنها، لكن بمساعدة شخص راشد أو

الهوامش:

[1]- Alan Slater and Gavin Bremner and others, An Introduction to Developmental Psychology, British Psychological Society and John Wiley & Sons Ltd, Third Edition, 2017, p 330.

[2] - يوسف قطامي، النظرية المعرفية في التعلم، (م.س)، ص 552.

[3]- يوسف قطامي، نظريات التعلم والتعليم، (م.س)، ص 368.

الصفحة 146

أقران أكثر خبرة. ويتم تحديد الحد الأدنى من خلال المهارات والقدرات التي طورها الطفل بالفعل، في حين يتم تحديد الحد الأعلى من خلال المهارات والقدرات التي يكون الطفل على وشك تطويرها.[1]

وفي هذا الإطار ميز فيكوتسكي بين مستويين من مستويات النمو المعرفية:[2]

مستوى النمو الفعلي Actual Development Level‏:

ويشير إلى المستوى الذي يستطيع الطفل من خلاله إنجاز المهمة بنجاح بشكل مستقل، أي بدون مساعدة من المعلم أو أي راشد آخر.

مستوى النمو المحتمل Potential Development‏:

ويشير إلى المستوى الذي يستطيع الطفل من خلاله أن ينجز المهمة بنجاح بمساعدة الآخرين له.

مبادئ التعلم في السوسيو-بنائية:

دور اللغة في التعلم:

اعتبر فيجوتسكي اللغة بمثابة الأداة النفسية الأكثر أهمية في النمو المعرفي. فعلى عكس بياجيه، الذي اعتقد أن الحديث مع الذات هو انعكاس للصعوبة التي

الهوامش:

[1]- Jonathan Michie, Reader’s Guide to The Social Sciences, op.cit, p 1340.

[2]- ثائر غباري وخالد محمد، سيكولوجيا النمو الإنساني بين الطفولة والمراهقة، مكتبة المجمع العربي، عمان، ط 1، 2015، ص 181.

الصفحة 147

يواجهها الأطفال. جادل فيجوتسكي بأن الأطفال ينخرطون في الحديث مع الذات كشكل من أشكال التوجيه الذاتي. فحينما يتقن الأطفال استخدام اللغة، فإنهم لا يستخدمون اللغة كوسيلة للتواصل مع الآخرين فحسب، بل أيضًا لتوجيه تفكيرهم وسلوكهم. ففي البداية يتحدث الأطفال مع أنفسهم بصوت عالٍ، ومع اكتسابهم المزيد من الخبرة في أداء المهام المنوطة بهم (مثل التصنيف وحل المشكلات)، يستوعبون خطابهم الموجه ذاتيًا، ويسمي فيجوتسكي هذا الخطاب 'الخطاب الخاص private speech'. وفي نهاية المطاف، يصبح هذا أداة وسيطة للتفكير والتخطيط لدى الطفل.[1]

إن اللغة حسب فيجوتسكي تزود الطفل بطرق للتعبير عن الأفكار وطرح الأسئلة، وهي وعاء لاستيعاب المفاهيم اللازمة للتفكير. فعند النظر إلى مشكلة ما، فإننا بشكل عام نفكر بكلمات وشبه جمل. ولذلك أكد فيجوتسكي كثيراً على دور اللغة في النمو المعرفي. ويعتقد فيجوتسكي أن اللغة في شقها المرتبط بالحديث مع الذات (التفكير) تعمل على توجيه النمو المعرفي.[2]

الهوامش:

[1]- Alan Slater and Gavin Bremner and others, An Introduction to Developmental Psychology, op.cit, p 331.

[2]- ثائر غباري وخالد محمد، سيكولوجيا النمو الإنساني بين الطفولة والمراهقة، (م.س)، ص 184.

الصفحة 148

الحديث مع الذات والتعلم:

بما أن الحديث الذاتي يساعد المتعلمين على تنظيم أفكارهم فإنه يصبح من المعقول السماح لهم، بل وتشجيعهم باستخدامه في المدرسة مع الإصرار على استخدامه بصمت تام وخاصة مع الأطفال الصغار الذين يحاولون حل معضلة صعبة، حيث إن الصمت التام يجعل العمل شاقا، وربما يلاحظ أنه كلما ازدادت تمتمة ‏Muttering الأطفال فإن ذلك مؤشر على أنهم بحاجة لمساعدة أكثر. وهناك طريقة تعرف بالتوجيه المعرفي الذاتي Cognitive Self-instruction وهي تعليم المتعلمين استخدام الحديث الذاتي لتوجيه التعلم. فعلى سبيل المثال؛ يتعلم المتعلمون إعطاء أنفسهم إشارات تذكرهم بضرورة الحذر والحرص والتباطؤ في حل المسائل الحسابية.[1]

المحادثة التعليمية:

إن الفهم والتعلم الفعّال حسب فيكوتسكي يتطلبان التفاعل والمحادثة. إذ يحتاج المتعلمون إلى بذل مجهود في حل المشكلات في منطقة النمو القريب، وهم بحاجة إلى المساندة التي سيحصلون عليها من خلال التفاعل مع المعلم أو المتعلمين الآخرين، وتزود المحادثة التعليمية المتعلمين بهذه الفرص. وسميت بالمحادثة التعليمية لأنه قد تم التخطيط لها كي تستشير المتعلم، غير أنها ليست محاضرة أو مناقشة تقليدية يسيطر فيها المعلم على الموقف التعليمي، فهدف المعلم هو إشراك

الهوامش:

[1] - ثائر غباري وخالد محمد، سيكولوجيا النمو الإنساني بين الطفولة والمراهقة، (م.س)، ص 184.

الصفحة 149

جميع الطلبة في المناقشة، وهكذا يصبح المعلم مجرد موجه يساعد الطلبة في تحديد طريقة فهمهم للمشكلة.[1]

منطقة النمو القريب وعملية التعليم والتعلم:

من خلال التأكيد على الطبيعة الاجتماعية للنمو، يتبين أن نظرية فيكوتسكي ليست مجرد نظرية للتعلم، بل إنها أيضًا نظرية للتدريس، ذلك أن اللغة هي الوسيلة الرئيسية لتبادل المعرفة في السياقات الرسمية مثل المدارس، وبشكل غير رسمي في المنزل. يوجه الراشدون تَمثُّل الطفل للعالم منذ ولادته، ويُعدّ وجود آخرين أكثر دراية شرطًا حاسمًا لتطوير الوظائف العقلية العليا.[2] وقد "افترض فيجوتسكي في معرض حديثه عن مستوى النمو الفعلي ومستوى النمو المحتمل أن عقل الطفل ينمو حينما يتم مواجهته بتغيرات جديدة ومحيرة فيقوم بنشاط ذهني لحل هذه التناقضات ويبني معاني جديدة جراء ما يقوم به من حل لهذه التعارضات، ويقوم في هذه الحالة بربط المعرفة القديمة لديه بالمعرفة الجديدة ضمن سياقات اجتماعية. كما أن تفاعل الطفل الاجتماعي مع الآخرين يحثه على بناء أفكار جديدة ويطور نموه الذهني وفق مستويين وهما مستوى النمو الفعلي ومستوى النمو المحتمل (Level Of Potential Development)، ويحدد مستواه الفعلي أداؤه الوظيفي الذهني معتمدا

الهوامش:

[1]- ثائر غباري وخالد محمد، سيكولوجيا النمو الإنساني بين الطفولة والمراهقة، (م.س)، ص 185.

[2]- Alan Slater and Gavin Bremner and others, An Introduction to Developmental Psychology op.cit, p 627.

الصفحة 150

على نفسه وقدراته على التعلم والمعالجة، والبناء وفق ما تسمح به استعداداته وما يلاقيه من سند أو دعم ذهني من الآخرين.

فالطفل عميل لأبنيته ولمنطقته المعرفية، فهو يبني معارفه وخبراته بنفسه، ويحدث التعلم البنائي نتيجة تفاعل الطفل الاجتماعي مع معلميه ورفاقه، ويترتب على ذلك تقدم المنطقة النمائية المحورية التقريبية، ويحدث البناء الجديد للخبرة الجديدة، بينما يواجه الطفل بتحديات مناسبة من قبل الرفاق (الذين حققوا نموا أكبر) والمعلمين، وأن الطفل يصوغ معانيه من خلال التفاعل الاجتماعي، وأن التعلم التعاوني المستخدم وفق ذلك يكون متوافقا مع نظرية العقل، فالتحدث والتبادل والمناقشة مع الآخرين يبلور ويطور أبنيتنا، لأن الطفل له استعداد بيولوجي لتعلم للغة والتواصل مع الآخرين وتبادل خبراته معهم".[1]

ومع تطوير مهارات جديدة على مستوى أعلى من الإتقان، يزداد المستوى الفعلي والمستوى المحتمل للنمو. ومن ثم؛ فإن نطاق منطقة النمو القريب بأكمله ديناميكي ويتحرك مع النمو. فعلى عكس نظرية بياجيه التي يكون فيها الطفل على نفس مستوى التفكير في جميع المجالات، اقترح فيكوتسكي أن كل مجال (مثل القراءة والرياضيات) له منطقة ديناميكية خاصة به. ومن ثم، في مجال معين، قد تكون

الهوامش:

[1]- يوسف قطاني، النظرية المعرفية في التعلم، دار المسيرة للنشر والتوزيع، ط 1، 2013، ص 550-551.

الصفحة 151

منطقة طفل واحد أبعد من منطقة طفل آخر، بينما في مجال مختلف قد تكون هي نفسها.[1]

إن لمفهوم منطقة النمو القريب في طياته معنيين مهمين:[2]

 أولاً: يصف التعلم من خلال التوجيه أو المساعدة باعتباره جزءًا طبيعيًا ولكنه مهم من النمو، لأن قدرة الطفل العقلية تصبح في نهاية المطاف قدرة داخلية من خلال التفاعل المناسب.

 ثانياً: يفترض أن التعلم يمكن أن يصبح أكثر فعالية من خلال أنسب أشكال التدريس. يجب أن يوجه التدريس نحو تلك الجوانب من الأداء المعرفي للطفل التي تكون في حالة نمو نشطة (أي منطقة النمو الخاصة به)، وليس نحو تلك الموجودة بالفعل. والسؤال الأساسي هنا هو ما إذا كان بإمكان الراشدين أن يعرضوا تدخلاتهم على المستوى المناسب عند التفاعل مع الأطفال، أو يفعلون ذلك بالفعل، حتى يصبحوا معلمين فعّالين. (...) ويعتبر السند المعرفي (Scaffolding) الوسيلة التي يقوم بها الراشدون ببناء وتبسيط البيئة لتسهيل تعلم الأطفال وتوجيههم في منطقة النمو القريب الخاص بهم. وقد يحدث السند المعرفي في مجموعة متنوعة من

الهوامش:

[1]- Alan Slater and Gavin Bremner and others, An Introduction to Developmental Psychology, op.cit, p 331.

الصفحة 152

السياقات، وعلى سبيل المثال من خلال الإشارة إلى القطعة التالية في أحجية الصور المقطوعة.

كما يمكن للمدرسين وضع منطقة النمو القريب في الاعتبار أثناء تخطيطهم للدروس، وتحديدهم للمهام التي لا يستطيع الأطفال القيام بها دون مساعدة لتحقيق أقصى قدر من مكاسب التعلم المحتملة. كما يجادلون أيضًا بأنه يجب على المعلمين اعتماد مقاربة طرح الأسئلة في ممارساتهم، والتحقق من أنهم يقومون بالتدريس ضمن منطقة النمو القريب الخاصة بطلابهم وتقديم الدعم الأكثر فعالية.[1]

 

منهجية المنحى الوظيفي للإثارة المزدوجة Functional method of double‏ ‏stimulation:

قدم فيجوتسكي أمثلة على هذا المنحى في دراسة سلوك الطفل المعرفي والعقلي ومنها:[2]

- تقديم مهمة للطفل وتحديد معيقات معالجتها ثم يقوم بمراقبة أداء الطفل إزاء ذلك.

الهوامش:

[1]- Alan Slater and Gavin Bremner and others, An Introduction to Developmental Psychology, op.cit, p 629.

[2]- يوسف قطاني، نظريات التعلم والتعليم، دار الفكر، الأردن، ط 1، 2005، ص 360.

الصفحة 153

- ملاحظات مواقف التواصل بين الأم وطفلها، وحديث الطفل الفردي أو المتمركز حول الذات.

- وضع الأطفال مع أطفال آخرين لا يتحدثون بلغتهم أو من ثقافة أخرى وتسجيل طريقة تفاعلهم.

- إعطاء الطفل مهمة معقدة وتزويده بأدوات معينة كالصور وملاحظة أسلوب حله لها.

- دراسة التغيرات في أنشطة الطفل المعرفية الذهنية عبر أعمار مختلفة ومقارنتها مع الأطفال الكبار والبالغين وتسجيل الاختلاف في الوظائف المعرفية العقلية.

وعليه يمكن إجمال الافتراضات الأساسية لنظرية فيكوتسكي السوسيو-بنائية فيما يلي:[1]

- دور الثقافة:

ويتحدد دور الثقافة بكونها توفر وسطاً يحدث ضمنه التعلم (...). بالإضافة إلى أنه من الثقافة تنشأ وتتطور المفاهيم والأفكار والكيفية التي ينظر بها المتعلم إلى العالم. كما أنها تجدد طريقة تفكير المتعلم وممارساته.

الهوامش:

[1]- يوسف قطاني، نظريات التعلم والتعليم، دار الفكر، الأردن، ط 1، 2005، ص 366.

الصفحة 154

- العلاقة بين التعليم والنمو المعرفي:

يؤثر التعليم على النمو المعرفي وفق طريقتين وهما: [1]

- إن التعليم المناسب يسبق ويقود النمو المعرفي؛ أي أن ما يستطيع الطفل تعلمه وإنجازه اليوم بالتعاون وبمساعدة الآخرين فإنه يستطيع تعلمه وإنجازه بنفسه مستقلاً ومنفرداً.

- يؤدي التعليم والمحاكاة دوراً أساسياً في نمو الطفل المعرفي، ووفق ذلك يتوقع أن يتم تحديد المستوى الأدائي الذي يمثل نقطة البدء لديه، كما افترض فيكوتسكي أن لكل موضوع تعلم قيمته الفعالة في مرحلة عمرية محددة، وهذا يحدد استعداده. فإذا قدمت له في الوقت المناسب فإنه يستطيع أن يستفيد منها.

حلل فيكوتسكي عمليات النمو المعرفي المسؤولة عن الوظائف العقلية المعقدة. في حين افترض بياجيه أن هدف النمو المعرفي هو الوصول إلى حالة التفكير المنطقي، فإن فيكوتسكي قد تتبع التحول من الإدراك البسيط والانتباه اللاإرادي والذاكرة البسيطة إلى إدراك متقدم، وتفكير ذا طبيعة مفاهيمية (يرتبط بمفاهيم واضحة ومحددة)، وذاكرة منطقية وانتباه موجه ذاتياً. ولذلك يتوقع أن ينصب تصميم التدريس على تطوير مهارات تتعلق بالجوانب التالية: [2]

- تطوير إدراكات التعلم لتصل إلى حالة الإدراك المتقدم.

الهوامش:

[1]- يوسف قطامي، نظريات التعلم والتعليم، (م.س)، ص 366.

[2]- يوسف قطامي، نظريات التعلم والتعليم، (م.س)، ص 365.

الصفحة 155

- تطوير تفكير مفاهيمي واضح إجرائي محدد ومعرف تعريفاً دقيقاً.

- خبرات تسهم في إثراء وتطور الذاكرة.

- توجيه استراتيجيات الانتباه الموجه ذاتيا.

انتقال المتعلم من التعلم بالمساعدة إلى التعلم مستقلا:ً

يرى فيكوتسكي أن الطفل لا يعمل على مهمة أو يتعلمها مع فرد آخر أو يتعاون معه ثم ينتقل إلى مرحلة البدء بتنفيذها بنفسه مستقلاً، وإنما تتم العملية وفق تغيرات متعددة تحدث على المستوى الشخصي الاجتماعي للطفل. وكل من هذه التغيرات يتبعها تغير على المستوى الفردي. ويمكن توضيح هذه الحالة التي يتم فيها التحول والانتقال من الوظائف النفسية الاجتماعية إلى الوظائف الفردية وفق مجموعة من العوامل: [1]

- الاستعداد المعرفي للطفل.

- رغبة المعلم أو الزميل أو الراشد في نقل المسؤولية إلى الطفل واعتماده على نفسه.

- توظيف التغذية الراجعة كإستراتيجية لتقييم الأداء قصد تمييز التغير والتطور الذي يحدث لدى الطفل.

- تقديم توجيهات وإرشادات واضحة قبل تقديم المساعدة للطفل.

الهوامش:

[1]- يوسف قطاني، نظريات التعلم والتعليم، (م.س)، ص 367.

الصفحة 156

- بناء تعريف مشترك للمهمة التي يتم نقلها بالتدريج للوصول إلى تعريف ثقافي مشترك ضمن الثقافة التي يعيش فيها الطفل، وذلك حتى يتم التعاون بين الراشد والطفل والتوفيق بين المفهومين لديهما.

أوجه التشابه والاختلاف بين فيكوتسكي وبياجيه:

ينتمي كل من فيكوتسكي وبياجه للاتجاه البنائي. إذ يعتقد كلاهما أن الأفراد يبنون فهمهم ومعارفهم بشكل فعال. غير أن بياجيه شدد على الدافع الداخلي لموازنة المعلومات الجديدة مع المعرفة والفهم الموجودين. بينما أكد فيجوتسكي على أهمية التفاعل الاجتماعي الذي يشارك فيه الفرد، وفيما يلي أبرز أوجه التشابه والاختلاف بينهما[1]:

(أنظر الجدول الموجود في الصفحة 157-158 ضمن ملف البدف الموجود في أعلى الصفحة )

الهوامش:

[1]- Alan Pritchard, Ways of Learning: Learning theories and learning styles in the classroom, Routledge, New York, Second ed, 2009, p 115.

الصفحة 157

التطبيقات التربوية للنظرية السوسيو-بنائية:

يعتبر التركيز على المتعلم ودوره الفعال في بناء التعلّمات من خلال عملية التفاعل مع الآخرين أحد أهم المبادئ النظرية في السوسيو-بنائية، وهو ما ينبغي على المدرس استحضاره أثناء عملية التخطيط للدرس وإنجازه. وفيما يلي بعض التوجيهات حول الكيفية التي يمكن بواسطتها تنزيل المبادئ النظرية على المستوى العملي والتطبيقي في العملية التعليمية والتعلمية.

- الحوار والمناقشة: من خلال تقديم موضوع الدرس بكيفية تسمح للمتعلمين بالتعبير عن آرائهم ومناقشة القضايا التي يطرحها، مع ضرورة حرص المدرس على تسيير وتوجيه النقاش ومساعدة المتعلمين على اكتشاف وبناء المعرفة. وهذه الطريقة تسمح للمتعلمين، بالإضافة إلى بناء المعارف المرتبطة بموضوع الدرس، بتطوير مهارات التواصل والتفكير النقدي وتقييم الآراء المختلفة وقبولها، واحترام وجهات نظر الآخرين.

- المجموعات: تقسيم المتعلمين إلى مجموعات صغيرة، مشكّلة من ثلاثة إلى أربعة أعضاء، وتكليف كل مجموعة بإنجاز مهمة محددة قصد بناء التعلمات المنشودة. حيث يقوم كل متعلم بدور محدد داخل مجموعته مع تداول الأدوار بين أعضاء المجموعة. ويتحدد دور المدرس هنا في تسهيل عملية التعلم من خلال دعم وتوجيه ومراقبة هذه العملية. بهدف بناء ثقة المتعلمين في أنفسهم أثناء أداء المهمة ومحاولة حل المشكلة المرتبطة بها. 

الصفحة 159

- المناظرات المصغرة بين المتعلمين: تكليف المتعلمين في إطار مجموعات أو بشكل فردي بالبحث حول موضوع معين، وتنظيم مناظرات مصغرة بين مجموعتين أو متعلمين داخل الفصل، وتسييرها مع توجيههم نحو بناء وترسيخ التعلّمات الأساس حول الموضوع.

- الزيارات والرحلات الميدانية: تنظيم رحلات ميدانية مع المتعلمين من شأنها أن تسمح لهم بالتفاعل المباشر مع المواضيع المرتبطة بالدروس التي يتلقونها داخل الفصل. فعلى سبيل المثال زيارة المتاحف التاريخية قد تكون دعامة أساسية لبناء التعلمات الخاصة بالتاريخ. وكذلك الأمر بالنسبة للرحلات الطبيعية (الجغرافيا والعلوم الطبيعية) ...إلخ.

- الانطلاق من المعيش اليومي للمتعلم: وذلك من خلال بناء وضعيات تعليمية مستمدة أو قريبة من المعيش اليومي للمتعلمين، وباستحضار محيطهم الاجتماعي والثقافي.  

الصفحة 160

المبحث الخامس: نظرية معالجة المعلومات

إن نظرية معالجة المعلومات تستلهم الكثير من مقوماتها من النموذج المعلوماتي، وتنطلق من كون الذهن يعالج المعلومات كما يعالجها الحاسوب، لذلك كان ارتباطها ارتباطا وثيقا بنظرية معالجة المعلومات، وتمر هذه المعالجة بمستويات أربع: الاكتساب؛ التخزين؛ الاسترجاع؛ الاستعمال[1].

وعلى هذا الأساس يعتقد رواد هذه النظرية "بأننا نتعلم -عندما نعالج المعلومات- بتأثير العوامل الداخلية (التمثلات) أكثر من تأثير العوامل الخارجية، ولذلك فإن تفسيرنا للحادثة موضوع التعلم، وفهمنا لها، ولمعناها، يؤثر على تعلمها. ولهذا تفترض النظرية المعرفية أن التعلم حدث ذهني داخلي يمارسه المتعلم بهدف استدخال المعرفة على صورة خبرة معرفية"[2].

ويرى عماد عبد الرحيم الزغلول أن هذه النظرية تهتم بتفسير ثلاث عمليات تتمثل في[3]:

- عملية استقبال المعلومات أو مدخلات التعلم.

- عملية معالجة المعلومات وتمثل عمليات التحويل والتمثيل والتخزين للمعلومات.

الهوامش:

[1] - نفسه، ص 172 بتصرف.

[2] - يوسف قطامي، النظرية المعرفية في التعلم، (م.س)، ص 32.

[3] - عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 139.

الصفحة 161

- عملية استرجاع المعلومات وتتمثل في التذكر، والنسيان وانتقال أثر التعلم.

أما ما يتعلق بكيفية حدوث التعلم في نظرية معالجة المعلومة؛ فإن النظرية تنطلق من فرضيات تتمثل في[1]:

أولا: الكائن البشري نشط وفعال أثناء عملية التعلم، إذ يبحث عن المعرفة ولا ينتظر حتى تأتي هذه المعرفة إليه، كما أنه يقوم بمعالجة هذه المعلومات واستخلاص ما هو مناسب منها، مستفيدا من الخبرات السابقة أو التعلم القبلي.

ثانيا: إن عملية المعالجة التي يجريها الفرد على المعلومات تتم عبر مراحل تتضمن الانتباه إلى المعلومات وترميزها، ثم تحويلها إلى تمثلات عقلية يتم تخزينها في الذاكرة بشكل يسهل تذكرها عند الحاجة.

ثالثاً: تعتمد عملية المعالجة على عوامل الانتباه والإدراك (وهو ما يعرف عند الجشطالتيين بالاستبصار)، إذ أن ما يتم معالجته من معلومات، هي تلك التي يركز الفرد عليها انتباهه في لحظة من اللحظات. وذلك لأن هناك حدودا لكمية المعلومات التي يستطيع الفرد معالجتها في موقف معين. إذ يلعب الانتباه الانتقائي دوراً هاماً في هذه العملية.

وفي ضوء ما سبق يمكن أن نقول بأن التعلم يحدث عبر المراحل الآتية[2]:

الهوامش:

[1] - عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 139 بتصرف.

[2] - عبد المجيد نشواتي، سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 374.

الصفحة 162

1-            مرحلة المثيرات والمنبهات؛

2-            مرحلة الترميز؛

3-            الانتباه الانتقائي؛

4-            مرحلة التخزين والاحتفاظ؛

5-            مرحلة الاستعادة والاسترجاع.

ولتوضيح ذلك لابد من القول بأن "معرفة الإنسان بالعالم الخارجي أو البيئة المحيطة به ليست معرفة مباشرة، لأن خبرة الفرد بالبيئة، تقوم على نوعية المعلومات أو المثيرات المتوافرة في البيئة، والتي يمكن ترميزها، فالمثيرات غير المرمزة لا تشكل جزءا من خبرتنا، ولا نستطيع معالجتها. وتنطوي البيئة عادة على حوادث ومثيرات متعددة ومتنوعة، لا نستطيع ترميزها جميعا، بسبب افتقارنا إلى الأجهزة الحسية اللازمة لاستقبال بعض هذه المثيرات، مثل الموجات الضوئية أو الأشعة فوق البنفسجية، أو بعض الترددات الصوتية، وهناك بعض المثيرات الأخرى التي نستطيع إدراكها، وترميزها، إلا أننا لا نرغب في ذلك، بسبب عدم توجيه انتباهنا إليها. لذلك فإن قضية توجيه الانتباه تبقى قضية مهمة وهو ما يطلق عليه بالانتباه الانتقائي؛ لأن الانتباه يتم على نحو انتقائي لبعض أجزاء من المعلومات الحسية وإهمال البعض الآخر، اعتبارا لعدة عوامل منها خصائص المثيرات أو المنبهات، وأهميتها، والخبرة السابقة بمثل هذه المنبهات. فعلى سبيل المثال قد تشاهد الكثير من المناظر وتسمع الكثير من الأصوات أثناء تجولك في الأماكن العامة، ولكن لا يتم الاحتفاظ بكل 

الصفحة 163

هذه المنبهات باستثناء تلك التي توليها مزيداً من الانتباه والاهتمام. هذا ويمكن من خلال الممارسة والتدريب تطوير قدرة الانتباه، بحيث يستطيع الفرد القيام بعمليتين بنفس الوقت كالخياطة والاستماع إلى الراديو، أو قيادة السيارة والاستماع إلى حديث صديق أثناء القيادة"[1].

أما مرحلة التخزين والاحتفاظ فتتعلق بذاكرة الإنسان؛ وتقوم على مبادئ منها[2]:

- تذكر الحوادث والمثيرات بعد فترات زمنية قصيرة جدا يختلف نوعيا وكميا عن تذكر هذه الحوادث والمثيرات بعد فترات زمنية أطول؛

- طاقة الذاكرة قصيرة المدى محدودة؛

- بعض المعلومات المخزنة تتلاشى بعد مرور وقت وجيز؛

- بعض المعلومات تنتقل للذاكرة طويلة المدى لتصبح أكثر ثباتا مع مرور الزمن، وأقل عرضة للتأثر بالمدخلات الجديدة من المعلومات في الذاكرة قصيرة المدى.

الهوامش:

[1] - عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، (م.س) ص 142.

-عبد المجيد نشواتي، سيكولوجيا التربية، (م.س) ص 374-375 بتصرف.

[2] - حنان عبد الحميد العناني، سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 199-200 بتصرف.

الصفحة 164

ولقد "عرف برودبينت الذاكرة بأنها نظام متعدد المراحل وهي: المسجل الحسي، والمخزن القصير المدى، والمخزن الطويل المدى؛ والشكل أسفله يوضح مراحل تخزين المعلومات في الذاكرة"[1].

(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 165 ضمن ملف البدف الموجود في أعلى الصفحة )

"إن المعلومات يتم معالجتها في مراحل متتالية، وكل مرحلة تظهر في تركيب خاص في نظام الذاكرة، أولها مرحلة المسجلات الحسية، وهي عبارة عن مسجلات سمعية، بصرية، تستقبل مجموعة من الإشارات المادية من البيئة، وجدير بالذكر أن معظم هذه الإشارات يتم فقدانها بعد بقائها في المسجلات الحسية لمدة تتراوح بين (0,5 – 2 ثانية)، ويتم اختيار المتبقي لعملية المعالجة التالية، وفي حال رفضها يتم إسقاطها من النظام المعرفي. وعلى هذا الأساس فإن المعلومات التي تم اختيارها 

الهوامش:

[1] - محمد قطامي، نظريات التعلم والتعليم، (م.س)، ص 211 بتصرف.

الصفحة 165

لعملية المعالجة التالية تدخل الذاكرة قصيرة المدى، فإذا تم ترميزها وأصبحت ذات معنى فإنها تتحول إلى الذاكرة طويلة المدى للتخزين الدائم."[1]

وبعد المرور من هذه المراحل تأتي مرحلة عملية الاستعادة والاسترجاع؛ بحيث "تشير هذه العملية إلى البحث عن المعلومات المرغوب فيها في مخـزن الذاكرة وتعيين موقعها في هذا المخزن، وعملية تجميع هذه المعلومات وتنظيمها، وعملية أدائها على شكل استجابات ذاكرية.

وعلى سبيل المثال، لنفرض أن شخصاً قرأ كتاباً في سيكولوجيا التربية وأراد بعد فترة زمنية أن يسترجع معلومات عن نظريات التعلـم الـتي وردت في الكتاب. فما العمليات التي سوف يقوم بها لاسترجاع هذه النظريات. إن أول العمليات التي يقوم بها هذا الشخص هي البحث عن المعلومات ذات العلاقة في مخزن الذاكرة طويلة المدى، ليقترب مـن مـوقـع هـذه المعلومات وذلك بطـرح تساؤلات مثل متى قرأت عن نظريات التعلم؟ وأين قرأت عنها؟ وعندمـا يـشـعر باقترابه من حدود موقع المعلومات التي يرغب فيها يبدأ بطرح تساؤلات أكثر دقـة وتحديداً مثل ما التعلم؟ ما نظرياته؟ ما الفروق الهامة بينها؟ في هذه المرحلـة مـن الاسترجاع تتوفر لديه كمية من المعلومات ذات العلاقة بالإجابـة عـن السـؤال الأساسي، فيقوم بتجميعها وتنظيمها

الهوامش:

[1] - يوسف محمد قطامي، نظريات التعلم والتعليم، (م.س)، ص 210 بتصرف.

الصفحة 166

على نحو معين يتفـق غالبـاً مـع المعلومات المطلوبة ثم يقوم بأدائها على شكل استجابات ذاكرية"[1].

وتجذر الإشارة إلى أن هذه المراحل تقوم على أساس مهم وهو الانتباه، ويقصد به:" تلقي الإحساس بمنبه أو مثير، سواء كان هذا الإحساس، على مستوى الحواس، أو مستوى الإدراك الذهني، أو هما معا، بحيث تشعر الشخصية به متبلورا واضحا جليا. والانتباه عملية ذهنية مهمة في عملية التعلم؛ ويُعد التحكم فيه أو خطوة في بداية التعلم؛ لأن انتباه الفرد في لحظة معينة لا يكون عادة إلا في موضوع معين، إلا أن الانتباه لا يجمد، بل يتحرك باستمرار وبسرعة خاطفة، مما يوحي بأن مجال الانتباه متعدد وواسع. فالمدرس في الفصل يخيل إليه أنه في كل لحظـة منتبـه إلـى جميع تلاميذه، لكن الحقيقة أنه لا يكاد ينتبه في لحظة معينة إلاّ إلى تلميذ واحد، أو موضوع واحد يكون في بؤرة انتباهـه، ولسرعـة نقـل بؤرة انتباهه يخيل إليه أنه ينتبه لموضوعات عدة في نفس اللحظة، وعندما يكون موضوعا معينا في بؤرة الانتباه، فإن الموضوعات المحيطة به تحتل هامش الانتباه، فيكون الفرد أقل انتباها لها وإدراكا ووعيا بها. وقد يحتـل مـوضـوع من موضوعات هامش الانتباه بؤرة الانتباه ويرجع ما كان سابقاً في بؤرة الانتباه إلى هامش الانتباه، وهكذا. وقد يفرض موضوع جديد نفسه على الفرد، أو قد يتعمد الفرد توجيه انتباهه إلى موضوع معين آخر، وهكذا.

الهوامش:

[1] - حنان عبد الحميد العناني، سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 200.

الصفحة 167

وهناك عوامل ترتبط بالموضوع (أو بالمثير) بحيث تجعله يفرض نفسه على انتباه الفرد كشدة الموضوع وقوته (فالصـوت العالـي يجـذب الانتباه إليه)، وتكرار المنبه وتفرده وحركته، كل ذلك يفرضه فرضاً على الشخصية فتنتبـه مرغمة إليه حتى لو تعمدت صرف انتباهها عنه"[1].

وعليه، فإن السبيل إلى حدوث التعلم في نظرية معالجة المعلومات يبدأ من الانتباه للمثيرات، ثم ينتقل إلى عملية المعالجة ليحصل بعد ذلك «الإدراك». ولذلك فإن الانتباه عملية ذهنية تلعب دوراً رئيسياً في التعلم، بمعنى أننا لا يمكن أن ندرك ونتعلم ما نتجاهلـه. فعلى سبيل المثال وأنت تقرأ هذه الأسطر، وفي الوقت نفسه تُنصت لأغنية جديدة لمغن تفضله؛ فإن إدراكك لمعاني الأغنية سيكون أكثر من إدراكك للفقرة التي تقرأها. بالإضافة إلى أن هناك عوامل أخرى يمكـن أن تؤثر على الإدراك مثل: التوقعات، المعتقدات، ومبـادئ عامـة متعددة في تنظيم المعلومات التي يتم استقبالها عن طريق الحواس."[2]

- المتعلم عنصر نشط في عملية التعلم؛

الهوامش:

[1] - فرج عبد القادر وآخرون، معجم علم النفس والتحليل النفسي، (م.س)، ص 65 بتصرف.

[2] - يوسف قطامي، النظرية المعرفية في التعلم، (م.س) ص 34 بتصرف.

[3] - يوسف قطامي، النظرية المعرفية في التعلم، (م.س)، ص 32 بتصرف.

الصفحة 168

- المتعلم يبادر إلى ممارسة الخبرات التي تقود إلى التعلم؛ والمراد بالخبرات: هو أن ما يوجد لدينا من معرفة مسبقة تسهم بدرجة كبيرة في تحديد نوع المعالجة والتقليب (Manipulation)، ودرجة مستوى العمليات التي يتم توظيفها للوصول إلى المعرفة الجديدة. إذ إن المعرفة الجديدة تولد من بطن المعرفة الموجودة لدينا؛ لأن مستوى تعلمنا لموضوع ما مرهون بقدر المعرفة الموجودة في خبراتنا ومخزوننا، ومدى سيطرتنا الذهنية على نتشات المعرفة التي إن وُظفت بطريقة ماهرة، فسيتطور تعلمنا ويصبح تعلم المتعلم في كل مرة مختلفا وكأنه يحدث لأول مرة.

- يبحث عن المعلومات المتعلقة بالمشكلة؛

- يعيد تنظيم وترتيب ما لديه من معلومات وخبرات لبناء تعلم جديد؛

- المتعلم يختار ويقرر ويمارس وينتبه ويتجاهل من أجل تحقيق الفهم؛

- إتاحة الفرصة أمام المتعلم المعرفي لكي يُظهر ملامح مخزونه الذهني؛

- تقديم الخبرات التعليمية على نحو تدريجي، وإعطاء فرصة للمتعلم للتفكير في هذه الخبرات، إذ يجب على الأستاذ التوقف بعد إعطاء كل فكرة، وطرح الأسئلة حولها، وتكليف المتعلمين بإعادة صياغتها وفق تعبيرهم؛

الهوامش:

[1] - عماد عبد الرحيم الزغلول، مبادئ سيكولوجيا التربية، (م.س)، 143-144 و146 و160 بتصرف؛ يوسف قطامي، النظرية المعرفية في التعلم، (م.س) ص 41-42.

الصفحة 169

- التركيز على التعلمات الرئيسة وعدم الاهتمام بالمواضيع الهامشية؛

- توجيه المتعلم لربط التعلمات الجديدة بتمثلاتهم القديمة؛

- الاستعانة بالخبرات المادية أو المألوفة للمتعلمين لتدريس الخبرات والمواضيع الجديدة أو المعقدة؛

- مساعدة المتعلمين على تنمية قدراتهم على التعميم وإدراك أوجه الشبه والاختلاف بين كل من التعلم القبلي والجديد، ويعمل على تحديد الروابط والعلاقات التي تجمع بين العلوم والمعارف المتعددة؛

- توجيه المتعلمين بالتوجيهات التي تساعدهم على تنظيم وتخزين المعلومات.

- استثمار خصوصيات التعلم المعرفي الثقافي لكل متعلم؛ لأن التعلم ينمو ويتطور وفق سياقات ثقافية؛

- عدم تزويد المتعلمين بكم هائل من المعلومات في الموقف التعليمي نظرا لأن سعة الانتباه محدودة؛

- يجعل مثيرات التعلم مميزة، بحيث تجذب انتباه المتعلم إليها دون غيرها، والعمل على ضبط المشتتات الأخرى؛ مع ضرورة التنويع في الحركات والإيماءات ونبرات الصوت، لما في ذلك من أهمية في جذب الانتباه والحفاظ عليه لدى المتعلمين؛ - التركيز على التعلمات الرئيسة وعدم الاهتمام بالمواضيع الهامشية؛

- توجيه المتعلم لربط التعلمات الجديدة بتمثلاتهم القديمة؛

- الاستعانة بالخبرات المادية أو المألوفة للمتعلمين لتدريس الخبرات والمواضيع الجديدة أو المعقدة؛

- مساعدة المتعلمين على تنمية قدراتهم على التعميم وإدراك أوجه الشبه والاختلاف بين كل من التعلم القبلي والجديد، ويعمل على تحديد الروابط والعلاقات التي تجمع بين العلوم والمعارف المتعددة؛

- توجيه المتعلمين بالتوجيهات التي تساعدهم على تنظيم وتخزين المعلومات.

- استثمار خصوصيات التعلم المعرفي الثقافي لكل متعلم؛ لأن التعلم ينمو ويتطور وفق سياقات ثقافية؛

- عدم تزويد المتعلمين بكم هائل من المعلومات في الموقف التعليمي نظرا لأن سعة الانتباه محدودة؛

- يجعل مثيرات التعلم مميزة، بحيث تجذب انتباه المتعلم إليها دون غيرها، والعمل على ضبط المشتتات الأخرى؛ مع ضرورة التنويع في الحركات والإيماءات ونبرات الصوت، لما في ذلك من أهمية في جذب الانتباه والحفاظ عليه لدى المتعلمين؛

الصفحة 170

- ينوع من طرق تقديم المثيرات من خلال توظيف الوسائل التعليمية، لأنه كلما تعددت مصادر تقديم الخبرة زاد من احتمالية اكتسابها؛

- يحرص على استخدام الألوان لتسهيل ترميزها وتمييزها عند المتعلمين.

في الوقت الذي اهتمت فيه مختلف النظريات بالكيفية التي يتم من خلالها حصول التعلم، كان توجه نظرية معالجة المعلومات نحو كيفية معالجة الدماغ للمعرفة، مما ساهم إلى حد كبير في فهم السيرورات الدماغية، ومن ثمة صياغة وضعيات تعلمية تتوافق مع الطريقة الصحيحة لمعالجة المعلومات، وفيما يلي بعض التوجيهات التي ينبغي للمدرس أن يلم بها قبل ولوجه إلى الفصل الدراسي.

- ينبغي على المدرس أن يعزز ثقة المتعلمين بأنفسهم ويشجعهم على التفكير في المهام المعقدة من أجل العمل على حلها بشكل مستقل. كما ينبغي التركيز على المهارات والقدرات التي تعطي أولوية للإدراك المعرفي.

- تركز نظرية معالجة المعلومات على طريقة الدماغ في معالجته للمعلومات، لذا ينبغي الانطلاق في بناء التعلمات من تمثلات المتعلم، عبر طرح وضعيات استكشافية لرصد التمثلات، فما كان من هذه التمثلات صحيحا يعزز، وما كان منها خاطئ يقوم ويدعم.

الصفحة 171 - تركز نظرية معالجة المعلومات على أربعة مستويات في الدماغ وهي: الاكتساب؛ التخزين؛ الاسترجاع؛ الاستعمال، لذا ينبغي على المدرس أن ينتقل بالمتعلم من مرحلة الاكتساب إلى مرحلة التخزين، وهذا لا يتأتى إلا بالحرص على التقويمات التكوينية المتكررة، حتى يتم تخزين المعلومات المكتسبة. كما ينغي الحرص على التقويمات النهائية من أجل التأكد من مدى تمكن المتعلمين من استرجاع وتوظيف التعلمات.

- تعتمد عملية المعالجة على عدة عوامل منها الانتباه، وهذا يقتضي أن يحرص المدرس على جذب انتباه المتعلمين من خلال عرض المادة المدرسة بطريقة نوعية. كأن يعتمد على الألوان والصور والمقاطع المصورة، بالإضافة إلى أنه ينبغي إزالة الملصقات والرسومات المعلقة في جدران الفصل تفاديا لتشتيت انتباه المتعلمين.

- الحرص على تقديم المادة الدراسية على شكل خطاطات ذهنية مركزة، ليسهل على الدماغ معالجتها واسترجاعها بشكل سريع. 

الصفحة 172

المبحث السادس: نظرية التعلم الاجتماعي

تُعرف هذه النظرية بأسماء أخرى مثل نظرية التعلم بالملاحظة والتقليد " Learning by Observing and‏ ‏Imitating"، أو نظرية التعلم بالنمذجة Learning by Modeling وهي من النظريات الانتقائية التوفيقية، نظرا لكونها تشكّل حلقة وصل بين النظريات المعرفية والسلوكية (نظريات الارتباط - المثير والاستجابة)، فهي في تفسيرها لعملية التعلم تستند إلى توليفة من المفاهيم المختلفة المستمدة من تلك النظريات.[1] وقد تم وضع أسس هذه النظرية من طرف عالم النفس الكندي ألبرت باندورا Albert Bandura (1925-2021).[2]

وهي نظرية تؤكد على مبدأ الحتمية التبادلية في عملية التعلم من حيث التفاعل بين ثلاث مكونات رئيسية وهي: السلوك، والمحددات المرتبطة بالشخص، والمحددات البيئية، فالسلوك وفقا لهذه المعادلة هو وظيفة لمجموع المحددات المتعلمة السابقة واللاحقة، بحيث تشتمل كل مجموعة منها على متغيرات ذات طابع معرفي، وذلك كما هو مبين في الشكل التالي:[3] (أنظر الشكل الموجود في الصفحة 174 ضمن النسخة الورقية الموجودة أعلاه)

الهوامش:

[1]- عماد الزغلول، نظريات التعلم، دار الشروق، عمان، ط 1، 2010، ص 139.

[2] - ألبرت باندورا Albert Bandura (1925-2021) هو عالم نفس كندي، اشتغل أستاذا في جامعة ستانفورد. تمحورت اهتماماته البحثية حول علم النفس الاجتماعي ونظرية الشخصية. وفي مجال سيكولوجيا النمو والتعلم ركز باندورا على التعلم بالملاحظة، أو النمذجة، وهو ما انتهى به إلى صياغة نظرية التعلم الاجتماعي. ونظرية فاعلية الذات، وهو أيضًا صاحب تجربة دمية بوبو (Bobo doll experiment) التي أكد من خلالها على أن الأطفال لا يحتاجون بالضرورة إلى العقاب أو المكافأة للتعلم.

[3]- المرجع نفسه، ص 140.

الصفحة 173

المفاهيم الأساسية لنظرية التعلم الاجتماعي:

مفهوم التعلم بالملاحظة:

حالة التعلم بالملاحظة حيث يتعلم الناس (وخاصة الأطفال) من خلال مراقبة الآخرين ثم تقليد الأفعال الملاحظة.[1]

مفهوم التعلم بالنمذجة:

يعرف باندورا التعلم بالنمذجة Modeling بأنه عملية اكتساب استجابات بسيطة أو معقدة من خلال ملاحظة نموذج يقوم بأداء هذه الاستجابات. ويرى ويتيج Wittig أن التعلم بالنمذجة يتضمن ملاحظة بعض نماذج السلوك، ويلي ذلك أداء نفس السلوك أو سلوك مشابه، وقد يكون النموذج الملاحظ شخصاً آخر أو أي نموذج يستطيع أداء السلوك، بما في ذلك الإنسان والحيوان، أو أية نماذج رمزية تتضمن مثيرات لفظية، كالتلفزيون أو السينما أو غيرها.[2]

الهوامش:

[1]- Alan Slater and Gavin Bremner and others, An Introduction to Developmental Psychology, op.cit, p 61.

[2]- عواطف محمد حسانين، سيكولوجية التعلم، (م.س)، ص 148.

الصفحة 174

التعلم بالتقليد أو الاقتداء:‏

في هذا النوع من التعلم ينصب الاهتمام على نسخ جوانب السلوك، وفي بعض الأحيان تنسخ الاستجابات بدقة ودون فهم، وهو ما يطلق عليه 'التقليد المحض'.

تجربة دمية بوبو Bobo doll experiment والتعلم بالتقليد أو الاقتداء:

خلال ستينيات القرن العشرين، أجرى باندورا سلسلة من التجارب على عدوانية الأطفال. في إحداها، تم تقسيم بعض الأطفال إلى مجموعتين. شاهدت المجموعة الأولى ('الضابطة') شخصًا بالغًا يلعب بالألعاب، وكانت إحداها دمية 'بوبو' القابلة للنفخ. وشاهدت المجموعة الثانية ('التجريبية') نفس الشخص البالغ، وهذه المرة يلعب بقوة بالألعاب، ويضرب الدمية بالمطرقة. عندما سمح لهم باللعب بشكل فردي، لاحظ باندورا أن الأطفال من المجموعة التجريبية تصرفوا بطريقة أكثر عدوانية تجاه دمية بوبو الخاصة بهم. ولذلك، وبدون تعزيز واضح، تم تعلم سلوك عدواني معين. أطلق باندورا على هذا التعلم بالملاحظة اسم "التكييف غير المباشر". بمعنى أن الطفل قد تولى عقليًا دور الملاحظ. وخلص باندورا إلى أن الأطفال يقلدون تصرفات الآخرين، بناءً على التعزيز المتصوَّر. وقد تابع تجربة "دمية بوبو" بتحقيقات أخرى على أعمال العنف في الرسوم المتحركة والأفلام. وكانت النتائج هي أن الأطفال قلدوا السلوك العدواني.[1]

الهوامش:

[1]- Alan Slater and Gavin Bremner and others, An Introduction to Developmental Psychology, op.cit, p 61.

الصفحة 175

أنماط التعلم بالنمذجة:

يقصد بأنماط التعلم بالنمذجة مجموعة من الأنماط التي يتعلم من خلالها الفرد وهي: [1]

-  النمذجة الحسية: وفيها يتعرض المتعلم لخبرات حسية متتابعة تكون مترابطة حيث تتكامل في سلوك معين ويمثل هذا النوع بالصور.

- النمذجة اللفظية أو المجردة: وفيها يحدث التعلم من خلال الوصف اللفظي، حيث تستخدم الكلمات في وصف الاستجابات بدلاً من الخبرات الحسية، ويمثل هذا النوع عن طريق الأفكار.

- النمذجة الحية: وتعنى وجود النموذج بالفعل في بيئة القائم بالملاحظة، حيث تتم الملاحظة المباشرة للنموذج من قبل الملاحظ في مواقف الحياة الطبيعية وذلك أثناء قيام النموذج بالسلوك. وينبغي أن يكون النموذج الحي أكثر فعالية لأنه ينبض بالحياة الواقعية، ومن ثم يكون من المرجح أن ينتبه الملاحظ بكل حواسه إلى ما يفعله النموذج.

- النمذجة الرمزية:‏ في هذا النوع من النمذجة لا يُستعان بالنماذج الحية الواقعية، فالنمذجة الرمزية تقدم في صورة نماذج مصورة عن طريق الوسائل المرئية والمسموعة، وفى الغالب تقدم بدون أن يصاحبها تعليمات مباشرة إلى الملاحظ.

الهوامش:

[1]- عواطف محمد حسانين، سيكولوجية التعلم، (م.س)، ص 151.

الصفحة 176

خطوات التعلم بالنمذجة:

تتكون خطوات التعلم بالنمذجة من خمسة مراحل هي: [1]

- مرحلة العرض:‏ وفيها يتم تعريف التلاميذ بالسلوك، حيث يتم شرح ذلك السلوك لهم بطريقة مرئية ومسموعة.

- مرحلة الانتباه: وفيها يتم توجيه الانتباه إلى التركيز على السلوك الذي يتم شرحه ويرى الباحث أن هذه الخطوة تتلازم مع الخطوة أو المرحلة الأولى.

- مرحلة الممارسة: وفيها يعطى المعلم الفرصة للتلاميذ لممارسة السلوك المناسب.

- مرحلة تقديم التغذية الراجعة التصحيحية: حيث يقدم المعلم لتلاميذه التغذية الراجعة المتكررة والنوعية والمباشرة والفورية لتعزيز السلوك المناسب والصحيح، ويتم تصحيح السلوك الخاطئ.

- مرحلة التطبيق: وفي هذه المرحلة يوفر المعلم للتلاميذ بعض الأنشطة والمواقف في الفصل لتطبيق ما تعلموه، كما أن هذه المرحلة تمكن التلاميذ من استخدام ما تم تعلمه في مواقف الحياة المختلفة.

الهوامش:

[1]- عواطف محمد حسانين، سيكولوجية التعلم، (م.س)، ص 152.

الصفحة 177

التطبيقات التربوية لنظرية التعلم الاجتماعي:

تقوم نظرية التعلم الاجتماعي أو التعلم بالنمذجة على مبدأ أساسي وهو أن التعلم يتم من خلال ملاحظة الراشدين والاقتداء بسلوكاتهم وأفعالهم. وهي تتم من خلال المراحل التي ذكرناها سابقا (العرض، الانتباه ...)، وسنحاول فيما يلي تقديم بعض الإرشادات الخاصة بتطبيقاتها البيداغوجية:

-  الاستعانة بالدعامات الديداكتيكية الأكثر إثارة لانتباه المتعلمين مثل الصور ومقاطع الفيديو لعرض المواقف التعليمية، نظرا لكونها قابلة للملاحظة من قبل المتعلمين، ويمكن أن تشكل نماذج تعينهم على بناء المعارف والتعلّمات.

- الاعتماد على استراتيجية لعب الأدوار والمحاكاة، وذلك من خلال تهيئة الظروف المناسبة للمتعلمين لتطبيق وممارسة ما تعلموه من خلال الأداء الفعلي لأدوار ومهام محددة، بعد أن يكون المدرس قد عرض أمامهم نماذج تعليمية.

- اهتمام المدرس بالتواصل غير اللفظي (الجسدي) للفت انتباه المتعلمين من أجل التركيز أكثر والانخراط في بناء الدرس والتعلمات.

- إذا كان الأمر يتعلق بمسألة رياضية مثلا أو تحليل نص ما، يمكن للمدرس أن يقوم بإنجاز المهمة أمام المتعلمين بكافة تفاصيلها تفكيرا وممارسة حتى يتسنى لهم الاقتداء به في أداء المهام المشابهة بسهولة ويسر. لأن الأطفال حسب نظرية التعلم الاجتماعي يميلون إلى ملاحظة سلوكات الراشدين وتقليدها.

الصفحة 178

- استخدام التعزيز الإيجابي أو السلبي، مثل الثناء اللفظي على المتعلم الذي يقوم بأداء مهمة معينة، أو يشارك فيها، أو يظهر استعدادًا للتعلم باستمرار. يمكنهم أيضًا استخدام المكافآت والتعزيزات لبناء ثقة المتعلمين والكفاءة الذاتية وحب التعلم من خلال تقديم الثناء اللفظي أو التعليقات البناءة.  

الصفحة 179

المبحث السابع: نظرية الذكاءات المتعددة:  

نظرية الذكاءات المتعددة، هي نظرية وضعها عالم النفس الأمريكي هوارد غاردنر Howard Gardner (1943-...) في بداية ثمانينات القرن الماضي، حينما نشر كتابه "أطر العقل" (Howard Gardner, Frames Of Mind, 1983)، والذي تضمن النظرية في صيغتها الأولى قبل أن يقوم بتطوريها بعد ذلك.

وقبل أن نعرض أهم ما جاءت به هذه النظرية، سننطلق أولا من تعريف مفهوم الذكاء في علم النفس، مع بعض الإشارات لأبرز الأفكار التي كانت منتشرة بين الباحثين قبل ظهور نظرية الذكاءات المتعددة.

تعريف مفهوم الذكاء:

نظرا للطبيعة المجردة للذكاء فقد قدمت له تعريفات متعددة، من بينها: [1]

يعرف بينيه الذكاء بأنه "القدرة على الابتكار والفهم والحكم الصحيح والتوجه الهادف للسلوك".

ويعرفه تيرمان بأنه "القدرة على التفكير المجرد".

ويعرفه وكسلر "بأنه القدرة الكلية للفرد على العمل الهادف والتفكير المنطقي والتفاعل الناجح مع البيئة".

الهوامش:

[1]- حنان عبد الحميد العناني، سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 61-62.

الصفحة 180

أما بياجيه فيعرفه بأنه "القدرة على التفكير التأملي والتجريدي والقدرة على التكيف مع البيئة".

وقد حاول ستودارد أن يستفيد من التعريفات السابقة وينتجها في تعريف واحد شامل للذكاء مفاده:

"الذكاء هو نشاط عقلي يتميز بالصعوبة والتعقيد والتجريد والاقتصاد والتكيف الهادف والقيمة الاجتماعية والابتكار، والحفاظ على هذا النشاط في ظروف تستلزم تركيز الطاقة ومقاومة القوى الانفعالية".[1]

وبشكل عام، وبغض النظر عن الاختلافات الموجودة بين التعاريف المقدمة لمفهوم الذكاء، إلاّ أن معظمها يتفق على أنه قدرة أو مجموعة من القدرات التي تمكن الفرد من التفكير والتكيف بنجاح مع المحيط الخارجي.

من الذكاء العام إلى الذكاءات المتعددة:

     غالبا ما واجهت الأبحاث المتعلقة بالذكاء سؤالاً يرتبط بطبيعة الذكاء وبنيته، وما إذا كان قدرة واحدة أو مجموعة من القدرات المتصلة والمؤثرة على بعضها البعض في تشكيل مستوى ذكاء الفرد أم هو بمثابة مجموعة من القدرات المنفصلة. فقد "اعتقد بعض المنظرين أن الذكاء هو قدرة أساسية تؤثر في أداء جميع المهام الموجهة معرفيا، سواء حسابات المسائل الرياضية، أو كتابة الشعر، أو حل

الهوامش:

[1]- حنان عبد الحميد العناني، (م.س)، ص 61-62.

الصفحة 181

الألغاز[1]". ومن بين هؤلاء المنظرين "عالم النفس والرياضي البريطاني تشارلز سبيرمان Charles Spearman الذي أجرى في أوائل القرن العشرين، العديد من الدراسات البحثية التي أعطى فيها العشرات من الاختبارات العقلية المختلفة لأشخاص ــ جميعهم أعضاء في نفس المجموعة الثقافية ــ ووجد أن الدرجات كانت دائمًا ترتبط بشكل إيجابي مع بعضها بعض إذا كانت عينته كبيرة بما فيه الكفاية. (...) وهذا يعني أن الأشخاص الذين حصلوا على درجات عالية في أي اختبار عقلي واحد، كانوا أيضًا، في المتوسط، يميلون إلى الحصول على درجات عالية في جميع الاختبارات الأخرى"[2]. وقد استخدم "سبيرمان" مفهوم الذكاء العام لوصف وتفسير الاستنتاجات التي توصل إليها.

والذكاء العام عند "سبيرمان" والعديد من الباحثين الآخرين، هو القدرة الأساسية التي تساهم في أداء الشخص في جميع الاختبارات العقلية. فمن وجهة نظرهم، كل اختبار عقلي هو جزئيًا مقياس للذكاء العام وجزئيًا مقياس لبعض القدرات المحددة التي ينفرد بها هذا الاختبار. وبناء على ذلك، فإن أفضل مقاييس للذكاء العام مستمدة من متوسط الدرجات في العديد من الاختبارات العقلية المتنوعة.[3]

الهوامش:

[1]- أنيتا وولفولك، سيكولوجيا التربية، ترجمة صلاح الدين محمود علام، دار الفكر، ط 2، 2015، ص 289.

[2]- Peter Gray and David F. Bjorklund, Psychology, Worth Publishers, New York, Eighth Edition, 2018, P 836.

[3]- Ibidem.

الصفحة 182

وقد حاول أحد التلاميذ لسبيرمان وهو ريموند كاتيل Raymond Cattell تطوير وجهة نظر سبيرمان حول طبيعة الذكاء. حيث اتفق معه "على أن الدرجات في الاختبارات العقلية تعكس مزيجًا من الذكاء العام وعاملًا محددًا يختلف من اختبار لآخر. لكنه أكد أن الذكاء العام في حد ذاته ليس عاملاً واحدًا بل عاملين. وبشكل أكثر تحديدًا، اقترح أن الذكاء العام الخاص بسبيرمان يمكن تقسيمه إلى قسمين منفصلين: الذكاء السائل Fluid Intelligence والذكاء المتبلور Crystallized Intelligence".[1]

الذكاء السائل fluid Intelligence وهو فعالية عقلية متحررة بدرجة أساسية من الثقافة وغير لفظية. وهذا المظهر للذكاء يزداد حتى سن المراهقة لأنه متأسس في نمو المخ، ثم ينخفض تدريجياً بتقدم العمر. وهو يتأثر بسرعة بالإصابات. وعلى العكس من ذلك، فإن الذكاء المتبلور Crystallized Intelligence هو القدرة على تطبيق طرائق حل مشكلات متفق عليها اجتماعياً. ويمكن أن يزداد طوال حياة الإنسان، وذلك لأنه يشمل مهارات التعلم والمعرفة، مثل المفردات اللغوية، أو الحقائق، أو كيفية المناداة على سيارة أجرة، أو صنع لحاف، أو الدراسة بالجامعة. وباستثمار الذكاء السائل في حل المشكلات، فإننا ننمي ذكاءنا المتبلور، غير أن

الهوامش:

[1]- Peter Gray and David F. Bjorklund, Psychology, op.cit, P 837.

الصفحة 183

كثيراً من المهام في الحياة، مثل الاستدلال الرياضي يعتمد على كل من الذكاء السائل والذكاء المتبلور.[1]

وعلى الرغم من الارتباطات القائمة بين الاختبارات المتنوعة التي تقيس قدرات مختلفة، إلا أن بعض علماء النفس أصرُّوا على وجود قدرات عقلية منفصلة[2]. ويعتبر هوارد غاردنر واحد من هؤلاء، وقد صاغ وجهة نظره فيما يعرف بنظرية الذكاءات المتعددة.  

ووفقا لغاردنر Gadener توجد على الأقل ثمانية ذكاءات منفصلة: اللغوي (اللفظي)، والموسيقى، والمكاني، والرياضي-المنطقي، والجسمي الحركي، والاجتماعي (التفاعل مع الآخرين)، ومعرفة مشاعر الفرد الذاتية (فهم الذات)، والطبيعي (ملاحظة وفهم الأنماط والأنظمة). وقد أكد غاردنر أنه ربما توجد أنواعا أخرى من الذكاء، حيث إن العدد ثمانية ليس عدداً سحرياً. بحيث قد يوجد ذكاء روحي ‏spiritual، وذكاء وجودي existential مثل القدرة على التفكير في أسئلة كبرى تتعلق بمعنى الحياة. وقد أسند جاردنر فكرته عن القدرات المنفصلة إلى أدلة من قبيل أن إصابة المخ الناتجة عن السكتة الدماغية (مثلاً) تتداخل في غالبية الأحيان مع الوظيفة في إحدى المناطق، مثل اللغة؛ ولكنها لا تؤثر في وظائف مناطق أخرى. كما قد يتميز الأفراد في واحدة من هذه المجالات الثمانية، بينما

لا

الهوامش:

[1]- أنيتا وولفولك، سيكولوجيا التربية، ترجمة صلاح الدين محمود علام، (م.س)، ص 290.

[2]- نيتا وولفولك، سيكولوجيا التربية، ترجمة صلاح الدين محمود علام، در الفكر، ط 2، 2015، ص 292.

الصفحة 184

يكون لديهم قدرات ملحوظة في المجالات السبعة الباقية. ويلخص الجدول أدناه هذه الذكاءات:[1]

(أنظر الجدول الموجود في الصفحة 185-186 ضمن النسخة الورقية الموجودة أعلاه)

الهوامش:

[1] - أنيتا وولفولك، سيكولوجيا التربية، ترجمة صلاح الدين محمود علام، (م.س)، ص 292-293.

الصفحة 185

الذكاءات المتعددة وعملية التدريس:

من ميزات تصور غاردنر أنه وسع تفكير المدرسين عن القدرات وسبل التدريس، ولكنه أسيء استخدام النظرية، فبعض المعلمين تناولوا النظرية بكيفية سطحية. حيث 

الصفحة 186

ضمنوا كل ذكاء في كل درس مهما كان غير مناسب. وتوضح النقاط التالية بعض إساءات استخدام أعمال جاردن، وكذلك بعض التطبيقات الإيجابية:[1]

إساءات الاستخدام:

-                  محاولة تدريس جميع المفاهيم أو الموضوعات باستخدام جميع الذكاءات: لا يوجد تبرير لافتراض أن كل موضوع يمكن تناوله بفاعلية بسبع طرائق على الأقل. ومحاولة فعل ذلك يكون مضيعة للجهد والوقت.

-                  افتراض أن مجرد تطبيق ذكاء معين يكون كافياً، بغض النظر عن كيفية استخدامه: فبالنسبة إلى الذكاء الجسمي-الحركي مثلاً، الحركات العضلية العشوائية لا علاقة لها بتنمية العقل.

-                  استخدام الذكاء كخلفية أساسية لأنشطة أخرى: مثل العزف الموسيقي أثناء حلّ الطلبة مسائل رياضية. فوظيفة الموسيقى لا يُحتمل أن تختلف عن صوت قطرات المياه أو ترنم المروحة.

-                  الخلط بين الذكاءات والخصائص المرغوبة الأخرى: فالذكاء المتعلق بالتفاعل بين الأفراد مثلاً يحرَّف في غالبية الأحيان بجعله مسوغاً للتعلم التعاوني. والذكاء المتعلق بفهم الفرد لذاته يُحرَّف غالباً بجعله تبريراً لبرامج تقدير الذات.

الهوامش:

[1]- أنيتا وولفولك، سيكولوجيا التربية، ترجمة صلاح الدين محمود علام، (م.س)، ص 294.

الصفحة 187

-                  تقييم أو وضع تقديرات مباشرة للذكاء بغض النظر عن السياق: إذ لا مبررا لتقدير الأفراد من حيث الكيفية التي يكونون عليها لغوياً، أو جسمياً حركياً.

 استخدامات جيدة:

-                  ترسيخ إمكانات مرغوبة: فالمدارس ينبغي عليها ترسيخ تلك المهارات والإمكانات التي يقدرها المجتمع المحلي والمجتمع الأوسع.

-                  تناول مفهوم، أو مادة دراسية، أو نظام معين بطرائق متنوعة: تحاول المدارس تعليم أشياء كثيرة. فلعله من المفيد بدرجة أكبر قضاء وقت أطول في المفاهيم المفتاحية والأفكار التوليدية والأسئلة الأساسية، والسماح للمتعلمين بأن يكونوا على دراية بهذه الأفكار وتضميناتها.

-                  جعل التعليم شخصي: إن جوهر منظور الذكاءات المتعددة نظرياً وعملياً يتمثل في مراعاة الفروق الإنسانية بجدية.

الذكاء والإبداع وعملية التعليم والتعلم:

     يعتبر الإبداع بمعناه العام من بين الصفات المميزة للأفراد المتمتعين بمستوى أعلى من الذكاء. وبالتالي ينبغي تدريب المتعلمين "على الإبداع وتنمية قدراتهم الابتكارية بتوفير جو صفي يتسم بالتسامح والأمن والود والحرية، وعن طريق التنويع في أساليب التدريس وفي الأنشطة وتشجيع التلاميذ على الاكتشاف والتعلم الذاتي. 

الصفحة 188

وفي هذا الإطار يقدم لنا ""تورانس خمسة مبادئ يمكن أن يستخدمها المدرس في تدريب المتعلمين على الإبداع، وهي: [1]

- احترام أسئلة المتعلم.

- احترام خيال المتعلم.

- جعل المتعلم يدرك أن أفكاره ذات قيمة.

- السماح للمتعلم بأداء بعض الاستجابات دون تهديده بالتقويم.

- ربط التقويم ربطاً محكماً بالأسباب والنتائج.

اختبارات الذكاء وأهميتها في التدريس:

"اختبار الذكاء هو مقياس موضوعي ومقنن لقياس عينة من العمليات أو القدرات العقلية لدى الفرد، ويشمل هذا الاختبار مجموعة من الأسئلة التي ينبغي على المفحوص القيام بها. وقد يتضمن الاختبار عملية أدائية كالرسم، أو تكوين الأشكال. أما الهدف الرئيس لاختبارات الذكاء فيتمثل في التمييز بين الأفراد ذوي القدرات العقلية المختلفة من موهوبين وأذكياء ومتوسطين ومتخلفين، إضافة إلى أنها توضح لنا الفروق في القدرات العقلية لدى الفرد ذاته، بمعنى لو أخذنا نتائج اختبار مجموعة من الأفراد، لأمكننا أن نعرف من منهم المتفوق ومن منهم المتوسط، ولو أخذنا نتائج أي فرد منهم لاستطعنا أن تحدد جوانب التميز والضعف لديه، فقد تكون

الهوامش:

[1] - حنان عبد الحميد العناني، سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 66.

الصفحة 189

قدرته على التحليل والاستدلال أفضل من قدرته على التذكر والحفظ. وتعد اختبارات الذكاء ذات أهمية قصوى لأنها:[1]

- تساعد المربيين في تمييزهم لمستويات التلاميذ ووضع برامج ملائمة لقدراتهم المختلفة.

- تزود المربيين والمرشدين والأطباء بأدوات قياس دقيقة تساعدهم في أداء عملهم.

- تساعد المربيين والمؤسسات التربوية بشكل عام في التوجيه التربوي والمهني للمتعلمين".

الانتقادات الموجهة لنظرية الذكاءات المتعددة:

     جادل بعض النقاد أن الذكاءات المتعددة هي في الحقيقة مواهب (مهارة جسمية حركية، قدرة موسيقية) أو سمات شخصية (القدرة على التفاعل بين الأفراد)، وأن بعض الذكاءات الأخرى ليست جديدة على الإطلاق، فكثير من الباحثين حددوا قدرات لفظية ومكانية كعناصر للذكاء. وعلاوة على ذلك، فإن الذكاءات الثمانية ليست مستقلة. إذ توجد ارتباطات بين القدرات، والحقيقة أن الذكاء المنطقي - الرياضي، والذكاء المكاني مرتبطان ارتباطاً وثيقا. لذلك فإن هاتين القدرتين المنفصلتين لا تكونان منفصلتين إلى هذا الحد، والأدلة الحديثة التي ربطت بين القدرتين الموسيقية والمكانية حثت جاردنر على مراعاة إمكانية وجود روابط بين

الهوامش:

[1]- حنان عبد الحميد العناني، سيكولوجيا التربية، (م.س)، ص 67-68.

الصفحة 190

الذكاءات. (...) وقد ردّ جاردنر على الناقدين بتحديد عدد من المغلطات وسوء الفهم فيما يتعلق بنظرية الذكاءات المتعددة والتمدرس، أولها الفهم القائل بأن الذكاءات هي نفسها أنماط تعلم، فجاردنر لا يعتقد أن الناس لديهم بالفعل أنماط تعلم متسقة. وسوء الفهم الآخر هو أن نظرية الذكاءات المتعددة تدحض فكرة الذكاء أو العامل العام، إذ أن جاردنر لا ينكر وجود قدرة عامة، ولكنه يشكك في مدى فائدة الذكاء العام في تفسير الإنجازات الإنسانية.[1]

كما أنه "لا توجد حتى الآن أدلة بحثية قوية تدل على أن تبني مدخل الذكاءات المتعددة سوف يُثري التعلم. ففي إحدى الدراسات التقويمية القليلة المعتنى بها، أوضح "كالاهان" و"توملينسون" و"بلاكر" أنهم لم يجدوا تحسناً جوهرياً سواء في التحصيل، أو مفهوم الذات لدى الطلبة الذين شاركوا في ‏START، وهو مدخل يعتمد على الذكاءات المتعددة لتحديد وحفز الموهبة لدى الطلبة المحفوفين بمخاطر الرسوب.[2]

التطبيقات التربوية لنظرية الذكاءات المتعددة:

لا تنظر نظرية الذكاءات المتعددة إلى الذكاء على أنه قدرة عامة تشمل عدة مجالات، بل هو قدرة قد تشمل مجالا دون آخر. وعليه يمكن توظيف هذه النظرية على المستوى البيداغوجي من خلال الاسترشاد بالتوجيهات الآتية:

الهوامش:

[1]- نيتا وولفولك، سيكولوجيا التربية، ترجمة صلاح الدين محمود علام، در الفكر، ط 2، 2015، ص 294.

[2]- نيتا وولفولك، سيكولوجيا التربية، ترجمة صلاح الدين محمود علام، در الفكر، ط 2، 2015، ص 296.

الصفحة 191

- بناء التقويمات التشخيصية بشكل يهدف إلى قياس مدى تمكن المتعلم من المهارات والقدرات التي تنتمي إلى مختلف المجالات المعرفية (لغوية، رياضية، أدبية...). وذلك قصد تشكيل تصور واضح وشامل حول المتعلمين، وتجنب الحكم عليهم انطلاقا من قدراتهم ومستواهم في مجال واحد فقط.

- التخطيط للوضعيات والمواقف التعليمية وبناء أنشطتها بكيفية تأخذ بالاعتبار اختلاف المتعلمين داخل الفصل وتعدد ذكاءاتهم. وذلك من خلال تكييف المحتوى التعليمي مع الذكاءات المتعددة المحتمل وجودها عند المتعلمين.

- التركيز أكثر على تنمية القدرات المرتبطة بالمجال الذي يتفوق فيه كل متعلم. بحيث إذا كان المتعلم متفوقا في اكتساب اللغات، فمن المفيد أن يتم التركيز على تعزيز هذا التفوق لديه، وتوجيهه نحو التركيز أكثر على هذا المجال.

- ربط الأهداف التعليمية والكفايات المراد بناءها بالذكاء المناسب لها على مستوى الممارسة البيداغوجية. فإذا كان المراد هو بناء الكفاية التواصلية على سبيل المثال، فينبغي الاستعانة بالأنشطة التعليمية التي تسمح بتنمية الذكاء الاجتماعي.

- اقتراح المصادر والمراجع والأدوات التعليمية المناسبة للمجالات التي يتفوق فيها المتعلمون، والتي من شأنها أن تساعدهم على استخدام ذكائهم بشكل فعّال.  

الصفحة 192

المبحث الثامن: النظرية المعرفية العصبية

يعد (الدماغ) الآلية التي يتميز بها الإنسان عن غيره، وهو العضو الرئيس في الجهاز العصبي، يستقبل المعلومات ويحللها، ويسيطر على معظم أعضاء الجسم، وكذلك هو منبع إنتاج المعلومات الجديدة والأشياء المبتكرة. ويضم الدماغ مئات الملايين من الأعصاب، وهذه الأعصاب الدقيقة يمكن لها أن تولد عددا فلكيا من الشبكات العصبية، والتي تتشكل في معظمها نتيجة تأثير خبراتنا اليومية. ومن خلال عمل الدماغ وآلياته تطور الإنسان في شتى مجالات الحياة، فأنتج المزيد من العلوم والمعارف، وتعد الاكتشافات المتنوعة والمتتالية السريعة خير دليل على أهمية عمل الدماغ وتنشيطه. ونظرا للتطور السريع للحياة في العصر الحالي، والانفجار المعرفي المعلوماتي، وازدهار الاكتشافات العلمية والتكنولوجية، وما تبعها من اكتشافات لعلماء الفسيولوجيا والطب والتشريح لوظائف أعضاء الجسم البشري؛ اهتم علماء النفس والتربية بمحاولة تفسير وفهم السلوك الإنساني، والوقوف على الأسس البيولوجية له - بشكل عام- والمعرفة والتعليم - بشكل خاص-، وذلك من خلال التعرف على وظائف الدماغ والغدد والحواس والأجهزة الأخرى وطرق عملها.[1]

الهوامش:

[1] - عبد الرحمان فايزة أحمد عبد السلام، نموذج مقترح لتطوير تدريس البلاغة في ضوء بعض نظريات التعليم والتعلم: نظرية التعلم المستند إلى الدماغ أنموذجا، مجلة كلية التربية، جامعة الأزهر، 2015، العدد 165، ج 3، ص 01، بتصرف.

الصفحة 193

ويعرف علم الأعصاب المعرفي بالعلم الذي يتناول الطرق التي يعمل بها الدماغ البشرى أثناء التعلم؛ مما يعد تطورا كبيرا لفهم طبيعة عملية التعلم.[1] ولكي يتم التعلم فلابد من اندماج العقل والمخ فيما نتعلم، فالمخ هو: الجزء المادي الذي نمتلكه، والعقل: هو استخدام ذلك المخ؛ لذا طالب كثير من الباحثين المعاصرين بضرورة بناء علاقات قوية بين علم الأعصاب المعرفي والتعلم[2].

وبناء على ذلك فالنظرية المعرفية العصبية: هي نظرية مرجعيتها علم الأعصاب المعرفي والعلوم التربوية المعرفية، تهتم بدراسة الدماغ في علاقته بالتعلم.

وبخصوص ذلك يذكر أحمد عبود: أن التعلم المستند إلى الدماغ يأخذ بافتراضات الأبحاث الحديثة في علم الأعصاب، والتي تنص على أن دماغنا يتعلم بشكل أفضل إذا ما ترك على طبيعته الفطرية؛ لذلك تعالت الصيحات التربوية لإعادة النظر في محتوى العملية التربوية وأهدافها ووسائلها واستراتيجياتها، بما يتيح للطلاب اكتساب المعرفة القائمة على الدماغ.[3]

الهوامش:

[1] - Moghaddam, Alireza Navid; Araghi, Seyed Mahdi، (2013) " Brain-Based Aspects of Cognitive Learning Approaches in Second Language Learning " English Language Teaching, v6 n5 p55-61.

ترجمة نقلا عن: المرجع السابق، ص02.

[2] - أبو السعود محمد أحمد، ومحمد عبد الرؤوف صابر العطار، وسحر محمد يوسف عز الدين، فاعلية برنامج قائم على التكامل بين البنائية والتعلم والمستند للدماغ لتنمية مهارات ما وراء المعرفة في الاستقصاء المعملي في العلوم لدى طلاب الشعب العلمية بكلية التربية، مجلة كلية التربية ببنها، العدد 95، يوليوز 2013، الجزء 3، ص 461 بتصرف.

[3] - نقلا عن: عبد الرحمان فايزة أحمد عبد السلام، نموذج مقترح لتطوير تدريس البلاغة في ضوء بعض نظريات التعليم والتعلم: نظرية التعلم المستند إلى الدماغ أنموذجا، (م.س)، ج 3، ص 13.

الصفحة 194

نشأة النظرية المعرفية العصبية وروادها:

للحديث عن نشأة النظرية المعرفية العصبية، لا بد من تحديد نشأة علم الأعصاب التربوي، فنشأته مبنية على نشأة هذه النظرية، ويمكن عرض ذلك في الآتي: [1]

-                  علم النفس وعلم الأعصاب

نتج عن تعاون علم الأعصاب وعلم النفس المعرفي، تخصص علم الأعصاب المعرفي. ذلك أن النظرة البحثية للتعلمات المدرسية قد تغيرت. إذ أصبح البحث يدور حول كيفية المعالجات العصبية للمعرفة، ووظائف الهياكل البنيوية العصبية، مثل الوظائف التنفيذية والذاكرة والتعلم، والتساؤل حول الأساس العصبي للتعلمات واضطراباتها، وقد مرت هذه الدراسات من مسار تاريخي تتمثل أهم مراحله فيما يلي:

·                  سنة1892: حدد دوجيرين Dejerine أدلة على الأساس العصبي لعسر القراءة والإملاء؛ إذ تربط شبكة القراءة في الدماغ التعرف البصري في المنطقة السفلية مع الكلام، وكذا في التلفيف الجبهي السفلي ومع معاني الكلمات في الفص الصدغي الأوسط (يقع في الجزء الجانبي لكل من نصفي الكرة الدماغية). وقد مكن ذلك من فهم أفضل الطرق الفردية للقدرة على تعلم القراءة في حالة عسر القراءة.

الهوامش:

[1] - ينظر بتصرف: الدكتور أحمد بوعنان، أستاذ التعليم العالي بالمدرسة العليا للأساتذة، جامعة محمد الخامس، بوشيت محجوبة: باحثة في العلوم المعرفية والتربية، المدرسة العليا للأساتذة، جامعة محمد الخامس، المغرب، علم الأعصاب التربوي: مسار التأسيس ورهان التخصص.

منشور على الرابط: https://2u.pw/2cPMbxy  بتاريخ 03 نونبر 2023م، على الساعة: 20:30: 

الصفحة 195

كما أنه مرتبط بانخفاض التنشيط في المنطقة الصدغية السفلية اليسرى، وببنية غير طبيعية في الفص الصدغي الأوسط الأيسر. هذه النتائج من شأنها المساعدة في تصنيف المتعلمين على أنهم معسرين في القراءة، وبالتالي يتم تكييف الطرائق والاستراتيجيات التعليمية، والامتحانات مع طبيعة القدرات التعلمية لديهم، ومحاولة تجاوز تلك الاضطرابات تربويا.

ومنه فأهمية الدراسات العصبية التي قام بها دوجيرين Dejerine على من يعانون اضطرابات في الإدراك والتعلم والذاكرة، تكمن في الـتأسيس للقواعد العصبية للعمليات المعرفية ذات الصلة بمناهج التدريس؛ بنية الذاكرة وأنواعها، وسيرورات المعالجة المعلوماتية وتخزينها واسترجاعها.

-دراسات (Warringto,1982) و(Caramazza and  McCloskey,1987) و(Dehaene and Cohen,1995): بناء على دراسات عجز التنظيم الوظيفي للإدراك الرياضي عند عدد من المرضى، تم تحديد البنية التشريحية المسؤولة عن المعالجة الرياضية.

 -منذ العقدين الماضيين: تطورت تقنيات تصوير الدماغ التقليدية في تطبيقات علم النفس منذ الثمانينيات (اختبارات بينيه Binet)، القياسات السلوكية الدقيقة، قياس الوقت العقلي)، ومع حلول التسعينات، أمكن رصد السيرورات العصبية المواكبة للنشاطات التعلمية التكنولوجية، فتم استخدام تقنيات التصوير العصبي متقدمة تستهدف دراسة الشبكات العصبية للمخ الكامنة وراء الوظائف المعرفية: تخطيط 

الصفحة 196

كهربة الدماغ EEG، والتحليل الطيفي للأشعة تحت الحمراء القريبة NIRS، والتصوير بالرنين المغناطيسي MRI. 

-العقد الأول من القرن العشرين: وفر التصوير العصبي إمكانية التدقيق أكثر في العمليات المعرفية المسؤولة عن قدرات معرفية محددة لها علاقة بالممارسات الصفية، مثل: تتبع المعدل النمائي للذكاء اللفظي وغير اللفظي، الأساس العصبي للذاكرة اللفظية، الذاكرة المكانية، الفروق الفردية في تعلم القراءة…

-                  ظهور علم الاعصاب التربوي:

وجه جون برويرJohn Bruer  نقدا لاذعا لفكرة ربط علم الأعصاب بالتربية في مقاله الشهير المعنون ب "التعليم والدماغ: جسر بعيد جدا". حيث أشار إلى وجود مسافة كبيرة بين علم الأعصاب والفصل الدراسي. لكن بعد مرور خمسة وعشرين سنة، وتحت رقابة لجان أخلاقيات البحث (مثلا لجنة أخلاقيات البحث المشتركة لإعادة التصوير العصبي بكيبيك)، أمكن تتبع نشاط الشبكات الدماغية أثناء أداء مهمة تعلمية، ثم تدريب المختبرين على تقنيات لتحفيز وتنشيط الاتصالات الكهربائية والكيميائية بين التشابكات العصبية للبنيات المستهدفة.

كما أن الإنتاجات الغزيرة (رغم قصر مدة ميلاد هذا التخصص في 2007) من اكتشافات ودراسات ومقالات وتحديد طرق التشخيص والتقييم والعلاج التعلمي للأسوياء وذوي التربية الخاصة، ساعد في ضبط الفروق الفردية بين المتعلمين، وتفييئهم حسب نوع الاضطراب: اضطرابات تعلم القراءة، الكتابة، الحساب، 

الصفحة 197

اضطراب تطور اللغة، والتطور الاجتماعي والعاطفي… كلها فروق وحالات يمكن الكشف عنها بربط القدرة المعرفية والوظيفة التنفيذية وسيرورات المعالجة العصبية.

إن الانتقال إلى الممارسة التعليمية على أساس عصبي، تحتاج الى مقاربة بين تخصصية، تقوم على وحدة الموضوع والهدف؛ وتطوير وصقل الممارسة التعليمية التعلمية من شأنه تطوير العمليات النفسية المعرفي العصبية للمتعلم. وهذا ما ذهب إليه لوريلارد (Laurillard,2007) مبدأ "قابلية التشغيل البين-منهجي Méthodological Interopérability"، حيث يقر بأن التربية وعلم النفس بفرعه المعرفي وعلم الأعصاب هي مباحث تختلف من حيث التخصص والمنهجيات، إلا أنه من الضروري أن يختبر كل تخصص نتائج الآخر إذ يمكن إيجاد منطقة تقاطع، يتم التوسط بقابلية التشغيل البين-المنهجي لها من خلال نماذج حسابية واضحة لعملية التعلم.

وبناء على ما سبق، ينتج علم النفس نظريات التعلم، التي تتوقع عمل الأنظمة المعرفية، أما علم الأعصاب فيتفاعل عبر مسارين مختلفين: الأول يكون غير مباشر عبر علم النفس، يسعى فيها علم الأعصاب لاستخدام أدلة لتعزيز النظرية النفسية. أما الثاني فمباشر يعتبر المخ عضوا بيولوجيا، ويسعى الى تحسين النتائج التعليمية من خلال تحسين صحة الدماغ، مستحضرا بذلك العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة على المعالجة العصبية المعرفية، من قبيل؛ المكان، الزمان، المنبهات الخارجية وتأثيرها على الانتباه والإدراك، العامل الغذائي، التنفسي (هواء 

الصفحة 198

نقي)، اللياقة البدنية، الغذاء، نوعية وكمية التعلمات…، وبالتالي كل ما يهيئ الدماغ للوضعية المثلى للتعلم.

ومؤخرا صار علماء الأعصاب متمكنين من توثيق التغيرات التي تمس الخلايا في أدمغة الأجنة والرضع خاصـة تلك الناتجة عن التفاعل المبكر بينه وبين العالم الذي ينتمون إليه، فالتعامل مع المحيط بمختلف أشكاله يخلف تأثيرا على الطفل نتيجة للتغيرات التي تطرأ على الكيفية التي تتصل بها الخلايا العصبية ببعضها البعض، حتى قبل المـيلاد فـإن الأجنة تبدو أكثر حساسية لصوت الأم وجو البيت، وعندما تولد تكون قادرة على التعرف على صوت الأم وتفضله عن أي صوت أنثوي آخر. ثم إن أكثر القدرات تأثرا بالتفاعل الاجتماعي هو القدرة على صنع اللغة، فعلى الرغم مـن أن الطفـل يولـد ولديـه الاستعداد للكلام فإن تطور اللغة يعتمد اعتمادا كليا على سماع كلام الآخرين أولا ثم الانخراط في هذا الكلام بأصـوات وحركات مناسبة. تكمن مهمة الدماغ الأولية في تقديم التمثلات الداخلية للحقائق الخارجية، إن كل من لاحـظ الأطفـال حال ولادتهم يرى أنهم مزودون بحاجة فطرية والشم واللمس والملاحظة والاستماع والتجريب والتشكيل، فالدماغ لـديهم يستدخل ويسجل بشكل آلي ما هو مألوف وفي نفس الوقت يبحث تلقائيا عن الجديد من المثيرات ويتعلم الاستجابة إليها، وبالتالي فهم مبرمجون عصبيا للبحث عن معاني الحياة منذ الفترات الأولى من الولادة.[1]

الهوامش:

[1] - بوعافية خالد، العلوم العصبية المعرفية والتربية: روابط مشتركة واهتمامات مستجدة، دراسات نفسية وتربوية، مختبر تطوير الممارسات النفسية والتربوية، جامعة ورقلة، الجزائر، العدد 16، يناير 2016، ص 03.

الصفحة 199

المفاهيم الأساسية للنظرية المعرفية العصبية:[1]

-                  البيداغوجيا العصبية: يعتبر هذا المفهوم جسرا بين العلوم العصبية والبيداغوجيا ويهدف إلى: فهم آليات التعلم، إلى جانب اقتراح تقنيـات وسبل بيداغوجية متطابقة مع نشاطات الدماغ، ومنه يمكن تحقيق: اكتشاف استراتيجيات النجاح والفشل في التعلم، وتطوير استراتيجيات التعلم باستمرار، ثم إضافة ذلك تفعيل آليات التعلم الذاتي، ويمكن للعلوم العصبية أن توفر مقاربات مفاهيمية للبيداغوجيا لتحقيق تعلم أحسن وأنجع من أبرزها:

-                  التعقيد والتبسيط والاستنتاج: وهي القدرة على الإدراك الكلي بشكل صحيح من خلال الاعتمـاد علـى أجـزاء غيـر مكتملة، والاتجاه الذهني نحو التنظيم واستخدام تصانيف منطقية واستنتاج مفاهيم جديدة.

-                  التركيب: يمكن التركيب بين عدة مفاهيم من خلال استنتاج نقاط الاشتراك بينها.

-                  الحركية: الدماغ في تطور ونمو مستمر خاصة بالنسبة لوظائفه التي يمكنه تطويعها لتناسب متطلبات الواقع من خـلال بناء وصلات عصبية أكثر فعالية.

-                  المرونة: يمكن للدماغ أن يتغير بفعل التعلم ويبرز ذلك خاصة في القدرة على الابداع.

الهوامش:

[1] - نفسه.

الصفحة 200

-                  اللاخطية: الدماغ جهاز ديناميكي فعال وغير ميكانيكي وبالتالي فهو غير خطي.

-                  الانتقائية: في اختيار المثيرات والتفاضل بين الاستجابات.

-                  التنوع والانفصال: إن العصبونات متصلة فيما بينها إلا أن الإشارات لا تتجه إلا إلى المناطق المنوطة ببناء اسـتجابات مناسبة لها.

مبادئ النظرية المعرفية العصبية:[1]

-                  الدماغ نظام ديناميكي معقد:

إن أهم ما يميز الدماغ قدرته على معالجة وتنفيذ عدد من الوظائف والنشاطات في آن واحد. فهو يعمل على نحو متوازي على عدد من المهمات وبأكثر من طريقة. من ناحية أخرى أثناء عملية التعلم، فإن كافة الجوانب الفسيولوجية مثل الأفكار والمشاعر والانفعالات والتخيلات والاستعدادات تتفاعل كنظام واحد مع المثيرات البيئية لإحداث التعلم الفعال.

-                  الدماغ اجتماعي بطبيعته:

الهوامش:

[1] - عماد عبد الرحيم الزغول، نظريات التعلم، كلية العلوم التربوية، جامعة مؤتة، دار الشروق للنشر والتوزيع، الأردن، ط 1، 2010م، ص 265-268.

-ينظر أيضا: سفر خفير سني القرني، أثر استخدام التعلم المستند إلى الدماغ فى تدريس العلوم على تنمية التفكير عالي الرتبة وبعض عادات العقل لدى طلاب الصف الثاني المتوسط ذوى أنماط السيطرة الدماغية المختلفة، رسالة دكتوراه، كلية التربية، جامعة أم القرى، 2015، ص 31.

الصفحة 201

بعد الولادة بعامين تقريبا تصبح لدى الدماغ القابلية للانغماس في التفاعلات الاجتماعية وتكوين العلاقات الشخصية - الاجتماعية، حيث يتأثر التعلم إلى درجة كبيرة بطبيعة العلاقات الاجتماعية التي ينغمس فيها المتعلم.

-                  البحث عن المعنى الفطري:

ما يميز دماغ الإنسان أنه يسعى دوما على نحو فطري إلى البحث عن المعنى وذلك من أجل جعل خبراتنا ومعارفنا تبدو على أنها ذات معنى. ويكمن الهدف من وراء ذلك الحفاظ على البقاء والاستمرار، لأن البحث عن المعنى يعد بحد ذاته قيمة دافعه لفهم هذا الوجود.

-                  البحث عن المعنى يتم من خلال التنميط:

تتألف الأنماط عادة من الخرائط العقلية والفئات الفطرية والمكتسبة، فخلال عملية البحث عن المعنى يعمل الدماغ بشكل متوازي بتوظيف الأنماط الموجودة لديه في الوقت الذي يبحث فيه عن المعاين للمثيرات الجديدة، فهو يقوم بعمل العامل والفنان في آن واحد، حيث يحاول إدراك وفهم الأنماط كما هي في الوقت الذي يعمل على إعطاءها معاني جديدة أو ابتكار أنماط جديدة خاصة به.

-                  الانفعالات عنصر حاسم في التعلم وفي تكوين الأنماط:

إن كل ما نتعلمه يتأثر بالانفعالات بما في ذلك التوقعات والتحيزات الشخصية واحترام الذات والحاجة إلى التفاعل الاجتماعي، حيث جميعها تعمل على تنظيم 

الصفحة 202

خبرات التعلم لدينا. فالانفعالات والأفكار تؤثر في بعضها البعض، وتعمل كل منها في تشكيل الأخرى بحيث لا يمكن الفصل بينهما.

-                  يتضمن التعلم كلا من الانتباه المركزي والإدراك السطحي:

يعمل الدماغ على امتصاص المعلومات التي يتم تركيز الانتباه عليها، وكذلك بعض المعلومات التي تقع خارج نطاق تركيز الانتباه، ولكنه يكون عادة أكثر استجابة للمثيرات التي تقع ضمن دائرة الوعي أو الانتباه، ويتضمن التعلم دائما عمليات واعية وعمليات لا واعية.

-                  يتضمن التعلم العمليات الشعورية واللاشعورية:

هناك الكثير من خبراتنا المتعلمة جرى اكتسابها على نحو لا شعوري، حيث يتم معالجة بعض الخبرات والانطباعات الحسية التي تقع دون مستوى الوعي أو تلك التي لا يتم تركيز الانتباه إليها. وهذا بالطبع يعني أن فهمنا لبعض خبرات التعلم، والتركيز عليها قد لا يحدث فورا، وإنما بعد مرور فترة من الزمن، أو يعمل الدماغ على معالجة مثل هذه المعلومات على نحو لا شعوري.

-                  التعلم ذو طابع تطوري:

يمتاز الدماغ البشري بالمرونة، حيث إنه قابل للتغيير تركيبيا ووظيفيا عبر مراحل النمو، تبعا لتفاعل مجموعة العوامل الجينية والخبرات البيئية. فمع عمليات النمو تزداد كفاءة الأفراد على التعلم بشكل أكبر وذلك لأن الخلايا العصبية تصبح أكثر قدرة على تكوين وصلات جديدة مع الخلايا الأخرى.

الصفحة 203

-                  يتم تدعيم التعلم بمواجهة التحدي وإعاقته من خلال التهديد:

يعمل الدماغ بأقصى طاقاته وعلى نحو مثالي على تكوين ارتباطات ووصلات عصبية عندما يستثار على نحو مناسب في مواقف تتطلب مواجهة التحدي، أو من خلال بيئات تشجع المجازفة والمخاطرة. ولكن بالمقابل تضعف قدرته على التعلم وتكوين الوصلات في أوضاع التهديد، حيث يصبح أقل مرونة ويتراجع إلى استخدام إجراءات بدائية مما يعيق حدوث عملية التعلم.

-                  كل دماغ فريد بذاته:

على الرغم من أن البشر جميعهم لديهم نفس أجهزة الدماغ، إلا أن قدراتها وتنظيمها يختلف من فرد إلى آخر. وقد يرجع سبب ذلك إلى الاختلاف في عوامل التكوين الجيني أو بسبب اختلاف الخبرات والبيئات، ومثل هذا الاختلاف يظهر نفسه في مجال أمناط التعلم والمواهب والذكاء.

النظرية المعرفية العصبية والتعلم:

علينا أن نقر جدلا بأن كشوف التصوير الدماغي الوظيفي الحديث للعمليات والميكانيزمات الدماغية أثنـاء عمليـة التعلم صيرت نشاطات دماغ المتعلم أكثر وضوحا، لكن هذه المعطيات بقيت حكرا على أهداف مضاعفة التراث الأدبـي والمعطيات النظرية حول الموضوع، مما حفز الباحثين التربويين للتقصي حول كيفية الاستفادة منها لتحسـين العمليـة التربوية إجمالا. أما تشريحيا فقد أثبتت الدراسات العلمية العصبية أن مناطق معينة في الدماغ مسؤولة عن الكتابة وأخـرى عـن الإدراك 

الصفحة 204

البصري والذاكرة وإدراك العلاقات المكانية والبصرية، وإن المثير والخطير في الأمر فعلا أنها تنمو وتتطـور عبر مراحل النضج العصبي بفعل الاستثارات التي لم تبق عفوية فقط، بل صارت هادفة وتعليمية وذات صبغة نمائيـة. وصرنا في وقت ما نقدم فيها منظومات وأجهزة لها نماذجها المعرفية العصبية لتشرح سيرورات تعلم الكثير من المـواد الأساسية والمهارات الأكاديمية. فهل يتم الاستفادة منها لبناء البرامج التعليمية بحيث يتم تقديم المواد المسـتلزمة لهـذه القدرات في أوقاتها المناسبة نمائيا ولحصول التعلم المناسب من خلالها أو لإدراكها كما ينبغي وتطويرها؟ فعلى سبيل المثال، هناك باحات تسمى باحات معرفة الشكل البصري للكلمات، يتم تحفيز واستثارة هذه الباحـات في المرحلة النمائية الموازية لسن بداية التمدرس، إذ يتم عرض الصور والأشكال على الأطفال في الفصول الدراسـية لتهيئتهم للتعامل مع صور الحروف وصور الكلمات، ولدى هذه الباحات الدماغية القدرة على التلقي الأحسـن وبالتـالي الأداء الجيد، وفي الحال تعرضت لأساليب تعليمية وتربوية غير مناسبة لآلية عمل العصبونات في هـذه الباحـات قـد يكسبها عادات تعلمية خاطئة، وبالتالي مشكلات تعلمية صفية واضحة لدى الأطفال. إذ بينت الأبحـاث أن الأشـخاص الذين لم يتعلموا إطلاقا تقوم هذه المناطق عندهم بالتخصص في معرفة الوجوه، واستنتجوا أن هـذه الخلايـا العصـبية يمكنها أن تتعلم من خلال استثارتها بمواقف وبوسائل بيداغوجيا مبنية على أسس أبحاث الدماغ. والسياق مشابه جدا إذا كنا بصدد أطفال يتعلمون الكلمات واللغات والحروف، إذ تتعلم هذه الخلايا فـي البدايـة حسن التفريق 

الصفحة 205

بين الحروف المتشابهة مثل (ت و ث) والأرقام مثل (6 و 9) إلى غير ذلك، وقد أطلق هؤلاء البـاحثون اسم عصبونات الحروف والأرقام على هذه الخلايا العصبية.[1]

 

دور المعلم في النظرية المعرفية العصبية:[2]

للمعلم عدة أدوار يقوم بها أثناء التعليم المستند إلى الدماغ، فعليه أن يكتشف أنماط التعلم وأساليبه الخاصة بكل متعلم، والتعرف على ما يتمتع به المتعلم من قدرات دماغية معينة، وكذلك يهيئ المناخ الصفي الملائم بما يتفق مع العمل التعاوني، مع عدم إشعار المتعلمين بالتهديد أثناء عملية التعلم، وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن رغباتهم باستخدام أساليب مريحة وممتعة.

دور المتعلم في النظرية المعرفية العصبية:[3]

في هذا النوع من التعلم يتطلب أن يكون المتعلم قادرا على المشاركة مع الآخرين في صناعة القرارات التي تخصهم، وتوجيه قدراتهم الذكائية بأنفسهم، كما يجب أن يتمكن من التعامل مع أساليب حل المشكلات بأنواعها المختلفة، ويكون قادرا على تقويم نفسه، والتعرف على مدى تقدمه نحو التعلم.

الهوامش:

[1] - بوعافية خالد، العلوم العصبية المعرفية والتربية: (م.س)، ص 02.

[2] - عبد الرحمان فايزة أحمد عبد السلام، نموذج مقترح لتطوير تدريس البلاغة في ضوء بعض نظريات التعليم والتعلم: نظرية التعلم المستند إلى الدماغ أنموذجا، (م.س)، ج 3، ص 19.

[3] - نفسه.

الصفحة 206

مراحل التعلم في النظرية المعرفية العصبية:[1]

-                  المرحلة الأولى: مرحلة الإعداد: وتشتمل هذه المرحلة على إعطاء فكرة عامة عن الموضوع وتصور ذهني للموضوعات ذات الصلة، وكلما كان لدى المتعلم خلفية أكثر عن الموضوع كان أسرع في تمثيل المعلومات الجديدة ومعالجتها داخل الدماغ.

-                  المرحلة الثانية: مرحلة الاكتساب: وتؤكد هذه المرحلة على أهمية تشكيل ترابطات عصبية نتيجة الخبرات الأصلية والمترابطة، وكلما كانت المدخلات مترابطة كانت الترابطات العصبية أقوى وأكثر، فإذا كانت المدخلات مألوفة ستقوى الترابطات المثارة وينتج التعلم، ومن مصادر الاكتساب: (المناقشة – المحاضرة – الأدوات بصرية – والمثيرات بيئية – والخبرات المتنوعة - ولعب الدور والقراءة والفيديو والمشاريع الجماعية)، وتؤكد هذه المرحلة على الخبرة القبلية للطالب عن الموضوع المراد دراسته.

المرحلة الثالثة: مرحلة التفصيل (الإسهاب): وتكشف هذه المرحلة عن ترابط الموضوعات، وتدعم تعميق الفهم، وتحتاج إلى إدماج الطلبة في الأنشطة الصفية من أجل فهم أعمق وتغذية راجعة مع استراتيجيات صريحة وضمنية، ويعد التصحيح والتعديل المتواصل أمرا مهما في إحداث التعلم، ومن الأساليب المتبعة

الهوامش:

[1] - عبد الرحمان فايزة أحمد عبد السلام، نموذج مقترح لتطوير تدريس البلاغة في ضوء بعض نظريات التعليم والتعلم: نظرية التعلم المستند إلى الدماغ أنموذجا، (م.س)، ج 3، ص 20-21.

الصفحة 207

-                  في هذه المرحلة: (أشرطة الفيديو – مفاتيح الإجابة)، وجميعها توفر تغذية راجعة ذات قيمة للمتعلم.

-                  المرحلة الرابعة: مرحلة تكوين الذاكرة: وتهدف هذه المرحلة إلى تقوية التعلم واسترجاع المعلومات بشكل أفضل من خلال الراحة الكافية والحدة والانفعالية والسياق والتغذية الراجعة، وحالات التعليم والتعلم القبلي؛ مما يساعد على عمق المعالجة الدماغية والتعلم الأفضل.

-                  المرحلة الخامسة: مرحلة التكامل الوظيفي: ويتم في هذه المرحلة استخدام التعلم الجديد بهدف تعزيزه لاحقا والتوسع فيه، ويتم تطوير الشبكات العصبية الموسعة أو الممتدة من خلال تكوين ترابطات، وتطوير ترابطات صحيحة وتقوية الترابطات الأخرى.

التطبيقات التربوية للنظرية المعرفية العصبية:

النظرية المعرفية العصبية واحدة من أهم النظريات التي يتم تطبيقيها في العملية التعليمية التعلمية، لكونها تقوم على التعلم المستند إلى الدماغ في ضبط المعارف ومناقشتها، وتحقيق المهارات والكفايات، ومن الأمثلة التي تبرز التطبيقات التربوية لهذه النظرية:

-                  طرح فكرة عامة حول موضوع الدرس، والبحث عن التصورات الذهنية للمتعلمين حوله، ويكون الهدف من ذلك الوصول إلى الترابطات العصبية الناتجة عن الدماغ، ومحاولة التشكيل بينها لاستخراج أجودها ليتم بناء الدرس وفقها.

الصفحة 208

-                  تقسيم المتعلمين إلى مجموعات صغيرة، وطرح مشكلات مختلفة على كل مجموعة، وتكون هذه المشكلات لها علاقة بالدرس المراد إنجازه، ويتم جمع أفكار كل مجموعة على حدة، والمقارنة بينها وجعلها موضع نقاش بينهم، ليتم على أساسها الاشتغال على الدرس الجديد.

-                  عرض رسومات أو مقاطع فيديو على المتعلمين، ليحاولوا من خلالها التعبير عن أفكارهم حولها، والبحث عن طرق توظيف مضمونها في خدمة الدرس المراد إنجازه.

-                  تركيز المتعلم حول موضوع معين لمدة زمنية يحددها المدرس، والتعبير عنه بالأسلوب الشخصي من خلال توظيف أفكاره واستخدام ذهنه في الربط بين العناصر التي يتضمنها الموضوع.

-                  طرح كلمات عشوائية تجعل المتعلم أمام لغز، يحاول توظيف دماغه في فك رموز الكلمات والتعبير عن مضمونها بشكل صحيح، وتحليل محتواها، بما يتوافق مع خصوصيات الدرس المراد إنجازه.

الصفحة 209






















































 

















خاتمة

إن تحقيق الجودة داخل المنظومة التعليمية، يتوقف مجلمه، على استثمار النتائج التي يتوصل إليها الباحثون من مختلف الحقول المعرفية أثناء بحثهم في الإشكلات العلمية ذات الصلة بقضايا التربية والتعليم. ويقتضي هذا الاستثمار بذل المزيد من الجهد في التعريف بمستجدات الفروع العلمية التي تُعنى بالبحث في المواضيع والظواهر التربوية، ومحاولة تنزيلها وتكيفيها مع واقع الممارسة المهنية والعملية للمربيين والمدرسين ومختلف الفاعلين التربويين المتدخلين في العملية التربوية والتعليمية التعلمية، بالشكل الذي يتيح إمكانية تجويد ممارساتهم وتطويرها المستمر والدائم.

ومن منطلق الأهمية البالغة التي تكتسيها سيكولوجيا النمو وسيكولوجيا التربية وما يترتب عنهما من نظريات تربوية وتعليمية تساهم في تأطير الفعلي التربوي والتعليمي وتجويده، حاولنا في هذا العمل تقديم الخطوط العريضة للمعرفة السيكولوجيلة ذات الصلة بالشأن التربوي والتعليمي، من خلال التركيز على بسط نظريات التعلم لتكون مفيدة على المستوى التربوي والتنزيل الديداكتيكي، وفق منهجية تربوية تروم تحقيق مقاصد وغايات التربية وتساهم في بناء عملية تعليمية تعلمية تحقق جودة الفعل التربوي.

الصفحة 210