مدخل إلى علم تدريس المواد
المؤلف: رياض الجوادي
التصنيف: الديداكتيك
عرض PDFالوصف:
مدخل إلى علم تدريس المواد، رياض بن علي الجوادي، دار التجديد للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، الطبعة الثانية، 1441ه/2020.
مقدمة
لا يمكن للمجتمعات أن تبدع بلغة غيرها حتى وإن نجح بعض أفراد تلك المجتمعات في ذلك، ثم حتى وإن احتاجت أن تقترض "الصيغ" بحسب الحاجة وتوطنها في خطابها بحسب قوانين لغتها، ولا يُمكن للأمم أن تنخرط في مسارات التحضر والإبداع الثقافي إلا بقدر ما تمتلك من ترسانة اصطلاحية غنية وراشدة ومحدثة(محينة) ومتسقة.(1)
ولا يساعد على الإبداع كثيرًا ما قد يعتري المصطلحات من قلق ...
تلك مقدمة عامة اتخذها مدخلا بين يدي هذه الورقة
المنخرطة بشكل عملي في هذا المسار، باحثة عن الإناء اللغوي المناسب للمصطلح الفرنسي (La didactique des disciplines)، ومحدّدة المفاهيم
الهوامش:
الصفحة:7
التي لها نوع تعلّق بها إما باعتبارها مرادفًا لها، أو أصلا أو فرعًا عنها وجزءا منها.
ليس من المنطق في شيء أن تدرس مادة الرياضيات مثلما تدرّس مادة العربية. وواقع الممارسة التدريسية يقول: إن التفاعلات التي تربط بين المدرّس والمتعلم في مادة الفيزياء ليست هي التفاعلات التي تربط بين المدرّس والمتعلم في مادة التاريخ أو التربية الإسلامية. تتدخل في ذلك طبيعة المحتوى المدرّس، وصورة المادة لدى المتعلم، وتاريخ التعلم لدى المتعلم، وغيرها من الأبعاد التي لها تعلق كبير بالمحتويات المدرسة وتتأثر بها إلى حدود
. والمنظرين التربويين عن تقديرها
وقد ابتكر العقل التربوي "التعلمية" إطارا بحثيا يهتم بدراسة التفاعلات التي تربط بين كل من المدرس والمتعلم والمعرفة داخل مجال مفاهيمي معين، وذلك قصد تسهيل عملية تملك المعرفة من قبل المتعلمين...
وهذه التعلمية (الديداكتيك) بممارساتها العملية داخل كل حقل معرفي أو مجال تعليمي تعلمي- قديمة جدا، أما ببناها
الصفحة:8
وتقسيماتها النظرية ومفاهيمها المولّدة، فهي حقل معرفي حديث بعض. الشيء مقارنةً بمجالات معرفية كثيرة أخرى.
وهي في مجتمعاتنا العربية أكثر حداثة إذا قورنت بغيرها من المعارف والمباحث التربوية فمهما بدت مفاهيمها متبلورة، فإنها لم تتجاوز بعد طور التأسيس، ومهما حازت بعض قضاياها من الاهتمام، فإن التفكير المنظم والمؤسس فيها - رغم بعض المحاولات المحترمة قديما وحديثا - لا يزال غضًا، وهو يشهد خطواته العلمية نهاية القرن الماضي ومطلع هذا القرن مع محاولات مختلفة في حجمها ونضجها محاولات تكاد تقتصر على المغرب العربي باعتبار أن مفاهيمها الأصلية ولدت في المدرسة الفرنكفونية أساسا، وإن عُرفت في المدرسة المشرقية بمناهج وطرق تدريس المواد سيرا على خطى المدرسة الأنجلوسكسونية...
وقد خضت تجربةً أُولى في رسم ملامح أولية للتدريسية لما تولیت تدريس المادة للتلاميذ المتفقدين بالمركز الوطني لتكوين المكونين في التربية بين سنتي 2005 و 2007، وانطلقت حينها من تجربتنا العملية في تدريس المادة والتنظير لها أفككها وأتبين المشترك فيها، مستأنسا بعدد من الدراسات التي نظرت لتعلميات المواد في
الصفحة:9
المجالات العلمية والإنسانية والاجتماعية، واهتممت بالبحث في القواسم المشتركة بين تلك التعلميات وإدراك الخصوصيات المميزة لكل واحد منها...
ولما اقترح علي تدريس المادة من جديد في المعهد العالي للتربية والتكوين المستمر بالشراكة مع جامعة الزيتونة، رأيتها فرصة سانحة لأن أعيد النظر فيها كنت قد كتبت منذ عقد ونصف عقد من الزمن وأجيل فيه يد الترتيب والتنقيح والتحليل لأصنع مقدمة أو مدخلا إلى هذا المفهوم "المشكل " يعي خصوصيته ويُدرك التحديات المعرفية والمنهجية التي يطرحها، وأولها التحدي التعريفي الاصطلاحي في مستوييه:
-العام وأعني به المستوى الذي يعني الجميع وهو حيوي بدرجة كبيرة في المجتمعات الفرنكفو كونية لأنها المفهوم
.... -بدلالته الحديث- ولد عندها أساسا
-الخاص وأعني به المستوى الذي يتعلق بالثقافة التربوية العربية في علاقتها بالمشكل الاصطلاحي ولادة وتطوّرا واتفاقا واختلافا.
الصفحة:10
هذه الورقة إذن محاولة للتفكير وإعادة التفكير في مفاهيمتفرض نفسها على الساحة التربوية العالمية وتفعل فيها بشكل لافت، وهي جهد يستهدف الانخراط في حوارات تربوية تفرض نفسها على المؤسسات البحثية في المجال التربوي والتعليمي بقدر ما يستهدف إثارة الحوارات العربية لتطوير المعجم العربي في مجتمعاتنا، وهي في الأخير مقدّمة مفهومية إلى الديداكتيك (أو علم تدريس المواد أو التعلمية أو التعليمية أو التدريسية بحسب مصطلح كل بلد وجهة أو شخص)، تُحاول أن تُسهم في الإجابة عن ذينك السؤالين الملحينالتي يطرحها هذا المفهوم القديم الجديد وهي :
-ماذا نعني بالديداكتيك ؟ وهل من سبيل إلى حسم تلك المعركة المحتدمة في أدبيات بعضهم بين الديداكتيك والبيداغوجيا ؟
-ثم كيف تفاعلت الثقافة التربوية العربية . المفهوم على المستوى الاصطلاحي؟ وإلى أي مدى يمكن التقريب بين تلك الجهود؟
يتعلق السؤال الأول بالمستوى العام للبحث في الديداكتيك، بينما يتعلق السؤال الثاني بالمستوى الخاص منه.
الصفحة:11
وهذه الورقة لا تدعي أنها ستوفّر كل الإجابة أو حتى جُلّها، يملك كل الإجابة! خاصة في مثل هذه الشؤون التي تُصْنَع إجاباتها في الفصل كل يوم، ومع كل درس...
فحسب هذه الوثيقة أن تنجح في طرح السؤال المناسِب أحيانا...
أو أن تُسهم في وضع مشروع إجابة حينا آخر...
أو أن تُسلّط الضوء على طريق تدريسية يكتنفها الغموض، وما أكثر الطرق التي مازالت أسيرة الغموض....
أو أن تحيل على مسالك تعليمية /تعلمية تحتاج إلى التمهيد، وما أكثر هاتيك المسالك.
أو أن تغازل مفهوما تدريسيا لم يتبلور في أدبياتنا التربوية بما يناسب موقعه، وكم هي تلك المفاهيم التي أعيتِ الفهم، بل وأضحت حجبا تمنع من الفهم...
أو أن تَشُدَّ الرحال إلى تمش تسهم في توضيح مقوماته وتشارك في كشف حدوده...
إنها وثيقة حاولت أن تمسح أفقيا - مشاغل يطرحها مفهوم الديداكتيك على المستوى الاصطلاحي أساسا، دون أن تقدر على
الصفحة:12
الغوص عموديًا في أعماق كلّ مشغل... وتلك طبيعة المداخل دائما، تقترح نفسها مشاريع بحث ودراسة، ساهمت فيها ببعض اللبنات هنا، وببعض الصُّوى هناك، وببعض الأسئلة هنالك... وبتضافر الجهود لا بد أن تتبلور الرُّؤى، وتَشُدَّ الأطروحات من أثر بعضها، حتى ينضج التناولُ، وتُضحِي مساهمات الثقافة التربوية العربية في حفل التدريسيات جادة ومضيفة...
الصفحة:13
المبحث الأول: تعريف علم تدريس المواد
يحدد أستولفي وديفلاي(2) مجال اهتمام تدريسيات المواد بدراسة التفاعلات التي تربط بين كل من المدرس والمتعلم والمعرفة داخل مجال مفاهيمي معيّن، وذلك قصد تسهيل عملية تملك المعرفة من قبل المتعلمين". وهو بتحديد مجال اهتمام التدريسيات يُعطيها
تعريفاً دقيقا يتكون من ثلاثة أجزاء:
- فهي "العلم أو المجال التربوي الذي يدرس التفاعلات التي تربط بين كل من المدرّس والمتعلم والمعرفة"، وهو معنى قد
تشترك فيه التدريسية مع مجالات تربوية أخرى كثيرة.
الهوامش:
(2) Astoli, Jean-Pierre & Develay, Michel. (1993). La dihctique des sciences, Paris Presses universitaires de France. : p.9
الصفحة:15
- فيضيف قيد "داخل مجال مفاهيمي معين" ليضفي خصوصية على هذه الدراسة، فهي تتعلق بمجال تعليمي، ليعلن بذلك ارتباط التدريسية بالمحتوى والمادة المدرسة.
ويضبط الهدف من تدريسيات المواد بوضوح " وذلك قصد تسهيل عملية تملك المعرفة من قبل المتعلمين"."-
وتعمل التعلمية (La didactique) في هذا السياق على الكشف عن مختلف "الإيواليات "(Les mécanismes) المستخدمة من قبل الفرد المتعلم لتملك المفاهيم والمعارف المتصلة بمجال معرفي معين.
وتحاول أنيت بيغين (Annette Beguin) أن تسلّط الضوء على الأسس والافتراضات التي تقوم عليها التعليمية فتقول: "يعتمد الديداكتيك ( فنّ التدريس) على ثلاثة افتراضات: وجود محتوى لمادة تعليمية محددة، وقابلية التعليم المعرفي للأفراد، ووجود تقنيات لنقل المعرفة القابلة للصياغة وللتعليم."(3) "
ولا تغريك السهولة في هذا الطرح السابق بعناصره المختلفة، فلم يكن الأمر قط واضحًا كما قد تتوهم، فغبار النزاعات القائمة من أجل
الهوامش:
(3) Beguin, Annette. (1996). Didactique ou pédagogie documentaire ? Ecole des lettres des collèges. N°12, 1995-1996, pp.49-64.
الصفحة:16
تحديد العلاقة بين الديداكتيك والبيداغوجيا لم تنقشع بعد، فقد أثارت تلك العلاقة إشكالياتٍ كثيرةً يُمكن تلخيصها في مواقف ثلاثة:
- موقف يجعل الديداكتيك وريئًا للبيداغوجيا، مشيرًا إلى أن البيداغوجيا أصل والديداكتيك فرع:
الهوامش:
(4) Comu, L. & Vergnioux, A (1992). La didactique en questions. Paris, Hachette. p. 134
الصفحة:17
الديداكتيك والبيداغوجيا: بنوة غير معترف بها (5).
- موقف يجعل الديداكتيك أصلا والبيداغوجيا فرعًا:
الهوامش:
(5)Develay, Michel. Origines, malentendus et spécificités de la didactique. In: Revue française de pédagogie, volume 120, 1997. Penser la pédagogie. pp. 5966; p.61.
(6) Develay, M. (1996). Diddique et pédagogie. Sciences humaines, hors sirie n pp 58-60.
(7) ibid.
الصفحة:18
- موقف يرى أن النزاع مفتعل ولا طائل من ورائه، وأن الأولى عدم الوقوع في شراك المصطلحات، وعدم الانغماس الشديد في التعريفات وأنّ الديداكتيك والبيداغوجيا يتكاملان بأشكال مختلفة في الطرح:
أما الديداكتيك: فهو فنّ أو طريقة تدريس المفاهيم الخاصة بكل مادة تعليمية مع إدارة الصعوبات الخاصة بمجال معين في تلك المادة.
وقد اهتما بتحديد العلاقات بين المفهومين واستنتجا بطريقة عملية للغاية: "يمكننا أن نقول: إن البيداغوجيا كانت تشمل على الديداكتيك
الهوامش:
(8) Comu & Vergnioux : La didactique en questions: p. 15
الصفحة:19
وحديثًا أصبح الأمر بالعكس: لكن مناقشتها إلى ما لا نهاية تبدو عقيمة تماما. إنه نفس الواقع الذييُرى من وجهات نظر مختلفة".
وفي حوار مع جان هوساي (Jean Houssaye)، خلص أستولفي (Astolfi) إلى أن "جوهر النقاش هو معرفي (إبستيمولوجي)، ونحن نعلم أنه لا توجد حقيقة في الإبستمولوجيا، بل مواقف فقط. في نهاية المطاف، ليس المهم أن نعرف ما إذا كان من الصحيح أم لا) أن الديداكتيك والبيداغوجيا متطابقان أم لا، بقدر ما يهم أن نعرف ما نكسبه (أو ما نفقده) بادعاء هذا الأمر وبمناقشته " (9).
ويطرح دفلي (Develay) سؤالاً يردد فيه ما طرحه كورنو وفيرجنيو (Corm et Vergnioux)(10)من قبل فيقول: "عندما نفحص مواقف حقيقية، هل
الهوامش:
(9) Astolfi, J.P. (1996). Didactiques et pédagogies, (dossier coordonné par). Educations, n°7
.(10) Corms & Vergnious. La didactique en questions. p. 15
الصفحة:20
يجب أن نتحدث عن مقطع ديداكتيكي أو مقطعبيداغوجي؟"
وقد جاء رد (Develay) على النحو التالي: "إنّ التمييز بين الديداكتيك والبيداغوجيا له دلالة: فالد دياكتيكي يرى أن خصوصية المحتوى حاسمة في تفسير النجاحات والإخفاقات، بينما يُركز البيداغوجي على العلاقات الصفية بين الطلاب وبين الطلاب والمدرسين، ويهتم بعلاقات السلطةوالحب والكراهية". (11)
الهوامش:
(11) Origines, malant endes et specificités de la didactique,.63.
(12) Voir: Kemeis, Jacques. (2007). Introduction à la didactique: Didactique et culture informationnelles: de quoi parlons-nous? (Séminaire du GRCDI), GRCDI et URFIST Bretagne-Pays de Loire, Sep 2007, Rennes, France. : p. 2
الصفحة:21
وهو تمييز، أعاد طرحه باسکال دوبلیسیس في أطروحة ماجستير، ولم يجد ترحابا عند كثيرين:
يحكي كيرنايس(13) ان سانسيفي أرسلت لها ردا على مراسلة ذكرت فيها تمييز التي(قبل / أثناء) قالت فيه: الذي سبق ذكره
""يبدو لي أن هذا النوع من التمييز مدرسي تماما. إذا كان لدينا رؤية أنثروبولوجية موجهة نحو العمل، وتركز على الممارسة الفعالة للديداكتيك، فإن الفصل بين ما قبل العمل وأثناء العمل ليس له ما يُبرره حقا في فصل الديداكيتك والبيداغوجيا... لتتوج ردها في الأخير بقولها: "لذلك يمكن للمرء أن يقول إنه من وجهة نظر فعلية، تهتم الديداكتيك بالتحديد بهذه الأعمال التي تغذيها وتشكلها المعرفة (تلك التي تشمل ما أسميه حركات
الهوامش:
(13) ibid.
الصفحة:22
التدريس). واعتقد حسب رايي انه من الافضل في مثل هذه الحالات، عدم الوقوع في شراك المصطلحات، وعدم الانغماس الشديد في التعريفات".
وقد بدت هذه النصيحة حكيمةً لكثيرين (14).
فيُعرف التعليم بأنه: العمل الذي يقوم به الفرد المخول بسلطة تعليمية مشروعة من قبل مؤسسة أو أكثر ومعترف به بهذه الصفة من قبل المتلقين. ويعرف البيداغوجيا باعتبارها تغطي مجموعة من النظريات التربوية التي تحيل إلى حد ما إلى التصوّر عن الإنسان والمجتمع.
الهوامش:
(14) Beillerot, J., Mosconi, N. & Blanchard-Laville, C. (1996). Pour une clinique du rapport au savoir. Paris : L'Harmattan.
(15) Sarrazy, B. (2002). Didactique, Pedagogie et Enseignement : pour une clarification du débat dans la communauté des sciences de l'éducation ». In J.F. Marcel Les Sciences de l'Éducation: des recherches, une discipline? [Actes de l'Université d'été « Éducation, Recherche et Société » 5, 6 et 7 juillet 2000 -Carcassonne] de Paris: l'Harmattan. Chap. VI 131-154: p. 12
الصفحة:23
بينما يعرف الديداكتيك بأنه العلم الذي يهدف إلى دراسة الظروف المناسبة لنشر المعارف والحفاظ على معناها أثناء انتقالها من مؤسسة إلى أخرى، ونمذجة تلك الظروف في شكل مواقف.
ويقوده ذلك إلى استخلاص النتيجة التالية: وهو أننا إذا اعتبرنا "الديداكتيك يمكن من المساهمة في توضيح الأسئلة التي تثار في التدريس، وإذا كانت البيداغوجيا تسمح لنا بتحديد عدد معين من القيم في هذه الممارسات نفسها، وهي قيم غالبا ما تكون متناقضة، فإن الأولى كما الثانية لا يمكن لهما الادعاء بأنها تتفرّدان بحل تلك الأسئلة."
وإذا أردنا أن نلخص العلاقة بين البيداغوجيا والديداكتيك، مسلمين بعدم القدرة على الفصل التام بينهما، ومستثمرين الرؤية التكاملية باعتبارها الأكثر شهرة من ناحية، والأقرب إلى روح الوظيفية من ناحية ثانية، وباحثين عن شيء من الإجرائية المساعدة على تبين الحدود بشيء من الوضوح المساعد على استثمار هما كأداتين لتطوير الفعل التعليمي، قلنا:
الصفحة:24
إنهما يختلفان من ناحيتين على الأقل(انظر الشكل(1)):
-الأولى: أن التعلمية تهتم بالعملية التعليمية من جهة مادة معرفية معينة، حتى قال "كورنو" و"فيرنيو " إن التعلمية هي فن إدارة المعرفة داخل العملية التعليمية، بينما تهتم البيداغوجيا بالعملية التعليمية من جهة إدارة الفصل والعلاقات داخله.
-الثانية: أن التعلمية مرتبطة بكل مادة تعليمية في ذاتها تأخذها من خصوصيتها وتتفاعل مع مفاهيمها ومناهجها وخصائصها المعرفية، ومن هنا جاء الحديث عن تعلميات متعدّدة بتعدد المواد، بينما ترتبط البيداغوجيا بتلك المفاهيم العابرة للمواد والتخصصات.
الصفحة:25
(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 26 من نسخة البدف أعلاه) : في الفرق بين التعليمية والبيداغوجيا
ويمكن أن تترجم علاقة الفصل والوصل التي تربط بين الديداكتيك والبيداغوجيا من خلال هذا المشروع التكاملي ذي الرؤية المنظومية (انظر الشكل(2))
(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 26 من نسخة البدف أعلاه) : الرؤية المنظومية في العلاقة بين التدريسية (الديداكتيك) والبيداغوجيا
الصفحة:26
المبحث الثاني: مشكلات المصطلح العربي في ترجمة ( Didactique )
أود الإشارة منذ البدء أن ما ستثيره من مشكلات حول ترجمة كلمة (Didactique) في الثقافة العربية ليس استثناء، يكفيك ما رأيته من نقاشات حادة وأطروحات متدافعة في المبحث السابق تعلن بشكل صريح أن الديداكتيك لا يزال كمصطلح يشهد مشكلات حتى في اللغة الفرنسية التي نشأ فيها أو اشتهر عنها، ويُلخّص تلك النزاعات ما قاله مارتيناند سنة 2014: "لا يزال مصطلح
تعليمي"، كاسم (مؤنث) أو كصفة، عرضة لسوء الفهم حتى اليوم"(16)
فلا غرابة أن نجد نوعا من التردد في اعتماد هذا المصطلح أو ذاك داخل الثقافة التربوية العربية، خاصة في ظل عدم وجود
الهوامش:
(16) Martinand, Jean-Louis. (2014). Point de vue didactique des sciences et techniques, didactique du curriculum. Education & Didactique, 2014, vol. 8, n 1, p. 65-76. p. 66
الصفحة:27
مؤسسات تحسم مثل هذه الخلافات في المصطلحات الفنية، ليُصبح العرف والاستعمال عاملا حاسما فيها.
تعددت ترجمات كلمة (Didactique) بمعناها الاصطلاحي الجديد في ثقافتنا العربية، فاستعملت كلمتا "تعلمية المادة" و"تعليمية المادة"، مع اختلاف نسبي في المساحة التي تحتلها كل واحدة منهما، حيث يظهر أن كفّة "التعلمية" راجحة في تونس لأنها أخذت مشروعية استعمال أسبق وأكبر داخل المعاهد العليا، ثم لأنها ارتبطت بفكرة التعلم التي تضع المتعلم في قلب العملية التعليمية وتهتم به اهتماما استثنائيا في ظل الإيقاع البنائي الذي هيمن على الواقع التربوي بدءًا من النصف الثاني من القرن الماضي. بينما ترجع كفّة "التعليمية" في الجزائر لأنها تُرجمت على ذلك النحو منذ أول وهلة، وغلب على المغرب استعمال كلمة "ديداكتيك"، واستحسن آخرون أن يسموه "علم تدريس المواد".
وتستند كل صيغة من هاتين الصيغتين الأوليين: التعليمية والتعلمية إلى اعتبار علمي مختلف حاول كل طرف رعايته:
الصفحة:28
1- فالاعتبار الذي استند إليه المنتصرون لكلمة "تعلمية" هو أن المعرفة عملية بنائية يقوم بها المتعلم انطلاقا من نشاطه الفاعل داخل محيطه، وأن التمشي المؤدي إلى امتلاك المعرفة المدرسية لا يتحرك إلا إذا انطلق من حاجة يشعر بها الطفل. ومن هنا جاءت التسمية لتؤكد على الدور الرئيس والفاعل للمتعلم داخل العملية التعليمية/ التعلمية.
2- اماالاعتبار الذي حكمه المنتصرون (17) لكلمة "تعليمية"، فهو أن التعلم يحصل داخل الفصل وخارجه، فإذا اعتمدنا تسمية "تعلمية"، أوهمنا أنها تتعلق بما يحصل من تعلم داخل لمدرسة وخارجها، وهو ما لا تدعيه التعلمية، لأنها تحد مجالها بالتعلم المدرسي المنظم. وعلى هذا الأساس اعتبروا أن التعليمية أدق في تعريب Didactique لأنه "لا يعني التعليمية ما يجري خارج جدران الفصل من تعلم".
الهواماش
(17) انظر: فارس، فتحي والشارني، مجيد. مداخل إلى تعليمية اللغة العربية. تونس دار محمد علي الحامي للنشر، ط1، 2003: ص 14 وما بعدها.
الصفحة:29
ويمكن مناقشة هذا الطرح الثاني بأن ما ساقوه على التعلم من ملاحظة يجري كذلك على التعليم، لأنه إذا كان "التعلم" يحصل داخل المدرسة وخارجها، فإن التعليم كذلك يحصل داخل المدرسة وخارجها، لأن التعليم والتعلم وجهان لعملة واحدة، فحيثما وُجد الأول وُجد الثاني بالضرورة سواء أكان ذلك التعلم داخل المدرسة أم داخلها.
ولكن المشكلة الكامنة في التسميتين على حد السواء والتي غضّ الجميع عنها الطرف رغم وعيهم بها بهما (18) - ورغم إدراكهم لما تسببه من مشاكل في التواصل وتوقع فيه من الخلط - هي أن هذه الكلمات يكثر استعمالها بمعاني أخر ولكن في السياق التربوي ذاته:
فلو قلت مثلا "موقف تعليمي"، فإن سامعك لا يكاد يتبين هل قلت: "تعليمي" نسبة إلى سلوك المدرس، أم أنك أردت النسبة إلى
الحقل التعليمي بمعنى "Didactique"!
الهوامش
(18)دلك الوعي الذي ترجمته مواقف التعبير عن الحيرة وكلمات النقد في أكثر من سياق.
الصفحة:30
وكذلك الشأن إذا قلت "وضعية تعلمية"، وقع الخلط ذاته بين النسبة إلى فعل التعلم من المتعلم وهو ما ترجمته بالفرنسية والنسبة إلى الحقل التعلمي وهو ما يطلق عليه بالفرنسية " situation didactique".
وذلك في تقديري هو الذي حدا بالمغاربة إلى أن يُعربوا كلمة " ديداكتيك" ويُبقوها على أصلها كما حدث مع pédagogie"" نقلت إلى بيداغوجيا (19)، اجتنابا هذا المشكل الملاحض."
حين وعلى هذا الأساس، أحسست بالحاجة إلى البحث عن كلمة تؤدي نفس معنى"Didactique" دون أن توقع في مثل هذا اللبس المتأتي من توليد اللفظ من أحد طرفي العملية التربوية، وقد وجدت
الهوامش:
(19) انظر مثلا العمراوي، أحمد والقاسمي، خالد البقالي (1999). ديداكتيك التربية الإسلامية من الإبستمولوجي إلى البيداغوجي، (ط. أولى). الدار البيضاء: دار الثقافة.
الصفحة:31
في كلمة "تدريسية "(20) ما يمكن أن يخدم هذه الغاية الجملة من الاعتبارات أهمها(21):
1- أنها صيغة شبه مهملة رغم سلامتها اللغوية، وهذا الإهمال يساعد على تمحيضها لمعنى جديد، وعلى الاصطلاح عليه دون أن تتوارد الخواطر على أكثر من معنى فتضطرب، ويكل الذهن في متابعتها ثم يستسلم دون أن يظفر بطائل.
2-أن لفظ "التدريس" يوفّر معنى يتجاوز لفظ التعليم "Enseignement" ولفظ التعلم "Apprentissage" في دلالتيهما المطلقة، ليلتصق أكثر بحركتي التعليم والتعلم في إطار درس بذاته، وبهذا المعنى الإضافي يمكن اعتباره أكثر مناسبة لـ"Didactique" التي أرادت لنفسها معنى يتجاوز
الهوامش:
(20)ذكرها محمد الدريج كمشروع تسمية دون أن يخصها بتحليل يُرشح تقديمها على غيرها .
(21) انظر: الجوادي، رياض. (2006). تدريسية التربية الإسلامية، وحدة لتكوين التلامذة المتفقدين وزارة التربية والتكوين بتونس: المركز الوطني لتكوين المكونين في التربية..
الصفحة:32
معنى التعليم والتعلم في إطلاقيتها، لتعالجهما في إطار درس معين، أو معرفة مدرسية محددة.
3-أن حضور "الدرس" فيها من حيث لفظه ومعناه صارخوصريح، وهو ما يزيد من وفاء كلمة "التدريسية" للمراد من تسمية "ديداكتيك"، حيث أن ميزة هذه الأخيرة الأساسية، أنها تعتني بتحليل تمشيات التعليم والتعلم من وجهة نظر المعرفة المدرسية، وكلمة "الدرس" محيل واضح على هذه المعرفة المدرسية.
4-أن لفظ التدريس يحيلك بلفظه ودون أدنى تكلف على ما يقع من عمليات تعليم وتعلم داخل المدرسة، وبذلك نضمن التخلص من الإشكال الذي أشار إليه أنصار مصطلح "التعليمية" من حيث وقوع التعلّم داخل المدرسة وخارجه، بينما لا تعتني التعليمية إلا بما يقع داخل المدرسة وفي إطار نظامي، وليس من إناء لفظي يكفل هذا المعنى ويحفظه أفضل من "تدريس" لأنه يحيل ذهن السامع مباشرة على "المدرسة" الفضاء الرسمي للمعالجات التي يقوم بها الديداكتيكي، فضلا عن إحالته إلى "الدرس" كما أسلفنا في الملاحظة
الصفحة:33
السابقة- بما يتضمنه من معنى "المعرفة" حيث تعودنا في خطابنا التربوي- قديما وحديثا - أن نسأل عن مضامين الدرس بقولنا "فيم كان درس اليوم؟"، بل حتى "ماذا كان درس اليوم؟"، وكأننا نصرح بأن الدرس هو المعرفة المدرسيةا لمتناولة.
إن ما تؤكده الملاحظات السابقة، وخاصة منها الثالثة والرابعة، من وضوح الإحالة في كلمة "التدريسية" على معنى "الدرس" و"المدرسة" ما يُغنينا عن كلّ تكلّف، وما يدعونا إلى استثماره في انسيابية كلية، ولا يهم بعد ذلك أسمينا الأمر "علم تدريس المواد" أو "تدريسية المواد ، المهم هو أننا في كل ذلك نستثمر أرضا دلالية أعتبرها بكرا في المستوى الاصطلاحي، وإن استهلكت استعمالا فيما وضعت له وضعا أوّل، علما بأننا لن نخرج كثيرا في هذا الوضع الثاني عما سيقت له في الوضع الأول، بل سنستثمر إمكانياتها الدلالية في حدها الأقصى، في جهة من الجهات التي تُرشّحها إرادة الاصطلاح ومشاغل المصطلح.
الصفحة:34
قد تقول لي: إنّ الأمر اصطلاحي، ولا مشاحة في الاصطلاح، وأن مثل هذا الاشتراك في الدلالة كثير في كل اللغات، فلم التبرم من هذا الاشتراك بالذات؟
فأجيبك: إني أسلّم معك بأنّ الاشتراك أمر طبيعي وما أكثر مظاهره في كل لغة، ولكني ما تبرمت من أصل وجوده لأن التواضع يُعطي مشروعية لذلك الوجود، والسياق هو الذي يحدد الدلالة المرادة، غير أني في هذه الحالة رأيت أن اللفظ يأخذ أكثر من دلالة في السياق ذاته (أي السياق التربوي)، وبذلك لم يعد هناك من آلية لترجيح دلالة على أخرى، وفي مثل هذه الأرض ينبت الاضطراب وتتداخل الأفكار.
وكثيرا ما حداني الخوف من إمكانية أن تتوارد أفكار القارئين أو السامعين إلى أكثر من دلالة في آن، أن أحرص أنا وغيري ممن سمعته يعالج مسألة ديداكتيكية أو قرأت له ذلك على تقييد كلماتي بكلمات أخر تضيق من مجال الاحتمال وتحصر الدلالة في جهة معينة، كأن نستعمل أحيانا صيغة "تعليمية تعلمية" أو أن تردف اللفظ بمقابله بالفرنسية "didactique" أو أن تصرح في جملة بأننا نعني "ديداكتيكية".
الصفحة:35
كل ذلك يدعو إلى أن نتخير لفظا أبعد عن مثل هذا التداخل توليدا أو تعريبا، وما اختياري لكلمة "تدريسية" إلا لأنها تضمن السلامة من هذا الاضطراب الدّلالي لأنها لا تتنازعها استعمالات أخرى في السياق ذاته، فضلا عن كونها غير بعيدة عن معنى الدرس والمدرسة المقومين الأساسين لتدريسية المواد كما سبق أن بينت في بعض الملاحظات السابقة.(22)
الهوامش:
(22) انظر: الجوادي، رياض. (2009). دليلك إلى المفاهيم التربوية الحديثة
الرياض: دار كنوز إشبيلية للنشر والتوزيع، 1430هـ
الصفحة:36
المبحث الثالث: السجلات الثلاثة لتدريسيات المواد
يمكننا القول مستأنسين ببعض أطروحات هالتي(Halté) وأستولفي Astolfi 2: إن تعلميات المواد تهتم عموما بمجالات ثلاثة:
- فهي -أولاً- تفكّر في محتويات المادة التعليمية... وذلك بتحليل:
الهوامش:
(23) أنظر:
• Astolfi & Develay: La didactique des sciences: p.9.
• Astolfi, Jean-Pierre. (1986). La didactique: c'est prendre des distances avec la pratique pour mieux y revenir, in EPS Contenus et didactique Actes du Colloque, Paris, SNEP.
الصفحة:37
الصفحة:38
(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 39 من نسخة البدف أعلاه) : السجل الإبستمولوجي للديداكتيك
الصفحة:39
وهي تبحث -ثانيا- في ظروف تملك المعرفة وشروطه، وذلك بالتساؤل حول بناء المفاهيم من طرف المتعلمين داخل عملية التعلم، وما يستلزمه هذا البناء من معارف سابقة وما يثيره من تصوّرات في أذهان المتعلمين، وما يستتبعه من عوائق.
(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 40 من نسخة البدف أعلاه)
الصفحة:40
(أنظر الجدول الموجود في الصفحة 41 من نسخة البدف أعلاه): السجل النفسي للديداكتيك
الصفحة:41
وهي-ثالثا - تعالج تمشيات التعليم والتعلم الخاصة بمادة مدرسية معينة، وذلك بمحاولة ربط التحاليل المقامة في النقطتين السابقتين بعمل المدرس وبتنظيم وضعيات التعلم، وبناء المقاطع التعليمية، وبمواءمتها لطبيعة الجمهور المستهدف وذلك بتسليط الأضواء على كيفية سير عملية التعليم والتعلم داخل الفصل.
(أنظر الجدول الموجود في الصفحة 42 من نسخة البدف أعلاه)
الصفحة:42
(أنظر الجدول الموجود في الصفحة 43 من نسخة البدف أعلاه) :السجل النفسي الاجتماعي للديداكتيك
الصفحة:43
وهي بذلك تجعل للتدريسيات سجلات ثلاثة تُصدر عنها (تنطلق منها) وهي:
-السجل الإبستمولوجي.
-السجل النفسي.
- السجل النفس اجتماعي.
الصفحة:44
المبحث الرابع
النظام التدريسي : الأقطاب والتمشيات
أقطاب النظام التدريسي (الأنظمة الفرعية ):
التدريس نظام متداخل العناصر ، وهو في داخله يقوم على عدد من الأنظمة الفرعية التي تتفاعل فيما بينها، ولنصطلح على تسمية تلك الأنظمة الفرعية منظومات تمييزا بينها، وهي تكاد لا تخرج عن هذا الثلاثي :
الصفحة:45
(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 46 من نسخة البدف أعلاه): النظام الديداكتيكي ومنظوماته الفرعية
ونحن سنعمل على هذه الأنظمة الفرعية (المنظومات) مرتين:
• مرّة أولى خلال هذا العنصر محاولين إدراك الإشكاليات والمفاهيم التي تتعلق بكل نظام فرعي من هذه الأنظمة الثلاثة (منظومة المعرفة – منظومة المتعلّم - منظومة المدرس)، وتبين تجليات تلك المقومات خلال الدرس، مستعينين بالعلاقات مرشدا وهاديا...
الصفحة:46
منظومة المعرفة
تتعلّق هذه المنظومة بمحتويات التعلم وبعمليات اكتسابها، وهي وثيقة العلاقة بالأهداف والغائيات التي تصاغ المحتويات في إطارها
ومن أجل تحقيقها.
وهذه المحتويات محلّ أنظار وتساؤلات كثيرة تساعد على اختيار المنهج الأمثل للتعامل معها واختيار الأنسب منها للمتعلم في كل مستوى تعليمي مع مراعاة التدرج المناسب والاتساق والتخلص السلس من محتوى إلى آخر. ومن هذه الأنظار الديداكتيكية التي
تستحق منا بعض التوقف والتفكير:
- أن المعرفة تقسم إلى أربعة أقسام:
الصفحة:47
مجامع ومؤتمرات علمية، ونسجت له من موسوعات ورقية ورقمية، لتصنع زخما استثنائيا من المعرفة العالمة والمختصة التي تحتاج عملا ديداكتيكيا داخل مادة التربية والتفكير الإسلامي....
الصفحة:48
- أن معرفة المتعلم (المعرفة المتعلمة) تتأثر بعدد من العوامل منها:
- أن المعرفة المدرسة تتأثر :
الصفحة:49
لها باختصاصي الذي اخترته...). وهذه التصورات قد تكون في كثير من الأحيان مبعث كثير من الصعوبات والعوائق أثناء عملية التعلم.
أن المعرفة المتعلمة رغم اختلافها عن المعرفة العالمة أو المختصة، فإنها تبقى شديدة التأثر بها خاصة بالنسبة إلى مادتنا حيث أن قنوات التعبير عنها كثيرة ومتنوعة.
المفاهيم ذات العلاقة بمنظومة المعرفة
- الغانيات - الأهداف - النقل الديداكتيكي - تاريخ التعليم - تاريخ - التعلم - الممارسات الاجتماعية المرجعية....
منظومة المتعلّم:
تتعلق بهذه المنظومة إشكاليات كثيرة لها علاقة وثيقة بطرائق اكتساب المعرفة وأنماط التعلم وإستراتيجياته، وبتاريخ التعلم
وخبراته. وهي بتأثر عموما بجملة من العوامل أهمها:
1. مكتسبات التلاميذ القبلية (pre-requis)، فهم يتعلمون على قدر معارفهم السابقة وعلى قدر دافعيتهم في آن، أو قل هم يتعلمون على قدر ما يُتاح لهم من فرص الاستثمار مكتسباتهم القبلية.
الصفحة:50
2 صورة الذات لدى المتعلم، فقد تُرسّخ فيه خبراته الشخصية (وهو ما يُسمّى بتاريخ التعلّم) أو مواقف يعيشها في بيئة التعلم صورةً سلبية عن ذاته في علاقته بالمدرسة وعملية التعلم عموما، أو في علاقته بمادة التربية والتفكير الإسلامي خصوصا والمدرس المهني هو الذي يعرف كيف يُعدّل من هذه التصورات ويثير دافعية التعلم رغم كل المعوقات.
3. دافعية التعلم عموما أو تعلم مادة بعينها خصوصا. ونعني بالدافعية مجموعة الآليات البيولوجية والسيكولوجية التي تمكن من الانطلاق في نشاط ما وفي توجيهه وكذا في شدته واستدامته، وهي نوعان: دافعية داخلية (ذاتية) ودافعية خارجية.
4. تصوّرات المتعلمين حول المادة المعرفية موضوع التعلم، فليست للدروس درجة واحدة من الأهمية لدى كل المتعلمين بسبب الاختلاف في تجاربهم واهتماماتهم.
5. ما يُتاح للمتعلم من فرص:
- ليبني معارفه ويطور كفاياته بصورة نشيطة.
- ليبني معارفه انطلاقا مما توفّر له من كفايات، وما استقر
لديه من تصوّرات ومعارف سابقة.
الصفحة:51
- لييني معارفه في إطار تفاعل اجتماعي بينه وبين أترابه وبينه وبين أستاذه. (فيغوتسكي).
- ليبني معارفه في إطار رحلة التوازنات كما أشار إليها بياجيه.
- ليستثمر خطأه من أجل تعديل تمشيات التعلم لديه.
- ليعي خطأه عبر تعوّده على التقويم الذاتي.
المفاهيم ذات العلاقة بمنظومة المتعلم
-المكتسبات القبلية - التصورات القبلية - البناء الذاتي للمعرفة - التعلم النشط - التفاعل الاجتماعي - التوازن - الخطأ - التقييم الذاتي
- تاريخ التعلم - الدافعية....
منظومة المدرس:
تطرح في هذه المنظومة إشكاليات تتعلق أساسا بعمليات النقل التدريسي التي يُمارسها المدرّس قصد تقليص الفجوة بين المعرفة المدرسة والمعرفة المتعلمة فعليا، وتضييق مساحة الهدر وذلك من
خلال:
1. إحكام العقد التدريسي بين المدرس والمتعلم.
الصفحة:52
2 .الإعداد المحكم للدروس والنجاح في تكييف مضامين البرنامج بما يتناسب مع وضعية الفصل.
3. القدرة على صياغة مقاطع تدريسية مناسبة.
4. القدرة على تصوّر وضعيات تدريس مناسبة لإنجاز الدرس.
5 إعداد وسائل تدريسية مناسبة.
.6. القدرة على تصوّر الوضعيات التقييمية الملائمة (تقييم تكويني – جزائي – ذاتي – بين الأقران – واقعي - تشخيصي ...) وفي أبعادها المختلفة (التشخيص والعلاج ...).
7-الاهتمام بصعوبات التعلم ومساعدة التلاميذ على تجاوزها. وبذلك ينتقل المتعلم من المستوى النمائي الكامن (الذي يتحدّد عبر حلّ المشكلات تحت مراقبة الكهول أو بالتشارك مع أتراب أكثر تقدما)، إلى المستوى النمائي الحقيقي (والذي يتحدد عن طريق الحل المستقل للمشكلات).
الصفحة:53
8. الاهتمام بأخطاء التلاميذ واعتبارها مؤشرا على طلب المساعدة لا باعثا على العقوبة....
9. جعل ثقافة الطفل جزءا مكملا لعالم المدرس، حتى تكون ثقافة المدرس جزءا مكملا لعالم الطفل، على حد تعبير بازيل برنستاین (الاشتغال على تصورات المتعلمين وتمثلاتهم)
10. العناية بأنماط التعلم وإستراتيجياته لدى التلميذ، والحرص على التنويع في أنماط التعليم لتحقيق قدر أدنى من الاتساق بين أنماط التعلم وأنماط التعليم.
المفاهيم ذات العلاقة
-العقد التدريسي – المقاطع التعليمية – الوضعيات التعلمية . الوضعيات التقييمية – عوائق التعلم....
الصفحة:54
تمشيات التدريس :
عملنا سابقا على التفاعلات التي تحدث داخل كل منظومة في ذاتها، وبحثنا بإيجاز يناسب المقام في العوامل التي يمكن أن تؤثر في تلك التفاعلات وتعطيها خصوصيتها.
وستعمل هذه المرة في العلاقات التي تربط تلك المنظومات الثلاث، مجتهدين في إدراك مقومات كل مسار من التمشيات التدريسية الجلية الثلاثة تمشيات التعلم، تمشيات التعليم، تمشيات التكوين) في علاقتها بمفاهيم مركزية في الديداكتيك وتمشيات متوارية خلف السابقة وهي التصورات، العقد التدريسي، النقل التدريسي)، وعلى تبين تجليات تلك المقومات في درس التربية والتفكير الإسلامي....
(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 55 من نسخة البدف أعلاه) : النظام الديداكتيكي: التمشيات والعلاقات
الصفحة:55
تمشيات التعلم (منظومة المتعلّم - منظومة المعرفة):
تتعلق بهذا المسار الحيوي في المنظورات التربوية الحديثة جملة من الملاحظات أهمها:
-أن التعلم نوعان:
1. تعلّم غير مؤسساتي يحصل للمتعلم بشكل عفوي وفي غير السياق المدرسي.
2. تعلم مؤسساتي يتلقاه المتعلم بشكل ممنهج، داخل المدرسة وخارجها بتوجيه من المدرسة).
- أن التعلم ليس مجرد معلومات تُستوعب أو تُحفظ، بل هو :
1. تغيّر مستمر في السلوك وفي مظاهره القابلة للملاحظة. 2 اكتساب مُستدام للمعارف والمهارات والاتجاهات لبناء مشروع ذاتي.
3. تغير في البنى المعرفية للشخص وفي كيفية التفكير والفعل لديه.
4. قدرة تنمو عبر التفاعل مع العالم الخارجي والحوار مع الآخرين.
الصفحة:56
- أن الارتباط وثيق بين التعليم والتعلم، وأن المتعلم يتعلم على قدر ما يوفّر له التعليم من أسباب ومثيرات وتوجيهات تساعده على التعلم (بيئة تعليمية غنية)، ومن هنا كان لا بد من العناية بالتغذية الراجعة التي ترتد من المتعلم لحظة التعلم لأنها تكشف عن الصعوبات والعوائق التي يجدها المتعلم في تعلمه.
- أن التعلّم يكون ناجحا كلما اكتسب المتعلم من ورائه معارف ومهارات وكفايات يقدر على استثمارها في حل مشكلات حقيقية خارج المدرسة.
المفاهيم ذات العلاقة
-السلوك - المعارف - المهارات - الكفايات - حل المشكلات - التغذية الراجعة - التغير المستمر - النمو - ...
تمشيات التعليم (منظومة المعلم - منظومة المعرفة):
وهي مجموع الممارسات التي يقوم بها المدرس لتوجيه المتعلم، ومن طبيعتها أن تثير عددا من الإشكاليات أهمها:
أن التعليم ينبغي أن يُنظر إليه باعتباره شكلا من أشكال تنمية قدرة المتعلمين على التعلم الذاتي وعلى اكتساب مهارات جديدة.
الصفحة:57
أن التعليم ليس مجرد توفير للمعلومات يتلقاها التلميذ جاهزة بقدر ما هو:
1. توفير لوسائل التعلم الفعالة.
2. تنمية لرغبة المتعلم في التعلم وإثارة لدافعيته.
3. تغيير لسلوك المتعلم تجاه المعرفة.
4. مساعدة المتعلم على اكتساب قدرات ذاتية تمكنه من التواصل مع محيطه الاجتماعي.
- أن مثل هذه المهام التي يستدعيها التعليم بمفهومه الحديث تتطلب استعدادا جديا قوامه:
1. الإعداد المسبق لتمشيات عملية التعلم وضبط سناريو واضح لها.
2. الإعداد لوضعيات تعلم مناسبة لحاجات المتعلمين وملائمة لواقعهم حتى يكون للتعلمات معنى حقيقياً لدى التلميذ يزيد من دافعيته للتعلم.
3 .تنظيم هذه الوضعيات تنظيما يراعي المكتسبات الحاصلة فعلا لدى المتعلم، متدرّجا من المعلوم إلى المجهول، ومتخلصا بسلاسة من فكرة إلى أخري، باحثا عن الجسور
الصفحة:58
التي ينبغي أن تبنى بين ثقافة المتعلم وثقافة المعلم وبين الحظتي التعليم والتعلم مع الاهتمام بالعوائق التي قد تعترض عملية التعلم واستشراف الحلو المناسبة.
4. اختيار إستراتيجيات تعليم متنوعة لتتناسب مع تنوع استراتيجيات التعلم لدى التلميذ وتراعي الفروق الفردية بينهم في علاقتهم بالمادة وفي مكتسباتهم القبلية.
5. مساعدة المتعلمين على التصريح بتمثلاتهم حول القضايا والمفاهيم المطروحة حتى لا تنقلب إلى عوائق مانعة من التعلم الجديد أو ترسخ في ذهن المتعلم في أشكالها الما-قبل علمية وتتعايش مع المفاهيم العلمية، وعلى تعديلها لتتواءم مع المفاهيم العلمية.
6. الملاءمة بين زمن التعليم (ما يقدره المدرس من حيز زمني يحتاجه المتعلم لاكتساب مفهوم جديد...) وزمن التعلم (الحيز الزمني الحقيقي الذي يحتاجه المتعلم لاكتساب مفهوم جديد...)، والتحسب للمسافات المتوقعة بينهما.
7. ضبط معايير واضحة تساعد على تقييم مدى نجاح عملية التعليم في أبعادها المختلفة.
الصفحة:59
المفاهيم ذات العلاقة
- التوجيه - الوضعية - العوائق - إستراتيجيات التعليم إستراتيجيات التعلم - زمن التعليم - زمن التعلم - المعايير....
تمشيات التكوين (منظومة المعلم - منظومة المتعلم):
وهي تطرح جملة من المشكلات المتعلقة بالبعد العلائقي التواصلي خاصة مثل:
1. العقود الضمنية والصريحة التي تربط المدرس بالمتعلم، والتي من شأنها أن تؤسس تقاليد (روتينا) ديداكتيكيا داخل الفصل يضبط إيقاع التعلم ويُثري من آلياته وأدواته في سهولة ودون تكلف التكثيف من الإقراء في حصة الهدي القرآني والعناية بالأداء في أبعاده المختلفة: مخارج الحروف وصفاتها، والتغني باعتباره عاملا إبداعيا يُغذي الذائقة الفنية لدى المتعلم وينميها).
2. المسافة بين انتظارات كل من المدرّس والمتعلم، وهي تتقلص على قدر ما تخرج التعاقدات التدريسية والبيداغوجية من حيز الكمون إلى حيز التصريح.
3. مدى وضوح معايير تقييم أعمال المتعلمين، ترسيخا لعادات التقييم الذاتي وبين الأقران، وتقليصا لمساحات الذاتية والانطباع.
الصفحة:60
4. درجة التواصل بين المدرّس والمتعلم وأثرها في إنجاح عملية التعلم، وحتى بين المتعلم والمتعلم في ظل أن التعلم قد يحصل من تلك النزاعات الاجتماعية العرفانية التي يتيحها المدرس داخل الفصل لأنّ الطالب عن الطالب الفن (20)، تواصلا يستمد عمقه من كفايات المدرّس التواصلية ومن السياق المعرفي داخل المادة بما فيه من أبعاد قيمية واجتماعية ونفسية تساعد على تهيئة بيئة تواصلية عميقة.
الهوامش:
(24) مستلهمة من كلمة قالها ابن سينا في كتابه السياسة: "وَيَنْبَغِي أن يكون مَعَ الصبي في مكتبه صبية من أولاد الجملة حَسَنَة أدائهم مرضية عاداتهم فإن الصبي
عن الصَّبِي المَن وَهُوَ عَنهُ آخذ وبه آنس." (ابن سینا، 2007، ص. 35) ولعل الجاحظ (1964) أراد الإحالة على ابن سينا حين قال: " وقد قالوا: الصبي عن الصبي أفهم، وبه أشكل ...
ویژگد ابن سينا على حاجة الصبي إلى رفيق في الصف لأن صحبة الطفل لزملائه أبعد عن الضجر وأدوم للنشاط وأدعى للمنافسة، وفي ذلك يقول: والفراد الصبي الواحد بالمؤدب أجلب الأشياء لضجرهما، فإذا راوح المؤدب بين الصبي والصَّبِي، كَانَ ذَلِك أنفى للسامة، وأبقى للنشاط، وأحرص للصبي على التعلم والتخرج، فَإِنَّهُ يباهي الصبيان مرة، ويغبطهم مرة، ويأنف من
الْقُصُور عن شاوهم مرة." (ابن سينا، 2007، ص 35)
الصفحة:61
المفاهيم ذات العلاقة
- العقد التدريسي - العقد البيداغوجي – الانتظارات - المعايير التواصل - التعديل الذاتي...
أفاق جديدة لفعل الأنظمة التدريسية (Systemes didactiques ): لقد حدثت تغييرات نوعية في المجتمع وفي الاقتصاد المعاصرين أسهمت بشكل مباشر في تشكيل الإصلاحات المدرسية نهاية القرن الماضي ومطلع هذا القرن، ومن أهم هذه التغييرات (26):
- تحوّل في طبيعة اقتصاد عصر المعلومات وخصائص مكان العمل فيه.
- تغير الطابع الديموغرافي للمجتمع.
- تسارع في نسق التغييرات الشاملة التي تؤثر على جميع المؤسسات الاجتماعية والسياسية.
- التأثير الذي تحدثه التقانات التكنولوجية الناشئة باستمرار على ما كان يُعتبر عالما اقتصاديًا مستقرا نسبيا، وقابلاً للتوقع.
الهوامش:
(25) Spady, W. G. (1994). Outcome-Based Education: Critical Issues and Answers, American Association of School Administrators.: p. 29
الصفحة:62
- التغير المطرد في عالم الوظائف والمهن، إذ يبدو أن عالم " الوظيفة الثابتة" و"المهنة مدى الحياة" قد انتهى، وبرزت
مكانها سوق معقدة، بتكنولوجياتها الفائقة، وتنافسيتها الشديدة، واستعصائها على التنبؤ، وترابطها العالمي، وتتطلبها التغيير المستمر والتكيف والتعلم والابتكار والجودة في الأداء... لقد أضحت أجوبة الأمس الجيدة، حلولا متقادمة بالنسبة إلى اليوم.
- ازدياد الحاجة إلى مهن عالية التأهيل: ففي حين أن 25% فقط من الوظائف في اقتصاد ما بعد الحرب العالمية الثانية كانت تتطلب معالجة دقيقة للمعلومات والبيانات، ارتفع هذا الرقم إلى 70% في التسعينيات ويتجه نحو 90% بحلول نهاية القرن. وما كان يُنظر إليه تقليديا على أنه وظائف "غير مهارية (غير عالية التأهيل" و "شبه مهارية"، يتطلب الآن معالجة البيانات ومهارات الكمبيوتر.
ويشد من أزر تلك التغيرات ويُضاعف من تأثيرها أن المسافات قد تقلصت فيه بين الأمكنة وحتى بين التخصصات، وتعمقت
عمليات تراشح تنتقل فيها المفاهيم والمناهج من مجال إلى مجال ومن
الصفحة:63
مؤسسة إلى أخرى، واشتدت المنافسة، واتحدت المعايير أو كادت، وما عاد للأعمال والمبادرات أن تخفى نتائجها على الداخل والخارج، وهو ما يحمل المؤسسات عبئًا جديدا ومسؤوليات لا يمكن أن تتنصل من تبعاتها.
في ظل هذه التحولات النوعية كان لا بد أن تراجع العربية نفسها وتضبط توجهاتها حتى تكون متسقة بحق مع التحديات الجديدة المطروحة عليها، وضح ذلك جاك ديلور في تقرير اللجنة الدولية المعنية بالتعليم للقرن الحادي والعشرين، والذى قدم المنظمة اليونسكو في مؤتمرها لعام 1996، تحت عنوان "التعليم ذلك الكنز المكنون": إنّ عملية التعلم لابد أن تبنى على أربع إسترتيجيات
سميت بأعمدة الحياة في المستقبل، وهي:
الصفحة:64
ومثل هذا التصوّر الذي يستحضر التحديات الحقيقية لقرن جديد، يستدعي فعلا أن تعلم أبناءنا بطريقة جديدة، لأننا نعدهم لزمان غير زماننا، وهو يُسلّط الضوء في الوقت نفسه على عناصر جديدة تتدخل في العملية التعليمية وتوسع من طاقة المثلثات
التعليمية الكلاسيكية وتغير أبعادها:
- لتنقلب المعرفة معارف من سياقات مختلفة....
- ويُضحي المعلم معلمين، والقرين داخل الفصل أحدهم بلا منازع ...
- وتتضاءل صورة المتعلم الطفل، لتظهر مفاهيم جديدة مثل المدرسة المتعلمة والمنظمة المتعلمة عموما...
تلك بعض خصائص التعلم في القرن الحادي والعشرين. (26) ورغم أن المقاصد الأربعة التي ذكرها "ديلور" لعملية التعلم لا تظهر للوهلة الأولى بأنها جديدة على التعلم في القرن الماضي، خاصة بمرجعياته البنائية والمعرفية وربّما ليست جديدة حتى على الفكر التربوي المستنير في كل زمان حين تسمع إلى ابن خلدون وهو يؤكد
الهوامش:
(26) بيرز، سيو. (2014). تدريس مهارات القرن الحادي والعشرين، ترجمة محمد بلال الجيوسي. مكتب التربية العربي لدول الخليج.: ص 33.
الصفحة:65
على أن الملكة صفةٌ راسخة تحصل عن الفعل والتطبيق (27)، ولكنها تأخذ أبعادا جديدة في ظل التغيرات النوعية التي تعرفها وسائل الاتصال والإنتاج والمعرفة، وفي ظل التغير المتسارع الحركة الحياة والأفكار والبضائع والاختراعات، وهو ما يستوجب بالضرورة متعلمها يتعلّم ويُبادر ويتعاون ويبتكر ويُبدع وتتطور كفاياته وتنمو قدراته وتتسع وتتعمق على قدر إيقاع الحياة....
فإذا أضفنا إلى ذلك ما لا يخفى على أحد من:
- اعتماد معايير دولية في تقويم التجارب التربوية والتعليمية، وتطوّر تلك المعايير نحو التوحد والتشابه الكبير.
- انتشار التصنيفات الإقليمية والدولية للأنظمة التعليمية في كل مستوياتها.
- انتشار المؤسسات الدولية المتابعة لإنجازات الأمم والشعوب في المجال التعليمي.
- انتشار البحوث المقارنة في مجال التربية والتعليم.
الهوامش:
(27) ابن خلدون المقدمة: 38/2
الصفحة:66
- اتباع الدول آليات داخلية لمتابعة لأنظمتها ومخرجاتها التعليمية وتقويمها وتصنيفها وترتيبها.
- اعتماد جوائز محلية وإقليمية ودولية للجودة والتميز في المجال التعليمي.
- تطور الإعلام والعامل الإعلامي في صناعة الرأي العام واتخاذ المواقف من التجارب والثقافات، وتأثير ذلك العامل في المجتمعات التعليمية.
تدرك حينها أن مؤسساتنا ونظمنا ومناهجنا التربوية والتعليمية مدعوة إلى أن تعيد النظر في تنظيراتها التربوية آخذةً بعين الاعتبار كل ما يؤثر في تحصيل الطالب وشخصيته داخل المقرر أو خارجه (أنظر الشكل الموجود في الصفحة 67 من نسخة البدف أعلاه)
الصفحة:67
(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 68 من نسخة البدف أعلاه) : عناصر التدريس في القرن الحادي والعشرين
عن سيو بيرز (Sun Boers) بشيء من التصرف
(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 39 من نسخة البدف أعلاه) :التاءات الأربع كأسس للتدريس في القرن الحادي والعشرين
الصفحة:68
المبحث الخامس: المفاهيم الأساسية لتدريسيّات المواد ( معجم التعلميّات )
صنعت تعلميات المواد لنفسها معجما خاصا تراكمت مفاهيمه الأيام تجتهدا في توفير الأواني اللفظية الكفيلة باحتضان الدلالات والمعاني التي تثيرها السجلات الثلاثة لتدريسيات المواد. ونحن في هذا العنصر نجمع لك أكثر ما يمكن من هذه المفاهيم لتعرضها عرضًا أوليا مختصرا، وسنخص أربعة عناوين منها (وهي: المثلث التدريسي والنقل التدريسي والوضعية المشكل والتمثلات) بمباحث مستقلة باعتبار ما تُثيره من إشكاليات داخل المادة وما تطرحه من الأسئلة المتعلقة بالعملية التعليمية التعلمية.
المفهوم الأول: الوضعية التدريسية (La situation didactique): تمتاز الوضعية التعليمية بأنها تمازج بين التعليم والتعلم وتراوح بينهما:
الصفحة:69
- التعلم: مجموع التمشيات والعمليات التي يقوم بها الفرد في ظروف معينة قصد اكتساب مؤهلات جديدة (معارف مواقف -مهارات).
- التعليم: مجموع العمليات التي يوفرها الوسط التربوي المدرسون - الأولياء - المؤسسة التربوية) بقصد تسهيل التعلم الذي يقوم به الأطفال.
هذا التقسيم منهجي، وإلا ففي الواقع تتلازم عمليتا التعليم والتعلم داخل الوضعيات التربوية المختلفة.
المفهوم الثاني: النقل التدريسي (La transposition didactique):
وهو يهتم بالتعديلات التي يُحدثها المتخصصون داخل المعرفة العلمية حتى تصبح صالحة للتعلّم في المدرسة، ويفترض هذا المفهوم مستويات مختلفة للمعرفة أهمها:
1 - المعرفة العالمة: وهي تلك المعرفة المتداولة من طرف المختصين، و"كلّ معرفة عالمة هي عبارة عن أجوبة لأسئلة
الصفعة:70
مطروحة أو معطاة. وهذه الأسئلة تكون في كثير من الأحيان عويصة أو معقدة". (28)
2 - المعرفة الواجب تعلمها وهي تلك التي تتضمنها البرامج الرسمية والكتب المدرسية.
- المعرفة المدرسة: وهي المعرفة التي يجتهد المدرّس في مساعدة المتعلم على إدراكها مستهديا بالبرامج الرسمية ومستعينا
بالكتب المدرسية والوسائل المتاحة.
4 - المعرفة المتعلمة: وهي المعرفة التي يكتسبها التلاميذ فعليًّا من تلك المعرفة المدرسة.
المفهوم الثالث: العقد التدريسي (Le contrat didactique):
وهو مجموعة العلاقات التي تحدّد بصفة تراوح بين الصريح والضمني ما هو مطلوب من المدرّس والمتعلم خلال حصة تعلمية تعليمية معينة.
الصفحة:71
إخراج بنود هذا العقد من المستوى الضمني إلى المستوى الصريح بالقدر المناسب قد يُساعد في تقدير كثيرين على:
- تقليص المسافة التي تفصل بين انتظارات المدرسين وتصوّرات التلاميذ عن انتظارات مدرسين.
- ضبط الأعمال التي على كل طرف أن يُنجزها.
غير أن المبالغة في الحرص على التصريح ببنود العقد قد يفسد العقد، ذلك أن المدرّس إذا قال كلّ ما يُريد من المتعلم، فإنّه لن يحصل عليه(29)، ولذلك فمن الأولى وضع التلميذ في وضعيات تدريسية متنوعة (وضعية عمل وضعية صياغة وتعبير، وضعية تثبت...)،
ليكتشف المتعلم العقد بشكل متدرّج .(30)
يشرح ذلك بروسو (Brousseau) معرفا العقد التدريسي فيقول: "ينخرط المدرّس في لعبة مع نظام تفاعلات المتعلم مع المشاكل التي يطرحها عليه . هذه اللعبة أو هذه الوضعية بشكل أوسع هي الوضعية التدريسية....
الهوامش:
(29) Brousseau, G. (1986). Fondements et méthodes de la didactique des mathématiques, in Recherches en Didactique des Mathématiques, vol. 7, n°2, 1986: pp. 50-51.
(30) Astolfi & Develay : La didactique des sciences : p. 63
الصفحة:72
أما العقد التدريسي فهو قاعدة اللعبة وإستراتيجية الوضعية التدريسية ... وبذلك تنسج خيوط علاقة - بشكل صريح في حدود ضيقة، وبشكل ضمني غالبًا - ترسم حدود ما على كلا الشريكين - المعلم والمتعلم- أن يتحمل مسؤولية إدارته... "(31)
المفهوم الرابع: تصوّرات التلاميذ (Les représentations des éléves):
لا يأتي التلاميذ إلى القسم "صفحة بيضاء"، بل يأتون بنظام متكامل من التصوّرات يُفسرون به العالم وظواهره، والمدرس مدعوّ إلى الانتباه إلى تلك التصوّرات، ومساعدة التلاميذ على التصريح بها، والعمل عليها في اتجاهين على الأقل:
- أن ينطلق من تلك التصورات، ويعتبرها مدخلا لبناء التمثلات العلمية.
- أن يُحدث تغييرات في تلك التصورات، من خلال وضع المتعلمين في مشكلات وتهيئة الفرص لتفاعلات اجتماعية معرفية تساعد التلميذ على مراجعة تصوّره وتعديله.
الهوامش:
(31) Brousseau: Fondements et méthodes de la didactique des mathématiques: pp.50-51
الصفحة:73
المفهوم الخامس: العائق التدريسي (L'obstacle didactique):
نعني بها تلك العوائق التي تحول دون التحصيل المعرفي، وهي عوائق تجد عمقها في المسار التاريخي والنفسي والاجتماعي الثقافي للتلميذ وهو يقبل على درس التربية الإسلامية أو أي درس آخر.
إن لعملية التنشئة الاجتماعية بالغ التأثير على سيرورة تعلم التلميذ وتحصيله، وبالتالي طريقة تعامله مع المضامين المعرفية التي تتواجد داخل المقررات الدراسية (30)
ولهذا المفهوم علاقة بالمفهوم السابق، إذا لا بد من إعانة التلاميذ على تمرير تصوّراتهم من الضمني إلى الصريح، لأن بقاء هذه التصورات في المستوى الضمني من شأنه أن يُعرقل امتلاك المعرفة العلمية من طرف المتعلمين.
الهوامش:
(32) العمراوي والقاسمي: ديداكتيك التربية الإسلامية: من الإبستمولوجي
إلى البيداغوجي: ص 29
الصفحة:74
المفهوم السادس: الهدف العائق (L'objectif-obstacle):
وهو مفهوم يستمد مشروعيته من تصوّر يسعى إلى اختيار أكثر واقعية لأهداف الدرس، اختيار قائم على التوفيق بين منطقين اثنين:
- منطق المادة (الهدف)...
- ومنطق المتعلم (العائق)...
ويقوم على ترجمة الأهداف إلى عوائق قابلة للتجاوز.
المفهوم السابع: الوضعية التدريسية (La situation didactique):
ويراد بها الوضعية التعليمية التي ينظمها المدرس ليساعد المتعلمين على التعلم الذاتي. ويُشترط فيها أن تكون متنوعة،ومتدرجة، ودالة، ومشكلة....
وتكون الوضعية التعليمية مشكلة حين لا يستطيع المتعلم حل المشكل المطروح فيها بمجرد أن يكرّر تطبيق الأفكار أو المهاراتالمكتسبة. وتتميز الوضعية في تلك الحالة بأنها:
- تستدعي صياغة فرضيات عمل جديدة.
الصفحة:75
- يجد المتعلم نفسه فيها مجبرا على استعمال قدراته العقليةالذاتية.
- يدفعه التعثر في تحقيق مشروعه إلى استنباط حلول جديدة، وإلى جمع معارف مشتتة، وإلى تجريب وسائل لم يُفكر فيها منقبل...
يعرفها فيليب ميريو(33) باعتبارها موقفا تعلميا يعده المعلم،ويكون خاضعا للمواصفات التالية:
الهوامش:
(33) Meirieu.1988
الصفحة:76
المفهوم الثامن: تعبئة الموارد : (La Mobilisation des ressources):
الموارد هي كل ما يستخدمه المتعلم في أدائه لمهمته. وتقسم إلى موارد ذاتية خاصة بالمتعلم وموارد خارجية (34):
أما الموارد الذاتية فتتضمن المعارف والقدرات المعرفيةوالوجدانية والنفس - حركية.
وأما الموارد الخارجية فتتضمن المستندات بأنواعها ومختلف الوسائل والأدوات التي يستخدمها المتعلم. ويوظف المتعلم موارده الذاتية إلى جانب الموارد الخارجية كي يتوصل إلى حل الوضعيةالمشكلة (Situation-problem).
والموارد ليست هامة في ذاتها، بل فيما تستدعيه من التعبئة لحل مشكلة معيّنة، لأنّ الكفاية لا تكمن في الموارد (المعرفة والقدرات ...)
الهوامش:
(34) لجنة التقييم والامتحانات الكفاية: ص 22
الصفحة:77
التي يجب تعبئتها، ولكن في كيفية تعبئة تلك الموارد إن الكفاية .نوع من "مهارة (معرفة كيفية) التعبئة".
هيومن الضروري، لكي تُبنى الكفاية، أن تستثمر لائحة من الموارد. ونعني بالاستثمار والتعبئة عملية البناء، وليس مجرد التطبيق أو التجميع. (35)
(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 78 من نسخة البدف أعلاه) :المثلث التدريسي مستوحى من (2000 Lauron )
الهوامش:
35 Le Boteef, G. (1995). De la compétence, essai sur un attracteur étrange. Paris: Editions d'organisations
الصفحة:78
المفهوم التاسع: تحويل التعلمات ( Le Transfert des apprentissages )
يُعرف فيليب ميريو مفهوم التحويل (transfert) باعتباره الحركة التي يتمثل بها تلميذ المعرفة، ويدمجها في مكتسباته عن طريق إعادة استخدامها بمبادرته الذاتية. (36)
يترجمها بعضهم بلفظة الترحيل وآخرون بلفظة النقل، واخترتُ لفظة التحويل ، لأن معنى النقل المكاني قريب جدا من لفظة الترحيل، وهو غير مقصود من المصطلح الأصلي، ثم لأنّ "التحويل" كمصطلح يُستعمل في مجالات أخرى (مثل الصناعات التحويلية) باعتباره تغيّرا داخل المادة ذاتها وإعادة تصنيع واستثمار لها، دون أن يعني نقلا مكانيا تستدعيه لفظة الترحيل بالضرورة.
الصفحة:79
المبحث السادس: الوضعية التدريسية (Situation didactique )
عرفها بروسو (Brousseau) تعريفيا كاريكاتوريا فقال: "ينخرط المدرس في لعبة مع نظام تفاعلات المتعلم مع المشاكل التي يطرحها عليه... هذه اللعبة أو هذه الوضعية بشكل أوسع هي الوضعية التدريسية... أما العقد التدريسي فهو قاعدة اللعبة وإستراتيجية
الوضعية التدريسية..." (37)"
وتمتاز الوضعية التدريسية بأنها تمازج بين التعليم والتعلم وتراوح بينهما:
الهوامش:
(37) Brousseau: Fondements et méthodes de la didactique des mathématiques. : pp50 51
الصفحة:81
وهذا التقسيم منهجي، وإلا ففي الواقع تتلازم عمليتا التعليم والتعلم داخل الوضعيات التربوية المختلفة، ولا تنفصلان عن بعضهما بعض.
ومع هيمنة الرؤى البنائية مرجعا أساسيا للتعليم الحديث، والحضور المكثف لمدخل الكفايات أخذت الوضعية التدريسية بعض الأبعاد الجديدة وعُرفت باعتبارها تلك الوضعية التعليمية/ التعلمية التي يُنظمها المدرّس (أو الوسط التربوي عموما) ليساعد المتعلمين على التعلم الذاتي. ويُشترط فيها أن تكون متنوعة ومتدرجة، ودالة، ومشكلة...
وأصبح "المشكل " بُعدًا مركزيا في الوضعيات التي تنشد الفعالية، وتحدد الوضعية المشكل (Situation-problème) المحيط القريب الذي يتحقق فيه نشاط تعلمي معيّن داخل مادة التربية والتفكير الإسلامي أو أي مادة أخرى، أو يجري فيه حدث يطرح مشكلة ويثير الرغبة في إيجاد حل.
الصفحة:82
وقد أولتها المادة اهتماما خاصا لأن برامجها قد اعتبرت تنمية الكفايات مدخلها الرئيس، وبناء الكفايات مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالوضعيات وعلى الأخص الوضعيات التي تتضمن مشكلات تتطلب حلاً: فهي "مجموعة منظمة من القدرات، تمارس على جملة من المحتويات في إطار أصناف معينة من الوضعيات قصد حل المشكلات التي تطرحها " (38).
وبذا يأخذ مفهوم "الوضعية المشكل" موقعا مركزيا في التربية المستندة إلى الكفايات لأنه ضمانةٌ لأن تتحرك الكفايات داخل التوجه البنائي والبنائي الاجتماعي للتعلم. فالمشكلة التي تتضمنها الوضعية تدعو المتعلم إلى التفكير وإعمال قدراته العقلية واستخدامها بفعالية لإيجاد الحل.
وتعني الوضعية المشكلة مجموعة معلومات، تُوضع في إطار أو سياق معين، يتبين المتعلم ما بينها من الروابط، بهدف الوصول إلى إنجاز عمل معيَّن أو إيجاد حل. (39)
الهوامش:
(38) De Ketele, 1996
(39) Roegiers, 2001
الصفحة:83
ویری روجيرز (Roegiers) أنه في كل مرة يكون المقصود وضعيات مكونة للكفايات، ينبغي أن يتم فهم عبارة الوضعية بمعنى الوضعية – المشكلة أو الوضعية الدالة. (40)
ويُعرف فيليب ميريو الوضعية المشكلة باعتبارها موقفا تعلّميا يعده المعلم، ويكون خاضعا للمواصفات التالية (41):
- يطوّر رغبة التعلم لدى المتعلم.
- يقود التلميذ إلى تنفيذ مهمة تطرح عليه مشكلة حقيقية.
- تضطره المهمة إلى تحقيق تعلم جديد.
- يتطلب ذلك التعلم إعادة بناء العمليات الذهنية المتعلقة بالمعارف المبحوث عنها.
- يتعامل مع هدف التعلم باعتباره هدفا عائقا.
- يقتضي بناء المعارف ويتطلب التنويع في إستراتيجيات التعلم.
الهوامش:
( 40)Roegiers, 2001
(41) Meirieu, 1988
الصفحة:84
أما أستولفي فيعرفها من خلال العناصر التالية (42):
- تنظم الوضعية المشكلة حول تجاوز الفصل لعائق. عائق يعرف مسبقا بشكل دقيق.
- ينظم التعلم حول وضعية حقيقية، تساعد المتعلم على فهم ملابساتها ووضع افتراضاته. فهي ليست مجرد نماذج مكررة، ولا أمثلة متخصصة ذات طابع توضيحي، مثل الذي نراه في وضعيات تعلم كلاسيكية.
- يتعامل الطلاب مع الوضعية التي تعرض عليهم باعتبارها الغزا للحل، وفيه يمكن أن يضعوا جهودهم. وهذا هو الشرط ليتحقق معنى التفويض، فرغم أن المشكلة مقترحة في البداية من المدرس، فإنها تصبح شأن المتعلمين.
- لا يملك الطلاب في البداية وسائل الحل الذي يبحثون عنه، بسبب العائق الذي عليهم أن يتجاوزوه ليصلوا إلى الحل. فالحاجة إلى إيجاد الحل هي التي تقود المتعلمين، وبشكل
الهوامش:
(42) Astaifi, 1993
الصفحة:85
جماعي، إلى بناء الحل، أو إلى تملك الأدوات الذهنية الضرورية لبناء الحل.
- لا بد أن تتسم الوضعية بشيء من التمنع والاستعصاء، مما يحمل المتعلم على أن يستثمر فيها معارفه السابقة وتصوراته ومفاهيمه، بشكل يؤدّي إلى إعادة النظر في تلك المعارف والتصورات، وإلى بناء أفكار جديدة.
- وفي الوقت نفسه، ينبغي أن لا ينظر المتعلم إلى الحل باعتباره صعب المنال. فعلى النشاط المقام حولها أن يكون وشيكا، مناسبا للتحدي الذهني المراد رفعه، ومساعدا على الاستبطان الذاتي لقواعد اللعبة.
- استشراف النتائج واستباقها والتعبير الجماعي عنها، يسبق البحث الفعلي عن الحل. والمخاطرة التي يبادر إليها كل فرد هي جزء من اللعبة.
- يشتغل التعلم المبني على الوضعية المشكلة على نظام النقاشات العلمية في صلب الفصل، مثيرا النزاعات الاجتماعية المعرفية الممكنة.
الصفحة:86
- التثبت من الحل وأخذ القرار بقبوله أو ردّه لا يُسقطه المعلم على المتعلمين، ولكنه ينتج عن هيكلة الوضعية وبنيتها في حد ذاته.
- المراجعة الجماعية للخطوات المنجزة يوفّر فرصة لعمليات التفكر ذات الطبيعة فوق معرفية. وهي تساعد المتعلمين على الوعي بالإستراتيجيات التي اعتمدوا عليها بشكل مشجع على الاكتشاف، وعلى الاحتفاظ بها باعتبارها تمشيات عمل ممكنة لوضعيات جديدة.
وتعرفها بارتوز (43) بأنها مهمة محدّدة تكيف للطلاب، ليتعلموا من خلالها شيئًا جديدا، يضمن تحقيق مهمة معينة.
أو هي مهمة ملموسة للتنفيذ، في ظل ظروف معينة تفترض أن يتغلب المتعلمون على عدد من العقبات التي لا مفر منها لتحقيق تلك المهمة.
الهوامش:
(43) Partoune, Ch. (2002). La pédagogie par situations-problèmes article paru dans la revue Puzzle éditée par le CIFEN, Université de Liège.
الصفحة:87
وتقوم دائما على "خيال" أو محاكاة تحت السيطرة. وهي أداة من الأدوات التعليمية المبنية على البناء الذاتي للمعرفة.
ومن أمثلة هذه الوضعيات المشكلة:
الصفحة:88
أهم خصائص الوضعية:
يمكن أهم خصائص الوضعية من خلال الأمور التالية:
- تكون الوضعية مركبة وتتضمن المعلومات الضرورية والمعلومات المشوشة أو الدخيلة وتتطلب توظيف ما سبق أن تعلمه التلميذ... إنها تتطلب تعبئة معرفية وحركية و/ أو
اجتماعية عاطفية للعديد من مكتسبات التلميذ. (44)
- تتضمن الوضعية إنتاجًا منتظرًا يتم التعرف إليه بوضوح: (نص، حل مسألة، إنتاج فني، إنتاج وظيفي، خطة عمل..) وقد تكون الوضعية مغلقة أحيانًا.. كما هي الحال في مسألة مغلقة في الرياضيات ولكنها في الغالب تكون مفتوحة
الهوامش:
(44) Roegiers, 2001
الصفحة:89
بمعنى أنها تتيح للمتعلم أن يضع فيها لمسته الخاصة... وأن هذا الإنتاج هو إنتاج المتعلم وليس إنتاج المعلم. (45)
- لا تكون وضعية تعليمية أي وضعية ينظمها المعلم، بل المقصود وضعية – مشكلة تكون ملموسة يدركها المتعلّم بمفرده أو مع أقرانه... إنها وضعية يمكن للمتعلم أن يحلها في إطار غير مدرسي... وذلك لأنه ينبغي أن يتم استبطان الكفاية (interiorisation) على نحو يسمح بتوظيفها خارج كل سياق مدرسي. (46)
- تتصف بالواقعية، أي أنها تشبه الوضعيات التي يواجهها المتعلم في الحياة.
- توظف قدرات متنوعة قدرات معرفية ووجدانية ونفس حركية ومعارف وإجراءات. (47)
- تنتمي إلى مجموعة الوضعيات الخاصة بالكفاية.
الهوامش:
(47) انظر: لجنة التقييم والامتحانات: الكفاية.
(45) Ibid.
(46) ibid.
الصفحة:90
أما بارتون، فتُحَدِّد للوضعية المثالية عددًا من الخصائص أهمها (48):
- لا ينبغي أن تكون الوضعية المشكلة سهلة للغاية، لأن التلميذ حينها لن يتعلم الكثير، ولا صعبة جدا، لألا تدفع المتعلم إلى التخلي عن التعلم أو الانسحاب إلى شيء من
الاعتمادية يمارسه مع المعلم أو مع زملائه.
- يجب أن تكون الوضعية المشكل حاملة لشيء من الازدواجية في طبيعتها:
محفزة للمتعلم مثيرة لرغبته في التعلم، محركة لفضوله المعرفي: فهي تضعه " في قطيعة" مع حالة وجوده الاعتيادي في العالم (شيء من اختلال التوازن البياجستي).
مطمئنة، تعطيه الثقة في إمكانياته وقدرته على التطور الشخصي فهي تضعه في "منطقته الوشيكة للتنمية" (zone proximale de développement) بحسب الاصطلاح الفيغو تسكي.
الهوامش:
(48) Partoune, 2002
الصفحة:91
- تبنى الوضعية على خيال مسيطر عليه (متحكم فيه):
الصفحة:92
الطلاب في العمل لتنفيذ المهمة، وعلى استشراف الصعوبات التي يمكن أن تعترضهم في عملهم مهما كان نوعها، وما الذي سيحتاجونه لتجاوزها.
- تساعد الوضعية المشكلة على البناء الذاتي للمعرفة:
الصفحة:93
من نزاعات معرفية اجتماعية محفّزة للتعلم ومغنية له، فإننا، حينئذ، نتحدث عن بناء ذاتي اجتماعي للمعرفة autosocioconstruction des savoirs).)
عناصر الوضعية أو مكوناتها:
ثلاثة عناصر أو مكونات تؤلف الوضعية إنها حسن دوکیتيل((De Ketele
السند: هو مجموع العناصر المادية التي تقدم للمتعلم. فقد يكون السند نصا مكتوبا أو رسما أو صورة الخ... وهو يحدد بثلاثة عناصر :
الصفحة:94
المهمة: هي التنبؤ بالمنتوج المرتقب أو هي الإنتاج المتوقع من المتعلم.
التعليمة أو التعليمات: وهي مجموع توصيات العمل التي تقدم للمتعلم بشكل واضح لتوجهه في أداء مهمته.
الصفحة:95
المبحث السابع
التمثلات والتصورات القبلية ( Representations )
عرفت فكرة التمثلات انتشارا منذ أعمال باشلار وبياجيه ویرونر ، وقوامها أن كل تعلّم يُحيل بالضرورة على دلالات جاهزة في ذهن التلميذ، دلالات قد تكون خاطئة على المستوى العلمي أو الشرعي، ولكنّها توفّر نظام تفسير للظواهر والمواقف والأحكام
يتسم بالفعالية والوظيفية بالنسبة إلى التلميذ.
ولا يمكن لتعليم المفاهيم العلمية أن يُفيد إذا اقتصر الأمر على توفير المفهوم في حالته العلمية أو البنية الذهنية المناسبة لمقتضيات البحث العلمي أو الشرعي في أسلم تجلياتها، لأن هذه المفاهيم الجديدة لن تجد لها مكانا في ذهن المتعلم إلا إذا نجحت في إحداث تغيير مستدام في تلك التصوّرات الما قبل شرعية الرابضة في ذهنه والمشكلة لوعيه.
بهذا المعنى، يُعرف التعليم الفعال بما يُحدثه من تغيير عميق و مستدام في التصوّرات بقدر ما يُعرف بما يُوفّره من معطيات وحقائق جديدة يُعلّمها للتلاميذ.
الصفحة:97
وقد أكدت الدراسات المتكرّرة في هذا المجال ثلاثة أمور على الأقل(49) :
1 - تعدّد التمثلات التي قد يحملها التلميذ في الوقت نفسه عن الظاهرة أو المفهوم الواحد: فقد تتيح له سياقات متنوعة أن يبني تمثلات مختلفة تصل حد التناقض عن المفهوم أو الظاهرة الدينية الواحدة، وتسهم أبعاد مختلفة (قد يكون بعضها نفسيا، وبعضها الآخر اجتماعيا أو مؤسسيا ...) في الدفاع عن كل تمثل من تلك التمثلات وتحمله على عدم
التضحية بأي منها.
2- بطء عملية التغيير التي تطرأ على التمثلات: خاصة إذا التصقت تلك التمثلات بالاعتبارات النفسية التي تحدثنا عنها آنفا، أو بأبعاد تقديسية لا تخلو منها مادة التربية والتفكير الإسلامي للاعتبارات الدينية المعلومة ولعدم التفريق بين المقولة الدينية الصرف وبين الآراء والتصورات التي ولدت على ضفاف المقولة الدينية.
الهوامش:
(49) Astolf, 1993, p. 33-34
الصفحة:98
وللعادة الطويلة نسبيا دورها في إضفاء قدر من المشروعية على بعض التمثلات يُخرجها من حيز التفكير أو يرفعها فوق درجة المفكر فيه، كما أن لمصدر التمثل نفس القوة في
إضفاء المشروعية على ذلك التمثل وإدخاله دائرة المسلمات، وكذلك الشأن بالنسبة إلى سياق بنائه وما يُمكن أن يضفيه من الإحساس بالحميمية الوجدانية التي تجد في عاطفة المتعلم موقعا قد يتفوق على المنطقية العلمية أو المرجعية الشرعية الموثقة.
3- تعايش أنظمة تأويل متوازية تعباً بأشكال مختلفة في سياقات ووضعيات مختلفة وقد يكون ذلك التعايش حلاً يلجأ إليه التلميذ للجمع بين التمثلات بمستوياتها
ومرجعياتها وسياقاتها المختلفة، وربما يقع في أسر ذلك التعايش بشكل غير واع إذا لم يملك عادة الممارسات التأملية ولم تسعفه العمليات التدريسية بذلك.
ويمكن أن تحدد ثلاث إشكاليات كبرى تطرحها الدراسات التي اعتنت بالتمثلات:
الصفحة:99
1 - رسم خارطة التمثلات خلال استجلاء تمثلات من التلاميذ حول مفهوم معين عبر الأدوات المتعارف عليها في مثل هذه الأعمال من استبيانات ومحادثات ورسوم وغيرها... وهو ما يُمكن أن يُساعد على تبين جغرافية التصورات الماقبل علمية لتكون منطلقا لعملية التعلم.
2 - البحث في أسباب التمثلات وجذورها، وهو ما فعلته دراسات كثيرة بحثت عن المنطق الذي يختفي خلف الخطأ متوسلة بتوجهات مختلفة ومتكاملة فيما بينها:
الصفحة:100
3- العناية بالمحيط الاجتماعي المعرفي (socio-cognitif) وما يمكن أن يتصل به من عدم اكتمال في النمو المعرفي، أو عدم وضوح اللغة، أو طغيان التاريخ الشخصي أو سيطرة تفسيرات معينة أو تفسيرات اجتماعية سائدة.
الصفحة:101
المبحث الثامن: النقل التدريسي (La transposition didactique)
هو "مجموعة التحولات التي تطرأ على معرفة معينة في مجالها العالم من أجل تحويلها إلى معرفة تعليمية قابلة للتدريس "(50)، وقد استعمل مفهوم النقل الديداكتيكي لأول مرة في تدريسية الرياضيات من قبل إيف شفلار( Yves Chevallard) وماري ألبارت
(51)(M. A. Johsua) you
الهوامش:
(50) Arsac, Gilbert. (1988). La transposition en mathématiques -Cours du DEA- Université de Lyon et Grenoble, 1987-88.: p. 3
(51) أشار إلى ذلك أستولفي ودوفولي (0.49 1993 ,Aston & Develey)، أما فيون فله رأي آخر عبر عنه بقوله:
"Le concept de transposition didactique a été formalisé par M. Verret (1975) et repris par Y. Chevallard (1985 : 1991) en didactique des Mathématiques." (Fillon, 2001. p. 16)
الصفحة:103
ومن المهم أن تُشير إلى أن هذه التحولات والتبعات المرتبطة بها تهدف إلى جعل المعرفة عامة وفي متناول الجميع، وعلى الأقل في متناول التلاميذ المهتمين (52).
يهتم النقل التدريسي إذن بالتعديلات التي يحدثها المتخصصون داخل المعرفة العلمية حتى تصبح صالحة للتعلّم في المدرسة وتكون في متناول التلاميذ، وهو يفترض مستويات مختلفة
اللمعرفة أهمها:
1 - المعرفة العالمة: وهي تلك المعرفة المتداولة في الأطر الأكاديمية وفي مراكز البحوث، و"كلّ معرفة عالمة هي عبارة عن أجوبة لأسئلة مطروحة أو معطاة. وهذه الأسئلة تكون في كثير من الأحيان عويصة أو معقدة "(53).
والمعرفة العالمة في مادة التربية الإسلامية مثقلة بخمسة عشر قرنا من التجارب والتراكم المعرفي تتوزع على
الهوامش:
(52) ibid, p. 6
(53) Develay, 1992, p. 21
الصفحة:104
حقول معرفية كثيرة تجددت بفعل الزمن وتفرّعت مجالاتها (4) وتطورت مصطلحاتها (66).
ويُلحق بالمعرفة العالمة ما سماه مارتينان (56) الممارسات الاجتماعية المرجعية Pratiques sociales des reference. ويمكن اعتبار هذا الطرح نقدًا للنقل الديداكتيكي الذي يقتصر على النصوص العلمية الصرف دون أن يأخذ بعين الاعتبار الأنشطة ذات العلاقة، لأن تحديد محتوى تعليمي معين لا يقتصر فقط على مجرّد عمليات اختصار للمعرفة الجامعية، بل يقتضي في كثير من الأحيان الانطلاق من ممارسات اجتماعية مختلفة، قد تتمثل في ممارسات بحثية، أو
الهوامش:
(54) انظر هذه التفريعات والتقسيمات في إحصاء العلوم للفارابي أو مفاتيح العلوم للخوارزمي أو الفهرست لابن النديم أو مقدمة ابن خلدون....
(55) يمكنك التعرف إلى الوعي الاصطلاحي عند العرب وحركة المصطلحات في تاريخهم العلمي في كتاب التفكير فريضة للجوادي، أو نهاية كتاب هندسة المناهج والكتب المدرسية للمؤلف نفسه ....
(56) Martinand, Jean-Louis. (1986). Connaitre et transformer la matière. Berne, Peter Lang.
الصفحة:105
عمليات إنتاج، أو أنشطة اجتماعية يومية أو أنشطة ثقافية أو غيرها مما يصلح منطلقا أو مرجعا لأنشطة علمية مدرسية، ومجالا للنظر في المشكلات التي تطرحها تلك الممارسات الاجتماعية، وفرصة للتفكير في الحلول والطرائق والسلوكات والمعارف المناسبة.
2 - المعرفة واجبة التعلم: وهي تلك التي تتضمنها البرامج الرسمية والكتب المدرسية وتصطفيها من المعرفة العالمة دون غيرها من المضامين، وتحدث فيها قدرا لا بأس به من التغييرات "التعليمية" في مستويات عديدة مثل:
الصفحة:106
الاجتماعية والحضارية، دون أن تكون حاجزا يمنع التلميذ من التعامل المباشر مع
المعرفة العالمة في مظاتها، وهو ما يتطلب مراوحة وظيفية بين المصطلحات الأصلية
والمصطلحات المستحدثة، أو استعمال معجم في الوسائل التعليمية المستعملة يُقرب
العالمة المفاهيم من واقع التلميذ المعرفي ويصنع الجسور بينه وبينها....
ويُميز هذه المعرفة واجبة التعلم أنها الأكثر تحديدا ووضوحا مقارنة بما سبقها وما يلحق بها، لأنها تتمثل غالبا في نصوص قانونية دقيقة وتوجيهات واضحة، هذا إذا تعلق الأمر بالبرامج. أما الكتب المدرسية فهي في الغالب نصوص تعليمية واضحة وأنشطة تتضمن تعليمات دقيقة غالبا. ورغم هذا الوضوح، فإنّ الشخصية المدرس وتوجهاته، ثم لما يتلقاه من التكوين دورًا كبيرًا في قراءته لتلك الوثائق وتأويله لنصوصها.
الصفحة:107
3 - المعرفة المدرسة: وهي المعرفة التي يجتهد المدرّس في مساعدة المتعلم على إدراكها مستهديا بالبرامج الرسمية ومُستعينا بالكتب المدرسية والوسائل المتاحة.
4- المعرفة المتعلمة: وهي المعرفة التي يكتسبها التلاميذ فعليا من تلك المعرفة المدرسة، ولا يمكن أن تكون واحدة عند كل التلاميذ لأن كل واحد منهم يتعلم مما يتاح له من فرص تعليمية على قدر تعلّماته السابقة، وينهل من التجارب التعليمية التي توضع بين يديه
على حسب نمطه التعلمي ومدى مواناة النمط التعليمي لذلك النمط التعلمي.
ومما ينبغي الانتباه إليه أن بين تلك المستويات السابقة مسافات كثيرة لا بد من العمل على تقليصها حتى نضمن تحققا أكبر للكفايات المستهدفة في برامجنا التعليمية:
فبين المعرفة الواجب تعلمها والمعرفة المدرسة فعليا مسافة لا تخفى، ويمكن أن تلحظ تجلياتها إذا انتقلت من حصة إلى
الصفحة:108
حصة ومن مدرّس إلى آخر، لترى اختلافا في إدراك أهداف الدرس ومفاهيمه يصل حد التناقض أحيانًا، والتكوين الفعّال القائم على ورش التفكير والتحليل وعلى الدروس الشاهدة عامل حاسم في تقليص المسافة بين ذينك المستويين.
- وبين المعرفة المدرسة والمعرفة المتعلمة مسافات أكبر، يوسعها عدم اهتمام المعلم بآليات ومفاهيم تربوية كثيرة لا يكاد يُدرك جدواها مثل:
الصفحة:109
ويساعدهم على التصريح بآرائهم وتمثلاتهم قصد مساعدتهم على تعديلها.
النقل التدريسي(Transposition didactique):
(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 39 من نسخة البدف أعلاه)
الصفحة:110
التجليات والأبعاد المختلفة لعمليات النقل التدريسي :
أجملها أستولفي ودفلي في ثلاثة (67):
- أولها: التفريق بين منطق البحث ومنطق العرض، فما يقتضيه
الأول من الإسهاب وطرح الفرضيات المختلفة يقابله الثاني بالاختصار والتركيز على النتائج في إعراض عن التفاصيل الدقيقة، وهذا المستوى من النقل يمكن أن يُسمّى بإعادة
الصياغة (Reformulation).
ويمكن أن تُدرك تجلياته في درس التربية والتفكير الإسلامي في ذلك الإعراض عن ذكر تفاصيل الاختلافات والأبحاث النظرية والاستدلالات التي تتعلق بتفصيل فقهي ما يتعلق بالوضوء أو الصلاة، والاقتصار على حكم واحد مشتهر يجد مشروعيته في الراجح من أقوال العلماء والغالب من الممارسات الاجتماعية المرجعية.
- ثانيها: التفريق بين منطق الكتب العلمية المرجعية التي تطرح بعض القضايا باعتبارها احتمالات وتفسيرات ممكنة، بينما تجدها في الكتب التعليمية التي تتحرى التبسيط
الهوامش:
(57) Astolfi & Develay: La didactique des sciences: p. 44
الصفحة:111
معروضة كحقائق نهائية ومسلّمات، وهي الظاهرة التي سماها غي روملار (88): "التمشي الدوغمائي" (Le processu de dogmatisation).
- ثالثها: التفريق بين القيمة الذاتية للمفهوم (أو ما يمكن أن أسميه القيمة العلمية للمفهوم) والقيمة السياقية له (وهو ما يمكن تسميته القيمة التدريسية للمفهوم)...
فالمفاهيم التي تعرض في برنامج مدرسي ما، لم تأخذ مشروعية وجودها فيه من أهميتها العلمية في ذاتها وإنما من مواتاتها لمشروع تربوي ما، مما مهد لانتخابها لتكون أحد
المفاهيم التي يتضمنها البرنامج التعليمي ويهتم بها.
فالمدرسة لم تُدرس قط المعرفة العلمية في حالتها الخام، بل محتويات تعليمية ناتجة عن تقاطع بين منطق المفهوم العلمي ومشروع التربية والتكوين والإكراهات الديداكتيكية التي يقتضيها تدريس المفاهيم العلمية في المدرسة. إذ بانتمائه إلى برنامج تعليمي ما ينخرط المفهوم العلمي في سياق معرفي جديد:
الهوامش:
(58) Rumelhard, 1979
الصفحة:112
فهو لا بد أن يكون قابلا للتعلم وينقلب إلى نص معرفة (texte du savoir) على حد تعبير شيفلار.
وتلك لعمري، سمات ومقتضيات لا يتطلّبها سياق المعرفة العالمة.
الصفحة:113
الخاتمة :
لقد بلغنا، بعد هذه الرحلة البحثية حول مفهوم "تدريسيات المواد" في دلالاته ومشروعيته العلمية والتربوية وفي أوعيته اللغوية المختلفة داخل الثقافة العربية وفي معجمه الذي تراكمت مصطلحاته عبر الأيام وآليات عمليه المتنوعة إلى عدد من النتائج يمكن تلخيصها في الأمور التالية:
1- لم تحسم بعض الخلافات المفاهيمة المتعلقة بالديداكتيك نظريا وإن حسمت عمليا باعتبار أقسام الدديداكتيك التي ملات الجامعات والبحوث الجديدة التي تفرعت عن ديداكتيك المواد مثل الديداكتيك المقارن.
2- الاضطراب في تحديد المواقف في معركة العلاقات بين التعلمية والبيداغوجيا لم يستثن أحدا تقريبا، ويكمن الحل في تقديري في التعامل الوظيفي مع مثل تلك القضايا التي سيكون من الترف أن تصرف الأوقات في حسمها دون طائل، إذ من الأجدر مثلما تنصح سانسيفي- عدم الوقوع في شراك المصطلحات، وعدم الانغماس الشديد في
الصفحة:115
التعريفات، باعتبار أنه ليس المهم أن نعرف درجة التطابق بين الديداكتيك والبيداغوجيا، بقدر ما يهم أن نعرف ما نكسبه أو نفقده باختيار هذا الموقف أو الآخر على حد تعبير أستولفي، ثمّ لأن مناقشتها كما يقول كورنو وفيرنيو - بقصد الترجيح بينهما إلى ما لا نهاية تبدو عقيمة تماما، لأننا في الأخير إنّما نعبر عن الواقع نفسه غير أننا نراه من جهات
مختلفة.
3- تتعلق الخلافات الديداكتيكية في أوروبا بالعلاقة بين التعليمية والبيداغوجيا أساسا، وأيهما الأصل وأنهما الفرع، بينما تنتمي الخلافات الديداكتيكية الضمنية (وليست الصريحة) في مجتمعاتنا العربية بالبعد الاصطلاحي للمسألة. وهي في الحقيقة فرع عن مشكلة المعجمية العربية حديثاً.
4- مشاركاتنا في حسم الخلافات التربوية حسما وظيفيا ومن خلال الدرسات المتخصصة، وفي ترجيح المواقف التوعية وابتكار المفاهيم والأدوات محدود جدا رغم ضخامة
المؤسسات التعليمية الجامعية عددا وطلابا....
الصفحة:116
5- تميل عاداتنا التربوي فيما يتعلق بالمفاهيم الوافدة إلى شيء من الرفض السلبي لدى الطبقات شبه العالمة) أو الاستهلاك السلبي لدى الطبقات المحسوبة على المعرفة العالمة، دون نقد علمي للمفاهيم وتطوير نظري ومتابعة عملية عبر الآليات البحثية المتعارف عليها.
6- أرجح استعمال مصطلح "التدريسية" ترجمة لكلمة " ديداكتيك المواد" لأنه الأبعد عن الاضطراب والخلط مقارنة بكلمات مثل "التعلمية" أو "التعليمية" التي مازالت تسبب إشكالات كثيرة وتداخلا عند الاستعمال. وإن كنت أميل في الوقت ذاته إلى استعمال بقية المصطلحات إلى جانب التدريسية – في مرحلة أولى على الأقل - ضمانا لنوع من رحابة الصدر وتحديدا للدلالة المرادة من لفظ التدريسية بالنسبة إلى الذين تعودوا على غيرها.
7- تنوعت المفاهيم التي صنعت في أحضان الديداكتيك (النقل التدريسي، العقد التدريسي، التمثلات، المكتسبات القبلية...) وهي في حالة تطور دائم، وأصبحت أدوات
الصفحة:117
عمل يستعملها الديداكتيكي في تحليل الظاهرة التدريسية داخل كل مادة.
8- يختلف حضور هذه المفاهيم الأدوات من مادة إلى أخرى، وهو مظهر طبيعي في تدريسيات المواد، لأنها ما ولدت كحقل معرفي تربوي إلا لذلك، فهي تهتم بدراسة التفاعلات التي تربط بين كل من المدرّس والمتعلم والمعرفة داخل مجال مفاهيمي معين" ....
ولذلك المجال المعرفي الخاص دور في تحديد مدى الحاجة إلى مفهوم معيّن، والمساحة التي سيقتطعها ذلك المفهوم داخل مادة بعينها. وللديداكتيك المقارن دور هام في
الكشف عن تلك المساحات، وتحديد مواطن الاتفاق والافتراق فيها....
الصفحة:118
قائمة المراجع
1 ابن خلدون، عبد الرحمان (دست)، المقدمة. بيروت: دار الجيل.
2. ابن سينا، أ. (2007). كتاب السياسة (ط. أولى)، تقديم وضبط وتعليق:
علي محمد إسبر، سوريا: بدايات للطباعة والنشر.
3- بيرز، سيو (2014) تدريس مهارات القرن الحادي والعشرين، ترجمة
محمد بلال الجيوسي، مكتب التربية العربي لدول الخليج.
4- الجاحظ، أ. (1964) رسائل الجاحظ تحقيق وشرح عبد السلام محمد
هارون القاهرة: مكتبة الخانجي 1384هـ.
5- الجوادي، رياض (2009). دليلك إلى المفاهيم التربوية الحديثة. الرياض: دار كنوز إشبيلية للنشر والتوزيع، 1430هـ.
6. الجوادي، رياض (2016). التفكير فريضة، (ط. ثانية منقحة ومزيدة)، دار التجديد للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة.
7. الجوادي، رياض. (2018) مداخل حديثة في التعليم: من التعليم بالأهداف إلى التعليم بالكفايات. بحث مقدم إلى ملتقى الكفايات بمكتب التربية العربي بالرياض دار التجديد للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة.
8- الدريج، محمد (1991) تحليل العملية التعليمية (مدخل الي علم التدريس)، (ط.ثانية). المغرب / الدر البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة.
الصفحة:119
9- العمراوي، أحمد والقاسمي، خالد البقالي. (1999). ديداكتيك التربية الإسلامية من الإبستمولوجي إلى البيداغوجي، (ط. أولى) الدار البيضاء: دار الثقافة.
10. فارس، فتحي والشارني مجيد .(2003). مداخل إلى تعليمية اللغة العربية، (ط. أولى)، تونس: دار محمد علي الحامي للنشر.
11. لجنة التقييم والامتحانات. (2004) الكفاية، المجلة التربوية، العدد 30، أيلول: منشورات المركز التربوي للبحوث والإنماء - بيروت: 20-25
12. Arénilla, L., Gossot, B. Rolland, M., & Roussel, M. (2000). Dictionnaire de pédagogie, Paris, Bordas
13. Arsac, Gilbert. (1988). La transposition en mathématiques -Cours du DEA- Université de Lyon et Grenoble, 1987-88.
14. Astolfi, J.-P. (1993). Placer les élèves en situations problèmes. Paris, INRP. 15. Astolfi, Jean-Pierre. (1993). Placer les élèves en situations problèmes. Paris, INRP.
16. Astolfi, Jean-Pierre. (1996). Didactiques et pédagogies, (dossier coordonné par). Educations, n°7.
17. Astolfi, Jean-Pierre, Develay, Michel. (1993). La didactique des sciences.. Paris: Presses universitaires de France.
18. Ausubel, D. P. (1962). Indications and contributions in an approach to Leaming by Discovery. Educational Leadership: 113-117. The Association for Supervision and Curriculum Development.
19. Beguin, Annette. (1996). Didactique ou pédagogie documentaire ? Ecole des lettres des collèges. N°12. 1995-1996, pp. 49-64.
20. Beillerot, J. Mosconi, N. & Blanchard-Laville, C. (1996). Pour une clinique da rapport au savoir. Paris: L'Harmattan
21. Brousseau, Guy (1986). Fondements et méthodes de la didactique des mathématiques, in
22. Recherches en Didactique des Mathématiques, vol. 7; n° 2, 1986: pp. 50-51. 23. Champy, P. & Etévé, C. (1994). Dictionnaire encyclopédique de l'éducation et de la formation. Paris: Editions Nathan
24. Charlot, B. (1997). Du rapport au savoir. Eléments pour une théorie. Paris, Anthropos
25. Comu, L. & Vergnioux, A (1992). La didactique en questions. Paris. Hachette. 26. De Ketele, J.-M., Roegiers, X. (1996). Méthodologie du recueil d'informations, Bruxelles: 3e édition, De Boeck Université.
27. Develay, M. (1996). Didactique et pédagogie. Sciences humaines, hors série n° 12, pp 58-60.
الصفحة:120
28. Develay, Michel. (1992). De l'apprentissage à l'enseignement; Paris: ESF- Editeur
29. Develay, Michel. Origines, malentendus et spécificités de la didactique. In: Revue française de pédagogie, volume 120, 1997.Penser la pédagogie. pp. 59-
66
30. Houssaye, J. & autres. (2015). Quinzes pédagogues: Idées principales et textes choisis. Paris: Edition Fabert.
31. Jean-Claude, Ruano-Borbalan. (1998). Eduquer et Former, Editions Sciences Humaines.
32. Joshua, S. (1996). Le concept de transposition didactique n'est-il propre qu'aux mathématiques? Dans C. Raisky, et M. Caillot, (dir.). Au-delà des didactiques, le didactique. Débats autour de concepts fédérateurs. Bruxelles, Belgique De Boeck.
33. Josh, S. et Dupin, J.-J. (1993). Introduction à la didactique des sciences et des mathématiques. Paris, France: PUF
34. Kemeis, Jacques. Introduction à la didactique. Didactique et culture informationnelles: de quoi parlons-nous? (Séminaire du GRCDI), GRCDI et URFIST Bretagne-Pays de Loire, Sep 2007, Rennes, France, halshs-01466902. 35. Lafleur, Dominique. (2016). Théorie et pratique didactiques Création d'un plan de cours interdisciplinairede littérature et musique comparées au collégia Université de Montréal: Département de Didactique, Faculté des sciences de l'éducation: Thèse présentée en vue de l'obtention du grade de Doctorată la Faculté des sciences de l'éducation, option Didactique.
36. Lauzon, F. (2000). Comment aider les élèves à intégrer et à transférer leurs apprentissages? Proposition d'un itinéraire en cinq actions-réflexions. Pédagogie collégiale Vol. 14 no 2, Décembre 2000: 34-40.
37. Le Boterf, G. (1995). De la compétence, essai sur un attracteur étrange. Paris: Editions d'organisations.
38. Marguerite Altet fait (à cette époque !3)
39. Martinand, Jean-Louis. (1986). Connaitre et transformer la matière. Berne, Peter Lang
40. Martinand, Jean-Louis (2014). Point de vue didactique des sciences et techniques, didactique du curriculum. Education & Didactique, 2014, vol. 8, n° 1. p. 65-76
41. Partoune, Ch. (2002). La pédagogie par situations-problèmes, article paru dans la revue Puzzle éditée par le CIFEN, Université de Liège.
42. Raynal, F. & Rieunier, A. (1997). Pédagogie: dictionnaire des concepts clés. Paris: ESF.
43. Reuter, Yves, Cohen-Azria, Cora; Daunay, Bertrand, Delcambre, Isabelle & Lahanier-Reuter, Dominique. (2013). Didactique comparée. Dans: Y. Reuter, C. Cohen-Azria, B. Daunay, I. Delcambre & D. Lahanier-Router (Dir). Dictionnaire des concepts fondamentaux des didactiques (pp. 71-74). Louvain- la-Neuve, Belgique: De Boeck Supérieur.
44. Roegiers, Xavier. (2001). Une pédagogie de l'intégration. Compétences et intégration des acquis dans l'enseignement, 2ème édition. Bruxelles: De Boeck Université.
45. Sarrazy, B. (2002). Didactique, Pédagogie et Enseignement pour une clarification du débat dans la communauté des sciences de l'éducation ». In JF. Marcel Les Sciences de l'Education: des recherches, une discipline ? [Actes de
الصفحة:121
l'Université d'été « Education, Recherche et Société » 5, 6 et 7 juillet 2000- Carcassonne] de Paris: 'Harmattan. Chap. VI 131-154.
46. Sensevy, G. & Mercier, A. (2007). L'action conjointe. Rennes, Presses universitaires de Rennes.
47. Spady, W. G. (1994). Outcome-Based Education: Critical Issues and Answers. American Association of School Administrators.
48. Tardif, J. (1996). Le transfert de compétences analysé à travers la formation de professionnels. Dans Meiricu, Ph., M. Develay, C. Durand, et Y. Mariani (dir.). Le concept de transfert de connaissance en formation initiale et continue. Lyon: CRDP. 31-46.
49. Weisser, M. (2007). Les didactiques disciplinaires: un calembour? Actes du colloque de l'Association des Enseignants et des Chercheurs en Sciences de Education intitulé Congrés International d'Actualité de la Recherche en Education et en Formation (AREF). Repéré http://www.congresistaref.org/actes_pdf/AREF2007 Marc_WEISSER_034.pd
الصفحة:122