النمو المعرفي لطفل ما قبل المدرسة نظرياته وتطبيقاته
المؤلف: محمد عبد الله العارضة
التصنيف: علم النفس المعرفي
عرض PDFالوصف:
محمد عبد الله العارضة، النمو المعرفي لطفل ما قبل المدرسة نظرياته وتطبيقاته، دار الفكر ناشرون وموزعون،عمان- الأردن، الطبعة الثانية، سنة 1434ه الموافق ل 2013م.
مقدمة
جاء هذا الكتاب بعنوان النمو المعرفي لطفل ما قبل المدرسة وقصدنا بالنمو المعرفي نمو العمليات المعرفية والعقلية عند الطفل وتطورها، إذ أنها تعتبر الأداة الرئيسة في فهم الطفل للعالم المحيط به. وتجب الاشارة هنا إلى أن النمو المعرفي يمكن أن يرد تحت مسميات أخرى مثل: النمو العقلي، أو التطور العقلي، أو النمو الذهني، أو الارتقاء الذهني، ، وجميع هذه المسميات تدل علي مفهوم وهدف واحد.
أما الفئة العمرية المخصصة لطفل ما قبل المدرسة، فكانت من ثلاث سنوات ونصف وحتى السادسة (قبل سن المدرسة). وفي ضوء هذه المعطيات، فقد تناولنا نظرية بياجيه في النمو المعرفي، ومراحله المعروفة في النمو المعرفي، إذ تعتبر هذه النظرية من أشهر ما قدم لتفسير أبعاد النمو العقلي /
المعرفي عند الانسان.
ووردت محتويات الكتاب في أربعة أبواب رئيسة، ضم كل باب عدداً من الفصول كما يلي: الباب الأول: وضم الفصل الأول والثاني والثالث والفصل الرابع. حيث تحدث هذا الباب عن مواضيع أساسية كانت مقدمة للولوج إلى لب الكتاب ومحوره، وهي:
معنى النمو المعرفي، ومفاهيم بياجية في النمو المعرفي، والعوامل المؤثرة في النمو المعرفي، ومراحل النمو المعرفي.
الباب الثاني: وقد ضم ثلاثة فصول هي: الخامس والسادس والسابع. حيث تحدث هذا الباب عن المرحلة الأولى (المرحلة الحسية - الحركية من مراحل النمو المعرفي بالشرح والتفصيل وتناول الموضوعات التالية:
الصفحة 15
مظاهر النمو المعرفي لدى الطفل حديث الولادة، ومظاهر النمو المعرفي لطفل المهد، والنمو المعرفي في مرحلة المهد. أما الباب الثالث، فقد ضم فصلين هما: الثامن والتاسع، إذ تحدث هذا الباب عن المرحلة الثانية (مرحلة ما قبل العمليات من مراحل النمو المعرفي وتناول الموضوعات التالية:
النمو المعرفي في مرحلة الطفولة المبكرة، ومظاهر النمو المعرفي لطفل ما قبل المدرسة. أما الباب الرابع، فتناول فصلين هما العاشر والحادي عشر، وتناول موضوعين رئيسيين هما :- قياس النمو العقلي لطفل ما قبل المدرسة، والتطبيقات التربوية لنظرية بياجية في النمو المعرفي.
وانسجاماً مع عنوان هذا الكتاب، فقد توقفنا في محتوياته عند المرحلة الثانية من مراحل النمو المعرفي، حسب مراحل بياجيه في النمو المعرفي. إذ تمتد الفئة العمرية لهاتين المرحلتين من الميلاد وحتى سن السادسة أو السابعة فقط.
وأخيراً، نقول أن هذه كانت محاولة لتعميق فهمنا لأطفال ما قبل المدرسة، محاولة جاءت مضنية وشاقة، وإنني إذ أقدمها للقارى، الكريم، فإنني أتمنى أن تلقى عنايته الخاصة، إذ يمكن أن تتمثل هذه العناية بالنظرة النقدية التي يمكن أن تقدم لنا، للاصلاح والارتقاء للأحسن إن شاء الله.
ويمكن أن أذكر هنا أن الانتهاء من هذا الكتاب جاء ليتم ثلاثين عاماً من العمر الزمني المؤلفة والمحاولة الأولى له في الانتاج العلمي، الأمر الذي يدعو الى التفاؤل في مزيد من العطاء.
الصفحة 16
الفصل الاول :معنى النمو المعرفي
مقدمة
يتناول هذا الفصل مواضيع رئيسة هي بمثابة المدخل المناسب لتناول مراحل النمو المعرفي عند بياجيه، فكانت مواضيعه كما يلي:
تعريف النمو إذ كان من الأهمية بمكان أن تعرف ما هو المقصود بالنمو بشكل عام، لكي تربطه لاحقاً بالكلمة الأخرى، وهي المعرفي وبعد ذلك وضحنا معنى النمو المعرفي بشكل عام.
ولكن ما هي النظريات المعرفية التي تناولت دراسة هذا النمو عند الأفراد إن نظرية بياجية كانت الأشهر والأصدق والأثبت – كما يجمع معظم المتخصصين في هذا المجال -فجاء عنوان لماذا نظرية بياجيه؟، ومفهوم بياجية الخاص للنمو المعرفي، وكذلك افتراضاته الأساسية في هذه النظرية.
وأخيراً تحدثنا عن مفهوم الطفولة، لتكتمل عندنا الصورة الثلاثية المكونة من عناصر النمو، والمعرفي عند طفل الروضة (ما قبل المدرسة).
تعريف النمو-
:يعني النمو فيما يعني مفهومان رئیسان هما
الزيادة : وتتعلق بالحجم والوزن والطول ..... أي زيادة حجم العضو بانتقال العضوية من مرحلة عمرية إلى مرحلة أخرى ويمكن أن تطلق على هذه الزيادة مصطلح الزيادة النسبية بمعنى زيادة النسب المختلفة لأحجام أعضاء الجسم، أو الزيادة الكمية، وتعني زيادة كميات الأعضاء عند الكائن الحي أو الزيادة العددية والحجوم
:أما المعنى الثاني للنمو فهو
التغير : وهو متعلق باختلاف أعضاء الجسم بانتقال العضوية من مرحلة عمرية الى مرحلة أخرى. ونلاحظ أن التغير متعلق بالتغير النوعي أو الوظيفي عند العضوية
الهوامش :
يمكن أن يرد مصطلحات مثل النمو العقلي أو نمو الذكاء، أو الارتقاء المعرفي، أو الارتقاء الفكري کمترادفات لمفهوم النمو المعرفي
العضوية : مصطلح يطلق على الكائن الحي سواء أكان انسان أو حيوان أو نبات
الصفحة: 21
وعندما ننظر نظرة شمولية إلى مفهوم النمو، نجد أنه بتغير وزيادة أعضاء الجسم المختلفة تختلف وظائف هذه الأعضاء أيضا .
والنمو أيضاً عبارة عن سلسلة متتابعة متكاملة من التغيرات تسعى بالفرد نحو اكتمال النضج واستمراره، وبدء انحداره والنمو هو العملية التي تتفتح خلالها امكانات الفرد الكامنة، وتظهر على شكل قدرات ومهارات وصفات وخصائص شخصية.
والنمو بمعناه النفسي يعني ويتضمن التغيرات الجسمية والفسيولوجية من حيث الطول والوزن والحجم، والتغيرات التي تحدث في أجهزة الجسم المختلفة، والتغيرات العقلية المعرفية والتغيرات السلوكية الانفعالية والاجتماعية التي يمر بها الفرد في مراحل نموه المختلفة. (زهران 1999) .
هذا وتتكون شخصية الفرد من أركان / جوانب أربعة رئيسة هي :
الجانب الجسمي-.
الجانب الاجتماعي-.
الجانب العقلي / المعرفي-.
الجانب الانفعالي-.
وسنتناول في هذا الكتاب الجانب العقلي / المعرفي، باعتباره ركناً أساسياً من أركان الشخصية الانسانية ونموها.
ولكن قبل الخوض في هذا الجانب نود أن نطرح عدة تساؤلات غاية في الأهمية، تكون اجابتنا عليها تمهيداً جيداً وولوجاً للدخول في جوانب النمو المعرفي | المختلفة وهي :
هل طريقة دراسة النمو العقلي تشبه أو تتشابه مع طريقة دراسة النمو الجسمي مثلاً ؟
لماذا التركيز على الجانب العقلي؟ وماذا يفيدنا ذلك، نحن كمربيين أو أساتذة أو أمهات أو آباء، أو كطلاب؟
ما هو العضو المسؤول عن النمو المعرفي؟
الصفحة: 22
معنى النمو المعرفي :
والنمو المعرفي مصطلح يشير إلى التغيرات في تلك العمليات التي نقوم بها للحصول على المعرفة. ومن هذه العمليات : الاحساس، والادراك، والتصور، والاحتفاظ، والأستدعاء، وحل المشكلات والاستدلال، واللغة، والتفكير. فنحن نقوم باستقبال المعلومات الحسية (عن طريق الحواس)، ثم نحولها، ونخزنها ومن ثم نستدعيها وقتما نشاء. (1993 ,Zanden).
ويعرف فيلدمان" (Feldman) النمو المعرفي بأنه الطريقة التي يتمكن الأطفال من خلالها من فهم التغيرات التي تجري في العالم من حوله. (1996 ,Feldman).
ولعل من أهم النظريات النفسية التي تناولت تفاصيل النمو المعرفي عند الانسان هي نظرية بياجية". ولكن
لماذا نظرية بياجية" بالذات؟ وهل يوجد نظريات أخرى تفسر لنا النمو المعرفي عند الانسان؟
سنجيب ونقول : أن هناك نظريات أخرى متعددة جاءت لتقدم لنا تفسيراتها واجتهاداتها في هذا المجال، ولكن نظرية بياجية" في النمو المعرفي كانت الأميز والأبرز وذلك لعدة أسباب منها :-
من هو "بياجيه" ؟
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 23 من نسخة البدف أعلاه)
ولد جان بياجيه (1896 - 1980) بمدينة
الصفحة23 :
نيوشاتل" في سويسرا عام (1896). وفي سن العاشرة نشر بياجيه أول مقالة له في مجلة نيوشاتل للتاريخ الطبيعي، وكانت تتعلق بعصفور دوري أبيض. وقد واصل دراساته للرخويات والعلوم في جامعة نيوشاتل خلال الأعوام من (1915 – 1918). وقد أسفر عمله هذا عن رسالة دكتوراة في الرخويات وفي أثناء سنوات الجامعة درس "بياجيه" الفلسفة وعلم النفس. وقد أيقظت فيه كتابات الفيلسوف برجسن اهتماماً حماسياً بفكرة تعريف الله مع الحياة. وقد كتب عن ذلك يقول : أثارني ذلك إلى حد الهوس، ذلك لأنه مكنني من أن أرى في البيولوجيا تفسير كل الأشياء، وتفسير العقل نفسه ... غير أنه بدلاً من أن أجد في ذلك آخر أعمال العلم، أحسست بأن ثمة بناء عبقري بدون قاعدة تجريبية بين البيولوجيا وتحليل المعرفة كنت في حاجة لشيء آخر خلاف الفلسفة، وأعتقد أن تلك اللحظة هي التي جعلتني أكتشف الحاجة التي لا يمكن تحقيقها إلا بعلم النفس.
ويضيف بياجية بقوله: بدأت بقراءة كل ما وصلت إليه يدي بعد الاتصال الفاشل بفلسفة "برجسن"، فقد قرأت لـ "كانت" و"سبنسر"، و "أوجست كونت"، و "دوركايم" ، و"تارد".. وفي علم النفس قرأت لـ وليم جيمس"، "وريبوت" "وجانيت".
هذا وقد عمل بياجية في المعمل التجريبي لـ "الفريد بينيه في باريس (فرنسا) فيما بين (1919 – 1921) . وفي سن الخامسة والعشرين، بدأ بياجية حياته الوظيفية بناء على رغبته في التوصل إلى صلة منطقية بين علم النفس وعلم الأحياء. وعلاوة على ذلك فقد أوصله عمله بمعمل "بينية" إلى ملاحظة أن إجابات الطفل على الأسئلة القياسية تصلح كمفتاح الأسئلة أخرى جديدة وأكثر عمقاً، وبعبارة أخرى فقد أصبح الطفل مصدراً للمعلومات أكثر من الأسئلة في حد ذاتها، إذ أن أسئلة الطفل الفجائية، كانت مصادر إضافية للوصول إلى المعنى الحقيقي لأفكار الطفل (ماير 1992).
وعلى مدى الثلاثين سنة التالية، ابتكر "بياجيه" ومشاركوه أكثر من وسيلة بحث جديدة وكانت أحياناً تفسيرات الطفل وتعليقاته الخاصة هي التي تقدم المفتاح للبحث في النمو العقلي ويقول "بياجيه" :
الهوامش :
الفريد بينيه (Alfred Binet) : عالم نفس فرنسي، كان أول من درس الذكاء دراسة علمية، حيث تمخض ذلك عن ولادة أول مقياس نفسي علمي للذكاء، عرف باسمه، ثم انتقل هذا الاختبار إلى جامعة ستانفورد في أمريكا، على يد العالم «تيرمان، ليتم تطويره، وخروجه بصيغته واسمه الحالي مقياس ستانفورد – بينيه للذكاء.. أنظر الفصل العاشر.
الصفحة 24 :
وضعت خططاً كنت أظن في ذلك الوقت أنها نهائية، حيث كنت أكرس سنتين أو ثلاث سنوات الدراسة فكر الطفل، لكنني كنت أعود إلى دراسة أصول الحياة العقلية، أي دراسة ظهور الذكاء خلال العامين الأولين، وبعد أن أكون قد حققت بذلك معرفة موضوعية واستقرائية عن التركيبات الأولية للذكاء. أكون قد أصبحت في وضع يمكنني من تناول مشكلة الفكر عامة وبذلك أستطيع أن أكون معرفة نفسية وبيولوجية».
وقد أدت أبحاثه في السنوات (1921 – 1925) إلى خمسة كتب كبيرة والتي نشرت في -: السنوات من (1924 – 1932) وهي
وكانت التجارب الشخصية والمهنية الخاصة التي مرت ببياجيه عاملاً مهماً في تمهيد الطريق للفترة الثانية من أعماله إذا ما اعتبرنا إصدار أعماله الخمسة المشار إليها أعلاه المرحلة أو الفترة الأولى من أعماله. وكان مولد أطفاله الثلاثة جاكلين"، ولوسي" و "لوران سبباً في اتصاله القريب والمستمر بالأطفال اتصالاً لم يسبق له مثيل في أكثر المعامل استعداداً. لقد وضع ملاحظاته التفصيلية وتابعها بناءً على ملاحظته لسلوك أطفاله المتعلق بأعمالهم اليدوية (الحسية)، وكان في ذلك مدركاً أن العمليات التصورية والادراكية ترتبط بعضها ببعض، أي أنها ليست عمليات مستقلة .... الخ.
وكانت أهم ثلاثة كتب نشرها في تلك الفترة من (1925 – 1929) هي :
الصفحة25 :
وقد وصفت الفترة من (1929- 1939) بأنها الفترة التي كرسها لوضع مفهومه عن المكونات النفسية، والذي كان من نتيجتها ظهور نظريته في النمو المعرفي. وفيما بعد، وفي السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية مباشرة، واصل بياجيه" أبحاثه ومحاضراته وكتاباته في ثلاثة مجالات حيث عمل، وهي :
وفي عام (1949) حقق ما كان يطمح إليه بنشره كتاب مدخل إلى علم المعرفة التناسلية. وكان قد كتب نصوصه عندما جاء لأول مرة إلى جنيف" في عام (1921)، حيث أوصلته فترة دراسته إلى أن يصبح مؤسس مركز المعرفة التناسلية» في جنيف
وأخيراً، نقول أن إجمالي ما تم نشره لهذا العالم قد بلغ أكثر من (18.000) الصفحة، وتدل هذه الغزارة في الانتاج العلمي على قوة فكره الخلاق، ومثابرته (ماير 1992) .
ان بياجيه" مثله في ذلك كمثل كولومبس انطلق يستكشف سواحل مجهولة، فتوصل إلى كشف قارة جديدة، تستخدمها أجيال كثيرة قادمة .
ومن الجدير ذكره أن كتابات الفيلسوف الألماني العقلي ايمانويل كانت هي من الكتابات التي استوحى منها "بياجيه أفكاره أيضاً. ويؤكد كانت أن العقل عند الولادة، لا يمكن أن يكون الصفحة بيضاء، ذلك أنه إذا كان الأمر كذلك، لاستحال على الانسان أن يكتسب القدرة على التفكير. ففي رأي كانت أن القدرة على إصدار أحكام سببية، والقدرة على ادراك الزمان والمكان والعدد، إنماهي خصائص ذاتية للعقل، تجعل من الممكن الاستفادة من الخبرة (إسماعيل 1989).
مفهوم "بياجيه" للنمو المعرفي :
يرى بياجية أن النمو عملية تطور كامنة لا تتغير، غير أنه يجد في هذه العملية الخاصة بالنمو سلسلة من مراحل النمو المتميزة والمراحل الثانوية
الصفحة 26 :
فالمرحلة هي تقسيم نمطي متجانس الأسلوب حياة الفرد طوال تلك الفترة، والمراحل الأربعة الرئيسة عند بياجية، تستخدم لايضاح مسار النمو، ولا تمثل النمو نفسه ويصف بياجيه المراحل بأنها أدوات لا غنى عنها لتحليل عمليات النمو، وهو يقارنها بالطريقة البيولوجية للتصنيف. وعليه فإن مراحل النمو عند بياجية تصلح كأداة مناسبة لعرض النمو المعرفي.
وتعكس كل مرحلة مجموعة من الأنماط التنظيمية التي تحدث في تتابع محدد في حقبة تقريبية من العمر في استمرارية النمو. وإتمام إحدى المراحل يوفر توازناً عابراً، وكذلك بداية لعدم توازن المرحلة جديدة. وكل مرحلة توحي بالقدرة الكامنة والمستوى المحتمل للسلوك. ويجب أن نلاحظ هنا أن "بياجية" يتعمد تجنب التناول الاحصائي؛ إذ إن اهتمامه ينصب على نمط ونظام التتابع أكثر مما ينصب على التحليل الكمي. وهو يعالج موضوع الميل نحو التقسيم النمطي دون الاعتماد على قياس احصائي للميل. (ماير 1992).
ويمكن تلخيص فكرة بياجية" عن النمو في التعميمات الستة الآتية :
1- هناك استمرارية مطلقة لكل عمليات النمو.
2- يتطرق النمو خلال عملية مستمرة من التعميمات والتفاضل.
3- تتم هذه الاستمرارية بتفتح متواصل. وكل مستوى نمو يجد جذوره في مرحلة سابقة ويستمر إلى المرحلة التالية.
4- تؤدي كل مرحلة إلى تكرار عمليات المستوى السابق بشكل تنظيمي مختلف. وتعتبر الأنماط السلوكية السابقة أدنى مرتبة وتصبح جزء من المستوى الأعلى التالي.
5- يولد الاختلاف في النمط التنظيمي هرمية من الاختبار والأفعال.
6- يحقق الأفراد مستويات مختلفة داخل هذه الهرمية.
ونضيف ونقول أن جون فيليبس" (Phillips) يرى أن النمو العقلي - تبعاً لبياجيه -عبارة عن تغيرات في الأبنية المعرفية، وتحدث من خلال عمليتي التمثل والمواءمة.
أما "جورج فورمان (Forman)، فيرى أن النمو المعرفي - عند بياجية – هو العملية التي يستطيع الأطفال بموجبها بناء فهم أكثر ذكاء للعالم الذي يعيشون فيه.
الصفحة 27 :
وأخيراً نقول :
يرى بياجية أن النمو المعرفي هو تحسن ارتقائي منظم للأشكال المعرفية التي تنشأ من تاريخ خبرات الفرد وهدفه تحقيق نوع من التوازن بين عمليتي التمثل والمواءمة، بحيث يصبح الفرد اقدر على تناول الأشياء البعيدة عنه في الزمان والمكان، وعلى استخدام الطرق غير المباشرة في حل المشكلات أو بمعنى آخر، هو نه و المعرفة عند الطفل خلال سنوات حياته المختلفة وطريقة معرفته للعالم، وطريق نمو الأفكار والمفاهيم لديه، كما أنه يعتبر اكتساباً تدريجياً للقدرة على التفكير باستخدام المنطق (محمد 1992).
الافتراضات الأساسية في نظرية بياجيه" :
يتناول "ماير" (Maier) سبعة إفتراضات رئيسة تقوم عليها نظرية بياجيه في النمو المعرفي، هي :
أولاً : مدخل إلى تكوين النظرية ومنهج البحث :
من أهم الأسس في تكوين أي نظرية المنهج العلمي للمنظر، وانتقاؤه للأدوات العلمية. إن تاريخ حياة "بياجيه" يعكس بوضوح تدريبه المبكر في العلوم البيولوجية إن بياجية" العالم
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 28 من نسخة البدف أعلاه)
الصفحة 28 :
. يكمله بياجية الفيلسوف، الذي يبحث عن النظم المنطقية ذات التفسيرات المتماسكة داخلياً لكل أجزائها
ويتقدم بياجيه بافتراض ويقول : أن التحري الدقيق على أي عينة صغيرة من جنس ما، تعطي معلومات أساسية، والتي توجد أي المعلومات الأساسية كامنة في كل أفراد هذا الجنس»، فأطفال جنيف (في سويسرا) مثلاً، وأطفال بياجيه بصفةخاصة، يمثلون الأطفال في كل مكان
وحتى عهد قريب جداً (بالستينيات) لم يكن بياجيه يفرق بين الاختلافات الجنسية الذكور والاناث، ولم يكن يفصل عيناته بالنسبة لمجموعات السن المطلوبة، علاوة على ذلك فهو يفترض :
أن صحة أي نتائج يتم التوصل إليها : تتعلق مباشرة بكمال المعطيات المقدمة من الباحث، وهو يقيس الصدق بدرجة الاتساق الداخلي الذي تحتفظ به النتائج التي توصل إليها بالافتراضات النظرية، وبعبارة أخرى، يرى "بياجيه" أن البحث التجريبي ما هو إلا أداة لتعزيز أو تفنيد الحقائق التي سبق تحقيقها بالمنطق **، ومتى دعمت الحقائق يمكن التعميم بموجبهاوهذه النتائج
. يمكن استخدامها ليس فقط كقواعد توصلنا إلى معطيات جديدة، ولكن أيضا كمصدر للاستنباط الفرضى للمفاهيم الجديدة
ویری بياجية أن الاتساق المنطقي لكل النتائج التي يتم التوصل إليها، هو المعيار الحاسم للفوائد التي يمكن استخلاصها منها ماير، 1992))
:ويقدم بياجيه طريقتين أساسيتين للبحث وتحليل المعطيات هما
طريقة التحليل الذي يستند على بحث السبب والنتيجة، وهو يكون شبكة تتميز بعلاقات هرمية وصلات مشتركة بمعنى استخدام الاستقصاء التجريبي مع الطريقة الاستقرائية للتفكير
الهوامش :
بعد أن كون بياجية إطاراً نظرياً خاصاً به، فإن أبحاثه اللاحقة (منذ عام 1939 تقريباً)، تبين زيادة ملموسة في عدد الأشخاص الذين استخدمهم لاختبار كل فرض جديد، وأبحاثه الأخيرة وصلت إلى (1500) طفل .
أثبتت الدراسات الحديثة في شتى أنحاء العالم نيويورك، واليابان، وغرب أفريقيا) صحة افتراض بياجيية، وبناء على ذلك فإن أطفال نيويورك أو طوكيو أو غرب أفريقيا متساوون في أنماط تفكيرهم، ونموهم المعرفي، مع أطفال حنيف في سويسرا.
صحة (The developmental psychology of Jean Piaget) في كتابه يتحرى جون فلافيل بعض أعمال بياجية، إذ يرى أن بياجية في بعض الأحيان يفرض النتائج التي يتوصل إليها بأبحاثه التجريبية لكي يثبت صحة افتراضاته
الصفحة 29 :
2-طريقة تحليل المتضمنات بالنظر إلى المجال ككل، وإلى تنسيق أجزائه، ويمكن تشبيه هذه الطريقة بالمجموعة في الحساب، وبالقضية بالمنطق. بمعنى استخدام التفكير بالمنطق بالاشتراك مع افتراضات تركيبية بالاستنتاج إن المنطق الرمزي كما يؤكد بياجية يمكن تطبيقه علمياً كأداة بحث بقدر ما تستخدم لذلك، وبكثرة الوسائل الاحصائية.
وإذا كان الفرد يتعرض خلال حياته لسلسلة من التغيرات الكمية والكيفية أو النوعية التي تتعلق بنموه المعرفي، فإن هناك اتجاهين لدراسة النمو المعرفي لدى الأفراد يهتم الأول منهما بدراسة التغيرات الكمية التي تعتري هذا الجانب من جوانب النمو الانساني، ويهتم بمدى أو مقدار ما يعرفه الفرد بالمقارنة مع أقرانه في مثل سنه، وهذا ما تقيسه اختبارات الذكاء. أما الاتجاه الثاني، فيهتم بدراسة التغيرات النوعية التي تحدث في هذا الجانب من جوانب النمو وهذا ما اهتم به بياجيه ويهتم هذا الاتجاه في دراسة النمو المعرفي بنوعية التفكير وخصائصه في كل مرحلة من مراحل النمو التي حددها بياجيه". (محمد 1992).
وعودة إلى الطرق العلمية التي استخدمها بياجيه في بحثه فقد استخدم بياجيه طرقاً امبريقية عديدة لجمع المعلومات عن عملية التفكير. ففي بعض الأحيان كان يقوم فقط بطرح الأسئلة على الأطفال. ومن أمثلة ذلك : من أين تأتي الرياح أو ما الذي يجعلك تحلم؟». وفي أحيان أخرى، كان يلاحظ نمو وتطور بعض الحالات الفردية فتتبع على سبيل المثال، عن كتب ومهارة نمو أطفاله. كذلك أجرى مع معاونيه تجارب صغيرة جداً تشبه البحوث. وفي احداها قدم للأطفال بعض العملات النقدية ومجموعة من الزهور، وطلب منهم حساب عدد الزهور التي يمكن شراؤها بست بنسات لو كان ثمن كل زهرة بنس واحد. ويطلب الملاحظ من كل طفل محاولة الكشف عن «الية» تفكيره أثناء حله لهذا السؤال دافيدوف (1997) . وفيما يلي وصفاً للحوار الذي دار في بعض تلك الحالات منقولاً من كتابات "بياجية نفسها والذي يوضح تكون مفهوم العدد عند الأطفال.
وضع أمام جوي (عمره (4) سنوات و (4) شهور) خمسة زهور في مقابل ست بنسات ثم أضاف بعد ذلك زهرة من الزهور إلى مجموعة الزهور، فأصبح عدد الزهور ستة، وبذلك
الصفحة 30 :
قابلت كل زهرة، قطعة من النقود، ثم وضع الباحث (الملاحظ) قطع النقود على شكل صف ووضع الزهور معاً على شكل كومة واحدة، وأخذ يسأل، والطفل "جوي يجيب :
ماذا فعلنا؟
لقد بدلناهم.
لا
نعم.
ثم قام الباحث بعد ذلك بتغيير الشكل، فوضع قطع النقود معاً على هيئة كومة، ووضع الزهور في صف وعاد يسأل، و جوي يجيب :
لا
أين توجد الزيادة إذن؟ في الزهور أم في قطع النقود ؟
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 31 ضمن النسخة البدف أعلاه)
الصفحة 31 :
ثانياً : نظام الكون :
يؤمن بياجية بالنظام الكوني، وهو يقترح وحدة واحدة لكل الأشياء بيولوجية، واجتماعية ونفسية وفكرية، في النظم الحية وغير الحية. ويؤمن كذلك أن كل العلوم تتشابك وتتصل فنظرية توضع في فرع من فروع العلم تتصل مباشرة في رأيه بقوانين وقواعد الفروع الأخرى. واجمالاً، يصر بياجيه" على وحدة الكون، وهو ما يقدم تفسيراً لفكرته في أن عيناته ذات دلالة (انظر: مدخل إلى تكوين النظرية في الصفحات القليلة السابقة) وهو يؤكد أن أي انحراف، سواء أكان ثقافياً أو وراثياً، هو تغيير متناقض مع عملية النمو المنتظمة. وأحياناً يبلغ اصراره حداً بالغاً، وهو يشير إلى تواز يقوم على التشابه في الشكل بين العمليات النفسية والبيولوجية.
إن التنظيم التلقائي لكل الأنشطة يُقدِّم الأساس للنظام السائد منطقياً وطبيعياً. وبالعكس فإن الأشكال البيولوجية للتنظيم الهرمي، والتداخل والتشابك تقدم المفتاح لفهم نظام الكون والعلاقة بين الأجزاء، وكذلك العلاقة بين الأجزاء والكل. وهناك أربعة أفعال تلقائية تتواجد دائماً هي :
إن الفعل التلقائي والتغيير الدينامي الكامن ، يدعمان النمو التطوري الثابت لكل تركيب بنائي بحركات في اتجاه مزيد من الحركة البسيطة والمعقدة، وزيادة توحيد لكل أفعال الأجزاء المختصة، وتميل الأخيرة لجذب الكل نحو حالة التوازن (ماير 1992).
ويعترف بياجيه" بثلاثة أشكال ممكنة للتوازن هي :
الصفحة 32 :
والهدف النهائي من عملية التطور هي المستوى الثالث للتوازن، وهو الذي يتم فقط في حالة أكثر التركيبات البنائية تطوراً : الانسان، في الوقت الذي يقترب فيه من النضج العقلي.
ثالثا : السببية في السلوك الانساني :
إن بياجية" ينظر إلى نفسه باعتباره باحثاً في النمو الانساني، أما مسائل سببيه السلوك فهي خارج نطاق أبحاثه، ومع ذلك، فهو كعالم فيلسوف، يهتم بالمسائل السببية، ونظريته في النمو المعرفي ترتكز على سلسلة من الافتراضات التي تجد تفسيرها في مظهرين مختلفين من
نظريته في النمو :
الأول : أن النمو البيولوجي يشير إلى كل العمليات باعتبارها استمراراً لعمليات حركية متكيفة.
الثاني : في عمليات الخبرة، أصل كل الخواص المكتسبة. وبعبارة أخرى فإن الخبرة
أشمل من النضج، فهي التي تحدد جوهر النمو المعرفي فالفرد يحمل كل مورثات الخاصة به، ثم يجد نفسه مستخدماً لها ومطبقاً إياها، مما يؤدي إلى اكتساب عمليات نمو جديدة.
ونتيجة لذلك، فإن اكتساب النظم الانسانية في التنظيم ليست اجتماعية بحتة ولا نضجية بحتة، ولكن هذه النظم تنبع من الأنماط المعيشية الخاصة بالفرد. ويقول «بياجيه» أنها تكون قانوناً طبيعياً. (ماير 1992).
ويمكن تفسير تطور التنظيم المعرفي بافتراضين مختلفين، ويشير إليهما بياجية" بالتبادل:
1- التنظيم والترابط الداخلي للأشياء والعالم الخارجي والسببية والزمن، تفرض أولاً وجود أنماط محددة للنمو العقلي.
2- إن العقل يُنظم تركيبه الخاص بفضل تجربته مع الأشياء والعالم الخارجي والسببية والزمن والترابط الداخلي لهذه الحقائق البيئية.
إن السلوك الانساني المعرفي يجب أن ينظر إليه دائماً كاتحاد بين المناطق الأربع الآتية:
(أنظر الفصل الثالث : العوامل المؤثرة في النمو المعرفي)
الصفحة 33 :
التوازن التنظيم الذاتي للتكيف والتكوين المعرفي أي المبدأ الناسخ للنمو العقلي الذي يتقدم فيه النمو العقلي في مستويات تنظيمية أكثر تعقيداً وثباتاً..
رابعاً : القيم الانسانية الأساسية :
يمكن تتبع افتراضات بياجية بشأن القيم الانسانية الأساسية إلى وجهة نظره نحو النظام الكوني وفلسفته الخاصة بالحياة انه يقترح أن القيم الأساسية يمكن تفسيرها، إما بافتراض أنها تتبع خطة متطورة، أو بافتراض أن التطور يتبع نظاماً قيمياً.
وفي أي من الافتراضين، فإن الفرد يمكن اعتباره فريداً ومالكاً لمجموعة كبيرة من القدرات وفي افتراض بياجيه العلمي عن التوزيع الطبيعي لكل السمات الأساسية، نجده يقترح نظرة ديمقراطية خاصة بقدرات كل فرد انه يفترض شكلاً ديمقراطياً للتفاعل الانساني كحالة طبيعية. علاوة على ذلك، فإنه يزعم أن الانسان يصبح لديه احساس بالتكامل بمجرد أن يصل إلى مستوى معين من النضج (ماير 1992).
خامساً : محور الوظيفة الانسانية :
إن العمليات الأولية، كما يعرفها بياجيه تحدد كل الأنشطة الأصلية للتركيب البنائي الحي، وكل الأشكال المباشرة للعمل الانساني الذي يبرز منها ، ثم هو يطلق الاصطلاح على كل العمليات العقلية المبكرة غير المتميزة إلى سن السابعة، وفي هذا السن يبدأ الطفل في تطبيق الشكل المنطقي للاستدلال على تفكيره دون احساس بالتناقض المنطقي والواقع أن "بياجية" يستخدم نفس الاصطلاحات المجموع السلوك الانساني المبكر، ولنمو العمليات العقلية المبكرة ليوحي بأن الوظائف العقلية بالنسبة له، توفر الجوهر (اللب) لكل الأنشطة الانسانية.
إن اللعب هو جزء أساسي من تطور الذكاء - وهو برأي بياجية - وظيفة أولية للفكر ولكنه لا يجد سوى تفسير ضئيل في استمرارية النمو عند بياجيه". أما اللغة فهي نتاج
الصفحة 34 :
للأنشطة العقلية وبالرغم من موضعها المحوري في مستقبل الحياة، فإنها، كاللعب، تبرز كجزء من استمرارية النمو العقلي. وفي المقابل نجد الادراك يتخذ مكانة ثانوية. إن الخبرات الادراكية ليست حالة استمرارية انها تتمركز من لحظة إلى أخرى. وكما أن الرئتين يمدان الجسم بالأوكسجين، فإن الدوافع الادراكية تمد العقل بانطباعات يجب أن تترجم إلى خبرات حياة. ويفترض بياجيه" أن الانفعال الانساني ينبع من نفس العمليات الأولية كصنو عقلي له. وبصفة عامة يمكن القول بأن الوظيفتين، الذكاء والانفعال، أشبه بوجهي العملة، كلاهما دائماً معاً كواحد، وكلاهما يخدمان التكيف بالبيئة.
ويقول بياجيه أننا لا نحب دون أن نحاول الفهم، بل أننا لا نكره دون الالتجاء لحكم رصين.
وهكذا فإن نظرية بياجيه تقف على الافتراض بأن الشخصية الانسانية تنبع من تراكب الوظائف العقلية والانفعالية، وكذلك من الصلة الداخلية بين هاتين الوظيفتين إن العمليات العقلية تقدم التوجيه، وذلك بتنظيم وتكامل وظائف الشخصية الانسانية هذه.
ويرى بياجية أن تحقيق توازن قريب في موقف دائم التغير، يعتبر هدف كل الوظائف الانسانية بيولوجية، وانفعالية، وعقلية خاصة ... وهو يُعرف التوازن بأنه حالة تعادل فيها كل التحولات العقلية التي تتلاءم مع صلات النظام، وتعادل كل منها الأخرى.
وأخيراً، يفترض بياجيه حالة من الجد الدائم في سبيل توازن شبيه بالأنشطة التي تبذل في بناء هرم دائم الامتداد. وان الحياة سلسلة متقدمة من المحاولات في سبيل موازنة الأشياء وكل محاولة ترتكز على المحاولات السابقة، وكل منها – مع تزايد التعقيد – تخلق أشكالاً جديدة تقوم بدورها بتهيئة الأسس الموازنات مستقبلية (ماير 1992).
سادساً : الوليد :
يفترض بياجيه" أن الوليد يولد ككائن حيوي مزود بمجموعة من الانعكاسات يمكن وصف تكوينها النفسي بأنه «وعي بروتوبلازمي». لاحظ التصاق التفسيرات البيولوجية للسلوك الانساني).
وتعزى إلى الوليد ثلاثة دوافع موروثة، والتي تتمثل في السلوك الغريزي، وهي :
-1- دافع الجوع، بالاضافة إلى قدرة على البحث عن الطعام واستخدامه
الصفحة :36
2 -دافع نحو الاحساس بالتوازن )التوازن بالنسبة للضوء، والحرارة، والصوت ...)، وكذلك ردود الفعل نحو اضطراب مفاجىء في هذا الاحساس بالتوازن. إن رد الفعل المنعكس للوليد نحو أي اضطراب في توازنه، يمكن بسهولة تعريفه بأنه انفعال أصلي، أي أنه انعكاس طبيعي ينشأ كرد فعل من الطفل نحو هذا الاضطراب لإعادة توازنه. والأهم من ذلك أن بياجييه يعتبر النمو المعرفي مستقلاً بذاته عن هذه الدوافع الجسمية.
3- دافع نحو الاستقلال والتكيف مع البيئة، علاوة على قدرة وراثية معينة على اكتساب قدر كبير من الاستقلال )ماير 1992)
سابعاً : البيئة الطبيعية والاجتماعية والفكرية :
إن الافتراضات السابقة التي قدمها بياجية يُضاف اليها الافتراضات المتعلقة بالبيئة المحيطة التي يكيف بها الفرد نفسه. ويمكن تلخيص موقف بياجيه بقبوله لنظرية العالم دوركايم" " القائلة بأن كل الحقائق الاجتماعية – قيماً وعمليات – إنما يخلقها الانسان. إن العالم الاجتماعي والفكري لا يمثل أي ذاتية بدون الانسان، ومثل هذا العالم هو انعكاس للتنشئة الاجتماعية التي يمر بها كل فرد في نموه المعرفي. ويرى بياجيه" أن كلاً من الفرد وبيئته يمثلان كلاً متوافقاً. وإن مفهوم الانسان للأشياء )كل الأشياء أو الاشخاص( التي تتجه إليها الأفعال والأفكار والمشاعر أو العكس، )وكذلك أفكاره( تبرز في وقت واحد مع ادراك الانسان لنفسه. ومن العجيب أن هذه الظواهر التي هي من صنع الانسان تصبح جزء من بيئة الفرد بالتبعية، وتنشط عملياته التكيفية. وبعبارة أخرى، فإن المظاهر الاجتماعية والنفسية والفكرية، وكذلك الأشياء المادية، تبدو كبيئة، وتشمل مجالاً واحداً بالنسبة للفرد. ومجال كل فرد يمكن أن يُسرع أو يؤخر أو يُغيّر نظام التتابع لعملية نمو الفرد.
وهذا التأكيد، وهو من أساسيات نظرية بياجية ، يبرر تركيزه العظيم على «مراحل» النمو أو المرحلية في النمو، وهي غير قابلة للارتداد في تتابعها. (ماير، 1992).
الهوامش :
دور کایم : هو إميل دوركايم (Emile Durkheim). عالم مختص بعلم الاجتماع.
الصفحة 36 :
:مفهوم الطفولة
ماذا نعني بالطفل وكيف يختلف الطفل عن الراشد بخلاف الشكل والحجم.... هذه أسئلة سوف نحاول أن نناقش بعض المفاهيم التي تعتبر مفاتيح تميز فهمنا الحديث للطفل (موسى (2001
ويشير الريماوي (2003) إلى أن الطفولة مرحلة عمرية من دورة حياة الكائن الانساني حيث تمتد من الميلاد إلى بداية المراهقة والطفل، لغوياً : الصغير أو الشيء الرخص الناعم ويستخدم إسماً مفرداً واسماً جمعاً. وفي كتابه الطفولة في قرون المنشور عام (1962)، يشير فيليب أريس (Aries) إلى أن الطفولة مصطلح حديث نسبياً، فالأطفال في القديم كانوا يعيشون بيننا، ويرتدون نفس الطراز من الملابس، وعليهم أن يتصرفوا كالكبار. ولم يكن معروفاً أن للطفولة خصائصها وحاجاتها وأغراضها وفرصها كالخيال واللعب.
قدورة حياة الكائن الانساني كانت تنقسم إلى ثلاث مراحل هي :
إن ثراء النظرية النفسية بما قدمه علماء النفس أمثال : ستانلي هول (Hall) و ها فهرست (Havighurst) و بياجيه وإريكسون (Erickson) و "كولبرج" (Kohlberg)، وعلماء مدرسة التحليل النفسي، وعلماء الاجتماع المهتمين بالتغير الاجتماعي وكذلك نتائج الدراسات الاكلينيكية والتجريبية، أقنعتنا أن الطفولة مرحلة حياتية فريدة تتميز بأحداث هامة، وفيها توضع أسس الشخصية المستقبلية للفرد البالغ، ولها مطالبها الحياتية والمهارات الخاصة التي ينبغي أن يكتسبها الطفل انها وقت خاص للنماء والتطور والتغير يحتاج فيها الطفل إلى الحماية والرعاية والتربية.
إن الرغبة في الدراسة المعمقة لمرحلة الطفولة، دفعت إلى تقسيمها إلى مراحل فرعية وفقاً لأسس معينة :
الصفحة 37 :
أولاً : فتبعاً للأساس التربوي تقسم إلى :
ثانياً : تبعاً للأساس البيولوجي تقسم إلى :
ثالثاً : تبعاً للأساس الشرعي تقسم إلى :
ملخص :
الصفحة 38 :
- المفهوم المعرفي في مفهوم " بياجيه " ، يشير إلى التغيرات في الأبنية المعرفية التي تؤدي أي التغيرات – بالإنسان إلى فهم العالم المحيط به
- ركز بياجيه على مفهوم التوازن بين عمليتي التمثل والمواءمة ، واعتبر أن التمثل والمواءمة وجهان لعملة واحدة ، هي التوازن ..
- التصقت تفسيرات " بياجيه " للنمو المعرفي بمفاهيم استمدها من علم الأحياء الطفولة مرحلة عمرية من دورة حياة الكائن الحي ، حيث تمتد من الميلاد إلى بداية المراهقة .
الصفحة 39 :
الفصل الثاني:مفاهيم « بياجيه » في النمو المعرفي :
مقدمة :
كان للدراسة المبكرة لـ بياجية في علم الأحياء (Biology) – كما سبق توضيحه – تأثير واضح على تفسيره للنمو المعرفي، فهو يستخدم نفس المفاهيم والألفاظ حينما يتحدث عن تطور التفكير عند الإنسان، فمثلاً، نجده يقترح أنه في وظيفة العقل الانساني – كما هو الحال في علم الأحياء – توجد عمليتان أساسيتان هما التكيف والتنظيم، إذ أن الطبيعة الإنسانية . في نظره – هي التي تدفع الأفراد لتنظيم خبراتهم، وتكيفهم لما قد خبروه )عاشوه وتفاعلوا معه)، كما أنه يعتقد أن النمو العقلي المعرفي هو استمرار مباشر ومصاحب للنمو البيولوجي.
ويرى بياجية أن المعرفة تضم عمليتين متميزتين هما : التكيف والتنظيم، وتتضمن عملية التكيف عنصرين أساسيين هما : التمثل والمواسمة، ولذا فهي تسمح للفرد بالتكيف مع البيئة وبالتالي يبقى على قيد الحياة. ويستخدم بياجيه" عدداً من المفاهيم ليوضح بها الطريقة التي يعمل بها العقل وينمو. ويرى أن هذه المفاهيم تنطبق على كل فرد، وليداً كان أم طفلاً أم راشداً. كما أنها تفسر السبب الذي من أجله يظهر الطفل العادي في أي بيئة طبيعية أنماطاً متشابهة من النمو المعرفي.
وسنتعرض في هذا الفصل إلى مفاهيم رئيسة ومحورية في نظرية بياجيه للنمو المعرفي ومنها الأبنية العقلية والوظائف العقلية والمرحلة والتمثل والمواسمة، والتكيف والتوازن والسكيما، والتنظيم.
- الأبنية العقلية :
يفترض بياجية أن المعارف من المعرفة(Cogniton) أبنية أو تراكيب عقلية، وهي عبارة عن كليات منتظمة داخلياً، أو أنظمة ذات علاقات داخلية. وهذه الأبنية والتراكيب هي قواعد للتعامل مع المعلومات أو الأحداث، ويتم عن طريقها تنظيم الأحداث بصورة إيجابية والنمو المعرفي ما هو إلا تغير هذه الأبنية المعرفية، ويعتمد في حدوثه على الخبرة.
ويعتبر مفهوم الأبنية أو البنيات العقلية (Mental Structures) جوهر نظرية بياجية. والبنيات العقلية هي بنيات افتراضية تتكون من داخل العقل أثناء تطور أو نمو الانسان من الطفولة إلى الرشد.
الصفحة 43 :
وهذه الأبنية العقلية أساسها وراثي، ولكنها تتطور وتتبلور من خلال البيئة التي يعيش فيها الفرد ووظيفة هذه الأبنية العقلية الافتراضية في تنظيم البيئة المحيطة بالفرد لكي يستطيع ان يسلك بفاعلية وكفاءة، ومعنى هذا أن الأبنية العقلية تقوم بدور هام في عملية التكيف بالنسبة للفرد، وتمثل نظاماً عقلياً منظماً بدقة يوجه السلوك.
ويرى بياجيه" أن هذه البنيات العقلية تتحكم في تفكير الفرد وتوجه سلوكه، وهي تمثل بصورة فعلية الحصيلة المعرفية للفرد، وأن بناء وإعادة بناء هذه البنيات العقلية هو ما يسمى بعملية النمو العقلي، ولكن كيف تتكون هذه البنيات العقلية؟
پریى بياجيه أن هناك بنيات أولية توجد منذ الميلاد، أي أنها تنتقل للطفل وراثياً، ولكن تطور هذه البنيات ونموها ينتج من التفاعل الديناميكي بين الكائن الانساني والبيئة التي يعيش فيها (محمد. (1992
ويرى بياجية، إذن، أن الانسان حينما يولد لا يكون عقله عبارة عن الصفحة بيضاء (Tabula rasa)، بل يولد مزوداً باستعدادات معينة وإمكانات موروثة تساعده على بدء النمو. ويرى بياجية أن هناك نوعين من البنيات الواثية التي تنتقل إلى الطفل خلال الوسائط الوراثية. وهذين النوعين هما :
2- ردود الفعل السلوكية اللاارادية : وتشير إلى أن هناك بعض الانعكاسات التي تحدث تلقائياً عند حدوث حادثة معينة في محيط بيئة الطفل. (انظر عنوان الأفعال المنعكسة /الانعكاسية في الفصل الخامس( ولا تحتاج ردود الفعل المنعكسة هذه، إلى تعلم أو تدريب، ولكنها تعتبر نتيجة حتمية للاحتكاك المباشر بالبيئة، ولهذه الردود أهمية كبرى في السنوات الأولى من حياة الطفل بل في اللحظات الأولى من حياته وحينما يحدث التفاعل بين هذه الانعكاسات وبين البيئة المحيطة. يحدث تعديل لهذه الانعكاسات. ويتم تحويلها إلى ابنية عقلية ونفسية تشكل أساس النشاط العقلي فيما بعد. (محمد، 1992).
-الوظائف العقلية :
كما قلنا سابقاً، تأثر بياجيه في نظرته إلى التفكير بعلم الأحياء، حيث نظر إلى الفرد ككائن بيولوجي بالدرجة الأولى، وهو يطبق كذلك المفاهيم البيولوجية الأساسية في فهمه لذكاء
الصفحة 44 :
الإنسان ويعتبر بياجية أن هناك وظيفتان أساسيتان للتفكير ثابتتين لا تتغيران مع العمر. وهما التنظيموالتكيف (Adaptaion)، وهاتان الوظيفتان هما أساسيتان للفرد من أجل استمرار بقائه، فالإنسان لا يستطيع أن يبقى إلا إذا نظم العمليات البيولوجية بطريقة تحقق التناسق والتكامل فيما بينهما، كما أنه لا يستطيع البقاء إذا أن لم يتمكن من التكيف مع البيئة التي يعيش فيها. وبياجيه كما نرى، يُضفي هاتين الخاصيتين على التفكير الانساني (توق وعدس 1990)
-التكيف و التنظيم:
تأثر نظام بياجية لمفهوم الارتقاء المعرفي على نحو كبير بدراسته المبكرة، باعتباره عالماً حياتياً (علم الأحياء)، وقد يأتي بحكم اختصاصه ذلك متأثراً بتفاعل الحيوانات الرخوية مع بيئتها. وهذه الحيوانات شأنها شأن أي من الكائنات العضوية الأخرى، دائمة التكيف التغيرات الظروف البيئية.
وقد اعتقد بياجية من خلال عمله المبكر هذا أن الأفعال البيولوجية هي أفعال تكيف للبيئة الطبيعية وتنظيم لها . وقاده هذا إلى تصور الارتقاء المعرفي على وفق هذه الصورة. ولهذا وجد أن الأفعال المعرفية هي أفعال تنظيم وتكيف للبيئة المدركة. ولا يعني هذا بأية حال، أن السلوك العقلي يمكن أن يعزى إلى وظيفة بيولوجية، وإنما يعني أن مفاهيم الارتقاء البيولوجي مفيدة ويمكن أن تكون مجدية لدى البحث في مسألة الارتقاء المعرفي ويؤكد بياجية" في الواقع في كتابه (أصول الذكاء عند الأطفال المنشور عام (1952) ، أن المبادئ الرئيسة للارتقاء الفكري هي مبادى الارتقاء البيولوجي نفسها.) (واردزورث 1990)
إن مفهوم التنظيم (Organization) يشير إلى جمع الأبنية الطبيعية والأبنية السيكولوجية (النفسية) في نظم متألفة. وهذا الميل موروث، ولكن الطريقة التي يتكيف فيها الفرد بالذات ويقوم بها بعملية التنظيم هذه تتحدد بعوامل بيئية، أي بالبيئة التي يعيش فيها الفرد ويكبر ويتعلم. ويتخذ التكيف (Adaptation) صورتين هما : التمثل أو الاستيعاب (Assimilation) والمواسمة أو الملاءمة (Accomodation) (اسماعيل 1989) .
الصفحة 45 :
ولا ينظر بياجيه إلى التنظيم والتكيف على أنهما عمليتان منفصلتان بعضهما عن بعض فيذكر:
من الوجهة البيولوجية لا ينفصل التنظيم عن التكيف، فهما عمليتان متكاملتان لآلية واحدة تشكل الأولى الجانب الداخلي لدورة الحياة، فيما يمثل التكيف الجانب الخارجي لها. ويرى بياجيبه أنه لا يمكن فصل النشاط الفكري عن الوظيفة الاجمالية للكائن الحي، وبهذا يعد الوظيفة الفكرية شكلاً خاصاً من النشاط البيولوجي. وأن كلاً من النشاط الفكري والنشاط البيولوجي جزء من العملية الاجمالية التي يتكيف بها الكائن الحي لبيئته وينظم بها خبرته.
ويتطلب فهم عمليتي التكيف والتنظيم الفكري كما يراها بياجيه، توضيح أربعة مفاهيم رئيسة ,وهي : المخطط (السكيما) (Schema) ، والتمثل (Assimilation) ، والمواءمة (Accomodation) والتوازن (Equilibrium) . وتستخدم هذه المفاهيم لتوضيح، لماذا وكيف يحدث الارتقاء الفكري.
النسق أو الأنساق العقلية الصور الإجمالية المخطط / السيكما (Schema) :
اعتقد بياجية أن الفكر يجب أن يضم تراكيب على قدر من الشبه بتلك التي يحتويها جسم الكائن الحي فلجميع الحيوانات معدة وهي جزء (تكوين) يسمح بتناول الطعام وهضمه. وقد استعمل بياجيه مصطلح المخطط للاستعانة في تفسير سبب ابداء الأطفال )والناس عموماً) استجابات ثابتة نوعاً ما إزاء المثيرات، وتفسير كل الظواهر المتعلقة بالذاكرة والمخططات هي البنى المعرفية التي يتكلف بها الأفراد فكرياً، وينظمون بها بيئاتهم، وهي البنى العقلية المقابلة الأساليب التكيف البيولوجية.
ومن اليسير فهم المخططات بكونها مفاهيم (Concepts) أو تصنيفات، وبكلمة أخرى، يمكن أن تعد المخططات ملفاً يضم بطاقات تمثل كل بطاقة فيه مخططاً فللبالغين بطاقات عديدة، أو مخططات كثيرة، وهي تستخدم لمعالجة المثيرات الوافدة وتشخيصها. وبهذه الطريقة يستطيع الفرد التمييز بين الأحداث المثيرة (المنبهة) وتعميمها. فعندما يولد الطفل تكون لديه مخططات قليلة (بطاقات في الملف(، وتزداد مخططاته تدريجياً أثناء نموه )ليصبح أكثر قدرة على الفهم). ويصبح أكثر قدرة علي التمييز، ثم يتقدم باضطراد نحو الكبر ولا تتوقف المخططات عن
الصفحة 46 :
التغيير وزيادة الدقة والارتقاء، فتنمو مخططات الطفولة الحسية - الحركية بالفعل لتصبح مخططات كبيرة (واردزورث 1990). وعليه فإننا نستطيع أن تتخيل في رأس الطفل ملف بطاقات مفهرساً يضم عند الولادة أعداداً قليلة فقط من البطاقات الكبيرة التي يدون فيها كل شيء، وينمو الطفل يتوجب زيادة بطاقات أخرى لكي تتسع للتصنيفات المتغيرة.
والمزيد من الإيضاح، تخيل طفلاً يسير على طريق زراعي مع والديه، وينظر هذا الطفل إلى حقل ما ويرى ما يسمى بالبقرة، ويقول الطفل أنظر يا أبي إلى الكلب الكبير !!
ماذا تعني استجابة الطفل من حيث الوظيفة الفكرية
عند تحليل هذا الموقف نقول: نظر الطفل إلى الحقل ورأى بقرة، وبحضور هذا المثير "الجديد" لأنه لم يكن قد شاهد بقرة من قبل، فإن الطفل حاول أن يستدل على المثير بالعودة إلى بطاقة في ملف بطاقاته، وفي ضوء الأشياء التي سبق أن شخصها وتعلمها، فإن المثير (البقرة) تشبه الكلب أكثر من أي شيء آخر يعرفه، ولهذا اعتبر الطفل الشيء (المثير) كلباً مخططاً أو ملقاً .
وبرأي بياجيه ، يمكن القول أن للطفل عدداً من المخططات تشبه المفاهيم والتصنيفات أو البطاقات في ملف، وقد حاول الطفل عندما واجه المثير أن يضع المثير في المخطط المناسب والمتاح له. ولهذا، فمن المنطقي جداً أن يسمي الطفل البقرة كلباً، بسبب تقارب البقرة من الكلب كثيراً وتطابقها مع معايير الطفل للكلب حيث لم يكن بمقدور الطفل أن يدرك الاختلافات بين البقرة والكلب، لكنه استطاع أن يرى التشابهات
فالمخططات بني معرفية فكرية تنظم الأحداث كما يدركها الفرد في مجاميع بناء على خصائصها المشتركة، فهي أحداث نفسية متكررة، بمعنى أن الطفل يضيف المثيرات مراراً وتكراراً بنفس النسق. فإذا صنف الطفل الأبقار كلاباً دائماً، فيمكن أن تستخلص شيئاً عن طبيعة مفاهيمه (مخططات الأبقار والكلاب) (واردزورت 1990)
هذا ويمكن تعريف السكيما بأنها تكوين عقلي افتراضي يسمح بتصنيف وتنظيم المعلومات الجديدة. وهي عبارة عن طريقة ينظر الطفل بها إلى العالم المحيط، أو هي طريقة يتمثل بها الطفل العالم المحيط بصورة عقلية
الصفحة 47 :
وهي عبارة عن تركيب عقلي يشير إلى مجموع أو إلى أنواع من تتابع الأفعال المتشابهة. والتي تكون بالضرورة وحدات تامة قوية محددة تترابط فيها العناصر السلوكية المكونة لها بقوة. وتمثل الصور الاجمالية لدى الأفراد الأساس لفهمهم للخبرات الجديدة التي يتعرضون لها هذا وتعتمد الصور الاجمالية التي تتكون في المراحل العقلية المعرفية المختلفة على سابقاتها التي تكونت خلال المرحلة أو المراحل السابقة (محمد 1992)
هذا وتكون المخططات انعكاسية أو ارتكاسية (Reflexive) بطبيعتها لدى الولادة، بمعنى أنها يمكن أن تدل على أفعال حركية ارتكاسية بسيطة مثل الرضاعة والمسك وغيرهما، وتعبر الرضاعة عن مخطط ارتكاسي إذ يمص الرضيع عند الولادة كل ما يوضع في فمه حلمة أو أصبعاً، مما يوحي بعدم وجود تمييز سوى مخطط رضاعة اجمالي واحد
وبعد الولادة بزمن قصير يتعلم الرضيع التمييز حيث يتقبل المثيرات المؤدية للحصول على الحليب، ويرفض تلك التي لا تؤدي لذلك. وهكذا، يقع التمييز أو على حد تعبير بياجييه: يمتلك. الرضيع مخططين الرضاعة: أحدهما للمثيرات التي تؤدي للحصول على الحليب والآخر تغير ذلك. وفي هذا الوقت لا تكون المخططات عقلية بعد (Mental)، بما يعنيه المصطلح، إذ أن المخططات انعكاسية، ويقوم الرضيع بالتمييزات ضمن بيئته المحدودة، ولكن هذه التمييزات تجري من خلال الأجهزة الحركية والانعكاسية المتاحة له. وتعد هذه التمييزات على المستوى الأكثر بدائية مقدمة لنشاطات عقلية لاحقة.
وينمو الطفل تصبح المخططات أكثر تمايزاً، وأقل حسية، وأكثر عدداً، ويغدو عملها وشيكاً وأكثر تعقيداً باضطراد.
وخلال الطفولة المبكرة، تكون للرضيع مخططات ارتكاسية قليلة تسمح له بالقيام بقدر يسير من التمييزات في بيئته، في حين يمتلك الكبير نسيجاً واسعاً من المخططات المعقدة نسبياً والتي تسمح له بقدر كبير من التمييزات وعليه تنبثق مخططات الكبار من مخططات الطفل من خلال التكيف والتنظيم.
إن من الخطأ الاعتقاد بأن المخططات لا تتغير، أو أن الطفل مقدر له أن يسمى الأبقار كلاباً حتى آخر أيامه، فمن الواضح أن هذا لن يحدث، فلكي يصبح الطفل افضل قدرة على التمييز
الصفحة 48 :
بين المثيرات تصبح المخططات أكثر عدداً وتمايزاً، وعندما يصبح الطفل أقدر على التقييم.
تغدو المخططات أكثر دقة ويفترض أن تعكس استجابات الطفل في أي وقت طبيعة مفاهيمه أو مخططاته في ذلك الوقت فمن "المنطقي تماماً بالنسبة الطفل أن يسمي البقرة كلباً في المثال المذكور سابقاً. عندما نأخذ المخططات المتاحة له بعين الاعتبار.
هذا ويمكن تحديد المخططات لدى الطفل من خلال السلوك الصريح الذي يقوم به، لأن السلوك يعكس هذه المخططات. ولكن المخططات هي أكثر من سلوك ظاهري فهي البنى التي يتبع منها السلوك، لذا يمكن القول أن صيغ السلوك المتكررة تعكس محتوى النشاط المعرفي ويضم المخطط تجمعاً كلياً لسلسلة من أفعال متمايزة، لكنها متشابهة فكل مخطط يتناسق مع جميع المخططات الأخرى، ويكون بحد ذاته مجموعة ذات اجراء متميزة.
والمفاهيم (أي المخططات وهي مرادفات بنيوية للمفاهيم تتغير، وتشتق المخططات المعرفية للكبار من المخطط الحسي – الحركي للطفل، إما العمليتان المسؤولتان عن هذا التغير منهما:
التمثيل والمواسعة (واردزورث 1990).
التمثل / التمثيل / المماثلة / الاستيعاب (Assimilation):
التمثل هو اصطلاح تبناه بياجييه من علم الأحياء فهو البديل المعرفي للأكل، حيث يؤكل الغذاء. ويهضم، ويحول إلى حالة يمكن امتصاصه فيها .
ويمكن ايراد التعريفات التالية لمفهوم التمثل الذي قد يرد تحت مسميات مثل التمثيل أو المماثلة أو الاستيعاب كما يلي:
تعريف واردزورث للتمثل : عملية (Process) معرفية يقوم الفرد بواسطتها بتحويل المواضيع المدركة الجديدة أو الأحداث إلى مخططات أو نماذج سلوكية قائمة ( واردزورث (1990
التمثل : هو العملية التي بواسطتها تتوحد عناصر البيئة مع البناء المعرفي للطفل.
الصفحة 49 :
تعريف فلافيل للتمثل : تكيف المثيرات الخارجية مع تراكيب أو أبنية الفرد العقلية (1992 ،الداخلية محمد)
أما زهران فيعرف التمثل بأنه عملية استدخال وتمثل عناصر البيئة في البناء المعرفي للطفل، فيكون لديه إطاراً عقلياً مرجعياً ( حيث يستجيب للموقف الجديد كما سبق أن استجاب المواقف مماثلة في الماضي)، وهذا يؤدي بالتدريج إلى التعميم )زهران 1999(ويعرفه كل من "هرمز" و "ابراهيم" بأنه ربط الطفل ما يدركه ادراكاً حسياً بما لديه بالفعل من معرفة وفهم. (هرمز، وابراهيم 1988)
التمثل : تشير هذه العملية إلى أن ادراك الخبرات أو المثيرات البيئية الجديدة، ليس مجرد عملية تسجيل سلبي لما هو مدرك بل هي عملية تغيير للمدركات الجديدة، تعتمد على المخططات، والبنى المعرفية المنظمة المتوافرة لدى الطفل، وتهدف إلى جعل هذه المدركات مناسبة للبنى المعرفية الموجودة فعلاً، بحيث تغدو جزء من التنظيم المعرفي للطفل (نشواتي 2002).
واخيرا يمكننا أن نستنتج أن التمثل - وهو أحد عنصري عملية التكيف - ما هو إلا محاولة تمثل الخبرة من أحداث ومشاعر وسلوك (أي العالم المحيط بالفرد في أبنية معرفية سابقة، وهو عملية نشطة تتسم بالتحليل والادراك المنطقي على أساس أنها محاولة لوضع الخبرة الجديدة في انسفة معرفية موجودة (محمد 1992).
الصفحة 50 :
وعودة إلى مثال الطفل ووالده، حين كانوا على طريق زراعي، إذ أشار الأب إلى بقرة في الحقل وقال لطفله ما تلك ؟، فنظر الطفل إلى البقرة (المثير). وقال ذلك كلب . ماذا حدث إن الطفل، وهو يرى الكائن الحي (المثير) في الحقل (البقرة) تصفح مجاميع مخططاته عن الحيوانات حتى وجد واحداً يبدو ملائماً، وبدا له أنه يستطيع أن يضم ذلك الكائن الحي إلى صنف الكلاب، إذ يمتلك الكائن الحي (البقرة) بالنسبة للطفل جميع خصائص الكلب، فهي تتفق مع مخطط الكلب، ولهذا استنتج الطفل أن ذلك الكائن هو كلب، فالمثير (البقرة) تم تمثله في مخطط الكلب. وهكذا يمكن النظر إلى التمثل على أنه عملية معرفية، هدفها وضع أحداث أو مثيرات جديدة في مخططات موجودة فعلاً.
والتمثل عملية تجري باستمرار، وإذا قلنا أن الانسان يعالج مثيراً واحداً فقط في الوقت الواحد، فإننا نكون قد بسطنا الموقف أكثر مما ينبغي، إذ أن الانسان يقوم بمعالجة أعداداً متزايدة من المثيرات في الوقت الواحد وباستمرار)واردزورث 1990)
ولا يؤدي التمثل نظرياً إلى ارتقاء (تغير) المخططات، ولكنه يؤثر فيها، ويمكنك أن تقارن المخطط بالبالون، والتمثل بعملية إضافة هواء أكثر إلى البالون، فالبالون يكبر (نمو التمثل) لكنه لا يغير شكله (الارتقاء)، فالتمثل جزء من عملية يتكيف بها الفرد معرفياً، وينظم بها بيئته. )التمثل عملية تغير كمي)..
المواءمة / التواؤم التلاؤم / التوسيع (Accomodation) :
يمكن أن يرد مصطلح المواسة تحت مسميات مختلفة منها التواؤم أو التلاؤم أو التوسيع إلا أنه يمكننا أن نورد تعريف لهذا المفهوم كما يلي :
يعرفها بياجية بأنها تعديل التراكيب أو الأبنية العقلية حتى يمكن للمعلومات التي الا لا تتسق مع الأبنية القائمة التكامل معها أو فهمها .
- أما ثلافيل (Flavell) فيعرف المواءمة بأنها العملية العكسية أو المتممة لتكيف التراكيب أو الأبنية العقلية مع تركيب هذه المثيرات نفسها. (محمد 1992).
- المواءمة : هي عملية إعادة بناء أو تعديل الأبنية المعرفية، وبالتالي فإن المعلومات الجديدة يمكن أن تتلاءم داخلها بصورة أكثر سهولة (الريماوي 2003).
الصفحة51:
المواسعة : قدرة الطفل على تغيير أنماط سلوكه الحالي حتى تلائم متطلبات الشيء الجديد (موسى 2001)
المواسمة : عملية تعديل الطفل لتصوراته للعالم كخبرات جديدة، مما يؤدي إلى تغير بناء المعرفة لديه (زهران 1999).
المواسة : عملية تشير إلى تغيير المخططات والبنى العقلية المنظمة والموجودة على نحو مسبق، لتناسب المثيرات والخبرات البيئية الجديدة (نشواتي 2002).
المواسمة : عملية تعديل الطفل التصوراته العالم كخبرات جديدة مما يؤدي إلى تغيير بناء المعرفة لديه (جمل 2001)
وأخيراً نقول أنه عندما يجابه الطفل مثيراً جديداً فهو يحاول أن يتمثله في مخططاته المتيسرة، لكن ذلك غير ممكن في بعض الأحيان، ولا يمكن في أحيان أخرى وضع المثير أو تمثله في مخطط قائم، إذ قد لا يتيسر إيجاد المخططات التي تلائمه.
إن خصائص المثير لا تتقارب مع تلك الخصائص المطلوبة في أي من مخططات الطفل المتيسرة.
فماذا يفعل الطفل ؟
يستطيع الطفل أساساً أن يقوم بأخذ أحد أمرين هما أن يخلق مخططاً جديداً يمكنه من وضع المثير فيه، أو أن يغير أو يكيف مخططاً موجوداً بطريقة تسمح للمثير الجديد أن ينضوي فيه، وكلاهما نوع من المواءمة. ولهذا فالمواسمة، هي عملية خلق المخططات الجديدة، أو تحوير المخططات القديمة، وينجم عن كلتا العمليتين تغيير وارتقاء في البنى المعرفية (المخططات).
وأخيراً يمكن أن نستنتج أن عملية المواسمة هي عملية تغير كيفي (واردزورث، 1990).
الصفحة 52 :
جون فيليبس » (Phillips) أنه توجد وظيفتين للمواسة الأولى أنها تمكن أي بناء أو تركيب معين من القيام بوظيفته، أي أنها تجعل التمثل الوقتي لأي حدث في البيئة ممكناً، أما الوظيفة الثانية للمواسة فهي أنها تقوم بتغيير البناء أو التركيب بطريقة تمكنه من أن يقوم بسهولة أكثر بتمثل أحداثاً مشابهة في المستقبل، ومن الجدير بالذكر أن كل أنواع المواءمة تؤدي الوظيفة الأولى، بينما يؤدي بعضها فقط الوظيفة الثانية. وهذه الوظيفة هي التي تمثل التعلم بمعناه الواسع، أي النمو العقلي )محمد (1992 .
التوازن / التعادلية (Equilibrium) :
إن عمليتي التمثل والمواسعة ضروريتان للنمو المعرفي وتكون مقادير التمثل والمواحة متساوية الأهمية بالقدر نفسه.
تصور مثلاً النتائج المترتبة لو أن شخصاً ما استطاع دوماً أن يتمثل المثيرات دون مواستها. إن مثل هذا الشخص سوف ينتهي بعدة مخططات كبيرة، ولن يكون قادراً على ملاحظة الاختلافات بين الأشياء. ومن جهة ثانية، كيف تكون النتيجة لو أن شخصاً ما استطاع أن يوائم دائماً، دون أن يتمثل إن هذا سينجم عنه شخص يمتلك عدداً كبيراً من المخططات الصغيرة ذات القدرة الضئيلة على التعميم، إن هذا الشخص لن يكون قادراً على ملاحظة المتشابهات.
إن أيا من الحالين ستكون آثاره سلبية ولا تسمح للشخص بالتكيف السوي.
لذا وجب القول أن الموازنة (Balance) بين التمثل والمواسمة لا تقل أهمية عن أهمية العمليتين ذاتهما. ويشير بياجيه إلى الموازنة (Balance) بين التمثل والمواسمة على أنها توازن، وأنها ضرورية لتأمين تفاعل كاف بين الطفل النامي وبيئته (واردزورث 1990).
فالتوازن (Equilibrium) هو موازنة بين التمثل والمواءمة، وعدمه هو فقدان الموازنة بينهما وعندما يختل التوازن المعرفي، يتهيأ للطفل دافع لأن ينشد التوازن، أي أن يتمثل أو يوائم بدرجة أكبر، وينظر إلى التوازن على أنه حالة ضرورية يعمل الفرد لبلوغها بجهد مستمر .
ولكن ماذا يحدث لو وصل الطفل إلى مستوى معين من التعادل أو التوازن، فما الذي يدفعه إلى مستويات عليا من النمو بعبارة أخرى لماذا يظهر النمو المعرفي؟
الصفحة : 53
يعتقد بياجية أن النمو المعرفي ينتج عن جهود الطفل لفهم العالم الطبيعي، فكل خطوة نحو هذا الفهم تثير أسئلة جديدة. وكما تعلم أن السؤال المحبب للطفل هو سؤال لماذا؟». ويستمر الطفل بالتساؤل حتى يصل إلى تعادل تام بين التركيبات المعرفية لديه والمعلومات التي تأتيه من العالم الخارجي. وإذا ما سرنا بالتحليل خطوة أخرى إلى الأمام يمكن أن نسأل ما هو مصدر حب الاستطلاع اللانهائي هذا الذي نلاحظه عند الطفل ويجيب بياجييه على هذا السؤال : بأن الحاجة إلى المعرفة خاصية أولية للكائن العضوي ذاته. وهذه الحاجة هي التي تقود الكائن العضوي إلى غايته وهي النضج العقلي (اسماعيل 1989).
وإذا أردنا أن نضع التوازن في منظوره الصحيح، فيجب أن نقارنه بميكانزم آخر هو التعلم. وفي هذا المضمار يعتقد علماء النفس السلوكيون أن التعلم هو تكون الارتباطات، وأن الاستجابة تحدث في وجود مثير ما، إذ تتكون علاقة بينهما، ومن ثم حيثما يوجد المثير تحدث الاستجابة، وغالباً ما تتطلب الاستجابة أن يتبعها مباشرة نوع خاص من المثيرات يسمى بالمعزز.
وعلى الرغم من أن بياجية" لم ينكر حدوث مثل هذا النوع من التعلم، فقد رأى أن العملية الأساسية في التعلم ليست هي الارتباط، إذ يطلق بياجيه على الارتباط التعلم بالمعنى الضيق، ومن ثم لم يهتم به كثيراً. أما ما يهتم به بياجيه فهو شيء معقد يتضمن النضج ونوع مختلف من التعلم. هذا الشيء المعقد هو ما يطلق عليه بياجية «النمو».
كذلك فإن أهم فرق بين نظرية بياجيه في النمو وبين نظرية التعلم التقليدي (المقصود هنا السلوكية، هو أنه بالاضافة إلى الازدياد التدريجي في الارتباطات الوظيفية التراكيب أو الأبنية البسيطة المنفصلة)، فإن نظرية بياجية تسلم بوجود نوع من المراجعة التي تتم على فترات وذلك للتراكيب أو الأبنية القائمة بالفعل، وتتضمن هذه العملية تغيرات كيفية بالاضافة إلى تغيرات كمية أيضاً، إلى جانب تضمن التراكيب أو الأبنية ذات الدرجة الأعلى الصور الإجمالية أو المخططات العقلية لتلك الصور الإجمالية التي تتبع المرحلة الأدنى من تلك التي يصل إليها الفرد وتسمى العملية التي يتم بها مراجعة تلك التراكيب أو الأبنية بالتوازن، وهي الوصول إلى حالة من الاتزان (محمد 1992)
الصفحة54:
المرحلة والتتابع:
يرى بياجية" أن هناك مراحل أربعة ثابتة للنمو العقلي المعرفي ينتقل الطفل خلالها. والمرحلة - كما يرى بياجيه – هي خطوة في طريق النمو، تضم عدداً من المكتسبات التي يقوم نظامها على التوافق مع مراحل السن التي يجتازها الفرد والتي تعكس كل مرحلة منها مدى اتحاد المكتسبات الجديدة مع سابقاتها، اتحاداً يؤدي إلى نشوء التراكيب أو الأبنية العقلية التي تتميز كل منها بخصائص معينة تتفق مع مرحلة العمر العقلي التي يجتازها الطفل كما أن كل تركيب أو بناء سابق فيها يندمج في التركيب أو البناء التالي له، ويترتب على ذلك أن كل مرحلة تتميز عن الأخرى بتركيب أو بناء جامع، أي بنظام عقلي يسمى حب ممارسة نشاط فكري معين
ومفهوم المراحل عند بياجيه هو مفهوم تجميعي أو تراكمي (Accumulative)، فالمرحلة التالية لا تلغي المرحلة السابقة لها، بل تحتويها وتطور فيها، والفرد في نظره لا يفقد القدرة التمثيلية الكامنة في المراحل الأولى، وإنما يكمل وينسق الخبرات والقدرات المعرفية في المفاهيم التي يتعلمها ويكتسبها فيما بعد، أي أنه لا يفقد القدرة على الحدس أو الادراك الكلي وإنما يستكملها بظهور القدرة على التمثيل التحليلي والمنطقي التي تظهر في مرحلة العمليات المحسوسة، وتتضح في مرحلة العمليات الشكلية.
وكذلك فمفهوم المراحل – كما يستخدمه بياجية – يتضمن الطريقة التي يحدث بها النمو المعرفي، ويصف بياجيه هذه المراحل على أنها فترات تختلف نوعياً (كيفياً) في نمط التفكير الذي يسود كل منها، وهناك العديد من مظاهر النمو العقلي ومجالاته التي يمكن ملاحظتها عند الطفل مثل مفاهيم العدد والفهم الذي يتضح في الرسم، والأفكار التي تتعلق بالصواب والخطأ، وما إلى ذلك. ويدل مفهوم المراحل على أن الأطفال الذين ينتمون إلى مرحلة معينة يقومون بأنماط متشابهة من الأداء في كل مجالات النمو العقلي وينتج تشابه التفكير في المجالات المختلفة عن حقيقة مؤداها أن كل نوع من التفكير يوجد عند نقطة معينة خلال المراحل، فالطفل الذي لم يدرك الرمز مثلاً، لا يمكن أن يتخيل شيئاً ما يخاف منه، أو ينظر للغد، أو يكتسب مفهوماً معيناً مثل أكثر أو أقل»، أو يخطط رسماً معيناً.
ويدل مفهوم المراحل أيضاً على أننا لو عرفنا كيف يعمل عقل الطفل في مجال ما، فإننا
الصفحة 55 :
يمكن أن تتنبأ بكيفية عمل عقل الطفل في المجالات المختلفة، إذ يرى بياجيه أن هناك ارتباطات شديدة الصلة بين المجالات المختلفة، وأن وقتاً كبيراً من فترة الطفولة ينقضي خلال فترات الأداء الموحد أكثر من الفترات الانتقالية عندما ينتقل الطفل من مرحلة إلى أخرى وتظهر لديه خصائص لكلا المرحلتين (محمد 1992)
هذا ويرتبط بمفهوم المرحلة مفهوماً آخر أكثر ارتباطاً والتصاقاً به، هو مفهوم التتابع ، حيث يرى بياجية أن كل الأطفال في كل الثقافات يسيرون في سلسلة من المراحل لا يختلف نظامها. وعلى الرغم من أنه يرى أن الأطفال يصلون إلى كل مرحلة في أوقات مختلفة، فهو يرى أنهم يسيرون بنفس النظام ولا يخلون به أي ينتقلون من المرحلة الأولى إلى الثانية فالثالثة ثم الرابعة. وهذا يعني أن كل الأطفال في كل الثقافات ينمون معرفياً أو عقلياً بنفس الطريقة، وأنهم جميعاً يبدأون من نفس النقطة ويسيرون بنفس تتابع الخطوات، إلا أنهم يختلفون في سرعة النمو، ولكن لا يوجد منهم من يتخطى أي مرحلة ولا يمر بها، أو من يتبع طريقة أخرى في النمو.
ويدل مفهوم التتابع على أنه في داخل كل مجال أو مظهر للنمو العقلي توجد طرق عامة للنمو، فمثلاً لو عرضنا على مجموعة من الأطفال عدداً من قطع النقود موضوعة في صفين بحيث يتساوى عددها في الصفين، فيجب أن يفهم جميع الأطفال مفهوم العدد قبل ادراكهم أن لدينا نفس العدد من قطع النقود في الصفين سواء كانت قطع النقود متقاربة أو متباعدة طالما لم نأخذ أي قطعة نقود من الصفين ولم نقم بإضافة أي قطعة نقود إلى أي صف.
ولكن كيف ينتقل الطفل من مرحلة إلى أخرى من هذه المراحل؟
بری بياجية أن النمو المعرفي يحدث من خلال عملية ذات مكونين هما : التمثل والمواءمة. فالتمثل يسبب النشاط المستمر، وممارسة الصور الاجمالية الجديدة، والتعميم من المألوف إلى المواقف الجديدة. أما المواسمة فتؤكد على أن النشاط قد سبب تعلماً مفيداً، إذ يحدث تحسناً في التراكيب أو الأبنية المعرفية التي كانت توجد لدى الطفل عند بداية تعامله مع مشكلة جديدة وكل مثال للتمثل والمواسمة يقوم به الطفل يوسع من مداركه، ويساعده ذلك على القيام بأنواع مختلفة من التمثل والمواسعة في المستقبل. هذا التمثل وتلك المواسمة التي يقوم بها الطفل للأشياء المختلفة يساعدانه تدريجياً على تكوين رؤية دقيقة بطبيعة الأشياء. وحينما يفهم الطفل الظواهر المختلفة ويدركها جيداً، فإنه بذلك ينتقل إلى المرحلة التالية في النمو العقلي المعرفي (محمد 1992)
الصفحة 56 :
ملخص :
ونكرر، أن عمليات الاستيعاب والملاءمة تحدث شدا إضافيا ولكنه متضاد، وأن الشد للتفكير والاحساس والعمل طبقا للخبرة السابقة، يواجه تحديا من شد للتفكير والاحساس والعمل طبقا للمتطلبات الواقعية للموقف الجديد. إن نظرية بياجيه" بنيت على هذه النماذج البيولوجية للاتزان الحيوي المتطور ونموذجه يشير إلى أن
ب. التركيبات الجديدة تخدم ( تلائم) الوظائف القديمة في ظروف متغيرة (ماير 1992)
5. تعتبر السكيمات الأولية (أي التي تكونت في سن مبكرة) بسيطة نسبيا، وفي الغالب يشار إليها
الصفحة 57 :
على أنها متعكسات (Reflexes)، إلا أنه بعد ذلك ونتيجة للتمثل والمواءمة تصبح هذه السكيمات. أو الصور العقلية بالطبع أكثر تعقيداً، وتتميز أكثر بأنها تكون عقلية، ويصبح من المناسب بعد ذلك أن تفكر في تلك الصور على أنها صورا متناسقة (Coordinations) أو إستراتيجيات أو توقعات او قواعد للتحويل أو خطط وما إلى ذلك، ومهما يكن الاسم الذي يطلق عليها، فإن هذه الصور تشكل إطاراً تتناسب معه البيانات أو المعلومات معه حتى يكون لها تأثير ما، إلا أن شكل هذا الاطار يتغير باستمرار حتى يمكن لأكبر نسبة ممكنة من البيانات أو المعلومات التي سوف ترد في المواقف المختلفة أن تتناسب معه: (محمد 1992).
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 58 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه)
الصفحة 58 :
الفصل الثالث: العوامل المؤثرة في النمو المعرفي :
مقدمة:
من البديهي أن يكون هناك عوامل تؤثر علي النمو المعرفي للفرد، ودرجت العادة أن نقسم هذه العوامل، والتي تؤثر على النمو بشكل عام، إلى عاملين رئيسيين هما: الوراثة والبيئة والتفاعل بينهما. ولا يختلف الأمر كثيراً هنا، إذ يقسم بياجيه هذه العوامل إلى أربعة هي:
النضج، والخبرة، والتفاعل الاجتماعي، والتوازن وأثرنا أن نعرض نصاً لبياجيه نفسه يوضح فيه هذه العوامل ثم تناولناها بلغتنا الخاصة المزيد من التوضيح والتأكيد. وإليكم التفصيل.
بين بياجيه أن هناك أربعة عوامل رئيسة تفسر النمو المعرفي عند الانسان، كما يلي
أولها النضج (Maturation) بالمعنى الذي يستخدمه جيزيل (Gesell) ، باعتبار أن هذا النمو هو امتداد للنشوء والتطور الجنيني ثانياً، دور الخبرة الناجمة عن آثار البيئة الفيزيائية على تركيبات الذكاء. ثالثاً، البث الاجتماعي بمعناه الواسع البث اللغوي التربية .... الخ). رابعاً، عامل غالباً ما أهمل إلا أنه يبدو لي أساسياً وحتى أني اعتبره العامل الرئيس وسأسميه عامل التوازن (Equilibration) ، وإذا شئت التنظيم الذاتي (Self Regulation)
انبدأ بالعامل الأول النضج (Maturation) . قد يفكر المرء أن هذه المراحل (مراحل بياجييه الأربعة في النمو المعرفي( انعكاس بسيط لنضج باطني للجهاز العصبي متتبعاً فرضيات جيزيل مثلاً حسناً، إن النضج يلعب دوراً لا غنى عنه ويجب عدم تجاهله فمن المؤكد أن يلعب دوراً في كل تحول يجري خلال نمو الطفل مع ذلك، إن العامل الأول لا يكفي بحد ذاته، فنحن قبل كل شيء لا نعرف شيئاً عن نضج الجهاز العصبي بعد الأشهر الأولى من وجود الطفل أننا نعرف القليل عنه خلال السنتين الأوليين من حياة الطفل، لكننا نعرف أقل بكثير عما يلي ذلك الوقت. وفوق كل ذلك، فالنضج لا يفسر كل شيء، لأن معدل الأعمار
الهوامش :
هذا النص اقتبس مع إجراء التعديل المناسب من كتاب قراءات في نظريات التعلم، وهي مجموعة من المقالات التي كتبها مجموعة من أشهر علماء النفس، جمعها وترجمها موفق الحمداني، وآخرون الطبعة الأولى، 1989
الصفحة 61 :
التي تظهر فيها هذه المراحل معدل الأعمار الزمنية يختلف كثيراً من مجتمع إلى آخر. إن ترتيب هذه المراحل ثابت، وقد وجد في جميع المجتمعات التي أخضعت للدراسة فقد وجد في اقطار متباينة حينما أعاد علماء النفس هذه التجارب، فظهر كذلك عند الأفريقيين مثلاً. لقد أعاد عالما النفس الكنديان "مونين لورندو (Lourendeau)، والأب أوريان بنارد (Pinard) تجاربنا في مونتريال وتوصلاً إلى نتائجنا نفسها، إلا أنهما حينما أعادا التجارب على أطفال المارتينيك وجدا تأخراً منتظماً آمده أربع سنوات في جميع تجاربهم، رغم أن مدارس المارتينيك تسير وفق مناهج النظام الفرنسي في مدارسها، ويحمل الخريجون نفس الشهادة في نهاية المرحلة الابتدائية. هناك إذا تأخر أربع سنوات، أي أنه توجد المراحل الأربعة نفسها إلا أنها متأخرة بصورة منتظمة. وهكذا تجدون بأن هذه التباينات تظهر عجز عامل النضج عن تفسيركل شيء
سأنتقل الآن إلى دور الخبرة من الواضح أن الخبرة بالأشياء والواقع الفيزيائي عامل أساسي في نمو التركيبات المعرفية لكن هذا العامل لا يفسر مرة أخرى كل شيء. وأستطيع تقديم سببين لذلك السبب الأول، هو أن بعض المفاهيم التي تظهر في بداية المرحلة الاجرائية المحسوسة تكون بشكل لا يمكن أن يعزى إلى الخبرة مثال ذلك، لنأخذ المحافظة على الكمية في حالة تغير شكل كرة الطين الاصطناعي تعطي كرة الطين الاصطناعي إلى طفل يبدل شكلها إلى شكل السجق (شكل الخيار)، ونسأله فيما إذا كانت تحتوي كمية الطين نفسها، أي فيما إذا كانت كمية الطين نفسها كما في السابق، كما نسأله فيما إذا كانت بالوزن نفسه. وثالثاً فيما إذا كان لها الحجم نفسه الآن - يقاس الحجم بما يزاح من ماء حينما توضع الكرة أو السجق في كأس ما. لقد وجدنا الاكتشافات التي تم التوصل إليها في كل مرة أجريت فيها هذه التجربة بأن المحافظة على الكمية تظهر أولاً
ففي حوالي سن الثامنة يقول الطفل توجد نفس الكمية من الطين، وبعدئذ فقط يؤكد الطفل بأن الوزن محفوظ، ومن ثم فإن الحجم محفوظ كذلك، وهكذا، أريد أن أسألكم من اين جاءت فكرة المحافظة على الكمية، ما هي الكمية الثابتة وغير المتغيرة في حين أن وزنها وحجمها ما زالا غير ثابتين تستطيع أن تتوصل إلى حجم الكرة من خلال الادراك، إلا أن الادراك لا يمكن أن يعطيك فكرة عن كمية الكتلة. لا توجد تجربة ولا خبرة تستطيع أن تري الطفل بأن هناك
الصفحة 62 :
الكمية نفسها من الكتلة يستطيع الطفل أن يزن الكرة، وذلك يقوده إلى المحافظة على الوزن كما يستطيع أن يغمرها بالماء وذلك يقوده إلى المحافظة على الحجم. إلا أنه يتوصل إلى مفهوم الكتلة قبل أي من الوزن أو الحجم المحافظة على الكتلة هي ببساطة ضرورة منطقية فالطفل يفهم الآن بأنه حينما يقع تحوير، فهناك شيء ما يبقى ثابتاً، لأنه بقلبه التحوير يستطيع أن يرجع إلى نقطة البدء، ويحصل على الكرة مرة أخرى. فهو يعرف أن شيئاً ما قد حفظ إلا أنه لا يعرف ما هو إنه ليس الوزن بعد، إنه ليس الحجم بعد، إنه مجرد شكل منطقي - ضرورة منطقية يبدو لي أن هذا مثال على التقدم في المعرفة ضرورة منطقية لشيء محفوظ رغم أن الخبرة لم تؤد إلى مفهوم كهذا.
إن اعتراضي الثاني عن كفاية الخبرة كعامل مفسر هو أن مفهوم الخبرة مفهوم ملتبس. هناك في الحقيقة نوعان من الخبرة مختلفان اختلافاً بيناً من الناحية السيكولوجية، وهذا الاختلاف مهم جداً من الزاوية التربوية، وبسبب هذه الأهمية التربوية أؤكد على هذا التمييز أولاً، هناك ما سأسميه الخبرة الفيزيائية، وثانياً ما سأسميه الخبرة المنطقية الرياضية.
تتكون الخبرة الفيزيائية من الفعل على الأشياء، والتوصل إلى بعض المعرفة عن الأشياء عن طريق التجريد من الأشياء مثلاً لأجل أن يكتشف الطفل بأن هذا الغليون أثقل من الساعة، يزن الطفل كليهما ويجد فرق الأشياء نفسها. هذه خبرة بالمعنى العادي للمصطلح – بالمعنى الذي يستخدمه التجريبيون.
ولكن هناك نوعاً آخر من الخبرة سأطلق عليها الخبرة المنطقية الرياضية، حيث لا تشتق من الأشياء نفسها، بل من الفعاليات التي تجري على الأشياء، أن هذا ليس الشيء نفسه، حينما يفعل المرء على الأشياء، فإن الأشياء الحقيقية موجودة هناك، ولكن يوجد كذلك منظومة الفعاليات التي تغير هذه الأشياء.
سأقدم لكم مثالاً لهذا النمط من الخبرة، أنه مثال لطيف لأننا تحققنا منه مرات متعددة عند صغار الأطفال دون السابعة، وهو في الوقت نفسه مثال رواه لي أحد أصدقائي الرياضيين" عن طفولته، ويؤرخ مهنته الرياضية اعتباراً من هذه الخبرة حينما كان في سن الرابعة أو
الهوامش :
*أداة تستخدم التدخين.
**من علماء الرياضيات
الصفحة 63 :
الخامسة، كان قد أجلس على الأرض في حديقته وكان بعد الحصى، ولأجل أن يعد هذه الحصى وضعها في صف وعد واحد – أثنين ... حتى العشرة انتهى من العد، وابتدأ بعدها من الإتجاه الآخر. لقد ابتدأ من النهاية ووجد ثانية أنها عشرة اكتشف بأنه من المدهش أن يجد العدد هو عشرة في كلا الاتجاهين لذا وضعها على شكل دائرة وعدها بهذه الصورة ووجد أنها عشرة مرة أخرى عدها من الجانب الآخر فوجد العشرة مرة أخرى وهكذا وضعها بترتيبات أخرى واستمر بعدها، واستمر يكتشف أنها عشرة هذا هو الاكتشاف الذي توصل إليه.
الآن ما هو الشيء الذي اكتشفه في الحقيقة إنه لم يكتشف خاصية للحصى، إنه اكتشف خاصية فعالية الترتيب. إن الحصى لا ترتيب لها، إن الفعالية هي التي أدخلت الترتيب الخطي أو الدائري، أو أي نوع من الترتيب، وقد اكتشف بأن المجموع مستقل عن الترتيب، إن الترتيب هو الفعالية التي أدخلها بين الحصى، وطبق المبدأ نفسه على المجموع. إن الحصى لا مجموع لها أنها مجرد كومة، ولأجل أن يحيلها إلى مجموع، فمن الضروري أن تكون هناك فعالية اجراءات وضعها معاً وعدها ووجد بأن المجموع مستقل عن الترتيب بكلمات أخرى، إن فعالية الوضع معاً مستقلة عن فعالية الترتيب. لقد اكتشف خاصية للفعاليات وليس خاصية للحصى. قد تقول بأن طبيعة الحصى قد ساعدت على أن يحدث ذلك لها، وهذا صحيح، ولكن قد يكون لدينا قطرات من الماء، وقطرات الماء لا تسمح بذلك لأن قطرتين من الماء وقطرتين من الماء لا تكون أربع قطرات كما تعلمون فقطرات الماء لا تسمح بأن نفعل ذلك – إننا متفقون على هذا.
وهكذا فإنها ليست الخاصية الفيزيائية للحصى التي تكشف عنها الخبرة، أنها خاصيات الفعاليات التي تتم على الحصى وهذا نوع آخر مختلف عن الخبرة، وهو نقطة الانطلاق للاستدلال الرياضي إن الاستدلال اللاحق يحتوي على تبطن هذه الفعاليات ثم خلطها دون الحاجة إلى أي حصى. فالرياضي ليس بحاجة إلى حصاه أنه يستطيع أن يخلط اجراءات بواسطة الرموز ببساطة، ونقطة الانطلاق في هذا الاستدلال الرياضي منطقية، أنها الخبرة الرياضية، وهي ليست على كل حال، خبرة بالمعنى الاختباري انها بداية تنسيق الفعاليات، إلا أن هذا التنسيق للفعاليات قبل مرحلة الاجراءات يجب أن يدعم بالمادة المحسوسة، ومن ثم
الصفحة 64 :
ايقود تنسيق الفعاليات للتركيبات المنطقة الرياضية اعتقد أن المنطق ليس مشتقاً من اللغة فمصدر المنطق أعمق من ذلك بكثير، أنه التنسيق الكلي للفعاليات فعاليات ربط الأشياء ببعضها أو ترتيب الأشياء.. الخ.
هذه هي الخبرة المنطقية الرياضية، إنها خبرة فعالية الفرد وليست خبرة الأشياء نفسها . إنها خبرة ضرورية قبل أن توجد الاجراءات، وحالما يتم التوصل إلى الاجراءات لم تعد حاجة لهذه الخبرة، ويحل محلها تنسيق الفعاليات نفسها بشكل الاستدلال والبناء للتركيبات المجردة.
العامل الثالث هو البث الاجتماعي - البث اللغوي أو البث التربوي ( التفاعل الإجتماعي ) (Social Interaction)، إن هذا العامل أساسي مرة أخرى، إلا أن هذا العامل غير كاف لأن الطفل يستطيع أن يستلم معلومات قيمة عن طريق اللغة أو التربية موجهة من قبل الراشد فقط وإذا كان في حالة يفهم فيها هذه التعليمات، أي لأجل أن يستلم تعليمات، يجب أن يكون لديه تركيب يعينه على تمثل هذه التعليمات، ولهذا فأنت لا تستطيع أن تدرس الرياضيات العليا الطفل في سن الخامسة، فهو لا يمتلك بعد التركيبات التي تعينه على فهمها.
سأخذ مثالاً أكثر بساطة مثالاً على البث اللغوي، كعمل أولي في حقل علم نفس الطفل. قضيت فترة طويلة أدرس العلاقة بين الكل والجزء في الخبرة المحسوسة وفي اللغة مثلاً. استخدمت اختبار بيرت (Burt) مستخدماً الجملة بعض أزهاري من عباد الشمس» (زهر أصفر)، ويعرف الطفل بأن جميع أزهار عباد الشمس صفراء اللون، ولذلك فإن ثلاثة خلاصات محتملة هي :
كل الباقة صفراء
جزء من الباقة أصفر
لا شيء من أزهار الباقة أصفر.
لقد وجدت حتى سن التاسعة يجيبون كل الباقة صفراء أو بعض الأزهار صفراء، فكلا الاثنين يعنيان الشيء نفسه، أنهم لا يفهمون التعبير« بعض من أزهاري»، أنهم لا يفهمون أن «من» تعبير إضافة تبعيتين (أي بعض من الكل أو الجزء من الكل)، أي تضمين بعض الأزهار
الصفحة 65 :
في أزهاري، أنهم يفهمون أن بعض ازهاري بمعنى الكثير من أزهاري كما لو أن الكثير من الأزهار، والأزهار اختلطت في الصنف الواحد نفسه. وهكذا نجد بأن هناك أطفالاً حتى سن التاسعة يسمعون كل يوم التركيب اللغوي المشتمل على تضمين الشعب في الأصناف إلا أنهم لا يفهمون بعد هذا التركيب، إلا حينما يحوزون على تركيب منطقي متين، حينما يكونوه لأنفسهم وفق قوانين النمو ينجحون فقط في الفهم الصحيح للتعبير اللغوي.
ساتي الآن إلى العامل الرابع المضاف إلى العوامل الثلاثة السابقة، أو الذي يبدو لي الأساس منها. فسأطلق عليه عامل التوازن (Equilibration) طالما أن هناك ثلاثة عوامل يجب أن تتوازن فيما بينها إلى حد ما، وهذا هو السبب الأول الذي أدى إلى عامل التوازن هناك سبب ثان يبدو لي أساسياً، وهو أنه في فعل المعرفة، يكون المرء فاعلاً، وبالتالي يواجه اضطراباً خارجياً، وهو يستجيب لأجل أن يعوض، وبالتالي يميل نحو التوازن . إن التوازن المعرف بالفعالية التعويضية يقود إلى المعكوسية (Reversibility) إن المعكوسية الاجرائية نموذج للنظام المتوازن، حيث أن التحوير في إتجاه واحد يعوض بتحوير في الإتجاه الآخر إن التوازن، إذن عملية فاعلة، أنه عامل أساسي في النمو.
إنني استخدم هذا الاصطلاح بالمعنى الذي استخدمه السايبرنيه (Cybernetics) ، بمعنى العمليات للتغذية المرتدة (الراجعة Feed back)، والتغذية المقبلة (Feed Forward) . العمليات تنظم نفسها بنظام تعويضي متدرج إن عملية التوازن هذه تأخذ شكل تتابع مستويات التوازن، مستويات احتمال معين سأسميه الاحتمال المتتابع، أي أن الاحتمالات لا تبنى مسبقاً، هناك تتابع في المستويات فليس من المحتمل أن تصل المستوى الثاني، ما لم يصل التوازن في المستوى الأول، ولا يصبح التوازن في المستوى الثالث ممكناً، إلا اذا تم التوصل إلى التوازن في المستوى الثاني وهكذا. أي أن كل مستوى يتحدد يكون الوصول إلى المستوى الذي سبقه، أنه ليس الأكثر احتمالاً في البداية، إلا أنه الأكثر احتمالا إلى المستوى السابق.
وكمثال، دعنا نأخذ فكرة نمو المحافظة في تغيير كرة الطين إلى شكل السجق. هنا نستطيع ان نميز أربعة مستويات. إن الأكثر احتمالاً بالنسبة إلى طفل في البداية أن يفكر في بعد واحد فقط لنفرض بأن هناك احتمال (0.8) فقط لأن يركز الطفل على الطول، وأن احتمال (0.2)
الصفحة 66 :
للتركيز على العرض. إن هذا يعني بأن من عشرة أطفال يركز ثمانية منهم على الطول دون الانتباه إلى العرض، واثنان منهم يركزان على العرض دون الانتباه إلى الطول انهم يركزون على بعد واحد فقط دون الآخر. ولما كان البعدان مستقلين في هذه المرحلة، فإن احتمال التركيز على البعدين معاً هو (0.16) فقط، إلى أنه أقل من أي منهما، بكلمات أخرى، إن الإحتمال الأكبر في البداية هو التركيز على بعد واحد فقط، أي أن الطفل سيقول «أنه أطول. ولهذا فإن هناك أكثر في السجق»، وحالما يصل هذا المستوى الأول، وإذا ما واصلت تطويل السجق تصل إلى فترة سيقول فيها لا، أنها الآن رقيقة جداً، ولهذا ففيها أقل. أنه الآن يفكر في العرض، ولكنه ينسى الطول، وهكذا فانت تصل إلى مستوى ثان يصبح الأكثر احتمالاً بعد المستوى الأول، إلا أنه لم يكن الاحتمال الأكثر كنقطة انطلاق، وحالما يركز على العرض فسياتي أجلاً أم عاجلاً للتركيز على الطول، وهنا ستحصل على مستوى ثالث يتأرجح فيه الطفل بين العرض والطول حيث سيكتشف الصلة بين البعدين. فحينما تطيلها تجعلها أرفع وحينما تقصرها تجعلها أكثر سماكة أنه يكتشف العلاقة المتينة بين البعدين وباكتشافه هذه الصلة، يبدأ بالتفكير في اصطلاحات التحوير، وليس بعبارات التشكيل النهائي فقط.. وسيقول الآن حينما تصبح أطول ستصبح أرفع، ولهذا فهي نفسها . هناك الأكثر منها في الطول والأقل منها في العرض، حينما تجعلها أقصر تصبح أسمك هناك أقل في الطول وأكثر في العرض وهكذا فهناك تعويض - تعويض يعرف التوازن وبالمعنى الذي عرفته به من قبل قليل -وبالتالي، لديك اجراءات ومحافظة، بكلمات أخرى، خلال هذا النمو تجد دائماً عملية تنظيم ذاتي أسميها التوازن والتي تبدو لي العامل الأساس في اكتساب المعرفة المنطقية الرياضية
والآن دعنا نتناول هذه العوامل مرة أخرى لنقربها إلى فهمنا، ونقول أن هنالك العديد من العوامل التي تؤثر في النمو المعرفي للطفل، أو بمعنى أدق، تؤثر على انتقال الطفل من مرحلة إلى أخرى من مراحل النمو التي حددها بياجية . حيث ذكر بياجية أن الطفل ينتقل من مرحلة إلى أخرى عن طريق أربعة عوامل رئيسة هي (محمد 1992)
الصفحة67 :
-1- النضج (Maturation) :
يستخدم بياجيه مصطلح النضج ليشير به إلى الآثار الوراثية على النمو، وهذه الآثار الوراثية لا يمكن عزلها، إذ أنها لا تكون معزولة في الواقع. ولكن قد يبدو من المهم بالنسبة لنا أن تعزل هذه الآثار عن مجرى الأحداث أو الحياة، وذلك لأغراض البحث والدراسة والتحليل.
ويعتبر النضج من العوامل التي تعلب دوراً هاماً في عملية النمو عند بياجيه"، فهو يربط بين النضج الجسمي والنضج العقلي، فعملية النضج البيولوجي ترافقها تغيرات تشريحية ووظيفية في جميع أعضاء الجسم، ومنها الجهاز العصبي وهو الجهاز المسؤول عن التفكير وما يصاحبه من اجراءات
فالنضج العصبي هو أحد العوامل الرئيسة في تحقيق النمو العقلي، لذلك نرى أن قدرة الطفل على التفكير تزداد بازدياد عمره، أي بزيادة نضجه
ويرى بياجية أن النضج وحده لا يفسر كل جوانب عملية النمو، لأن متوسط العمر الزمني في هذه المراحل الأربع قد يختلف من فرد لآخر، وإن كان ترتيب هذه المراحل ثابت وموجود في كل المجتمعات، ولكن الاختلاف يكمن فقط في المدى الزمني لكل مرحلة
الخبرة :
ويشمل مفهوم الخبرة نوعين هما :
الخبرة المادية / الفيزيائية (Physical Experience) :
تمثل معرفة الطفل بأسلوب أداء الأشياء أو الموجودات في البيئة من حوله وتفاعله معها عاملاً يسمى بالخبرة المادية. فالطفل ينمو جسمياً، وبالتالي يتمكن من الحركة والتجوال وتفحص الأشياء المجاورة له، وتزداد هذه القابلية للاستكشاف والتفحص مع زيادة نضج الطفل. فحينما يضغط الطفل على جسم ما ويجده صلباً، أو يسقطه على الأرض ويكتشف أنه ينكسر، أو يضعه في الماء ويشاهده وهو يطفو أو يحدث أي نوع من التفاعل مع هذا الجسم كجسم ينتج عن هذه العملية معرفة الطفل بهذا الجسم.
وأيضاً معرفة بالمادة التي يتكون منها هذا الجسم وتسمى هذه الخبرة بالخبرة المادية وذلك لتمييزها عن الخبرة الرياضية المنطقية، ومع ذلك فهي تتضمن دائماً تمثلاً للأبنية
الصفحة68 :
الرياضية المنطقية. فمعرفة أن خطأ ما يعتبر أفقياً أو رأسياً مثلاً تعتمد على التكوين أو البناء السابق لنسق النظائر المكاني. كما أن المقارنة بين وزنين مثلاً، تفترض وجود علاقة ما فيما بينهما، وعلى هذا تكوين شكل منطقي لهذه العلاقة.
وحتى معرفة أن جسماً ما خفيف أو ثقيل، تتضمن مقارنة مع معيار مستدخل ما ، وتتطلب تكوين شكل منطقي للعلاقة التي توجد بين هذا الجسم وبين المعيار المستدخل الذي نقارن الجسم به وايضاً بالنسبة لتحديد جسم ما على أنه خشب» أو «حديد» مثلاً. وحتى معرفة أن هناك جسماً ما يتطلب تنسيق أنماط السلوك التي لا تحصى والتي يقوم بها الطفل على الأجسام المختلفة، تلك الأنواع من التناسقات في حد ذاتها تمثل نوعاً آخر من الخبرة.
وأخيراً فالخبرة المادية أو الفيزيقية عبارة عن تفاعل الفرد مع الأشياء الموجودة في بيئته، وأخذ بعض المعلومات عنها عن طريق رسم صورة ذهنية مجردة لهذه الموجودات المادية في ذهنه.
-ب الخبرة الرياضية المنطقية :
تأتي الخبرة الرياضية المنطقية بعد تكوين الخبرة الفيزيائية أو المادية فمحاولات الطفل معرفة أداء الأشياء ذاتها أو تصنيفها وعدها وترتيبها، يمكن الطفل من القيام ببعض التعليمات على مجموعة من الأشياء ذات الصفات المشتركة أو ايجاد علاقات بينها كل ذلك يكون لدى الطفل بنية عقلية يستطيع أن يستفيد بها في حالات أخرى ومواقف جديدة مشابهة للمواقف التي مرت في خبرته من قبل وهذه البنية التي تكونت هي نتيجة الخبرة الرياضية المنطقية.
ولكن ما هي العلاقة بين تكوين الخبرة المادية والخبرة الرياضية المنطقية؟
إن في طبيعة الأشياء بالنسبة للطفل أن يعمل على تلك الأشياء الموجودة في بيئته، وحينما يفعل الطفل ذلك، فإن تلك الأشياء تقوم برد الفعل، وتتكون الخبرة المادية نتيجة لذلك. ولكن حينما يقيم الطفل علاقات بين تلك الأشياء، أو بين أنماط سلوكه هو على تلك الأشياء تتكون الخبرة الرياضية المنطقية.
ويسرد بياجيه قصة رواها له عالم رياضيات من أصدقائه، فقال له بأنه وهو في سن الرابعة أو الخامسة، كان جالساً على الأرض في حديقته، وكان يعد بعض الحصوات - Peb)
الصفحة 69 :
(bles، فوضعها في صف وعدها، فوجدها عشر حصوات، وحينما أنهى عدها، بدأ يعدها من الاتجاه الآخر فوجد أنها عشرة أيضاً وهنا عرف أنه توجد عشر حصوات في أحد الاتجاهين، وعشرة في الاتجاه الآخر. وعندما وضع تلك الحصوات في دائرة، وقام بعدها وجد أنها عشر حصوات أيضاً.
ان ما تعلمه الطفل هنا - كما يرى بياجيه - لا صلة له بالخصائص المادية للحصوات ولكن بالعلاقة القائمة بين تلك الحصوات باختصار إن ما أنجزه الطفل كان تنظيماً لأنماط سلوكه فيما يتعلق بالحصوات فمفهوم العشرة (Ten) وكمها، لا يعتبران من خصائص الحصوات، بل هي بناء لعقل الطفل فخبرة البناء هذه (Construction) وما يشابهها من خبرات أخرى تسمى رياضية منطقية، وهي بهذا تتميز عن الخبرة المادية.
يكتسب الطفل المعرفة عن طريق العديد من الخبرات : الخبرة المادية، والخبرة الرياضية المنطقية.
ففي حالة الخبرة المادية نجد أن المعرفة التي يكتسبها الطفل تنفصل عن الأشياء المادية، أما في
الخبرة الرياضية المنطقية، فإن المعرفة تأتي من أنماط السلوك التي يمارسها الطفل على الأشياء المادية.
(Social Interaction / Social Transmission)
نأتي هنا إلى نوع آخر من الخبرة التي يكتسبها الطفل وهي النقل / التفاعل الاجتماعي. وإذا كانت المعرفة في الخبرة الرياضية المنطقية تأتي من أنماط السلوك التي يمارسها الطفل على الأشياء المادية، فإن المعرفة في النقل / التفاعل الاجتماعي تأتي من الآخرين في المجتمع. فهم يوضحون - سواء بطريقة مقصودة أو غير مقصودة - كيف يتم عمل الأشياء، وبالتالي يكتسب الطفل بعضاً من هذه المعارف، وبهذا نجد أن الطفل يكتسب الخبرة من الأشخاص الآخرين ، وغالباً من الراشدين في المجتمع، وهذا ما يسمى بالنقل / التفاعل الاجتماعي
ويقصد بالنقل الاجتماعي تفاعل الفرد مع الآخرين ممن يحيطون به من أفراد المجتمع. ويؤدي هذا التفاعل إلى الخبرة الاجتماعية، ويعتبر النقل الاجتماعي شرطاً أساسياً لبناء
الصفحة 70 :
البنيات العقلية فالطفل في السنوات الأولى من عمره يكون شديد الذاتية، فيقوم بعمليات ذات دلالة فردية وأنانية للغاية، ولا يستطيع أن يرى الأشياء بموضوعية، بل يراها بمنظاره الخاص فقط، ويعتقد أن رأيه هو الصواب دائماً، ولا يوجد رأي غير رأيه، وما يقوله ويفكر فيه يتفق مع الآخرين أيضاً
وتبدأ هذه الذاتية في الزوال تدريجياً إذا ما أتيحت للطفل فرص التفاعل مع الآخرين والاستماع إلى آرائهم وسيشعره ذلك بالتدريج أن هناك آراء أخرى تختلف عن رأيه، وأن رأيه قد يكون خاطئاً. ولذلك فالطفل يجب أن يتفاعل مع الآخرين من حوله، وإذا لم تتح له هذه الفرصة، فلن تكون لديه القدرة على تغيير البنية العقلية التي تكونت نتيجة الحالة الفردية التي نشأ عليها
ويمكن للتفاعل الاجتماعي أن يؤدي إلى تضارب أو تعارض أو خلاف ومناقشة مشتركة تؤدي جميعها إلى أن يحاول الطفل تعديل بنياته العقلية ليتكيف ويتوافق مع الآخرين، حيث تنتقل المعرفة إلى الطفل عن طريق الآخرين في المجتمع، كذلك فهم يوضحون له كيفية تكون الأشياء وكيفية قيامها بأداء وظائفها
:رابعاً : التوازن / الاتزان
ويرى بياجيه أن الاتزان يعتبر أهم هذه العوامل، فهو يرى أن الاتزان بالاضافة إلى كونه أحد هذه العوامل إلا أنه أيضاً يعمل كمنسق لها جميعاً، فيحدد كم يلزم من النضج البيولوجي، وكم يلزم من التفاعل الاجتماعي، وما إلى ذلك
ومن بين التعريفات المتعددة التي قدمها بياجية للذكاء، أنه صورة من صور الإتزان الذي تميل نحوه كل البنيات العقلية
ويكون الاتزان بين البنيات العقلية للفرد والبيئة التي يعيش فيها فالطفل حديث الولادة يتفاعل مع البيئة المحيطة به عن طريق البنيات الأساسية التي تعرف بالصور أو المخططات العقلية. وتستمر هذه البنيات الأولية في توجيه سلوكه طالما كان التفاعل ناجحاً .
ومع استمرار نمو الطفل وتفاعله مع البيئة المحيطة به، فإنه يقابل بعض المتناقضات التي لا تتفق مع بنياته العقلية الموجودة مما يسبب حالة من عدم الإتزان تؤدي به إلى استبدال أو تعديل بنياته، والذي يتم عن طريق التوجيه من قبل الآخرين والنشاط من جانبه هو. وعندما
الصفحة 71 :
تتكون البنيات العقلية الجديدة يحاول الطفل تجربتها، فإن جاز سلوكه الجديد على إعجاب الآخرين، قام بتعزيزه، وبذلك تثبت تلك البنية العقلية. وهكذا يتم بناء البنيات العقلية ليتكيف الطفل مع المواقف الجديدة في بيئته.
ويرى بياجية أن طبيعة الفرد الذهنية تكون عادة في حالة اتزان، وتميل إليه إذا ما اختل هذا الإتزان ويحتل الاتزان عادة بسبب وجود مثيرات خارجية. ويعمل الفرد على تحقيق الإتزان عن طريق ربط المعلومات والخبرات القديمة التي يحتويها بالمعلومات والخبرات التي تأتي بها تلك المثيرات الخارجية، وتتضمن عملية اقرار الاتزان نوعين من الاستجابات هما : التمثل والمواسمة
الصفحة 72 :
ملخص:
1 النضج
يعتقد بياجية أن النضح عامل من عوامل الارتقاء المعرفي، وأن الاسهام الرئيس للنضح في الارتقاء المعرفي هو في نمو الجهاز العصبي، وفي نمو جهاز الغدد الصماء. وإذ يلعب النضج دورا واضحاً في الارتقاء، إلا أن "بياجية" يقلل من أهميته نوعاً ما فيقول: لا يستطيع نضح الجهاز العصبي ان يقوم بأي شيء أكثر من أن يحدد المجموع الكلي للإمكانات وعدمها في مرحلة معينة. وتبقى البيئة الاجتماعية الخاصة أساسا في تحقيق هذه الإمكانات، وإن تحقيقها يمكن أن يعجل او يعرقل بتأثير الظروف الثقافية والتربوية.
2 – الخبرة :
إن الخبرة المادية هي العامل الثاني للارتقاء المعرفي فيجب أن يتعامل الطفل مع الأشياء والمثيرات المختلفة في البيئة ولا يمكن أن يحدث التمثل والمواءمة ما لم يتحقق التفاعل بينه وبين البيئة فليس على الطفل أن يمتلك الخبرة فحسب وانما عليه أن ينشط في البيئة، ولا أن يستجيب لها فقط (كما هو الحال في نظرية التعلم القائمة على المنير الاستجابة). ويتطلب نمو البنى المعرفية ( المخططات) من خلال التمثل والمواءمة أن يتفاعل الطفل مع البيئة، وفي عمر مبكر، يكون التفاعل مع البيئة في الأساس بمستوى حسي - حركي فيتفاعل الطفل مع البيئة بطريقة مباشرة، فتمسك يداه بالأشياء، ويمص بفمه الأشياء، وتستكشف عيونه الأشياء أيضاً، وينمو الطفل، فيصبح التفاعل مع البيئة باضطراد رمزيا بطبيعته، فيقرأ الطفل ويغدو يتكلم. وبالقدر الذي ينشط فيه الطفل بالتمثل والمواءمة لبيئته، فإنه يرتقي معرفيا، ولا ترتقي المخططات ما لم تتغذ بالمثيرات التي تستدعي عمليتي التمثل والمواءمة.
3 – التفاعل الإجتماعي :
ويمني بياجيه بالتفاعل الاجتماعي تبادل الأفكار بين الناس، ويعد هذا مهما إذ يمكن أن تصنف المخططات أو المفاهيم التي يرتقي إليها الناس إلى تمطين تلك التي تمتلك مدلولا ماديا حسيا )يمكن أن ترى وتسمع ...)، وتلك التي لا تمتلك مدلولات مادية، إن مفهوم الشجرة يمتلك مدلولاً ماديا، لكن مفهوم "الأمانة" لا يمتلك ذلك.
الصفحة 73 :
والطفل يعتمد على التفاعل الاجتماعي في التكوين والثبات المفاهيمي ويمكن أن يكون التفاعل الاجتماعي ذا أنماط كثيرة فهنالك التعامل مع الرفاق والآباء والآخرين من الكبار والأحداث التي تقع في غرفة الدرس هي في الغالب تفاعل بين الطلبة أنفسهم وبين الطلبة ومدرسيهم. التوازن لا تكتفي المفاهيم السابقة وهي النضج والخبرة والتفاعل الاجتماعي في شرح وتوضيح الارتقاء المعرفي والسلوك الملاحظ يوحي بأن الطفل يقوم بالتنظيم والترتيب النوعي في عملية الارتقاء يقول بياجية : إذا كان الارتقاء يعتمد على عوامل داخلية (النضج)، وعوامل خارجية (عادية أو اجتماعية) فإنه من الواضح أن هذه العوامل الخارجية توازن إحداها الأخرى
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 74 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه)
الصفحة74 :
الفصل الرابع :مراحل النمو المعرفي:
مقدمة:
من البديهي الآن، أن تتناول مراحل بياجية الرئيسة للنمو المعرفي، إذ سنعرض الآن هذه المراحل كاملة، وبشيء من السرد والتسلسل، ليتمكن القارئ من تكوين الصورة الواضحة عن هذه المراحل وقبل هذه المراحل أثرنا أن تعرض مرة أخرى مفهوم المرحلة، لما يشكله من أهمية بالغة في هذا المجال.
ويجب الإشارة هنا إلى ما قمنا به من تسميات مختلفة لهذه المراحل حسب ما وردت في المراجع المتعددة، وذلك بهدف تعريف القارى بهذه التسميات، وعدم استهجانها، أينما وردت إذ تدل هذه التسميات للمراحل على مفهوم واحد، فمثلاً عندما نقول: المرحلة الحسية الحركية، فإننا قد نجد ما يقابلها من تسميات مثل مرحلة الذكاء الحسي – الحركي، أو مرحلة التفكير الحسي الحركي .... الخ.
ولنبدأ الآن:
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 77 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه)
الصفحة 77 :
أولاً : مفهوم المرحلة (سبق وأن تناولنا هذا العنوان في الفصل الثاني من هذا الكتاب) :
إن فرضية بياجية العامة، هي ببساطة أن الارتقاء والتطور المعرفي عملية مترابطة تتألف من تغيرات نوعية متتالية للبنى المعرفية (المخططات)، وأن كل بنية وما يلازمها من تغيرات تنبثق منطقياً وحتمياً من بنية تسبقها. فالمخططات المتتالية لا تحل محل المخططات السابقة، بل هي تتحد معها مسببة تغيراً نوعياً.
ولأجل تصور النمو المعرفي، يمكن تقسيم الارتقاء المعرفي (الفكري( إلى أربع مراحل عريضة تحتوي على فترات أخرى ثانوية وأطوار.
إن عدد المراحل التي يمكن للفرد أن يُقسم بها النمو هي إعتباطية إلى حد ما، وفي كتابات مختلفة قسم بياجية النمو المعرفي الى ثلاث أو أربع أو ست مراحل رئيسة في كل مرة مع عدد من المراحل الثانوية.
ولم يقل بياجية أن الأطفال يرتقون من مرحلة منفصلة إلى مرحلة أخرى منفصلة خلال نموهم، كما يرتقي المرء درجات السلم وهو سائر نحو الطابق الأعلى إنما يجري الارتقاء المعرفي باستمرار.
تم تقسيم النمو المعرفي الى مراحل لكي يستطيع الباحث أو المنظر تحليل النمو وفهمه بكفاءة اکثر وهذا لا يعني بأية حال انكار استمرارية الارتقاء على امتداد فترته، ولا يعني أيضاً أن المراحل قد اختيرت دونما سبب عقلاني.
ويفهم الارتقاء على أنه يجري باستمرار كنهج تراكمي، حيث تصبح كل مرحلة ترتقى متكاملة مع المراحل السابقة.
كذلك يجب التأكيد هنا أن الأعمال الزمنية التي يتوقع أن يتطور خلالها أنموذج سلوكي المرحلة خاصة، ليست ثابتة، حيث تدل هذه المراحل على الأوقات التي في أثنائها يتوقع أغلب الأطفال أن يظهروا السلوك الفكري (المعرفي) كخصائص المرحلة خاصة.
إن هذا لا يعني أن الأطفال لا يظهرون بعض سلامح أو خصائص مرحلة ما قبل الاجرائية في السنة الأولى من العمر، أو لا تزال بعض ملامح المرحلة هذه لم تظهر حتى العاشرة من
الصفحة 78 :
العمر. إن وصف السلوك لكل مرحلة أو فترة يعني أنه نموذج فقط لكل عمر جماعي.
كذلك يفترض بياجيه" أن ظهور المراحل متسلسل وثابت. فالعمر الزمني الذي تظهر به المراحل يختلف تبعاً لطبيعة عاملين رئيسين هما العامل البيئي أو الخبرة الفردية، والعامل الوراثي أو الامكانات الوراثية معاً.
وهناك جانب من جوانب نظرية المراحل البياجيه يعتبراً ثابتاً فحسبما يرى بياجية يمر الأطفال بمراحل النمو والارتقاء المعرفي بالترتيب نفسه، ولا يستطيع الطفل تخطي أية مرحلة من مراحل النمو المعرفي، دون المرور بسابقتها، فمثلاً لا يستطيع الطفل الانتقال من مراحل الارتقاء قبل الاجرائية إلى مرحلة العمليات الشكلية دون المرور في مرحلة العمليات العيانية (الحسية).
وإذا كان ذلك صحيحاً فإن السرعة التي يمر بها الأطفال في المراحل المختلفة ليست متساوية أو متطابقة، وينجم ذلك عن عوامل الوراثة أو الخبرة فالطفل اللامع يمر بهذه المراحل بسرعة، بينما يتخلف الطفل الأقل ذكاء، بل قد لا يبلغ بعض الأطفال المراحل الأخيرة )العمليات الشكلية).
وإذ يستعمل بياجيه مفهوم مراحل النمو والارتقاء المعرفي علينا أن نتذكر أن مدى السلوك الفكري ضمن مرحلة معينة واسع جداً، فالطفل يطور قدراته على استعمال التمثيل الرمزي (اللغة) خلال المرحلة قبل الاجرائية (72) سنوات، ولكن من المتوقع أن تختلف لغة الطفل واستعمالاته في السنة السابعة عما كانت عليه في الثانية. وهكذا في المراحل المبكرة أو في بواكير مرحلة فكرية معينة، فيحتمل أن تكون أقل استقراراً وأقل تطوراً مما ستغدو عليه فيما بعد.
مراحل النمو المعرفي عند "بياجيه" : ( وارد زورت 1900 )
أولا – المرحلة الحسية – الحركية :
وتسمى أيضاً بمرحلة الذكاء الحسي - الحركي (Sensori – Motor Intelligence)، أو مرحلة التفكير الحس - حركي وتمتد من الولادة حتى سن الثانية من العمر.
إن النمو العقلي عملية تبدأ يوم ولادة الرضيع أو قبل ذلك أحياناً)، ولا يعني هذا أن الطفل يولد مفكراً يتمثل الأشياء داخلياً في ذهنه، بل يعني أن السلوك الحسي - الحركي الذي يحدث ابتداء من الولادة فصاعداً، هو ضروري وأساسي للنمو المعرفي التالي، وعند النظر إليه
الصفحة 79 :
من زاوية أخرى، فإن السلوك العقلي في أي عمر ينشأ مباشرة عن مستويات السلوك السابقة، ولهذا فإن جذور النمو العقلي، اجمالاً تكمن في السلوك الحسي - الحركي المبكر.
ويقسم بياجيه فترة النمو الحسي - الحركي إلى ست مراحل، تنشأ عنها باستمرار نماذج أكثر تعقيداً لسلوك الذكاء، وهي:
المرحلة الأولى من الميلاد وإلى عمر الشهر الأول :
إن سلوك الرضيع انعكاسي كلية عند الولادة، وخلال معظم هذه المرحلة، فالانعكاسات الأساسية التي تولد مع الرضيع هي )الرضاعة، والمسك، والصراخ، وحركة الذراعين والجذع والرأس). فعندما ينبه الطفل، تستجيب انعكاساته، لذلك فإن الطفل يمص ما يوضع في فمه بغض النظر عن ماهيته وعندما تلامس راحة يده شيئاً ما، فإن الرضيع يمسك به، أياً كان ذلك الشيء، فليس ثمة دليل على أن الرضيع بسلوكه هذا يستطيع التمييز بين الأشياء
إن استجابات الرضيع الانعكاسية في هذه المرحلة متشابهة نوعاً ما لكل الأشياء، إذ يمص الفضاء بذات القوة التي يمص بها الحلمة المنتجة للحليب، وتمسك اليد ما يقع عليها حتى وإن كانت أصبع أو لعبة، فليس ثمة تمييز بين التنبيهات، وبهذا فإن الرضيع يمثل كل المنبهات والمثيرات خلال الأنظمة الانعكاسية في هذه المرحلة.
عند الولادة يتم تمثيل جميع الأحداث المنبهة في مخططات انعكاسية يتم تأويلها بطريقة غير متميزة.
ونلاحظ على العموم، وخلال الأسابيع القليلة الأولى مواسات بسيطة لدى الطفل الرضيع. فعند الولادة، يمص الرضيع ما يوضع في فمه، ويمص الحلمة عند اخراجها له، وفي الحال يشرع الرضيع (بالبحث) عن الحلمة، إذا لم تكن شاخصة له، وبهذا يوائم البيئة .... (فالبحث) عند الرضيع سلوك لم يكن موجوداً عند الولادة، ويمكن أن يعزى لأي نظام انعكاسي، فليس هناك انعكاس )البحث)، وإنما ثمة انعكاس للرضاعة فقط بهذا بعد البحث النشط تغيراً للسلوك الانعكاسي لدى الرضيع، أي بتعبير آخر، مواءمة.
الصفحة 80 :
إن الأفعال الانعكاسية العشوائية الفطرية التي يمكن مشاهدتها خلال المرحلة الأولى، تمر بتعديلات نتيجة استخداماتها المتكررة، وتفاعلها مع البيئة.
مفهوم الشيء :
يعتقد بياجية أن مفهوم الشيء ليس فطرياً، وأن الوعي بالأشياء يتطور عن خبرة حسية -حركية شيئاً فشيئاً، لذلك يجب على الطفل الرضيع إعادة تكوين عالم الأشياء من خلال خبراته فليس ثمة وعي بالأشياء لدى الرضيع عند الولادة، فهو حقيقة غير قادر على التمييز بين ذاته والبيئة، إذ ليس للرضيع مفهوم عن الأشياء.
إن أي شيء تقدمه البيئة الخارجية ليس إلا مجرد شيء يمصه أو يمسك به أو ينظر إليه شيء مايثير استجابة انعكاسبة غير متمايزة (متميزة)
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 81 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه)
الصفحة 81 :
مفهوم السببية :
تعد السببية وهي الوعي بالعلاقات بين السبب والنتيجة، مفهوماً مهماً آخر ينمو خلال هذه الفترة، فالطفل عند الولادة ذاتي كلية ومتمركز حول الذات
والتمركز حول الذات (Egocentric) أحد مفاهيم بياجيه المهمة، وهي تشير على العموم إلى الحالة المعرفية التي يرى فيها الفرد العالم من وجهة نظره فقط دونما رعي بوجهات النظر الأخرى القائمة
أما بالنسبة للرضيع فإن ظاهرة التمركز الذاتي تعني غياب الادراك الذاتي (Self - Perception) على أنه شيء، في عالم من الأشياء، ويمكن تجاوز ذلك عندما يتطور مفهوم الرضيع للشيء، مما
يسمح تبعا لذلك، بتطور ادراك الذات .
المرحلة الثانية ( من الشهر الأول وحتى الشهر الرابع)
تبدأ المرحلة الثانية للتطور الحسي - الحركي عندما يبدأ السلوك الانعكاسي للمرحلة السابقة من الميلاد إلى عمر الشهر الأول بالتحوير والتعديل (Modification) فتظهر خلال هذه المرحلة عند الرضيع أنماط سلوكية جديدة، فيصبح مص الابهام عادة، حيث تعكس تطور حركة التناسق بين الفم واليد. كما يقوم الطفل بتتبع الأشياء المتحركة عن طريق العينين (التناسق العيني)، ويتحرك الرأس باتجاه مصدر الصوت (تناسق الأذن - العين). ولكي توضح ما سبق تقول
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 82 من نسخة البدف أعلاه)
الصفحة 82 :
في بواكير المرحلة الأولى من الميلاد إلى عمر الشهر الأول تكون ردود فعل الرضيع للتنبيهات (المثيرات) انعكاسية بالكامل، وليس ثمة تمايز مبدئي بين التنبيهات (المثيرات). وعند انهاء المرحلة الأولى يشرع الرضيع بالتمييز بين الأشياء، وهو سلوك لم يستطع تحقيقه عند الولادة فعلى سبيل المثال، فإن الرضيع يمص بنشاط من الحلمة المدرة للحليب (عندما يكون جائعاً). لكنه يرفض الأشياء التي توضع في فمه إن كانت تفتقر إلى الحليب ماذا جرى يا ترى؟ لقد تحور سلوكه الانعكاسي مشيراً إلى أن الرضيع قد حقق مواءمة مع البيئة، فحيث لا تسمحمخططات الرضاعة البدائية بالتمايز حلت الآن مخططات أكثر تعقيداً تسمح بذلك التمايز.
إن التغيرات السلوكية من هذا النمط هي دلائل لتنظيم داخلي، كذلك التكيف مع البيئة.
انظر فصل الملاحق المشاهدة رقم (1).
مفهوم الشيء :
يمتلك الطفل خلال هذه المرحلة وعياً بالأشياء التي لم تكن ماثلة خلال المرحلة الأولى، وكما ذكرنا أنفاً، فإن الرضيع يحاول النظر إلى الأجسام التي يسمعها مشيراً إلى وجود تناسق بين السمع والرؤية، وإضافة إلى ذلك، يمكن للطفل أن يستمر بمتابعة جسم ما بعينيه إلى أن يختفي الجسم عن النظر.
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 83 من نسخة البدف أعلاه)
الصفحة 83 :
ونقول أن الرضيع في هذه المرحلة يكشف عن تناسق بين السمع والرؤية، فهو يحدد بالنظر مصدر الصوت، وعلاوة على ذلك، فإنه قادر على استعادة، وتحديد الأجسام بالنظر بعد أن تكون قد اختفت عن مساحة الرؤية الذي يمتلك
القصدية- :
على الرغم من حدوث تطورات على سلوك الرضيع من تطور جديد من التناسق الحسي -الحركي، كما يزداد معدل الاستجابات التي يقوم بها الرضيع، إلا أن سلوك الرضيع لم يزل يفتقر للقصد السلوك الموجه إلى هدف أو أهداف محددة إذ أن السلوك لم يزل كما هو بالأساس انعكاسياً على الرغم من تحوره). فما زال النشاط يعتمد بالأساس على التصورات الحسية المدركة بشكل مباشر، فليس ثمة حديث عن القصد، وحتى عندما يمسك الرضيع بجسم ما بهدف النظر إليه، فإنه لا يمكن الاستدلال أن هناك غرض واع
ويمكن أن تظهر القصدية في السلوك عندما لا يكون السلوك مباشر العكاسيا او تكراراً بسيطاً السلوك سابق. وعليه فقد بدأت الخطوات الأولى في التطور الفكري (المعرفي)
إن نشاط الطفل في البيئة والناجم عن التمثل والمواءمة، يكون قد أحدث تغيرات تركيبية أولية تسمح بتجدد تناسق حسي - حركي بسيط، وسوف يوسع هذه التطورات وتكبر في المرحلة التالية على وفق العمليات نفسها
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 84 من البدف أعلاه)
الصفحة 84 :
المرحلة الثالثة ( من الشهر الرابع وحتى الشهر الثامن)
يتوجه سلوك الرضيع خلال هذه المرحلة باضطراد صوب الأشياء والأحداث خارج جسده.
فالرضيع يمسك ويعالج جميع الأجسام التي يستطيع الوصول إليها بتناسق وثيق بين الرؤية والاحساسات اللمسية. فقبل هذا الوقت كان سلوك الرضيع موجهاً صوب ذاته، فلم يكن قادراً على تمييز ذاته عن الأجسام الأخرى، كما لم يكن قادراً على التناسق بين حركة يديه وعينيه. وثمة خاصية أخرى للمرحلة الثالثة هي أن الأطفال الصغار يكررون تقديم الأحداث التي لم تكن مألوفة لديهم، إذ حينما تحدث الخبرة السارة لديهم يحاول الأطفال اعادتها من جديد. فالسلك المتصل بالأجراس فوق الرأس يسحب بإضطراد، وأنشطة المسك والضرب تتكرر بقصد، وثمة محاولات واضحة تثبت تكرار الأطفال الصغار لنشاطهم.
ويشير بياجية إلى هذه الظاهرة على أنها تمثيل منتج (Reproductive) (Assimilation) أو تمثيل توالدي فالرضيع يحاول توليد أحداث فريدة بالنسبة له.
مفهوم الشيء:
خلال هذه الفترة يبدأ الرضيع بتوقع الأماكن التي ستمر الأشياء من خلالها. حينما تكون في حالة حركة، وهذا ما يشير إلى أن وعي الطفل بديمومة الأشياء هو في تطور.
أنظر المشاهدة رقم (2) في فصل الملاحق.
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 85 في البدف أعلاه)
الصفحة 85 :
إذ يأخذ الرضيع ذو الثمانية أشهر بالبحث عن الأشياء في الأماكن التي يتوقع أن الأشياء قد سقطت منها، فهو يتوقع أن الأشياء الساقطة ستقع فيها، مما ينم عن مخططات للأشياء أكثر تطوراً مما في المراحل السابقة.
مفهوم السببية :
خلال المرحلة الثالثة يبقى الرضيع متمركزاً حول ذاته، إذ أنه يرى نفسه على أنها المسبب الرئيس للنشاط.
أنظر المشاهدة رقم (3) في فصل الملاحق
إذ أن من الواضح أن الرضيع يعتقد أنه هو وحده الذي يستطيع أن يسبب الأحداث ليد والده ليولد الصوت، وهو يحك اليد، ويلعب بها وبالوسادة، غير أنه لا يلعب بالاثنين سوية. فالطفل يعتقد أنه الذي يسبب جميع الأحداث.
القصدية :
إن إحدى خصائص المرحلة الحس - حركية في تطور سلوك الرضيع من السلوك غير المقصود إلى نوع من السلوك المقصود. فخلال المرحلة الثانية للتطور الحس - حركي، لا يكون التقصد الحس - حركي واضحاً في هذه الفترة يحدث السلوك عشوائياً بتنبيهات (مثيرات) إذ لم يصمم سلوكه بطريقة تمكنه من الوصول إلى الهدف فأثناء المرحلة الثالثة، يشرع الرضيع بالانخراط في نموذج من السلوك الموجه صوب هدف (تقصدي)، فهو يحاول تكرار أحداث مسلية وغير اعتيادية وفي المرحلة الثالثة تؤسس الأهداف بعد أن يكون السلوك قد بدأ. إن أهداف الرضيع تتكون فقط خلال تكرار السلوك.
المرحلة الرابعة ( من الشهر الثامن حتى الشهر الثاني عشر (السنة) :
عند نهاية السنة الأولى من العمر تظهر لدى الطفل أنماط سلوكية تشكل أولى أفعال الذكاء الواضحة، حيث يبدأ باستخدام وسائل للوصول إلى غايات، كما تأخذ الأشياء مقياساً ملحوظاً من الديمومة لديه، حيث يبدأ بالبحث عن الأشياء التي يراها تختفي.
الصفحة 86 :
ففي المراحل السابقة كان السلوك على الدوام من فعل الطفل المباشر على الأشياء، حيث يقول ويكرر الأفعال الممتعة أي أن قابلية واحدة فقط استخدمت لاثارة رد سلوكي، وفي أثناء المرحلة الرابعة يبدأ الطفل بتنسيق قابليتين مألوفتين لتوليد فعل واحد، حيث بدأ باستخدام وسائل للحصول على نتائج لا يمكن الحصول عليها بطريقة مباشرة، ويمكن رؤية الأطفال يستخدمون شيئاً معيناً ( وسيلة) لبلوغ شيء آخر (نتيجة). فمثلاً يزيح الطفل الوسادة عن طريقه ليصل إلى لعبة ما، حيث يكون هناك انتقاء قصدي للوسائل مثل الشروع بالسلوك. فالهدف قد حدد منذ البداية، ويبقى استخدام الوسيلة للوصول إلى الهدف
وخلال المرحلة الرابعة كذلك، يظهر الطفل علامات واضحة تتعلق بتوقع الأحداث، وتعرف بعض هذه العلامات أنها مرتبطة ببعض الأفعال التي تتبع العلامات. وتتم هذه الأفعال عن فطنة ومعرفة بمعنى بعض الأحداث المعينة.
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 87 من البدف أعلاه)
الصفحة 87 :
مفهوم الشيء :
إن أكثر الأشياء أهمية من بين تلك التي يكتسبها الطفل في هذه المرحلة هي بلا شك تلك المتعلقة بديمومة شكل الأشياء وحجمها لدي
يقول بياجيه في تعليق على ثبات الشكل والحجم
في الحقيقة تنتج ديمومة الأشكال من بناء الأطفال الحسي - الحركي في فترة التناسق فخلال الفترة الأولى (من الولادة حتى4 أشهر)، وعندما تغير الأشياء أشكالها، ينظر الطفل إلى هذه التغيرات كتبدلات حقيقية للأشياء ذاتها وليس كتغيرات من وجهة نظر علاقة الفاعل بالمفعول، فالطفل الذي يدير رأسه يميناً وشمالاً أمام الأشياء المتدلية يتصرف وكأنما هو الذي يحركها بتحريك رأسه، ولا يفهم الطفل حقاً التأثيرات الشكلية للتبدلات الحقيقية حتى بلوغه الشهر الثامن إلى التاسع من العمر. ففي حوالي هذا العمر فقط (8) - (9) أشهر يصبح الطفل قادراً لأول مرة على قلب قنينة الرضاعة المقدمة له رأساً على عقب، أي أنه يكون قادراً على إعطاء شكل ثابت للشيء الصلب.
أما بالنسبة لثبات الحجم فإنه مرتبط بتناسق الحركات المسيطر عليها حسياً. فالطفل خلال الفترة الأولى (من الولادة حتى الشهر الرابع) لا يميز بين حركا الشيء وحركات جسمه، ولكن في أثناء الفترة الثانية المرحلتين الثالثة والرابعة يبدأ الطفل بتمييز حركاته الخاصة عن حركات الأشياء الأخرى. فهنا نجد بداية البحث عن الأشياء حينما تختفي، وفي ضوء هذا الجمع للحركات والديمومة التي تعطى للشيء، يكتسب الأخير أبعاداً ثابتة، ويتم تقدير حجمه بشكل صحيح بدرجة أو بأخرى بصرف النظر عن بعد ذلك الشيء أو قريه
أما بخصوص المفاهيم الأخرى، فإن تلك المفاهيم المتعلقة بالحجم والديمومة تتطور بالطريقة المتوقعة حيث تبدو الأشكال المختلفة للشيء أمام الطفل ذي الشهور الأربعة من العمر على أنها
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 88 من نسخة البدف أعلاه)
الصفحة 88 :
تغيير في شكل الأشياء وحجمها، ولا تتخذ أشكال الأشياء وأحجامها مفاهيم مستقرة لدى الطفل حتى بلوغه المرحلة الرابعة
فخلال الفترة الرابعة يظهر بعد جديد في مفهوم الأشياء لدى الطفل، فحتى هذا الوقت لو وضع شيء ما دمية مثل الخرخيشة مثلاً تحت بطانية والطفل ينظر إليها، فإنه لا يبحث عنها، إذ أن الشيء الذي يكون خارج مرمى البصر ليس له وجود بالنسبة للطفل، إلا أن الطفل يبدأ بالبحث عن الأشياء التي تختفي ما بين الشهر الثاني والعاشر من عمره - تقريباً - حتى تتم استعادة الدمية (الخرخيشة) التي تم اخفاؤها تحت البطانية
مفهوم السببية :
يظهر الطفل خلال المرحلة الرابعة لأول مرة وعياً بأن الأشياء فضلاً عنه - أي الطفل -يمكن أن تسبب الحركة. فالطفل كان حتى هذه المرحلة يعتبر افعاله هي المصدر الوحيد السببية.
ويعلق بياجيه على هذا ويقول
إن سبب بعض الظواهر لم يعد متطابقاً لدى الطفل مع شعوره بتسبيب هذه الظواهر فالطفل يبدأ باكتشاف اتصال مكاني يوجد بين السبب والنتيجة، لذا فإن أي شيء يمكن أن يكون مصدراً للنشاط (وليس جسده فقط)
المرحلة الخامسة ( من الشهر الثاني عشر حتى الشهر الثامن عشر) :
طور الطفل في المراحل السابقة تناسقاً بين مخططات للبصر والمس، تسمح له بأن يطيل الأحداث العادية (المرحلة الثالثة)، مما يجعله لاحقاً، قادراً على تنسيق مخططات معروفة لديه في حل المشكلات الجديدة (المرحلة الرابعة وفي المرحلة الخامسة) يكتسب الطفل مستوى عالياً من القدرة على الفعل حين يبدأ بتكوين مخططات جديدة لحل مشكلات جديدة، إذ يطور الطفل وسائل جديدة ليصل إلى غايات معينة من خلال التجريد" وليس من خلال تطبيق مخططات متشكلة سابقاً تنم عن التعود وفي مثل هذه الحالة، تكون كل من المخططات الجديدة والتنسيقات الجديدة جاهزة، فحيثما يواجه الطفل مشكلة لا يمكن حلها باستخدام المخططات المتوفرة لديه فإنه يكون قادراً على التجريب، وتطور وسائل جديدة من خلال عملية المحاولة والخط
الصفحة 89 :
في النصف الأول من السنة الثانية. يقضي الطفل وقتاً طويلاً بالتجريب بالأشياء، ففي حوض السباحة، مثلاً يقوم الطفل بتكرار دفع الأشياء تحت الماء كما يرمي أشياء كثيرة أخرى بالماء، فالطفل أساساً يحاول بتصميم شديد رؤية فعل الأشياء بمواقف جديدة، حيث يستطيع الطفل لأول مرة أن يكيف (يوانم) نفسه حقاً للمواقف غير المعتادة، وذلك عن طريق ايجاد وسائل جديدة، إذ كان السلوك قبل المرحلة الخامسة هو بالأساس سلوكاً استيعابياً بطبيعته.
وفيما يتعلق بالتطور الفكري (المعرفي)، تكون هذه السلوكيات الجديدة على وجه الخصوص ذات أهمية فائقة، حيث يقول بياجييه – نفسه – أن السلوك يصبح ذكياً حينما يكتسب الطفل المقدرة على حل مشكلات جديدة، ويمكن القول أن آلية الذكاء العملي (الفعلي) قد تشكلت بصورة محددة، إذ يكون الطفل منذ الآن قادراً على حل مشكلات جديدة، حتى لو لم يكن بالامكان استخدام مخطط مكتسب سابقاً (متوفر حالياً) بشكل مباشر لهذا الغرض وإذا لم يتم ايجاد حل لهذه المشكلات بعد من خلال الاستنتاج والتصور، فإن هذا الحل يتضمن مبدئياً في جعل الحالات نظراً للعمل المشترك لمخططات البحث التجريبي والتنسيق.
يصل الطفل إلى مرحلة مهمة في التطور المعرفي حينما يصير قادراً على حل مشكلات حسية -حركية جديدة فهذه المرحلة تمثل بداية السلوك الذكي الحق في الطفل، وهو السلوك الذي ابتدا تطوره حينما بدأت النشاطات الانعكاسية في الطفل الرضيع.
مفهوم الشيء :
عند حوالي السنة الأولى من العمر يتم سلوك الطفل عن ادراك بأن الأشياء تستمر بالوجود حتى ولو لم يكن بالامكان رؤيتها. فقبل المرحلة الرابعة لم يبحث الطفل عن الأشياء التي تم اخفاؤها على الرغم من أنه رأی بعینیه اختفاءها حيث لم يستعد اللعبة التي تم اخفاؤها تحت البطانية.
وفي المرحلة الرابعة (8) – (12) شهراً يبحث الطفل عن الأشياء التي أخفيت، ولكن ليس دائماً في المكان الذي تمت رؤيتها تخفى فيه، وفي هذه الحالة قيل أن الطفل غير قادر على معالجة التغيرات المتتابعة للأماكن أي أنه إذا كنا نخفي اللعبة عادة في المكان (أ), ونقوم باخفائها الآن في المكان (ب)، فإن الطفل سيبحث عنها في المكان (أ) ولكن في المرحلة الخامسة – الحالية – يتعلم الطفل تفسير التغييرات المتتابعة في الأماكن، أي أنه يقوم بالبحث.
الصفحة :90
عن الأشياء في المكان الذي يرى أن اللعبة أخفيت فيه آخر مرة، وليس في مكان خاص، بحيث تخفى اللعبة في المكان( أ) فإنه يبحث عنها في المكان (أ) وحين تخفى في المكان (ب) فإنه يبحث عنها في المكان (ب)
ومع كل ذلك فإن مفهوم الأشياء لم يتطور كلياً بعد، إذ أن الطفل خلال المرحلة الخامسة يكون قادراً فقط على معالجة تغير الأماكن إذا كانت (ملحوظة)، غير أنه يظل غير قادر على متابعة التغيرات (غير الملحوظة) من قبله
مفهوم السببية :
في المرحلة السابقة يظهر الطفل ادراكاً بأن أشياء أخرى غيره، يمكن أن تكون مصدراً للأفعال (السببية). ويتأكد هذا المفهوم في هذه المرحلة بوضوح.
المرحلة السادسة ( من الشهر الثامن عشر وحتى الشهر الرابع والعشرون ) :
خلال هذه المرحلة، ينتقل الطفل من المستوي الحسي - الحركي للذكاء (التطور المعرفي) إلى الذكاء التصوري، أي أن الطفل يصبح قادراً على تصور الأشياء داخلياً (عقلياً)، وبالتالي يصبح قادراً على حل المشكلات عبر التصور (معرفياً) فلقد تم اكتساب وسائل جديدة للحلول في المرحلة الخامسة عبر التجريب النشط وفي المرحلة السادسة يطور الطفل وسائل جديدة كذلك، بيد أنه ليس ثمة وجود للتجريب كما في المرحلة السابقة، إذ يتم التوصل إلى اختراع الوسيلة فجأة .
ويوضح بياجية هذه النقطة قائلاً: بدلاً من أن يكون البحث مقيداً في كل مرحلة من هذه المراحل بالحقائق ذاتها، فإنه يكون تحت هيمنة المزاوجة العقلية، إذ أن الطفل، قبل المحاولة يستكشف أية مناورات (حلول) ستفشل أو أنها ستنتج، وفضلاً عن ذلك، فإن الطريقة التي يتصور الطفل أنها ستنجح هي جديدة بحد ذاتها، أي أنها ستنتج من مزاوجة عقلية أصيلة وليس من مزاوجة الحركات التي ينفذها في كل مرحلة من مراحل العملية .
وهكذا يصبح الطفل قادراً على حل المشاكلات داخلياً، وتظل هذه القابلية بتطور عن سلوك حسي . حركي بالتدريج لمدة سنتين تقريباً، حيث يستطيع الطفل في هذه المرحلة أن يصل إلى حل المشكلات من دون اللجوء إلى التجريب أو بلا مساعدة من التجارب الحالية
الصفحة 91 :
عن الأشياء في المكان الذي يرى أن اللعبة أخفيت فيه آخر مرة، وليس في مكان خاص، بحيث تخفى اللعبة في المكان فإنه يبحث عنها في المكان (أ) ، وحين تخفى في المكان (ب) فإنه يبحث عنها في المكان (ب)
ومع كل ذلك فإن مفهوم الأشياء لم يتطور كلياً بعد، إذ أن الطفل خلال المرحلة الخامسة يكون قادراً فقط على معالجة تغير الأماكن إذا كانت (ملحوظة)، غير أنه يظل غير قادر على متابعة التغيرات (غير الملحوظة) من قبله
مفهوم السببية
في المرحلة السابقة يظهر الطفل ادراكاً بأن أشياء أخرى غيره، يمكن أن تكون مصدراً للأفعال (السببية). ويتأكد هذا المفهوم في هذه المرحلة بوضوح.
المرحلة السادسة ( من الشهر الثامن عشر وحتى الشهر الرابع والعشرون )
خلال هذه المرحلة، ينتقل الطفل من المستوي الحسي - الحركي للذكاء التطور المعرفي) إلى الذكاء التصوري، أي أن الطفل يصبح قادراً على تصور الأشياء داخلياً (عقلياً)، وبالتالي يصبح قادراً على حل المشكلات عبر التصور (معرفياً) فلقد تم اكتساب وسائل جديدة للحلول في المرحلة الخامسة عبر التجريب النشط وفي المرحلة السادسة يطور الطفل وسائل جديدة كذلك، بيد أنه ليس ثمة وجود للتجريب كما في المرحلة السابقة، إذ يتم التوصل إلى اختراع الوسيلة فجأة
ويوضح بياجية هذه النقطة قائلاً: بدلاً من أن يكون البحث مقيداً في كل مرحلة من هذه المراحل بالحقائق ذاتها، فإنه يكون تحت هيمنة المزاوجة العقلية، إذ أن الطفل، قبل المحاولة يستكشف أية مناورات (حلول) ستفشل أو أنها ستنتج، وفضلاً عن ذلك، فإن الطريقة التي يتصور الطفل أنها ستنجح هي جديدة بحد ذاتها، أي أنها ستنتج من مزاوجة عقلية أصيلة وليس من مزاوجة الحركات التي ينفذها في كل مرحلة من مراحل العملية
وهكذا يصبح الطفل قادراً على حل المشاكلات داخلياً، وتظل هذه القابلية بتطور عن سلوك حسي . حركي بالتدريج لمدة سنتين تقريباً، حيث يستطيع الطفل في هذه المرحلة أن يصل إلى حل المشكلات من دون اللجوء إلى التجريب أو بلا مساعدة من التجارب الحالية
الصفحة 92 :
ملخص المرحلة الحسية – الحركية :
إن الطفل في السنة الثانية من عمره مختلف من الناحية المعرفية عن الطفل عند الولادة، وقد عرضنا تصور بياجيه عن الطريقة التي يحصل فيها هذا التغير، فالطفل عند الولادة يقوم بالنشاط الانعكاسي فقط، وفي الشهر الثاني من عمره يقوم الرضيع ببعض التمييزات البدائية للأشياء في محيطه المباشر، وبين الشهر الرابع والثامن من العمر يحصل التنسيق بين الرؤية واللمس لأول مرة، حيث يمسك الطفل ما يراه (المرحلة الثالثة). وفي نهاية السنة الأولي من العمر يبدأ الطفل في ملاحظة ديمومة الأشياء وادراك أن الأشياء يمكن أن تسبب الأحداث إضافة إليه حيث يتم التنسيق بين مألوفين لحل مشكلات جديدة (المرحلة الرابعة). وفي بداية السنة الثانية، يحصل السلوك الذكي حقاً، حيث يطور الطفل وسائل جديدة لكل المشكلات من خلال التجريب، وبرى الطفل نفسه كذلك كشيء بين الأشياء (المرحلة الخامسة)، وفي نهاية السنة الثانية، يصبح الطفل قادرا على تصور الأشياء داخليا، وهذه المقدرة هي تحرر من الذكاء الحسي. الحركي، مما يتيح له اختراع وسائل جديدة لحل المشكلات من خلال النشاط العقلي.
إن التطور المعرفي في المرحلة الحسية - الحركية ينشأ حينما يلعب الطفل في بيئته، حيث حيث تعمل عملية تكييف وتنظيم التمثل والمواءمة من البداية مما يؤدي إلى تغير نوعي وكمى في المخططات وتتسم كل مرحلة جديدة بسلوك يعكس بني معرفية متفوقة نوعياً، وهكذا يمكن رؤية أن كل مرحلة جديدة من التطور تندمج في المراحل السابقة، هذا ما تلاحظه في تطور الذكاء خلال السنتين الأوليين من العمر، فالمراحل الجديدة لا تحل محل القديمة، بل أنها تحسنها فقط وبالطريقة نفسها فإن كل مرحلة من مراحل التطور تساعد في تفسير المراحل التي تليها، لذا فإنها تستمر طوال مسيرة التطور المعرفي، وأثناء تطور الطفل معرفيا ثمة تطور متزامن ومترابط في جميع المفاهيم، إذ أن المفاهيم لا تتطور بشكل منفصل أحدها عن الآخر.
وعند اكتمال تطور المرحلة الحسية الحركية لا يمكن أن يكون قبل السنة الثانية من العمر أو بعدها – يصل الطفل إلى نقطة التطور الفكري الضرورية التطور اللغة وغيرها من المهارات المعرفية الأخرى خلال الفترة الرئيسة التالية في التطور المعرفي أي فترة ما قبل اشتغال الذكر. ومن هذه النقطة فصاعدا سيحصل التطور الفكري للطفل بشكل رئيس في المرحلة التصورية الرمزية وليس في المرحلة الحسية الحركية، وهذا لا يعني انتهاء التطور الحسي - الحركي، بل أنها تعنى فقط أن التطور الفكري سيكون خاضعا للنشاط التصوري والرمزي وليس للنشاط الحركي
الصفحة 92 :
ثانياً : مرحلة ما قبل العمليات وتسمى أيضاً بمرحلة تفكير ما قبل الاجرائية ، وتمتد هذه المرحلة من الثانية وحتى السابعة من العمر.
ويرتقى الطفل في هذه المرحلة من فرد يعمل أساساً بصيغة حسية إلى فرد يعمل أساساً بصيغة مفاهيم رمزية (Conceptual – Symbolic) ، إذ يصبح الطفل قادراً أكثر فأكثر على التمثيل الداخلي للحوادث (التفكير)، ويصبح أقل اعتماداً على أفعاله الحسية - الحركية المباشرة في توجيه السلوك.
وسنتعرض في هذه المرحلة إلى أبرز الملامح والمصطلحات كما يلي:
اللغة:
إن الارتقاء الوحيد والأكثر أهمية خلال فترة ما قبل العمليات الاجرائية هو ارتقاء اللغة. حيث يبدأ الطفل عند السنة الثانية من العمر أكثر أو أقل بأشهر قليلة باستعمال الكلمات كرموز بدلاً من الأشياء المحسوسة، إذ تأتي كلها لتدل على شيء ما، ويستعمل الطفل في البداية الكلمة الجملة (بمعنى استخدام الطفل لكلمة واحدة لتعبر عن معنى جملة كاملة والسبب في ذلك أن الطفل لا يمتلك سوى عدد قليل من الكلمات في قاموسه اللغوي) . غير أن قدراته اللغوية تتوسع بسرعة، ويحلول السنة الرابعة من العمر يكون الطفل قد أتقن اللغة، إذ يكون قادراً على التكلم واستخدام معظم الأصول القواعدية، كما يستطيع أن يفهم كلام من يتحدث إليه إن هذه الارتقاء السريع للتمثل السريع للتمثل الرمزي (اللغة) هو عامل في تغير الارتقاء المفاهيمي (Conceptual) السريع الذي يحصل خلال هذه الفترة.
اللغة والتفكير:
إن العلاقة بين اللغة والتفكير هي علاقة مهمة جداً كما يبين بياجيه ويقول :
في الواقع يظهر الذكاء قبل اللغة بفترة طويلة، أي قبل التفكير الداخلي، الذي يفترض سلفاً استخدام الاشارات اللفظية (لغة داخلية: إن هذا الذكاء هو ذكاء عملي تماماً، يعتمد على
الصفحة 94 :
الاستخدام اليدوي للأشياء المحسوسة، فبدلاً من الكلمات والمفاهيم، تستخدم الأحاسيس والحركات التي تنظم في مخطط عملي . إن الامساك بعصا لسحب شيء بعيد هو عمل ينم عن ذكاء (ويحصل في مرحلة تطور متأخرة نسبياً تصل إلى حوالي الشهر الـ (18) من العمر).
فهنا يتم تنسيق أداة، وهي وسيلة للوصول إلى غاية، مع هدف محدد سلفاً .
ويؤكد بياجيه على أن ظهور السلوك اللفظي (اللغة) يزيد قوة التفكير من حيث المدى والسرعة ويعمل كعامل ميسر ليس إلا لارتقاء العمليات المعرفية، إذ أن ارتقاء اللغة يعتمد على الارتقاء السابق للعمليات الحسية - الحركية ، وهكذا فإن الارتقاء بالعمليات الحسية -الحركية يكون ضرورياً لإبقاء اللغة، وليس العكس وحين ترتقي اللغة، يكون هناك ارتقاء مواز في القدرات المفاهيمية
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 95 من البدف أعلاه)
الصفحة 95 :
سمات مرحلة ما قبل العمليات :
التمركز حول الذات :
يصف بياجيه سلوك وتفكير الطفل في هذه المرحلة بأنهما متمركزان حول الذات، بمعنى أن الطفل لا يتقبل دور أي شخص آخر أو رأيه، فهو يعتقد بأن كل فرد يفكر بالطريقة نفسها التي يفكر بها هو نتيجة لذلك، لا يشكك الطفل بأفكاره الخاصة مطلقاً، لأنها حسب اعتقاده هي الأفكار الممكنة الوحيدة، لذلك يجب أن تكون صحيحة.
إن الطفل في هذه المرحلة لا يتأمل أفكاره الخاصة، لذلك ليس ثمة ما يدعوه للتشكيك بصحة أفكاره حتى حين يرى شواهد تناقضها، ففي حالات كهذه، يستنتج الطفل المتمركز حول ذاته، أن الشواهد يجب أن تكون خاطئة، إذ أن أفكاره هو لا يمكن أن تكون خاطئة وهكذا يكون تفكير الطفل برأيه صحيحاً ومنطقياً جداً على الدوام.
ان تمركز الطفل هذا في الذات هو ليس تمركزاً مقصوداً، إذ أن الطفل يظل جاهلاً بتمركزه حول ذاته، وبالتالي لا يسعى لتصحيحه، ويتجلى التمركز حول الذات في جميع سلوكيات الطفل في هذه المرحلة ما قبل الاجرائية / العمليات)، وكما أكدنا سابقاً، فإن لغة الطفل الذي يتراوح عمره بين السنتين والست سنوات وسلوكه متمركزان حول الذات إلى حد كبير.
وبينما يميز التمركز حول الذات سلوك الطفل في فترة ما قبل الاجرائية، يجب أن لا يعتقد أن السلوك المتمركز حول الذات لا يحصل في فترات التطور الأخرى، فالطفل في المرحلة الحسية - الحركية متمركز حول ذاته كلياً عند الولادة بالمفهوم الحسي - الحركي : غير قادر على تمييز نفسه عن بقية الأشياء، ويستمر في ذلك طوال السنتين الأوليين من حياته وحين يستمر التطور يتضاءل التمركز حول الذات ببط لحين تجدده أي التمركز حول الذات عند اكتساب بني معرفية جديدة .
وهكذا نرى أن التمركز حول الذات هو خصيصة تطفى على التفكير بطريقة ما في جميع مراحل الارتقاء والتطور.
إن الارتقاء المعرفي يكون محدوداً في هذه المرحلة. ويعمل التمركز حول الذات على كف عملية المواسمة، كما يعمل
على المحافظة على الوضع البنيوي الراهن، إذ يوجد ثمة اتجاه نحو.
الصفحة 96 :
التمثل بدلاً من المواسة، وحيث أن الطفل لا يشكك بأفكاره، فإن هنالك احتمالاً ضعيفاً في أن تتغير المخططات من خلال المواسعة، وفي حين يكون التمركز حول الذات مقيداً للارتقاء المعرفي خلال مرحلة ما قبل الاجرائية من جهة، فإنه من جهة أخرى يكون أساسياً وجزء طبيعياً من المرحلة، ومن الاستخدام الأولى لأية خصيصة معرفية مكتسبة حديثة.
التبدل:
هناك خاصية أخرى من خصائص تفكير الطفل في مرحلة ما قبل الاجرائية، هي عدم قدرته على ملاحظة التبدلات التغيرات ، فالطفل، حين ينظر إلى سلسلة من التغيرات أو الحالات المتعاقبة، يركز كلياً على عناصر السلسلة (الحالات المتعاقبة)، وليس على التبدل أو التغير الذي من خلاله تتغير الحالة إلى حالة أخرى أنه لا يركز على عملية التحول من حالة أصلية إلى حالة نهائية، بل يقيد انتباهه الحالة الجديدة حين تحدث، كما أنه ينتقل من حادثة مدركة معينة إلى حادثة أخرى، لكنه لا يستطيع أن يربط سلسلة من الحوادث بصورة تكاملية من حيث العلاقة بين البداية والنهاية، فتفكيره ليس استقرائياً ولا استنتاجياً، بل تحويلياً (Transductive).
فإذا تم الإمساك بشكل عامودي كما في الشكل رقم (1)، وترك ليسقط، فإنه يمر من حالة أصلية (عامودية) إلى حالة نهائية (أفقية)، عبر سلسلة من الحالات المتعاقبة. إن الأطفال في مرحلة ما قبل الاجرائية، بعد رؤيتهم سقوط القلم، لا يستطيعون ملاحظة بناء التبدل وأعادته، إذ أنهم في العادة لا يدركون سوى الوضعين الأولي والنهائي اللذين اتخذهما القلم.
(شكل رقم ( 1) يبين خاصية التبديل في المرحلة ما قبل الاجرائية) .
الصفحة 97 :
إن عدم قدرة الطفل في مرحلة ما قبل الاجرائية على متابعة التبدلات (التغيرات)، يكف ارتقاء المنطق في تفكيره، حيث أن الطفل يجهل العلاقة بين الحوادث وما يعنيه كل ذلك. إذن مقارنته أو ربطه بين الحالات أو الحوادث هي عملية ناقصة على الدوام.
التركيز:
ثمة خاصية أخرى من خصائص التفكير في المرحلة ما قبل الاجرائية، هي ما يسميه بياجية" التركيز. فحينما يواجه الطفل مثيراً بصرياً، فإنه يميل إلى تركيز أو تثبيت انتباهه على الخاصية المدركة الحسية للمثير، ويبدو الطفل غير قادر على استكشاف جميع جوانب المنبه أو على توسيع معانيه البصرية. ونتيجة لذلك، فإن الطفل حين يركز على حادثة ما يميل إلى تمثل الملامح السطحية منها فقط، ويبدو أن الملامح المدركة هي التي تهيمن على كل النشاطات المعرفية في هذه المرحلة، فالتقييمات المدركة تطغى على التقييم المعرفي عند طفل ما قبل الاجرائية بنفس الشكل الذي سادت فيه الأفعال الآتية للطفل. في المرحلة الحسية -الحركية.
فلو طلب من طفل المقارنة بين صفين من الأشياء المتشابهة بحيث يحتوي أحد الصفين على تسعة أشياء (أنظر شكل رقم (2)) ويحتوي الآخر، وهو الأطول على سبعة أشياء، تم تفريقها بشكل أطول، فإن الطفل ذا الأربع أو الخمس سنوات سيختار بادراكه الحسي الصف الأطول على أنه يحتوي على أشياء أكثر». وهذا ما يحصل حتى حينما يعرف الطفل معرفة تامة بأن التسعة أكثر من السبعة، فالتقييم المدرك الحسي يتغلب على التقييم المعرفي. إذ يميل الطفل إلى التركيز على الملامح المدركة من الأشياء، وبمرور الوقت والخبرة، يصبح الطفل قادراً على توسيع تركيزه وتقييم الحوادث التي كان يدركها حسياً بطريقة معرفية منسقة، وبعد مضي ست أو سبع سنوات يصل الطفل إلى المستوى الذي تتخذ المعارف فيه مكانها اللائق ازاء المدركات الحسية في التفكير.
الصفحة 98 :
شكل رقم (2) يبين
خاصية التركيز عند الطفل في المرحلة ما قبل الاجرائية
السبب في جواب الطفل أنه يدرك الصفات العامة للمثيرات ولا يركز على محتوياتها
(انظر الصورة 1 الصفحة 99 من نسخة البدف اعلاه)
المعكوسة:
تعد المعكوسية أكثر الخواص وضوحاً في ذكاء هذه المرحلة، واستناداً إلى بياجيه فلو كان الفكر ذا قدرة على المعكوسية لكان قادراً على تتبع خط التفكير رجوعاً إلى النقطة التي بدأ منها . لقد تم وضع صفين متساويي الطول متكونين من ثماني قطع نقدية أمام طفل ذي فكر غير قادر على المعكوسية (أنظر الشكل رقم (3)). فأكد الطفل على أن كل صف يحتوي على نفس العدد من القطع النقدية، وهذا صحيح، ولكن حين تم تطويل أحد الصفين، لم يعد الطفل موافقاً على أن هناك نفس العدد من القطع النقدية في كل صف.
إن جزء من مشكلة الطفل هي أنه لا يستطيع أن يعكس فعل التطويل، لأنه لا يستطيع الاستمرار باعتقاده بتساوي العدد عند مواجهته لتغير مدرك، وحين تصبح الأفعال قابلة للعكس، حينها فقط، سيكون الطفل قادراً على حل مثل هذه المسائل، ويمكن أن نرى عدم القدرة على قلب العمليات في جميع الأنشطة المعرفية للطفل في مرحلة ما قبل الاجرائية.
شكل رقم (3) يبين خاصية المعكوسية عند الطفل في المرحلة ما قبل العمليات.
(أنظر الوثيقة 2 الصفحة 99 من نسخة البدف اعلاه)
الصفحة 99 :
(انظر الوثيقة الصفحة 100من نسخة البدف اعلاه)
السؤال هل يحتويان على نفس العدد من القطع ؟
الطفل: نعم
السؤال هل يحتويان على نفس العدد من القطع
الطفل لا - الصف الثاني أكثر
ان مفاهيم بياجيه" عن التمركز حول الذات، والتركيز والتبدل، والمعكوسية مرتبطة مع بعضها البعض بشكل دقيق، كما أن كل منها يهيمن على التفكير في الفترة الأولى من المرحلة ما قبل الاجرائية، ومع استمرار الارتقاء المعرفي، تضعف حدة هذه الخصائص بالتدريج. فالضعف في التمركز حول الذات يتيح للطفل أن يوسع تركيزه وأن ينتبه إلى التبدلات البسيطة، وكل هذا بدوره يجعل التفكير قادرا على العكس أكثر من ذي قبل..
: الإحتفاظ
تعمل خصائص المرحلة ما قبل الاجرائية التي تم وصف وظيفتها كمعوقات للتفكير المنطقي، ومع ذلك فإنها ضرورية لارتقاء الفكر المنطقي، كما أنها تحدث بشكل طبيعي، ويمكن رؤية هذه السمات والخصائص بوضوح شديد، فيما أصبح يطلق عليه بمشاكل الا وتتغير.
والاحتفاظ هو عملية تكوين مفهوم، وهذا المفهوم يبقى على حاله بالرغم من أن مقداره أو كميته قد تتبدل وتتغير.
لو كان لدينا صفان من ثماني قطع نقدية، وقمنا بابعاد القطع النقدية عن بعضها بشكل أكبر في أحد الصفين، فإنه سيكون لدينا مع ذلك ثماني قطع نقدية، وبمعنى آخر، إن عدد القطع النقدية لا يتغير حين يتم تغيير بعد آخر لا علاقة له بالموضوع ( في هذا المثال، طول الصف). إن التعرف على ثبات العدد يعني القدرة على الاحتفاظ بالعدد، وارتقاء مخططات مطابقة فيما يعني الافتقار إلى هذا من نقص في حفظ العدد، وعدم ارتقاء مخططات مطابقة.
الصفحة 100 :
وبذلك فإن هذا المستوى من القدرة على الاحتفاظ، هو مقياس لنوع البنى الذهنية التي ارتقت لدى الطفل
ويوجه عام، فإن الأطفال في المرحلة ما قبل الاجرائية لا يستطيعون الاحتفاظ، أي أنهم لا يستطيعون إستيعاب فكرة عدم حصول تغير في بعد ما، حين يواجهون تغيرات في الأبعاد الأخرى ولكن في نهاية المرحلة ما قبل الاجرائية السنة السابعة من العمر تكون بعض البنى الهيكلية . للحفظ قد ارتقت عادة
ملخص المرحلة ما قبل الإجرائية :
إن تفكير الطفل في المرحلة ما قبل الاجرائية يمثل تقدما نوعيا على تفكيره الحسني الحركي حيث أن تفكيره ثم يعد محدودا بصورة رئيسة بالأفعال المدركة والحركية الحاضرة حيث انه يصبح تفكيرا تصويريا (رمزيا) حقا، بتتابع سلوكي يمكن أن يدور في الرأس بدلا من أن تدور بشكل أفعال جسمية حقيقية.
وتتميز المرحلة ما قبل الاجرائية ببعض المكاسب، حيث يتم اكتساب اللغة بسرعة في ما بين الثانية والرابعة من العمر ويكون السلوك في الجزء الأول من هذه المرحلة متمركزاً حول الذات ولا اجتماعياً إلى حد كبير، ولكن مع تقدم هذه المرحلة تصبح هذه السمات أقل بروزاً، ويحلول العام. السادس أو السابع من العمر تصبح أحاديث الأطفال اتصالية واجتماعية إلى حد واسع .
وبينما يكون التفكير في المرحلة ما قبل الاجرائية حالة متقدمة على التفكير الحسي - الحركي فإنه يكون محدودا من أوجه عديدة، إذ يكون الطفل غير قادر على قلب العمليات ولا يستطيع. تتبع التبدلات... إن هذه الخصائص تجعل التفكير بطينا ومحدودا.
وفي أثناء هذه المرحلة، يكون التفكير لا يزال واقعا إلى حد كبير تحت سيطرة المباشرة الادراكية الحسية، كما شاهدنا في عدم قدرة الطفل على حل مسائل الاحتفاظ.
ولا يتوقف الارتقاء المعرفي من الثانية إلى السابعة من العمر بل أنه يسير بإضطراد سوية مع التمثيل والمواءمة اللذين يقضيان إلى تطور مستمر في ماكنة معرفية جديدة ومحسنة. المخططات. إن سلوك طفل ما قبل الاجرائية يكون في البداية مشابها لسلوك الطفل في الفترة الحسية - الحركية، ولكن بحلول العام السابع يكون هنالك القليل من الشبه بين الاثنين .
الصفحة 101 :
ثالثاً : مرحلة العمليات المادية (العيانية) :
وتسمى أيضاً بمرحلة العمليات المحسوسة وتمتد من السابعة وحتى الحادية عشرة من العمر. تصبح عمليات التفكير لدى الطفل منطقية خلال مرحلة العمليات العيانية أو المحسوسة ، أي أن الطفل يطور تلك العمليات الفكرية المنطقية التي يمكن تطبيقها في حل المسائل العيانية، وعلى عكس طفل ما قبل العمليات العقلية، لا يواجه طفل العمليات العيانية آية صعوبة في حل مسائل الحفظ عند مواجهته لأي تناقض بين الفكر والادراك، كما في الاحتفاظ، بل يقوم طفل العمليات العيانية بصنع قرارات معرفية ومنطقية بما يتناقض والقرارات المدركة الحسية، ولا يعود طفل العمليات العيانية أسيراً للإدراك الحسي، إذ أنه يصبح قادراً بين السابعة والحادية عشرة على القيام بجميع تلك العمليات المعرفية التي كانت تحد من النشاط الفكري لطفل ما قبل العمليات العقلية، فهو يوسع مداركه الحسية وينتبه إلى التبدلات والأكثر أهمية من ذلك هو أن طفل العمليات العيانية يكتسب قدرة على المعكوسية للعمليات أي البدء من النهاية والعودة إلى البداية، إضافة إلى نشوء تواصل تعاوني غير متمركز حول الذات، حيث يصبح الطفل لأول مرة شخصاً اجتماعياً حقاً.
إن نوعية التفكير في مرحلة العمليات العيانية تفوق نوعية التفكير في ما قبل الاجرائية حيث تظهر المخططات اللازمة للتسلسل والتصنيف (Seriation and Classification). كما تنشأ مفاهيم محسنة عن السببية والمكان والزمان والسرعة. ويكتسب طفل العمليات العيانية مستوى من النشاط الفكري يفوق في جميع المجالات مستوى النشاط الفكري لطفل ما قبل الاجرائية، وبينما يطور طفل العمليات العيانية استخداماً وظيفياً للمنطق لا يشاهد في سلوك الأطفال الأصغر سناً منه، فإنه لا يكتسب المستوى الأعلى من استخدام العمليات المنطقية.
إن مصطلح العيادية (الوارد في العمليات العيانية أو المحسوسة)، هنا ذو دلالة إذ بينما يطور الطفل بوضوح عمليات منطقية، تكون هذه العمليات ( المعكوسية والتصنيف... الخ) مفيدة له فقط في حل المسائل التي تتضمن أشياء وحوادث (عيانية ومشاهدة)، إذ لا يستطيع الطفل بعد في معظم الأحيان أن يستخدم المنطق في حل مسائل افتراضية أو لفظية بحتة
الصفحة 102 :
فإذا تم تقديم مسألة لفظية بحتة لطفل العمليات العيانية، فإنه يكون غير قادر على حلها بالشكل الصحيح، ولكن إذا تم تقديم المسألة نفسها على شكل أشياء حقيقية، فإن الطفل يستطيع أن يستخدم عملياته المنطقية ويحل المسألة.
وهكذا يمكن أن ينظر إلى فترة العمليات العيانية على أنها تلك الفترة الانتقالية بين التفكير المنطقي ما قبل الاجرائية)، وفترة التفكير المنطقي الكامل للطفل الأكبر.
كيف يختلف تفكير العمليات العيانية عن تفكير ما قبل الاجرائية؟
إن تفكير الطفل في مرحلة ما قبل الاجرائية يتسم بالتمركز حول الذات وعدم القدرة على متابعة التبدلات وعدم القدرة على عكس العمليات وتتجلى معوقات التفكير المنطقي هذه في عدم قدرة طفل ما قبل الاجرائية على حل مسائل الاحتفاظ، وعلى العكس من ذلك يكون تفكير العمليات العيانية متحرراً في جميع الخصائص التي تهيمن على تفكير ما قبل الاجرائية، حيث يستطيع طفل العمليات العيانية أن يحل مسائل الاحتفاظ، كما أن تفكيره يكون أقل تمركزاً حول الذات. ويستطيع الطفل أن يوسع مداركه الحسية ويتبع التبدلات، والأكثر أهمية من ذلك هو أنه يستطيع أن يعكس العمليات.
وستتم مناقشة هذه الخصائص بالتفصيل كما يلي :
التمركز حول الذات والتنشئة الاجتماعية :
يهيمن التمركز حول الذات على تفكير طفل ما قبل الاجرائية، ويتجلى هذا التمركز حول الذات في عدم قدرة الطفل على قبول وجهة نظر الآخرين، وافتقاره إلى الحاجة إلى السعي للتحقق من صدق أفكاره، في حين أن تفكير طفل العمليات العيانية غير متمركز حول الذات إذ أن الطفل يعرف أن الآخرين يمكن أن يتوصلوا إلى استنتاجات تختلف عن استنتاجاته وتبعاً لذلك، فإنه يسعى إلى التحقق من صدق أفكاره، وفي هذا الصدد يكون طفل العمليات العيانية متحرراً من التمركز حول الذات الذي يسود المرحلة السابقة. إن التحرر من التمركز حول الذات، استناداً إلى بياجية"، يحدث أساساً من خلال التفاعل الاجتماعي مع الأقران. فخلال التفاعل الاجتماعي مع الأقران يضطر الطفل إلى السعي إلى التحقق من صحة أفكاره، وفي هذا الصدد يقول "بياجية "
الصفحة 103 :
ما الذي يدعو إذن إلى بروز الحاجة إلى التحقق من صحة الأفكار؟ بالتأكيد أنها الصدمة التي تتلقاها أفكارنا عند اتصالها بأفكار الآخرين، والتي تولد الشك والرغبة في التحقق. إن الحاجة الاجتماعية المشاركة الآخرين أفكارهم وتوصيل أفكارنا بنجاح هي أساس حاجتنا للتحقق من صحة أفكارنا، والدليل على صحة الأفكار هو حاصل المناقشة، فالمناقشة اذن العمود الفقري لعملية التحقق.
ولا يظهر طفل العمليات العيانية تمركزاً فكرياً حول الذات، (وهي خاصية طفل ما قبل الاجرائية)، إذ أن استخدامه للغة في هذه الفترة يصبح تواصلياً في الوظيفة. ومن خلال التفاعل الاجتماعي تثبت صحة المفاهيم أو خطؤها، وكما قلنا من قبل، إن التنشئة الاجتماعية للسلوك هي عملية مستمرة تبدأ من أيام الطفولة الأولى بالمحاكاة البسيطة، والسلوك الاجتماعي، بطبيعته، هو شكل مهم من أشكال المواحة، كالنظر إلى شيء ما من خلال وجهة نظر أخرى، فالتشكيك في التفكير الشخصي نفسه، والسعي إلى التحقق من صدق الآخرين هي بالأساس من أنشطة المواحة.
يتسم تفكير ما قبل الاجرائية بالتركيز، إذ يميل ادراكه للحوادث إلى التركيز على خاصية مدركة واحدة من خواص المثير (الخبرة)، دون أن يأخذ في الاعتبار جميع الأوجه الظاهرة من المثير (الخبرة). وهكذا يميل أطفال ما قبل الاجرائية في مسألة الاحتفاظ بالعدد إلى التركيز على طول شكل المثير. في حين أن تفكير طفل العمليات العيانية لا يتسم بالتركيز، إذ يصبح التفكير العياني واسع الاهتمام أخذاً في اعتباره جميع الأوجه البارزة من الأشياء.
إن توسع الاهتمام هو أحد القدرات التي نجدها في التفكير العياني والتي تتيح الاحتفاظ عند الأطفال.
لم يكن طفل ما قبل الإجرائية قادراً على الربط والتركيز على الخطوات المتتالية في عملية التبدل. إذ كان يتم النظر إلى كل خطوة من خطوات عملية التبدل على أنها مستقلة عن الخطوة التالية لها، ولم يكن هناك ثمة وعي أو انتباه للتسلسل الذي تنطوي عليه عملية التبدل.
الصفحة 104 :
في حين يكتسب طفل العمليات العيانية فهما وظيفياً للتبدلات، إذ أنه يستطيع أن يحل المسائل المنطوية على تبدلات، كما أنه يعي ويفهم العلاقة بين المراحل المتعاقب.
:المعكوسية -
يفتقر التفكير خلال فترة ما قبل الاجرائية إلى القدرة على عكس العمليات (المعكوسية). في حين أن التفكير في مرحلة العمليات العيانية قادر على ذلك، ويمكن رؤية الاختلاف بين هذين المستويين من التفكير في المثال التالي
تعرض على الطفل ثلاث كرات متساوية الحجم، ومختلفة الألوان (أ ، ب ، جـ)، حيث توضع الكرات في أسطوانة بتسلسل هو (أ) ، و ثم (ب) ، ثم (ج) (أ)
إن طفل ما قبل الاجرائية يتوقع بشكل صحيح أن الكرات ستخرج من أسفل الأسطوانة بالتسلسل (أ ب ، ج) نفسه ولو، وضعنا الكرات ثانية في الأسطوانة بالتسلسل نفسه، وقمنا بتدوير الأسطوانة (180) درجة لاستمر طفل ما قبل الاجرائية بتوقع أن الكرات ستخرج من الأنبوب أو الأسطوانة بنفس التسلسل السابق (أ ، ب ، ج). وسيندهش حين تخرج بتسلسل .
إن هذا هو مثال واحد على عدم قدرة طفل ما قبل الاجرائية على عكس العمليات، في حين أن طفل العمليات العيانية لا يعاني من المشكلة هذه، حيث أنه يستطيع أن يقلب المقلوب يعكس العكس، ويخرج بالاستنتاج الصحيح، وبهذا فإن التفكير العياني هو تفكير قادر على العكس .
: الإحتفاظ-
إن السمة المميزة لتفكير الطفل في فترة ما قبل الاجرائية هي عدم قدرته على الاحتفاظ ولكن عند اكتساب العمليات العيانية تبرز لدى الفرد القدرة على حل مسائل الاحتفاظ، إذ أن هذه القدرات ذات صلة باتساع اهتمام الطفل وقدرته على متابعة التبدلات وعكس العمليات وهي وسائل حاسمة في تطوير مهارات الاحتفاظ، حيث يصبح الطفل قادراً على حل مسائل الاحتفاظ بالعدد عند سن السادسة أو السابعة تقريباً، ويتم حل مسائل الاحتفاظ بالمساحة والكتلة عادة في سن السابعة أو الثامنة، في حين لا تحل مسائل الاحتفاظ بالحجم (قياس الماء).
الصفحة 105 :
المزاح حين يغمر جسم ما الماء بشكل صحيح إلا بحلول السنة الحادية عشرة أو الثانية عشرة من العمر
العمليات المنطقية :
إن أهم التطورات من الناحية المعرفية، في فترة العمليات العيانية هو اكتساب العمليات المنطقية، ويقصد بالعمليات المنطقية تلك الأفعال المعرفية الداخلية التي تسمح للطفل الوصول إلى استنتاجات منطقية، ويوجه هذه الأفعال النشاط المعرفي بدلاً من أن تهيمن عليها المدارك الحسية وأن العمليات المنطقية، مثل كل البنى المعرفية، تتطور عن البنى السابقة، كنتيجة من نتائج التمثل والمواسعة، والعمليات المنطقية هي وسائل لتنظيم الخبرة السابقة (المخططات) تتطور عن التنظيمات السابقة.
واستناداً إلى "بياجيه"، فلكل عملية منطقية على الدوام أربع خصائص :
التسلسل:
التسلسل عملية معرفية تكتسب خلال فترة العمليات العياني، وتعني القدرة على سلسلة العناصر عقلياً حسب ازدياد أو تناقص الحجم.
فلو عرضنا على طفل ما قبل الاجرائية قبل سن السادسة أو السابعة قضيبين مختلفي الطول قليلاً (أ) ، ب)، لاستطاع الطفل أن يقارن بينهما ويقرر بصرياً أن (أ) أقصر من (ب) وحين نعرض عليه القضيبين (ب) ، (جـ) (حيث يكون (ب) أقصر من (ج) ، ونخفي القضيب عن رؤيته، فإنه يستطيع ثانية أن يحدد بصرياً أن (ب) أصغر من (ج)، ولكن لو طلبنا منه أن يقارن
الصفحة 106 :
القضيب (أ) بالقضيب (ج) في الوقت الذي يكون فيه (أ) ما يزال مخباً، فإنه لا يستطيع أن يخرج بالاستنتاج المناسب وهو لما كان (أ) أصغر من (ب) ، و (ب) أصغر من (ج). إذن (أ) أصغر من (ج) فالطفل يطلب على العموم أن يرى القضيبين (أ) ، و (ج) لكي يستطيع المقارنة بينهما. وتوضح مثل هذه الاجابات أن طفل ما قبل الاجرائية لا يستطيع أن ينشىء المقياس العقلي اللازم لوضع الأشياء أو الحوادث بالتسلسل
إن تعلم التسلسل، مثل تعلم الاحتفاظ، يحصل عموماً عند أعمار مختلفة وبتتابع ثابت فالطفل يتعلم أولاً التسلسل حسب الطول عند السنة السابعة من العمر، أي في بداية مرحلة العمليات العيانية - كما في المسألة أعلاه -. في حين يتم عادة تعلم التسلسل حسب الوزن تسلسل الأشياء ذات الطول الواحد والوزن المختلف عند السنة التاسعة تقريباً. أما التسلسل حسب الحجم فإنه لا يكتسب إلا بحلول السنة الثانية عشرة من العمر تقريباً.
وكما نرى فإن القدرة على ترتيب أو سلسلة الأشياء والحوادث حسب بعد معين (الطول والوزن والحجم) تحصل عند حوالي الزمن نفسه الذي تظهر فيه مهارات الاحتفاظ الخاصة بنفس البعد.
التصنيف:
التصنيف هو إحدى العمليات المنطقية التي تصبح ذات فعالية خلال مرحلة العمليات العيانية، فقبل هذه المرحلة يواجه الأطفال مشكلات معينة في تصنيف الأشياء والحوادث وربطها مع بعضها البعض.
ويوضح المثال التالي المأخوذ عن بياجية، تطور العمليات التي تنطوي على مقارنة للأصناف
يعرض على الطفل صندوق يحتوي على (20) قطعة خشبية (18) قطعة منها خضراء اللون، والقطعتين الآخريان بيضاوان، ويطلب من الطفل أن يتفحص القطع، ويضع الخضراء منها في صندوق منفصل، وإذا ما تم انجاز هذه العملية بشكل صحيح، فإن هذا يبين أن الطفل يمتلك التصنيف اللون الأخضر وتستخدم نفس الطريقة المعرفة مقدرة الطفل على التصنيف بالاستناد إلى اللون الأبيض ، وكذلك خشبي.
الصفحة 107 :
إن معظم الأطفال يستطيعون أن يقوموا بهذه التصنيفات البسيطة عند السنة الرابعة من العمر والشكل التالي يوضح هذه التجربة.
شكل رقم (4) يبين
قدرة طفل ما قبل الاجرائية على التصنيف وفق بعد واحد
(انظر الوثيقة الموجودة في الصفحة 108 من البدف اعلاه)
وحالما يتم تحديد أصناف الأخضر والأبيض والخشبي، يسأل الطفل، هل القطع الخشبية أكثر أم القطع الخضراء، في المرحلة ما قبل الاجرائية، يجيب معظم الأطفال بأن هنالك قطع خضراء أكثر من القطع الخشبية، في حين أنه في مرحلة العمليات العيانية، يجيب معظم الأطفال بأن هناك قطع خشبية أكثر من القطع الخضراء.
الصفحة 108 :
إن طفل العمليات العيانية يستطيع أن يأخذ في الاعتبار نوعين من الأصناف في أن واحد (أي أكثر من بعد واحد في التصنيف)، فهو يستطيع أداء زيادة الأصناف، كما يستطيع أن يعكس العملية، ويبدو طفل ما قبل الاجرائية قادراً على تصنيف القطع بالاستناد إلى بعد واحد فقط في المرة الواحدة، حيث أنه لا يستطيع مقارنة القطع باعتبارها خشبية وبيضاء في الوقت نفسه، أو باعتبارها خشبية وخضراء في أن واحد. فهنا فرق حسي واضح بين القطع في المسألة. لذا يقوم طفل ما قبل الاجرائية بالاجابة الحسية، فكما في مسائل الاحتفاظ يركز طفل ما قبل الاجرائية على بعد واحد هو اللون)، ويهمل الخصائص الخشبية المشتركة في جميع القطع
: السبية
تتطور مفاهيم الأطفال عن السببية كتطور المفاهيم الأخرى، وقد استدل بياجييه على تطور مفهوم السببية عند طفل هذه المرحلة من خلال المسألة التالية
لقد سألنا مرة أطفالاً تتراوح أعمارهم بين السنة الخامسة والثانية عشرة عما يحدث بعد اذابة قطع صغيرة من السكر في كوب من الماء، فأجاب الأطفال الذين تصل أعمارهم إلى حوالي سبع سنوات أن السكر المذاب يختفي ويزول طعمه مثل أي عطر، في حين أجاب الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السابعة والثامنة أن مادة السكر تبقى ولكن من دون أن يكون لها وزن أو حجم أما أطفال التاسعة أو العاشرة من العمر، فإن المحافظة على الوزن يكون موجوداً لديهم، في حين نجد فيما بعد الحادية عشرة أو الثانية عشرة من العمر، أن هنالك أيضاً حفظاً للحجم الذي يمكن التعرف عليه واقعياً عندما نلتفت إلى أن مستوى الماء الذي يرتفع قليلاً حين تتم زيادة قطع السكر. انظر الشكل الآتي
الصفحة 109 :
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 110 من البدف أعلاه)
ملخص مرحلة العمليات المادية ( العيانية ) :
تعتبر مرحلة العمليات العيانية مرحلة انتقالية بين مرحلة ما قبل الاجرائية، والتفكير الشكلي
المنطقي (المرحلة اللاحقة)، وخلال هذه المرحلة يكتسب الطفل قدرة على استخدام العمليات المنطقية لأول مرة، إذ لا يعود التفكير خاضعا للمدارك الحسية، بل يكون الطفل قادرا على حل المسائل العيانية منطقيا
إن طفل العمليات العيانية لا يكون متمركزاً حول الذات في تفكيره حيث أنه يستمع إلى آراء الآخرين وتكون لغته اجتماعية وتواصلية، كما أنه يستطيع أن يوسع مداركة الحسية وينتبه إلى التبدلات، وتنعكس خصائص التفكير الجديد هذه، في قدرة الطفل على حل مسائل الاحتفاظ
الصفحة 110 :
التي لم يكن قادرا في السابق على حلها، وتعتبر القدرة على المعكوسية كسباً جديداً، إذ أنها من الأساسيات الجوهرية لكل العمليات، كما تتطور عمليتان أخريان أثناء هذه المرحلة هما التسلسل والتصنيف، ووجدنا أن التفكير العياني متفوقاً بوضوح على تفكير ما قبل الاجرائية، إلا أنه يظل ناقصاً عن تفكير الطفل الأكبر سنا (طفل ما بعد سن الحادية عشرة )والثانية عشرة، حيث يستطيع طفل العمليات العيانية أن يستخدم عمليات منطقية في حل مسائل تتضمن أشياء وحوادث عيانية ، إلا أنه لا يستطيع حل المسائل العرضية، واللفظية أو اللغوية تماماً، أو بعض المسائل التي تحتاج إلى عمليات معرفية أكثر تعقيداً، حيث لا يكتمل تطور البنى المعرفية إلا عند اكتساب التفكير الشكلي
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 111 من نسخة البدف أعلاه)
:The Stage of Formal Operations رابعاً: مرحلة العمليات الشكلية
وتسمى أيضاً بمرحلة العمليات العقلية / الصورية / المنطقية، أو مرحلة التفكير المجرد ويطور الطفل، خلال مرحلة العمليات الشكلية بين الحادية عشرة والخامسة عشرة تقريباً. القابلية على حل جميع أنواع المسائل التي يمكن حلها باستخدام عمليات منطقية، واستناداً إلى بياجيه"، فإن بني الطفل المعرفية تصل إلى النضج خلال هذه المرحلة، أي أن قدرات الطفل الخاصة بنوعية التفكير( مقارنة بقدرات تفكير الرجل )البالغ تصل إلى ذروتها عند اكتسابه العمليات الشكلية فبعد هذه المرحلة لن تكون ثمة تحسينات بنيوية أخرى في الجهاز المعرفي (المخططات). إذ أن المراهق ذا العمليات الشكلية يمتلك بوجه عام، بناء معرفياً يتيح له
الصفحة 111 :
التفكير كالراشدين، وهذا لا يعني أن تفكير المراهق الشكلي هو بالضرورة بنفس جودة تفكير الراشد في جميع الحالات، بل أنه يفيد فقط بأن اكتساب العمليات الشكلية يعني أن مقدرة جديدة قد حصلت.
إن التمثل والمواءمة يستمران طوال الحياة ليؤديا إلى تغيرات في المخططات، غير أن التغيرات في قدرات التفكير من نهاية مرحلة العمليات الشكلية تكون تغيرات كمية لا نوعية فيما يخص العمليات المنطقية والبنى المعرفية، فبنى الذكاء لا تتحسن بعد هذه الفترة، لكن محتوى وظيفة الذكاء قد يتحسنان. كيف تختلف العمليات الشكلية عن العمليات العيانية
1 – إن التفكير الشكلي والتفكير العياني من الناحية الوظيفية، هما شيء واحد، إذ يستخدم كل منهما عمليات منطقية، لكن الاختلاف الرئيس بين هذين النوعين من التفكير هو في المدى الأوسع في تطبيق العمليات المنطقية المتيسرة للطفل ذي التفكير الشكلي فالتفكير العياني يكون محدداً بحل المسائل الملموسة الماثلة للعيان، حيث أن اطفال العمليات العيانية لايستطيعون التعامل مع المسائل اللغوية أو اللفظية المعقدة، أو المسائل الفرضية، أو تلك التي تنطوي على المستقبل، لهذا فإن طفل العمليات العيانية لا يكون متحرراً بشكل كامل من تأثيرات مداركه الحسية، وعلى النقيض منه يستطيع طفل العمليات الشكلية أن يتعامل مع جميع أنواع المسائل الحالية والماضية والمستقبلية والفرضية واللفظية اللغوية ... وهكذا فإن طفل العمليات الشكلية متحرر من محتوى المسائل.
2 – إن طفل العمليات العيانية يجب أن يتعامل مع كل مسألة على حدة، فالعمليات ليست متناسقة، ولا يستطيع الطفل أن يوحد حلوله من خلال نظرية عامة، في حين يستطيع الطفل ذو العمليات الشكلية أن يستخدم النظريات في حل الكثير من المسائل بطريقة متكاملة، كما يمكن تطبيق العديد من العمليات في حل مسألة واحدة.
3 – بالاضافة إلى ذلك، تقسم العمليات الشكلية بالتفكير العلمي، وبناء الفرضيات، وهي تعكس فهماً حقيقياً للسببية، ويستطيع الطفل الأول مرة أن يتعامل مع منطوق مسألة ما
الصفحة 112 :
مستقل عن محتواها، فهو يعرف بأن الاستنتاجات المشتقة منطقياً مستقلة تماماً عن الحقيقة الواقعية. وهكذا ففي الوقت الذي يمتلك فيه التفكير العياني والتفكير الشكلي الكثير من المبادى المشتركة، فإنهما مختلفان بصورة واضحة، حيث يفتقر الطفل العياني إلى مدى تفكير نظيره الأكبر منه سناً .
خصائص العمليات الشكلية :
يتطور التفكير الشكلي عن العمليات العيانية بالطريقة نفسها التي يندمج ويحور فيها كل مستوى جديد من التفكير الحسي للمستوي السابق، ويكون الطفل، أثناء مرحلة العمليات الشكلية قادراً على تنظيم المعلومات والتفسير العلمي وتوليد الفرضيات بشكل أفضل.
هذا ويمكن رؤية خصائص التفكير هذه في عدد من المسائل التي تحل بسهولة بالعمليات العقلية الشكلية والتي يتعذر حلها بالعمليات العيانية، وهذه المسائل هي تلك التي تنطوي على تفكير توليفي ومسائل لغوية أو لفظية معقدة، ومسائل فرضية والتناسب والمحافظة على الحركة، وفيما يلي أمثلة على كل منها :
التفكير التوليفي:
يصف بياجية" الفرق بين التفكير العياني والشكلي في المسألة التالية التي تنطوي على تفكير توليفي، تقدم للطفل خمس قناني تحتوي سوائل عديمة اللون، يؤدي مرج ثلاثة سوائل منها (القناني : 1 ، 3 ، 5) إلى إنتاج لون أصفر، في حين تحتوي القنينتان الآخريان على الماء فقط، ثم نري الطفل السائل الأصفر الذي أنتجناه من دون أن نجعله يرى كيف حصلنا عليه.. وحين يطلب من الأطفال أن ينتجوا اللون الأصفر، يبدأ أولئك الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السابعة والحادية عشرة – بوجه عام – بخلط سائلين في كل محاولة، وبعد خلط كل سائلين بلا نجاح تتوقف طبيعة بحثهم المنتظمة، وقد يقومون بمزج السوائل الخمسة سوية وهو ما لا ينتج لوناً أصفراً بالطبع، في حين أن أطفال ما بعد سن الثانية عشرة – عموماً -يقومون باختبار جميع احتمالات المزج بين السوائل، فيمزجون سائلين، أو ثلاثة حتى يحصلوا على المحلول الأصفر والشكل التالي يوضح ذلك.
الصفحة 113 :
إن محاولات طفل العمليات العيانية إذا تكون منظمة إلى حد معين لكنه لا يتحرى جميع التركيبات المحتملة، وعلى النقيض من ذلك، يقوم الطفل ذو العمليات الشكلية باستكشاف الحلول الممكنة، وهكذا يتضح ثانية الفرق النوعي بين التفكيرين العياني والشكلي
شكل رقم (6) يبين خاصية التفكير التوليفي لطفل العمليات الشكلية.
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 114 من نسخة البدف أعلاه)
الصفحة 114 :
رابعاً: النتيجة :
: المسائل اللغوية أو اللفظية
إن الأطفال الذين هم دون العمليات الشكلية لا يستطيعون عادة حل المسائل اللفظية مثل المسألة التالية (وهي مسألة مشتقة من اختبارات "بيرت، وهو الاختبار الذي جعله بياجيه" قياساً في وقت مبكر من نشاطه العلمي) :
إذا كانت سلوى أكثر بياضاً من سلمى، غير أنهما أكثر سواداً من ليلى، فمن هي الأكثر سواداً بين الثلاثة؟
إن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن اثني عشرة سنة، يواجهون صعوبة في حل هذه المسألة إذ لا يستطيعون حتى السنة الثانية عشرة من العمر، وما بعدها، عادة أن يطبقوا على المسائل اللفظية ما تعلموا أن يفعلوه تجاه المسائل العيانية عند سن السابعة تقريباً
: المسائل الافتراضية
إن طفل العمليات الشكلية يستطيع أن يفكر على أساس الافتراض، في حين أن الأطفال ذوي التفكير العياني لا يستطيعون ذلك، إذ يستطيع الطفل الأكبر أن يعمل بموجب منطوق المسألة بصورة مستقلة عن محتواها، فهو يعرف أن الاستنتاجات المشتقة منطقياً من افتراضات، تمتلك صدقاً مستقلاً عن الحقيقة الواقعية
: التناسب
بالإمكان رؤية تطور مفاهيم الأطفال عن التناسب في أثناء لعبهم بأرجوحة التوازن (الميزان) فالأطفال قبل سن السابعةيواجهون صعوبة في مساواة الأثقال على الميزان حيث أنهم يدركون أن التوازن ممكن، إلا أن محاولتهم في الحصول عليه تكون على الدوام بمثابة سلسلة متعاقبة من المحاولة وتصحيح الخطأ ، ولا يكون التعويض
الصفحة 115 :
على الميزان منتظماً، ولكن بعد سن السابعة ( العمليات العيانية)، يكتشف الأطفال أن ثقلاً صغيراً يمكن أن يوازن ثقلاً أكبر منه بوضعه بمكان أبعد عن نقطة الارتكاز من الثقل الأكبر كما يتعلمون أن يساووا الوزن والطول بطريقة منتظمة، غير أنهم لا ينسقوا وظيفتي الوزن والطول طبقاً للتناسبة
إن فهم مبدأ التناسب يحصل عند سن الثالثة عشرة، حين يصبح الطفل عارفاً بأن اية زيادة في الوزن على احد جانبي نقطة الارتكاز يمكن تعويضها بزيادة المسافة عن نقطة الارتكاز على الجانب الآخر. وهكذا فإن تطور مفهوم التناسب عند الطفل يكون متناسقاً مع تطور مفاهيمه العامة من حيث أن الاختلافات النوعية في مخططات التناسب توجد عند فترات مختلفة انظر شكل رقم (7).
شكل رقم (7) يبين
مفهوم التناسب عند طفل العمليات الشكلية.
) انظر الصورة الموجودة في الصفحة 116 من نسخة البدف الموجودة أعلاه)
: الاحتفاظ بالحركة
بالإمكان أن نجعل البندول يتحرك أسرع أو أبطأ وذلك بتعديل طول الخيط (الوتر) الذي يتدلى منه فكلما كان الخيط أقصر، كانت حركة الرقاص أسرع وحين يطلب من طفل العمليات العيانية أن يعدل سرعة البندول، فإنه يصر على تعديل وزن البندول، وإذا قام بتعديل طول الخيط، فإنه عادة يعدل وزن البندول في الوقت ذاته، أنه يصر على أن يعزي أي تغيير في سرعة البندول إلى تغير في الوزن فأطفال العمليات العيانية يواجهون صعوبة في تفريق متغيري الوزن والطول، في حين أن الأطفال، خلال فترة العمليات الشكلية، يتعلمون تفريق الوزن والطول في مسألة البندول، وبحلول سن الخامسة عشرة يغدو الأطفال عادة عارفين بأن طول الوتر متغير مهم في التأثير على سرعة البندول.
الصفحة 116 :
ملخص مرحلة العمليات الشكلية :
إن مرحلة العمليات الشكلية هي ذروة التطور في البنى المعرفية، حيث تحصل المخططات إلى اقصى مدى في التطور النوعي بحلول السنة الخامسة عشرة من العمر، ويكون المراهق قادرا على التفكير منطقيا فيما يتعلق بحل جميع أصناف المسائل، فهو يستطيع أن يحل مسائل افتراضية ومسائل لفظية، ويستطيع أن يستخدم التفكير العلمي.
إن العمليات الشكلية تتطور عن العمليات العيانية، وتقوم عملينا التمثيل والمواءمة بتعديل البني المعرفية بشكل مستمر طوال العمليات الشكلية، حيث يندمج كل تغير في بنية ما في البني السابقة ويحسنها، فعملية تطور المخططات تبدأ عند الولادة وتبلغ الذروة في المراهقة
الصفحة 117 :
الفاصل الخامس :مظاهر النمو المعرفي لدى الطفل حديث الولادة
مقدمة:
إن دراسة الرضيع، وخصوصاً عند ولادته، هي من أصعب الأمور على الإطلاق، ولكننا في هذا الفصل حاولنا أن نتناول مواضيع عدة هي إختبار كفاءة الطفل حديث الولادة، والأفعال المنعكسة لديه، والحواس، وتنظيم الخبرات الحسية، وقدرته على التعلم
ويعتبر الشهر الأول من حياة الوليد محكاً مهماً لمدى قدرته على النضال من أجل البقاء حيث يولد الطفل ولديه بعض الخصائص الذاتية من حيث ما يستطيع أن يقوم به من استجابات، وما يمكن أن يصل إليه من النمو الجسمي، وكذلك من حيث قابليته للتعلم واكتساب الخبرات، وعلى أساس ما قد يكون لدى الطفل من خصائص ذاتية في هذه النواحي سواء من حيث الإنعكاسات الأولية أو غيرها من الاستجابات، أو من حيث ما قد يكون لديه من طاقات عضلية وقدرات حسية، وغير ذلك مما يدخل في تكوينه البيولوجي العام يتوقف شكل التفاعل بين الطفل وبيئته، مما يؤثر في تحديد المسار الذي تتجه فيه عملية النمو فيما بعد إلى حد كبير
ولأهمية هذا كله، فقد أفردنا لهذه الحقبة من مرحلة المهد أو الرضاعة، فصلاً خاصاً نتناول فيه تلك الخصائص، وما يمكن أن يترتب عليها في عملية النمو، وذلك على التفاعل المتبادل بين الطفل بهذه الخصائص من ناحية وبين بيئته من ناحية أخرى
أولاً : إختبار كفاءة الطفل حديث الولادة :
ظهرت مقاييس جديدة لتقييم الوليد ومعرفة مدى كونه في حدود السواء أو حيده عن هذه الحدود، ومن أهم هذه المقاييس مقياس "أبجر" (Apgar) . ويتناول هذا المقياس الذي ظهر في منتصف الخمسينات، والذي يطبق في الخمس دقائق الأولى بعد الولادة نواح خمسة هي
الهوامش :
اختلف علماء النفس في تحديد المدة التي تطلق عليها مصطلح ، الوليد، أو حديث الولادة، وسوف تستعمل هذا المصطلح هنا ليعني المولود الجديد في الأربعة أسابيع الأولى بعد الولادة، وإن كان بعض العلماء يقتصر هذه المدة على الأسبوعين الأوليين من الحياة.
الصفحة 123 :
4 – درجة الاستثارة الانعكاسية.
5 – لون الجلد.
هذه النواحي تقيم بدرجات تتراوح بين (صفر) و (2) لكل ناحية، وبذلك تكون النهاية العظمى هي (10) درجات فإذا كانت الدرجة تتراوح بين (7) و (9) ، يعني ذلك أن لدى المولود فرصة أكبر المواجهة تحديات البيئة التي تختلف كثيراً عن بيئة الرحم. ويعني العكس، أي أن الوليد في مشكلة، ويتطلب الأمر وضعه في جهاز خاص إذا قلت عن (3) درجات. أما إذا وقعت الدرجة بين (4) و (6) درجات فذلك يعني أن الطفل قد يواجه بعض الصعوبات في النمو مستقبلاً
ذلك أن هذه الجوانب تعتبر أول المؤهلات الضرورية للتأقلم مع البيئة الجديدة. وبمعنى آخر، فإن التنبؤ بقدرة الوليد على مغالبة البيئة الجديدة تعتبر محصلة درجته على هذه النواحي، وذلك بناء على معايير طبية بأساليب تكنولوجية خاصة. ويبين الجدول التالي معاني الدرجات التي يحصل عليها المولود على مقياس "أبجر في كل ناحية من النواحي الخمسة. (إسماعيل 1989).
جدول رقم (1) يبين معاني الدرجات التي يحصل عليها المولود في اختبار "أبجر"
(انظر الجدول الموجود الصفحة 124من البدف الموجود اعلاه)
الصفحة 124 :
ثانياً : الأفعال المنعكسة :
يعتبر ظهور هذه الانعكاسات والحركات اللاإرادية دليلاً على النضج العصبي السليم. ذلك أن المرجح أن الوليد بعد بضعة أيام، يكون في حالة صحية غير مطمئنة إذا لم يغمض عينيه للضوء المبهر أو يتأثر باللمس أو الشك بالدبوس ... الخ (إسماعيل 1989).
إن هذه الاستجابات الانعكاسية تعتبر مؤهلات ضرورية لتعلم خبرات أكثر تطوراً في حياة الطفل فيما بعد.
إلى جانب تلك الحركات العشوائية تتحرك عضلات الوليد بطريقة آلية وبنمط لا إرادي. يسمى الفعل المنعكس. وعن طريق ذلك يبدي الوليد عدداً من الاستجابات الحركية التي تساعده على أن يتكيف مع العالم الخارجي، كما يلاحظ ذلك عندما يرفض الوليد طعاماً مراً. أو عندما يجذب ساقه مثلاً بعد الشك بدبوس، أو عندما يستدير برأسه جهة المصدر عندما تلامس الأنامل وجهه أسفل الحد، وهكذا.
وتساعد بعض هذه الانعكاسات على المحافظة على الحياة عن طريق البحث عن الغذاء، ومثال ذلك الانعكاس الذي ورد أعلاه، ويسمى بالإنعكاس الإئتماني، ذلك أن الطفل عندما يلمس طرف قمه أي شيء، يستدير رأسه ناحية ذلك الشيء الملامس، كما لو كان يبحث عن الحلمة لكي يرضع وبمجرد حصول الطفل على الطعام، يتبع ذلك مباشرة انعكاس الرضاعة. وقد أمكن ملاحظة الانعكاس الانتمائي عند
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 125 من نسخة البدف أعلاه)
الصفحة 125 :
أطفال لا تزيد أعمارهم عن (30) دقيقة، وذلك في أثناء يقظتهم، ولا يظهر هذا الانعكاس أثناء النوم
وهناك بعض الانعكاسات ذات الصفة الوقائية كرمش العين، والكحة والشرقة لطرد الطعام من القصبة الهوائية وانعكاسات الألم التي تجعله ينسحب من مصدر الألم ويصيح غاضباً
وسنتناول الآن هذه الانعكاسات بالتفصيل الكافي كما يلي
منعكس "مورو" لاحظ أن منعكس وانعكاس تستخدمان كمترادفين يظهر
هذا المنعكس مع أي حركة فجائية للعنق، وأفضل الطرق لايضاح هذا المنعكس، هو سحب الطفل إلى منتصف المسافة في وضعية الجلوس، وانطلاقاً من وضع الاستلقاء، ثم ترك الرأس بشكل مفاجيء، ليسقط إلى الخلف قليلاً
ويتألف هذا المنعكس من حركة سريعة، وهي تبعيد وامتداد الذراعين وفتح راحتي اليدين ثم اقتراب الذراعين من بعضهما كما في حالة العناق
وهذا المنعكس هام سريرياً (بمعنى طبياً ووظيفياً)، لأن طبيعته (وظهوره) تعطي انطباعاً عن مستوى التوتر العضلي وقد تكون الاستجابة لا متماثلة إذا كان التوتر العضلي غير متساو في كلا الجانبين، أو إذا كان هناك ضعف في إحدى الذراعين أو إصابة في العضد أو الترقوة. ويختفي هذا المنعكس عادة خلال شهرين أو ثلاثة أشهر (النغورث 1995)
إن "مورو" مكتشف هذا الإنعكاس يرى أنه بقايا من الحركة التي كان يقوم بها الحيوان للتعلق بالأغصان أو إلى ذلك، وهو عبارة - مرة أخرى - عن حركة تقويس الظهر وإبعاد الرأس والدفع بالذراعين والساقين إلى الأمام ثم جنبهما إلى الداخل وذلك عند سماع صوت مرتفع أو رؤية. ضوء منهر أو التغيير المفاجيء لوضع الرأس (اسماعيل 1989).
منعكس "ببابنسكس .
وهو عبارة عن انفراج أصابع القدم عند ضرب الكعب. ويختفي هذا الانعكاس في الشهر الرابع إلى السادس
واذا بقي هذا المنعكس ومنعكس "مورو بعد المدة المقررة لهما فإن ذلك يدل على وجود تلف عصبي (اسماعيل 1989)
الصفحة 126 :
منعكس القبض (Grasp):
ويظهر عند إثارة راحة يد الوليد، حيث تنغلق اليد، ويمكن رفع الطفل عن السرير بقبضه على أصبع الفاحص عند ادخاله في راحة يده.
وهناك منعكس آخر يسمى بمنعكس القبض الأخمصي وهو مواز له وكلا المنعكسين يختفيان في حوالي شهرين (النغورث 1995).
منعكس المشي الخطو :
ويظهر عند ضغط أخمص القدم فوق سرير الفحص (السرير)، حيث يشرع الطفل في المشي، ويغيب هذا المنعكس خلال ستة إلى ثمانية أسابيع، لكن يمكن اظهاره لعدة أسابيع أخرى إذا مد الراس، وذلك باستعمال ضغط للأعلى من تحت الذقن (النغورث 1995).
منعكس وضع الطرف:
ويحدث عندما نقرب الجزء الأمامي من الساق أسفل الركبة أو اليد أسفل المرفق، من حافة الطاولة بحيث يلامس الحافة، إذ يرفع الوليد الطرف المذكور فوق الحافة، إلا أن هذا المنعكس قليل الأهمية من الناحية السريرية (النغورث 1995)
منعكس توتر العنق اللامتناظر:
عندما يكون الطفل في وضع مريح ولا يبكي، فإنه يستلقي من حين لأخر ورأسه إلى جهة واحدة والذراع ممتدة إلى نفس الجهة، وغالباً ما تكون الركبة في الجانب الآخر مثنية.
ويختفي هذا المنعكس بعد شهرين أو ثلاثة أشهر. ولكنه قد يستمر في حالة الطفل المصاب بالتشنج (النغورت 1995).
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 127 من نسخة البدف أعلاه)
الصفحة 127 :
منعكس المواقع الأساسية:
هناك عدة منعكسات للفم والشفة، وقد استعمل جيزيل مصطلح منعكس التجذر» للدلالة عليها) Rooting Reflex (
ويتضح هذا المنعكس عندما يتجه الوليد نحو الثدي وعندما يقترب خده من ثدي أمه. وإذا لمست زاوية فمه، تهبط الشفة السفلى على نفس الناحية ويتحرك اللسان باتجاه المنطقة التي جرى لمسها. وعند إزاحة الأصبع بعيداً يدور الرأس ليتابعه وعند استثارة مركز الشفة العليا فإن هذه الشفة ترتفع (النغورث 1995).
منعكس الرمش (Blink):
وهو مشابه المنعكس مورو"، ولكن هناك عدداً من المثيرات يمكنها أن تؤدي إلى الرمش سواء أكان الطفل نائماً أو مستيقظاً، وكذلك بؤبؤ العين يتأثر بالضوء (النغورث 1995).
منعكس الباراشوت (Parachute) :
ويظهر ما بين الشهر السادس إلى الشهر التاسع من العمر ويستمر بعد ذلك. ويمكن إظهار هذا المنعكس بحمل الطفل في وضع التعليق البطني، وفجأة نهبط به إلى مستوى السرير والاستجابة هي بسط الذراعين كردة فعل دماغية (النغورث ، 1995)
منعكس "لانداي" (Landau) :
ويشاهد هذا المنعكس في وضع التعليق البطني عندما ينبسط الرأس والعمود الفقري والساقان، وعند ثني الرأس فإن الورك والركبتين والمرفقين تنثني أيضاً، وهو موجود عادة بدءً
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 128 من نسخة البدف أعلاه)
الصفحة 128 :
من الشهر الثالث من العمر، ومن الصعوبة إظهاره بعد السنة الأولى
(النغورث 1995)
:منعكس الاستجابة الأخمصية
وهو استجابة الطفل بثني الأخمص (النغورث 1995)
:المنعكسات الوترية
وهذه المنعكسات موجودة عند حديثي الولادة، ولها أهمية كبيرة في تشخيص الشلل المخي، لأنه في حالة الشلل التشنجي تكون النفضات الوترية زائدة عن الطبيعي (النغورت 1995)
:المنعكسات البطنية
وهي موجودة لدى معظم حديثي الولادة (النغورث 1995) إن بعض المنعكسات البدائية تسبق الحركات الموازية لها، ولكنها يجب أن تختفي قبل تطور الحركة الإرادية. ومن هذه الأمثلة : منعكس المشي ومنعكس القبض عند الوليد، وكذلك منعكس الرفس أي رفس ، المتبال النسق النظمي، الذي يختفي عندما يبدأ الطفل بالمشي (النغورث 1995).
والجدول التالي يبين لنا بعض هذه المنعكسات.
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 129 من البدف أعلاه)
الصفحة 129 :
جدول رقم (2) يبين بعض
الإستجابات الإنعكاسية عند الوليد . (إسماعيل 1989).
(انظر الجدول الموجود في الصفحة 130 من البدف أعلاه)
الصفحة 130 :
ثالثاً: الحواس لدى الطفل حديث الولادة - (مارتن 2000) :
مما يعيق البحث في مرحلة الرضاعة القدرات المحدودة للرضع في التواصل مع الباحثين بشأن مهاراتهم الادراكية. ولكن تم تطوير عدد من التقنيات التي أظهرت أن لدى الرضع مهارات ادراكية أكثر بكثير مما كنا نعتقد. فمثلاً يستطيع الرضيع في عمر صغير جداً، رؤية الألوان، كما يمكنه تمييز أصوات الكلام بدقة، وهو قادر كذلك على تقليد تعابير وجه الشخص البالغ إضافة إلى أن الرضيع يستجيب بعد الولادة بفترة زمنية قصيرة لطعم المواد الحلوة والمرة والحامضة
تخيل أنه قد اجتمع في العرفة رضيع عمره سنة أشهر و طفل عمره ست سنوات، وجد عمره ستون عاما، هل يدرك هؤلاء الثلاثة المحيط الذي هم فيه بالطريقة ذاتها ؟ وهل تتماثل استجاباتهم الادراكية للألوان والأشكال والحركات؟ هل يتشاركون بنفس الخبرات السمعية، وهل يستجيبون بالطريقة ذاتها للمثيرات اللمسية وللدف، وللمثيرات الجلدية الأخرى ؟ وهل طعم الأكل ورائحته متماثلان لثلاثتهم ؟
يتعرض هؤلاء الأشخاص إلى المناظر والأصوات والاحساسات الجلدية والروائح والمذاقات ذاتها. ولكن هل ادراكهم متعادل؟ أم تتغير المعالجات الادراكية جذرياً مع تقدم الأفراد في العمر، بحيث يؤدي ذلك إلى تكوين مدركات عن العالم المحيط، متباينة تماماً بين هؤلاء الثلاثة؟
أعلن وليم جيمس عالم النفس الأمريكي في القرن التاسع عشر، أن عالم الوليد عبارة عن غباشات وغمغمات وفوضى وانطلاقاً من هذا المنطق، فإن الرضيع يفتح عينيه ليرى عالماً فوضوياً غير منظم، ولكن خلال المائة سنة الأخيرة أعاد علماء النفس النظر في أفكارهم التي يحملونها عما يدركه الوليد ولدينا الآن من الدلائل على أن الأجهزة الحسية للوليد مدهشة وأفضل بكثير مما اعتقد الباحثون الأوائل
ويصعب تقييم القدرات الادراكية للرضيع وذلك لمحدودية مهاراتهم الحركية واللغوية، فهم غير قادرين على اخبارنا عن قدراتهم الادراكية، إذ لا يستطيع الرضيع القول إن الشكل على اليسار أبعد مما اضطر علماء النفس على اختراع طرق حاذقة لاكتشاف القدرات الادراكية عند الرضع والنتائج التي تم التوصل إليها من خلال تلك الطرق كانت سبباً رئيساً في تطور معرفتنا حول قدرات الرضيع في السنوات الأخيرة.
الصفحة 131 :
البصر عند الرضع :
سيشمل بحثنا في البصر عند الرضع عدداً من المواضيع هي:
1 – القدرات البصرية.
2 – إدراك اللون
3 – إدراك الشكل.
4 – إدراك المسافة والحركة.
5 – الثبات الادراكي.
أولاً : القدرات البصرية :
لا شك أن العالم "روبرت فانتز (Robert Fantz) هو المسؤول عن التطور الباهر الذي أحرز في قياس حدة البصر عند الوليد، وذلك باستخدام طريقة التفضيل (Preference Method ). وترتكز طريقة التفضيل على الفكرة القائلة بأنه إذا أمضى الوليد وقتاً أطول ويشكل منتظم، ممعناً النظر إلى شكل معين مفضلاً إياه على شكل آخر، فلا بد أن الرضيع قادر على التمييز بين هذين الشكلين.
وضع فانتز" الرضيع في مهد صغير داخل حجرة ملاحظة خاصة والصق زوجاً من مواد اختبار عبارة عن ورقة مخططة وورقة رمادية على سقف الغرفة منفصلتين قليلاً عن بعضهما البعض. ويستطيع الباحث أن ينظر من ثقب في حائط حجرة الملاحظة ليرى عيني الرضيع منه (عين سحرية) وفي مستوى وسط العين وفوق البؤيو مباشرة ( للرضيع) مرأة تعكس الخيال الصغير المواد الاختبار الذي ينظر إليها الرضيع وتم تسجيل الزمن الذي يمضيه الرضيع في النظر إلى الورقة المخططة مقارنة مع الزمن الذي يمضيه في النظر إلى الورقة الرمادية، ووجد أن الرضع أمضوا (65%) من الوقت بالنظر إلى الورقة المخططة، و (635) من الوقت بالنظر إلى الورقة الرمادية، وتم ضبط جلسات الاختبار (التجربة) بحيث يبدو الشكل المخطط (الورقة المخططة) إلى اليسار في نصف الوقت، وإلى اليمين في النصف الآخر للتأكد من أن أثر تفضيل الموقع لا يتداخل ونتائج الدراسة.
الصفحة 132 :
تستنتج تبعاً لذلك أن الرضيع يستطيع التمييز بين الشكلين. أي أن حدة البصر لديه جيدة بما يكفي لتمييز الخطوط الدقيقة عن الرمادية. انظر الشكل رقم (7).
ورقتي الاختبار المقدمة للرضيع في تجربة العالم" فانتز".
(انظر الوثيقة الموجودة الصفحة 133 من نسخة البدف الموجودة أعلاه)
إذا كانت لديك الفرصة المراقبة وليد ستلاحظ شيئاً غريباً بالنسبة لحركة عينيه، وتحديداً، فإن عيني الرضيع تتحركان في اتجاهين مختلفين أحياناً، إذ أن عضلات العين عند الوليد لم تتطور بما يكفي بحيث تبقى العينان على الهدف ذاته، مما يعني أن الوليد يستقبل المعلومات من خلال عين واحدة فقط، ويهمل المعلومات التي ترد من العين الأخرى، ولكن، وكما القدرات البصرية الأخرى، يتحسن تناسق وتأزر العينين بسرعة خلال الشهور الأولى من حياة الوليد
ثانياً : إدراك اللون :
هل يستطيع الأطفال ادراك اللون؟ عموماً توحي الحقائق أن الرضيع الذي يبلغ شهراً واحداً من العمر يواجه صعوبة في التمييز بين مثيرات (مؤثرات) خضراء أو حمراء على خلفية صفراء. ولكن في الشهر الثالث من العمر يصبح الرضيع ثلاثي اللونية ( تعني اللونية)+( كبنفسجي) إلى (700) نانوميتر تقريباً (ويرى كأحمر) (عندما نستعمل كلمة لون في الحياة اليومية فإننا في الحقيقة نقصد بها اللونية).
ويعتبر" مارك بورنشتاين" أحد الباحثين الأساسيين في مجال ادراك الرضع للألوان حيث وضح بورنشتاين أن الرضع على ما يبدو، يصنفون الألوان في مجموعات منفصلة، وبالطريقة ذاتها التي يستخدمها البالغون.
الصفحة 133 :
واستخدم "بورنشتاين وزملاؤه طريقة الاعتياد للكشف عن مدى ادراك الطفل للون (لاحظ أن طريقة الاعتياد هي من الطرق التي استخدمت الدراسة الادراك عند الرضع، حيث سبق أن تناولنا طريقة التفضيل فيما مضى).
وتركز طريقة الاعتياد على الظاهرة المعروفة بهذا الاسم، وهي نقص الانتباه للمثير الذي يتكرر والاعتياد هو عبارة عن عملية معرفية تتضمن قيام الدماغ بتمثيل ما يتم الاعتياد عليه ( الية احتفاظ)، وتلعب الذاكرة في هذا الجانب دوراً بارزاً وعندما يقل انتباه الرضيع إلى شيء لأنه قدم إليه عدداً من المرات، فإن هذا يشير إلى تمتع الرضيع بذاكرة لرؤية هذا الشيء
افترض مثلاً، أننا كررنا تقديم ضوء بدرجة (480) نانوميتر للرضيع (يرى كالأزرق)، فإنه سيظهر اعتياده له ويقل انتباهه لهذا الضوء وإذا قدمنا بعد ذلك ضوء ذا موجة بطول (680) نانوميتر (يرى كالبرتقالي المائل للأحمر)، فعلى الأغلب أن يظهر الرضيع عدم اعتياد ، أي ستزداد المدة التي سينظر خلالها إلى هذا الضوء. ويتضح من ذلك أن الضوء الذي طول موجته (680) نانوميتر يبدو مختلفاً عن سابقه الذي طول موجته (480) نانوميتر ، وبذلك سينتبه له الرضيع. ويظهر هذا التمييز في الشهر الرابع من العمر
ولتوضيح ادراك اللون مرة أخرى عمد العلماء إلى تعويد رضع على ضوء طوله الموجي (480) نانوميتر، ثم قدموا ضوء بطول (450) نانوميتر، فأهمله الرضع، مما يشير إلى أنهم يدركونه مماثلاً للطول الموجي (480) ولكن وبعد أن اعتادوا على الضوء ذي الطول الموجي (480) نانوميتر، قدم إليهم الضوء ذو (510) نانوميتر، وأظهر الرضع عدم اعتياد، أي أنهم نظروا إلى الضوء الجديد، وعدم الاعتياد هذا يبين أن الرضع أدركوا اللون مختلف عن السابق الذي طوله (480) نانوميتر. والشكل التالي يبين "عجلة الألوان".
الصفحة 134 :
شكل رقم (8) يبين
عجلة الألوان التي توضح أطوال الألوان بالثانوميتر
(انظر المبيان الموجود في الصفحة 135من نسخة البدف أعلاه)
ثالثاً : إدراك الشكل :
تميل الدراسات عن ادراك الرضع للشكل, لان تقع في واحد من صنفين هما :
-1 دراسات حول خصائص الشكل الذي يفضل الرضيع تفحصه.
-2 دراسات حول التعرف على الوجوه.
وباستخدام طريقة التفضيل, بين العالم "فانتز" ان الرضيع اكثر اهتماما بالنظر الى اشكال منمطة , من النظر الى ضوء لامع.
قدم" فانتز" لرضع في الشهر الثاني والثالث, ست مواد اختبار (مثيرات), هي عبارة عن أقراص مسطحة (ورقة), محيط كل منها ست بوصات احتوت ثلاثة منها على أنماط هي : رسم كاريكاتوري لوجه, والثانية كلمات مطبوعة والثالثة كانت على شكل رقعة هدف الرامي السهام، بينما كانت المواد الثلاث الأخرى بسيطة وهي: أحمر، وأصفر مشع وأبيض. وقدمت المواد الواحدة تلو الأخرى. وقاس فانتز" الفترة الزمنية التي يمضيها الرضيع في النظر إلى كل مؤثر عند تقديمه للمرة الأولى وكان الوجه الكاريكاتوري هو الأكثر تفضيلاً. وتلاه في المرتبة الثانية الكلمات، ثم رقعة هدف رامي السهام.
الصفحة 135 :
من الواضح أن الرضع يحبون النظر إلى الوجه الانساني واعتقد علماء النفس أن الرضيع يولد ولديه تفضيل غير متعلم للوجه الانساني. إلا أن الدراسات الأكثر حداثة تقترح أن تفضيل الرضع للنظر في الوجوه هو التحرك المستمر للوجه (يمكننا الاستنتاج أن المثيرات التي للقدر ذاته من الحركة، تلفت نظر الرضيع كذلك).
ويطرح بحث آخر في ادراك الرضيع للوجوه أسئلة مختلفة ما العمر الذي يجب أن يصبح عليه الرضيع ليتمكن من التعرف على وجه أحد والديه؟
كان علماء النفس متشائمين حول قدرة الرضيع على التعرف على الوجوه، وجادلوا في ذلك، بينما الحقيقة أن الرضيع عاجز عن التعلق بوالديه إلا بعد الشهر السادس من العمر. وذلك لعدم قدرته على التمييز بين والديه والغرباء ولكن أوضحت دراسات أكثر حداثة أننا لا نقدر قدرات الرضيع حق قدرها، ويبدو أن بإمكانهم القيام بمثل هذه التمييزات ما بين الشهرين الأول والثالث من العمر.
واكتشف علماء النفس في السنوات القليلة الماضية أن الرضع أكثر إثارة للدهشة مما كنا تتوقع، حيث يستطيعون تقدير تعابير الوجه.
فمثلاً لاحظ العلماء أن باستطاعة الرضع الذين بلغوا الشهر السابع من العمر التمييز بين الوجه السعيد والوجه المندهش
ولاكتشاف ذلك استخدم العلماء طريقة الاعتياد، وتبين لهم أن الاطفال الذين عرض عليهم عدد من الوجوه التي تعبر عن السعادة انتبهوا لمدة أطول إلى وجه يعبر عن الاندهاش من وجه آخر يعبر عن السعادة. كما يفضل الرضيع الذي بلغ الشهر الثالث من العمر النظر إلى وجوه مبتسمة بشدة عن وجه مبتسم قليلاً.
وبناء على ما تقدم، فعلى الوالدين اللذين يودان الحصول على انتباه رضيعهما إبراز ابتسامات واضحة جدا ومزجها بين الحين والحين الآخر بحملقة تعبر عن الاندهاش.
رابعاً : إدراك المسافة والحركة:
يحبو رضيع عمره عشرة أشهر عبر الممر ويقف عند أعلى السلم، ينظر إلى الأمام والخلف ما بين الدرجة التي هو عليها والدرجة التالية. هل يستطيع أن يرى العمق؟ هل هو على وعي بأن سطح الدرجتين بعيد عنه؟
الصفحة 136 :
لقد بحثت إليانور جبسون و « والك » هذه الأسئلة، وقاما بقياس إدراك العمق باستخدام الجرف البصري (منظور الجرف) ويبين الشكل رقم (9) الجرف البصري (Visuaul Cliff).
شكل رقم (9) يبين الجرف البصري (منظور الجرف).
(انظر الصور الموجودة في الصفحة 137من نسخة البدف اعلاه)
وجهاز الجرف البصري هو عبارة عن جهاز ويوضع الرضيع فيه، وعليه أن يختار ما بين جهة تبدو ضحلة وجهة أخرى تبدو عميقة، ويوضع الرضيع على خشبة في وسط الجهاز وعليها لوح زجاج قوي ممتد في الاتجاهين، وفي أحد الاتجاهين يوضع نمط لوح شطرنج ملاصق للزجاج تماماً، أما في الاتجاه الآخر فيوضع نمط الشطرنج بعيداً تحت الزجاج. ويسمى الجهاز بالجرف البصري، وذلك لأن في الجهاز انخفاضاً من جهة واحدة، وتبدو الجهة العليا من الشكل السابق (رقم (9)) للبالغين أبعد، وذلك لأن وحدات النمط أصغر. وتسالت "جبسون" و "والك" عما إذا كان ادراك الرضيع مشابهاً لادراك البالغين.
وفحصت "جبسون" و" الك" في احدى التجارب ستة وثلاثين رضيعاً تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وأربعة عشر شهراً. وقد تم وضع الرضيع على اللوح في الوسط وطلبا من والدة الطفل أن تنادي على رضيعها من الجهة الضحلة أو من الجهة العميقة. ووجدا أن سبعة وعشرين رضيعاً تحركوا من نقطة الوسط في اتجاه الجهة الضحلة مرة على الأقل خلال
الصفحة 137 :
التجربة، وعلى العكس من هذا نجد أن ثلاثة من الرضع فقط تحركوا في اتجاه الجهة العميقةوهكذا نرى أن الرضع الذين يصلون مرحلة الزحف يكونون قادرين على التمييز بين ما هو سطحي أو عميق، وأن ادراك العمق لديهم قد تطور بما يكفي لتجنب خط الجهة العميقة التي تهدد بالخطر. وبينت دراسات لاحقة أيضاً أن الخبرة مع الزحف مرتبطة مع تجنب الجهة العميقة من الجرف البصري.
تم تصميم الجرف البصري أساساً لفحص قدرة الرضع الذين كبروا إلى عمر يستطيعون معه الحبو، وفيما بعد قام الباحثون بقياس ادراك العمق باستخدام جهاز يقيس التغير في سرعة. ضربات قلب الرضيع. ويظهر الرضع ما بين الشهرين والأربعة أشهر تغييرا أكثر في ضربات قلوبهم، عندما يوضعون على الجهة العميقة من الجرف البصري، مما لو وضعوا على الجهة.
الضحلة منه.
يستطيع الرضع عموماً استخدام دلالات البعد الخاصة بالعينين عند بلوغهم الشهر الرابع أو الخامس من العمر وهذا هو العمر أيضاً الذي يبدأ فيه الرضع بتقدير معلومات العمق المتوفرة في الصور وعندما يصل الرضيع إلى الشهر السادس نجد أن لديه خبرة معقولة. ومعرفة بأن أصابع قدمه أبعد من ركبته، وأن اللعبة فوق سريره أقرب إليه من سقف الغرفة.
ويستجيب الرضع للحركة حال ولادتهم، فقد قدم جورين" (Goren) و سارتي (Sarty) و وو (W) ، وجوهاً كرتونية مختلفة لرضع معدل أعمارهم تسع دقائق، وحرك هؤلاء الرضع رؤوسهم المتابعة مؤثر (مثير) متحرك هذا ويستطيع الرضع الذين بلغوا الشهر الخامس تمييز حركات دقيقة.
كما أن بامكانهم تقدير الحركة البيولوجية (Biological Motion) (الحركة البيولوجية هي نمط حركة الكائنات الحية.(
في وقت ما بين الشهر السادس والتاسع، حيث يطور الرضع القدرة على النظر إلى لوحة عرض تقدم أضواء متحركة وادراك نمط حركة الأضواء التي تمثل حركة انسان ما. المزيد من الايضاح حول الحركة البيولوجية نقول: قام العالم يوهانسون (Johansson) بأول بحث حول ادراك الحركة البيولوجية، فقد الصق نقاطاً ومضية (مضينة) صغيرة على المفاصل الأساسية الأحد زملائه )وضعت هذه النقاط على الكتفين والمرفقين والمعصمين والوركين والركبتين والكاحلين). وأنتج "يوهانسون" فيلماً لهذا الزميل وهو يتحرك )في غرفة معتمة تماماً).
الصفحة 138 :
وهكذا فإن الرضيع يولد قادراً على تقدير الحركة البدائية، وتتطور قدراته على فهم حركات أكثر دقة قبل بلوغه عاما واحدا من العمر
السمع عند الرضع :
إدراك الأصوات غير الكلامية :
لدى الوليد الكثير من الفرص للسماع قبل أن يولد، فمع أن الحياة في الرحم معتمة إلا إنها ليست هادئة بالتأكيد ويصل مستوى الضوضاء عند منطقة الرأس إلى ثمانين ديسيبل (الديسيبيل : هي وحدة قياس كمية الضغط الناتجة عن مؤثر صوتي)، والسبب الأساسي لذلك هو الضوضاء الناتجة عن نبض الأم، وهذا المستوى من الضوضاء قريب جداً من مستوى مذياع يبث موسيقي بصوت عال وتصل الضوضاء من العالم الخارجي إلى الجنين إلا أن شدة الأصوات ذات التردد المتدني التي تصله هي أقل منه بعشرين ديسيبل مما هي عليه في الخارج. وهذا يقتضي من الحامل أن تفكر ملياً قبل الذهاب إلى حفل عزف فرقة موسيقية نحاسية، وذلك لأن الجنين لا يملك القدرة على اغلاق أذنيه أو استخدام واق للأذنين.
بحثنا سابقاً الصعوبات التي تواجه الباحثين في محاولة تقدير ما يراه الوليد، ولا شك أن محاولة تقدير ما يسمعه الرضيع أكثر صعوبة. ومن الممكن في أبحاث البصر قياس حركات العين وأنماط تثبيتها، ولكن من غير الممكن قياس أنماط تثبيت الصوت في الأذن بشكل مباشر، إذ لا بد من تعديل طرق البحث المستخدمة في دراسة الإبصار عند الوليد الرضيع ومواءمتها من أجل مواجهة التحديات الاضافية التي تفرضها مهمة قياس السمع عند نفس الفئة من الرضع.
يولد الرضيع وأذناه الوسطى والداخلية مكتملتي النمو الا أن المستويات العليا من معالجة المعلومات السمعية ليست تامة النضج بعد، وتستمر في التطور خلال السنتين الأوليين من الحياة ومن أكثر قدرات الرضع اثارة للإعجاب هي قدرتهم على التعرف على الألحان القصيرة حتى بعد أن يتم تحويل هذه إلى مفاتيح أعلى قليلاً أو أدنى قليلاً وباستخدام طريقة الاعتياد (Habituation Method) ( طريقة الاعتياد : هي طريقة قياس ادراك الرضع، وترتكز على قياس نقص الانتباه للمثير الذي يتكرر) وعدم الاعتياد (Dishabituation Method) (طريقة
الصفحة 139 :
عدم الاعتياد : هي احدى طرق البحث في ادراك الرضع، حيث يزداد زمن النظر عند تقديم مؤثر جديد بعد تقديم مؤثر آخر، عدداً من المرات). أظهر العالم تريهوب أن انتباه الرضع، بعد الشهرين يزداد إلى لحن يعتمد على اعادة توزيع نغمة من ستة نوتات أكثر من انتباهه إلى اللحن ذاته بعد تقديمه بطبقة أعلى قليلاً أو أدنى وعلى ما يبدو أن ثبات الموسيقى. يبدأ بالتطور في عمر مبكر جداً من حياة الرضيع.
إدراك الكلام :
اللغة هي إحدى انجازات الانسان الاستثنائية الرائعة، وفي السنة السادسة من العمر يكون الطفل قد ألم بحوالي (14,000) كلمة (مفردة)، هذا الامام تم دونما تعرض الطفل لأي نوع من أنواع التدريب المنهجي كالذي يتعرضون له في تعلم القراءة أو الحساب.
كيف يستطيعون الإلمام باللغة بهذه السهولة؟ توضح أبحاث العقدين الأخيرين أن لديهم بداية استباقية، إذ للرضع معرفة وقدرات لغوية موروثة، وبامكانهم تمييز أصوات الكلام قبل تطور القدرة على انتاجها.
تمييز أصوات الكلام :
يستطيع الرضع التمييز بين وحدات اللغة الأساسية فونيمات الفونيم : هي وحدة الكلام الأساسية وهي أصغر وحدة تؤدي إلى فرق جوهري بين أصوات الكلام وحتى المتشابهة جداً منها. فمثلاً فحص إيماس و سيكالاند و يوشك و فيجوريتو إدراك الكلام عند رضع تراوحت أعمارهم بين شهر وأربعة أشهر، واستخدموا أساساً طريقة الاعتياد إضافة إلى إجراءات وتعتمد هذه الاجراءات على مص الرضيع للهاية (اللهاية : أداة على شكل حلمة يلهو الطفل بمصها أو العض عليها) وتربط هذه اللهاية بجهاز تسجيل يعمل على تقديم صوت حديث إذا ما مص الرضيع بسرعة كافية. فمثلاً، يمص الرضيع بسرعة وينتج الباحث صوت باه ووجد أنه، وفي بداية الاجراءات يمص الرضيع بسرعة فائقة لانتاج ولكن وبعد خمس دقائق يظهر الاعتياد وتتناقص الاستجابات، ثم يقدم الباحث صوتاً جديداً مثل صوت «باه».
الصفحة 140 :
وجد ايماس وزملاؤه أن الرضع يظهرون عدم اعتياد عند تقديم الصوت الجديد، ويعود المص إلى المستوى الذي كان عليه قبل التعود. وهذا يشير إلى أن الرضيع يستطيع التمييز بين صوت باه الذي اعتاد عليه والصوت الجديد «پاه». وأظهرت أبحاث أخرى أن الرضيع يميز بين« ساه » وبين «راه» وبين «فاه » و «ذاه ».
وفي الحقيقة استنتج اسلن" وزملاؤه أن باستطاعة الرضيع تمييز جميع التغايرات الفوتيمية الموجودة في اللغة الانجليزية وبالامكان أيضاً تمييز أصوات اللغة التي تظهر في كلمات من ثلاثة مقاطع ولا معنى لها
ويحدث الإدراك التصنيفي (للكلام) عندما نواجه صعوبة في التمييز بين عنصرين من الفئة ذاتها، بينما نستطيع التمييز وبيسر بين عنصرين من فئتين مختلفتين. وهناك حقائق تبين أنه من السهل على الرضيع التمييز بين صوتين من فئتين مختلفتين مثل (ب) و (ت)، إلا أنه يواجه صعوبة في التمييز بين مثالين مختلفين من (ب).
وفي مراجعته المدراسات حول الادراك التصنيفي عند الرضع كتب العالم "إيماس" : من الصعب رؤية التعلم في تفسير نمط الإدراك التصنيفي عند الرضع ما الأحداث التي يتعرض لها الوليد خلال الأسابيع الأولى من حياته وتدربه بحيث يستجيب بشكل تصنيفي إلى خصائص سمعية متدرجة؟
والتفسير الأسهل هو يظهر التصنيف لأن الطفل يولد ولديه اليات ادراكية تتألف وخصائص الكلام، وهذه الآليات تقود إلى ما يسبق التصنيف الفونيمي، وتهي، الطفل لتحويل الاشارات الصوتية المتغايرة، ودونما تفكير إلى سلسلة من الفونيمات وبالتالي إلى كلمات ومعان.
يعطي الإدراك التصنيفي الرضيع امكانية التعرف على الفونيمات بشكل ثابت حتى مع تغيير الصوت. فمثلاً، يتم تصنيف الصوت ياه مع أصوات «ياه أخرى، بالرغم من أنها على حدود «باه» تقريباً. إضافة إلى أن الرضيع يملك قدرة اضافية تساهم في التعرف على الفونيمة.
الصفحة 141 :
وبالتحديد يملك الرضع ما يمكن تسميته ثبات صوت الكلام. إذ لا يلفظ الصوت بنفس الطريقة دائماً من قبل كل المتحدثين وفي جميع المناسبات. فبعض المتحدثين يكون صوتهم أعلى من غيرهم، وبعضهم قد يلفظ الفونيمة بدرجة تميل للغليظ، وبعضهم يلفظها بدرجة تميل الرفيع. وبينت كول (Kuhl) أن تعزيز استجابة ادارة الرأس لدى الرضع عند سماعهم أحد الكبار الذكور وهو يلفظ (إيه A) (وليس عند لفظ i) معناه أن يديروا رؤوسهم سواء صدر اللفظ عن أنثى راشدة أو عن طفل. ويعرف الرضيع البالغ من العمر ستة أشهر معرفة تامة أن الصوت (إيه (A) هو الصوت ذاته بالرغم من التغيير الكبير الذي يطرأ على الأمواج الصوتية من متحدث إلى آخر.
وباختصار، فإن للرضع الصغار القدرة على التمييز بين فونيمات متشابهة، وبنفس القدر من الأهمية، فإنهم يمتلكون القدرة على ملاحظة التشابه بين أصوات الكلام الأخرى، إذ باستطاعتهم تصنيف أصوات الكلام في نفس الفئة، وعلى الرغم من الاختلافات الصوتية واختلاف المتحدثين.
لتتناول الآن مسألة ذات صلة بهذا الموضوع، افترض أن رضيعاً نشأ في بيت يتحدث اللغة الانجليزية، وسمع صوتين كلاميين لهما وقع مختلف عن بعضهما في لغة أخرى، ولكنهما ليسا كذلك في اللغة الانجليزية. هل يستطيع هذا الطفل التمييز بين هذين الصوتين؟ وبكلمات أخرى، هل تمييز الكلام موروث وبالتالي لا يعتمد على المحيط اللغوي الذي ينشأ فيه الطفل؟ أم هل سيفشل الطفل في التمييز بين هذين الصوتين، وذلك لحاجته إلى تعلم التمييز بينهما نتيجة الخبرة مع اللغة؟
يبدو أن الإجابة على هذا السؤال معقدة. وفي الحقيقة أن هناك احتمالاً بأن كلا الأمرين صحيح، اعتماداً على طبيعة التمييز الفونيمي.
فمثلاً تفحص عدد كبير من الدراسات الفونيمات التي تختلف اعتماداً على مخارج النطق. ففي اللغة الهندية مثلاً، يلفظ الصوت (ت) أحياناً بوضع اللسان على الأسنان الأمامية وأحياناً أخرى بوضعه على سقف الحلق ولا تميز اللغة الانجليزية بين صوتي (ت) هذا، إلا أن الهندية تميزهما .
تفحصت العالمة "الميركر" (Werker) والعالم "تس" (Tess) ، هذا التفاوت الفونيمي بالتحديد. كما شملا فونيمات أخرى متفاوتة في الهندية والسالاشية وهي لغة من لغات
الصفحة 142 :
السكان الأصيليين في أمريكا الشمالية (الهنود الحمر). حيث أن جميع هذه التفاوتات الفونيمية غير ذات أهمية في الانجليزية
وعندما تفحصت فيركر وتس" رضعاً ينتمون إلى خلفيات ناطقة باللغة الانجليزية، وجدا أن لدى الرضع ما بين الشهر السادس والثامن قدرة ممتازة على تمييز فونيمات اللغة الهندية من فونيمات اللغة السالاشية. إلا أن هذه القدرة تتضاءل بسرعة إلى أن تنعدم تقريباً عند بلوغهم السنة من العمر ولكن لاحظا أن الرضع من خلفيات لغوية هندية وسالاشية لا يواجهون مشكلة في القيام بهذه التمييزات ويبدو من هذه النتائج أن لدى الرضع في الشهر السادس من العمر القدرة على القيام بتمييزات لغوية في لغة غير لغتهم. ولكن هذه القدرة تتلاشى عندما يستخدم الأطفال لغتهم، بينما تزداد قدرة الأطفال على القيام بهذه التمييزات إذا كان مثل هذا التمييز مهماً في لغتهم.
ولكن تقترح نتائج دراسات أخرى أن التمييزات الفونيمية ليست موروثة، ويحتاج تعلمها للتعرض إلى لغة تكون فيها مثل هذه التمييزات مهمة مثل دراسات مورس (Morse) و كاون" (Cowan) عام (1982) ، ودراسات ايلرز (Eilers) و جافين ، و أولر عام (1982)، وغيرها.
التعرف على الصوت :
يتضمن إدراك الرضيع للكلام أكثر من مجرد ادراك التمييزات الفونيمية. فالحديث الذي يسمعه الطفل يأتي من أناس ويكون من المهم معرفة من الذي يتحدث، كما أنه من المهم معرفة وجود درجة من التطابق بين مظهر المتحدث وصوته.
ما العمر الذي يتعرف به الرضيع على صوت أمه؟
تقترح الأبحاث التي قام بها ديكاسبر (Decasper) و فايفر (Fifer) ، أن الرضيع يتمتع بهذه القدرة من يومه الثالث وفي هذه الدراسة قام الرضع بمص اللهاية بسرعات متفاوتة لانتاج صوت أمهم أو صوت امرأة غريبة. ومن المدهش أن هؤلاء الرضع الصغار انتجوا صوت أمهم بتردد أكبر من انتاج الصوت الغريب.
الصفحة 143 :
ويتوفر تفسيران على ما يبدو القدرة التعرف المبكرة
ولدى الرضع القدرة على تصنيف الأصوات الأنثوية والذكورية كذلك فعند الشهر السابع من العمر - وريما قبل ذلك - يستطيع الرضع التمييز بين صوت الذكور وصوت الاناث، ولا يبدو أن هذا التصنيف مرتكز على درجة الصوت فقط، كما بينت دراسة "مورس (morse) و كاون (Cowan) . ويدرك الرضع أيضاً أن لا بد من أن يتماشى الصوت مع تعابير الوجه الذي يرونه. فمثلاً، في إحدى الدراسات واجه رضع بين ثلاثة وسبعة أشهر أمهاتهم واباءهم. ثم تم تقديم صوت أحد الأبوين من موقع بين الوالدين ومال الرضع في عمر ثلاثة أشهر إلى توجيه رؤوسهم إلى الوالد الحقيقي. وهكذا يدرك الرضع أن صوت الأم يجب أن يأتي من وجه الأم، وأن صوت الأب يجب أن يأتي من وجهه. وكذلك يفضل الرضع في عمر أسبوعين سماع صوت الأم مع ملاحظة وجهها، ويميلون إلى تجنب النظر إلى صوت الأم مقدماً مع وجه غريب أو صوت غريب مقدماً مع وجه الأم.
وإذا لم تدهشك بعد هذه القدرات للرضيع، لاحظ نتائج الدراسة التي قامت بها "كول و "ملتزوف عام (1982) ، حيث استمع وضع تراوحت أعمارهم ما بين أربعة أشهر وخمسة أشهر إلى شريط سجل عليه صوت حرف العلة المتوفر في الكلمة بوب ، أو صوت حرف العلة من كلمة بيب .
واثناء سماعهم لأحد هذين الحرفين، قدم أمامهم فيلمان جنباً إلى جنب. وأظهر أحد الفيلمين متحدثاً يلفظ كلمة بوب ، بينما ظهر في الفيلم الثاني المتحدث ذاته يلفظ كلمة ونظر الرضع مدة أطول إلى الفيلم الذي تتماشى حركات شفاه المتحدث فيه والحرف فإذا سمع الرضع صوت إي ، نظروا إلى المتحدث الذي يحرك فمه في شكل يتناسب وحرف العلة هذا.
الصفحة 144 :
وأخيراً، يدرك الرضع ادراكاً كاملاً أن الصوت السعيد ينبغي أن يصاحبه وجه سعيد، وأن الصوت الغاضب يصاحبه وجه غاضب. وأكد ذلك دراسة قامت بها العالمة " أندروز" عام (1986) ، حيث درست رضعاً أعمارهم سبعة أشهر مستخدمة طريقة التفضيل المشابهة لتلك التي استخدمها "كول" و"ملتزوف"، حيث استمع الرضع إلى واحد من تسجيلين إما لصوت سعيد أو لصوت غاضب، وقُدِّم للرضع فيلمين جنباً إلى جنب، أحدهما يظهر وجهاً سعيداً بينما يبين الوجه الثاني وجهاً غاضباً، وتم تغطية الثلث الأسفل من الوجه حتى لا يعتمد الرضيع على حركات الفم ويطابقا مع الصوت. وسجلت "أندروز" الزمن الذي يثبت به الرضع أعينهم على كل من الفيلمين.
وكانت نتيجة هذه الدراسة أن الرضع يميلون إلى الوجه السعيد عند سماعهم الصوت السعيد، ويميل الرضع للنظر إلى الوجه الغاضب عند سماعهم الصوت الغاضب.
ولنراجع الآن قدرات ادراك الحديث التي يملكها الرضع الصغار:
فهم يميزون معظم الفروق الفونيمية المهمة للغة التي ينشأون فيها. وادراكهم للحديث مصنف تماما كإدراك البالغين. كما يملكون ثبات صوت الكلام على الرغم من اختلاف المتحدثين. ويتمتع الرضع كذلك بقدرة على تمييز بعض الفروق الفونيمية غير المتوفرة في محيطهم التي لا يستطيع تمييزها الكبار من الأطفال أو البالغين. ويستطيع الوليد ذو الثلاثة أيام من العمر تمييز. صوت أمه. ويستطيع في الشهر السابع من العمر تمييز الصوت الأنثوي عن الصوت الذكوري. كما يبدو أن لدى الرضع قبل ذلك القدرة على مطابقة صوت الأم مع وجهها. كذلك يدرك الرضع أن حرف علة معين يتماشى مع شكل فم معين، وأن الصوت السعيد تصاحبه تعابير وجه سعيدة. وعلى الرغم من حقيقة أن قدرة الرضع على انتاج الحديث محدودة، إلا أن قدرتهم على ادراك الحديث مدهشة ومنذ الأشهر الأولى من الحياة.
حاسة اللمس:
تتم دراسة حاسة اللمس في المقام الأول من خلال ارتباطها بالاستجابات الانعكاسية. والوليد عدد كبير من الانعكاسات كاستجابته للمس في أماكن مختلفة من جسده .
فإذا ما تم لمس الوليد على طرف خده بالقرب من الفم، فاستجابته الإنعكاسية هي إدارة الوجه باتجاه اللمس وهذا الانعكاس مفيد لأنه يُعطي الوليد فرصة لايجاد حلمة ثدي أمه بعد .
الصفحة 145 :
أن تنزلق إلى جانب فمه. إلا أن بعض الانعكاسات التي تصدر عنه محيرة، مثل تقوس الظهر استجابة لتمرير اليد برفق على طول العمود الفقري .
وبين "جوتفريد" و"روز" ، أن الرضيع ذا السنة من العمر قادر على التعرف على شكل الأشياء معتمداً على حاسة اللمس فقط. حيث وجد هذان الباحثان أن الأطفال في غرفة معتمة يفضلون اللعب في الأشياء الجديدة أكثر من اللعب بالأشياء المألوفة. وربما أظهرت الدراسات في المستقبل أن الرضع في عمر أقل من سنة لديهم ذاكرة للتعرف على الأشياء باللمس.
إن واحداً من أكثر البراهين على قدرات الرضيع، هو المتعلق باللمس، فقد وجد "ملتزوف" و"مور" ، أن الرضع ما بين الأسبوعين والثلاثة أسابيع من العمر قادرون على تقليد تعابير وجه البالغين. ومن التعابير التي قام بها الباحث هي اخراج لسانه من فمه، وفتح فمه، وزم فمه إغلاق فمه. والغريب أن لدى الرضيع الذي عمره ثلاثة أيام قدرة على تقليد التعابير ذاتها، كما قام بذلك رضع معدل أعمارهم 42 دقيقة. أنظر الشكل التالي.
شكل رقم (10) يبين
عينات من صور لرضع تتراوح أعمارهم ما بين أسبوعين وثلاثة أسابيع يقلدون بالغا .
( انظرالصورة الموجودة في الصفحة 146 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه)
لاحظ الانجازات المدهشة المتمثلة في قدرة الرضيع على تقليد تعابير الوجه، إذ لا بد من بصر دقيق لتمييز التعابير، ولا بد من القيام بحركات عضلية تطابق الحركة التي يريدون تقليدها اضافة الى دافع للتقليد. وفي الحقيقة أن تقليد تعابير الوجه يتضمن تناسقاً معقداً المهارات بصرية وحركية.
: حاسة الشم
وأظهرت الدراسات حول حاسة الشم أن الرضيع حساس لأنواع مختلفة من الروائح كرائحة البيضة التالفة، ورائحة الخزامى (اللافندر) الجميلة. هذا وقد فضلت الاناث من الرضع رائحة تعرضن لها لمدة (24) ساعة في وقت لاحق على رائحة غير مألوفة، إلا أن الذكور لم يُظهروا مثل هذا التفضيل.
وحاولت العديد من الدراسات معرفة قدرة الرضيع على التمييز بين رائحة أمه ورائحة شخص غريب. حيث أخذ العالم "ماكفارلين"حشوة صدرين، ووضعها على جانبي فم الرضيع. وكانت إحدى هذه الحشوات قد لبستها أم الرضيع لساعات عديدة، بينما الحشوة الأخرى كانت من أم مرضعة أخرى. واستطاع الرضيع الذي عمره (6) أيام التمييز بين الحشوتين، حيث أدار وجهه باتجاه حشوة الأم لعدد أكبر من المرات.
ووجدت "تشيرنوح و "بورتر أن باستطاعة من يرضع من ثدي أمه التعرف على رائحتها بعد اسبوعين من العمر، بينما لم يستطع ذلك الرضع الذين يرضعون الحليب من زجاجة .
ولم يجد "رسل حشوة غريبة إلا بعد فرقاً في سرعة المص كالاستجابة لحشوة صدر الأم مقارنة مع حشوة غريبة الا بعد ستة أسابيع من العمر.
وهكذا نرى أن باستطاعة الرضع التمييز بين رائحة الأم ورائحة الغريب في عمر مبكر ولكن من غير الواضح، حتى الآن، متى يتم تعلم هذه المهارة.
: حاسة التذوق
تظهر حليمات التذوق مبكراً عند الجنين، ويبدو أنها تقوم بوظيفتها منذ الولادة. حيث لوحظ تغير ملامح وجه الرضيع استجابة للإثارة بأذواق مختلفة منذ الساعات الأولى للولادة.
147 : الصفحة
فمثلاً وضع العالم"ستاينر" مادة حلوة على لسان الرضيع، وسجل ارتياح وجه الرضيع في ملامح متعة مشابهة للابتسامة. وأدى وضع مادة حامضة إلى تجعيد الشفاه، بينما أدى وضع مادة مرة إلى تعبير اشمئزاز ووجد "ستاينز" تغيراً في تعابير الوجه للمؤثرات الحامضة في الخدج من الرضع، وعند الرضع شديدي الاعاقة كذلك. ويبدو أن الرضع لا يحتاجون إلى اجراء معالجة على مستوى عمليات عقلية عليا لتقرير ما إذا كان الطعم لذيذاً أو غير لذيذ، فالاستجابة موروثة وتشبه الانعكاس.
وأثار "ديسور" و"مالر" و"جرين" ان الرضيع شربوا ماءا اكثر عندما كان الماء محلى , اذ شرب رضع تراوحت أعمارهم ما بين اليوم والثلاثة أيام أكثر من ضعف كمية الماء، عندما كان الماء محلى مقارنة مع ماء نقي ، ويُفضل الرضع السائل الحلو على الأكل العادي، كما يبين "ديسور" وزملاءه أن تفضيل الوليد للمواد الحلوة يشبه إلى حد كبير التفضيل الذي يُظهره البالغ والرضيع الأكبر عمراً. هذا ويستطيع الوليد التمييز بين أنواع مختلفة من السوائل السكرية، ويفضلون سكر الفواكه والسكر الطبيعي على سكر الحليب والجلوكوز (سكر النشا).
رأينا فيما سبق، أن الأجهزة الحسية الانسانية تقوم بأداء رائع في جمع المعلومات عن المؤثرات حتى عندما لا يزيد عمر للرضيع ) عن أيام وخبرة الرضيع مع العالم ليست غباشات وغمغمات وفوضى ( مقولة اشتهر بها العالم "وليم جيمس" في وصفه للعالم الإدراكي للرضيع، وذلك لتوفر أجهزة الحساس تزودهم بمعلومات بصرية وصوتية وخبرات لمسية وشمية وذوقية عن عالمهم ومنذ الولادة. هذا اضافة إلى أن النمو الادراكي سريع في هذه الفترة من العمر. وبانتهاء مرحلة الرضاعة - والتي تتراوح ما بين 12 - 24 شهراً منذ الولادة عادة تكون القدرات الحسية قد نضجت إلى حد مدهش.
الصفحة 148 :
خلاصة : الحواس لدى الطفل حديث الولادة
الصفحة 149 :
الرضيع القيام بتمييزات فونيمية ليست ذات أهمية في اللغة المحيطة بهم، بينما يحتاج تمييز فونيمات أخرى إلى الخبرة.
-11بدأ الرضيع من اليوم الثالث بتمييز صوت الأم، ويستطيع في عمر مبكر تصنيف الأصوات الأنثوية عن الأصوات الذكورية، كما يستطيع مطابقة صوت الأم مع وجهها. ولدي الرضع قدرة على مطابقة صوت حرف علة مع الشكل المناسب لحركة الفم. ويدرك أن نبرة الصوت يجب أن تتلاءم مع التعبير الوجهي
-12يتم استجرار انعكاسات عند لمس جسم الرضيع في أماكن مختلفة. ويمكن للرضيع تقليد تعبيرات وجه البالغ بعد الساعة الأولى من العمر.
-13الرضع حساسون لعدد من الروائح، ويستطيع الرضع الصغار شم الفرق بين رائحة الأم ورائحة الغريب، ولكن من غير المعروف بعد العمر الذي يتم به اكتساب هذه المهارة.
-14يقومون الرضع وعمرهم ساعات قليلة بتعابير وجه مختلفة للمذاقات المختلفة ويشربون ماء أكثر إذا أضيف إليه مواد حلوة المذاق.
رابعاً : تنظيم الخبرات الحسية لدى الطفل حديث الولادة :- (اسماعيل، 1989).
إن عملية تنظيم الخبرات الحسية في أشكال ذات معنى هي العملية المعروفة بالإدراك. وهناك عدة نظريات في تفسير نمو الادراك عند الطفل؛ نكتفي بذكر أربعة منها :
الصفحة : 150
أ- الجانب الأول، هو إدراك الشكل البارز على أرضية أشد إنحساراً وأكثر رتابة، وهنا تكون عملية الادراك عملية أولية ولها أساس فسيولوجي.
ب- الجانب الثاني، فهو إدراك الشكل كشيء يتميز عن شكل آخر، وهنا تكون عملية الإدراك عملية مكتسبة عن طريق التعلم.
"دونالد هب" ."و"جوليان هوكبرج ، ومن أنصار هذه النظرية التي تعرف بالنظرية البنائية
ولقد أجمعت البحوث التي أجريت على مواضيع في الإدراك مثل متى، وكيف، ولماذا ينظم الطفل حديث الولادة خبراته الحسية، على أنه حتى الأسبوع السابع من عمر الوليد؛ يستجيب المواليد لعناصر في الشكل، ولكنهم لا يستطيعون أن يستجيبوا للشكل ككل. فمثلاً عندما ينظر الوليد إلى الوجه، فإن الذي يجذب نظره هو العينان أو النظارات أو مناطق التباين الحادة كالخط الفاصل بين الشعر والجبهة، كذلك عندما عُرضت على هؤلاء الأطفال أشكال هندسية كالمثلثات مثلاً، وجد أنهم ينظرون إلى زوايا المثلث وليس إلى المساحة الداخلية له، وتجذب انتباههم الزوايا الرأسية أكثر من الزوايا الأفقية .
ولقد سجلت هذه الملاحظات جميعاً عن طريق حركة العين آلات التصوير المخصصة لذلك. إلا أن تفسير هذه الملاحظات على أساس أن الطفل حديث الولادة يستجيب لعناصر من الشكل وليس للشكل ككل، ربما كان في حاجة إلى المراجعة. ذلك أن ما اعتبره الباحثون شكلاً، ربما كان هو في الواقع عنصراً بالنسبة للوليد، وما اعتبروه عنصراً، ربما كان هو الشكل بالنسبة له فالوليد عندما يجذب نظره العينان في الوجه الانساني أو الزوايا في المثلث فإن ذلك يمكن تفسيره على أساس أن العينين هما اللذان يبرزان كشكل على أرضية هي الوجه، وأن زاوية إنما تبرز كشكل على أرضية هي المثلث بأكمله. ذلك أن الشكل بالنسبة للأرضية هي مسألة نسبية، كما أنه ليس من الضروري في تعريف الشكل أن يكون معقداً؛ فإن بقعة بسيطة من أشعة الضوء الواقعة على أرضية الغرفة تعتبر شكلاً.
وباختصار فإن التنظيم الإدراكي للخبرات الحسية يبدأ أولاً بعملية ادراك الشكل كمدرك بارز متميز عن أرضية غير محددة. أو بمعنى آخر، فإن أول ما يجذب انتباه الوليد هو عناصر بسيطة في المجال الحسي، يستجيب لها كأشكال محددة لا معنى لها ، ثم تنمو بعد ذلك القدرة على إدراك الأشكال الأكثر تعقيدا.
151 :الصفحة
خامساً : قدرة الطفل حديث الولادة على التعلم -:(اسماعيل 1989 ).
ما هو أول سن يكون فيه الوليد قابلاً للتعلم ؟
إن تحديد العمر الذي يبدأ فيه الوليد بالتعلم، تحديداً دقيقاً، وإن كان عملية صعبة، إلا أنه ليس من المستحيل الإجابة عليها. عن طريق الاشراط(وقبل أن نجيب عليها، يجب أن نذكر بأن المقصود بالتعلم هنا، إما اكتساب مثيرات شرطية الاستجابي أو الكلاسيكي)، أو تعديل في السلوك الاجرائي عن طريق التعزيز أو مبدأ الاشراط الاجرائي.
ولقد حاول العالم "ماركويس" عام (1941)، الاجابة على هذا السؤال في دراسته التي جاءت بعنوان
Can Conditioned Response Be Estabilished In Human New Born Infant
إذ جاء بمجموعتين من الأطفال حديثي الولادة، ووضع الأولى على جدول رضاعة كل ثلاث ساعات، والثانية على جدول رضاعة كل أربع ساعات. وبعد سبعة أيام، غير النظام فجعل الأولى محل الثانية، والثانية محل الأولى، فوجد أن كل مجموعة ظلت، مع ذلك تبدي نشاطاً حركياً متزايداً، في الوقت الذي كانت تتلقى فيه الرضعة حسب الجدول الأول.
ويفسر "ماركويس" هذا بأن الأطفال تعلموا بسرعة أن يستجيبوا للتوقيت الذي تعودوا فيه أن يتلقوا الرضعة، ويعتبر التوقيت هنا بمثابة المثير الشرطي لاستجابة الرضاعة.
وأجريت تجارب أخرى كثيرة بعد ذلك لاثبات أن الطفل يمكنه في وقت مبكر جداً أن يكتسب مثيرات شرطية مثل صوت شوكة رنانة مثلاً أو إضاءة ضوء، وذلك بالنسبة لأفعال منعكسة مثل رمش العين أو حركة الرضاعة عندما تقترن تلك المثيرات بالمثيرات الطبيعية لهذه الأفعال المنعكسة.
وبالرغم من أن معظم هذه التجارب، قد انتقد على أساس منهجي المقصود بالأساس المنهجي، أي الطريقة التي كانت تتم بها هذه التجارب، إلا أنه قد أصبح من الثابت الآن بناء على دراسات حديثة، إنه في غضون الشهر الأول يمكن أن يكتسب الطفل مثيرات شرطية، كما يمكن أن تعدل استجاباته الاجرائية.
152 :الصفحة
كما أصبح معروفاً أيضاً أن عملية الاشراط الاجرائي يمكن إحداثها بسهولة وبنجاح أكبر مما يحدث بالنسبة للاشراط الكلاسيكي. وذلك أنه في حالة الاشراط الكلاسيكي قد يكون لعدم نضج الجهاز العصبي عند الطفل حديث الولادة، أثره في صعوبة القدرة على الربط بين المثير الشرطي والاستجابة، وكذلك قد تكون بعض المثيرات الجديدة مثيرة بشكل طبيعي للمقاومة وعدم التقبل من ناحية الطفل، وبذلك تتعطل عملية الاشراط بدلاً من أن تحدث.
أما في حالة الاشراط الاجرائي فإن الموقف يختلف؛ ذلك أنه ما على المجرب إلا أن يعقب على حدوث استجابة اجرائية موجودة بالفعل بعملية التعزيز التدعيم لكي يحدث التعديل المطلوب.
وكمثال على التجارب التي أجريت في الاشراط الاجرائي عند الطفل حديث الولادة ما قام به العالم واطسون عام (1967) في الدراسة التي كانت بعنوان.
Memory and Contingency analysis In Infant Learning
حيث أحضر مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين تسعة إلى أربعة عشرة أسبوعاً، وكان يعرض مثيراً جذاباً ، للأطفال الذين يديرون رؤوسهم إلى جهة معينة. فوجد أن الأطفال الذين أداروا رؤوسهم إلى نفس الجهة للمرة التالية بعد خمس ثوان، كان احتمال ادارتهم لرؤوسهم لهذا الاتجاه المفضل أكثر من غيرهم، أما الأطفال الذين أداروا رؤوسهم قبل أو بعد انقضاء هذه الفترة، فإنهم كانوا أقل حظاً في اكتساب هذه الاستجابة.
وقد استنتج واطسون" من ذلك أن فترة الخمس ثواني هي أنسب فترة يمكن أن تنقضي بين الاستجابة وعملية التدعيم (التعزيز ) إذا ما أردنا أن نحدث التعديل المطلوب ( وهو استدارة الرأس إلى جهة معينة، إذا كان للطفل رغبة في تحصيل المثير الجذاب). وقد علل "واطسون" ذلك بأن الأطفال الذين أداروا رؤوسهم قبل مضي هذه الفترة لم يكن لديهم الوقت الكافي لاستيعاب العلاقة بين الاستجابة والمكافأة (التعزيز). أما بعد فوات هذه الفترة، فإن الطفل لا تكون لديه القدرة على إدراك علاقة التتابع( بين الاستجابة والمكافأة).
153 :الصفحة
ولهذه التجربة مضمون هام جداً من حيث رعاية الطفل حديث الولادة، ذلك أنه إذا كانت الفترة التي تنقضي بين الاستجابة وعملية التدعيم (التعزيز) لها أهميتها في عملية التعلم، وإذا كان لا بد لهذه الفترة أن تكون قصيرة حتى يستطيع الطفل أن يدرك العلاقة بين استجابة معينة والثواب الذي يحصل عليه نتيجة لها ، لزم عن ذلك كله أن الآباء الذين يريدون أن يؤثروا في سلوك أطفالهم عليهم أن يستجيبوا على الفور تقريباً لنشاط هؤلاء الأطفال، إذا كان لهم أن ينجحوا في إحداث ذلك التأثير.
وقد أراد عالم النفس التشيكي "بابوسيك" أن يستخدم كلاً من الاشراط الاستجابي (الكلاسيكي) والاشراط الاجرائي (الوسيلي) معاً في تجربة للحصول على استجابة إدارة الرأس من الوليد. وقد استخدم الحليب» في هذه التجربة كمثير طبيعي ومدعم معاً . فكان يقدم الحليب من الجانب الأيسر عندما يدق جرس معين، فإذا أدار الوليد رأسه فإنه يحصل على الحليب. أما إذا لم يدر رأسه، فإن المجرب يلمس الركن الأيسر من فمه بالحلمة. فإذا ظل يفشل في الاستجابة، فإن المجرب يدير له رأسه ويريه الحليب ثم يعيد رأسه مرة أخرى إلى مكانه في الوسط.
وقد استمرت هذه التجربة لمدة ثلاثة أسابيع، واستغرقت من المجرب (177) محاولة، كل عشرة منها في فترة منفصلة، وذلك قبل أن يتعلم الوليد استجابة إدارة الرأس عند سماع الجرس للحصول على الحليب.
وقد استنتج "بابوسيك" من هذه التجربة، أن الوليد بإمكانه أن يتعلم، ولكن عملية الاشراط لا تكون ذات فاعلية سريعة إذا كانت الأحداث والاستجابات جزافية، أما إذا قامت عملية الاشراط على أساس ما هو موجود بالفعل من استجابات في الحصيلة السلوكية للطفل وما هو مستعد أن يستجيب له من مثيرات فإنها ( أي عملية الاشراط) عندئذ تكون سهلة وأكثر فعالية.
154 :الصفحة
خلاصة ( قدرة الطفل حديث الولادة على التعلم).
2- إن عملية الاشراط الاجرائي تكون أسهل نسبياً من عملية الاشراط الكلاسيكي، حيث أن بعض المثيرات قد يكون مرفوضا بشكل اولي من جانب الوليد.
3- أنه سواء في حالة الاشراط الاجرائي أو الاشراط الكلاسيكي، تتوقف فاعلية الاشراط على ما يمكن أن يصدر من الوليد من استجابات، فأنت يمكنك أن تحدث إشراطاً بالنسبة لحركة موجودة بالفعل كحركة الرأس، ولكن لا يمكنك أن تحدث إشراطاً لاستجابة مثل الجلوس إذا كان الطفل. غير معد لها بعد.
4-تعتبر الفترة الزمنية المنقضية بين المثير الطبيعي والمثير الشرطي، وكذلك بين الاستجابة وعملية التدعيم، متغيراً هاماً في عملية التعلم عند الوليد، نظراً لقدرة الوليد المحدودة على إدراك (استيعاب) علاقة التتابع في كل من هاتين الحالتين ولهذه الحقيقة الأخيرة مضمون نفسي تربوي على درجة قصوى من الأهمية.
( ضمن النسخة الورقية بدف اعلاه 155 انظرالصورة الموجودة في الصفحة )
155 :الصفحة
الفصل السادس: مظاهر النمو المعرفي لطفل المهد
مقدمة
في هذا الفصل نخطو خطوة للأمام، لنتعرف على بعض مظاهر النمو المعرفي لطفل المهد، بمعنى آخر، كيف يمكن أن يتجسد هذا النمو عند طفلنا في هذه المرحلة. لذلك كانت مواضيع مثل: الدافع إلى الاستطلاع، والادراك والانتباه وتطورهما، ومفهوم بقاء الشيء (استمراريته) والتعجب من الأحداث الغريبة، والتذكر، وادراك المكان والزمان والسببية، وتصنيف الأشياء والقدرة على حل المشكلات والتعرف على الذات، واللعب ودلالته المعرفية، وقياس مستوى النمو المعرفي لدى طفل المهد
ونعتقد أن هذا الفصل والفصلين الخامس والسابع، جميعهم يساهموا وبشكل مباشر في توضيح خصائص طفل المرحلة الحسية - الحركية، وبشكل يجعلنا نفهمه أكثر.
أولاً : الدافع إلى الاستطلاع :-( اسماعيل،1989)
ما الذي يدفع الطفل أصلا إلى الحركة للاستكشاف والاستطلاع ؟
دراسته الكلاسيكية عن دافعية الرضيع والتي كانت بعنوان " حتى سنة (1959) عندما نشر العالم "هوايت كانت نظريات« إختزال الحاجة» أو «إختزال الدافع » تفسر النشاط الإنساني، بما في ذلك نشاط الرضع، على اعتبار أنه محاولات لاشباع الدوافع الفسيولوجية الأساسية. بمعنى أنه لا بد - في رأي هذه النظريات - أن توجد قوة خارجية كوقوع مثير مؤلم أو نقص يعتري أنسجة الكائن العضوي، كما في حالات الجوع والعطش، حتى يتحرك هذا الكائن.
وكانت المشكلة بالنسبة لهذه النظريات أنها لم تستطع أن تفسر نشاطات مثل لعب الأطفال أو – لنفس السبب - قراءة الكبير لقصة بوليسية مثلاً، أو حتى لعب القطة بكرة من الخيوط الصوفية .
جاءت دراسة "هوايت" فحدث تحول كبير في تفسير دافعية الأطفال. وكانت نظريته تؤكد أن الدافع إلى النشاط الذي يبدو غير هادف في حياة الرضيع وصغار الأطفال، هو «دافع.
159 :الصفحة
«الكفاءة»، وهو مصطلح استخدمه ليعبر به عن قدرة الكائن العضوي على التفاعل بكفاءة وفاعلية مع بيئته». فالأطفال الذين يضحكون عندما يهزون الخشخيشة فتحدث صوتاً، إنما يفرحهم - في رأيه - الشعور بالقدرة على التأثير أو إحداث الأثر. ذلك الشعور الذي يمكن ترجمته إجرائياً بأنه إدراك من ناحية الطفل بأن نشاطه يمكن أن يحدث تأثيراً في البيئة المحيطة، أي يجعلها تستجيب لطرق يضع زمامها في يده هو.
أما مثيرات هذا الدافع - في رأي "هوايت" - فهو إحداث تغيير في الموقف المثير الواحد. فالأطفال يمكنهم أن يُحدثوا تجريداً في الأشياء عن طريق نشاطهم الذاتي. فهم يستطيعون مثلاً أن يجعلوا الكرة «تسلك سلوكاً مختلفاً بأن يسقطوها أو يدحرجوها، وبامكانهم أن يستعملوا المكعبات لعمل تركيبات جديدة. وإلى جانب ذلك، فإن الأطفال يبحثون عن الجديد في بيئتهم، وفي ألعابهم لكي يظلوا محتفظين بقدر كاف من الاهتمام.
إن قيمة الاضافة التي جاء بها مفهوم الكفاءة هذا لا تكمن فقط في مساعدته على تفسير بعض النشاطات التي كانت تبدو بغير تفسير في حياة الرضيع وصغار الأطفال، بل في أنه قد ساعد أيضاً - وربما بشكل أهم - على اعتبار السلوك المعرفي - بوجه عام - سلوكاً تكيفياً.
إننا جميعاً في حاجة إلى أن نتعامل بفاعلية مع البيئة (إذا كان لنا أن نتكيف معها)، ومن ثم فإننا نسعى بشكل أولي إلى تحقيق ذلك، وهذا هو معنى الدافع إلى الكفاءة. ولكننا لا نستطيع أن نتعامل بكفاءة مع البيئة إلا إذا عرفناها.
ومن هنا كان اعتبار : النشاط التلقائي، والفحص والاستكشاف والاستطلاع، وجميع أنواع النشاط المعرفي نشاطاً تكيفياً بدافع تحقيق الكفاءة. إن هذه الفكرة لا تختلف عن فكرة "بياجيه" الذي اعتبر أن الذكاء عبارة عن ميكانزم تكيفي بالنسبة للبشر.
( انظر الصورة الموجودة في الصفحة 160 ضمن النسخة الورقية بدف اعلاه )
160 :الصفحة
ثانياً: الرضيع واستمرارية الأشياء ( مفهوم بقاء / دوام الأشياء) :- (محمد ، 1992)
يعد مفهوم بقاء الشيء أو دوامه واستمراره مفهوماً أساسياً يشير إلى المرحلة التي يقف عندها النمو المعرفي عند الفرد. ويعتبر بمثابة النواة الأولى التي تؤدي إلى التصرفات القائمة على التوقع، والبوادر الأولى للإستدلال. فالواقع أن اكتساب التوقع من الشيء، معناه أن الطفل قد عرف أن الشيء يمكن أن يكون موجوداً حتى ولو لم يكن الطفل يراه، وأنه يمكن بالتالي أن يستعيده بعد أن يكون قد اختفى عن عيونه، أي أن الشيء باق ومحفوظ وانطلاقاً من هذه الفكرة استخلص .«الثبات» بياجيه فكرته عن
والتعرف على اكتساب الطفل لمفهوم بقاء الأشياء، فإنه يوجد هناك مقياس يعتبر أحد مسارات النمو والتي يوضحها الجدول رقم (3) في الفصل السابع ويمثل هذا المقياس المقياس الأول بالجدول، ويتكون من الخطوات التالية.
متابعة جسم يتحرك ببط خلال قوس مقداره (180) درجة. - 1
مشاهدة جسم يتحرك ببط، وهو يختفي. - 2
الوصول إلى جسم مغطى جزئياً.-3
الوصول إلى جسم أو شيء مغطى بأكمله.-4
الوصول إلى جسم أو شيء مغطى بأكمله في مكانين.-5
الوصول إلى جسم أو شيء مغطى بأكمله في مكانين بالتتابع-6
الوصول إلى جسم أو شيء مغطى بأكمله (تماماً) في ثلاثة أماكن.-7
الوصول إلى جسم أو شيء بعد عدة إزاحات مرئية متتالية.-8
الوصول إلى جسم أو شيء موضوع تحت ثلاث ستائر.-9
الوصول إلى جسم أو شيء بإتباع إزاحة واحدة غير مرئية.-10
الوصول إلى جسم أو شيء بإتباع إزاحة واحدة غير مرئية واستخدام ستارتين.-11
الوصول إلى جسم أو شيء بإتباع إزاحة واحدة غير مرئية واستخدام ستارتين بالتناوب.-12
161 :الصفحة
الوصول إلى جسم أو شيء بإتباع إزاحة واحدة غير مرئية واستخدام ثلاث ستائر.-13
الوصول إلى جسم أو شيء بإتباع سلسلة من الإزاحات غير المرئية.-14
الوصول إلى جسم أو شيء بإتباع سلسلة من الازاحات غير المرئية وذلك بالبحث -15
في عكس الجهة التي تم فيها الاختفاء.
وبالرجوع إلى هذه الخطوات نجد أن الطفل في البداية يقوم بمهارة الملاحظة البسيطة أو المتابعة البصرية لشيء شيق بالنسبة له، كلعبة ملونة مثلاً وهي تتحرك أمامه ببطه. فحينما يبلغ الطفل شهراً من العمر يتابعها ببطه خلال القوس مع تحرك هذا الشيء من جانب إلى آخر (الخطوة الأولى).
ثم ينتقل الانتباه إلى كيف يكون رد فعل الطفل لاختفاء هذا الشيء المتحرك، كأن يتحرك هذا الشيء من تحت الكرسي مثلاً. والملاحظ أن الطفل يبدو في البداية وكأنه قد فقد اهتمامه بهذا الشيء حينما يختفي من أمامه، ولكن يظل نظره متعلقاً بالمكان الذي اختفى عنده هذا الشيء( الخطوة الثانية).
ويعتبر هذا أول إشارة إلى أن ما لا يراه الطفل ليس له وجود كلياً، إلا أن ذلك يحدث بعد عدة شهور. وفي الخطوة الرابعة، يتعلق انتباه الطفل بشيء جذاب كالخشخيشة مثلاً، فتوضع في متناول يده ولكنها تُغطى قبل أن يمسك الطفل بها. وعند هذه النقطة يفقد الطفل الأصغر سناً اهتمامه بها، وقد ينظر للخلف ويوقف حركة اليد تجاهها، ولكن الطفل الذي يبلغ من العمر سبعة شهور يستطيع أن يزيح هذا الغطاء ويحصل على الخشخيشة (الخطوة الرابعة). وتعتبر هذه الخطوة هي بداية التكوين العقلي للشيء على أنه باق أو دائم.. وبعد ذلك يتم اخفاء الشيء خلف ثلاث ستائر بالتتابع ويترك خلف الستارة الثلاثة، وحينما يرى الطفل هذا الشيء يختفي من جديد بعد البحث عنه خلف الستارتين الأوليتين، يجد نفسه أمام مشكلة حلها هو البحث عن هذا الشيء خلف الستارة الثالثة، وهو ما لا يحدث إلا في حوالي الشهر التاسع أو العاشر ... كان هذا شرحاً سريعاً للخطوات التي تضمنها المقياس، ولكن كيف يتم ادراك الطفل المفهوم بقاء الأشياء؟
162 :الصفحة
لكي يعرف الطفل أن شيئاً ما باق، فإن عليه أن يكون مفهوماً، للشيء، ويبدأ هذا التكوين حينما يبدأ الطفل في تنسيق العديد من الصور الاجمالية أو العقلية السلوكية، مثل السمع والنظر لنفس الشيء، أو الوصول إلى الشيء والامساك به، أو رؤية الشيء والوصول إليه والإمساك به نفسه ولكي يكون الطفل صورة عقلية لهذا الشيء من تلك الخبرات، عليه أن يعزل المظهر الذي تشترك فيه كل هذه الصور جميعاً، وهو ما يعرف بالمظهر الثابت في العديد من الخبرات، وهو ما يميز هذا
الشيء المعين لاحظ هنا وكأننا نتحدث عن عمليتي تكوين المفهوم وهما : التعميم والتمييز.
وفي المراحل الأولى من هذا التكوين يعتبر كل شيء يتفاعل معه الطفل بالنسبة له مجرد نمط مؤقت في شبكة من أنماط السلوك الحسي – الحركي.
ويمكننا أن نتبين التقدم نحو اكتساب مفهوم بقاء الأشياء لو لاحظنا سلوك الطفل في موقف ما، فلو أن شيئاً ما كان يلازم بصره باستمرار، ثم أزيل من مجاله البصري، فإن الطفل الأصغر سناً في هذا الموقف سوف ينقل اهتمامه إلى شيء آخر، ولا يبحث عن هذا الشيء إطلاقاً. وذلك لأن الطفل حينما لم يعد يرى هذا الشيء أمامه، أصبح هذا الشيء لا وجود له ( ما لا يراه الطفل لا وجود له).
إلا أن الطفل في مرحلة تالية يبحث عنه بايجاز شديد وبطريقة واحدة، فإذا كان ينظر إلى الشيء، فإنه يبحث عنه في الموضع الذي اختفى فيه، وإذا كان يمسكه بيده، فإنه يلتمس طريقة إليه بيده، وهكذا. وبعد ذلك نجد أننا لو أخفينا شيئاً ما في مكان واحد عدة مرات، فسوف يقوم الطفل بالبحث عنه في هذا المكان مباشرة.
وإذا قمنا بنقل هذا الشيء من هذا المكان الذي أخفيناه فيه عدة مرات إلى مكان آخر قريب من هذا المكان على أن يتم ذلك أمام الطفل، فإن الطفل سيبحث عنه في المكان الذي اختفى فيه في البداية. وهنا سيجد أن هذا الشيء قد اختفى، ولن يستطيع أن يتمثل هذا الشيء في مكانه الجديد الذي وضعناه فيه، وذلك لأنه لم يكون بعد مفهوماً ثابتاً للشيء من خبراته مع الأشياء في مواضع متعددة. إلا أن الطفل بعد ذلك يستطيع أن يتابع الأماكن التي ننقل فيها هذا الشيء إذا نقلناه أمامه، أما إذا أخفينا هذا الشيء عنه، فإنه سيبحث عنه من جديد في المكان.
163 :الصفحة
الذي اختفى فيه أولاً. وقرب نهاية هذا المرحلة يبحث الطفل عن الشيء في آخر مكان وضع فيه، وبعد ذلك يبحث عنه في الأماكن الأخرى التي قد تكون أخفيناه فيها. وبذلك يبقى مفهوم الشيء ثابتاً في وجه التغيرات التي تحدث في المجال الحسي كرزية شيء من زوايا ومسافات متعددة، ورؤيته وهو يختفي وراء ستارة مثلاً، وهكذا.
وبذلك يستطيع الطفل أن يدرك فكرة بقاء الشيء ودوامه رغم اختفائه بعد أن كان خلال الثلاثة شهور الأولى من حياته
لا دوام للأشياء التي يقع عليها بصره ثم ينمو نوع من التارر بين البصر وبين حركات التراعين واليدين بين من ثلاثة شهور إلى ستة شهور، ويحاول الطفل البحث عن الشيء الذي احتفى عن بصره في نفس المكان الذي اختفى فيه، وذلك بين من (129) شهرا بينما يدرك انتقال الشيء من مكانه إلى مكان الخربين من (12 - 118) شهرا، ويحاول البحث عنه في المكان الثاني إذا لم يجد في المكان الأول، ومن سن (18 - 24 ) شهرا يتم تكوين مفهوم البقاء الدائم للأشياء رغم اختفائها، إلا أن اختفاء الشيء لا يعني زواله نهائيا من الوجود.
ثالثاً التعجب من الأحداث الغريبة ( إسماعيل 1989 ).
ولكن ماذا يحدث لو أن الطفل لم يجد الشيء في المكان الذي يبحث فيه عنه، أو ظهر له شيء آخر بدلاً منه، أو إذا اختفى الشيء من امامه ولم يظهر؟
ظاهرة أخرى يمكن أن نلاحظها على الطفل، تسير جنباً إلى جنب مع نمو مفهوم دوام الشيء وتؤكد ما توصل إليه بياجيه في أبحاثه، تلك هي ظاهرة التعجب، التي تعتبر أيضاً مقياساً آخراً للنمو المعرفي في هذه المرحلة.
( انظر الصورة الموجودة في الصفحة 164 ضمن النسخة الورقية بدف اعلاه )
164 :الصفحة
( انظر الصورة الموجودة في الصفحة 165 ضمن النسخة الورقية بدف اعلاه )
ويختلف «التعجب» عن «الإجفال» أو «الإنتفاض»، ذلك أن الفعل الأخير يحدث بشكل أولي عندما يتعرض الطفل لصوت مزعج أو لفقد السند . أما «التعجب» أو إظهار الدهشة بدرجة ما من درجاتها، فإنه يحدث عندما لا تتفق البيانات التي يحصل عليها الطفل من الخارج مع البيانات التي يختزنها لديه أو بمعنى آخر، عندما لا تتحقق توقعاته. فالطفل لا يستطيع أن يتعجب إلا عندما يبدأ في تكوين نوعاً من« التوقع» أو «الفروض ».
فاذا بدأ الطفل يتعجب عندما تختفي الأشياء أو تستبدل، فذلك لأنه قد بدأ يكون فكرة أن الأشياء الغائبة عن بصره تظل موجودة، وهو ما أطلق عليه بياجيه دوام الشيء.
وعلى هذا الأساس، نحن لا نلاحظ على طفل حديث الولادة أن يثير تعجبه، مثلاً، رؤية لعبة تختفي تحت ملاءة ثم تخرج من الناحية الأخرى لعبة أخرى بدلاً منها . أو حتى أن تختفي اللعبة الأولى دون أن تظهر أو يظهر بديل عنها. ولكن بوصول الطفل إلى سن أربعة أو خمسة أشهر، فإنه يبدأ يتعجب من مثل هذه الأحداث، ويظل يتوقع أن يظهر الشيء الأصلي (أي الذي إختفى)، مرة أخرى، وإن كان لا يقوم بمجهود ايجابي في البحث عنه، وإنما يكتفي بأن يعود ببصره إلى الوراء حيث اختفى، وكأنما يتوقع أن يجده هناك.
إذن يتمكن الطفل في سن الثانية عشر شهرا أن يتعرف على الأشياء، ولكن لا يمكنه أن يتصور الشيء في حالة غيابه، أما طفل الثامنة عشر شهرا، فإنه يستطيع أن يتصور الشيء في حالة غيابه، ولذا فإنه يصر على أنه لا زال موجوداً.
165 :الصفحة
( ضمن النسخة الورقية بدف اعلاه166انظر الصورة الموجودة في الصفحة )
رابعاً: التذكر
يتصل ما قلناه سابقاً اتصالاً وثيقاً بنمو القدرة على الاحتفاظ أو التذكر عند طفل المهد. فمفهوم دوام الشيء أو التعجب للأحداث الغريبة أو الإنتباه إلى الأشياء الغريبة ثم المألوفة، لا شك أنه يتضمن أن الطفل يحتفظ بصورة ما، بانطباعات عن الأحداث والأشياء التي تمر به ويتصرف إزاءها على هذا الأساس.
ولا يحتاج الأمر إلى تجارب للتدليل على أن الطفل يتذكر شيئاً ما، فذلك واضح من مجرد الملاحظة العرضية. فالمواليد يمكنهم أن يتعرفوا على أبائهم مثلاً، كذلك تمدنا ردود أفعالهم إزاء المثيرات المألوفة بأدلة أخرى على عملية التذكر. فمن الواضح إنه اذا استجاب الوليد للمثيرات المألوفة بطريقة تختلف عن استجابته للمثيرات غير المألوفة، فإن معنى ذلك أن الطفل يظهر قدرة على التذكر، وهكذا.
ولكن إلى أي مدى يمكن للطفل أن يحتفظ بالمادة المرئية في ذاكرته في الواقع أن البحوث المختلفة أعطت إجابات مختلفة على هذا السؤال، فبعضهم أثبت أن الطفل في سن أربعة أشهر يمكنه أن يتعرف على شكل هندسي بعد (24) ساعة من رؤيته للمرة الأولى. أما البعض الآخر، فقد أثبت أن الطفل في سن خمسة أشهر يمكنه أن يتعرف على أشكال هندسية بعد (48) ساعة، وعلى الوجوه بعد أسبوعين من آخر مرة رأها فيها.
166 :الصفحة
والخلاصة أن المواليد كالكبار، لديهم ذاكرة بصرية قصيرة المدى وذاكرة طويلة المدى، ولكنهم. كالكبار أيضاً يمكنهم أن ينسوا، وأن أحد أسباب النسيان عند اطفال المهد هو تحويل الانتباه عن طريق مادة شبيهة بالمادة المحفوظة، وهو ما نسميه بعامل التداخل.
خامساً : فكرة الطفل عن المكان والزمان
يرتبط بمفهوم بقاء الأشياء بناء أبعاد للزمان والمكان. فالمكان أو الحيز عبارة عن علاقة بين الأشياء، هذه الأشياء لا بد أن تكون في مكان ما أو حيز. وعندما لا يكون هناك أية أشياء لا يكون هناك حيز أو مكان، والعكس صحيح ويعتمد كلاهما (أي الشيء ومكانه) على التنسيق بين أنماط السلوك كالنظر إلى الشيء ورؤيته والوصول إليه والإمساك به. وعندما يصبح الطفل ماهراً في القيام بتلك الأنواع من التنسيق يبدأ في نقل الأشياء في بيئته، ثم يتسع اهتمامه ليشمل العلاقات بين الأشياء، وأنماط سلوكه عليها. ويعتبر هذا الاتساع بمثابة البداية فقط المفهوم الحيز العام تعتبر إحدى نتائجه أن الطفل قرب نهاية السنة الأولى من عمره يكتسب القدرة على أن يعكس وضع الشيء في الحيز الذي يشغله. مثال ذلك أن الطفل قبل هذه الفترة كان لا يبذل أي مجهود ليلفت زجاجة الرضاعة إليه لو وضعناها له في وضع معكوس أي قاعدتها نحوه، أما الآن فإنه يعكسها في الحال لتصبح الحلمة بإتجاهه. وسوف ينقضي وقت طويل قبل أن يستطيع الطفل أن يتصور كيف يبدو شيئاً ما من وجهة نظر شخص آخر، ولكن ما فعله الطفل بزجاجة الرضاعة يعتبر خطوة في هذا الاتجاه.
وفي الجزء الأخير من المرحلة الحسية - الحركية، والذي يعتبر مرحلة انتقال إلى مرحلة ما قبل العمليات، يبدأ الطفل في بناء« رموز» لتمثل بيئته. كما أنه يستطيع الآن أن يفكر في أشياء غائبة أي غير موجودة أمامه، أو أشياء موجودة أمامه بالفعل في مواضع مختلفة. فمثلاً إذا دحرج الطفل كرة تحت «الكنبة» فإنه يستطيع أن ينصرف عن مسار الكرة غير المرئية الآن لكي يتخطى الحاجز ويلتقط الكرة من الجانب الآخر ولا يتطلب ذلك الأداء التمثيل الداخلي للكرة في حيزها الجديد فحسب، بل أيضاً تنسيقاً ملحوظاً وفعالاً للصور العقلية للسلوك. وبذلك فإن بقاء الشيء و«الحيز أو المكان» يمثلان مظهرين لنفس التكوين.
167 :الصفحة
ولكن على الأقل يبقى مظهراً واحداً هو« الزمان». وتدل نفس فكرة« بقاء الأشياء» على بعد زماني أيضاً، وعلى ذلك، فبينما يتطور مفهوم بقاء الشيء ويتطور معه مفهوم الحيز أو المكان لدى الطفل يتطور مفهوم الزمان أيضاً. وكذلك فالمظاهر السلوكية لأحدهما تدل على الآخر ففي البداية يتواجد الشيء لفترة قصيرة فقط إن لم يكن على الدوام، وحينما يختفي يبحث الطفل عنه قليلاً، إلا أن فترة البحث عنه تطول بعد ذلك كما أن الطفل في البداية أيضاً يفقد أثر الشيء بمجرد أن يختفي، إلا أنه فيما بعد يستطيع أن يتتبع سلسلة من الإزاحات وأيضاً في البداية يعيش الطفل في الحاضر فقط، ولكنه فيما بعد يستطيع أن يتذكر أحداثاً ماضية ويتوقع أحداثاً مستقبلية. وبذلك يكون الطفل قد اكتسب مفهوماً أولياً للزمان.
.(ضمن النسخة الورقية بدف اعلاه 168انظر الصورة الموجودة في الصفحة )
سادساً : فكرة الطفل عن القصدية
يرى بياجيه أنه لكي يعتبر سلوكاً ما مقصوداً، يجب أن تتوافر فيه ثلاثة شروط هي
ا - توجه متمركز حول الشيء.
168 :الصفحة
ب - سلوك وسيط (وسيلة) يسبق سلوكًا عرضياً (غاية).
جـ- تكيف متعمد مع المواقف الجديدة.
وفي الغالب يظهر سلوك الأطفال الأصغر سناً توجهاً متمركزاً حول شيء ما، على الرغم من أن هذا التوجه يكون لفترة قصيرة كما أوضحنا سالفاً، ولكن فصل الغايات عن الوسائل والتكيف المتعمد للمواقف الجديدة لا يحدث في الحال، ولا يظهر أول دليل لذلك إلا قرب نهاية العام الأول من العمر فلو أننا وضعنا شيئاً صغيراً جذاباً أمام طفل في الشهر العاشر من عمره، ثم وضعنا بعد ذلك حاجزاً بين الطفل وبين هذا الشيء الجذاب، فمن المحتمل أن يسير الطفل باتجاه هذا الحاجز متعمداً ليزيله ويصل إلى هذا الشيء.
وحينما كان الطفل أصغر من ذلك كان يفقد اهتمامه بالشيء بمجرد أنه يختفي وراء الحاجز لأنه أصبح غير موجود بالنسبة له في ذلك الوقت. أما الآن فإنه يتكيف عن عمد مع موقف جديد، وذلك عن طريق فصل الوسيلة عن الغاية ثم القيام بنمطي السلوك بالتتابع.
سابعاً : السببية أو العلية (علاقات الغاية - الوسيلة )
وقرب نهاية العام الأول من العمر، وبالتحديد في المرحلة الفرعية الرابعة، تظهر أولى الدلائل الواضحة لبناء يشبه ما يقصد به الراشد السببية». فيستطيع أن يدرك الأشياء على أنها أسباب، فنجده في مثالنا السابق يسير باتجاه الحاجز، وكأنه يسبب له احباطاً. ويتسع مدى اهتمامه من الاهتمام بالسلوك فقط إلى الاهتمام بالسلوك ونتائجه أيضاً. ومن ناحية المثير فإن الطفل أحياناً ما ينتظر الراشدين ليقوموا ببعض الأشياء له، وبذلك يدرك وجود السبب خارج ذاته هو بعكس الفترة السابقة، حيث كان يدرك أنه ذاته هو السبب.
وفي النصف الأخير من المرحلة الحسية - الحركية يقوم الطفل بسلوك المحاولة والخطأ». ويرى بياجيه" أن ذلك يعتبر نوعاً من المواءمة. أنظر المشاهدة رقم (5) في فصل الملاحق.
ومن الواضح أن الاستجابة الأولية لجاكلين عبارة عن تمثل للموقف الجديد في صورة عقلية (إجمالية) موجودة بالفعل تتألف من الوصول للشيء، والامساك به، وجذبه، أما ما استطاعت أن تحققه في النهاية، وبعد عدد من المحاولات فهو تواؤم تلك الصورة العقلية مع وجود الأعمدة الرأسية، فقامت بإيجاد وسيلة جديدة ( تغيرات في نقطة القبض على العصا وزاوية الجذب) وذلك لتحقيق غاية مرغوبة. إلا أن الطفل بعد ذلك يكون بمقدوره أن يبتكر.
169 :الصفحة
وسائل أخرى لتحقيق تلك الغاية، فمثلاً تعلمت "جاكلين" أيضاً استخدام شيء ما من أجل تحقيق شيء آخر، فاستطاعت أن تشد لعبة نحوها مستخدمة عصا في سبيل ذلك.
ولا يجاد الوسائل الجديدة وتمحيصها مغزى سببي، فعندما يستخدم الطفل عصا أو خيطاً مثلاً لكي يجذب شيئاً ما تجاهه، يكون في هذه الحالة مضطراً إلى التمييز بين ذاته كسبب الحركة الشيء وبين الاداة التي يستخدمها على أنها السبب المباشر لحركة هذا الشيء. ويمثل ذلك خطوة أخرى في سبيل تصحيح مفهومه عن الواقع، حيث كان يرى أن العالم هو أنماط سلوكه هو عليه. ويستمر هذا الاتجاه أثناء تنمية الطفل لقدرته على تمثيل الأحداث الخارجية داخلياً، تلك القدرة التي تعتبر جزء لا يتجزأ من تكامل مفهوم الزمان والمكان كما أنها أيضاً لها مغزاها بالنسبة للسببية لأنها تجعل من الممكن تصور سبب أثر معين، فعندما يظهر شيء ما مثلاً وهو يتدلى من أحد طرفي عصا طويلة، يعرف الطفل أن هناك شخصاً ما يقف خلفه ممسكاً بالطرف الآخر للعصا، وكذلك تجعل من الممكن تصور أثر سبب معين، مثال ذلك أن الطفل إذا كان في سريره وأراد أن يذهب إلى دورة المياه مثلاً فإنه يعرف أن راشداً ما سوف يأخذه من سريره ويذهب به إلى دورة المياه.
وقبل نهاية العام الثاني من العمر لا يستطيع الطفل أن يستنتج سبباً من الأثر الناتج عنه فحسب، بل أيضاً يستطيع أن يتنبأ بالأثر الذي ينتج عن سبب ما ومن الملاحظ أن كليهما يعتمد على اتساع التناسق بين كل من الزمان والمكان، ذلك الاتساع يصاحبه مفهوم للسببية أكثر تعقيداً، كما أنه يعتبر أيضاً ضرورياً لهذا المفهوم
ثامناً : تصنيف الأشياء :- (اسماعيل 1989).
لقد حاول الباحثون أن يجروا التجارب المعرفة كيف يصنف الأطفال الأشياء، فوضعوا أمامهم العديد من الأشياء، وطلبوا منهم أن يضعوها في مجموعات، فإذا فرضنا أنه قد عرض على طفل ما هذه الأشكال الستة المعروضة في شكل رقم (8) وطلب منه أن يضع الأشياء التي تشبه بعضها البعض معاً، فإنه سوف يضع الأشكال المفتوحة معاً والأشياء المغلقة معاً ذلك أن الأطفال يميلون في هذه المرحلة إلى تصنيف الأشياء تبعاً لخصائص الشكل، بصرف النظر عن التكوين الهندسي له ويسمى هذا التصنيف، بناء على خصائص الشكل، بالتصنيف
170:الصفحة
أما التصنيف بناء على التكوين الهندسي للشكل، فيسمى التصنيف الإقليدي نسبة إلى الهندسة الإقليدية . الطوبوغرافي
شكل رقم (8) يبين كيف يصنف الأطفال هذه الأشكال الهندسية المختلفة .
( انظر الصورة الموجودة في الصفحة 171 ضمن النسخة الورقية بدف اعلاه )
ويبدي الأطفال هذا الميل إلى التصنيف بناء على العلاقات والخصائص الطوبوغرافية في العديد من المواقف التي يتناولون فيها المتعلقات المنزلية أو غيرها . فطفل الثمانية عشر شهراً مثلاً، تبهره العلاقات بين المفاتيحوالأقفال، وبين الأوعية وأغطيتها وبين الأوعية من الحجوم المختلفة وباختصار، بين الأشياء التي يمكن أن توضع في أشياء أخرى ومن هنا يبدو أن الخصائص الطوبوغرافية تتصل اتصالاً وثيقاً بالتناول العملي، أي بعمل الأشياء.
( انظر الصورة الموجودة في الصفحة 171 ضمن النسخة الورقية بدف اعلاه )
171 : الصفحة
أو بمعنى آخر، بالنشاط الذي يحدث تأثيراً في البيئة، ويساعد على الشعور بالكفاءة، متمشياً في ذلك مع باقي الخصائص التي يتميز بها الطفل في هذه المرحلة.
تاسعاً : القدرة على حل المشكلات (اسماعيل 1989) .
لقد درس العالم النفسي برونر كيف يتحول الوليد إلى كائن ماهر في حل المشكلات أو بمعنى آخر كيف تنتظم المكونات المنفصلة التي تتضمنها حل المشكلات، في افعال متسقة متأزرة.
يقرر برونر أن أحد المكونات الأساسية المهارة حل المشكلات هو اكتساب القدرة على التحكم الإرادي ويتضمن مفهوم التحكم الإرادي هذا - كما حلله برونر - عدة معالم هامة للسلوك مثل : القدرة على توقع نتيجة ما، والقدرة على اختيار الوسائل المناسبة للحصول على هدف معين، والقدرة على استخدام هذه الوسائل استخداماً صحيحاً، والقدرة على تصحيح وتنسيق السلوك للوصول إلى الهدف، والقدرة على التحقق من أن الهدف ممكن تحقيقه بوسائل بديلة متى يصبح الوليد قادراً على التحكم الإرادي؟
لم يكن علماء النفس - حتى وقت قريب - يعتقدون بأن في إمكان الوليد أن يمارس عملية التحكم الإرادي، وربما كان ذلك راجعاً إلى أن حصيلة الطفل السلوكية محدودة. إلا أن العديد من الدراسات قد أثبتت أن الوليد يمكنه أن يمارس تحكماً إرادياً في سلوكه في وقت مبكر جداً، إذا ما جاءت الاختبارات مناسبة لقدراته العقلية.
و برونر عام (1973) بعنوان: وفي إحدى الدراسات التي قام بها كل من العالمين "كالنين"
The Cordination of Visual Observation and Instrumental Behavior In Ear-Ly Infancy.
حيث كان هذان العالمان يعرضان على أطفال في سن (5-12) أسبوعاً فيلماً صامتاً. يتوقف مدى وضوحه على امتصاصهم الحلمة صناعية فإذا ما قاموا بعملية الامتصاص بشدة
172 : الصفحة
بسرعة) كان وضوح الفيلم وتركيزه يزداد، أما إذا توقفوا عن الامتصاص، فإن الفيلم يصبح قائما )
(غير واضح).
لقد تعلم الأطفال بسرعة أن يحققوا معدلاً متزايداً من الرضاعة( الامتصاص)، عندما أدت هذه العملية إلى وضوح الفيلم إلى هنا يتضح أن المواليد يستجيبون لترتيبات التدعيم في بيئتهم أما إذا كانت هذه الترتيبات لا تناسبهم فإنهم يقومون بترتيباتهم الخاصة فإذا ما تعبوا من عملية الامتصاص، وأصبح الفيلم قائماً، فإنهم ببساطة يحولون أنظارهم عنه. مظهرين بذلك وسيلة بديلة للوصول إلى (الهدف)، وهو في هذه الحالة (عدم اضطرارهم للنظر إلى فيلم معتم ).
إن صغار الأطفال إذن يلجأون إلى وسائلهم الخاصة الامتصاص أو تجنب النظر للسيطرة على الموقف المثير، ويتمشى هذا مع نظرية "هوايت" التي سبق الاشارة إليها، وهي النظرية التي تقرر أنه حتى صغار الأطفال يجدون استمتاعاً في السيطرة على بيئتهم.
عاشراً : التعرف على الذات (اسماعيل1989 ).
يمتد اهتمام الاطفال بالوجود العمل وجوههم هم أنفسهم إلى جانب وجوه الآخرين ويلاحظ ذلك عندما ينظرون إلى وجوههم في المرأة، وتشكل المرأة في الواقع مجالاً جذاباً للأطفال إلى حد كبير عندما يلاحظون انعكاساً لصورتهم فيها، ويبدأ ذلك في سن (18) أسبوعاً تقريباً. إلا أنهم عند هذا العمر لا يكونون بعد قد استطاعوا أن يعرفوا أن الذي يرونه هذا هو أنفسهم، أو بمعنى آخر هم لا يدركون عندئذ أن هذا الوجه المنعكس في المرأة ليس الأحد آخر غيرهم. ولقد قامت ابحاث كثيرة لتحديد الفترة التي يستطيع الطفل عندها أن يتعرف على صورته في المرأة، ولكن الباحثين قد اختلفوا في تحديد هذه النقطة العمرية، وبناء على هذه البحوث تتراوح هذه النقطة ما بين سن الستة أشهر والعشرين شهراً.
ومع ذلك فقد يكون من المفيد أن نذكر نموذجاً لهذه البحوث حتى نتعرف على الطريقة التي تستخدم لحل مثل هذه المشكلات .
173 :الصفحة
عام (1972)، قام العالم امستردام ما يلي:
كان يضع بقعة حمراء على أنف الطفل ثم يلاحظ رد فعل الطفل عند رؤيته لهذه البقعة في المرأة، فإذا لمس الطفل البقعة أو استخدم المرأة لفحص أنفه، يفترض المجرب أن معنى ذلك أن الطفل بدأ يتعرف على ذاته، ولقد وجد أمستردام أن هناك نمطا في التطور من هذه الناحية له أوجه ثلاثة محددة.
الحادي عشر : اللعب ودلالته في النمو المعرفي
تتطور أساليب اللعب لدى الأطفال بشكل جذري ما بين سن الاثني عشر شهراً والسنة والعشرين شهراً. فاللعب الذي كان قوامه التعرف على الأشياء واستكشاف خصائصها الطبيعية، يقل بشكل واضحويحل محله نوعان آخران من اللعب هما.
( انظر الصورة الموجودة في الصفحة 174 ضمن النسخة الورقية بدف اعلاه )
174 : الصفحة
: وعلى ذلك، يظهر في أثناء السنة الثانية من العمر تطوران أساسيان من الناحية المعرفية هما
أما استخدام صندوق مثلاً بدلاً من الحافلة أو عصى بدلاً من الهاتف، فهذا لا يتم إلا في مرحلة لاحقة (إسماعيل 1989 ).
175 : الصفحة
ويؤكد بياجية أن اللعب يبدأ في المرحلة الحسية - الحركية. وتبعاً لما يراه بياجيه فإن الطفل حديث الولادة لا يدرك العالم في شكل أشياء دائمة توجد في المكان والزمان فالزجاجة التي تكون غائبة عن نظره، هي زجاجة فقدها إلى الأبد. وهو قد يتابع نقطة من الضوء المتحرك حينما تكون في مستوى نظره، ولكن لا يكون هناك أي استجابه لها حينما تختفي. وحينما يرضع الطفل بعد ذلك بقليل، لا يكون ذلك فقط استجابة الإثارة فمه، ولكنه يقوم بحركات المص في الفراغ ويستمر في التفرس في شيء ملفت للانتباه إلى أن يختفي عن نظره وكل هذا لا يعد لعباً، لأنه مجرد استمرار في لذة التغذية والنظر. والآن يبدأ سلوك الطفل يتجاوز مرحلة الأفعال المنعكسة، إذ أصبحت عناصر جديدة مدرجة في الرجع الدائري (الأفعال الدائرية ) بين المثيرات والاستجابات، ولكن تظل أنشطة الطفل مجرد تكرار لما فعله من قبل ويسمي بياجيه هذا به التمثل الاسترجاعي : وهو عمل ما عمل من قبل، حينما تكون مثل هذه الأفعال جيدة داخل حدود قدرة الطفل، ومثل هذه الأنشطة التي تكون مقصودة لذاتها، هي بشائر اللعب.
ولم يكن بياجيه بحاجة إلى افتراض نزعة خاصة باللعب حيث أنه ينظر للعب كمظهر العملية التمثل، أي أنه تكرار لانجاز ما حتى تتم مطابقته وتقويته. ففي الشهر الرابع من الحياة تصبح الروية واللمس متسقين، ويتعلم الطفل أن دفع الدمية المدلاة من فراشه سيجعلها تتأرجح أو تحدث صوتاً. وبمجرد تعلمه لهذا الفعل سنجد أنه يكرره مرة بعد أخرى، وهذا هو اللعب ( ميلر1987 ).
وفي المراحل الفرعية التالية يقوم الطفل بالأفعال التي قام بها من قبل، ولكن هذه المرة يقوم بها بغرض الوصول إلى فعل آخر. وحينما يسيطر الطفل على هذه الأفعال يقوم بتكرارها وتصبح لعبة تثير سروره وبهجته ويستطيع الطفل بعد ذلك أن يميز أفعاله عن الأشياء، وهذه هي بداية الاستكشاف وفي المرحلة الفرعية الأخيرة تصبح الرمزية والإدعاء والإيهام أموراً ،ممكنة (محمد1992 ).
176 : الصفحة
قياس مستوى النمو المعرفي عند طفل المهد: (اسماعيل، 1989)
حاول علماء النفس قياس مستوى النمو المعرفي عند أطفال مرحلة المهد. وكان أول من قام بذلك هو العالم "جيزيل" في سنة (1919 ). فقد قام "جيزيل" وزملاؤه في هذه الفترة بمسح شامل للسلوك العادي (السوي) للأطفال في سن المهد، وذلك عن طريق ملاحظة الأطفال في مواقف مختلفة، بغرض إقامة معايير للسلوك بالنسبة لسن ثلاثة وأربعة وستة وتسعة أشهر حتى سن السنة وأنشأ جيزيل" بعد ذلك ما يسمى بجداول النمو وهي عبارة عن قوائم للسلوك منظمة حسب الأعمار المختلفة، لكي يقاس على أساسها مستوى النمو في نواح أربعة هي : السلوك الحركي والسلوك (التكيفي)، واللغة والسلوك الاجتماعي.
وتستخدم قوائم "جيزيل" هذه القياس العمر النمائي» على غرار العمر العقلي بالنسبة المقاييس الذكاء. ولقد كانت هي الأساس الذي قامت عليه اختبارات أخرى للأطفال بواسطة علماء آخرين.
ومن تلك المقاييس التي قامت على أساس قوائم "جيزيل" ما أنشأته العالمة "بايلي " سنة (1933) وأسمتها بالمقاييس الحركية العقلية لنمو الأطفال، وهو عبارة عن مقياسين، الأول سمي بالمقياس العقلي، والثاني بالمقياس الحركي ولقد تضمن المقياس العقلي (185) بنداً، مغطياً فترة الثلاث سنوات الأولى من حياة الطفل ويقيس الادراك الحسي والمهارات الحركية الدقيقة والتكيف للمواقف الاجتماعية وبنود أخرى عن النمو اللغوي. أما المقياس الحركي فقد تضمن (76) بنداً، ويشمل المهارات الحركية الكبيرة مثل الحبو والمشي والتوازن وما إلى ذلك.
ثم عادت بايلي وعدلت المقياسين سنة (1966) بإضافة بنود جديدة، وبالرغم من أن مقياس "بايلي" للوليد على درجة كبيرة من الثبات والاتساق الداخلي، إلا أن نتائجة لا ترتبط ارتباطاً ذا دلالة بنتائج اختبارات الذكاء التي تطبق على نفس الأطفال في الأعمار التالية. وبمعنى آخر، فإن قدرته على التنبؤ بنمو الذكاء (نسبة الذكاء) مستقبلاً ضعيفة ولقد قررت ذلك "بايلي" بنفسها عندما قالت : لقد أصبح من المقرر الآن، أننا لا نستطيع أن نحكم على ذكاء الأطفال فيما بعد من الدرجات التي يحصل عليها المواليد نتيجة لتطبيق مقاييس النمو عليهم.
177 :الصفحة
ولقد حاول باحثون آخرون بناء قوائم نمو على أساس من نظرية بياجية في النمو المعرفي. إذ حاول تلاميذه إقامة مجموعة من مقاييس النمو المعرفي كان أشهرها تلك التي وضعهما يوز جيرس و هنت وتختلف هذه المقاييس عن نظيرتها التقليدية من ناحيتين.
ولكن ما هي العوامل التي تؤثر على النمو المعرفي في هذه الحالة؟
من المعروف أن البيئة المنزلية لها تأثير كبير على النمو المعرفي للأطفال في هذه الحالة وحتى سنة (1966) لم تكن هناك وسيلة معينة يستطيع بها الباحثون أن يقيسوا النواحي المختلفة البيئة المنزلية.
إلا أنه في سنة (1966)، قام فريق من الباحثين بوضع وتقنين مقياس للاستثارة المنزلية ويشتمل هذا المقياس على ستة مقاييس فرعية هي
1- تجاوب الأم.
2-تحاشي القيود.
3-تنظيم البيئة المنزلية التنظيم المادي والزمني للظروف المنزلية.
178 :الصفحة
4- توفير مواد اللعب المناسب.
5- الاندماج الأموي مع الطفل.
6- فرص التنوع في المثيرات اليومية.
ويحدث التقدير على أساس الملاحظات التي يحصل عليها الفاحص عن المنزل، وكذلك المقابلات التي يجريها مع الشخص الذي يقوم بالرعاية الأساسية للطفل، وقد استخدم هذا المقياس لتقدير بيئة الأطفال عن سن (6)، و(12) و (24) شهراً.
وفي الوقت نفسه تم قياس ذكاء المواليد عند سن (6)، و(12) و (36) شهراً. وقد وجد أن هناك ارتباطاً عالياً بين درجات مقياس الظروف المنزلية للأطفال عن سن (6) أشهر، ودرجات هؤلاء الأطفال على مقياس "بينية للذكاء عندما أصبح سنهم ثلاث سنوات.
وكان من أعلى المقاييس الفرعية ارتباطاً بالذكاء في هذا السن هو مقياس توفير مواد اللعب المناسبة، ومقياس التنظيم المادي والزمني للظروف المنزلية.
و كولدويل كذلك وجد أن مقياس الظروف المنزلية يمكن منه التنبؤ بالتغير في نسبة الذكاء. فقد وجد برادلي أن الأطفال الذين يأتون من بيوت غنية بالخبرات المثيرة والملائمة للنمو المعرفي يحصلون على درجات في الاختبارات العقلية تتزايد على مدى الثلاث سنوات الأولى من حياتهم، هذا في حين أن الأطفال الذين يأتون من بيوت فقيرة في خبرات معينة بالذات، يحصلون على درجات في الاختبارات العقلية تتناقص تدريجياً في نفس المدى.
هناك ارتباط إذن بين ظروف البيئة المنزلية ومستوى النمو المعرفي عند طفل المهد. ولكن ما هي
العلاقة الوظيفية بين هذه الظروف وعملية النمو ؟ أو بمعنى آخر، كيف تحدث ظروف البيئة المنزلية تأثيرها في النمو المعرفي عند طفل المهد ؟
لقد اتضح أن طريقة التفاعل بين الطفل والبيئة هو العامل الأهم في إحداث هذا التأثير، وليس مجرد توفير الظروف السابق ذكرها. بيرنز
أنه يبدو أن شخصية الطفل أيضاً في هذه المرحلة لها ارتباط (1972) جولدن و بيرنزر سنة فلقد اتضح من البحوث التي قام بها بمستوى ذكائه.
179 :الصفحة
فقد قام هذان الباحثان بدراسة العلاقة بين درجات أطفال في سن (18)، و(24) شهراً على مقاييس للشخصية، وبين أدائهم على اختبارات الذكاء عندما أصبح سنهم (3) سنوات، ووجدا أن درجة الارتياح الذي تظهر على هؤلاء الأطفال عند القيام بعمل ما في سن (18)، و(24) شهراً ترتبط ارتباطاً عالياً بالدرجة التي يحصل عليها الطفل سواء على مقياس النمو قوائم النمو الذي يطبق في نفس الوقت، أو على مقياس الذكاء الذي يطبق في سن الثالثة.
ويستنتج "بيرنز" و "جولدن" من هذا أن الاستمتاع بحل المشكلات قد يساعد ويسهل النمو المعرفي كذلك وجد هذان الباحثان أن متغيرين آخرين في الشخصية هما : التعاون والانتباه (أي المثابرة)، يبدو أنهما يسهمان في الحصول على درجات عالية في اختبارات الذكاء.
ويستنتج الباحثان من ذلك كله، أن أداء الطفل على الاختبارات لا يعكس فقط ما يعرفانه بل يعكس أيضاً ما يشعرون به.
180 :الصفحة
الفصل السابع: النمو المعرفي في مرحلة المهد:
مقدمة
يمثل الميلاد لحظة حاسمة في حياة الفرد، فهو إيذاناً بانتقاله من عالم الرحم إلى عالمنا الذي نعيش فيه. ومنذ تلك اللحظة يأخذ الفرد في النمو بمظاهره المتعددة ومن الناحية العقلية تبدأ أولى مراحل النمو منذ الميلاد، وتسمى بالمرحلة الحسية - الحركية، وتستمر حتى سن العامين تقريباً (محمد 1992 ) إن المرحلة الأولى وهي الحسية - الحركية تحكم استمرار النمو الذي يتوقف بصفة خاصة على خبرة الجسم الحسية - الحركية، حيث أن منجزات هذه المرحلة تكمن وراء كل أشكال التقدم المعرفي اللاحقة. وفي هذه الفترة يعتبر الطفل وليداً يعتمد على جسمه للتعبير عن الذات والاتصال، وبالاصطلاحات التي قدمها بياجية، فإن المرحلة الحسية - الحركية تدل على خلق الطفل لعالم عملي مرتبط كلية برغباته نحو الاشباع البدني في إطار خبرته الحسية المباشرة. وواجبات النمو العظمى في هذه المرحلة هي التنسيق بين أفعال الطفل وأنشطته الحركية، وكذلك يترتب على هذا الجسم الجديد (الطفل) وجوب أن يجد لنفسه دوراً فعالاً في بيئته، ويجب أن يكون قادراً على إدراك بيئته داخل أفق خبرته المباشرة ماير.1990
إن كل ما يمتلكه الطفل هنا هو مجموعة من الأفعال المنعكسة الفطرية، أي التي يولد مزوداً بها كالقبض والمص وغيرها. وفي أثناء تفاعل هذه المنعكسات مع البيئة الخارجية ينمي الطفل أنماطاً سلوكية معينة، إلا أن هذه المنعكسات تختفي بعد ذلك تدريجياً نتيجة النمو. وخلال هذه المرحلة نجد أن الحواس تكون مطردة النمو، حيث تساعد في التعرف على الأشياء المحيطة بالرضيع في البيئة. ويرى بياجية أن الذكاء في هذه المرحلة يكون حسياً - حركياً، كما يلاحظ سرعة نمو الذكاء خلالها
وتعتبر هذه المرحلة حرجة بالنسبة للطفل لأنه يرسي أساس فهمه للعالم خلالها، كما تحدث خلالها أسرع تغيرات في النمو العقلي المعرفي وتبنى المعرفة من خلال الادراكات الحسية والأفعال الحركية، إذ أن الطفل يكتشف العالم أولاً عن طريق الحواس والحركات مثل وضع الإصبع في الفم مثلاً، وغيرها. كما تتشكل استجابة الطفل للبيئة خلال هذه المرحلة من خلال.
183 :الصفحة
عملية المص ذاتها، ولذا تسمى هذه المرحلة بالمرحلة الحسية - حركية. وخلال هذه المرحلة يبدأ الطفل في تنظيم البيئة، والسيطرة عليها من خلال صور إجمالية حسية - حركية معقدة وتتزايد باستمرار.
ويرى بياجيه أن الطفل في السنتين الأوليتين يقتصر سلوكه على الاستجابات الحسية المباشرة للخبرات العملية، ويكون الطفل في السنة الأولى من عمره عاجزاً عن الفصل بين نفسه وبين العالم، فالعالم بالنسبة له هو الذات. ولهذا يصطبغ كل ادراكه بحاجاته الشخصية واهتماماته الذاتية
وأثناء هذه المرحلة يكتسب الطفل القدرة على إحداث التناسق بين المعلومات الصادرة عن الأجهزة الحسية العديدة، وكأنها مصادر مختلفة للمعلومات عن الشيء الواحد أكثر مما هي مصادر غير مترابطة
وقبل نهاية هذه المرحلة يبدأ الطفل في التواؤم مع المواقف الجديدة بطريقة عقلية، ويستطيع في نهاية المرحلة إدراك وجود الأشياء، وتظهر قدرته على استخدام اللغة، ويصبح جاهزاً للمرحلة التالية.
ويقسم بياجيه هذه المرحلة إلى ستة فترات (مراحل) فرعية، ويكون الانتقال من مرحلة إلى أخرى خلال سني المهد تدريجياً، فلا يستيقظ الطفل فجأة في الصباح وهو في الشهر الرابع من عمره مثلاً بمهارة جديدة تماماً، أو منتقلاً إلى مرحلة جديدة، بل إن التغير يحدث تدريجياً. وتكتسب الكثير من الانجازات الرئيسة بوضوح في تسلسل وبمعدل واحد وثابت تقريباً. وقد قسم بياجيه هذه المرحلة إلى مراحل فرعية صغيرة لأن ذلك يساعد في الوصف والتحليل والتناول النظري، ولأن الطفل الذي يقع في منتصف مرحلة عمرية، يسلك بطريقة تختلف في نوعها عن طفل في منتصف مرحلة أخرى.
هذا وتحدث المراحل الفرعية الأربعة الأولى خلال العام الأول من الحياة، أما الأثنتان المتبقيتان. فتحدثان خلال العام الثاني من الحياة.
"وقد قام كل من اونجرز و"هنت إنطلاقاً من ملاحظات بياجية بتصميم سبعة مقاييس أو اختبارات توضح مسارات النمو لدى الأطفال الرضع. وتؤكد هذه
184 :الصفحة
المقاييس على مفهوم التتابع الذي استخدمه بياجية. وقد وجدا أن النمو العقلي المعرفي لدى الأطفال يتبع نفس المسارات التي تعكس بالتالي طبيعة هذا النمو خلال فترة الرضاعة. ويوضح الجدول التالي مسارات النمو التي توضحها المقاييس السبعة.
جدول رقم (3) يبين مسارات النمو وأهم مقاييسها خلال المرحلة الحسية - حركية كما بينها كل من
اوز جرز" و"هنت""
( انظر الصورة الموجودة في الصفحة 198 ضمن النسخة الورقية بدف اعلاه )
185 :الصفحة
وجدير بالذكر أن هناك إختبارين لقياس البند رقم (3) من مسارات النمو، أحدهما خاص بنمو التقليد اللفظي، والآخر خاص بتقليد الإشارات ( محمد1992 ).
وأخيراً نقول أن بياجيه قد أضفى أهمية كبرى على المرحلة الأولى من النمو المعرفي الانساني، فهو يكرس تحليلاً أكثر تفصيلاً للسنتين الأوليتين من الحياة عن أي فترة لاحقة ودراساته التفصيلية تحلل هذه الفترة على أساس ست مراحل نمو ثانوية متميزة، وهذه المراحل الثانوية، مثلها كمثل المراحل الكبرى الرئيسة (الأربعة) للنمو تقوم كل منها على الأخرى
( انظر الصورة الموجودة في الصفحة 186 ضمن النسخة الورقية بدف اعلاه )
والنمو الحسي - حركي يمكن تفسيره بمفهوم هذه المراحل الستة التنظيمية وهي
أولاً استخدام المنعكسات
الفترة الزمنية من الميلاد وحتى شهر
يكثر استخدام الإنعكاسات في المرحلة الثانوية الأولى من المرحلة الحسية - الحركية إن فردية الوليد بعد الولادة يعبر عنها بالبكاء، والمص. .... وهذه الاستجابات السلوكية هي بداية
186 :الصفحة
نمو شخصيته، وأن طبيعة الانعكاسات ذاتها، والتكرار التلقائي بالإثارة الداخلية والخارجية كل ذلك يولد الخبرة الضرورية لنضجها. والخبرة التكرارية تولد الايقاع ونوعاً من الانتظام كما أنها تقدم أولى آثار الاستخدام التتابعي، والإحساس بالنظام. مثال ذلك : إن انعكاس المص يتوقف على التمرين للأداء الملائم، إذ أن موضع الحلمة» والاحساس الفوري بوجود شيء يمكن مصه يولد خبرة، هذه الخبرة تؤدي إلى دورة من الخبرات، وتعتبر أساسية بالنسبة لكل نمو لاحق، ويجب ملاحظة أن هذا المفهوم يعكس بوضوح المظاهر الدينامية والبيئية لنظرية "بياجية".
إن الاستخدام التكراري للإنعكاسات بالاشتراك مع النضج العصبي الجسمي، يميل إلى تكوين العادات، علاوة على ذلك، فإن التكرار يتضمن بالضرورة تغييراً طارئاً، واتصالات متباينة مع البيئة. (مثال : أن طفلتا "بياجية قامتا بامتصاص أيديهما حينما لم يشغلا بالمص للحصول على الطعام ( وكان عمرها (15) يوماً)، ثم مص أي شيء يلامس شفتيهما، ثم تعلما يبتعدا عن مص الأشياء المنفرة مثل البطانية أو الغطاء).
وكما ذكرنا سابقاً، ترتكز الوظيفة الإنسانية أساساً على عملية التكيف التي تشتمل على ندام سيات الاستيعاب والتكيف باعتباره العملية المركزية عند" بياجيية" يبدأ مع باكورة التغيرات في الأفعال الانعكاسية، والتزايد المستمر في حصيلة المعرفة السلوكية، وهو أولاً يشمل استيعاباً معمماً، مع تزايد اشتراك الوليد في بيئته الوقتية المباشرة.
وعملية الاشتراك هذه ليست انتقائية، وتشتمل على كل المنبهات التي يستطيع جهازه الحسي (أي الوليد) أن يستجيب لها. ويعمل التكرار والخبرة التتابعية على تمهيد الطريق التعميم مبدئي واستيعاب معرفي، وتعميم الخبرات العملية إلى مراتب مثل الاحساس، واللمس... والبصر، كما أنها تولد عملية تمييز في بيئة فعالة لم يسبق تمييزها.
ان الوليد البالغ من العمر شهراً يكون في مرحلة تلقائية بحتة، تبعاً لاحتياجاته العضوية ويقوم باختبار كل الأشياء حسب هواه، ومن ثم يبدأ بأنماط تنظيمية عامة من السلوك، تعتبر أساسية لحياته المتفتحة، وأهمية هذه الأنماط تصبح أكثر وضوحاً في المراحل الثانوية التالية (ماير1992 ).
187 :الصفحة
ونخلص القول بالقول:
أن الطفل يولد مزودا بالعديد من الانعكاسات الفطرية كالقبض والمص وغيرها، ويكون سلوكه مفيدا تماما إلى ممارسة تلك الانعكاسات، وينمو بعض هذه الانعكاسات من خلال الاستخدام ويصبح متميزا، بمعنى أن هذه الانعكاسات تتعدل بسبب الخبرة، وعمليتي التمثل والمواءمة المستمرتين، وتعتبر الأفعال المرتبطة بهذه الانعكاسات هي الصور الاجمالية لهذه المرحلة الفرعية.
ثانياً : ردود الفعل الدائرية ( الدورية) البدائية (الأولية)
الفترة الزمنية ( من شهر إلى أربعة أشهر)
وتبدأ هذه الفترة عندما تحل الحركات الارادية تدريجياً، محل السلوك الانعكاسي ويجب أن يصل الطفل الوليد إلى درجة معينة من النضج العصبي قبل أن يتمكن من تفهم احساساته الخاصة. وتتضمن أنشطة الطفل في البداية التكرار الارادي البدائي، لما كان قبل ذلك مجرد سلوك تلقائي. وهذا التكرار للسلوك يصبح الآن استجابة مقصودة (متعمدة) للإثارة المعروفة الخبرة سابقة. كذلك تصبح الاستجابات المكتسبة عرضاً ( مثل الوصول لشيء أو الدفع باليد) تصبح الآن عادات حسية - حركية جديدة. إنها تفتح أجزاء جديدة من هذه البيئات المتزايدة استخدم جمع بيئة عن عمد هنا للتشديد على مفهوم بياجيه بأن الطفل الوليد يعرف بينات عديدة أنه ما يزال غير قادر على التنسيق بين أجزاء خبراته لتصبح وحدة واحدة أو وحدات متكاملة.
وتصبح ردود الفعل وثيقة الارتباط بالمثيرات، إذ أن الخبرة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالبيئة التي تثير (تنبه) رد الفعل، والتكرار - وخاصة التكرار التتابعي - يؤدي إلى إدراك أن المثير المتكرر له قيمة إشارية، وهنا تبدأ دورة جديدة في التتابع السلوكي مثال ذلك، أن إثارة كف اليد والإمساك يصبحان وحدة سلوكية إرادية معرفية، ويسميها بياجيه» رد فعل دوري (دائري) أولي (بدائي) ورد الفعل الدوري الأولي يشير إلى استيعاب خبرة سابقة والتعرف على المثير (المنبه الذي يطلق رد الفعل ويصف بياجيه هذا الأخير بأنه ظهور العملية التكيفية، ويجمع الطفل ردود فعلها ويكيفها بواقعية بيئية)، ويحدث تراكب الاثارة والتكيف، وهو أساساً عملية تكيف.
188 :الصفحة
ومهما كان رد الفعل الدوري الأولي بسيطاً، فإنه يهي، نمطاً تنظيمياً، أو تخطيطاً يمكن به العاملين أو ثلاثة أن ينتظما في نمط علاقي يفرض على الأنماط الأدائية السابقة الخاصة باعادة الايجاد والتكرار والتتابعية والتخطيط - في رأي بياجيه - هو نمط مؤسس الوحدة سلوك عقلي ذات معنى وقابلة للتكرار أو المتطلباتها، ويعتبر حدثاً سلوكياً يمكن تكراره وتنسيقه مع أحداث سلوكية أخرى.
ويمكن للفرد النامي استخدام وظائف حسية - حركية جديدة فالبصر مثلاً يصبح خبرة مستمرة، ويهي المص والمسك والسمع حوادث هامة، تقوم على الخبرة، مع أنماط ردود فعل دورية جديدة التطور والأشياء، باعتبارها مثيرات تصبح وثيقة الصلة مع النمط السلوكي الساند. وكل شيء من الأشياء، والعالم الخارجي المرتبط بتتابع أدائي يصبح على شكل وحدات إن كانت معزولة، وتحدث كل تجربة كحدث حياة وقتي (أني).
الثانوية تتوالد جذور منطقتي تنظيم جديدتين هما
والطفل يتنحى ببط عن ذاتيته، ويدرك اقساماً من بيئته، ومع ذلك فإنه لا يقدر على التمييز بين المثيرات الخارجية والداخلية، إذ أن كلا من النوعين بالنسبة له يمثل بيئة منفصلة. والشيء المهم في هذه الفترة، هو قدرة الطفل على إدماج النتائج الجديدة لسلوكه، كجزء من سلوكه.
189 :الصفحة
المستمر، وأن التجارب الجديدة أو السابقة لا يكون لها معنى إلا إذا صارت جزء من نمط رد فعل دوري أولي ماير .1992
ونلخص القول السابق ونقول
تتطور المنعكسات وتنتظم تدريجيا، ويخرج المنعكس عن الإطار الفطري الوراثي، وذلك بفضل تكرار الفعل، بمعنى أن المنعكسات هنا تكون مكتسبة وليست فطرية كما كانت في المرحلة الفرعية. السابقة. فالطفل يمص الأشياء الأخرى بما فيها أصبعه، وهذا ما يعرف بالتمثل المعمم (أي انتقال التجربة إلى الأشياء الأخرى). وعندما يدرك الطفل هذه العناصر يصبح التمثل عندئذ معرفياً.
ويتميز الطفل في هذه الفترة معرفيا
وكذلك يستطيع الطفل أن يوحد بين خبرتين حسيتين أو أكثر، وبينما كان في المرحلة الأولى يقبض على الأشياء في يده أو ينظر إليها وهي تتحرك أمام عينيه، فهو في هذه المرحلة يقبض عليها في يده وينظر إليها، وبالمثل إذا سمع صوتا ما، فإنه يلتفت بحثا عن مصدره.
ویری" بياجيه" أن وجود ردود الأفعال هذه يعتبر دليلاً على ميلاد الذاكرة والعلية، وطالما أن النظام الذي يتم به الأداء أو تتم به الأفعال ذو أهمية، يكون هناك بعض الإحساس بتتابع الزمن. ومع أن هناك بداية للإتساق، فإن كل مجموعة، إدراكية تميل إلى أن تظل مكانا، منفصلا، فهي لا تزال مجموعات غير مترابطة من الأداءات والأفعال، تتمركز في الفم أو اليدين، أو العينين، أو في حركات الأطراف، حيث تعمل كل هذه بطريقة مستقلة.
190 :الصفحة
ثالثاً : ردود الفعل الدائرية الثانوية
الفترة الزمنية ( من أربعة إلى ثمانية شهور)
وهي عبارة عن المرحلة الثانوية الثالثة للنمو، وتضم استمرار الأنماط التفاعلية الدورية الأولية مع وظيفة ثانوية ترفع رد الفعل الأولي، إلى أبعد من نشاطه العضوي أساساً، فالطفل فيما بين الشهر الرابع والثامن من عمره، يستمر سلوكه مع الأشكال المألوفة من الخبرة ويستطيع جهازه الحسي - الحركي أن يقوم بعملية ضبط لتلك الأحداث التي اعتاد عليها فقط أي بينما تكون ردود الفعل الدورية الأولية أداءات تتكرر لذاتها دون هدف معين تكون ردود الفعل الدورية الثانوية حركات متمركزة حول نتيجة ناشئة في البيئة الخارجية، بهدف واحد هو المحافظة عليها. فحينما نقدم لعبة جديدة للطفل، فإنه يستخدمها لكي يختبر كل خططه الانتهاجية للأداء، ولكنه إذا وجد نتيجة مرضية فإنه يحاول استعادة الأداء. إذن يصبح الهدف الأكبر من سلوكه هو الحفظ وليس التكرار، وتنصب جهوده على جعل الأحداث تدوم وأن يخلق حالة دوام ويؤدي هذا المجهود إلى مزيد من الادراك للبيئة والتلاؤم معها هذا هو أول اعتراف حقيقي من الطفل بالقوى الخارجية.
إن ردود الفعل الدورية الأولية تتكرر وتطول بفعل ردود الفعل الثانوية الجديدة فانعكاس القبض مثلاً ينبع من تتابع «القبض ويصبح نشاطاً موحداً مثل الهز والشد والجر. ويظل النشاط (الفاعلية) هو الدافع الأول للخبرة. غير أن الطفل يعمل على أساس توسيع مجال نشاط (فاعليته)، وذلك بوصل نشاطين حسيين حركيين أو أكثر ببعضهما البعض ليصبحا تتابعاً تجريبياً واحداً ( ماير 1992 ).
وتلخص ما قلناه بما يلي
تتميز هذه المرحلة الفرعية بانتقال اهتمام الطفل من الاهتمام الكلي بجسمه وأفعاله إلى الاهتمام بسمات الأشياء وأفعالها، فيحاول مثلا أن يضرب بيده دمية تتعلق في سريره فتحدث صوتاً، ويبدو الطفل منتبها إلى هذا الصوت وإلى حركة الدمية. ونظراً لأن هذا السلوك يكون مصحوباً بأحداث شيقة (الصوت)، فإن الطفل يكرره لعدة مرات عن عمد وذلك للحصول على.
191 :الصفحة
نفس الأحداث الشيقة، وهذا الفعل المكرر هو ما يسمى بـ رد الفعل الدائري الثانوي، وهو ثانوي لأنه لا يصف سلوك الطفل فقط - كما هو الحال بالنسبة لرد الفعل الدائري البدائي - بل سلوك. الدمية أيضاً ( حركتها وصوتها ) . ومع هذا فإن الطفل لا يدرك علاقة السبب والنتيجة بين أفعاله وبين الأحداث الشيقة التي يلاحظها.
ولكن ما هو الفرق بين ردود الفعل الدائرية البدائية وردود الفعل الدائرية الثانوية.
للإجابة على هذا التساؤل نورد نقطتين هما
( انظر الصورة الموجودة في الصفحة 192 ضمن النسخة الورقية بدف اعلاه )
أي أن ردود الفعل الدائرية الثانوية عبارة عن حركات متمركزة حول نتيجة ناشئة في البيئة الخارجية بهدف واحد هو المحافظة عليها. وكذلك فإن عنصر التبصربالأحداث يظهر للمرة الأولى خلال هذه المرحلة، وخلال هذه المرحلة أيضاً تصبح المحاكاة مقصودة ومنظمة، فيقلد الطفل أي حركة مألوفة بالنسبة له.
192 :الصفحة
: إتساق الصور الإجمالية الثانوية رابعا
الفترة الزمنية ( من سن ثمانية إلى إثني عشرة شهراً )
في خلال هذه المرحلة، يستخدم الوليد خبراته السلوكية السابقة أساساً كقواعد يقيم عليها خبرات جديدة في حصيلته الآخذة في الاتساع. ومع أن هذه الفترة انتقالية، إلا أن "بياجيه يعتبرها ذات أهمية كافية لاعتبارها مرحلة ثانوية منفصلة.
وتطبق النماذج المألوفة من الأنشطة الحسية - الحركية على المواقف الجديدة، وتعمل الخبرة المتزايدة - ويساعدها في ذلك زيادة خفة حركة الطفل - على توجيه اهتمامه إلى بيئة أبعد من بيئته المحدودة حتى الآن. وهو الآن يختبر أشياء جديدة كذلك هو يختبر ويجرب طرقاً جديدة للتعامل معها. مثال ذلك، أنه يبدأ في اكتشاف أن تخبئة الشيء تحدث قبل العثور عليه. وفي اللحظة التي يدرك فيها الطفل استمرار وجود شيء متى كان خارج ادراكه الحسي المباشر، فإنه يستطيع الاستدلال لدرجة أن العراقيل في سبيل ادراكه الحسي للشيء يمكن إزالتها، والغاية والوسيلة يزداد التمييز بينهما بالتجربة، وباكتشاف وسائل هي أصلاً غير مرتبطة عن قصد بالغاية المنشودة.
وهكذا ففي هذه الفترة ينهمك الطفل في خبرة تجريبية مستمرة ومتكررة، على الرغم من أن ظهور المهارات الجديدة، والادراك الحسي يبدو عادة للملاحظ غير المتفحص، أنه وليد التعلم الفوري( ماير 1992).
وتؤكد هنا - مرة أخرى - أن ردود الفعل الثانوية ترتبط ببعضها حتى تتكون صور إجمالية معقدة، وتكون هذه الصور الإجمالية الجديدة وسائل لغايات. وفي هذه الفترة، لم يعد الطفل فقط يحاول تكرار أو من تأثير ما قد اكتشفه أو لاحظه بالصدفة، ولكن يسعى إلى هدف غير قابل للتحقيق بطريقة مباشرة، ويحاول الوصول إليه بواسطة وسائل توسيطية مختلفة.
كما أن الطفل لا يستجيب للشيء لمجرد أنه يحدث صدفة، بل على العكس تماماً فهو يحاول أن يأتي بهذا السلوك أو هذا الحدث، فإذا رأى لعبة مثلاً فإنه سيمد يده للوصول إليها، وهو بهذا يمارس مهارة قديمة، ولكن إذا وضعت يدك أو قطعة قماش أمام الكرة لتحجب رؤيتها عن الطفل، فإنه سوف يدفع القماش لكي يصل إلى الكرة. ويعكس هذا الحدث البسيط مهارة
193 :الصفحة
هامة، إذ أن الطفل هنا يستخدم سلوكاً ما في سبيل تحقيق شيء آخر، فدفع القماش ليس هو هدفه أو غرضه، بل إن غرضه الأساسي هو الحصول على الكرة، ويقوم بدفع القماش للوصول إليها.
وكذلك يستطيع الطفل أن يربط بين فعلين منفصلين للوصول إلى الغاية المرغوبة، فإذا أراد الطفل أن يضرب الدمية المتدلاة فوق سريره مثلاً، ولم يستطع أن يمسكها بيده فإنه قد يستخدم شيئاً آخر (نمط فعل ثانوي) من أجل الوصول إليها (نمط سلوكي ثانوي). وهذه القدرة على الربط بين أنماط السلوك في تتابع وقتي تنعكس في قدرة الطفل على التنبؤ بأفعال الغير، وكأنه قد مر بها متتابعة من قبل وتعتبر هذه القدرة على الربط بين أنماط الأفعال الثانوية هي الأساس لأول تمثيل حقيقي لعلاقات السبب والنتيجة لدى الطفل.
( انظر الصورة الموجودة في الصفحة 194 ضمن النسخة الورقية بدف اعلاه )
كما يظهر لدى الطفل أيضاً حبه للاستطلاع والاهتمام بالشيء الجديد أو الغريب، ويبدأ في تقليد حركات الآخرين. وكذلك يقوم الطفل بتقليد الأداءات البصرية والسمعية التي لم تكن مألوفة بالفعل بالنسبة له، وتوسيعها، أو يقوم بتغيير الأداءات المألوفة.
خامساً : ردود الفعل الدائرية الثالثة
الفترة الزمنية من الشهر الثاني عشر إلى الشهر الثامن عشر.
ان اكتشاف طرق جديدة من خلال التجربة النشطة، يشير إلى ردود الفعل الدورية الثلاثية التي استجدت في المرحلة الثانوية الخامسة، وهذه المرحلة تحدث عادة في النصف الأول من
194 :الصفحة
العام الثاني من حياة الطفل وتستمر التجربة النشطة في تكوين نسبة كبيرة من الأنشطة اليومية بما في ذلك تقدم ردود الفعل الدورية الأولية، والثانوية، والثالثة، كتكرار دوري للعمليات السابقة، مع إضافة قدرات مكتسبة حديثاً، ويكاد يبدو كأن الطفل يقول لنفسه فلنجربها هذه المرة بطريقة أخرى. وهذه التجربة تتطلب تطبيق الوسائط ( الوسائل) القديمة لردود الفعل الدورية الثانوية على المواقف الجديدة، ويضيف الطفل إلى معرفته أفعال هذه التجريبية الجديدة ونتائجها (ماير 1992 ).
إذن تتميز هذه المرحلة بظهور الاستكشاف الحقيقي للمحاولة والخطأ، إذ لم يعد الطفل يقتنع بالأنماط السلوكية التي كان يربط بينها للوصول إلى الغايات المرغوبة، وبدلاً من ذلك فهو يجرب العديد من هذه الأنماط السلوكية القديمة حتى يكتشف الغايات المرغوبة. ويسمى هذا الفعل المكرر بـ رد الفعل الدائري الثالث. ويستطيع الطفل من خلال ذلك اكتشاف علاقات جديدة للسبب والنتيجة إلا أنه يُغير من أنماطه السلوكية السابقة خلال هذه المرحلة الفرعية.
والمرة الأولى يتكيف الطفل في هذه المرحلة مع المواقف الجديدة دون اللجوء إلى استخدام خبراته السابقة، بل بالبحث عن وسائل جديدة. وهذا ما يدل على ولادة الذكاء والتفكير عند الطفل. وإذا كان الطفل في المرحلة السابقة يهتم بتكرار الحركة أو الفعل، فإنه في هذه المرحلة يحاول اكتشاف الشيء وفهم الموقف ويطلق بياجيه على هذه المرحلة اسم الذكاء الاكتشافي.
ويستطيع الطفل إدراك العلاقة أو الإرتباط بين الأشياء، فهو يستعمل العصا مثلاً للوصول إلى شيء ما. ويعتبر التوافق في هذه العمليات القائمة على اكتشاف الوسائل الجديدة حصيلة للتجارب المتراكمة التي استوعبها الطفل وتمثلها في سلوكه.
وتتركز الأشياء الجديدة التي يقوم الطفل بالبحث عنها من تلقاء نفسه أولا على جسمه، ثم ثانيا على الأشياء أو الأحداث الخارجية ، وثالثا نجد أن أهم ما يميزها هو البحث عن الجديد، ويقوم الطفل بالتمثل أو المواءمة لتلك الأشياء، ويتحول رد الفعل الدائري الثانوي إلى رد فعل دائري ثالث، فنجد أن تكرار ردود الأفعال الثانوية التي أدخلت السرور على الطفل في الفترة السابقة رمي شيء على الأرض، يصبح رد فعل دائري ثالث حينما ينقل الطفل انتباهه من الفعل المتكرر نفسه (الرمي) إلى نتائج الفعل ( وقوعه على الأرض).
195: الصفحة
( انظر الصورة الموجودة في الصفحة 196 ضمن النسخة الورقية بدف اعلاه )
سادساً : بداية التفكير
الفترة الزمنية ( من ثمانية عشرة شهراً وحتى أربعة وعشرون شهراً)
وخلال هذه الفترة يستبدل الطفل الأفعال بالتفكير، فإذا ما واجهته مشكلة ما، نجده يأتي بالعديد من الأفعال حتى يجد حلاً لتلك المشكلة. كما تتكون لديه الصور العقلية، وإذا لم يعد يرى شيئاً ما، نجده يعلم جيداً أن هذا الشيء لا يزال موجوداً مع أنه لا يراه.
ويتميز الطفل أيضاً خلال هذه المرحلة الفرعية بالقدرة على استخدام الرموز التي تختلف عن الأشياء والأحداث التي يتم تمثيلها بواسطته، وتنمو لديه الكلمات كرموز ولهذا النمو تشعباته في كل الوظائف المعرفية لدى الطفل تقريباً، ويمثل الانتقال من المرحلة الحسية - الحركية إلى مرحلة ما قبل العمليات. ويتعامل الطفل مع الأشياء خلال هذه المرحلة الفرعية وكأنها تنتمي إلى فئات مختلفة، إلا أن ذلك يعتبر البداية فقط لهذه القدرة التي تظهر لديه فيما بعد.
( انظر الصورة الموجودة في الصفحة 196 ضمن النسخة الورقية بدف اعلاه )
وخلال هذه المرحلة أيضاً، يكون عقل الطفل مهياً تماماً لإعادة تنظيم الكثير من الصور الإجمالية بطريقة تلقائية، كنتيجة لتجاربه الكثيرة في المرحلة الفرعية السابقة ( محمد 1992).
196 :الصفحة
وتعتبر هذه المرحلة الفرعية رابطاً بين المرحلة الحسية - الحركية وأنماط السلوك المعقدة التي تظهر فيما بعد، وتتضمن اللغة والرموز كما أنها تعتبر البداية نحو بلوغ هذا النمط من السلوك أو هي الفترة الانتقالية إليه.
وحينما يصل الطفل إلى نهاية المرحلة الحسية - الحركية يكون قد اكتسب عدة أشياء تسمى إنجازات أو مكتسبات حققها الطفل في عملية النمو خلال هذه المرحلة.
تعليق على المراحل أو الفترات الفرعية الست
نشير في هذا المجال بعد تناولنا للمراحل الست المكونة للمرحلة الحسية - الحركية، إلا أن هذه المراحل الفرعية ليست منفصلة عن بعضها البعض، كما أن ظهور مرحلة فرعية جديدة لا يعطل مفعول المرحلة الفرعية السابقة، إذ أن لهذه المراحل الفرعية الستة نفس الصفات التي وصف بها بياجية المراحل الأربعة التي تتألف منها نظريته النمائية المعرفية من أنها مراحل تجميعية أو تراكمية تنبثق كل منها من المرحلة السابقة لها، وتعتمد عليها وتكملها، كما أنها مراحل ثابتة يصل إليها الطفل بالترتيب، فلا يتخطى إحداها دون أن يمر بها، بل لكي يصل إلى مرحلة معينة يجب أن يمر بكل المراحل السابقة عليها، وكذلك فهي مراحل ثابتة يمر بها الأطفال في كل الثقافات. كما أنها الأعمار التي حددها بياجية لبداية ونهاية كل مرحلة منها : تعتبر أعماراً تقريبية.
197 :الصفحة
الفصل الثامن: النمو المعرفي في مرحلة الطفولة المبكرة مرحلة ما قبل العمليات
تمتد مرحلة ما قبل العمليات من سن (2 -7) سنوات من عمر الطفل. وأهم ما يميز هذه المرحلة عن سابقتها هي ظهور اللغة بشكل بارز فبينما يكون الطفل في المرحلة الحسية -الحركية مقتصراً على ربط الادراكات المتتالية للأغراض أو الأشياء الملموسة والأحداث عن طريق توقعات مقتضبة جداً للمستقبل وذكريات الماضي، يقترب الطفل في مرحلة ما قبل العمليات من التمثيل الشامل للواقع، والذي يتضمن الماضي والحاضر والمستقبل، والذي قد يحدث في فترة زمنية قصيرة.
وفي هذه المرحلة نجد أن تفكير الطفل يقتصر على التفكير البسيط أو التفكير ذي البعد الواحد، إذ نجد أن الطفل يركز انتباهه على جانب واحد فقط من المهمة أو الموقف .
ويمكن أن نميز أهم التغيرات التي تظهر في تفكير الطفل وسلوكه خلال تلك المرحلة، وهي أن الطفل يبدأ في تعلم اللغة، وتظهر التمثيلات الرمزية للأشياء، وتتكون الأفكار البسيطة والصور الذهنية، كما نلاحظ أيضاً أن تفكيره يتحول تدريجيا إلى التفكير الرمزي .
وتسمى هذه المرحلة بهذا الاسم لأن الطفل يكون غير قادر على أن يدخل في عمليات عقلية أساسية معينة، إذ لا يكون قد اكتسب القدرة على القيام بالعمليات المنطقية بعد، والتي تتصف بها المراحل التالية في النمو العقلي ذلك أنه مع بداية التمثيل الرمزي للبيئة، ونمو القدرة على التصور الذهني للأشياء والأحداث، فإنه يتكون لدى الطفل مفاهيم غير ناضجة يسميها بياجية ما قبل المفاهيم فمثلاً قد يكون لدى الأطفال في هذه المرحلة فكرة عامة، وهي أن الطيور لها أجنحة وتطير وغالباً ما توجد على الأشجار، أو أن السيارات لها عجلات وأبواب وتوجد في الشوارع، إلا أنهم لا يستطيعون أن يميزوا بين الأنواع المختلفة من الطيور أو السيارات .
وكذلك فالطفل لا يستطيع أن يضع نفسه مكان شخص آخر، ولا يستطيع أن يركز على بعدين للشيء في نفس الوقت كالطول والعرض مثلاً، ولا يستطيع أن يُغير الاشياء بطريقة عقلية أو أن يرجعها إلى أصلها، وإذا كان يستطيع أن يكرر أفعالاً قديمة قام بها سابقاً فإنه لا يستطيع أن يتصور نفسه في مواقف جديدة لم يرها ولم يدخل فيها من قبل .
203 :الصفحة
ومع تعلم الطفل للغة وقيامه بالنطق، يسمح له بالكلام بسرعة أكبر في استرجاع الأحداث والربط بينها، كما يستطيع أن يتوقع ما سيحدث أو يسترجع الماضي ويستطيع الطفل أيضاً أن يربط بين الصور العقلية، وأن يتمثل أحداثاً عديدة. إلا أنه خلال تلك المرحلة يعتقد أن الآخرين يفكرون كما يفكر هو .
وعند نهاية هذه المرحلة يدرك الطفل الأشياء جيداً على أنها في مكان وزمان، كما تظهر بداية التفكير المنطقي المنظم. ويستطيع أيضاً أن يدرك الأشياء المتشابهة على أنها تنتمي إلى نفس النوع أو الفئة، كما أنه يبدأ في تكوين أفكاره في نطاق التصنيف، وتظهر قدرته على العد والجمع والطرح (محمد 1992 ) .
هذا وتقسم مرحلة ما قبل العمليات إلى فترتين أو مرحلتين فرعيتين هما :
أولاً : مرحلة ما قبل الفكر الادراكي ما قبل (المفاهيم) .
ثانياً : مرحلة التفكير الحدسي .
أولاً : مرحلة ما قبل الفكر الإدراكي ( ما قبل المفاهيم)
وتستمر هذه المرحلة من الثانية حتى الرابعة من العمر تقريباً .
ويسود النشاط الرمزي (اللغة) خلال هذه الفترة، وتصبح استجابات الطفل قائمة على معنى المثير وليس على الخصائص الفيزيقية للمثير فقط وتبدأ المثيرات في اكتساب معاني ويستخدم الطفل المثيرات لترمز إلى أشياء أخرى أو لتقوم مقامها
فالبنت تسلك إزاء العروسة وكأنها شخص، والولد يسلك أزاء العصا وكأنها بندقية. ويمكن هذا التفكير الرمزي الطفل من
أن يستخدم الصور الحسية - الحركية في سياقات تختلف عن تلك التي اكتسبت فيها أصلاً، وأن يستخدم أشياء بديلة في بيئته لكي تساعده على التفكير الرمزي. هذا بالاضافة إلى أن اللغة تمكنه من أن يفصل صورة الذهنية عن سلوكه الذاتي.
ولا يستطيع الطفل خلال هذه الفترة أن يفهم كيف يقوم بعمل فئات ويرى ما بينها من علاقات. وقد يتحدث عن «الأقمار» حينما يبدو له أنه يرى تتابعاً من الأقمار وهو يسير أثناء الليل، ولا تزال صوره العقلية، إلى حد ما تشتق من أفعاله فهو يرى أن الجبل يتغير في .
204 :الصفحة
الحقيقة من حيث الشكل أثناء رحلة يقوم بها - ولكنها أيضاً صور عقلية تمثيلية بقدر ما يحاول وصل مجموعة من الأحداث أو الأشياء في نمط واحد. وهنا نجد أن الدخان المتصاعد من المدخنة قد يتحد في عقله مع الدخان المتصاعد من المواقد أو المشاعل والضباب والسحب والبخار، وغير ذلك. وتشتق أحكامه من خبرته الشخصية، فهو يقول من الخطأ أن تكذب لأنك سوف تعاقب، وإذا أعطيناه مجموعة من الأشكال الملونة وطلبنا منه أن يضع الأشكال التي تتماشى مع بعضها معاً، فسوف يقوم بعمل حصان أو قطار أو أية تركيبة تروق له، إذ ليس في تفكيره أن يصنف وفقاً للون أو الشكل، بالرغم من أنه يدركهما، ويطلق بياجيه على تفكير الطفل في هذه الحالة اسم التفكير المتمركز حول الذات وفيه يتمثل الطفل الخبرات من العالم بدرجة كبيرة في صور عقلية مشتقة من عالمه المباشر الخاص ويرى فيه كل شيء من حيث علاقته به شخصياً، ونتيجة لذلك يضفي الحياة والمشاعر على كل الأشياء. وهو كذلك لا يستطيع أن يرى العالم على أنه يتألف من أشياء طبيعية لتكون ذات علاقة ببعضها البعض أو بنفسه كشيء مستقل في هذا العالم .
ويصعب على الأطفال خلال هذه الفترة إدراك العلاقات المكانية، بل إنه يصعب عليهم ادراك أبسط هذه العلاقات. وهذا ما أكده بياجيه عند اختياره للتصورات المكانية لدى عينة من الأطفال دون الأربع سنوات، وذلك حينما أعطاهم مجموعة من الخرز، وطلب منهم عمل مسبحة ( أي خط مستقيم من الخرز) من هذا الخرز بالمحاكاة، وكذلك فالأطفال خلال هذه الفترة يعوزهم التمثيل العقلي للأشياء والعلاقات بين أجزائها، خاصة إذا لم تكن مألوفة لديهم .
كذلك لا يستطيع الأطفال خلال هذه الفترة إدراك عمليات الثبات حتى عملية العد ذاتها لا يستطيع الأطفال إدراكها أيضاً. وتعتبر هذه العملية هي المبدأ العام والأساسي لكل من التطابق التام وثبات العدد، وبالتالي لا يستطيع الأطفال أن يدركوا هذه الأشياء أيضاً .
وعند نهاية هذه المرحلة الفرعية ينمو تفكير ما قبل المفاهيم عند الأطفال إلى حد يكونون عنده قادرين على إبداء أسباب المعتقداتهم. إلا أن تفكيرهم يظل متمركزاً حول الذات، ولكنهم يكتسبون بعض المفاهيم الحقيقية فهم يستطيعون أن يصنفوا الأشياء بطريقة صحيحة، ويكون
205 :الصفحة
في مقدورهم ترتيب الأشكال الملونة وفقاً للون أو الشكل، رغم أنه سوف لا يحدث أن يرتبوها في وقت واحد لكلا التصنيفين، إذ يجدون صعوبة في تناول علاقتين في وقت واحد. وكذلك يرى الأطفال أننا حينما نصب الماء من إناء واسع قصير في إناء ضيق طويل فإن الماء يتغير من حيث المقدار، على الرغم من أنهم يستطيعون أن يصفوا الإناءين، وذلك لأنهم لا يستطيعون إدراك أن الأبعاد تعوض بعضها البعض وتظهر تلك الصعوبة أيضاً حينما نسألهم عن العلاقات بين الكل وأجزائه، أو بين الفئة وفئاتها الفرعية.
مرحلة التفكير الحدسي. : ثانياً
وتستمر من الرابعة حتى السابعة من العمر تقريباً، وهي أكثر تعقيداً من سابقتها بدرجة قليلة، إذ يبدأ الطفل خلالها في بناء صور أكثر تعقيداً ومفاهيم أكثر تفصيلاً. لكن فهم الطفل للمفاهيم أو المدركات الكلية في هذه الفترة لا يكون مع ذلك متمركزاً على ما يراه الطفل ويبصره، بل على جانب حسي هام واحد من المثير.
وخلال هذه الفترة يخبر الأطفال نمواً يمكنهم من أن يبدأوا في إبداء الأسباب المعتقداتهم وأفعالهم وفي تكوين بعض المفاهيم. إلا أنهم لا يزالون غير قادرين عقلياً على عقد مقارنات. وكذلك يكون تفكيرهم محكوماً بالإدراكات المباشرة في حالة غياب التمثيل العقلي، ونتيجة لذلك تعاني أحكامهم من التغير المميز للإدراك. فما يميز الإدراك أنه يكون متمركزاً، أي يمكن فقط تلمس أو رؤية أحد المعالم أو مجال إدراكي ضئيل في وقت معين مما ينتج عنه تحريف في الأحكام القائمة على الإدراك البصري أو اللمسي أو الحركي أو السمعي وينتج عن ذلك أن إدراكات شيء من الأشياء تكون متغيرة حتى لدى الشخص ذاته من وقت لآخر، وتأخذ شكلاً مختلفاً وفقاً للأشياء المحيطة التي يرى فيها الشيء ولذا، رغم أنه من الممكن مع الممارسة تنسيق عدد من الإدراكات للشيء ذاته بواسطة نوع النشاط الإدراكي، إلا أنه ليس من الممكن تحقيق الثبات والقابلية للتناول العكسي المميزين للتفكير الشكلي الذي يشتق من عمليات عقلية .
ويعطي الأطفال في السنوات المتأخرة من هذه المرحلة الفرعية إيضاحات مصطنعة بدرجة أكبر، وإيضاحات تضفي الحياة على المادة ( الإحيائية) أو إيضاحات خرافية بدرجة أقل مفترضين أن الشمس مثلاً من صنع الإنسان، وكذلك فهم يولون إنتباهاً أكثر للتفاصيل. ويتوقفون عن الإعتقاد بأن نشاطهم يتصف بالقوة التي تجعل الأشياء المختلفة كالشمس
206 :الصفحة
والسحب مثلاً تتحرك ويعتقدون أنها تتحرك بنفسها، وهذا ما يدل على إنتقال المركز من مناشط الطفل إلى الأشياء ذاتها ... ويعتقد الأطفال أن الأسماء تتولد من الأشياء، وأن الإسم يكون جزءاً أساسياً من الشيء أي يؤلف جزءاً داخلياً للشيء. وأن للأسماء خصائص، فالريح مثلاً يحمل معنى القوة .. ولا يستطيع الأطفال كذلك أن يحتفظوا في عقولهم بأكثر من علاقة واحدة في وقت واحد. فقد يعد الطفل ثمانية من الأشخاص يركبون الحمير مثلاً في صورة إلا أنه لا يستطيع أن يعرف عدد الحمير دون أن يعدها. وكذلك يخفقون في فهم العلاقة بين الكل وأجزائه أو بين الفئة وفئاتها الفرعية، وغير ذلك من الصعوبات الكثيرة التي تبدو في تقدير أو قياس العمليات المتعلقة بالكميات أو في أداء هذه العمليات. وكذلك لا يزال تصور الطفل عن المكان مرتبطاً إرتباطاً وثيقاً بأفعاله وأساليب أدائه، ولكن نظراً لأن الطفل يستطيع أن يرى شيئاً واحداً في علاقة بشيء آخر واحد فقط وليس عدة أشياء، يكون في مقدوره أن يضع في الإعتبار العلاقات المرتبطة بالقرب والبعد والنظام والإستمرار، إلا أن الخصائص الإسقاطية كالظلال والمقاطع، أو الخصائص الإقليدية للزوايا والخطوط المتوازنة والمتشابهة وغير ذلك نادراً ما يفهمها الأطفال في هذه المرحلة الفرعية.
: وللنمو في هذه المرحلة ثلاث نتائج هامة تعتبر أهم ما يميز هذه المرحلة، وهي
: الوظيفة الرمزية
يتمثل الفرق الرئيس بين طفل المرحلة الحس حركية وطفل مرحلة ما قبل العمليات في أن الأول يعتمد نسبياً على التفاعلات المباشرة مع البيئة، بينما يستطيع الأخير أن يستخدم الرموز التي تمثل البيئة .
207 :الصفحة
والرموز هي طرق تحكمية عفوية لتمثل الوقائع المحسوسة، وخصائص أو صفات الأشياء ثم الأفعال. فالسهم على سبيل المثال رمز للاتجاه، وأكثر الرموز شيوعاً في حياتنا هذا الترتيب العفوي للخطوط فيما نسميه الحروف الهجائية، والكلمات والأرقام.
وترسي أساسيات النشاط الرمزي - كما هو معلوم خلال المرحلة الحس حركية حيث ينمو المعنى الحركي وكذلك ينمو المعنى شبه الرمزي والمعنى الإشاري، فيستخدم الطفل أحداثاً معينة ليشير بها إلى أحداث أخرى أو ليرمز بها إلى تلك الأحداث الأخرى. وكذلك في نهاية المرحلة الحس حركية يبدأ الطفل في إستخدام الرموز إلا أن الطفل نادراً ما يستخدم الإشارات المادية الملموسة، لكن طفل ما قبل العمليات يمكنه أن يأتي بإستجابة مستدخلة أو أي عملية وسيطة خاصة إذا كان سيقوم بتمثيل حدث ما أو شيء غير موجود أمامه في الوقت الحالي.
وكذلك فلدى طفل مرحلة ما قبل العمليات في مخزونه العديد من الأشياء التي يطلق على كل منها إسم «الدال » ( كال ويستطيع أن يميزها عن العديد من الأشياء الأخرى التي يطلق على كل منها إسم المدلول عليه كالأشياء المات والصور) والصور أو الأحداث التي تشير إليها الكلمات أو فيستطيع أن يفرق بينالدال في الأمثلة رنين الطبق، وإرتداء الأم للقبعة، ووضع المخدة في مقابل الوجه، وبين المدلول عليه في نفس الأمثلة . تناول الحساء، وخروج الأم، والذهاب للنوم. وهنا نجد أن الدال يعتبر بمثابة إشارة للموقف. وإذا كان طفل مرحلة ما قبل العمليات يستطيع أن يفرق بين الدال والمدلول عليه أي بين الإشارة والموقف، فإن طفل المرحلة الحس حركية يدرك الإشارة وباقي الموقف على أنها وحدة واحدة. ومن ناحية أخرى فإن طفل ما قبل العمليات يستطيع أن يأتي بإستجابة داخلية تمثل شيئاً ما غير موجود أمامه أو حدثاً تم من قبل من ذلك نرى أن الدخول إلى مرحلة ما قبل العمليات يتميز بزيادة استدخال أنماط السلوك التمثيلي، وزيادة التمييز بين الدال والمدلول عليه كما أن نمو الوظيفة الرمزية يعتبر خطوة هامة بإتجاه الإستقلال المعرفي، أي إستقلال التفكير عن أصوله الحس حركية.
وتتمثل الوظيفة الرمزية في القدرة على التمييز بين الدال والمدلول عليه، والقدرة على استدعاء أحدهما والإستدلال عليه بمجرد ظهور الآخر أو إثارته.
208 :الصفحة
وللوظيفة الرمزية أصولها التي تتمثل أساساً في عميتي المواءمة والتمثل، وقد تم تناولهما من قبل.
ومن الجدير بالذكر أن الرمز والإشارة وهما يعتبران بمثابة الدال قد يتشابها مع المدلول عليه وقد لا يكونا شبيهين به فبعض القواقع مثلاً تشبه القوارب والضغط باليدين في مقابل الوجه في حالة عدم وجود السرير يعتبر رمزياً نفس ما يحدث في وجود السرير، وكذلك فالسيارة اللعبة تشبه السيارة الحقيقية، إلا أن كلمة حصان مثلاً لا تبدو إطلاقاً مثل الحصان. وفي الواقع نجد أن أي كلمة أخرى يمكن أن تستخدم لتشير إلى هذا الحيوان المعروف إذا وافقنا على إستخدامها لذلك، وبمجرد حدوث الموافقة فإن تلك الكلمة الاشارة - يمكن أن تستخدم للإتصال فيما بيننا، وتشارك وظيفة تمثيل الأشياء الغائبة أي غير الموجودة أمامنا . وهكذا نجد أنه في وجود اللغة يصبح التفكير اجتماعياً.
وقبل أن تنهي مناقشتنا لتلك النقطة نود أن نشير إلى وجود علاقة بين اللغة وبين كل من الدال والمدلول عليه ، إذ يرى " بياجيه أن كل دال يظهر في البداية لا يعتبر إشارة لغوية ولكنه يكون رمزاً خاصاً ليس له أي إشارة. فهز أرجل لوسين مثلاً يمثل شراريب القماش الخاصة بسريرها، كما أن نومها وضغطها بيدها في مقابل جهها يمثل الذهاب للفراش، وفتح وقفل فمها يمثل فتح وقفل علبة الكبريت، وكذلك تعلق إصبع جاكلين في أعى فستانها يمثل تعلق رجل الدمية في نفس المكان. تلك هي كل أنواع التقليد، وعندما يصبح التقليد مستدخلاً، فإن " بياجيه يطلق علي أنواع التقليد هذه إسم . الصور ، وتلك الصور هي الإشارات ( الدالات) الحقيقية الأولى أما الأشياء أو الأحداث التي تم تقليدها ( المدلول عليها) فهي معانيها بالنسبة لطفل معين، أي هي المظاهر العملية للمعرفة.
ومن الملاحظات التي يذكرها بياجيه" أن إبنته "جاكلين" حينما رأت محاراً قالت أو أشارت إليه على أنه «فنجان » وبعد أن رأته التقطته ثم تظاهرت وكأنها تشرب وفي اليوم التالي أشارت إلى نفس المحار حينما رأته قائلة «كوب» ثم ، فنجان ثم «قبعة» وأخيراً «قارب». وبعد ثلاثة أيام أخذت صندوقاً فارغاً وحركته للأمام والخلف وهي تقول« سيارة».
209 :الصفحة
وفي هذا المثال نجد أن الإشارات ( الدلالات) هي انواع التقليد المستدخلة التي قامت بها "جاكلين للمحار أو للصندوق، أما ( المدلول عليها ) فهي نماذج الخبرات الأولية الصور العقلية والتي يمكن أن تتمثل جاكلين"، أو الطفل بوجه عام، فيها صورة المحار أو الصندوق أو هي الأحداث التي تشير إليها الإشارات والتي خبرتها "جاكلين" من قبل. وكذلك يمكن أن يتم تمثل صورة المحار في مفهوم المحار، أي في الصورة العقلية التي تمثل المظاهر العامة للعديد من خبرات الطفل بالمحار، والتي تمت من قبل. وفي هذا المثال نجد أن التمثل قد تم في الصورة العقلية للفنجان » في إحدى الحالات، والقبعة، في حالة أخرى، و للقارب في حالة ثالثة. وقد تم ذلك بالطبع بحدوث بعض المواءمة لكل صورة عقلية مع تلك الصورة التي تكونت من قبل.
ومن ناحية أخرى فإن معاني المحار تشمل الصور العقلية التي يمكن أن يتم تمثلها فيها . فالكلمات تعتبر إشارات أو دالات ولها معاني محددة أيضاً. وكذلك فإن الكلمات التي استخدمتها "جاكلين" في هذا المثال لا تشير إلى المعنى التقليدي للمحار، بل إنها تشير إلى المعاني الخاصة به في كل حالة.
ومن الواضح أن ما يفعله الطفل في مرحلة ما قبل العمليات هو القيام بتمثيل الكلمات في نسق خاصة من المدلول عليها وفيما بعد يصبح للغة دور هام في الوظيفة الرمزية لأن اللغة تمد الطفل بمجموعة جاهزة من الأدوات الخاصة بالعمليات أو العملياتية كما يطلق عليها البعض كالتصنيف، والثبات، والمنطق الفرضي مثلاً. إلا أن الكلمات أي اللغة في هذه المرحلة تستخدم على أنها دالة وليست مدلولاً عليها.
وإذا كان ظهور الرموز أو الوظيفة الرمزية للتفكير تعتبر أهم الإنجازات النمائية للطفل خلال هذه المرحلة، فإن هناك إنجازاً نمائياً آخر، لكنه أقل بكثير من استخدام الطفل للرموز حيث ينتقل إهتمام الطفل من السلوك إلى تفسير هذا السلوك إلا أن هذه التفسيرات التي يقدمها الطفل تكون غير مترابطة فيما يتعلق بالسبب الكامن وراء حدث من الأحداث. وقد يستخدم الطفل في ذلك المشابهة أو المطابقة فيرى أن القمر ينمو كما ننمو نحن فيتحول بذلك من هلال إلى أن يصير كاملاً.
210 :الصفحة
ويتميز تفكير الطفل خلال مرحلة ما قبل العمليات بعدة خصائص يختلف بها عن تفكير الطفل في المراحل التالية وأهم هذه الخصائص ما يلي
1-التمركز حول الذات :
ويتميز الطفل خلال هذه المرحلة بالتمركز حول الذات في التفكير، وهو ما يعني عدم قدرة الطفل على فهم الأشياء من أي وجهة نظر غير وجهة نظره هو، ويكون الطفل مندهشاً لأنه لا يستطيع أن يفهم كيف يفكر الآخرون بطريقة أخرى غير الطريقة التي يفكر بها هو هذا التمركز حول الذات يجعل الطفل يعتقد أن لدى الآخرين نفس الأفكار والمشاعر التي لديه هو نفسه كما يعتقد أن الأشياء موجودة لتسليته هو ولا يكون مشغولاً بنفسه فقط بل إنه يركز في نفسه وفي خبرته كل شيء أيضاً. وينظر الطفل من خلال ذاته في تعامله مع الآخرين، ولا يستطيع بذلك أن يمثل وجهة نظرهم أو يضع نفسه مكانهم ويضفي الطفل على الأشياء مشاعره ورغباته الخاصة بتصور أن أفكاره يمكن أن تغير الأشياء، وأن أفكاره وأفعاله شيء واحد لا فرق بينهما، ونتيجة لأنه لا يرى الموقف من وجهة نظر الآخرين فهو لا يدرك كيف تؤثر أفعاله على مشاعر الآخرين.
ومن هذا المنطلق إذا سألت الطفل عن يده اليمنى وعن يده اليسرى مثلاً، فإنه سيجيبك إجابة صحيحة تماماً، ولكن إذا سألته وأنت تقف في مواجهته عن يدك أنت اليمني أو اليسرى فإنه سيعطيك إجابة خاطئة في المرتين، وذلك لأنه لن يستطيع أن يضع نفسه مكانك أي لا يخرج عن منظوره هو الخاص.
وكذلك فالحوار التالي أجراه بياجية مع طفلة في السادسة من العمر، ويوضح هذا الحوار تمركز الطفل حول ذاته وعدم قدرته على أن يضع نفسه موضع الآخرين.
پیپا ما إسم أختك؟
إسمها هيزر.
- من هي أخت هيزر؟
ليس لها أختاً.
من أنت إذن الست انت اختها؟
لا آنا پیپا.
211 :الصفحة
وكذلك فالطفل يعتقد أن الأشياء موجودة من أجله وحده، وكذلك لتسليته هو وحده وإرضائه هو وحده وهذا ما يتضح من المثال التالي، والذي يمثل إجابة طفل في هذه المرحلة عندما وجهت إليه الأسئلة التالية
لماذا تشرق الشمس؟
لتدفئني.
لماذا يوجد الجليد.
لكي العب به.
لماذا يكون الحشيش ذا لون أخضر؟
لأن هذا هو لوني المفضل.
لماذا صنعت أجهزة التليفزيون.
لكي أتفرج على العروض المفضلة لي وأتفرج على أفلام الكرتون.
مقياساً عبارة وقد طورت لي عن مهمة نمائية لقياس هذه الخاصية في تفكير الطفل والتعرف على مدى وجودها حيث يتم إحضار هيكل على شكل جبل له زوايا ثلاث ويوضع على منضدة أمام الطفل. وفي الجهة المقابلة توضع دمية، ثم نقوم بتوجيه عدة أسئلة للطفل تتعلق بوضع الدمية وماذا ترى من وضعها هذا. أي أن الطفل هنا حينما يجيب على الأسئلة التي توجه إليه فهو يتحدث من وجهة نظر الدمية. وكذلك يمكن إستخدام أكثر من دمية واحدة أي دميتين أو ثلاثة بحيث توضع كل دمية في جانب من جوانب المنضدة ونطرح على الطفل أسئلة تتعلق بوضع كل دمية من هذه الدمى وماذا ترى من وضعها هذا. تماماً مثلما حدث في حالة الدمية الأولى.
( أنظر الصورة الموجودة في الصفحة 211 ضمن النسخة بدف اعلاه.)
212 :الصفحة
2- الملموسية:
قد يكون من المدهش أن نصف تفكير طفل مرحلة ما قبل العمليات بالملموسية في الوقت الذي تعتبر فيه القدرة على استخدام «الرموز» هي الصفة الأساسية التي تميز تلك المرحلة عن سابقتها، وهي الإنجاز النمائي الأساسي الذي يحققه الطفل خلال هذه المرحلة. وللإجابة عن ذلك نقول أن سلوك الطفل الذي وصل إلى مرحلة ما قبل العمليات بالمقارنة بسلوك الطفل في المرحلة الحس حركية يعتبر مستقلاً نسبياً عن المدخلات الحسية الوقتية ولكن عند مقارنته بالمراهق أو الراشد نجد أن تفكير هذا الطفل لا زال يعتمد على الملموسية .
وكذلك فإن معظم تفكيره يعتمد على ما أطلق عليه بياجية إسم التجربة العقلية وذلك في مقابل النمط الذي يستخدمه الراشد في التفكير وهو التحليل والتركيب. فيستخدم طفل ما قبل العمليات الرموز للدلالة على الأحداث كما لو كان يشارك هو بالفعل في تلك الأحداث نفسها وإذا ما قمارنا تفكيره بمستويات أكثر تقدماً فإن تفكيره خلال تلك المرحلة يميل إلى أن يكون محكوماً بمظاهره الشكلية - أي بالإدراكات والصور.
فلو عرضنا على الطفل إناءين من الماء يحتويان على نفس الكمية ثم صببنا محتويات أحدهما في إناء آخر يختلف عنه في الشكل - كالذي سنتحدث عنه عندما نتناول خاصية التركيز - فإن الطفل لا يكون قادراً على أن يتعرف من الشكل على أن كمية الماء الموجودة في أحد الإنامين مساوية لكمية الماء الموجود في الإناء الآخر.
( أنظر الصورة الموجودة في الصفحة 212 ضمن النسخة بدف اعلاه.)
213 :الصفحة
وبذلك نجد أنه لدى كل من الطفل والراشد يكون الإدراك هو النشاط العقلي السائد. إلا أن الفرق بين كل من الطفل والراشد يبدو في أن الراشد يستطيع أن يكتشف الطريق الذي يؤدي به إلى المركز. وبذلك يستطيع أن يدرك الشكل بصورة جديدة، تظهر في عملياته العقلية تحركاً داخل البناء الإدراكي، في حين لا يستطيع طفل مرحلة ما قبل العمليات أن يفعل ذلك، إذ يفتقر تفكيره إلى هذا الحراك حيث يعوزه ذلك البناء الذي يتميز به تفكير الراشدين.
3- التركيز :
ويعتبر التركيز أحد الخصائص الهامة التي يتميز بها تفكير الطفل في مرحلة ما قبل العمليات والتركيز صلته الواضحة بالتمركز حول الذات. ويعني التركيز في تفكير الطفل ميله إلى التركيز على وجهة نظره هو ووضعها في الاعتبار، وكذلك فهو يعني ميل الطفل إلى تركيز إنتباهه على التفاصيل المتعلقة بجانب واحد فقط للشيء أو صفة واحدة له، وعجزه عن نقل إنتباهه إلى الجوانب الأخرى لهذا الشيء أو للموقف بصفة عامة، ومن ثم يعجز الطفل عن الحصول على المعلومات عن تلك المظاهر الأخرى للموقف .
ونتيجة لذلك نجد أن الطفل لا يستطيع أن يقرر مثلاً إذا فرغنا كمية الماء الموجودة في أحد الإنامين - المتشابهين، والذي يحتوي كل منهما على نفس الكمية من الماء علماً بأن كل منهما طويل ورفيع في إناء آخر قصير وواسع ( كما يتضح من الشكل رقم (11)) ، فإن كمية الماء تظل كما هي لا تقل ولا تزيد، حيث يركز الطفل إنتباهه أو تفكيره على مظهر واحد فقط للمشكلة أو الموقف وهو مظهر الإرتفاع، ويغفل ما عداه من مظاهر كالتي تتعلق بالسعة أو العرض إذ لا يستطيع أن يدرك أن الأبعاد أو المظاهر تعوض بعضها البعض. ولو كان من الممكن بالنسبة له ألا يركز على بعد واحد في تلك المشكلة فإنه كان سيضع كلا من الارتفاع والعرض أو السعة في اعتباره، وكان ذلك سيسمح له بأن يربط التغيرات التي حدثت في أحد هذين البعدين بالتغيرات التعويضية في البعد الآخر، إلا أن طفل مرحلة ما قبل العمليات لا يستطيع القيام بذلك، ومن ثم لا يستطيع أن يحل المشكلة حلاً صحيحاً.
214 :الصفحة
شكل رقم (11) يبين
ظاهرة التركيز.
( أنظر الصورة الموجودة في الصفحة 215 ضمن النسخة بدف اعلاه.)
وكذلك إذا عرضنا عليه كرتين من العجين أو الصلصال، وأخبرناه أن حجمهما متساو (شكل رقم(12) ثم قمنا بتغير شكل أحدهما لتصبح على شكل رغيف الخبز مثلاً وسألناه عن أي الكرتين تحتوي على الكمية أكثر من العجين أو الصلصال، فإنه لن يستطيع أن يقرر أن حجم الكرتين لازال كما هو ولم يتغير، بل سيقول أن كمية العجين أو الصلصال في الكرة التي غيرنا شكلها تزيد عن كمية العجين أو الصلصال في الكرة الأخرى .
شكل رقم (12) يبين
ظاهرة التركيز أيضاً.
( أنظر الصورة الموجودة في الصفحة 215 ضمن النسخة بدف اعلاه.)
215 :الصفحة
وذلك لا يفهم قانون الثبات أو الإحتفاظ بمعنى أن صفات المواد المختلفة كالوزن والحجم مثلاً تبقى كما هي إذا غيرنا الشكل أو التنظيم حيث إن ذلك من خصائص مرحلة العمليات المحسوسة وهي المرحلة النمائية التالية لمرحلة ما قبل العمليات.
وإذا أحضرنا عدداً من الزهور، ووضعنا في مقابل كل زهرة قطعة من النقود، ثم وضعنا الزهور معاً على شكل كومة وتركنا قطع النقود كما هي، أو وضعنا قطع النقود معاً على شكل كومة أيضاً وتركنا الزهور كما هي، ثم سألناه في كل مرة عن أيهما يحتوي على عدد أكبر كومة الزهور أو عدد النقود في الحالة الأولى، أو كومة النقود وعدد الزهور في الحالة الثانية فلن يستطيع طفل هذه المرحلة أن يعطينا إجابة صحيحة لهذه المشكلة أيضاً ويرجع هذا كما قلنا سابقاً إلى أن الطفل لا يستطيع أن يعرف خلال هذه المرحلة أن الأبعاد أو المظاهر المختلفة للموقف يعوض بعضها البعض.
4- اللامقلوبية (عدم السير العكسي):
وتسمى أيضاً بعدم القابلية للإنعكاس ويُعنى بالسير العكسي أو الإنعكاس إرجاع العملية العقلية إلى نقطة البداية التي بدأت منها دون حدوث أي تغيير وهذه القابلية على السير العكسي تجعل التفكير أكثر مرونة، وتمكن الفرد من تصحيح الأخطاء التي قد تحدث اثناء عملية التفكير.
: وقبل أن نتحدث عن هذه الخاصية في تفكير الطفل، نقول أن كل عملية رياضية أو منطقية قابلة للإنعكاس، فمثلاً إذا قلنا
9=5+4
4=5-9
: أو إذا قلنا
200=5x4
4=5+20
: أو إذا قلنا
كل الأولاد وكل البنات في السنتين الأولى والثانية من العمر كل الأطفال في مرحلة المهد.
216 :الصفحة
كل الأطفال في مرحلة المهد فيما عدا البنات كل الأولاد في السنتين الأولى والثانية من العمر من الأمثلة الثلاثة السابقة نلاحظ أننا في المثال الأول نستطيع أن نضيف أي رقم إلى العدد «4» ثم نطرح هذا الرقم من المجموع الكلي بعد ذلك، ومن ثم نعود إلى نقطة البداية مرة أخرى وهي العدد «4 » .
وفي المثال الثاني نضرب العدد 4" في أي رقم، ثم نقسم المجموع الكلي على هذا الرقم بعد ذلك لنعود إلى نقطة البداية مرة أخرى وهي العدد «4» .
وفي المثال الثالث نجد أن حجم المجموعة هو كل الأولاد في السنتين الأولى والثانية من العمر، ويمكننا أن نزيد من حجم هذه المجموعة لنحصل على مجموعة أكبر ثم نطرح هذه الزيادة من حجم المجموعة الأكبر لنعود من جديد إلى نقطة البداية والتي تمثل حجم المجموعة الأصلي في هذه الحالة.
ومن الأمثلة يتضح لنا أن باستطاعتنا أن ننطلق من نقطة البداية في إتجاه ما، ثم نعود مرة أخرى في الإتجاه العكسي لنصل إلى نقطة البداية التي إنطلقنا منها من قبل. وهذه هي ميزة التفكير القابل للإنعكاس، أما تفكير الطفل خلال هذه المرحلة فيفتقر إلى هذا السير العكسي وعلى ذلك إذا سألنا طفلاً مثلاً بعد عرض المشكلة التالية عليه .
لدينا خمس تفاحات في الحقيقة، أضفنا إليها خمس تفاحات أخرى، ثم أخذنا منها خمس تفاحات. كم تفاحة تبقى بالحقيبة إذن؟
مثل هذه الأسئلة يعتبر صعباً بالنسبة للطفل نتيجة إفتقار تفكيره إلى قابلية الإنعكاس أو السير العكسي.
وكذلك فإننا لو أعدنا الماء من الإناء القصير المتسع إلى الإناء الطويل الرفيع والذي كان موجوداً فيه من قبل، فإن الطفل لن يستطيع أن يدرك أن كمية الماء في الإناءين لا تزال كما هي دون حدوث أي تغيير.
ولو أعدنا كرة العجين أو الصلصال التي غيرنا شكلها إلى شكلها الأصلي على هيئة كرة فإن الطفل لن يستطيع أن يدرك أيضاً أن حجمها يتساوى مع حجم الكرة الأخرى.
217 :الصفحة
ويرجع السبب في ذلك إلى أن الطفل لا يستطيع أن يفهم التغيرات التعويضية في الأبعاد المختلفة خلال هذه المرحلة، وهو ما يمكن أن نتناوله على النحو التالي
أنه نظراً لأن حجم العجين أو الصلصال في الكرتين لم يطرأ عليه أي تغيير بالزيادة أو النقصان، فإن قطعة العجين أو الصلصال التي على شكل رغيف الخبز يمكن أن تعود مرة أخرى إلى شكلها الأصلي وهو الكرة.
أن التغيير في إرتفاع الإناء يعوضه التغيير في عرض الإناء الآخر لتبقى بذلك كمية الماء في الإناءين كما كانت في البداية، أي أنها لم تتغير، فلم تزد ولم تقل.
وهناك مثال آخر يتشابه مع المثال الذي سقناه عن كمية الماء. ويعتمد هذا المثال على مقارنة كميتين متساويتين من الخرز نضعهما في إناءين لهما شكلان مختلفان إحداهما طويل رفيع والآخر قصير عريض أو متسع شكل رقم (13) فنضع أمام الطفل كومة من الخرز عددها زوجي، ونطلب منه أن يأخذ واحدة من هذا الخرز في كل يد ويضعها في أحد الإنامين بحيث يضع الخرز بيده اليمنى في أحد الإناءين، وبيده اليسرى في الإناء الآخر.
شكل رقم (13) يبين
ظاهرة اللامقلوبية
( أنظر الصورة الموجودة في الصفحة 218 ضمن النسخة بدف اعلاه.)
ويستمر على ذلك حتى لا يبقى هناك أي زوج من الخرز. ثم نسال الطفل بعد ذلك إذا كان أحد الإناءين يحتوي على عدد من الخرز أكثر من الآخر، أم أن كلاً منهما يحتوي على نفس العدد. وكما حدث عندما سألناه عن كمية الماء في الإناءين يحدث هنا، إذ يقول الطفل أن الإناء الطويل الرفيع يحتوي على عدد من الخرز أكثر مما يحتوى عليه الإناء الآخر وهنا نجد أن الطفل عادة لا يصدر حكمه على أساس بعد معين أو آخر للمادة نفسها، ولكن على أساس حجم الإناء ذاته. وبذلك نرى أن التمثيل الداخلي لكميات المواد بالنسبة للطفل قد تم تمثله في تمثيله للآنية التي تحتوي على تلك المواد .
218 :الصفحة
وهكذا على الرغم من أن التغيرات التي تحدث للمواد تحدث أمام عين الطفل، فإنه لا يستطيع أن يدركها لأن تفكيره غير قابل للإنعكاس.
وترتبط هذه الخاصية في تفكير الطفل بدرجة كبيرة بتمركز الطفل حول ذاته في التفكير ونسوق لذلك مثالاً عن حوار أجراه بياجيه مع طفل في الرابعة من عمره
هل لك أخ؟
نعم.
ما إسمه؟
هل جيم له اخ؟
لا.
وهذا يعني أن تفكير الطفل يسير في إتجاه واحد فقط، وهو بذلك يكون غير قابل للإنعكاس، لأنه إذا كان قابلاً للإنعكاس فإن الطفل سيدرك ببساطة شديدة أنه هو أخو جيم.
5-الإحيائية:
وهي ميل الطفل إلى أن يعزي للأشياء المادية كل الصفات التي له هو، فهو ينسب الحياة إلى الجماد، وينسب النية والمقصد إلى أشياء كالشمس والقمر وهو يرى مثلاً أن الأوراق توجد على الأشجار كي تدف، تلك الأشجار، وأن النجوم تتلألأ في السماء لأنها سعيدة، وأن الشمس تتحرك في السماء لأنها تتبع الأطفال وتسمع ما يقولونه. كما أن القوارب تذهب لتنام أثناء الليل كما نفعل نحن وتنشأ الإحيائية بذلك نتيجة الإختلاط بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي.
تذكر هنا أن هناك حديثاً طريفاً دار بين "ياجيه" وطفل في هذه المرحلة على النحو الذي سنذكره، ويدل هذا الحوار على هذه الخاصية في تفكير الطفل. وفي هذا الحوار نجد بياجيه" بالطبع يسأل والطفل يجيب.
هل تتحرك الشمس؟
219 :الصفحة
نعم عندما يسير الواحد منا فإن الشمس تتبعه، وعندما يدور تدور معه. ألا تتبعك أنت أيضاً؟
لماذا تتحرك الشمس ؟
عندما يمشي أحد تذهب هي أيضاً.
لماذا تذهب ؟
لكي تسمع ما نقول.
هل هي حية؟
طبعاً وإلا لما تتبعتنا ولما أنارت.
ويرجع بياجيه هذه الظاهرة إلى إعتماد الأطفال في هذه المرحلة في تفكيرهم على الحدس.
أو البديهة وليس على المنطق.
6- الإصطناعية:
والمقصود بها هو ميل الطفل إلى إعتبار أن كل الأشياء التي حوله من صنع الإنسان، وقد وجدت من أجله. ومن هنا يبدو للطفل أن لكل شيء وظيفة يشغلها ودوراً يلعبه، فالشمس خلقت لتدفئنا، والمطر لينبت الزرع، والماء لنشريه، والأرض لتمشي عليها الخ .. وهكذا فإن الطفل لا يفهم الأشياء إلا من وجهة النظر هذه. وبالإضافة إلى ذلك فهو يتصور كل شيء قد صنع من أجله هو، وأن أباه وأمه هما اللذان قاما بصنعه ومن هنا يعزو إليهما قوة لا نهائية.
كما أنه يعزو إليهما تلك القوة اللانهائية نتيجة أنه يعتمد كلية عليهما في بداية حياته في إشباع حاجاته الفطرية المتمركزة حول ذاته كالطعام والأمان مثلاً.
ويوضح الحوار التالي والذي أجرى مع طفل في هذه المرحلة صفة الإصطناعية في تفكير الطفل حيث يعتقد أن الأشياء الموجودة في البيئة كالمطر والرعد مثلاً من صنع الإنسان، ولا يستطيع الطفل أن يدرك غير ذلك خلال هذه المرحلة.
مالذي يسبب المطر؟
شخص ما يفرغ صفيحة مليئة بالماء.
لماذا نرى السماء بهذا اللون الأزرق؟
220 :الصفحة
لأن شخصاً ما قد طلاها باللون الأزرق.
ما هو الربح
الريح هو نفخة نفخها رجل ما.
ما الذي يسبب الرعد ؟
هناك رجل ما حينما يتذمر يحدث الرعد.
7-الواقعية:
وتبدو الأشياء جميعاً حقيقية أو واقعية بالنسبة للطفل، ومن الصعب عليه أن يميز بين الحلم وبين الواقع وتظهر هذه الفكرة في الأخلاقيات أيضاً. وتختلف الواقعية عند الطفل عنها لدى الراشدين فعند الراشدين تعني الموضوعية كبت الأنا، أما بالنسبة للأطفال فهناك الأنانية والتمركز حول الذات. وتقوم الواقعية عند الطفل على أمرين هما
. إختلاط ما هو شخصي بما هو موضوعي، أي لا إنفصال بين الأنا والأشياء-
ميل الطفل إلى تجسيد الأفكار الداخلية وصبها في الخارج .-
وهكذا نجد أن أحلام الطفل لا تختلف عن الواقع الخارجي، وما يتمناه الصغير أو يتصوره لا يختلف عما يدركه ويراه، بل إنه ليرى في الخارج ويحس بتلك الأحلام التي تراوده في الداخل، فكثيراً ما يستيقظ الطفل ويطلب من والديه إحضار اللعبة التي كانت معه، وفي الوقت الذي يعلن فيه الأب والأم أن ذاك كان حلماً، يصر الطفل على أنه واقع.
7-الإستاتيكية:
يتميز تفكير الطفل خلال هذه المرحلة بالثبات، ويستطيع الطفل التعامل مع الأشياء الساكنة أو التي لا تتحرك أكثر من تعامله مع الأشياء التي تتضمن التغيير. وعلى الرغم من أن الأطفال يدركون تغير شكل الشيء إلا أنهم لا يستطيعون فهم تتابع الخطوات التي أدت إلى هذا التغيير. ويرجع السبب في عدم قدرة الطفل على فهم هذه التحولات ووجود صعوبة في ذلك إلى أنه نمطاً من التفكير يعرف بالإستدلال الإنتقالي سنتناوله بعد ذلك، فإذا طلبنا من الطفل مثلاً أن يرسم تتابعاً للأوضاع التي يمر بها جسم كان موضوعاً رأسياً ثم سقط على الأرض.
221 :الصفحة
وأصبح في وضع أفقي - كما يتضح من الشكل التالي فإنه لا يستطيع القيام بهذا التتابع، ولا يستطيع أن يدرك أكثر من الحالة الأولى والأخيرة فقط، أي حينما كان القلم في وضعه الرأسي وحينما أصبح في وضعه الأفقي الجديد. وكذلك يكون الطفل غير قادر على إدراك الأوضاع المتوسطة التي يمر بها الجسم ما بين الحالة الأولى والأخيرة، وأحياناً لا يستطيع حتى أن يتعرف عليها حينما يتم توضيحها له، لأنه غير قادر على إدراك سلسلة من الحالات في كل موحد يعرف بالتحويل أو التغيير.
شكل رقم (14) يبين
ظاهرة الاستاتيكية عن طفل ما قبل العمليات.
( أنظر الصورة الموجودة في الصفحة 222 ضمن النسخة بدف اعلاه.)
وبذلك نجد أن الطفل يميل إلى أن يركز على الحالات المتتالية لعرض ما دون ملاحظة التي تتحول الحالة من خلالها إلى حالة أخرى فإذا نظرنا إلى مهمة مستوى الماء مثلاً شكل رقم (11) ووضعنا هذا الميل في إعتبارنا يصبحمن السهل علينا أن ندرك أن ذلك يعوق تفكير الطفل. وسوف يعطي هذا التحويل بنفسه للراشد شعوراً مؤكداً بأن كمية الماء المسكوب من أحد الإناءين في الإناء الآخر هي نفسها لم تتغير إلا أنه لا يعطي ذلك للطفل، فنجده بالرغم من ذلك وكأنه يرى سلسلة من الصور الثابتة بدلاً من العرض الذي يراه الراشد .
9-الإستدلال الإنتقالي:
يرى بياجية أن مرحلة الانتقال بين التفكير الحسي الحركي وتفكير المراهقين تسمى بتفكير ما قبل المفاهيم أو الإستدلال الإنتقالي أو كما يطلق عليه البعض التفكير الإنتقالي، وهو الإنتقال من الخاص إلى الخاص في التفكير دون إي إشارة إلى العام، وليس كما هو الحال.
222 :الصفحة
بالنسبة النمطي التفكير لدى الراشدين الاستقرائي ( الإستنتاجي أو الإستنباطي ) ويكون الإنتقال فيه من الخاص إلى العام، والاستنباطي القياس المنطقي أو الإستدلالي ويكون فيه الإنتقال من العام إلى الخاص، إذ يصف " روبرت بومالإستدلال بأنه تفكير توصل فيه المقدمات إلى نتيجة بصورة مطلقة، وأن الاستقراء عكسه.
ومن الأمثلة التي توضح التفكير الإستدلالي
كل الرجال قانون (عام).
سقراط رجل.
إذن سقراط فان (خاص).
: وإذا عكسنا هذا المثال يصبح تفكيراً إستقرائياً -
سقراط فان (خاص).
سقراط رجل.
كل الرجال قانون (عام).
أما تفكير الطفل فلا ينتقل من الخاص إلى العام (استقراء)، ولا هو ينتقل من العام إلى الخاص (إستدلال)، بل هو إنتقال من الخاص إلى الخاص ( إستدلال إنتقالي أو تفكير إنتقالي) دون أي إشارة إلى العام فيرى الطفل أنه لو أن حدثين ماديين حدثاً معاً في الماضي، فإنهما يجب أن يحدثا معاً دائماً في المستقبل كإحضار الأب للماء الساخن مثلاً وحلاقة ذقنه، أو حركتنا وحركة القمر ليلاً. وهنا يكرر الطفل بصورة عقلية تتابعاً قد خبره بصورة مادية من قبل، وذلك شريطة ألا تحدث أو تنشأ أي علاقة جديدة. ويكون هذا التتابع كما قلنا - عقلياً وليس لفظياً لأن الطفل هنا لا يتحدث مع والده حينما يحضر الماء الساخن بغرض الحديث معه، بل ليكرر تتابعاً عقلياً قد خبره من قبل وهو استخدام الأب للماء الساخن في حلاقة ذقنه. إلا أن الطفل يعجز عن إدراك سلم هرمي للمراتب مثل
ا» يسبب "ب"»
وأن «ب» يسبب غيره.
أو أن «ب» يسبب "أ"
223 :الصفحة
وقرب نهاية هذه المرحلة يقل تمركز الطفل حول ذاته، ويستطيع التركيز على أكثر من جانب واحد للمشكلة أو الموقف وتنمو قدرته على التفكير في العمليات المادية العيانية، وهو التفكير الذي يسود في المرحلة التالية. وعندما يستطيع الطفل أن يتمثل الأشياء عقلياً، وأن يتخيل النتائج الصحيحة ولكنه لا يستطيع تفسيرها كما هو الحال بالنسبة المهمة مستوى الماء وحينما يكتسب فكرة ثبات الشيء، فإن ذلك يعتبر نقطة إتصال هامة تبدأ منها إمكانية ممارسة العمليات المادية .
( أنظر الصورة الموجودة في الصفحة 224 ضمن النسخة بدف اعلاه.)
224 :الصفحة
الفصل التاسع
سنوات مرحلة ما قبل العمليات
بنمو القدرة على إستخدام الصور الذهنية والرموز عند الطفل، فإنه يدخل في رأي بياجيه إلى ما قبل العمليات التالية في النمو العقلي ذلك أنه مع بداية التمثيل الرمزي للبيئة ونمو القدرة على التصور الذهني للأشياء والأحداث، فإنه يتكون لدى الأطفال مفاهيم غير ناضجة يطلق عليها بياجيه ما قبل المفاهيم مثلاً : قد يكون لدى الأطفال في هذه المرحلة فكرة عامة أن الطيور لها أجنحة وتطير وغالباً ما توجد على الشجر، أو أن السيارات لها عجل وأبواب وتوجد في الشوارع، إلا أنهم لا يستطيعون أن يميزوا بين الأنواع المختلفة من الطيور أو السيارات.
ويمجرد وصول الطفل إلى هذه المرحلة، تأخذ القدرة على استخدام الرموز والصور الذهنية في الازدياد بشكل واضح وبسرعة كبيرة فتزداد قدرته اللغوية زيادة هائلة، ويصبحفي إمكانه أن يتصور أساليب جديدة للعب الإبداعي، وبذلك يقضي معظم وقته في ذلك النوع من اللعب الإيهامي الذي يعتمد على الرموز والصور الذهنية، كذلك يصبح التقليد والمحاكاة هي الأسلوب السلوكي المميز لطفل هذه المرحلة، بما يتضمنه ذلك من قدرة على التذكر الرمزي السلوك سبق أن رأه عينياً في نموذجه الأصلي وهناك إلى جانب ذلك أحلام الطفل ورسومه التي يعبر فيهما بأسلوب رمزي عن خبراته الذاتية ... وهكذا.
وفي دراستنا للنشاط المعرفي لا بد لنا أن نميز بين مفهومين أساسيين هما: "الوحدات" و العمليات". وإليك التفصيل ( اسماعيل 1989).
: وحدات النشاط المعرفي
يستطيع طفل ما قبل المدرسة أن يستخدم جميع وحدات النشاط المعرفي الخمسة الرئيسة وهي،
227 :الصفحة
: أولاً: الشكل التصوري العام
وهو طريقة ، العقل في تصوير المفاهيم الهامة أو الملامح المميزة لحدث ما، وهو في ذلك أشبه من بعيد، بما يخرجه لنا رسام كاريكاتوري للوجه مثلاً. ذلك أن مثل هذا الرسام يبالغ دائماً في الملامح المميزة. وعلى هذا الأساس نستطيع أن نتصور أن الشكل العام للأب عند الطفل الرضيع مثلاً، يمكن أن يؤكد على اللحية والرأس الأصلع، إذا كانت هذه هي الملامح المميزة للأب والأشكال العامة ليست قاصرة على الناحية المرئية فقط بل يمكن أن يقوم أيضاً على أساس خبرات حسية أخرى، كالشم مثلاً بالنسبة للورد، أو اللمس بالنسبة لورق الزجاج، وهكذا.
ويجب ألا نخلط بين الشكل العام، كوحدة معرفية، وبين الفكرة. فإذا كونت طفلة ما شكلاً عاماً عن الأم. مبنياً (أي الشكل العام على أساس رؤيتها لها وهي ترضع أختها الصغرى، فليس معنى ذلك أن باستطاعتها أن تكون شكلاً عاماً عن الحنان أو التغذية. ذلك أن الحنان أو التغذية هما من الأفكار المجردة، وليسا من الأحداث الطبيعية الحية، وهذه التفرقة هامة جداً لأنها توقفنا على حقيقة القدرات الموجودة لدى الطفل في هذه المرحلة.
ولدى اطفال هذه المرحلة قدرة هائلة على تخزين الأشكال العامة فقد عرض على مجموعة من الأطفال في سن الرابعة (60) صورة على مدى يوم واحد وكانت كل صورة تعرض على الطفل لمدة ثانيتين وفي اليوم التالي عرض على هؤلاء الأطفال (120) صورة. (60) منها كانت هي الصورة التي عرضت عليهم في اليوم السابق، وطلب من هؤلاء الأطفال أن يحددوا الصور التي سبق أن عرضت عليهم وكانت النتيجة أن متوسط إجابات الطفل الصحيحة قد بلغت (80%) من الحالات.
ثانياً: الصور الذهنية
الصور الذهنية هي تمثيل أكثر تفصيلاً وأشد وعياً من الشكل التصوري العام. فهي أشبه بصورة كاملة عن الشخص، في حين أن الشكل التصوري العام هو أشبه بصورة كاريكاتورية له ويبدو أن طفل المهد ليست لديه صور ذهنية بهذا المعنى، بل مجرد أشكال تصورية عامة .
228 :الصفحة
وتساعد الصور الذهنية للطفل على أن يجيب عن أسئلة مثل: هل للفيل آذان، وبالرغم من أن الكبار يمكنهم أن يقولوا نعم كإجابة فورية على هذا السؤال، فإن طفل ما قبل المدرسة يشعر بأنه في حاجة إلى أن يستحضر صورة ذهنية قبل أن يستطيع أن يحل هذه المشكلة أو السؤال.
ثالثاً: الرموز
بينما تعتمد الأشكال التصورية العامة والصور الذهنية على النواحي المادية لأحداث إدراكية معينة، نجد أن الرموز عبارة عن طرق جغرافية لتمثيل (تصوير) أحداث عينية، أو صفات الأشياء والأفعال، أو الخصائص المميزة لها مثلاً، يعرف طفل ما قبل المدرسة أن الجمجمة والعظمتين المتقاطعتين ترمز إلى الخطر، وأن إشارة المرور الحمراء ترمز إلى الوقوف والخضراء إلى السير، وهكذا. كذلك طفل هذه المرحلة بإمكانه أن يتعامل مع الأشياء باعتبار أنها رموز، بل أنه يغرق في ذلك سواء في أثناء ما يسمى باللعب الإيهامي، أو عندما يقوم بتقليد الكبار. ويستغرق هذا النشاط الرمزي التخيلي معظم وقت الطفل في هذه المرحلة فعندما يقدم لك طفل قطعة من الصلصال مثلاً على أنها كعكة، ويطلب منك أن تأكلها. أو عندما يجعل من أبريق الشاي اللعبة أبريقاً حقيقياً مليئاً بالشاي، ويصب منه ويتظاهر بالشرب، أو عندما يجعل من قلم طويل وقلم قصير كائنات تمشي وتتحدث كما لو كانت أباً وطفله. .... في كل هذه المواقف يمارس الطفل نشاطاً تخيلياً رمزياً يتميز به سلوكه في هذه المرحلة. ويحصر بياجية النشاط التخيلي الرمزي المطفل في هذه المرحلة في خمسة أشكال هي :
-التقليد في غير وجود النموذج استحضار.-
- الصور الذهنية للأشياء في حالة غيابها.-
-الرسم التخيلي.-
229 :الصفحة
-اللعب الإيهامي-
-اللغة-
إن هذه الوظيفة الرمزية في نمو الطفل المعرفي في هذه المرحلة، تجعله يأخذ بعداً جديداً هاماً يختلف تماماً عنه في مرحلة المهد. وتؤدي هذه القدرة الجديدة وظائف متعدددة في حياة الطفل في هذه المرحلة. فهي تساعد على أن يزاول نشاطه بمستوى جديد. فقد أصبح نشاطه الآن غير مقصور على البيئة المباشرة، بل أصبح بإمكانه أيضاً أن يتناول الماضي والمستقبل وأن يتحدث عن الأشياء غير الحاضرة، ذلك أن بإمكانه الآن أن يصور شيئاً أو حدثاً غير موجود هنا الآن عن طريق كلمة أو أي رمز آخر .
رابعاً: المفاهيم :
المفهوم هو مجموع الصفات المشتركة بين أشكال تصورية عامة أو صور ذهنية أو رموز». فمفهوم الكلب مثلاً، يشير إلى مجموع الصفات أو الخصائص التي قد تجمع بين وجود الشعر والذيل ووجود أربعة أرجل واستطالة الوجه والنباح مثلاً، وعلى هذا النحو فإن الحيوان» و «الإنسان» و «الطعام ... الخ، كلها مفاهيم لا تعبر عن حدث معين بالذات، وإنما عن صفة أو صفات عامة تجمع بين عدد كبير من الأحداث.
على أننا يجب أن نتذكر هنا ملاحظة "بياجية عن المفاهيم التي يكونها الطفل في هذه المرحلة، ومدى قصورها على أن تكون ممثلة تمثيلاً واقعياً كاملاً للأشياء التي تعبر عنها. فهي في الواقع تمثل معرفة الطفل عن هذه الأشياء. ومعرفة الطفل في هذه المرحلة هي من القصور والذاتية، بحيث تجعل من المفاهيم التي يكونها الطفل شيئاً بعيداً جداً عن الموضوعية. ولنضرب مثلاً بالكلب مرة أخرى. إن مفهوم الكلب» بالنسبة لطفل ما ، قد يشير إلى مخلوق صغير ذي شعر كثيف، اقترب منه وأخذ يلعق يديه ويهز له ذيله، في حين أن نفس الكلمة قد ترمز بالنسبة لطفل آخر، ذلك الوحش الكاسر الذي هجم عليه مرة، وأثار لديه ذعراً شديداً. حقاً أن كلا المفهومين يتضمن عناصر مشتركة أربعة أرجل وذيل وقدرة على الجري والنباح.. الخ، إلا أن مفهوم كل من الطفلين عن الكلب يختلف عن مفهوم الطفل الآخر ويرجع.
230 :الصفحة
ذلك إلى أن المفاهيم عند الأطفال، لا يرجع تكوينها إلى الصفات الموضوعية للأشياء بقدر ما يرجع إلى معرفة الطفل عن هذه الأشياء، أو بمعنى آخر خبرته الذاتية بها.
خامساً: القواعد
القاعدة أساساً هي عبارة تتعلق بالمفاهيم، أي تتناول المفاهيم في علاقات مع بعضها البعض بمعنى آخر، هي أحكام تصدر بشأن هذه المفاهيم، شأنها في ذلك شأن القضايا المنطقية التي تتناول مفهوماً معيناً في صورة «موضوع» ومفهوماً آخر في صورة محمول». مثلاً الماء رطب» و «الشتاء بارد» و النار تحرق. ولا شك أن هذه الأحكام، أو القواعد، شأنها شأن المفاهيم، تختلف في مدى دقتها واتساع دائرتها باختلاف مراحل النمو( إسماعيل1989 ).
العمليات المعرفية: (اسماعيل 1989).
يتضمن النشاط المعرفي - كما سبق ذكره وجود عمليات معرفية إلى جانب الوحدات المعرفية. ويمكن حصر تلك العمليات فيما يلي
الادراك هي العملية التي تشير إلى استخلاص وتنظيم وتفسير البيانات التي تصلنا من كل من البيئة الخارجية والبيئة الداخلية عن طريق الحواس
.التذكر هو العملية التي تشير إلى اختزان واستدعاء المعلومات التي تأتينا عن طريق الإدراك.
الاستدلال هو العملية التي تشير إلى استخدام المعرفة في إجراء الاستنباط والوصول إلى النتائج.
التبصر : هو العملية التي تشير إلى تقييم الأفكار والحلول من حيث الكيف.
( أنظر الصورة الموجودة في الصفحة 231 ضمن النسخة الورقية بدف اعلاه)
231 :الصفحة
الاستبصار ويشير إلى اكتشاف علاقات جديدة بين وحدتين أو أكثر من المعرفة .
التطور الادراكي عند طفل ما قبل المدرسة
إنه لما يدعو للسخرية أن ما نعرفه عن القدرات الإدراكية للأطفال أقل مما نعرفه عن الرضع. فقد تم تجاهل الاحساسات غير البصرية تحديداً، وبالتالي سنقصر حديثنا على الإدراك البصري في مرحلة الطفولة.
ومن حسن الحظ أن القيام بالأبحاث عن الأطفال أسهل مما هو عن الرضع فباستطاعة الطفل في السنة الخامسة من العمر أن يشير إلى اتجاه حرف مثلاً، ولكن طفل الثالثة قد لا يفهم تعليمات المهمة المطلوبة، أضف إلى ذلك أن المهارات الحركية لدى الأطفال الصغار لا تزال محدودة بعض الشيء فمثلاً، إذا طلبنا من طفل عمره خمس سنوات أن يرسم شكلاً ما .. وكان الشكل الذي رسمه مختلفاً عن الأصل، فإن هذا الفرق يمكن أن ينتج عن محدودية التآزر الحركي في مسك القلم وليس نتيجة خلل في الإدراك.
: وسنتناول الآن أربعة مواضيع تتعلق بالإدراك البصري عند الأطفال هي :
1- إدراك الشكل.
2- إدراك الصور.
3- الثبات والخداع.
4- الإنتباه.
أولاً : إدراك الشكل
جرب أن تقوم بالتجربة الموضوعة في الشكل التالي، الذي يظهر قدرة الطفل على نسخ اشكال ومطابقتها. أظهرت دراسات عدة لخصتها "فيرنون" أن صغار الأطفال غير دقيقين أبداً في نقل أشكال هندسية. ومن المغري الاستنتاج بأن الأطفال الصغار على إدراك الأشكال ضعيفة، ولكن، كما يبين لك تجريب المهمة في شكل رقم (15)، فإن باستطاعة الأطفال التمييز بين الأشكال على الرغم من عدم قدرتهم على رسمها بشكل صحيح، وكما أشارت فيرنون، فإن المهارات الحركية لدى الأطفال الصغار غير ملائمة لرسم خصائص الأشكال.
232 :الصفحة
بدقة وعلى النقيض من هذا، فإن الأطفال دقيقون في تنظيم عيدان في سلسلة من الأشكال. وهذه المهمة على ما يبدو لا تتطلب المهارة الحركية التي يتطلبها الرسم.
شكل رقم (15) يبين
تجربة نقل الأشكال ومطابقتها.
( أنظر الصورة الموجودة في الصفحة 233 ضمن النسخة الورقية بدف اعلاه)
وتقترح هذه الدراسات أنه ليس من الحكمة تعليم الأطفال كتابة الأحرف في عمر مبكر. ويبدو أن هناك تحسناً سريعاً في رسم الأشكال ما بين السنة الخامسة والسنة السادسة من عمر الطفل، وهذا هو العمر تقريباً، الذي تبدأ به المدارس تعليم الأطفال الكتابة، ويبدو أن التربويين خططوا المنهاج بما يتناسب ومستوى النمو.
ومع الزيادة في العمر، فإن ثمة تغيراً كبيراً في ادراك الأطفال للعلاقة بين الأجزاء والكل في الشكل.
وفي دراسة كلاسيكية قام به كل من" الكند" و"كوجلر" و "جو" عام ( 1964) حيث طلبوا من الأطفال وصف اشكال متشابهة الموجودة في الشكل رقم ( 16) .
233 :الصفحة
فقد ركز الأطفال ما بين السنة الرابعة والخامسة من العمر على الأجزاء في الشكل ومثال نموذجي لذلك هو وصف الطفل للشكل (U) على أنه "موزة وأنواع أخرى من الفواكه بينما يصف طفل السابعة الأجزاء والكل بقوله فواكه ووجه ويستجيب أطفال الثامنة والتاسعة لكل من الأجزاء والشكل إضافة إلى إشارة للعلاقة بينهما مثلاً وجه مصنوع من فواكه.
شكل رقم (16) يبين
تجربة إدراك الأطفال للكل وللأجزاء.
( أنظر الصورة الموجودة في الصفحة 234 ضمن النسخة الورقية بدف اعلاه)
تحتاج للقيام بهذه التجربة إلى طفل ما بين الثالثة والحادية عشرة من العمر، اطلب منه أن يصف كل واحد من الشكلين التاليين.
وحساسية الأطفال لاتجاه الشكل أقل مما هي عليه عند البالغين فمثلاً، يستطيع الأطفال في عمر عشر سنوات تذكر صورة وجه بشكل متعادل سواء قدمت بالمقلوب أو بالشكل الصحيح، بينما يجد البالغون صعوبة في ادراك الوجوه المقلوبة.
فكر قليلاً في كيفية تمثيل البالغين لكتابة الأطفال. فمثلاً، يقوم رسام كاريكاتور الأطفال برسم ناد للصبية مع لافتة مكتوب عليها تبقى الفتيات خارجاً. وفي الحقيقة يقوم الأطفال بالعديد من قلب الأحرف في كتابتهم. وبكلمات أخرى، لا يستطيع الأطفال الصغار تمييز اتجاه الأحرف بالدقة التي يظهرها البالغون ويجد الأطفال الصغار الصعوبة في التمييز بين الشكل في الاتجاه الصحيح نحو الأعلى مع الشكل ذاته مقلوباً، إلا أن دقة الأداء في هذه المهمات تزداد بسرعة مع العمر. ولكن التحويل من اليسار إلى اليمين هي الصعوبة الأكثر شيوعاً.
234 :الصفحة
(b) على الحرف (d) ونجد أن الطفل في السادسة من عمره يواجه صعوبة في تمييز الحرف (
ويتغلب معظم الأطفال على الصعوبات الناجمة عن اتجاه الحرف في السنوات الأولى من المدرسة، ولكن هناك أطفال يعانون من صعوبات القراءة والكتابة «العمه بحيث يقرأون بضعف لا يتماشى وقدراتهم الذهنية ويستمر الأطفال الذين لديهم هذه الصعوبات كما الأطفال الصغار في الخلط بين الأحرف المتشابهة في الشكل والمختلفة في الاتجاه. وغالباً ما يتمتع هذا الطفل بقاموس لغوي جيد، ويعرف معنى الكلمات، ويستخدمها بشكل مناسب في المحادثة، إلا أنه لا يستطيع القراءة وتمتد الصعوبة لتشمل اضافة إلى الخلط بين الأحرف خلطاً بين الكلمات
رأينا في هذا الجزء حلول ادراك الشكل الصعوبة التي يواجهها الأطفال الصغار في نسخ الأشكال، وهذه الأشكال تابعة، جزئياً على الأقل من المتطلبات الحركية للمهمة. كما يواجه الأطفال الصغار متاعب معينة في تقرير العلاقة بين الأجزاء والكل في الصورة، إضافة إلى أنهم نسبياً، غير حساسين لاتجاه الشكل، إلا أن كل هذه المهارات الادراكية تتحسن مع النضج.
ثانياً : ادراك الصور
هل في استطاعة الأطفال الصغار في بداية مشيهم معرفة أن الصورة الملونة التي نعرضها عليهم هي الأشياء مألوفة وتوفر معلومات عن العمق؟
في رأي "جبسون و "سبيلكه" في دراسة أجرياها عام (1983) ، أن الأطفال يستطيعون التحول من الأشياء إلى صورها، ومن الصور إلى الأشياء عند بلوغهم (.24 - 28) شهرا.
رأينا عند بحثنا في الادراك عند الرضع، أن الرضيع يطور بعض الحساسية لدلالات البعد الصورية قبل بلوغ السنة من العمر. ومع النضج، تتطور هذه الحساسية، إلا أنها لا تصل إلى الدقة المتوفرة للبالغين ويدرك الطفل البالغ من العمر سنتين الاعتراض كدلالة من دلالات البعد وأنها تحدد أن أحد الأشياء أمام الشيء الآخر، ونجد أن الطفل في سن الثالثة حساس للمعلومات المتعلقة بالظلال.
: الهوامش
صعوبة القراءة: في هذه الحالة لا يستطيع الطفل أن يقرأ بشكل صحيح المادة المكتوبة والمتوقع قراءتها ممن هم في عمره الزمني، فهو يقرا في مستوى بقل كثيراً عما يتوقع منه (الروسان 2000 ).
ويعرفها سيسالم : بأنها عسر القراءة، وهي إحدى الخصائص اللغوية للأطفال الذين يعانون من صعوبات في التعلم، وتتمثل في صعوبة في القدرة على القراءة، وقد ترجع أسبابها إلى الخلل الوظيفي في الدماغ (سيسالم 2002).
235 :الصفحة
هذا ويستنتج الطفل في الرابعة من العمر، وجود حركة إذا قدمت له صورة في وضع غير مستقر، مثل حركة الركض بوجود قدم مرفوعة عن الأرض ولكن الأطفال قبل الثانية عشرة من العمر لا يستطيعون فهم أن خطوط الحركة وتجمعات الغبار يفترض بها أن تعبر عن الحركة ومع زيادة العمر يزداد ادراك الأطفال للمعلومات الدقيقة المتوفرة في الصورة. انظر شكل رقم (17 ) .
شكل رقم (17) يبين
مدى إدراك الأطفال للحركة في الصورة.
( أنظر الصورة الموجودة في الصفحة 236 ضمن النسخة الورقية بدف اعلاه)
قدمت" فيور بيلوت" وتتغير مع العمر طريقة الأطفال في تفحص الصور فمثلاً، في دراسة لها عام (1986) ، (1076) رسماً المنزلين، وطلبت من الأطفال تقرير ما إذا كان هذان المنزلان متماثلين أو مختلفين وقامت بتحليل ما تسجله حركات العين.
ووجدت أن أنماط حركة عيني الأطفال دون الخامسة من العمر في تفحص الصور ليست كاملة ولا منظمة، وغالباً لا يقارنون جميع النوافذ مثلاً، ويستجيبون بالتماثل بشكل متسرع، وفي الحقيقة، غالباً ما يتفحصون نصف النوافذ قبل الاستجابة. كما أن الفترة التي يقضيها الأطفال الصغار في تفحص الصور أقصر مما هي عند الأطفال الأكبر ويختلفون عمن هم أكبر في فعالية هذا التفحص. ويقوم الأطفال بعد الخامسة، في الغالب، بمقارنة زوج من الشبابيك معاً، إلا أن الأطفال دون الخامسة نادراً ما يفعلون ذلك.
وباختصار، إن تقدير خاصية "التماثل" في الصور تتضمن التطور التدريجي للتعرف على الأشياء وادراك العمق، وادراك الحركة إضافة إلى أن الأطفال يغيرون أساليبهم في فحص الصور مع ازدياد نضجهم.
236 :الصفحة
ثالثاً : الثبات
لاحظنا سابقاً أن ثمة احتمالاً بأن الرضيع يتمتع بدرجات ثبات الحجم والشكل أقل من تلك التي يتمتع بها البالغون. كما أن أداء الأطفال المهام تتطلب استخدام احكام الثبات يكون مختلفاً عما لدى الكبار.
وفي تجربة نموذجية لقياس الثبات توضع عصا اختبار على أبعاد مختلفة من المشاهد ويطلب منه تعديل طول عصا أخرى، إلى أن تصبح في طولها معادلة لعصا الاختبار، وعموماً يتسم أداء البالغين في هذه المهمة بالدقة. فمثلا إذا وضعت عصا اختبار طولها متراً واحداً على بعد ثلاثين متراً، يعدل البالغون طول عصا المقارنة ليعادل المتر تقريباً. وبكلمات أخرى يعرف البالغ أن طول العصا يبقى ثابتاً على الرغم من التغير في المسافة بينه وبين العصا.
وعموماً، يظهر الأطفال ثباتاً جيداً لمسافات لا تتعدى ثلاثة أمتار، ولكن إذا ابتعدت الأشياء مسافة أكبر من ثلاثة أمتار، يظهر الأطفال نقصاً في الثبات، فمثلاً، على بعد (30) متراً يُعدل الأطفال عصا المقارنة بحيث يصبح طولها (70) سنتيميتراً فقط وليس (100) سنتيميتراً. وتبدو الأشياء للاطفال أقصر عن بعد.
يطلب من الطفل تعديل طول عصا الاختبار ليناسب حجم عصا الاختبار الأصلية، بحيث تختلف المسافات بينهم.
ويجادل بعض علماء النفس في أن السبب في ذلك هو عدم فهم التعليمات. إذ يعتقدون أن عليهم تعديل عصا المقارنة بحيث تعادل ما تبدو عليه عصا الاختبار (أي الطول الظاهري). وليس الطول الحقيقي للعصا البعيدة. ومع النضج الناتج عن زيادة العمر، يتبنى الأطفال تفسير الأشياء كما هي أو الحقيقي كالبالغين، ونتيجة لهذا يمكن أن يكون ما يتغير مع زيادة العمر هو تفسير التعليمات وليس الثبات بحد ذاته.
رابعاً : الانتباه
مع نمو الأطفال، تتزايد قدرتهم على ضبط عمليات الانتباه لديهم. ويرى فلافيل (Flavell) أن أحد الأشياء التي تتطور هو القدرة على ممارسة الانتباه الانتقائي المضبوط للمعلومات المطلوبة مقترنة بتطور القدرة لعدم الانتباه الانتقائي المضبوط للمعلومات غير المطلوبة.
بناء على ذلك، يقوم الأطفال الكبار بتعديل انتباههم ليتلاءم ومتطلبات المهمة ومثال على ذلك دراسة قام بها هيل تاويل عام (1974) : إذ انتبه أطفال في
237 :الصفحة
الثامنة من العمر إلى خاصيتين من خصائص المؤثر (مثلاً لونه وشكله)، عندما كان هذا الانتباه استراتيجية مفيدة لأداء المهمة، ولكنهم انتبهوا إلى خاصية واحدة فقط (مثلاً اللون) عندما لم تزودهم الخاصية الثانية بمعلومات مفيدة.
ونرى أن لدى الطفل ذي الثماني سنوات مرونة فيما يخص الانتباه وعلى النقيض من هذا الأطفال في سن الخامسة من العمر، حيث لا يظهرون مثل هذه الاستراتيجية المرنة في الانتباه.
وكما كتب فلافيل، يطور الأطفال الأكبر القدرة على إهمال المعلومات غير المطلوبة. ويوضح هذا التعميم دراسة قام بها الم نايسر حيث طلب من الملاحظين مراقبة فيلم كرة قدم، وذلك من خلال ضغط زر عندما تحدث حادثة مهمة في اللعبة. وفي نقطة ما من الفيلم تمشي امرأة حاملة مظلة ببطه عبر الملعب. وعندما سأل نايسر" فيما بعد، عما إذا كان الملاحظون قد لاحظوا السيدة أجاب (21%) من طلبة الجامعة البالغين بالايجاب و (22) من طلبة الصف الرابع الابتدائي، ولاحظها بالمقارنة (75%) من طلبة الصف الأول الابتدائي وبالتالي نرى عدم قدرة الأطفال الصغار على تجاهل المرأة والمظلة بالرغم من أنها لم تكن ذات علاقة بالمهمة المطلوبة.
لاحظ أننا قد زودناك بمثالين من نقص في القدرات الادراكية مع الزيادة في العمر، فعند بلوغ الرضع من الطفولة يفقدون القدرة على تمييز أصوات كلامية محددة من اللغة غير المتوفرة في محيطهم، ومع زيادة العمر يفقد الأطفال القدرة على ملاحظة حوادث من غير المفروض أن يلاحظوها.
يتضمن التطور الإدراكي إذن تعلم بعض التمييزات والأشياء التي يجب ملاحظتها كما يتضمن اعمالاً انتقائياً المعلومات أخرى.
خلاصة التطور الإدراكي في مرحلة الطفولة
238 :الصفحة
: خصائص النمو المعرفي
التمركز حول الذات
ويتميز الطفل خلال هذه المرحلة بالتمركز حول الذات في التفكير، وهو ما يعني عدم قدرة الطفل على فهم الأشياء من أي وجهة نظر غير وجهة نظره هو، ويكون الطفل مندهشاً لأنه لا يستطيع أن يفهم كيف يفكر الآخرون بطريقة أخرى غير الطريقة التي يفكر بها هو. هذا التمركز حول الذات يجعل الطفل يعتقد أن لدى الآخرين نفس الأفكار والمشاعر التي لديه هو نفسه، كما أنه يعتقد أن الأشياء موجودة لتسليته هو ولا يكون الطفل مشغولاً بنفسه فقط، بل إنه يركز في نفسه وفي خبرته وفي كل شيء أيضاً. وينظر الطفل من خلال ذاته في تعامله مع الآخرين، ولا يستطيع بذلك أن يمثل وجهة نظرهم أو يضع نفسه مكانهم ويضفي الطفل على الأشياء مشاعره ورغباته الخاصة، ويتصور أن أفكاره يمكن أن تغير الأشياء، وأن أفكاره وأفعاله شيء واحد لا فرق بينهما. ونتيجة لأنه لا يرى الموقف من وجهة نظر الآخرين، فهو لا يدرك كيف تؤثر أفعاله على مشاعر الآخرين.
ومن هذا المنطلق، إذا سألت الطفل عن يده اليمنى وعن يده اليسرى مثلاً، فإنه سيجيبك إجابة صحيحة تماماً، ولكن إذا سألته وأنت تقف في مواجهته عن يدك أنت، اليمني أو اليسرى، فإنه سيعطيك إجابة خاطئة في المرتين، وذلك لأنه لن يستطيع أن يضع نفسه مكانك أي لا يخرج عن منظوره هو الخاص.
أنظر المشاهدة رقم (6) ورقم (7) في فصل الملاحق.
239 :الصفحة
هذا وقد طورت لي مقياساً عبارة عن مهمة نمائية لقياس هذه الخاصية في تفكير الطفل والتعرف على مدى وجودها، حيث يتم إحضار هيكل على شكل جبل له زوايا ثلاث، ويوضع على منضدة أمام الطفل. وفي الجهة المقابلة توضع دمية، ثم نقوم بتوجيه عدة أسئلة الطفل تتعلق بوضع الدمية، وماذا ترى من وضعها هذا. أي أن الطفل هنا حينما يجيب على الأسئلة التي توجه إليه فهو يتحدث من وجهة نظر الدمية. وكذلك يمكن استخدام أكثر من دمية واحدة، أي دميتين أو ثلاثة، بحيث توضع كل دمية في جانب من جوانب المنضدة، ونطرح على الطفل أسئلة تتعلق بوضع كل دمية من هذه الدمى وماذا ترى من وضعها هذا، تماماً مثلما حدث في حالة الدمية الأولى.
مفاهيم الاحتفاظ:
إن أهم إنجاز بالنسبة للطفل من الناحية المعرفية - في رأي بياجيه هو تكوين مفاهيم ثابتة مستقرة في مواجهة التغيير المستمر الذي يحدث في البيئة. ولقد نجح الطفل في المرحلة السابقة في تكوين مفهوم مستقر ثابت بالنسبة لبقاء الأشياء حتى عند غيابها عن حواسه (مفهوم بقاء الشيء). ولكن ما أن يحل الطفل مشكلة بقاء الشيء ( في نهاية المرحلة السابقة) حتي يواجه مشكلة أخرى في هذه المرحلة وهي مشكلة بقاء «صفات» الأشياء مثل الكم والعدد والوزن والحجم. والمقصود بذلك بالطبع، هو قدرة الطفل على الاحتفاظ بهذه الصفات ثابتة في ذهنه، بالرغم من التغير الظاهري لها، وطفلنا في هذه المرحلة لا يستطيع أن يقوم بذلك الاحتفاظ أنظر شكل رقم (18).
شكل رقم (18) يبين
مشكلة الاحتفاظ بالكم ثابتاً
( أنظر الصورة الموجودة في الصفحة 240 ضمن النسخة الورقية بدف اعلاه)
240 :الصفحة
وفي التجربة الكلاسيكية على مفهوم الاحتفاظ، كما هو وارد أعلاه في الصورة، حيث يعرض على الطفل إناء ان متماثلان (ا، وب)، مملوء ان بكميتين متساويتين من السائل. ويسأل الطفل ما إذا كان الاناء ان مملونين بنفس القدر، إذ يجيب معظم الأطفال على هذا السؤال بالإيجاب، ثم يُصب السائل الموجود في أحد الإنائين وليكن (ب) في إناء ثالث (ج)، وهو أقصر وأكثر اتساعاً، ثم يسأل الطفل مرة أخرى ما إذا كان الاناء ان (ا، وج) يحويان نفس القدر ويجيب الطفل بالنفي مؤكداً أن ما بالوعاء (ا) أكثر.
وبنفس الطريقة يصب السائل مرة أخرى في وعائه الأصلي (ب)، وعندئذ يؤكد الطفل مرة أخرى أن الوعاءين (ا وب) معلومتين بنفس القدر. ثم يصب السائل مرة أخرى من الوعاء (ب) إلى الوعاء (د) (وهو أكثر طولاً)، ويسأل الطفل، فيقرر أن ما بالوعاء (د) أكبر مما في الوعاء( ا) .
وهكذا، يظل الطفل يحكم على كمية السائل بناء على ما يظهر له بالرغم من أن الكمية هي هي، وأن التغيير يحدث أمامه ويتم بمشاهدته أنه لا يستطيع أن يكون بعد مفهوماً ثابتاً عن الكم بصرف النظر في التغييرات المظهرية. إنه لا يستطيع أن يحتفظ بالكم ثابتاً إزاء التغير الذي يتم في المظهر.
ولا يقتصر هذا الموقف على مشكلات الكم فقط، بل يمكن إجراء مثل هذه التجارب على أي صفة أخرى كالحجم والوزن والعدد والمساحة.
: التفكير الحدسي
ويخلص بياجيه من جميع تلك الظواهر، إلى أن الطفل في هذه المرحلة لا تكون قد نمت لديه بعد الأبنية المعرفية التي تمكنه من أن يأخذ في الاعتبار، ذهنياً، جميع العلاقات المتضمنة في الموقف (الارتفاع، والسعة، والمعكوسية ... الخ.). إنه إذا فعل ذلك، فإنه يكون قد تحرر من التركيز». ولكنه لا يفعل ذلك لأن البناء المعرفي للطفل يكون في هذه المرحلة قائماً على أساس من المظهر السطحي الارتفاع وحده أو السعة وحدها فالطفل في هذه المرحلة يعتمد في تفكيره بشكل أكبر على حواسه وتخيله أكثر من أي شيء آخر. وهذا النوع من
241 :الصفحة
التفكير هو ما يسميه بياجية بالتفكير الحدسي والتفكير الحدسي هو ذلك الذي يخمن» فيه الطفل الحل بناء على ما تظهره له حواسه وليس قبل أن يصل الطفل إلى سن السادسة أو السابعة، أن يصبح في إمكانه أن يكون أنساقاً من العلاقات يقيم عليها تفكيره.
إن تفكيره عندئذ يكون تفكيراً منطقياً وليس حدسياً، ذلك أن تكوين مثل هذه الأنساق من العلاقات هو عملية عقلية أو عملية معرفية لا قبل لحفلنا هذا بها، وإنما هي الخاصية المميزة الطفل المرحلة التالية.
242 :الصفحة
الفصل العاشر
قياس النمو المعرفي لطفل ما قبل ال
مقياس ستانفورد - بينيه للذكاء
مقدمة:
ابتكر الفريد بينية (1857 - 1911) عالم النفس الفرنسي الشهير، أول مقياس عملي للذكاء في البداية، قام بينيه» وزملاؤه بقياس المهارات الحسية والحركية كما فعل جالتون ولكنهم سرعان ما تحققوا من أن مثل هذه المقاييس لا تعطي المعلومات المرغوبة. ومن ثم بدأوا في تقويم الوظائف المعرفية وهي : حيوية التخيل، وطول ونوعية الانتباه والذاكرة، والأحكام الجمالية والخلقية، والتفكير المنطقي، والقدرة على فهم الجملة وقام "بينيه بجمع بعض المهام العقلية لتقدير تلك القدرات، وبدأ باختبار المفردات في إحدى مدارس الأطفال بباريس.
وفي عام (1904) خطى مشروع "بينية" واختباره خطوة كبيرة، ففي هذا الوقت عين في لجنة حكومية لدراسة مشكلات تعليم الأطفال المتخلفين وتوصلت اللجنة إلى ضرورة التعرف على الأطفال المعوقين عقلياً ووضعهم في مدارس خاصة. ومن ثم بدأ "بينية" ومعاونوه في العمل في إختبار يميز الأطفال الذين يستطيعون الإفادة من التعليم المدرسي العادي من هؤلاء الذين لا يستطيعون ذلك. ولبناء الاختبار اختاروا المفردات التي تميز بين الأطفال الأكبر والأصغر سناً ذوي مستوى الذكاء المتماثل بصورة واضحة (بافتراض أن الأطفال يكتسبون مهارات عقلية أكثر من تقدمهم في العمر الزمني). كما أن "بينية ومعاونوه اختاروا المهام التي تميز بجلاء بين الأطفال الأذكياء والأغبياء من نفس العمر.
وباستخدام تلك الاستراتيجيات العامة، تجمع عدد كبير من مفردات الاختبار المميزة، وتم ترتيبها تبعاً لصعوبتها. وتضمنت المهام الموضوعة المستوى عمر ثلاث سنوات : الاشارة إلى الأنف والعينين والفم، وإعادة ذكر رقمين، والتعرف على الأشياء الموجودة في صورة ما. بينما تضمنت المفردات الموضوعة لمستوى عمر سبع سنوات : الإشارة إلى اليد اليمني ووصف صورة ما، واجراء سلسلة من ثلاثة أوامر، وعد بعض العملات.
هذا وقد اشترك بينية" مع سيمون في بناء هذا المقياس في صورته السابق ذكرها، حيث تم تسمية هذا المقياس بمقياس بينيه – سيمون، وقد
247 :الصفحة
صمم هذا المقياس بحيث يستطيع الأطفال ذوو القدرة المتوسطة تقريباً ، أن يحلوا حوالي (%50) من المشكلات الموضوعة المستوى عمرهم ومعظم المهام الموضوعة للمستويات العمرية الأصغر. (دافيدوف 1997)، ولإلقاء الضوء على فقرات هذا الاختبار، انظر ملحق رقم (2) في فصل الملاحق.
قام جودارد بترجمة مقياس" سيمون - بينيه" المعدل إلى الانجليزية، وقد روجع هذا المقياس أكثر من مرة لتطبيقه على الأطفال الأمريكيين، وكان أفضل هذه المراجعات وأشهرها هي المراجعة المعروفة باسم ستانفورد - بينيه التي قام بها كل والتي ظهرت عام (1916) (الزيات 1995) وفي هذا الوقت تبنى تيرمان مفهوم نسبة الذكاء (دافيدوف 1997).
-تعريف بالمقياس:
يعتبر مقياس ستانفورد - بينيه للذكاء هو جد إختبارات الذكاء التقليدية الفردية، فقد ظهر هذا المقياس في عام (1905) على يد بينية وسيمون في فرنسا بعد محاولات متعددة لوضع إختبار للذكاء منذ عام (1890). وقد تكون الاختبار من (30) فقرة متدرجة في الصعوبة، وتغطي الفئات العمرية من (113) سنة، ولكن في عام (1916) جرى تطوير المقياس في جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة الأمريكية على يد كل من تيرمان و ميريل، وعرف منذ ذلك الوقت باسم مقياس ستانفورد - بينيه للذكاء» (الروسان 1999 ). »
الإفتراضات النظرية التي بني عليها مقياس ستانفورد - بينيه:
1-أن مفهوم الذكاء مفهوم عام
2-يتضمن هذا المفهوم العام عدداً من القدرات العقلية، أهمها التذكر، والتفكير والملاحظة، والتآزر البعدي الحركي
3-توازي العمر العقلي مع العمر الزمني في الأداء على المقياس
4- تمايز الأداء العقلي مع تمايز العمر( الروسان1999 ).
الهوامش:
الصورة الأصلية لاختبار ستانفورد - بينيه والذي أعد عام 1905
248 :الصفحة
-المراجعات التي أجريت على المقياس:
بعد عام (1916) جرت مجموعة من المراجعات للمقياس منها :
وصف المقياس :
يهدف هذا المقياس إلى قياس القدرة العقلية العامة للمفحوص، ومن ثم تحديد موقعه على منحنى التوزيع الطبيعي للقدرة العقلية (الذكاء)، ويغطي الفئات العمرية من سن سنتين وحتى ثمانية عشرة سنة، بواقع ست اختبارات في كل فئة عمرية، ويقوم بتطبيقه أخصائي في علم النفس.
: ويتكون المقياس من (15) اختبار فرعي موزعي على أربعة مجالات هي
249 :الصفحة
4.الذاكرة قصيرة المدى : ويشتمل على كل من تنظيم الذاكرة، وتذكر الجمل، وتذكر الأرقام، وتذكر الأشياء .
(سيسالم 2002).
ويعتبر هذا المقياس من المقاييس الفردية المقننة، ويعطي بعد تطبيقه درجة تمثل العمر العقلي وأخرى تمثل نسبة الذكاء وتستغرق عملية تطبيق المقياس من 30 - 90) دقيقة اعتماداً على متغيري العمر والقدرة العقلية المفحوص، أما تصحيحه فيستغرق (30 - 45) دقيقة ( 1999 الروسان) .
أما متوسطه الحسابي فيبلغ (100)، والانحراف المعياري (16).
-المفاهيم الرئيسة في المقياس:( ويتيج 1977 )
يستخدم مقياس ستانفورد - بينيه مفهوم العمر العقلي، ويُقيم كل اختبار فرعي في هذا الاختبار بشهرين، فإذا ما تم اجتياز سنة اختبارات منها، فإن هذا يعادل عاماً وإذا تمكن الفرد من أداء جميع الاختبارات الستة الفرعية الخاصة بعمر زمني معين، فإن هذا العمر يطلق عليه العمر القاعدي. ويترتب على هذا أن يمنح هذا الفرد جميع درجات الأعوام السابقة لهذا العمر، والمستوى الذي يتوقف عنده الفرد بحيث لا يستطيع اجتياز أي اختبار فرعي يسمى الحد الأعلى (الأقصى) للعمر العقلي وعند هذا الحد يتوقف تطبيق الاختبار عليه. ويتحدد العمر العقلي للمفحوص بجمع الشهور التي اجتاز اختباراتها مضافاً إليها العمر القاعدي.
مثال : اجتاز (احمد) كل الاختبارات السنة الفرعية عند مستوى سبعة أعوام، وتمكن من أداء خمسة اختبارات لسن الثامنة، وثلاثة اختبارات لسن التاسعة، وثلاثة اختبارات لسن العاشرة، وتمكن من أداء اختبار واحد لسن الحادية عشرة، ولم يستطع أداء أي اختبار لسن الثانية عشرة.
: في هذه الحالة، نجد أن العمر القاعدي لأحمد هو سبعة أعوام، والحد الأعلى للعمر هو الثانية عشرة، وعمره العقلي يساوي
.العمر العقلي (ع. ق) = (127) + (212) / (108) أشهر أو (9) سنوات
250 :الصفحة
مفهوم آخر غاية في الأهمية في مقاييس الذكاء عامة، ومقياس ستانفورد – بينيه (IQ( خاصة، هو مفهوم معامل الذكاء.
ونظراً لأن جميع الحالات ذوي العمر الزمني الواحد لا تحصل على نفس قيم العمر العقلي فقد تم وضع نسبة تحاول التعبير عما تنطوي عليه الفروق الملحوظة في الأداء. وقد أطلق على هذه النسبة معامل الذكاء. وهي تساوي قيمة العمر العقلي مقسومة على العمر الزمني (أو الفعلي) مضروبة × 100
معامل الذكاء العقلي العمرالزمني العمر =× 100 أو (م. ذ. = ق.ع ز. ع× 100)
مثال:
في المثال السابق حصل (أحمد) على عمر عقلي قيمته (9) أعوام (108 أشهر)، وكان عمر (أحمد) تسعة أعوام مثلاً، فإذا استخدمنا قيمة العمر الزمني هذا، فإننا نجد أن ذكاء أحمد هو (100)، وحساب هذه القيمة تكون كما يلي
100 = 100x (108108) او 99 معامل ذكاء (أحمد)
إجراءات تطبيق مقياس ستانفورد - بينيه للذكاء:
تتضمن اجراءات تطبيق مقياس ستانفورد - بينيه عدداً من الخطوات والتعليمات والمبادىء، والتي وردت في دليل المقياس الأصلي الذي اعده" تيرمان" و"ميريل" .والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية: (الروسان 1999).( مع الإشارة إلى أن الخطوات الثلاث الأولى هي عامة وتنطبق على أي اختبار كان).
251 :الصفحة
نسبة الذكاء 100 × العقلي العمرالزمني العمر =
تقييم مقياس ستانفورد - بينيه للذكاء:
حظي مقياس ستانفورد - بينيه بشهرة عالمية واسعة، ومما يدلل على ذلك هو تطوير المقياس في عدد من دول العالم، كما أجريت العديد من الدراسات حول صدق وثبات ومعايير المقياس .
وبالرغم من ذلك فقد ظهرت بعض الانتقادات للمقياس، ويمكن ذكر مظاهر القوة ومظاهر الضعف للمقياس في النقاط التالية :-( الروسان 1999 )
أولاً : مظاهر قوة المقياس
252 :الصفحة
ثانياً : مظاهر ضعف المقياس
253 :الصفحة
مقاييس «ويكسلر» للذكاء:
مقدمة:
إذا كان مقياس ستانفورد - بينيه للذكاء قد ظهر المواجهة ضرورة عملية تربوية تمثلت في فرص التعليم الالزامي للأطفال، فإن الحرب العالمية الأولى تطلبت ضرورة أخرى تمثلت في التجنيد الإجباري للشباب، وظهرت الحالة إلى وضع الاختبارات الجماعية. وكان نتيجة ذلك اختباري «ألفا» و«بيتا». وأولهما لفظي والآخر غير لفظي، ثم سرعان ما ظهرت الاختبارات الجماعية لقياس الاستعدادات المدرسية التي تنقسم في العادة إلى قسمين : أحدهما لفظي والآخر كمي أو رياضي.
ومع ذك فقد ظل مقياس ستانفورد - بينيه أكثر مقاييس الذكاء شيوعاً واستخداماً لأكثر من ثلاثين عاماً، حتى تنبه ويكسلر» قبيل الحرب العالمية الثانية إلى أن «إختبارات» المقياس أو أسئلته التي تصنف إلى فئات الأعمار المختلفة تختلف من مستوى عمري لآخر. وقد كان تيرمان لا يعير هذه المسألة إهتماماً لأنه اعتبر جميع الإختبارات مقاييس لنفس المتغير، وهو الذكاء. إلا أن "ويكسلر" اعتبرها نتيجة خطيرة إذا كنا نريد قياس نفس القدرات العقلية في جميع الأعمار باستخدام نفس المفردات. وقد تنبه "ويكسلر" إلى بعض الصعوبات في هذه الطريقة، ومنها أن الصدق الظاهري للمفردات - كما يتمثل في تقبل المفحوص لها يختلف باختلاف الأعمار، وبالاضافة إلى ذلك فإننا لا تستطيع التأكد من أن نفس الاختبار يقيس نفس القدرة في الأعمار المختلفة.( أبو حطب 1996 ).
وقد انطلق ويكسلر" في بنائه المقاييسه عام (1939) من خلفية نظرية تستند إلى تعريفه للذكاء على أنه القدرة الكلية العامة على القيام بفعل مقصود، والتفكير بشكل عقلاني والتفاعل مع البيئة بكفاية»، ويضيف "ويكسلر" إلى ذلك المفهوم عدداً من السمات الشخصية المتمثلة في الدافعية والمثابرة والضبط الذاتي، حيث يظهر تفاعل القدرة الكلية العامة والسمات الشخصية في المواقف المختلفة لتظهر سلوكاً مميزاً لدى الأفراد ( الروسان 1999 ).
254 :الصفحة
إذن، وجه ويكسلر أنظارنا في مقال هام له نشر عام (1950) بعنوان:
-Cognitive Preschool and Primary Scale of Intelligence- WPPSI.
إلى ما يسميه الجوانب غير العقلية في الذكاء، والتي تشمل عوامل المزاج والشخصية التي تتجاوز الجوانب المنطقية والمجردة التي تركز عليها بحوث الذكاء العام ومقاييسه، ومنها مقاييس ويكسلر» ذاتها.
ويؤكد ذلك مقولتنا في أن هذه الاختبارات تنتمي إلى فئة الذكاء الموضوعي وتتجاهل الأنواع الأخرى، وعلى الأخص الذكاء الاجتماعي والذكاء الشخصي (أبو حطب، 1996 ).
وقد تبدو الاضافة الجديدة الأخرى التي قدمها "ويكسلر" في مقاييسه، ممثله في حصول المفحوص على ثلاث نسب للذكاء هي : نسبة الذكاء اللفظي، ونسبة الذكاء الأداني، ونسبة الذكاء الكلي( الروسان 1996 ) .
ولعل من المفيد أن نذكر أن العنوان الرئيس السابق كان تحت اسم مقاييس ويكسلر» للذكاء وليس مقياس ، إذ وضع ويكسلر» ثلاثة مقاييس وليس مقياساً وحداً وهي
1-مقياس ويكسلر» لذكاء الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة.
2-مقياس ويكسلر» لذكاء الأطفال.
3-مقياس ويكسلر» لذكاء الكبار (الراشدين).
وتتشابه مقاييس ويكسلر للذكاء من حيث أساسها النظري وتنظيمها وأقسامها واجراءات تطبيقها وتصحيحها، إلا أن هناك بعض الاختلافات الطفيفة بين هذه المقاييس من حيث تسمية بعض الاختبارات الفرعية والمتضمنة في الجانب اللفظي أو الأدائي للمقياس والفئات العمرية التي تغطيها تلك المقاييس ( الروسان 1999 ).
الهوامش:
(1939) ظهرت الصورة الأولى من هذا الاختبار باسم مقياس ، ويكسلر - بلقيوه
ظهرت من هذا الاختبار ثلاث طبعات كان آخرها طبعة (1991) تحت عنوان
. (1999 ( الوقفي (WISC III)
255 :الصفحة
-و صف عام لمقاييس ويكسلر للذكاء:
تهدف مقاييس ويكسلر للذكاء إلى قياس وتشخيص القدرة العقلية للمفحوص، ومن ثم تحديد موقعه على منحنى التوزيع السوي (الطبيعي) للقدرة العقلية، ويصلح مقياس ويكسلر الذكاء الكبار للفئات العمرية من سن (16) فما فوق، في حين يصليح مقياس ويكسلر الذكاء الأطفال للفئات العمرية من (6) - (17) سنة، أما مقياس ويكسلر لذكاء الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة فيصلح للفئات العمرية من (4-6) سنة. ويمكن الأخصائي في علم النفس أن يطبق هذا الاختبار، حيث يحصل المفحوص فيه على ثلاث نسب للذكاء يكون متوسطها (100) وانحرافها المعياري (15)، وهي نسبة الذكاء اللفظي. ( ونسبة الذكاء الكلية ) ونسبة الذكاء الأدائي ،
وتعتبر مقاييس ويكسلر للذكاء من المقاييس الفردية المقننة، حيث يستغرق الوقت اللازم لتطبيقها من (50) - (75) دقيقة، أما الوقت اللازم لتصحيحها فيستغرق من (30 - 40 دقيقة. ) (1999 الروسان).
واتساقاً مع عنوان الكتاب ومحتواه، فإننا سوف نقوم بالتركيز على اختبار ويكسلر» لذكاء الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة من حيث وصف محتوياته. WPPSI
وصف مقياس ويكسلر» لذكاء الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة :
أعد هذا المقياس خلال الفترة من (1963) - 1967) (الزيات، 1995)، ويتألف مقياس ويكسلر» لذكاء الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة من قسمين رئيسين هما : القسم اللفظي. والقسم الأدائي، والذي يتضمنا (11) إختباراً فرعياً مرتبة في كل قسم على النحو التالي
القسم اللفظي : ويتضمن الاختبارات الفرعية الستة الآتية.
1-إختبار المعلومات العامة.
2- إختبار الاستيعاب الفهم العام.
3-إختبار الحساب الاستدلال الحسابي.
4-إختبار المتشابهات.
256 :الصفحة
5-إختبار المفردات.
6-إختبار الجمل وهو اختبار احتياطي.
2- القسم الأدائي : ويتضمن الاختبارات الفرعية الخمسة الآتية:
1-إختبار تكملة الصور.
2-إختبار تصميم المكعبات رسوم المكعبات.
3-إختبار بيت الحيوان.
4-إختبار المتاهات (الأحجيات).
5-إختبار التصميم الهندسي الرسوم الهندسية.
هذا ويستغرق أداء الاختبار ككل فيما بين (60) - (75) دقيقة سيسالم2002
ويوصي ويكسلر باستخدام الاختبارات اللفظية والعملية بالتناوب لتوفير التنوع والاحتفاظ بميل الأطفال وتعاونه
وقد حل اختبار الجمل في هذا المقياس محل اختبار مدى (اعادة) الأرقام في مقياس وفيه يكرر الطفل كل جملة مباشرة بعد عرضها عليه شفوياً. وهذا الاختبار يمكن أن يستخدم كبديل لأي اختبار لفظي آخر، أو يطبق كاختبار إضافي لتزويد الفاحص بمعلومات أكثر عن الطفل، وفي كلتا الحالتين لا يستخدم في حساب نسبة الذكاء. أما اختبار بيت الحيوان فيشبه اختبار رموز الأرقام في مقياس، واختبار الترميز في مقياس ويتضمن الإختبار مفتاحاً يُعطى للطفل على لوحة تتألف من صورة لكلب ودجاجة وسمكة وقطة، لكل منها بيت (أسطواني) ملون بلون مختلف موضوع تحت الصورة، وعلى الطفل أن يضع الأسطوانة ( البيت ) ذات اللون المناسب في فتحة تحت صورة الحيوان على اللوحة.
وتحدد درجة الطفل في ضوء الزمن وعدد الأخطاء وعدد الاستجابات المحذوفة. أما إختبار الرسوم الهندسية، فيتطلب من الطفل محاكاة (10) رسوم بسيطة بقلم ملون (أبو حطب وعثمان 1982 ).
257 :الصفحة
تقنين المقياس:
تم تقنين هذا المقياس على عينة تتألف من (1200) طفلاً مصنفة إلى (6) فئات، مدى كل منها نصف سنة في الأعمار من (4) إلى ( (6) سنة، وكانت كل فئة تتكون من (100) طفل و 100 طفلة .
وفي تصحيح المقياس يتم تحويل الدرجات الخام إلى درجات معيارية اعتدالية متوسطها (10) وانحرافها المعياري (3)، أما مجموع الدرجات الموزونة في المقياس اللفظي والمقياس العملي والمقياس الكلي فيتحول إلى نسبة ذكاء انحرافية متوسطها (100) وانحرافها المعياري (15). بالاضافة إلى الأعمار العقلية بالمعنى التقليدي.
ثبات المقياس :
وقد حسب ثبات الاختبارات الفرعية - فيما عدا اختبار بيت الحيوان - بطريقة التجزئة النصفية. أما اختبار بيت الحيوان فقد حسب ثباته بطريقة إعادة الاختبار، لاعتماده الكبير على السرعة في الأداء، وتراوحت معاملات الثبات للاختبارات الفرعية والمقاييس الكلية بين (0.93 ) و( 0.80) .
صدق المقياس:
لقد حسبت علاقة هذا المقياس بمقياس ستانفورد - بينيه، وبلغ معامل الارتباط (0.75) في مجموعة (98) طفلاً، تتراوح أعمارهم بين (6) سنوات. (أبو حطب، وعثمان 1982).
مقياس جودائف - هاريس للرسم:
مقدمة:
يعتبر مقياس جودانف - هاريس للرسم من المقاييس المصنفة ضمن مقاييس القدرة العقلية، وقد يصنف ضمن مقاييس الشخصية كأحد الاختبارات الاسقاطية ، وقد ظهر هذا الاختبار في صورته الأصلية في عام (1926) من قبل "جودانف" إذ تعتبر "جودائف" من الرواد السيكولوجيين التي فكرت في توظيف رسوم الأطفال، وميلهم الطبيعي للرسم للتعرف على قدراتهم العقلية وسماتهم الشخصية، وقد ظهر هذا المقياس في ذلك الوقت باسم : اختبار رسم الرجل ثم و رجع ثم روجع
258 :الصفحة
" وطور هذا الاختبار من قبل "هاريس وأصبح الاختبار يعرف باسم مقياس جودانف - هاريس للرسم منذ ذلك الوقت وحتى الوقت الحاضر.( الروسان 1999).
وصف المقياس :
يهدف هذا المقياس إلى قياس وتشخيص القدرة العقلية والسمات الشخصية للمفحوصين من سن (3) - (15) سنة، حيث يعتبر هذا المقياس من مقاييس الذكاء غير اللفظية، إنما الأدائية المقننة، والتي تطبق بطريقة فردية أو جماعية ويعطي هذا المقياس بعد تطبيقه درجة خام تحول إلى درجة معيارية ثم إلى نسبة للذكاء، ويستغرق وقت تطبيق الاختبار من (10و 15) دقيقة. والوقت اللازم لتصحيحه وتفسيره من (10 – 15) دقيقة ( الروسان 1999 ).
دلالات صدق الصورة الأصلية من المقياس:
توفرت دلالات كافية عن صدق المقياس، إذ انطلقت "جودانف" من خلفية نظرية في بناء المقياس، تمثلت في قدرة الطفل العقلية في التعبير عن أفكاره بالرسم، إذ يبدأ الطفل العادي في قدرته العقلية، في التعبير عن نفسه بالرسم منذ بداية سن الثالثة تقريباً، فيرسم شكل انسان بتفاصيل متفاوتة من عمر إلى آخر، إذ كلما زاد العمر الزمني كلما زادت قدرة الطفل على إظهار عناصر معينة في الرسم، وعلى ذلك تُشكّل تلك الخلفية النظرية أساساً لبناء المقياس، خاصة بعد الانتقادات التي وجهت إلى مقاييس الذكاء اللفظية في ذلك الوقت، مثل مقياس ستانفورد - بينيه، وخاصة تلك الانتقادات المتصلة بتحيزه الثقافي والعرقي والطبقي، ولذا ظهر هذا المقياس والذي يعتبر من المقاييس المتحررة من أثر الثقافة والتحيز الطبقي والعرقي. وقد بقي المقياس كما هو منذ ظهوره وحتى عام (1963): حين قام "هاريس" بمراجعته وتعديله، حيث انطلق "هاريس" في تعديله للمقياس من نفس الخلفية النظرية التي انطلقت منها جودانف"، ولكنه أضاف إلى ذلك أساساً نظرياً تمثل في أن تعبير الطفل عن نفسه يمثل تطوراً في قدراته العقلية، وخاصة في القدرة على التفكير المجرد، والقدرة على الانتباه، والملاحظة، وادراك التفاصيل، والقدرة على التخطيط، والقدرة على إدراك الطفل ببيئته، حيث تنمو القدرات تبعاً لمتغير العمر الزمني والعقلي للطفل، وعلى ذلك اشتملت التعديلات التي أجريت على المقياس في مراجعة عام (1963) على النقاط الآتية.
1- زيادة عدد النقاط التي يفترض توفرها في الرسم، فقد كانت في الصورة الأولى للمقياس
(51) نقطة، وأصبحت في التعديل الجديد (71) نقطة.
259 :الصفحة
2- زيادة عدد الرسومات التي يطلب من المفحوص القيام بها، فقد كانت في الصورة الأولى للمقياس رسماً واحداً
3- يمثل رسم الرجل، وأصبحت في التعديل الجديد (3) رسومات تمثل: رسم الرجل ورسم المرأة، ورسم الطفل لذاته زيادة المدى العمري للمقياس، فقد كان المدى العمري للمقياس في صورته الأولى من (4 - 10) سنوات،
وأصبح المدى العمري للمقياس في صورته المعدلة (3 - 15) سنة.
وتشكل التعديلات السابقة أساساً نظرياً يمثل دلالة من دلالات صدق بناء المقياس أما من حيث دلالات صدق المقياس التلازمي فيذكر "هاريس" بأنه قد تم التوصل إلى معاملات ترابط عالية بين الأداء على مقياس جودائف والأداء على مقياس ستانفورد - بينيه حيث بلغت (ر = 0.73).
دلالات ثبات الصورة الأصلية من المقياس :
توفرت دلالات عن ثبات المقياس في صورته الأصلية الأولى، إذ أن معاملات الثبات المحسوبة بطريقة ثبات المقيمين، وطريقة اتفاق المقيمين كانت عالية، كما يمكن حساب معامل ثبات المقياس بطريقة الصور المتكافئة، حيث يعتبر أداء المفحوص على رسم الرجل مكافئاً لأدائه على رسم المرأة.
تقنين المقياس:
تم تقنين المقياس في صورته الأولى، والتي أعدتها "جودانف على أربعة آلاف طفل أمريكي تراوحت أعمارهم ما بين الرابعة والعاشرة، ويمثلون مرحلة رياض الأطفال والصفوف الأربع الأولى من المرحلة الابتدائية، وقد توصلت جودانف إلى جداول للمعايير تمثل العمر العقلي بالشهور، حيث تحول الدرجة الخام على المقياس إلى درجة تمثل العمر العقلي بالشهور كما تم تقنين المقياس في صورته المعدلة والتي أعدها "هاريس" على عينة مؤلفة من (275) مفحوصاً يمثلون مناطق جغرافية وعرقية، وإقتصادية مختلفة في الولايات المتحدة الأمريكية وقد توصل "هاريس" إلى جداول تمثل درجات معيارية بلغ متوسطها (100) وانحرافها المعياري (15)، حيث تحول الدرجة الخام على المقياس إلى درجة معيارية حيث تفيد هذه الدرجة في التعرف على قدرات المفحوص العقلية مقارنة مع الأطفال المناظرين له في العمر الزمني.
260 :الصفحة
-إجراءات تطبيق المقياس وتصحيحه:
: يتضمن دليل الصورة المعدلة من مقياس جودانف - هاريس ، للرسم، عدداً من الخطوات تتمثل في النقاط الآتية
-التطبيق:
أرسم صورة رجل.
أرسم أفضل صورة ممكنة تستطيعها.
أرسم صورة كلية للرجل تشمل الرأس والأطراف.
وبعد أن ينتهي المفحوص من ذلك، يُقدم له نفس التعليمات لرسم صورة إمرأة، ثم صورة لنفسه.
- التصحيح:
261 :الصفحة
المقياس، حيث يتضمن الدليل معايير التصحيح لكل من رسم الرجل، ورسم المرأة ورسم الذات.
تقييم مقياس جودانف - هاريس للرسم
- مظاهر قوة المقياس:
-مظاهر ضعف المقياس:
1-يعتبر المقياس من المقاييس المسحية المبدئية في قياس وتشخيص القدرة العقلية، وقد يكون من المناسب الاستعانة بمقاييس أخرى من مقاييس القدرة العقلية المعروفة، وذلك لأغراض القياس والتشخيص وتحديد المكان المناسب للمفحوص.
262 :الصفحة
2-يعتبر المقياس من المقاييس التي لم تتوفر فيها دلالات صدق مع محك التحصيل المدرسي، حيث لم يذكر دليل المقياس أية دراسات حول ذلك.
3- يعتبر المقياس من المقاييس التي يسهل على الأخصائي تطبيقها وتصحيحها وفق المعايير الخاصة بالمقياس، ولكن قد يساء استخدام هذا المقياس من قبل المدرسين والآباء الذين يصعب عليهم تطبيق المقياس وتصحيحه وفق المعايير الخاصة به من مقاييس الشخصية، وقد يعتبر من المقاييس الاسقاطية، والذي قد يعطي دلالات اكلينيكية عن أداء المفحوص.
-اختبار المصفوفات المتتابعة:
وضع هذا الاختبار رافين سنة (1938) في بريطانيا. ويتألف المقياس من خمس مجموعات كل مجموعة تتكون من (12) فقرة : رسم أو تصميم هندسي حذف منه جزء، وعلى المفحوص أن يختار الجزء الناقص من بين ستة أو ثمانية بدائل وتعتبر الدرجة الكلية على المقياس مؤشراً على الذكاء أو القدرة العقلية العامة للفرد.
- ويتوافر ثلاثة أشكال لاختبار المصفوفات المتتابعة:
1-الشكل العادي : ويصلح لكل الأعمار.
2-الشكل الملون : ويصلح للأطفال من سن (5) سنوات.
3-الشكل المتقدم : ويستخدم مع من يتجاوز عمره (11) سنة (سيسالم 2002).
والفكرة العامة لهذا الاختبار تعتمد على ادراك العلاقات بين مجموعات من الأشكال، وعادة ما تتكون المجموعة الأصلية التي تتضمن السؤال أو المشكلة من تسعة أشكال، يوجد منها فعلاً ثمانية أشكال أما الشكل التاسع فهو غير موجود، ويطلب من المفحوص أن يدرس سلاسل الأشكال الثمان الموجودة بأي طريقة يشاء طولاً أو عرضاً، ويستخلص العلاقة الموجودة بينها، ثم ينتقل إلى المجموعة الثانية من الأشكال التي تحتوي في العادة على ستة أشكال وينتقي منها الشكل الواحد المناسب الذي يتفق مع المجموعة الأصلية.( صالح 1992 ).
263 :الصفحة
: 1 مثال
ما هو الشكل المناسب في المجموعة (ب) لوضعه في المكان الأبيض في المجموعة (أ) ؟
( أنظر الشكل في الصفحة 264 ضمن نسخة البدف اعلاه)
: 2 مثال
( أنظر الشكل في الصفحة 264 ضمن نسخة البدف اعلاه)
264 :الصفحة
وقد تبين أن هذا الاختبار متحرر إلى حد كبير من الناحية الثقافية، كما أن معاملات الارتباط بين هذا الاختبار والاختبارات اللفظية مرتفعة، وتبين إحدى دراسات التحليل العاملي أن هذا الاختبار يقيس بعض مكونات عوامل الاستدلال، ويؤكد استنتاج العلاقات بالاضافة إلى عناصر العوامل المكانية في بعض الوحدات (جابر 1982) وليس لهذا الاختبار زمن محدد، ويمكن تطبيقه فردياً أو جماعياً (أبو حطب، وعثمان، 1982).
( أنظر الوثيقة في الصفحة 265 ضمن نسخة البدف اعلاه)
الصفحة 265 :
الفصل الحادي عشر : التطبيقات التربوية لبياجيه في النمو المعرفي
التطبيقات التربوية لنظرية بياجيه" في النمو المعرفي (محمد ، 1992)
تقوم النظرية - أي نظرية - على عدد من المبادئ أو الأسس التي تعتبر بمثابة الدعائم التي ترتكز عليها تلك النظرية. هذه المبادىء هي الإفتراضات التي تسير النظرية في ضوئها، والتي يمكن تفسير النظرية بناء عليها. فمثلاً نجد أن نظريات النمو المرحلية، أي التي تصف سلسلة من المراحل يسير النمو خلالها تفترض وجود أشياء معينة لدى الفرد يكون لها دورها البارز والفعال أثناء إنتقال الفرد خلال مراحل النمو التي تصفها النظرية. فلو افترضنا مثلاً أن إحدى هذه النظريات تفترض إيجابية الفرد، أي أن الفرد يكون إيجابياً وليس سلبياً بمعنى أنه لا يقتصر فقط على تأثيرات البيئة عليه، بل تكون له المبادرة أيضاً، ويؤثر هو في البيئة مثلما تؤثر البيئة عليه فإن هذا الافتراض والذي يسمى أحياناً بالمسلمة يكون له دوره البارز والفعال أثناء عملية النمو، إذ أنه لا يجعل الفرد هنا يقوم بدور المتلقي فقط، فيصبح بذلك سلبياً يعتمد على التأثيرات الخارجية التي تؤثر في نموه ومعدله وسرعته خلال هذه المراحل، بل تجعله يأخذ المبادرة فيكون إيجابياً له تأثيره الواضح على البيئة أو على الظروف الخارجية، وبالتالي تؤثر هذه الإيجابية من جانب الفرد على نموه. ومن هنا يمكن تفسير نمو هذا الفرد في ضوء تلك الفرضية التي تعتبر دعامة أساسية من الدعائم التي ترتكز عليها تلك النظرية.
وتصف النظريات النمائية المرحلية كيف ينتقل الفرد أثناء عملية النمو من مرحلة إلى أخرى من مراحل النمو التي تتحدث عنها أو تصفها كل نظرية من هذه النظريات. كما تصف أيضاً سلوك الفرد خلال كل مرحلة من هذه المراحل، وكذلك الصفات التي يتميز بها جانب النمو الذي تصفه النظرية وذلك خلال كل مرحلة من مراحل النمو هذه. فمثلاً نجد أن نظرية بياجية في النمو المعرفي تصف لنا كيف ينتقل الفرد منذ ميلاده حينما يكون في عالم الغموض واللامنطق إلى إدراك المفاهيم ووضوح المنطق، أي إلى عالم المنطق والوضوح في المفاهيم والإدراكات المختلفة
(انظر الصورة الموجودة في الصفحة 269 في البدف اعلاه)
الصفحة 269 :
التي تميز تفكير المراهقين والراشدين. ومن هنا فهي تصف سلوك الفرد خلال المراحل النمائية المختلفة التي تصفها النظرية. وكذلك توضح لنا الصفات التي يتميز بها تفكير الفرد خلال كل مرحلة من هذه المراحل
ومن المهم بالنسبة لنا كتربويين أن نتعرف على الكيفية التي يمكن بها تطبيق تلك المبادي والأسس في مجال التربية، أي كيفية الإستفادة من النظرية في مجالنا العملي وهو الحقل التربوي الذي يعج بالعديد من المجالات التي يمكن أن نطبق فيها الأفكار العلمية التي تطالعنا بها كل نظرية أو التي تستطيع أن نخرج بها من هذه النظريات.
والغرض من تطبيق هذه الآراء هو الوصول إلى درجة أقرب ما تكون من الكمال، أو بمعنى آخر الوصول إلى الحد الأقصى الذي ننشده من التطوير.
وتقوم نظرية بياجيه على مبادى عديدة تمثل في مجملها إطاراً عاماً يميز هذه النظرية. وتمثل هذه المبادي، إفتراضات أساسية تقوم عليها النظرية.
وسوف نتناول أهم هذه الإفتراضات ثم تتناول أهم التطبيقات التربوية للنظرية. فيقدم بياجية" مجموعة من المسلمات الجديدة التي تقوم عليها نظريته والتي تبدو مخالفة لغيره من علماء النفس والتي يمكن تلخيصها على النحو التالي:
الصفحة 270 :
ولقد حاول بياجية بيان طبيعة العمليات الأولية التي يصدر عنها الذكاء. ويرى أنها عمليات بيولوجية في طبيعتها، فالذكاء عند بياجيية وثيق الصلة بعلم الأحياء (Biology) من
الصفحة 271 :
تعتبر تلك الإمكانات البسيطة التي يولد الطفل مزوداً بها (الإنعكاسات) بمثابة نقط بداية لنمو تفكير الأطفال. فالطفل يتفاعل مع البيئة من خلال هذه الإمكانات البسيطة والأساسية، كما أن هذه الإمكانات تنمو وتتعدل وتتغير نتيجة الخبرة مع البيئة وذلك عن طريق التوافقات المختلفة التي يقوم بها . فمثلاً، لكي يقبض الطفل على شيء ما في يده سواء كان هذا الشيء صغيراً أم كبيراً، عليه أن يقوم بعمل توافقات في يده لكي يستطيع أن يقبض على هذا الشيء مما يؤدي إلى تحسن مهارته في القبض على الأشياء، وإن كان ذلك يتم ببطء.
إذا كانت تلك الإمكانات التي يولد الطفل مزوداً بها إنعكاسية في بداية حياة الطفل فإنها تصبح بعد ذلك موضوعاً للضبط المقصود من جانب الطفل، فيكتشف الأشياء عن عمد، ويجرب دائماً استخدام وممارسة طرق جديدة للاكتشاف. وبهذا يستطيع كل طفل أن يعيد إكتشاف أن الموضوعات ثابتة، كما أنه يمكن تصنيفها في مجموعات وفئات وأن الأشياء يمكن الإضافة إليها والحذف منها، وهكذا
تحدث عملية إعادة الإكتشاف هذه في تسلسل منطقي، فالطفل مثلاً لا يستطيع اكتشاف مبادىء الجمع والطرح حتى يدرك أن الأشياء ثابتة، وإن كان التقدم خلال هذه السلسلة من الاكتشافات يحدث ببطء. والطفل في أي مرحلة من عمره له رأي خاص عن العالم، ولديه منطقه الخاص لإكتشاف هذا العالم وممارسته. ويتغير هذا المنطق الأساسي كلما واجه الطفل موضوعات أو أحداث لا تتفق مع منطقه. إلا أن هذا التغير يحدث ببط، ويكون تدريجياً
كذلك فالبيئة التي ينشأ فيها الطفل تؤثر في معدل النمو الذي يسير فيه. إذ أن الطفل عندما يواجه أشياء جديدة في البيئة، فإنه يقوم بالمواسمة حتى يتكيف مع هذه الأشياء. وبالتالي فالبيئة تشجع على النمو في هذه الحالة. أما إذا كانت البيئة ليست ثرية بمثل هذه الأشياء، فإنها لا تشجع على النمو في مثل هذه الحالة
ولقد حاول بياجية بيان طبيعة العمليات الأولية التي يصدر عنها الذكاء. ويرى أنها عمليات بيولوجية في طبيعتها، فالذكاء عند بياجيية وثيق الصلة بعلم الأحياء من
الصفحة 272 :
ويولي بياجية عملية التعلم اهتماماً كبيراً، ويرى أن التعلم ذاته يتخذ أشكالاً مختلفة في مختلف مراحل النمو فالأطفال في المرحلة الحسية – الحركية يتعلمون من خلال الإتصال المباشر بالأشياء الموجودة في بيئتهم. وفي مرحلة ما قبل العمليات يتعلم الأطفال بتمثيل الأشكال الثابتة للأشياء وبتمثيل حركتها، ولكنهم لا يتمكنون من استخدام العلاقة بين الأشكال وحركتها في التوصل إلى الإستدلال حول مثل هذه الموضوعات أو حول موضوعات الثبات. وفي مرحلة العمليات المحسوسة يستطيع الأطفال القيام بهذا الاستدلال ولكنهم لا يتمكنون من ذلك إلا بالرجوع إلى الأشياء التي يستطيعون رؤيتها. فهم لا يستطيعون الإستدلال بعد على الأحداث التي تم الإستدلال عليها أو تم استخدام الإفتراض فيما يتعلق بها. وهذا الشكل الأخير لا يتحقق إلا في مرحلة العمليات الشكلية. وكذلك فإن مهارات التعلم في كل مرحلة تدخل في المرحلة التالية وتزداد إتساعاً فيها إذ أن كل مرحلة تعتبر شرطاً منطقياً لقيام المرحلة التالية لها ويجب أن تحتوي عملية التعلم على خبرات متضمنة في محتوى منهج معين يقدم للتلميذ في بيئة تربوية مناسبة وكذلك يجب أن يكون هناك محتوى يقابل كل مرحلة من مراحل النمو التي حددها "بياجية".
وهناك عدة عناصر لا بد أن تتوافر لعملية التعلم، وتعتبر هذه العناصر مجالاً خصباً لتطبيق آراء بياجيه . وهذه العناصر هي :
1- خبرات تعلمية متضمنة في محتوى معين لمنهج معين
2- معلم كف معد إعداداً مناسباً لتقديم هذه الخبرات للتلميذ ومساعدته على إكتسابها والاستفادة منها .
3- قياس الإستعداد لدى التلاميذ الذين ستقدم لهم هذه الخبرات.
4- بيئة تربوية معدة إعداداً يتناسب مع الأهداف المنشودة.
5- استخدام طرق التدريس التي تساعد المعلم على نقل هذه الخبرات التلاميذ وتساعد التلاميذ بالتالي على تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستفادة بهذه الخبرات .
الصفحة 273 :
كذلك فهناك مجالات أربعة تبرز من خلال هذه العناصر وتعتبر مجالاً للعديد من التطبيقات التربوية التي تتم في ضوء نظرية بياجية المعرفية. وهذه المجالات الأربعة هي :
1- الوظيفة التوجيهية للغة.
2- تكوين المفاهيم.
3- ترجمة الخبرات الحسية إلى أشكال رمزية.
4- تنمية التفكير المنطقي عند الأطفال.
ولكن إذا كانت العناصر الأربعة السابقة لا بد أن تتوافر لعملية التعلم، وإذا كانت هذه العناصر تعتبر مجالاً خصباً لتطبيق آراء بياجية، فإن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو كيف يتم تطبيق آراء بياجيه في هذه العناصر الأربعة؟
وللإجابة على ذلك سوف نتناول أهم التطبيقات التربوية للنظرية في هذه المجالات.
فيما يتعلق ببناء المنهج كان هناك اقتراح سابق بوضع مقترحات جديدة للمنهج تنبثق من النظرية إذ أن علماء المناهج قد بنوا هذا الإقتراح على الأساسين التاليين :
1- إذا كانت القدرات التي يكتسبها الطفل في كل مرحلة من مراحل النمو - التي تعتبر مراحل عالمية - هي في الحقيقة القدرات الأساسية من وجهة نظر النمو المعرفي، وإذا كان عملنا كمريين هو المساعدة على النمو العقلي المعرفي، إذن يجب علينا أن نبدأ ببتقديم بعض المساعدة للطفل مركزين على العمليات والإنجازات التي ركز عليها بياجية.
2- وإذا كانت كل مرحلة مبنية على سابقتها، وتتضمن إنجازاتها، إذن يجب أن نبدأ هذه المساعدة في مرحلة عمرية مبكرة.
التأكد من متطلبات النمو للمرحلة العمرية في إطار الأعمال المعرفية الخاصة بكل مرحلة.
وقد يكون اللجوء إلى نظرية بياجية محاولة لمواجهة الحاجة للتعرف على أساس معقول لتحديد محتوى المنهج الخاص لكل فرقة دراسية أو عمر زمني، وكذلك التنبؤ بالعمر الذي يمكن فيه تدريس محتويات معينة من المنهج. وهناك خطوات أو مراحل ثلاثة لبناء المنهج على هذه النظرية وذلك على النحو التالي :
الصفحة 274 :
ب- تحديد المدى الذي يمكن أن نصل إليه في إكتساب هذه الأعمال المعرفية.
ج- الربط بين المحتويات الخاصة بالمنهج وبين هذه الأعمال المعرفية. مثال ذلك حين تأكدنا أن القدرة على إدراك العلاقة بين الجزء والكل تظهر في مرحلة العمليات المحسوسة وأن فهم الكسور في الحساب يعتمد على وصول الطفل لهذه المرحلة، فإنه يمكن أن نعتبر أن سن السابعة هو أول سن يمكن أن ندرس فيه الكسور.
وإذا كان المنهج في إطار نظرية بياجيه يقوم على فهم الذات والبيئة، فإن بياجية يرى أن ذلك لا يحدث بدون القدرة على وضع الذات في مفهوم الزمان والمكان، والقدرة على تصنيف وتركيب الأشياء والأحداث وهذا يعني أن الطفل يجب أن ينمو لديه نوعين من القدرات أولها قدرته على إيجاد الارتباطات بين الأشياء وبعضها البعض، وبين الأحداث وبعضها البعض وبين الأشياء والأحداث، أي أنه يجب أن ينشىء علاقات بين الأشياء الموجودة في بيئته ويطور من نسق هذه العلاقات إلى طريقة منظمة للتعامل مع البيئة المحيطة به. وثانيها أن الطفل يبدأ في تكوين تمثيلات عقلية لنفسه والبيئة المحيطة به وأن يتعامل مع هذه التمثيلات بطرق تتزايد في تعقيدها وتجريدها. ومن هنا يحتوي المنهج على نوعين من العلاقات هما العلاقات الرياضية المنطقية والعلاقات الزمنية المكانية. ويمكن في دور الحضانة استخدام هذه العلاقات في إنشاء أنشطة تختص بالتجميع والتصنيف والترتيب طبقاً لمعايير معينة، وكذلك استخدام مفاهيم مثل فوق - تحت، وأعلى – أسفل، وداخل – خارج، وعلاقات زمنية تشمل إدراك تتابع الأحداث والسبب والنتيجة.
ويرى بياجية" أن المنهج في دار الحضانة يجب أن :-
-1يقوم على التنظيم الذاتي.
-2يتيح الفرصة لبذل الجهد في دفع الطفل إلى المرحلة التعليمية التالية.
3- يستخدم الصراع المعرفي الاستخدام الأمثل وذلك من أجل تنمية المفاهيم وتكاملها .
4- يسمح بقضاء بعض الوقت في ملاحظة الأطفال.
5- يتضمن أنشطة تثير التفكير في التغيير والطبيعة النسبية للحقائق وليس الأنشطة التي تعلم الطفل رؤية المثيرات كاشياء ثابتة أو حقائق مطلقة ينعزل بعضها عن البعض الآخر.
الصفحة 275 :
وإذا كانت آراء بياجيه تحدد لنا الوقت المناسب لتقديم أية مفاهيم للأطفال. فمن الخطأ أن نقوم بالتقديم المبكر أو المتأخر لمثل هذه المفاهيم. فالتقديم المبكر لها قد يشعره بالإحباط لعدم قدرته على تحقيق أية إنجازات، والتقديم المتأخر لها قد يشعره بالملل ومن المفاهيم التي تقدم للأطفال في منهج المرحلة الإبتدائية مفاهيم العدد، وهذه تقدم قبل استخدام الكسور. وهناك ايضاً التصنيف وهو ما يتناول منهج العلوم بدرجة واضحة. فمثلاً يمكن تصيف الحيوانات طبقاً لاشكالها وأحجامها وألوانها .
ومن المعروف أن الطفل يقوم بتصنيف الأشياء طبقاً لصفة واحدة أو بعد واحد فقط خلال الصف الأول الإبتدائي، ويستطيع بعد ذلك أن يقوم بالتصنيف طبقاً لأكثر من صفة واحدة أو بعد واحد في نفس الوقت. كذلك فهناك مسائل الثبات بما تحويه من ثبات الكم والعدد والوزن وأخيراً ثبات الحجم ويرى بياجيه أن هناك فرقاً يقدر بسنتين في سيطرة الطفل خلال هذه المرحلة على الأبعاد المختلفة للثبات، فيدرك ثبات الكم في السابعة، وثبات الوزن في التاسعة أما ثبات الحجم فلا يدركه إلا في الحادية عشرة تقريباً.
وهذا ما يجب أن تتضمنه الخبرات التي تقدم للتلاميذ وأن تسير عليه وفي ضوئه.
ويتعلق بمفهوم الثبات مجموعة أخرى من المفاهيم مثل أكبر من، وأصغر من أو أطول من وأقصر من، أو يساوي. وهذه المفاهيم يمكن تعلمها أيضاً في الرياضيات، وتعرف هذه المفاهيم في اللغة العربية بإسم أفعل التفضيل.
وهناك من المفاهيم الأخرى التي يمكن أن يتناولها منهج المرحلة الإبتدائية مفهوم السببية والمفاهيم المكانية ومفهوم الزمان وكذلك القدرة على التناول العكسي، وهي ما يمكن تناولها في الرياضيات عن طريق الجمع والطرح والضرب والقسمة.
ويجب أن يتضمن منهج المدرسة الإبتدائية الخطوات الثانية وذلك حتى يعمل على نمو الذكاء لدى أطفال هذه المرحلة إغناء العروض الحسية، وحرية المحاولة، وتعلم ربط الخبرات والشعور وحرية الخبرة، والتسمية الشعورية والمقصودة للأشياء والأفعال والشعور والتلمس أي حرية مسك الأشياء وفحصها، وحرية التحدث والقراءة، وحرية المناقشة والمجادلة.
الصفحة 276 :
وعندما ينتقل الطفل إلى مرحلة العمليات الشكلية يتصف تفكيره بالمرونة فيستطيع أن يجوب العالم بتفكيره وخياله، وكذلك يدرك المنطق وعلى ذلك يجب أن يتضمن المنهج هذه المبادى، وأن تقدم للتلاميذ في السن المناسب، ومن ثم يجب أن تعمل المدرسة خلال هذه السن على تدريب التلاميذ على فهم المنطق الشكلي والتجريبي في العلوم ويتناول منهج الرياضيات خلال المرحلة الثانوية الهندسة الفراغية إذ يكون المنطق والتخيل والمرونة قد نمت لدى المراهق خلال هذه المرحلة.
وكذلك يجب أن يسمح المنهج إلى جانب تقديمه لكم المعلومات بتخصيص وقت مناسب المناقشة علاقة هذه المعلومات بمشكلات التلاميذ ذاتها أو للكشف عما قد تحققوا منه جزئياً. أو لمساعدتهم على فهم المفاهيم والمبادى خلال محاولاتهم لتمثيل وفهم تجاربهم أو ملاحظاتهم ذاتها .
إلى جانب ذلك على مخططي المناهج أن يعرفوا أن عدم تقديم نمط معين من الخبرات التعليمية للمراهق لا يرجع لنقص في قدرته على الإستفادة منها وإنما لأنه قد لا تتوافر له الخبرة أو التدريب الكافي، أي أن التلميذ الذكي في المرحلة الثانوية مثلاً يكون قادراً على تعلم الرياضيات البحتة، بشرط أن يكون قد درس الرياضيات اللازمة لذلك إن عملية وضع المناهج تتطلب تقديم الخبرات التعليمية الأولية للأطفال لكي يستطيعوا الإستفادة من الخبرات التالية بمجرد أن يصبحوا قادرين على التعرض لتلك الخبرات. كما يجب على واضعي المناهج أن يتذكروا أن الأفراد يختلفون في ذكائهم وأن البرنامج المدرسي الجيد يجب أن يفرد من عملية التدريس على أساس القدرات العقلية لمختلف الأفراد الذي يلتحقون بالمدرسة، وأن نجاح العملية التربوية يعتمد في أحد الجوانب على الأقل في قدرتها على أن تقدم لكل فرد الحد الأدنى من الخبرات التعليمية الذي يستطيع به أن يعيش حياة منتجة ذات كفاءة تبعاً لإمكانياته.
وإذا ما تم وضع محتوى للمنهج في ضوء هذه المبادئ التي تنادي بها النظرية وتقوم على أساسها، فإنه يصبح بالإمكان أن تساعد على نمو الطفل في هذا المضمار، وأن تساعد أيضاً على إزالة ما قد يقابله من عقبات أثناء سنوات تعليمه، وأن نساهم في إعداده للمراحل التالية
الصفحة 277 :
وفيما يتعلق بالمعلم، فالمعلم هو حجر الزاوية في العملية التربوية، وهو الذي تقوم على عاتقه عملية إعداد الناشئة، أي حضارة جيل بأكمله. وإذا نظرنا إلى هذه العملية تتضح لنا أهمية دور المعلم وخطورته، ومن ثم فمن الواجب أن يكون هذا المعلم معداً إعداداً كافياً يتناسب مع طبيعة عمله هذا .
ومن هنا يجب أن يكون المعلم على دراية بسيكولوجية نمو الأطفال، ملماً بحاجات التلاميذ في المراحل العمرية المختلفة ومتطلباتهم، وملماً بمكيا نيزمات نموهم، وأن يترجم ذلك إلى الواقع، وأن يكون متفهماً لهم، وأن يقوم بدور المرشد والموجه لتلاميذه، وكذلك يجب أن يكون المعلم ملماً بأحدث الطرق والأساليب والتقنيات التربوية حيث تؤكد نظرية بياجيه على استخدام الطرق التي تعتمد على إيجابية المتعلم ومن هنا لا بد أن يكون المعلم الذي سينفذ هذه الطرق ذا نوعية خاصة، كذلك لا بد أن تكون أعداد المعلمين متوفرة وكافية بالدرجة التي تساعدهم على النهوض بأعبائهم على أكمل وجه.
وفي هذا المجال لا بد وأن يكون معلم المرحلة الإبتدائية حاصلاً على درجة جامعية، ونعني بذلك أن يكون متخرجاً من إحدى كليات التربية حيث يتم فيها تدريبه على التدريس، أي إعداداً أكاديمياً وتربوياً إلى جانب الإعداد النفسي له كمعلم ولا يجب أن يعتمد هذا الإعداد على الناحية العملية فقط، بل يجب أن يمتد أيضاً إلى الناحية النظرية، حيث هناك الكثير مما يجب أن يلم به معلم المرحلة الإبتدائية مثل سيكولوجية التعلم، وسيكولوجية نمو الأطفال وحاجاتهم ومتطلباتهم النمائية. أما معلم المرحلة الثانوية، فيجب ألا يقتصر إعداده على الكم الذي سوف يقوم بتدريسه للتلاميذ فقط، بل من الضروري أن يقوم بالبحث المستمر في مادة تخصصه حيث أنه من المتوقع أن يكون من بين تلاميذه من سيشتغلون بالبحث فيما بعد، وعليه أن يميز هؤلاء التلاميذ، وأن يقوم بتوجيههم ومساعدتهم. ومن الضروري أيضاً أن يكون المعلم علماً بسيكولوجية نمو المراهقين وحاجاتهم ومتطلباتهم النمائية. هذا إلى جانب تدريبه المستمر على أحدث الطرق والتقنيات التربوية التي يمكنه الإستفادة منها في أداء عمله حيث تعتمد نظرية بياجية" - كما أسلفنا – على إيجابية المتعلم.
ومن الضروري ألا يقتصر الإعداد التربوي للمعلم داخل كليات التربية فقط، بل إنه من الضروري في هذا المجال أن تصمم برامج تدريبية على استخدام أراء بياجيه حتى وإن تمت هذه البرامج أثناء الخدمة، أي أثناء مزاولة المعلم لمهنة التدريس.
الصفحة 278 :
وكذلك يجب أن يشجع المعلم تلاميذه على التعلم عن طريق النشاط، حتى وإن استدعى الأمر حركة التلاميذ داخل الصف، حيث أن ذلك لن يقلل من قدرته التنظيمية طالما أن هذه الحركة لا تخرج عن نطاق موضوع الدرس. ومن ناحية أخرى، يجب على المعلم أن يساعد على مناقشات التلاميذ وتبادل الآراء والتفاعل داخل حجرات الدراسة وخارجها.
إلا أن ذلك أمر لا يرتبط بالمعلم فقط حيث هناك دور لمديري المدارس والموجهين إذ عليهم أن يشجعوا المعلمين على ذلك، وأن يعطوهم الفرصة لتخطيط وتجريب برامج خاصة تناسب قدرات تلاميذهم، كما تؤخذ آراؤهم في تنظيم المنهج أما بالنسبة لتنظيم التلاميذ داخل الصفوف، فإن النظرية ترى عدم الإلتزام بخطة متدرجة للأعمار حتى تسمح بإستثارة عقلية أكثر وهذه النقطة الأخيرة تحتاج منا إلى الدراسة والبحث، والذي قد يستمر السنوات، إذ أنه ليس من اليسير الأخذ بها في ظل ظروفنا التربوية الراهنة.
وثمة مجال آخر يستطيع المعلم أن يلعب فيه دوراً كبيراً. ويتمثل هذا المجال في الدور أو الوظيفة التوجيهية للغة والذي يعتبر أساسياً في سن الحضانة. ويعتبر هذا المجال من المجالات الخصبة لتطبيق آراء بياجيه، فإذا كان النشاط يشكل أساس التفكير، فإن الوظيفة التوجيهية للغة وهي التي تمكن النشاط العقلي من أن يحل محل الأداء هي التي تميز النمو الإنساني. وهنا يلعب المعلم دوراً هاماً إلى جانب دور الوالدين وذلك لأن الأطفال الذين يلقون إهتماماً كبيراً من الوالدين – خاصة الأطفال الوحيدون والبكر – هم الذين يكتسبون حصيلة لغوية أكبر ويصبحون أقدر على التوصل إلى أعلى مستويات النمو.
وقد أثبتت الدراسات أن تحكم الطفل التدريجي في سلوكه الناشيء عن تنفيذ الأوامر والتعليمات يؤخر الأداء إلى حد ما. فلو طلبنا من طفل في سن سنة أو سنة وشهرين مثلاً أن يحضر شيئاً ما (دمية مثلاً) على بعد معين منه ويقع على نفس الخط مع شيء آخر أقرب للطفل (كرة مثلاً)، فإنه سوف يمسك بالشيء الأقرب له (الكرة) بدلاً مما طلبنا منه أن يمسك به (الدمية). وهنا تدخل وظيفة الكلمة التي توجه السلوك في صراع مع ظروف الموقف الخارجي. فبينما توجه الكلمة السلوك بسهولة في الموقف الذي يعوزه الصراع، فإنها تفقد
الصفحة 279 :
وظيفتها المباشرة إذ تم استدعاء رد الفعل التوجهي المباشرعن طريق شيء أكثر وضوحاً أو إستثارة للاهتمام، وتختفي هذه الظاهرة في سن (16 – 18) شهراً، ويتحقق التأثير الإنتقائي للكلمة. وعند نهاية العام الثاني من العمر تكتسب الإشارات البصرية سبقاً وأولوية على الإرتباطات الحركية. وفي هذه السن يستطيع الأطفال تنفيذ التعليمات اللفظية، فلو أننا خبانا شيئاً ما من الطفل في مكان معين ثم غيرنا هذا المكان فإنه سيبحث عنه في المكان الأول ما لم يره في المكان الثاني، وعندما تطلب منه أن يذهب إلى هذا المكان لإحضار هذا الشيء، فإنه سيذهب إليه ويحضره مباشرة، أي أنه سينفذ التعليمات اللفظية.
أما نوع الكلام الذي يتضمن روابط أولية تسبق الأداء وتنظمه، فيعتبر أكثر صعوبة لكي يتبعه الطفل، ويشغل في نموه العام الثالث ونصف العام الرابع من حياة الطفل فلو أننا طلبنا من الطفل مثلاً أن يمسك بالكرة التي نضعها أمامه حينما يظهر ضوء أحمر مثلاً ولا يمسك بها حينما يكون الضوء أزرق، فإنه لن يستطيع الإستمرار في تنفيذ هذه التعليمات وسيمسك بالكرة دون أي إعتبار للإشارة، ولكن إذا ما اقترن الضوء الأحمر بكلمة إمسك الكرة». واقترن الضوء الأزرق بكلمة لا تمسك الكرة فإنه سينفذ التعليمات بسهولة.
ويحتاج ذلك إلى تدعيم من جانب الوالدين والمعلمين كما هو الحال بالنسبة للأوامر والنواهي الخلقية فالتدعيم يؤدي إلى أن يصبح الطفل أكثر تقبلاً للتعليمات اللفظية والمناقشة. أما عدم التدعيم فيؤدي إلى تكوين عادة تجاهل الأوامر والشعور بعدم الأمان لدى الطفل. وهذا يتطلب إهتماماً شخصياً بالأطفال من جانب المربين وكذلك أن تكون دور الحضانة مزودة باللعب وغيرها مما يساعد المربين في القيام بعملية التنشئة، وفي تحقيق أكبر قدر من الإستفادة من آراء "بياجية "في هذا المجال
وبالنسبة لنظرية بياجية وقياس الاستعداد، فإنه من أهم المشكلات التربوية التي تواجه القائمين بالتربية قياس الاستعداد لدى التلاميذ. وتتصل هذه المشكلة بتقييم استعداد الأفراد للتحقق من مدى استفادتهم من برنامج معين، وتتصل أيضاً بقياس مدى هذه الإستفادة، أي أنها تسبق البرنامج لتحديد محتوياته، وتأتي بعده للتحقق من جدواه. ونظراً لأن كل مرحلة من
الصفحة 280 :
مراحل النمو المعرفي تعتمد على سابقتها وتمهد للمرحلة التالية لها وتتكامل معها، فإن تكامل القدرات داخل مرحلة معينة يشكل استعداداً للإنتقال إلى المرحلة التالية.
ومن الأساليب المستخدمة لقياس هذا لاستعداد ملاحظة سلوك وأداء الأفراد أو استخدام الإختبارات. ولما كانت نظرية بياجيه تقوم على ملاحظة سلوك الأطفال والمراهقين، إلا أن الطريقة التي اتبعها بياجية في الملاحظة تختلف عن الإختبارات العقلية التقليدية، في حين يتبع كلاهما نسقاً معيناً، كما يعنيان بقياس النمو العقلي، فقد ظهرت محاولات في سبيل إعداد مقاييس جديدة لقياس الإستعداد لدى التلاميذ كان من نتيجتها أن ظهرت إختبارات عديدة تنبثق أساساً من نظرية بياجيه، وتتضمن المهام التي استخدمها بياجية أو مهاماً شبيهة بها. ومن هذه المقاييس :
- مقياس النمو العقلي (Scale of Mental Development) وهو من إعداد أدريان بینارد (Pinard) و مونيك لوريندو (Laurendeau) بجامعة مونتريال وهو محاولة تجمع بين خصائص طريقة "بياجية في الملاحظة والبحث وبين طريقة الإختبارات التقليدية السيكومترية الأخرى.
- الإختبار الذي أعده "جولد شميت (Goldschmidt) و بنتلر (Bentler) والذي يهتم بدراسة مفهوم الثبات أو الإحتفاظ (Conservation) ويعطى عادة للأطفال من سن (4-7) سنوات
- الإختبار الذي أعده اوزنجس" (Uzzingus) و هنت (Hunt) ، ويهتم بدراسة القدرات الحسية - الحركية لدى الأطفال.
وهناك اختبارات أخرى مبنية في ضوء نظرية "بياجية" تم إعادة تقنينها واستخدامها في البيئة العربية. ومن هذه الإختبارات
- إختبار مراحل بياجية للنمو العقلي، وهو من إعداد "أنتون لوسون" ، وقام بتعريبه حسن حسين زيتون ويتضمن عدداً من المهام العقلية التي تستخدم لقياس مستوى النمو العقلي المعرفي لدى الأطفال، وذلك خلال مراحل: ما قبل العمليات والعمليات المحسوسة، والعمليات الشكلية.
الصفحة 281 :
-مقياس مراحل النمو العقلي للأطفال، وهو من إعداد لورانس و "وكر" وقام بتعريبه عادل عبد الله محمد". ويتضمن هذا المقياس ست مهام عقلية تتعلق بتضمن أو اشتمال الفئات، وثبات الوزن والتسلسل اللفظي، واللامعقولية المنطقية، والميزان، وخلط السوائل الكيميائية. وبذلك يتضح أيضاً أنه يستخدم لقياس مستوى النمو العقلي لدى الأطفال خلال مراحل ما قبل العمليات، والعمليات المحسوسة، والعمليات الشكلية.
ومن الواضح أن مثل هذه الإختبارات لا تستخدم مفهوم العمر العقلي، وهو المفهوم الذي تعتمد عليه إختبارات الذكاء أساساً، وكذلك تهتم هذه الإختبارات بالطريقة التي يفكر بها الأطفال، أو بمعنى آخر بطريقتهم في حل المشكلات، إذ تبين إجابة الطفل على بنود الإختبار – سواء كانت هذه الإجابة صحيحة أو خاطئة - نوعية تفكير الطفل. أما إختبارات الذكاء فتهتم بعدد الأسئلة التي يستطيع الطفل أن يجيب عليها إجابة صحيحة، بغض النظر عن صعوبة تلك الأسئلة أو سهولتها، فالمهم هو عدد الأسئلة التي يجيب عليها الطفل إجابة صحيحة، وليس المهم هو التعرف على كيفية حله لهذه الأسئلة.
وإذا وضعنا ذلك في اعتبارنا أي الطريقة التي يفكر بها الأطفال، فإن هذا سيساعدنا كثيراً في وضع المنهج للتلاميذ، وفي إختبار طرق التدريس المناسبة لتفكير التلاميذ من جهة ولتحقيق الأهداف المنشودة من هذا المنهج من جهة أخرى.
وكذلك يمكننا عن طريق تحديد مستوى النمو العقلي للأطفال أن نضع البرامج التربوية المناسبة وذلك بالنسبة للأطفال الموهوبين، وكذلك وضع البرامج التربوية التي يمكن بمقتضاها أن ترفع من المستوى العقلي للاطفال بطييء النمو أو المتخلفين عقلياً (Mentally retarded) وأيضاً يمكننا أن نضع برامج للإسراع (Accelerating) بالنمو العقلي للأطفال.
وكذلك من الأهداف الرئيسة لعملية قياس الاستعداد لدى التلاميذ هو أن نقوم بعملية التوجيه والإرشاد للتلاميذ، وكذلك توجيههم مهنياً.
إلا أنه حتى في هذه الحالة علينا الإنتظار حتى يكون عند الطفل الاستعداد حتى تحصل على أفضل نتائج للتعليم والتدريب. إذن يجب أن تتأكد من وجود هذا الاستعداد أولاً ثم نحدد
الصفحة 282 :
ما نقدمه للطفل، إذ يرى بياجيه أننا يجب علينا أن نعرف ماذا ومتى تقدم برامج معينة للأطفال.
وبالنسبة للبيئة التربوية فإن المدرسة أو الروضة تمثل البيئة التي يتم تقديم المنهج بما يحتويه من خبرات تربوية على أرضها. هذه البيئة يجب أن تكون مجهزة بالأدوات والأجهزة المختلفة التي تساعد المعلم في تحقيق رسالته التربوية وإكساب التلاميذ الخبرات والمهارات والمفاهيم المختلفة.
فالروضة مثلاً يجب أن تكون مجهزة جيداً بحيث يتوفر فيها كل أنواع النشاط الذي يركز عليه بياجية . وكذلك يجب أن تتوفر فيها القصص والأنشطة المختلفة والرقصات الإيقاعية والنشاط الحر، وهو ما يساعد على شغل اليوم الدراسي، وكلها تعمل كمثيرات للطفل تحفزه على الحركة والنشاط، ومن ثم تنمو لديه الحصيلة اللغوية وكل أنواع التمثيل الرمزي الذي يميز الأطفال في هذه المرحلة العمرية ومن الأشياء التي يجب أن تتوفر في الروضة لكي تتمكن من تقديم الإستثارة للأطفال أماكن فسيحة للعب بلعب ودمى كبيرة، يتعلم فيها الأطفال ضبط أفعالهم وتصرفاتهم والحصول على معرفة بالعلاقات المكانية عن طريق النشاط ومجموعة متنوعة من اللعب والدمى والأجهزة الأصغر تستخدم في الأغراض التركيبية البنائية أو في اللعب التخيلي أو في الفرز والتصنيف والتدريج أي ترتيب الأشياء حسب مراتبها ودرجاتها، وكذلك في العد.
وبالنسبة للأطفال الأكبر سناً والأكثر تقدماً في الناحية العقلية، فهناك الألعاب والدمى والملابس للتمثيل، والتي تشجع المحاكاة ولعب الدور، وهناك أيضاً أدوات الرسم والألوان التي تهييء الفرصة لتنويع النشاط التركيبي البنائي والتمثيل.
وتستطيع المدرسة الإبتدائية أن تزود الأطفال بقدر متنوع هائل من الأنشطة، وتساعدهم من خلال اللعب الحر والعمل الجماعي والمناقشات مع المعلم على إثراء حصيلتهم اللغوية وخلال فترة المرحلة الإبتدائية على المعلم أن يعمل على توفير العمل على ثلاثة مستويات تتفق مع المستويات العقلية الثلاثة التالية :
الصفحة 283 :
ففي المستوى الأول يحتاج الأطفال إلى الألعاب والأنشطة مثل اللعب بالرمل والماء.... الخ التي تسبق نحو المفاهيم وتكون غير تركيبية إلى حد كبير. كما يحتاجون أيضاً إلى إهتمام فردي بقدر الإمكان للتأكد من أن الوظائف التوجيهية للكلام تنمو كما ينبغي. وفي المستوى الثاني يحتاج الأطفال إلى ألعاب وأنشطة أكثر تركيبية تؤدي إلى تكوين مفاهيم بسيطة وإلى إكتساب بعض المهارات بينما في المستوى الثالث يحتاج الأطفال إلى ممارسة ومران على استخدام المفاهيم والمهارات التي يعرفونها. كما يحتاجون إلى اللعب والأنشطة التركيبية التي تؤدي إلى مزيد من نمو المفاهيم.
وكذلك من الضروري أن تقدم هذه الأنشطة للأطفال في أوانها، فلا تقدم مبكراً حتى لا يصاب الأطفال بالإرتباك والإضطراب وأحياناً بالإحباط نتيجة الفشل الذي يحدث عند القيام بهذه الأنشطة وإدراك المفاهيم، ولا تقدم متأخرة فيصاب الأطفال بالملل.
إذن من الضروري أن تكون المدرسة بيئة تتوافر فيها الإستثارة للتلميذ، وهو ما يحافظ على إيجابيته، تلك الإيجابية التي تعتبر من المبادىء الأساسية التي نادى بها بياجيه" . ومن هنا يمكن استغلال هذه الإيجابية الإستغلال الأمثل مع تقديم التوجيه والإرشاد للتلميذ، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تحقيق الأهداف التي تبغيها من وراء ذلك.
وفيما يتعلق بطرق التدريس، فهي تعتبر بمثابة طرق أداء المعلمين أو أساليبهم في توصيل هذه الخبرات للتلاميذ. وهناك العديد من الأساليب المستخدمة في عملية التدريس منها ما هو تقليدي يعتمد على المعلم أولاً وأخيراً في القيام بعملية حشو لعقول التلاميذ بالمعلومات دون أن يبذل التلميذ أي جهد يذكر، إذ أن موقفه يكون سلبياً تماماً، وكذلك فهناك من هذه الأساليب مم يعتمد على إيجابية التلميذ، وتمثل هذه الإيجابية أحد المبادئ الهامة في نظرية بياجية .
ويرى بياجيه" أن طرق التدريس يجب أن تراعي عدة مبادئ هامة في مقدمتها الطبيعة الخاصة بالطفل وتكوينه النفسي وإيجابيته إن كان لها أن تحقق ما نصبو إليه.
الصفحة 284 :
وفي ضوء آراء بياجيه يصبح من الضروري استخدام طرق التدريس التي تعتمد على إيجابية المتعلم وكذلك يمكن استخدام الوسائل السمعية والبصرية في التدريس، ويعتقد البعض أن استخدام هذه الوسائل يأتي بنتيجة مماثلة لاستخدام الطرق التي تعتمد على إيجابية المتعلم. وهناك أيضاً التعليم المبرمج والذي يمكن استخدامه في هذا المجال.
وقد وضعت نظرية بياجية امام المعلم أساليب متعددة يمكن أن يلجأ إليها حتى يتحقق له ما يهدف إليه، ومن هذه الأساليب نجد التعلم عن طريق النشاط وإستثارة القلق المعرفي والمساعدة على تطور التفكير المنطقي، واستخدام العمل الجماعي. وفي حالة التعلم عن طريق النشاط، يعتبر الطفل هو الأداة الرئيسة لنموه العقلي، فهو مصدر النشاط ونتيجته عائدة عليه. كما أن إستثارة القلق المعرفي ينتج عن الإخلال بالإتزان لدى الفرد مما يؤدي إلى المزيد من التمثل والمواسمة، ينتج عنه مزيد من الأبنية العقلية المعرفية. ويؤدي هذا القلق المعرفي وظيفتين أساسيتين هما: إثارة الدافعية من ناحية، وزيادة المعرفة من ناحية أخرى.
ومن الضروري أن يهتم المعلم بالناحية العملية ولا يجعل اهتمامه كله مركزاً على الناحية النظرية فقط، حيث أن أبنية الطفل العقلية تتكون إثر ممارسته للأفعال المختلفة مما يعمل على حدوث التمثل والمواسمة، وهو ما يسبب حدوث التعلم. كذلك يجب أن يشجع المعلم تلاميذه على العمل في مجموعات، حيث يكون أعضاء هذه المجموعات ممن هم في نفس السن، كما يجب على المعلم أيضاً أن يسمح بالمناقشة بين أعضاء المجموعة، وأن يشجع على ذلك، إذ أن استخدام طريقة المناقشة يؤدي إلى تنمية إتجاهات علمية لدى التلاميذ وهذه الطريقة بطبيعة الحال تعتمد إعتماداً كبيراً على إيجابية التلميذ. مما يؤدي إلى أن يصبح قطبا العملية التعليمية (المعلم والتلميذ( إيجابيين، بدلاً من أن يكون أحدهما إيجابياً ويكون الآخر سلبياً كما هو الحال بالنسبة لطرق التدريس التقليدية.
ويرى بياجية أن اللعب الحر والعمل الجماعي والمناقشة تعتبر من الأساليب الهامة في توصيل الخبرات للتلاميذ. كذلك يرى أن المعلم ينبغي أن يقدم المادة الدراسية للتلاميذ على أنها مشكلة، إذ أن مثل هذه المشاكل تفرض مطالب معينة على تفكير التلاميذ.
ويرى "فيجوتسكي" (Vygotsky) أنه حينما لا تقدم مشكلات ملائمة للتلاميذ، يخفق التفكير في أن يصل إلى المراحل والمستويات العليا أو يصلها متأخراً، وهو في ذلك يتفق مع
الصفحة 285 :
"بياجيه" الذي يعتقد أن القدرة على التفكير الشكلي تستثار بواسطة مشكلات تتبدى في محاولة التوفيق بين وجهات النظر المختلفة في المناقشة وفي الأعمال الجماعية.
أما عن دور المعلم في المساعدة على تطور التفكير المنطقي لدى التلاميذ، فإنه سيساعد التلاميذ على الإنتقال من مرحلة العمليات المحسوسة إلى مرحلة العمليات الشكلية عن طريق إعداد المواقف التعليمية والخبرات كما سنوضح فيما بعد.
ومن خلال العملية التربوية يمكن أن يقوم المعلم بإعداد الطفل في المراحل العقلية المختلفة للإنتقال إلى المراحل التالية. ولكن كيف يمكن أن يحدث هذا الإنتقال
هناك مبادى، خمسة مشتقة من النظرية يمكن تطبيقها في عملية التدريس واستغلالها في إعداد الطفل للإنتقال إلى المراحل العقلية التالية وهذه المبادئ هي :
1- الإيجابية.
2- تتابع وتداخل الأبنية العقلية.
3-البناء العقلي والتحويل
4 - اختلاف نمط المثير تبعاً للبناء العقلي للطفل.
5- الدافعية.
فيرى بياجيه أن العقل لا يعتبر سلبياً، بل إنه جهاز دينامي منظم وفعال، كما يكون لكل نمط من أنماط المثيرات تأثيره على الأبنية العقلية القائمة لدى الطفل، وكذلك تؤثر الأبنية العقلية على هذا المثير مما يجعل المعرفة نفسها دينامية. وتكون أنماط السلوك في البداية علنية أي صريحة وواضحة (overt). إلا أنه يتم استدخالها فيما بعد في شكل تمثيلات بسيطة للأشياء المادية الملموسة والأحداث وفي النهاية يتم تنظيمها في شبكة معقدة من أنماط السلوك هذه والتي تميز تفكير الراشدين.
ويعتمد كل بناء عقلي على الأبنية العقلية السابقة عليه، كما أنه يحتويها بداخله أيضاً. ولكي تتم عملية الفهم لا بد من وجود أساس بنيوي يضم المواد المتاحة في البيئة. وبإستثناء المنعكسات التي يولد الفرد مزوداً بها، فإن تلك الأبنية تتكون من خلال الخبرة التي يمر بها
الصفحة 286 :
الفرد، أي لا يولد مزوداً بها بل يكتسبها، ولا تعتمد المستويات العليا للفهم والتي نحتاجها في المجال التربوي على كم معين من التدريب. وبمجرد أن يتم تعلم بناء أساسي فإنه سوف يقوم بأداء وظيفته خلال المراحل النمائية المتتالية. ويعتبر البناء العقلي بمثابة جهاز منظم لأنماط السلوك العقلي ويمكن أن يتم تمثل المثيرات الجديدة في البناء العقلي القائم. وحينما يجد الطفل نفسه في موقف جديد فإنه يفكر فيه في ضوء أنماط السلوك العقلية التي يأتي بها إلى ذلك الموقف. وبهذا نجد أن على الرغم من أنه قد يكون هناك بعض التحولات المباشرة لبعض الإرتباطات التي لا تنتمي إلى بناء معين ، فإن معظم تأثيرات التعلم السابق تعتبر تأثيرات للخبرة الناتجة من الأبنية العقلية، فالبناء العقلي إذن يعمل على تنظيم المعرفة الجديدة في حين أن الموقف الجديد قد يعمل على تغيير البناء العقلي، ويعمل تطبيق المعرفة الجديدة على تسهيل كليهما .
وإذا كان المثير يتفق تماماً مع البناء العقلي القائم، فإنه لن يحدث تعلماً جديداً. أما إذا كان لا يتلاءم معه فلن يتم تمثله بل ستتم المواحة معه. وتكمن صعوبة أي مهمة في كيفية تلاؤم البناء العقلي للطفل مع نمط المثير. ويحدث تغير البناء العقلي في ضوء هذه الظروف ويرى بياجيه" أن العقل بطبيعته إيجابي حتى عندما تكون الأبنية العقلية في حالة توازن. وتعتبر حالة التوازن هذه حالة دينامية تقوم الأبنية العقلية خلالها بتمثل مثير معين أو المواسة مع أنماط المثير إذا كانت غير متطابقة مع هذه الأبنية. وعلى ذلك فإذا كان هناك إختلاف بين المثير الجديد والبناء العقلي القائم، فإن هذه الحالة تعتبر حالة دافعية يحدث التعلم على أثرها .
كذلك يرى "بياجية" أن التشويق أو الدافعية هو أحد عناصر الذكاء. وهنا يستطيع الكبار أن يتدخلوا ليؤثروا في تحصيل الذكاء عند الأطفال عن طريق الإثارة أو التشويق.
وفي ضوء هذه المبادئ، فإنه يمكن إعداد الطفل في المراحل العقلية المختلفة للإنتقال إلى المرحلة التالية
أولاً : إعداد طفل المرحلة الحسية - الحركية للإنتقال إلى مرحلة ما قبل العمليات :
أجرى نيويل كيفارت (Kephart) العديد من الدراسات حول هذا الموضوع ويرى أن من أهم الإنجازات التي يحققها الطفل خلال المرحلة الحسية – الحركية، أنه يستطيع أن يكون
الصفحة 287 :
صورة لجسمه ويطورها، وتبنى هذه الصورة في البداية عن طريق تمييزه ليمينه عن يساره، ثم يتوسع بعد ذلك لإدراك الحيز الذي يحيط به، وهي الصورة المقابلة لصورته عن جسمه، ويرى أن كلاً من هاتين الصورتين يمكن تطويرها عن طريق إعداد برنامج لذلك، وطور كيفارت ومعاونوه عدداً من الأساليب التي تساعدهم على تطبيق هذا البرنامج بنجاح، منها ما يساعد الطفل على المسير للأمام والخلف أو في إتجاهات مختلفة. وأهم ما فيها هو أن يحافظ الطفل على توازنه سواء كان المسير فيها للأمام أو الخلف أو أثناء دورانه للمسير في أي إتجاه مختلف، وذلك ما يسمى لوحة المشيوهي تستخدم في رياض الأطفال... ومن الأساليب الأخرى التي استخدمها كيفارت ومعاونوه أن يقف الطفل على لوحة خشبية كبيرة ومنبسطة ترتفع عن الأرض عدة بوصات، ثم يقفز على الأرض. وأيضاً المهم هنا هو أن يحفظ الطفل توازنه.
ومن الضروري هنا أن توضح معلمة الحضانة أو رياض الأطفال للطفل ما يجب أن يفعله وذلك الحفاظ على توازنه في كل مرة. ومن ثم يحدث التمثل والمواسمة - عن طريق النشاط الذي يؤديه الطفل أو يمارسه - وهو ما يسبب حدوث التعلم من جانب الطفل وتكوين الأبنية العقلية التي يقوم الطفل بتمثل الأحداث الجديدة فيها أو مواسة بعضها مع تلك الأحداث الجديدة.
ثانياً : إعداد طفل مرحلة ما قبل العمليات للانتقال إلى مرحلة العمليات المحسوسة :
يرى بياجية أن من أهم الإنجازات التي يكتسبها الطفل خلال مرحلة العمليات المحسوسة هو إدراكه لمفهوم الثبات (conservation) وهو ما يمكن تطبيقه في مجالات عديدة خلال تلك المرحلة، وهو ما تم تناوله من قبل.
ويمكن تدريب الأطفال في سن الخامسة أو أقل على إدراك هذا المفهوم ولكي يستطيع الطفل أن يدرك مفهوم الثبات يجب أن يتقن أولاً العمليات التي يتضمنها هذا المفهوم، وهي التصنيف المتعدد (Multiple) والعلاقات المتعددة، وقابلية الإنعكاس أو السير العكسي.
ومن المعروف أن طفل ما قبل العمليات تحكمه إدراكاته (Perceptions) ، فهو يركز على جانب واحد فقط للمشكلة أو الموقف، ويستخدم الإستدلال الإنتقالي والذي ينتقل فيه من الخاص إلى الخاص، ولكي يدرك الطفل مفهوم الثبات عليه أن يتخلص أولاً من أوجه القصور
الصفحة 288 :
هذه، فيركز على أكثر من جانب واحد للمشكلة أو الموقف في نفس الوقت، ويدرك عملية التصنيف وذلك بحسب الصفة أو الشيء الذي يتم التصنيف في الموقف بناء عليه، وكذلك يدرك السير العكسي.
والحوار التالي قد أجري بين المعلم ومجموعة من الأطفال في إحدى جلسات التدريب :
المعلم : هل تستطيعين أن تخبريني ما هذا يا "ماري ؟
ماري : إنه موز.
المعلم : ما الذي يتصف به الموز يا "ماري"؟
"ماري" : إنه مستقيم
المعلم وماذا أيضاً؟
ماري : له قشر
المعلم : ما الذي تستطيع أن تضيفه لي عن الموز يا توم ؟
توم : يوجد على قشرته خطوط سوداء.
المعلم : هل هذا كل شيء يا توم ؟
توم : لا، إذ أن بعض أجزائه لونها أخضر أيضاً.
المعلم : ماذا تفعل بالموز
توم : نأكله.
بعد ذلك يوجه المعلم إلى الأطفال نفس السؤال، ويجيب الأطفال بنفس الإجابة. ثم يمسك المعلم برتقالتين من البلاستيك ويعود ليسأل الأطفال من جديد :
المعلم : ما هذا؟
أحد الأطفال : إنها برتقالة.
المعلم : هل هي برتقالة حقيقية؟
الصفحة 289 :
أحد الأطفال : لا أنها ليست حقيقية.
المعلم : حقاً هذا صواب، ولكن ماذا أيضاً تستطيعون أن تخبروني عن البرتقال؟
الأطفال : يمكننا أن نأكله أيضاً فهو مستدير.
المعلم : حسناً هذا صواب ثم يمسك بالبرتقالة الثانية ويعود ليسأل الأطفال : وما هذه التي أمسك بها؟
الأطفال : إنها برتقالة.
المعلم : ماذا تستطيعون أن تفعلوا بها؟
الأطفال : نأكلها، إنها مستديرة.
المعلم : حقاً إنها مستديرة. وماذا أيضاً؟
أحد الأطفال : لها قشر
ثم يمسك المعلم بالبرتقالتين كل في إحدى يديه، ثم ينظر للأطفال ويوجه لهم السؤال التالي:
هل تتشابه كل من هاتين البرتقالتين مع الأخرى؟
الأطفال : لا.
المعلم : إذن ما هو الفرق؟
الأطفال : أحدهما أكثر بريقاً من الأخرى.
المعلم : والآن أخبروني عن أوجه الشبه بينهما .
الأطفال : إنهما برتقالتان، وكلاهما مستديرتان.
المعلم : وماذا أيضاً؟
أحد الأطفال : كلاهما كبيرتان
المعلم : ماذا يمكننا أن نفعل بهما ؟
الأطفال : ناكلهما .
الصفحة 290 :
ثم يمسك المعلم بالبرتقالتين والموز ويوجه السؤال التالي للأطفال : ما هو الشيء الذي تتفق فيه كل من هذه الأشياء؟
أحد الأطفال : كلها مستديرة.
المعلم : هل الموز مستدير؟
أحد الأطفال : لا إنه مستقيم.
المعلم : وماذا أيضاً تتشابه فيه هذه الأشياء؟
أحد الأطفال : كلها صناعية.
المعلم : وماذا أيضاً؟
أحد الأطفال : كلها لها قشر.
المعلم : وماذا يمكننا أن نفعل بهذه الأشياء؟
الأطفال : نأكلها .
المعلم : هل هناك اسم لكل هذه الأشياء
الأطفال : نعم.
المعلم : ما هو؟
أحد الأطفال : هذا موز
المعلم : لا، ليس كذلك. هل هناك إسم واحد لها جميعاً؟
الأطفال : نعم، فاكهة
المعلم : إذن ما الذي تتشابه فيه كل هذه الفواكه؟
أحد الأطفال : كلها مستديرة بإستثناء الموز
المعلم : لماذا تسمي كل هذه الأشياء فاكهة؟
الأطفال : لأننا نأكلها.
الصفحة 291 :
المعلم : إذا كان معي رغيف من الخبر فإنه بإمكاننا أن نأكله، فهل يعتبر فاكهة أيضاً؟
الأطفال : لا.
المعلم : لم لا؟
الأطفال : لأنه ليس حلواً كالفاكهة
المعلم : هذا سبب معقول إذن رغم أننا نأكل الخبز فهو ليس فاكهة اليس كذلك
الأطفال : نعم.
ثم يحضر المعلم قلماً وقطعة طباشير، ويمسك بالقلم أولاً ويسأل : والآن ما هذا؟
أحد الأطفال : إنه قلم.
المعلم : ما الذي يتصف به هذا القلم
الأطفال : إنه مستقيم ومستدير من طرفيه
المعلم : حسناً . ثم يمسك بقطعة الطباشير ويسأل : ما هذا يا توم؟
توم : إنها قطعة من الطباشير.
المعلم : ما الذي تستطيع أن تخبرني به عنها؟
توم : إنها بيضاء اللون.
المعلم : وماذا أيضاً
توم : إنها مستقيمة ومستديرة من طرفيها.
المعلم : قل لي يا جيل ما الذي يتشابه فيه الإثنان
جيل : إنهما مستقيمان ومستديران من الطرفين.
المعلم : وماذا أيضاً يا "جون"؟
جون : نكتب بها .
المعلم : حسناً
الصفحة 292 :
وهكذا تستمر تلك العملية بإشراف المعلم التعرف على خصائص الأشياء، وتسمية الأشياء، وتحديد خصائص الأشياء. ثم تحديد الأشياء التي تنتمي إلى نفس الفئة، وتحديد ما تتشابه فيه وما تختلف فيه. وهذا ما يسمى بالتصنيف.
وبالنسبة لتمركز الطفل حول ذاته فإن بإمكاننا أن نساعد الطفل في التخلص من تمركزه هذا حول ذاته وذلك بأن نقدم له خلال هذه الفترة أسئلة مثل :
هل تستطيع أن تذكر لي شيئين تمثلهما أنت في نفس الوقت كان يكون إبناً وأخاً وتلميذاً في نفس الوقت.
ثم نكرر له بعد ذلك مثل هذه الأسئلة في أشياء أخرى لا تتعلق به، ونتدرج بعد ذلك إلى أن نطرح له أسئلة تتعلق بأشياء غير إنسانية.
بعد ذلك يأتي دور السير العكسي أو المقلوبية فيمكن أن نحضر مجموعة من قطع النقود مثلاً – أو غيرها من الأمثلة العديدة التي تشكل في جوهرها تجارب لها قيمتها ودورها في مساعدة التلميذ على إدراك السير العكسي - ثم نعطي بعضاً منها لكل تلميذ، ويضع كل تلميذ نقوده أمامه. ثم نجمع قطع النقود من التلاميذ مرة أخرى ليعود بذلك عدد قطع النقود كما كان من قبل.
ویری "جيلمان" (Gelman) أن الطفل قبل سن المدرسة يكون غير قادر على إدراك ثبات العدد أو التطابق التام وذلك لأنه لا يستطيع فهم المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه التطابق التام وهو عملية العد. وعند إدراكه لعملية العد فإنه يستطيع أن يدرك التطابق التام وبالتالي يكون بإمكانه إدراك ثبات العدد. وهنا يمكننا أن تساعد أطفال الثالثة أو الرابعة على ذلك، وذلك عن طريق تدريبهم على القيام بعملية العد مما يساعدهم على إدراك عدد العناصر التي تتكون منها كل مجموعة أو حتى كل صف، مما يساعدهم على إدراك التطابق التام. ولكن يجب أن نبدأ تدريب الأطفال على عد العناصر التي تحتويها كل مجموعة بحيث تشتمل كل مجموعة على عدد صغير من العناصر لا يزيد عن أربعة أو خمسة عناصر، ثم تتدرج في عدد هذه العناصر حتى تصل إلى ثمانية أو عشرة عناصر وعن طريق التطابق التام يدرك الأطفال ثبات
الصفحة 293 :
العدد، إذ يكون بإمكاننا أن تستخدم في كل مجموعة عناصر ليست من نفس نوع العناصر التي تحتويها المجموعة الأخرى.
من الواضح أن التمثل والمواسعة من جانب الطفل تحدث في مثل هذه المواقف مما يسبب حدوث تعلم، وبالتالي تكون أبنية عقلية يتمثل فيها الطفل الأحداث الجديدة أو يقوم بمواءمة بعضها مع تلك الأحداث الجديدة ولكن ما الذي يتعلمه الطفل هنا؟
ومن الواضح أن الطفل يتعلم تصنيف الأشياء إلى فئات مختلفة تبعاً نصفة واحدة، أو عدة صفات. كما يدرك السير العكسي والتحولات التي قد تحدث وذلك خلال سلسلة من الأشياء أو الأحداث.
مما سبق يتضح لنا أن بإمكاننا أن نقوم بعملية إسراع (Accelerating) ينمو الطفل إلى المستوى العقلي التالي المستواه العقلي.
تم بحمد الله ...
الصفحة 294 :
المصادر والمراجع:
أرنوف. ويتيج مقدمة في علم النفس، ترجمة عادل عز الدين الأشول، وآخرون القاهرة دار ماكروهيل للنشر، 1977
اي جي وارد زورت نظرية بياجيه في الارتقاء المعرفي ترجمة ، فاضل محسن الأزيرجاوي، وآخرون، بغداد، وزارة الثقافة والاعلام : دار الشؤون الثقافية العامة الطبعة الأولى 1990
حامد عبد السلام زهران علم نفس النمو( الطفولة والمراهقة) القاهرة، عالم الكتب 2003
حسن حسين زيتون اختبار مراحل بياجيه للنمو العقلي الكويت دار القلم، 1984
راضي الوقفي، مقدمة في علم النفس عمان دار الشروق، الطبعة الثالثة، 2006
رجاء أبو علام، ونادية شريد.. الفروق الفردية وتطبيقاتها التربوية الكويت دار القلم 1989
رونال النغورت الطفل الطبيعي ترجمة فتحية السعودي، عمان، دار المدي الطبعة الأولى، 1995
سوزانا سیار، سيكولوجية اللعب، ترجمة : حسن عيسى الكويت عالم المعرفة العدد (120) 1987
صباح حنا هرمن ويوسف حنا إبراهيم علم النفس التكويني الطفولة والمراهقة الموصل، جامعة الموصل مديرية دار
الكاتب للطباعة والنشر الطبعة الأولى 1988
عادل عبد الله محمد النمو العقلي للطفل القاهرة الدار الشرقية، الطبعة الثاني1992.
عبد المجيد نشواتي علم النفس التربوي بيروت مؤسسة الرسالة 2010
غسان يعقوب،( تطور الطفل عند بياجيه)، بيروت الشركة العالمية الكتاب، الطبعة الثانية، 1994
فاروق الروسان أساليب القياس والتشخيص في التربية الخاصة عمان دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع2011.
فاروق الروسان، مقدمة في الإضطرابات اللغوية الرياض دار الزهراء، الطبعة الأولى، 2000.
فاروق عبد الفتاح موسى النمو النفسي في الطفولة والمراهقة، القاهرة مكتبة النهضة المصرية، الطبعة الأولى، 2001
قلمي مصطفى الزيات الأسس المعرفية للتكوين العقلي وتجهيز المعلومات المنصورة، الطبعة الأولى 1995.
فؤاد أبو حطب وسيد أحمد عثمان القياس النفسي القاهرة مكتبة الأنجلو المصرية، 2004
کمال سلام سيسالم موسوعة التربية الخاصة والتاهيل النفسي العين دار الكتاب الجامعي الطبعة الأولى 2002
الندال دافيدوف مدخل علم النفس، ترجمة: سيد الطواب، وآخرون القاهرة الدار الدولية للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة، 1997.
مارجريت في مارتن الإحساس والإدراك ترجمة أروى العامري، عمان، الجامعة الأردنية : عمادة البحث العلمي، الطبعة
2000 الأولى
محمد جهاد جمل العمليات الذهنية ومهارات التفكير من خلال عمليتي التعلم والتعليم، العين، دار الكتاب الجامعي الطبعة الأولى 2001
الصفحة: 302
محمد عماد الدين اسماعيل الطفل من الحمل إلى الرشد الاربن دار الفكر ناشرون وموزعون الطبعة الأولى 2010
عودة الريماري، في علم نفس الطفل، عمان، دار الشروق، الطبعة الأولى 2003
موفق الحمداني، واخرون قراءات في نظريات التعلم مترجمة بغداد وزارة الثقافة والاعلام دار الشؤون الثقافية العامة
الطبعة الأولى1989.
محي الدين توق، وعبد الرحمن عدس أساسيات علم النفس التربوي عمان مركز الكتب الأردني، الطبعة الأولى، 1990.
هنري ماير، ثلاث نظريات في نمو الطفل ترجمة : هدى محمد قناوي القاهرة مكتبة الأنجلو المصرية 1992
- James W. Vander Zanden, Human Development, New York, MCGraw-hill, Fifth Editon, 1993, -Robert S. Fledman, Understanding Psychology, New York, McGraw-Hill Fourth Edition, 1996.
المراجع والقراءات الإضافية
أحمد زكي صالح، علم النفس التربوي القاهرة، دار المعارف الطبعة السادسة عشر، 1992
برنار فوارو نمو الذكاء عند الأطفال ترجمة : منيرة العصرة القاهرة مكتبة النهضة المصرية 1976
جابر عبد الحميد جابر علم النفس التربوي القاهرة دار النهضة العربية، 1982
جان بياجيه التطور العقلي لدى الطفل، ترجمة : سمير على بغداد الطبعة الأولى 1986
جان بياجيه اللغة والفكر عند الطفل، ترجمة: أحمد عزت راجح وأمين مرسي قنديل القاهرة مكتبة النهضة المصرية. الطبعة الثانية 2001
جان - ماري دول من فرويد إلى بياجيه نحو بلورة عناصر مقاربة مدمجة للوجدان والذكاء، ترجمة عليمي الحاج وعلى الفرقار، بيروت، دار الطليعة للطباعة والنشر الطبعة الأولى، 1998.
جون كونجر، وآخرون، سيكولوجية الطفولة والشخصية، ترجمة : أحمد عبد العزيز سلامة، وجابر عبد الحميد جابر. القاهرة، دار النهضة العربية 1996
رجاء محمود أبو علام، علم النفس التربوي الكويت دار القلم الطبعة الرابعة 1986
روت بيردجان بياجيه وسيكولوجية نمو الأطفال ترجمة : قبولا البيلاوي القاهرة مكتبة الأنجلو المصرية 1977.
عبد الجيد سيد أحمد منصور، وآخرون علم النفس التربوي الرياض مكتبة العبيكان الطبعة الثالثة 2000
فؤاد أبو حطب القدرات العقلية القاهرة مكتبة الأنجلو المصرية 2015
فؤاد أبو حطب وأمال صادق علم النفس التربوي القاهرة مكتبة الأنجلو المصرية، الطبعة الثانية 1980
محمد رفقي عيسى جان بياجيه بين النظرية والتطبيق القاهرة، دار المعارف، 1981.
محمد عودة الريداوي، سيكولوجية الفروق الفردية والجمعية في الحياة النفسية، عمان، دار الشروق، الطبعة الأولى 1994.
الصفحة: 303
Drew Western, Psychology (Mind, Brain, and Culture), New York, John Wiley and sons, 1996.
David G. Myers, Psychology, New York, Worth Publishers, Fifth Edition, 1998.
Jane S. Halonen, and John W. Santrock, Psychology (Contexts of Behavior), New York, Mc. Graw-Hill, 1996.
Janet A. Simons, and Other, Human Adjustment, New York, Brown and Benchmark, 1994.
Karen Hufiman, and Others, Psychology In Action, New York, John Wiley, Fourth Editon, 1997.
-Laure E. Berk, Develpment Through the Life Span, New York, Allyn and Bacon, 1998.
Neil R. Carison, and William Buskist, Psychology (The Science of Behavior), New York Allyn and Bacon, Fifth Edition, 1997.
Norman A. Sprinthall, and others, Educational Psychology (A developmental Approach), New York. McGraw-Hill, Sixth Edition, 1994.
Robert. I. Watson, and Rard B. Evans, The Great Psychologists (A History of Psycho-logical Thought), New York, Harper Collins Publishers, Fifth Edition, 1991.
Robert J. Sternberg, Psychology (In search of The Human Mind), New York. Harcourt College Publisher, Third Edition, 2001.
Wayne Weiten, Psychology (Themes and Variations), New York, Brooks/Cole Publishing
Company. Third Edition, 1995.
الصفحة: 304
خاتمة
وبعد :
نلاحظ مما سبق، وبعد هذه الرحلة - التي أتمنى أن تكون شيقة وممتعة أن الخوض في مجال النمو المعرفي يحتاج إلى مهارة ودراية كافية في سيكولوجية النمو بشكل عام وسيكولوجية الطفل بشكل خاص.
وفي النهاية أتمنى من القارىء الكريم أن لا يبخل علينا بملاحظاته حول محتوى هذا الكتاب، لتكون الطبعة الثانية منه أكثر عمقاً وأكثف مادة علمية.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.