‎التدريس المتمركز حول المتعلم خمسة تغيرات أساسية في عملية التدريس

المؤلف: ماريلين وايمر

التصنيف: الديداكتيك

عرض PDF

الوصف:

 ماريلين وايمر، التدريس المتمركز حول المتعلم خمسة تغيرات أساسية في عملية التدريس، ترجمة رشا صلاح الدخاخني، مراجعة محمد فتحي خضر، مؤسسة هنداوي سي آي سي، 2017.


الجزء الأول :أساسيات التدريس المتمركز حول المتعلم ‏



الفصل الأول‎:‎‏ التدريس المتمركز حول المتعلم: الجذور والأصول

   يحكي هذا الفصل قصتين؛ فهو يسرد كيف صرتُ معلمة تتبع أسلوب التدريس المتمركز حول المتعلم، ويعرض نبذة سريعة عن أصل الأفكار الخاصة بهذا النوع من التدريس وتاريخها. تبدأ قصة التدريس المتمركز حول المتعلم قبل فترة طويلة من جهودي المبذولة في سبيل التركيز على تعلُّم الطلاب. وتعتمد الأساليب التي بدأتُ أستعين بها على مجموعة من النظريات التربوية بعضها حديث نسبيًّا والبعض الآخر راسخ وقديم. وهذه النظريات تساعد في تفسير السبب في أن هذه الطريقة في التدريس تُشجّع على التَّعلُّم وتشرح كيفية قيامها بذلك. إنَّ الإلمام بهذه النظريات يُسهل تحديد ما إذا كانت هذه الفلسفة التدريسية تتناسب مع المعتقدات التربوية السائدة حاليًّا، أو ما إذا كان التدريس باستخدام هذه الأساليب سيُمثل تغييرا في الفلسفة التربوية. كما يُقدِّم الإطار النظري معايير يُمكن استخدامها لتقييم مدى فاعلية هذه الأساليب عند تطبيقها. وفي النهاية، يُسهل الاطِّلاعُ على النظريات تعقب أصل خطوط البحث المتنوعة التي يستعرضها الفصل الثاني. 

   ويتسم التداخل بين قصتي وهذه النظريات بالمتعة والتشويق؛ فأنا لم أبدأ مشواري المهني وأنا أطمح في أن أصير معلمة تتبع طرق التدريس المتمركز حول المتعلم، بل لم أدرك حتى أنَّ التغييرات التي كنتُ أُطبقها يمكن أن تندرج تحت هذا الاسم. فكما هي الحال مع الكثير من أعضاء هيئات التدريس ممَّن هم في منتصف مشوارهم المهني، كنتُ أبحث عن أفكار جديدة، وكان جزء من السبب يُعزى إلى حاجتي إلى التطور والتغيير، بينما يُعزَى الجزء الآخر إلى أنَّ الكثير مما رأيته داخل قاعات الدراسة بدا أنه غير فعال إلى حد كبير. وقد اخترتُ الأفكار التي راقت لي، والأفكار التي ظننتُ أنَّ بإمكاني إنجاحها، واستغرقتُ بعض الوقت قبل أن ألاحظ أن الأساليب التي كنتُ أستخدمها تجمعها خصائص مشتركة؛ بل واستغرقتُ وقتا أطول قبل أن أكتشف أن ما أقوم به يرتكز على أسس نظرية قوية. وحالما اكتشفت هذه الأمور، شعرت أنني مُحقَّة فيما أفعل. فما كان يحدث داخل قاعة الدراسة خاصَّتي لم يكن ضربة حظ؛ إذ استجاب الطلاب بالطريقة التي استجابوا بها لأسباب وجيهة، ولكن ليست هذه النقطة التي تبدأ عندها قصتي.

فيما يلي أسرد قصتي، وأضرب أمثلة توضّح أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم، وتعطي هذه الأمثلة بعض الرؤى بخصوص الكيفية التي يمكن بها تعريف هذا النوع من التدريس. كما أنني أُلقي الضوء على كل جانب من الجوانب الخمسة التي طبقت فيها التغييرات، وهذه الجوانب هي موضوع فصول الجزء الثاني، وهي محور ما أستعرضه حول هذا النوع من التدريس يلي عرض قصتي مناقشة النظريات، وتتضمن تلك المناقشة أمثلة أيضًا؛ وبهذا، فهي تُوفّر سياقا محددًا للنظريات، وتُسهل قليلا تحديد إطار عام للتدريس المتمركز حول المتعلم مُستخلص من النظريات المتنوعة.

 (1)قصتي مع التدريس المتمركز حول المتعلم

كما هو الحال مع معظم الدروس المهمة في الحياة، كان ما توصلت إليه من معتقدات متعلقة بالتدريس المتمركز حول المتعلم نتاجا لمجموعة أحداث وتجارب وليدة الصدفة، ويتّسم أهمها بأنها متداخلة ومتضافرة للغاية؛ بحيث إنَّ سردها بأسلوب تداعي الذكريات سيصف كيف حدثت على نحو أكثر دقة. ومع ذلك، سأسرد كلا منها على حدة؛ بهدف الحفاظ على عنصر الترابط

(1-1)الأحداث والتجارب: أمور حفزت التغيير

بدأ التحوُّل الخاص بي عام 1994 ، عندما عُدت إلى قاعة الدراسة لتدريس المواد الأساسية للطلاب الجدد؛ وذلك بعد عدة سنوات من العمل على تنمية مهارات أعضاء هيئات التدريس ومشروعات الأبحاث التعليمية والتدريس لطلاب السنوات النهائية والدراسات العليا من آن لآخر. كانت هذه إحدى النقلات التي قمت بها في منتصف مشواري المهني، والتي حفزها إدراك أنَّ وقت إنجاز المهام لم يعد غير محدودٍ كما كان يبدو. وبينما أخذتُ أُعيد حساباتي وأحاول أخذ قرار بشأن ما أريد القيام به فيما تبقى من مشواري المهني،

الصفحة 22

اتَّضح لي أن أهم عمل قمت به وكان أكثر إرضاء لي على المستوى الشخصي هو ذلك العمل ، قمتُ به داخل قاعة الدراسة؛ ولذا قررتُ أن أعود مجددًا لأنهي مشواري المهني كما بدأته بالتدريس للطلاب الجامعيين. وقد عدتُ تحدوني رغبة في التدريس بطريقة مختلفة؛ رغم أنه لم تكن لدي أفكار واضحة للغاية بشأن ما كان يسود طريقة تدريسي أو الطريقة التي أردتُ بها إحداث تغيير. انشغلت أكثر بالتفكير في الطلاب وحقيقة أن افتقادهم إلى الثقة بأنفسهم يمنعهم من أن يُبلوا بلاء حسنا في مقررات مادة التواصل اللفظي الأساسية التي أُدرسها لهم. كان الطلاب بحاجة إلى تخطي الشعور بعدم الثقة بالنفس والارتباك والخوف من الفشل؛ ليصلوا إلى مرحلة طرح الأسئلة داخل قاعة الدراسة والمشاركة في إحدى المجموعات، والتحدث بسلاسة وترابط أمام الأقران وخطر لي أنني يُمكن أن أُعالج المشكلة عن طريق منح الطلاب إحساسًا أكبر بالسيطرة والتحكم. فماذا لو قدَّمتُ لهم بعض الاختيارات وتركتُهم يتخذون بعض القرارات بشأن عملية تعلُّمهم ؟

  وفي أول فصل دراسي لي بعد عودتي إلى التدريس داخل قاعات الدراسة، قررتُ أن أُجرب هذا الأسلوب في محاضرتي الصباحية. صممت مقررا دراسيا للمبتدئين حول التحدث أمام الجمهور يحتوي على واجب إجباري واحد فقط؛ ألا وهو واجب «إلقاء خطبة» الذي يهابه الجميع فيجب أن يُلقوا خطبةً واحدةً على الأقل. أما باقي المقرر الدراسي فيُقدِّم لهم تشكيلة متنوعة من خيارات الفروض الدراسية، مثل: تصميم سجل سير التعلم، وتنفيذ مشروعات جماعية مختلفة الأنواع، والحصول على درجات إضافية للمشاركة وتحليلها، ونقد الأقران وعقد مقابلة شخصية أو الخضوع لها أو القيام بكليهما، والاختبارات التقليدية المعتمدة على أسئلة الاختيار من متعدد. يشتمل الملحق الأول الوارد في نهاية الكتاب على نسخة من خطة هذا المنهج الدراسي، كما يُمكنك أن تلاحظ في هذا الملحق؛ فلكل فرض دراسي قيمة محددة تُقاس بالنقاط؛ فهو ليس مجرد فرض يؤديه الطالب للحصول على الدرجة النهائية وحسب. وبإمكان الطلاب أن يختاروا حل العدد الذي يرغبونه من الواجبات الدراسية، كَثُر هذا العدد أم قل؛ وذلك استنادا إلى التقدير الذي يرغبون في الحصول عليه في تلك المادة. وكل واجب من هذه الواجبات الدراسية مرتبط بتاريخ . لتقديمه؛ وبمجرد انقضاء هذا التاريخ، لا يمكن تقديم ذلك الواجب.

الصفحة 23

خلال أول يومين، كان الطلاب مرتبكين تمامًا. أتذكر حوارًا دار مع أحد الطلاب حول ما إذا كانت الاختبارات إجبارية . قال لي: «يجب أن تكون إجبارية؛ فإذا كانت الاختبارات اختيارية، فلن يخضع لها أحد.» فأجبت: «بالتأكيد سيفعلون؛ فالطلاب بحاجة إلى درجات لاجتياز المادة. رد قائلا: ولكن ماذا سيحدث لو لم أخضع للاختبارات؟» قلت: «حسنًا، عليك بحل الواجبات الدراسية الأخرى، وستحصل بهذه الطريقة على درجاتك.» فسأل: ولكن ماذا سأفعل في أيام الاختبارات؟ فقلت: «نَمْ!» قال بعض الطلاب إنه لم يكن في استطاعتهم تحديد أي من الواجبات الدراسية ينبغي لهم تأديته، وطلبوا مني أن أتخذ القرار نيابة عنهم، بل إن كثيرًا منهم أرادوا مني الموافقة على مجموعة الواجبات الدراسية التي اختاروها. 

وحالما مرَّت مرحلة الارتباك بسلام، فوجئتُ بما حدث خلال بقية الفصل الدراسي. لم يكن لدي سياسة لمتابعة الحضور والغياب، ولكنني حظيت بمعدل حضور أفضل من أي فرقة دراسية أخرى يُمكنني تذكَّرها. بدأ المزيد من الطلاب (ليس جميعهم، وإنما معظمهم) العمل بك في وقت مبكر من دراسة المادة، وأعلن بعض الطلاب بإصرار شديد أنهم سيؤدون كل الواجبات الدراسية إذا كان هذا ما يلزم للحصول على درجات كافية لنيل تقدير ممتاز اندهشت من هذا التغيير في موقف الطلاب يا للعجب! أيوجد طلاب راغبون في العمل وبلا شكوى؟ استمرَّ مستوى الطاقة العالي والحس التفاؤلي اللذين لاحظتهما على الطلاب في الغالب خلال الأيام القليلة الأولى من مدة دراسة المادة، وحتى حين بدأ الضغط في الفصل الدراسي. كان هؤلاء الطلاب أكثر انخراطا ومشاركة؛ حيث إنهم كانوا يطرحون الأسئلة بصفة دورية، ويواصلون النقاش لوقت أطول، وفي النهاية كانوا يختلفون في الرأي معي ومع طلاب آخرين على نحو فاق الطلاب المستجدين الآخرين على قدر ما أتذكر كلا ، لم يكن الأمر أشبه بالوصول بالعملية التعليمية إلى حالة مثالية حالمة، بل ظلت هناك إخفاقات في الوفاء بالمواعيد النهائية لتسليم الواجبات، وأعمال دون المستوى، واختيارات تعليمية متواضعة، إلا أن كل هذه الأمور حدثت بوتيرة أقل. كنتُ بصدد التوصل إلى شيء ما بالتأكيد، ومن ثَمَّ قررتُ أن أواصل التجربة على تلك الفرقة.

 في تلك الفترة، طلب مني مراجعة مسوَّدة كتاب لبروكفيلد (1995) بتعاقد مع دار نشر جوسيباس، وبعد ذلك نشر الكتاب تحت عنوان «كيف تصبح معلما ذا تفكير نقدي؟» وهو الكتاب الذي أشير إليه في كل عمل أُؤلفه.. عدد قليل من الكتب التي قرأتها 

الصفحة 24 

قبله أو بعده كان له مثل هذا التأثير البالغ على تفكيري التربوي. في البداية اكتشفت مقدار ما يمكن للمرء أن يتعلمه بخصوص طريقته في التدريس؛ وذلك عن طريق ممارسة التأمل النقدي؛ حيث يصف بروكفيلد طرقًا تُتيح للمعلمين تحليل الممارسات المرتبطة بعملية التدريس؛ بحيث يمكنهم تحديد الافتراضات التي تستند إليها بكل وضوح. ومنذ ذلك الحين، تعلمت الكثير جدًّا من تربويين آخرين في مجال تعليم الكبار يدرسون ويصفون ويُشجعون هذا النوع من التأمل النقدي وما ينتج عنه عادةً من تعلم تحويلي (ميزيرو وزملاؤه، 2000؛ وكرانتون، 6200) . وسأناقش نظرية التَّعلُّم التحويلي، ضمن نظريات أخرى، في موضع لاحق من هذا الكتاب. ولكن كان بروكفيلد أول من مكنني من الإمساك بمرآة لرؤية الطريقة التي أتبعها في التدريس والصورة التي رأيتُها لم أكن أتوقعها على الإطلاق؛ إذ كانت بعيدة تماما عن الإطراء. 

رأيتُ في تلك المرآة معلمة مستبدة ومتسلطة تُدير كلَّ شيءٍ تقريبا يحدث داخل قاعة الدراسة. كنتُ أتخذ جميع القرارات، وأفعل ذلك دون الاكتراث كثيرا بتأثير هذه القرارات على تعلم الطلاب وتحفيزهم. ونظرًا لأنني كنت تقريبًا مُركّزة تماما على عملية التدريس في حد ذاتها، فقد خلقتُ بيئة تعليمية داخل قاعة الدراسة تستعرض براعتي في التدريس. وهكذا، كانت عملية تعلُّم الطلاب تحدث من تلقاء نفسها وحسب؛ باعتبارها نتاجا لتفاني في التدريس الفائق المستوى وبصرف النظر عن الموضع الذي وجهتُ إليه المرآة، لم أكن أرى أحدًا مطلقا . سوى شخص المعلمة.

قبل قراءة كتاب بروكفيلد، كنت أُجرب بعض الاستراتيجيات الجديدة المثيرة للاهتمام؛ أما بعد قراءته، فقد حاولت أن أغير المعلمة ذاتها. وقد اتضح أن إعادة صياغة المقرر الدراسي أسهل كثيرًا من «إصلاح طرق التدريس المتمركز حول المعلم التي كنت أتبعها بحذافيرها. ونجح فلاخمان (1994) في وصف ما كنتُ أشعر به بالضبط حينها عندما قال:

أشعر بالإحراج قليلا حين أخبرك أنني اعتدت الشعور بالرغبة في تلقي الإشادة بما لدي من رؤى وأفكار ذكية داخل قاعة الدراسة. ولقد بذلت جهدًا كبيرًا لأتعلم هذه الحقائق ... كنتُ أرغب في داخلي، أن ينظر إلى طلابي نظرة تبجيل وإجلال. أما الآن فإنني أومن بأن العكس ينبغي أن يحدث؛ أي ينبغي أن يكون كل طالب هو مصدر المعرفة ومالكها، وأن يكون هدفنا الرئيسي باعتبارنا

الصفحة 25

معلمين أن نساعد طلابنا على اكتشاف أهم الحلول وأدومها، لمشكلات الحياة داخل أنفسهم. وحينئذٍ فقط يكون في مقدورهم أن يمتلكوا حقا المعرفة التي نتقاضى أجرًا نظير تعليمهم إياها [ص2].

  وفيما يلي يوضح معلمٌ مُحنَّكَ آخَر هذه النقطة قائلًا: «أصبحتُ أُدرك أن الأمر لا يرتبط بحجم معرفة الطلاب، وإنما يرتبط بما يمكنهم القيام به. وعلى المنوال نفسه، فالتدريس لا يرتبط بما أعرفه، وإنما بما أُمكِّن الآخرين من القيام به» (فيلبس، 2008، ص2). كان لحدث آخر أثناء هذه الفترة تأثير قوي أيضًا على طريقة تفكيري؛ فعلى مدار سنوات، كان زوجي مايكل، يرغب في بناء قارب خشبي. وقد يجمع الكتب ويشتري الرسومات التوضيحية، واشترك في مجلة «وودين بووت»، وكان يشاهد بتمعن برنامج «كلاسيك بووت» على شاشة التليفزيون، حين كان يُذاع على قناة سبيد فيجن. بعد ذلك اشترينا قطعة أرض على إحدى الجزر، وخطَّطنا لبناء منزل عليها، وكنا بحاجة إلى قارب كبير الحجم يكفي لنقل المؤن والمعدات إلى الموقع. ومع تسلحه بمجموعة من الرسومات التوضيحية الأولية (اختيرت بعد معاينة المئات)، بدأ مايكل بناء هيكل القارب الخشبي. تسللت كلمات جديدة لقاموس مفرداته؛ فكان يُثرثر على العشاء عن العوارض الخشبية، وشكل الزوايا المنحنية لمقدمة القارب والحواف الجانبية، ورافدة القص، والألواح الطولية. بعد ذلك، غطى هيكل القارب بطبقة خشب رقائقي ضد المياه، وهو شيء لا يُحصل عليه بسهولة في وسط ولاية بنسلفانيا غير الساحلية. اجتمع الحيُّ بأكمله ليساعد في قلب هيكل القارب ثم حان الوقت لتشييد الأرضية وتصميم غرفة القيادة وتجديد المحرك. كانت كل خطوة يصحبها تعلُّم مجموعة جديدة تمامًا من المهام. وخلال الأمسيات، كان يُشاهد شرائط الفيديو التي توضّح تقنيات الألياف الزجاجية، وفي كل. يوم يظهر كتالوج جديد للإمدادات البحرية في صندوق الرسائل الإلكترونية الواردة.

 وبعد ساعات من العمل امتدَّت على مدار شهور ظهرت «سفينة نوح»؛ وهي عبارة عن قارب خشبي طوله سبعة أمتار على شاكلة القوارب البخارية الطويلة. كان للقارب هيكل أبيض اللون، أملس السطح، وخط رائع الشكل، أصفر اللون، وغرفة قيادة مصنوعة بإتقان من خشب الدردار، ويُزوّده بالطاقة محرك طراز ميركروزر تم تجديده بالكامل، إلا أنه لا يتسم بالكفاءة في استهلاك الوقود. علا القارب صفحة المياه في سلاسة، وتهادى فوق السطح في نعومة، وشقّ طريقه عبر قمم الأمواج البيضاء اللون وفوق المياه المائجة

الصفحة 26

بثبات وثقة، وسحب بثقةٍ مَركبًا كبيرًا محمَّلًا بشحنات من مواد البناء؛ لافتا الأنظار دوما عند انطلاقه على مرأى من الجمهور. وقد تجرأ أحدهم على سؤال زوجي قائلًا: «من أين حصلت على ذلك القارب؟» وكان زوجي يُجيب، وهو عاجز عن إخفاء نبرة التفاخر في صوته، قائلا: «بنيتُه بنفسي.» 

لقد استغرق بناء قارب خشبي وقتًا ومالاً أكثر مما كنتُ أتخيل. وإلى جانب تلك المفاجآت، اندهشت من الثقة التي تعامل بها زوجي مع المهمة من أين جاءته هذه الثقة؟ ما الأساس الذي ارتكز عليه ؟ لم يبن زوجي قاربًا من قبل قط؛ أجل، لقد بنى منازل، وصمم أثاثا، ولكنه لم يبن قاربًا. وبينما كان المشروع يُحرز تقدما وكانت النفقات المقيدة على بطاقة الائتمان تتزايد شعرتُ أنه من الحكمة - من الناحية المالية – أن أتساءل بصفة شهرية تقريبًا قائلة: «هل تعرف ما الذي تقوم به؟» «هل سيكون فعلا قاربا يُمكننا استخدامه؟» وظلت إجابته واحدةً دائمًا: «كلا ، لا أعرف ما الذي أقوم به، ولكنني أتعلم. بالتأكيد سينتهي الأمر. إننا بحاجة إلى قارب، أليس كذلك؟» ثَمَّةَ مُفارقة لم تَفْتْني، بل إنها في الواقع أزعجتني؛ فمايكل خريج جامعي؛ حيث إنه حصل على درجة علمية في الهندسة الصناعية في أوائل الثلاثينيات من عمره، وبالنسبة إليه لم تكن الدراسة الجامعية تجربةً طورت إحساسه بالثقة بنفسه كمتعلم. في الواقع، لقد حدث العكس تمامًا؛ إذ تخرج في الجامعة وهو يتملكه شعور بأنه أفلت بشق الأنفس، وشعور بالإحباط الشديد حيال ما تعلمه وإحساس بالتوتر بسبب الظروف التي كان يُتوقع منه أن يتعلم في ظلها؛ فهو يعزو الفضل في تطوير ثقته بنفسه إلى والده. وضايقني أن تجربته في الجامعة شككته في إيمانه فيما كان باستطاعته القيام به. ينبغي أن تكون الجامعة مرحلة ومكانا يتيحان للطلاب تنمية مهارات التَّعلُّم التي يرتكز عليها الشعور بالثقة. 

  وفي أثناء التفكير مليا، حاولتُ أن أتخيَّل مَن مِن طلابي قد يكون لديه استعداد ليتعامل مع مشروع تعليمي مُعقَّد يعرف عنه القليل. لم يخطر على بالي أحد. لم أر في طلابي أو في نفسي إحقاقًا للحق، شيئًا يُشبه الثقة والمثابرة اللتين واجه بهما زوجي حاجته لتعلم كيفية بناء قارب خشبي. وهذا قادني إلى التفكير في نوعية التجارب المتاحة داخل قاعة الدراسة التي من شأنها أن تُنمي هذه الثقة بالنفس، وتنمي مهارات التعلم المتطورة هذه. لم أستطع الإجابة عن ذلك السؤال على الفور، ولكنني صرت مقتنعةً

الصفحة 27

فعلا بأن إحدى مهامي بصفتي معلمة . هي تنمية مهارات التعلم وتنمية الثقة بالنفس لاستغلال هذه المهارات.

  إن تحديد ذلك الهدف غير من طريقة تفكيري حيال العديد من الجوانب الخاصة بعملية التدريس؛ فبدأت أرى محتوى المقرَّر الدراسي من زاوية مختلفة. لقد تحول من كونه غاية إلى كونه وسيلة، وتغيَّر من كونه شيئًا أقوم بتغطيته إلى شيء أستعين به لتنمية مهارات التعلم وتنمية الوعي بعمليات التَّعلُّم. توقفت عن افتراض أن الطلاب كانوا يتعلمون كيف يَشتقُون الأمثلة، ويطرحون الأسئلة، ويُفكِّرون بطريقة نقدية، ويكتسبون عددًا كبيرًا من المهارات الأخرى عن طريق ملاحظتهم لي وأنا أقوم بذلك. فإذا كان للطلاب تنمية هذه المهارات، فعليهم أن يكونوا هم من يمارسونها ؛ وليس أنا. كما رأيتُ التقييم بوصفه أكثر من مجرَّد آلية تُنتج التقديرات الدراسية؛ فقد صار موضعا فعالا لتعزيز عملية التعلم وتنمية مهارات التقييم الذاتي وتقييم الأقران.

  وهكذا، بينما استمر تحول طريقة تدريسي نحو التدريس المتمركز حول المتعلم، أدركت مدى ضآلة ما أعرفه حقا عن التَّعلُّم. لقد عرفني كتاب بروكفيلد، المستند إلى عدد من المراجع الجيدة بجميع أنواع المصادر الجديدة. وفي الوقت نفسه، انتشر الاهتمام بالتَّعلُّم في مرحلة التعليم العالي انتشارًا سريعًا. لوهلة بدا الأمر تقريبا وكأنَّ التَّعلُّم قد اكتشف أو ربما أُعيد اكتشافه من جديد كانت هناك مطبوعات من شتى الأنواع متاحة للقراءة، وقد قرأتُها بطريقة غير منظمة تاركة أحد المصادر يقودني إلى مصدر آخر وبينما كنتُ أتعلم المزيد عن عملية التَّعلُّم اكتشفت أن الأساليب الجديدة التي كنتُ أتبناها ترتكز على مجموعة متنوعة من النظريات التربوية، وأن الكثير منها تدعمه أبحاث علمية.

(2-1) تنظيم معرفتي

  لم أُجرب تنظيم خليط الاستراتيجيات وأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم التي كنت أُطبقها حتى بدأت العمل على الطبعة الأولى من هذا الكتاب كان هذا هو التوقيت الذي لاحظت فيه أنه يمكن جمع تلك التغييرات حول خمسة جوانب أساسية خاصة بممارسة مهنة التدريس. وظلت تلك الجوانب الخمسة تُنظّم طريقة تفكيري حيال التدريس المتمركز حول المتعلم. وفي كلُّ من الطبعة الأولى وهذه الطبعة ثَمَّةَ فصل واحد مُخصَّص لكل

الصفحة 28

جانب من هذه الجوانب. وأعتبر هذه الفصول الخمسة جوهر عملي في موضوع التدريس المتمركز حول المتعلم.

 ونظرا لأن هذه الجوانب الخاصة بعملية التدريس محورية للغاية، فإنها تستحق الآن أن تُفرد لها مقدمة خاصة. أبدأ بالكيفية التي يُغيّر بها التدريس المتمركز حول المتعلم من دور المعلم». لم أبدأ بهذا الفصل في الطبعة الأولى، ولكني أفعل ذلك في هذه الطبعة لسببين؛ أولا : هذا موضع جيد للبدء من عنده؛ لأنه أمر منطقي بالنسبة إلى أعضاء هيئات التدريس؛ فطرق التدريس التي تُشجّع عملية التَّعلُّم ليست تلك الطرق التي تُخبر الطلاب باستمرار بما ينبغي لهم أن يفعلوه وما ينبغي لهم أن يعرفوه، وإنما هي الطرق التي تُشجّع عملية التَّعلُّم عن طريق تيسير اكتساب المعرفة؛ فلا يستطيع أحد أن يضطلع بمهمة التَّعلُّم الصعبة والمعقدة سوى الطلاب أنفسهم. وثانيًا: أبدأ من هذا الموضع لأن تغيير دور المعلم هو أمر محوري ذو أهمية بالغة. لست متأكدة من كونه أول شيء يجب تغييره؛ إلا أنه لا يُمكن إحداث أي تغيير آخر إذا بقي دور المعلم على حاله. وأكرر أن هذا الأمر ذو أهمية بالغة؛ لأنه على الرغم من أن هذا التغيير قد يسهل قبوله على المستوى الفكري، فقد اكتشف معظمنا أن تيسير عملية التعلم داخل قاعة الدراسة ليس أمرًا بسيطًا على الإطلاق؛ ومن ثمَّ يُطرح هذا الأمر أمام المعلمين مجموعة من التحديات المتواصلة. 

يتطلب تغيير «توازن السلطة» داخل قاعة الدراسة قدرًا أكبر من المرونة على مستوى المفاهيم. . تُعد سُلطة المعلم أمرًا مسلما به؛ فهي من البديهيات لدرجة أن معظم المعلمين لا ينتبهون إلى ذلك الأمر. وسواء أيُدركون ذلك الأمر أم لا يُدركونه، يبذل المعلمون جهدًا هائلا للسيطرة على عمليات التَّعلُّم الخاصة بالطلاب؛ فهم يُقررون ما سيتعلمه الطلاب وكيف سيتعلمونه، ويُحددون الإيقاع، ويُهيئون الظروف التي في ظلّها تحدث عملية التعلم، ويُنظمون انسياب عملية التواصل داخل قاعة الدراسة، وفي النهاية يُمنحون شهادةً تُبرهن على ما إذا كان الطلاب قد تعلموا جيدًا، ومدى جودة التعليم الذي تلقوه. إذن، ماذا يتبقى للطلاب لكي يُقرروه؟ من قبيل المفارقة أن ما تبقى للطلاب هو أهم قرارٍ على الإطلاق؛ ألا وهو أن يُقرّر الطلاب إن كانوا سيتعلمون أم لا. وعلى الرغم من أن المعلمين لا يستطيعون أن يضمنوا نتائج التَّعلُّم، فإنَّ بإمكانهم أن يؤثّروا بإيجابية على تحفيز الطلاب لكي يتعلموا؛ وذلك حين يمنحون الطلاب قدرًا من السيطرة والتحكم في عملية التعلُّم. والتحدي

الصفحة 29

   الماثل أمام المعلمين الذين يتبعون التدريس التمركز حول المتعلم، هو العثور على هذه الاستراتيجيات التي تتيح للطلاب الإمساك بزمام الأمور وتحمُّل المسئولية، بما يتناسب مع قدرتهم على التعامل مع الأمر . إن الهدف وراء اتباع هذا النوع من التدريس هو إعداد طلاب ليُصبحوا متعلمين يتسمون بالاستقلالية وتوجيه وتنظيم الذات.

   تبرز وظيفة المحتوى» بوصفها العائق الأقوى أمام التغييرات الرامية إلى جعل عملية التدريس متمركزة أكثر حول المتعلم؛ فالمعلمون لديهم قدر كبير من المحتوى ينبغي لهم تغطيته، وعندما يعمل الطلاب على محتوى جديد وغير مألوف بالنسبة إليهم، فهم لا يُغطونه بالقدر نفسه من الكفاءة مثل أعضاء هيئات التدريس. لا تزال المقررات المتمركزة حول المتعلم تحتوي على قدر كبير من المحتوى، ولكنَّ المعلمين هنا «يُوظفون» المحتوى بدلا من تغطيته؛ وهم يُوظّفونه - كما اعتادوا دوما - لتنمية القاعدة المعرفية، ولكنهم يوظفونه أيضًا لتنمية مهارات التَّعلُّم التي سيحتاجها الطلاب على مدار حياتهم التعليمية. إن تسليح الطلاب بمهارات التَّعلُّم يتيح لهم تعلُّم المحتوى معتمدين على أنفسهم، وأحيانًا يكون هذا أثناء دراسة المادة نفسها أو بعد الانتهاء من دراستها عادةً.

   يشرع المعلمون الذين يتبعون طرق التدريس المتمركز حول المتعلم، في إحداث التغييرات التي تجعل الطلاب يتحملون قدرًا أكبر من «المسئولية تجاه عملية التعلم»؛ فهم يعملون على خلق أجواء باعثة على التَّعلُّم، ويُحافظون على تلك الأجواء، سواء أجتمع الطلاب داخل قاعة الدراسة أم عبر شبكة الإنترنت ! لقد صار المعلمون والطلاب يعتمدون كثيرا على التحفيز الخارجي للدفع بعملية التَّعلُّم إلى الأمام. فالطلاب يؤدُّون المهام من أجل الحصول على الدرجات والتقديرات الدراسية؛ لأنهم سيخضعون للاختبار، أو لأن ثُمَّةَ نوعا آخر من المتطلبات الدراسية التي تستلزم ذلك. ومن دون أساليب الترغيب والترهيب هذه، تتوقف الأنشطة التعليمية بالتدريج. من ثَمَّ، يجب أن يُوجه الطلاب نحو التَّعلُّم بطريقة مختلفة؛ لذا يُتيح المعلمون الذين يتبعون طرق التدريس المتمركز حول المتعلم للطلاب فرصةً خوض عواقب القرارات التي يتخذونها حيال عملية التعلم، مثل: حضور الدرس دون تحضير، وعدم المذاكرة للاختبار، وعدم المشاركة في العمل الجماعي. ويبذل المعلمون الذين يتبعون هذا النوع من التدريس أفضل ما لديهم من جهد لنقل حب التَّعلُّم ومتعته. فالمعلمون يقضون حياتهم في التَّعلُّم ولا يُفكّرون مطلقا في الدرجات. 

وفي النهاية يُعيد المعلمون الذين يتبعون طرق التدريس التمركز حول المتعلم، التفكير في أغراض التقييم والعمليات المرتبطة به». وبدايةً بالغرض، يُقيم المعلمون ما

الصفحة 30


يعرفه الطلاب وما يستطيعون القيام به لسببين؛ فهم ملزمون مهنيا بالشهادة على مدى إتقان الطلاب للمادة العلمية؛ إلا أنهم يستخدمون الأنشطة التقييمية مثل الاختبارات لأن التحضير للاختبارات والخضوع لها وظهور نتائجها كلُّها أمورٌ يُمكن أن تشجع عملية التعلم. فهدف المعلم الذي يتبع هذا النوع من التدريس هو زيادة القدرات التعليمية للحد الأقصى كجزء متأصل من أي تجربة يُنتج فيها الطلاب منتجا أو يؤدُّون مهارة أو يستعرضون معرفتهم. أما بالنسبة إلى العمليات المرتبطة بالتقييم، فتكون المشكلة في هذا المقام هي قلة الفرص المتاحة أمام الطلاب لتنمية مهارات التقييم الذاتي، وتقييم الأقران أثناء الدراسة الجامعية. ونظرًا لأن التقديرات الدراسية لا تزال على قدر كبير من الأهمية، يجب على المعلمين أن يضعوا تقديرًا دراسيًّا لأعمال الطلاب؛ غير أن المتعلمين الناضجين يتمتعون بمهارات التقييم الذاتي ويستطيعون تقديم تقييمات للآخرين بطريقة بناءة. ويُصمِّم المعلمون الذين يتبعون طرق التدريس المتمركز حول المتعلم، تجارب تعليمية تتيح للطلاب فرص استكشاف هذه المهارات المهمة وتنميتها ويطمح هؤلاء المعلمون للتوصل إلى استراتيجيات وأساليب لا تمس نزاهة عملية وضع التقديرات الدراسية. 

منذ صدور الطبعة الأولى لهذا الكتاب، استعان آخرون بهذا النسق التنظيمي للتفكير في أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم عند تقديم العروض التقديمية ونشر الإصدارات. ولا يزال هذا النسق منطقيًّا ومفهومًا؛ ومن ثَمَّ فهو يُمثل الهيكل الأساسي لهذه الطبعة الثانية كذلك.

(3-1) وتستمر عملية التعلم

دَرَّست لمدة خمس سنوات أخرى بعد إصدار الطبعة الأولى من هذا الكتاب، وواصلت تنقيح الأساليب التي كنتُ أستخدمها وتطبيق أساليب جديدة. لكن لا يمكنني تحديد التوقيت الذي تحولت فيه مجموعة الأساليب التي جمعتها من مجرد أشياء كنتُ أستمتع بتطبيقها إلى فلسفة خاصة بالتدريس. هكذا انتهى بها المطاف بالتأثير على الطريقة التي أفكر بها في كل جانب من جوانب ممارستي لمهنة التدريس؛ فلقد تغيرت أشياء كثيرة لدرجة أنني أجد صعوبة في التعرُّف على المعلمة التي صِرتُها.

قبل تقاعُدي عن العمل، توصلت إلى عدة نقاط أخرى بخصوص هذا الأسلوب في التدريس ؛ أولا : هذا الأسلوب ليس طريقة أسهل للتدريس؛ فهو يتطلب مهارات متطورة خاصة بالتصميم التعليمي فحين يعتمد الطلاب على أنفسهم أكثر من أجل التَّعلُّم

الصفحة 31

   يرتبط ما يتعلمونه وكيفية تعلُّمهم له ارتباطًا مباشرًا بالأنشطة المستخدمة لإشراكهم في عملية التعلّم؛ ومن ثُمَّ سيتعلمون قدرًا أكبر وبطريقة أفضل إذا كانت هذه الأنشطة جيدة التصميم، سواء أكانوا داخل قاعة الدراسة أم في المنزل كان الكثير من الأنشطة التعليمية، التي كنتُ أستخدمها، هو الأنشطة ذاتها التي يؤديها الطلاب في العديد من المواد الأخرى؛ على سبيل المثال: اختبارات الاختيار من متعدد، وتقديم الأبحاث، والعروض التقديمية الجماعية. وكنتُ أستعين بها دون التفكير في إمكانية تغيير مواصفاتها والتحكم بها بطرق تؤثر فيما تعلمه الطلاب وطريقة تعلُّمهم إياه. وعندما أعدت التفكير في هذه الواجبات والأنشطة، لم يكن من الواضح دومًا أي التغييرات يمكن أن يسفر عن خبرات تعليمية أفضل. وقد توصلتُ إلى التغييرات المناسبة عن طريق الحصول على الكثير من التقييمات من الطلاب بخصوصها واتباع أسلوب التجربة والخطأ. وتوقفت عن سؤالهم عما إذا كان نشاط بعينه «أعجبهم» أم لا، وتقصيت تأثير هذا النشاط على الجهود التي يبذلونها للتعلم.

    بالإضافة إلى ما يتطلبه التدريس التمركز حول المتعلم من وقتٍ أكثر من أجل التخطيط المسبق لجوانبه، فهو يتسم بقدر أكبر من الصعوبة لأنه لا يعتمد كثيرًا على وجود سيناريو محدد يجب اتباعه؛ فأنت لا تدخل قاعة الدراسة الفعلية أو الافتراضية عبر الإنترنت ومعك محاضرة معدة بإتقان، محاضرة تحتوي على جميع الأمثلة والخطوات الانتقالية والأسئلة (وربما حتى الإجابات (والروابط الخاصة بالمادة العلمية السابقة ونماذج المشكلات الجاهزة للعرض على شرائح برنامج باوربوينت المبهرة من الناحية البصرية، وإنما تستعد جيدًا بمجموعة كاملة من المواد العلمية لتكون تحت تصرفك؛ حيث يكون تحت يديك مجموعة أدوات مُعدَّة جيدًا، وكأي خبير يعمل في الموقع مباشرة، تعرف ما الذي ستحتاج إليه أغلب الوقت. وبالرغم من ذلك ثَمَّةَ احتمال بأنك لن تمتلك كل شيء تحتاجه في بعض الأيام. وفي هذه الحالة تعتمد على خبرتك السابقة مع المحتوى، ومع عملية التعلم، ومع الطلاب. حينها لعلَّ شيئًا آخر من مجموعة الأدوات يفي بالغرض، أو تكون قادرًا على الاستعانة بما هو متاح لديك في الوقت الراهن إلى أن تتمكن من الحصول على ما تحتاج إليه فعلا فيما بعد.

 كما أدركت أن المعلمين لا يعملون بمفردهم داخل قاعات الدراسة التي يتبعون فيها أسلوب التدريس المتمركز حول المتعلم، بل يصير الطلاب شركاء في عملية التعلم أيضًا؛ فالطلاب يستكشفون مع المعلمين ما سيساعدهم على فهم الموضوع أو النظرية أو المسألة

الصفحة 32

   على نحو أفضل، وهذا النوع من الشراكة مع الطلاب لم يسبق لي أن وجدته من قبل. ونظرا لأننا كنا نركز على قدر أكبر وأفضل من التَّعلُّم، قدَّمنا جميعًا مقترحات وتقييمات، واحتفلنا جميعًا بتلك الإنجازات التي تحققت على مستوى الفهم والرؤية. وقد أضفى هذا نوعا من الحماس والتلقائية على أجواء قاعة الدراسة؛ وهذا بالضبط ما كنتُ أحتاج إليه للحفاظ على اهتمامي وحماسي وحبي لمهنة التدريس خلال تلك السنوات الأخيرة لعملي داخل قاعة الدراسة.

  كلما زادت خبرتي بأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم وجدت نفسي منجذبةٌ إلى الأنشطة الدراسية التي مثلت لي حافزًا وتحديًا. وبقيت عندي رغبة في أن أُجرب أشياء جديدة. هكذا تُعد التَّجارب الإيجابية التي كنتُ أُطبّقها – حتى تلك التجارب التي لم تنجح كثيرا - السبب وراء أنني الآن أوصي بصفة منتظمة بضخّ أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم تدريجيًّا كترياق لطرق التدريس التي صارت مملة أكثر مما يتخيله أحد. وخلال تلك السنوات القليلة الماضية انتابني شعور بالارتياح تجاه نفسي بصفتي معلمة أكثر من أي وقت مضى خلال مشواري المهني.

   وقبل أن أتقاعد عن العمل فهمتُ أيضًا أن اتِّباع هذه الطريقة للتدريس يوفر نوعا أعمق من الشعور بالرضا على المستوى الشخصي؛ فهذه الطريقة للتدريس ليست طريقة تبرز مهارات استعراضية على المستوى التربوي، وليس لها علاقة بأداء المعلم؛ وإنما هي طريقة تدور حول تعلم الطلاب وتقديم المعلمين للإسهامات التي تساعد في حدوث عملية التعلم على أرض الواقع؛ فيُمكنك باعتبارك معلمًا، أن تقوم بأشياء تؤثر مباشرةً على قدر المحتوى الذي يتعلمه الطلاب وإلى أي مدى يُجيدون تعلمه. أحيانًا، تثير التصورات الذهنية التي تأسر فكرك شغف الطلاب، كما يُمكنك أن تُساعد الطلاب على تنمية مهارات التعلم التي تُغير طريقة تعاملهم مع كل مهمة من مهام التَّعلُّم. ويُمكنك أن تُساعدهم على تعلم القراءة بعين ناقدة، والاعتراض على الفرضيات وطرح أسئلة جيدة، وتقييم الإجابات؛ فبإمكانك أن تُساعد الطلاب على النمو والتطور بوصفهم بشرًا، وبإمكانك أن تغير حياتهم، وهذا ما يجعل مهنة التدريس عملية تستحق الجهد المبذول فيها. إنها مهنة تحدث فارقًا.

   منذ تقاعدي، أواصل العمل في هذا المجال، ويُحفزني جزئيا الاهتمام الذي يثيره هذا الأمر في نفوس الآخرين. لقد ألفتُ كتبا أخرى، ولكن عندما يُطلب مني التحدث أمام

الصفحة 33 

   الجمهور، يكاد يدور حديثي دائمًا حول التدريس المتمركز حول المتعلم. ولقد واصلت هذه المناقشات المتواصلة مع مجموعات أعضاء هيئات التدريس المتنوعة تغيير طريقة تفكيري في التدريس المتمركز حول المتعلم، وكانت بمنزلة تحفيز آخر لإصدار طبعة جديدة من هذا الكتاب

   كما أثَّرَت مطبوعات جديدة عديدة، نشرت منذ إصدار الطبعة الأولى من هذا الكتاب على طريقة تفكيري في الموضوع؛ فهناك كتب ومقالات وبعض الحكايات التي تروي نجاح أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم، والبعض الآخر يصف فشلها أيضًا. توجد توصيفات للأساليب الجديدة بعضها مُبتكر، والبعض الآخر بمنزلة تعديلات بسيطة أدخلت على الممارسات الشائعة. وهناك عدد كبير من الأبحاث؛ بعضها عن التربية والتعليم عموما، إلا أن الكثير منها متعلق بتخصُّصات دراسية معينة. وتشير بعض الدراسات إلى آثار أسلوب معين على النتائج التعليمية في حين تشير دراسات أخرى إلى أثر مجموعة متنوعة من التغييرات المتمركزة حول المتعلم، والتي طبقت على مادة واحدة. ونظرًا لأن هذه الأبحاث موجودة في عددٍ كبير جدًّا من التخصصات الدراسية المختلفة، فإن الكثير من الأسئلة والنتائج لا يعرفه من يعملون في مجالاتٍ أخرى، على الرغم من أنهم يتشاركون في الاهتمامات نفسها، وقد يتعلم بعضهم الكثير من أعمال بعض. وتستعين الأبحاث بعدد كبير للغاية من المنهجيات المختلفة التي لا يُمكن استخدامها كلها من الناحية العملية؛ لكن من الممكن الاستفادة من نتائجها واستكشاف تبعات تطبيقها. وقد اعتبرت هذا الأمر سببًا آخر لإعادة النظر في كتاب قديم بمقاييس الوقت الراهن، وإعداد كتاب جديد. 

   حين بدأت العمل على هذه الطبعة الجديدة، كان بناء منزلنا على الجزيرة قد أوشك على الانتهاء. كان مايكل قد بنى مدفأةً كبيرةً في غرفة المعيشة، وكانت المدفأة تستند إلى الصخرة الضخمة التي تُشكّل الحائط الخلفي لمنزلنا وتحيط به. أظنُّ أن لدينا منزلا غريبا أشبه بالمنازل التي يعرضها برنامج منازل عجيبة»، ولعلك ترانا يوما ما في ذلك البرنامج التليفزيوني. كان بناء هذا المنزل بمنزلة مشروعٍ آخر من المشروعات التي اشتملت على قدر كبير من التَّعلُّم والتجريب وحمل الأثقال والنتائج المذهلة، وقد اكتملت هذه النتائج بمجرد أن شقَّت الأدخنة طريقها بثقةٍ مُنبعثة من المدخنة. وفي الورشة الموجودة بالطابق السفلي، كانت ملامح النسخة الثانية من سفينة نوح تتشكل بالنسبة إلى القارب الأول فسر مايكل قائلا: «لم أتعلم كل شيءٍ كنتُ أحتاج إلى معرفته في المرة الأولى.» فعند وضع قارب خشبي في المياه وتَرْكه في الهواء الطلق لمدة أربعة أشهر خلال فصل الصيف

الصفحة 34

   يصبح تسوس الخشب مشكلة. بدأ هذا القارب بنفس الرسومات التوضيحية لهيكل يصبح القارب الأول، ولكن بدا مختلفا، واتَّسم بتغيُّرات بالغة الأهمية من حيث التصميم. وعلق مايكل قائلا: «أنا أبني هذا القارب ليدوم لخمسة عشر عامًا.» حسنا، سنرى إن كان ذلك سيتحقق فعلا! وبعد الانتهاء من «سفينة نوح الجديدة، كان هناك قارب من طراز «كريس كرافت» يعود لعام 1961 بانتظار ترميمه في مرآب السفن الآخر. تساءل مايكل وأجاب عن نفسه قائلا: «كيف تُرمّم قاربًا خشبيا عتيقا جدا؟ لا أعرف، ولكن هناك الكثير من الأشياء ينبغي لي تعلمها.»

(2) النظريات التي يقوم عليها التدريس المتمركز حول المتعلم

كي ننتقل من هذا السرد لتجربتي إلى مناقشة النظريات ذات الصلة بموضوعنا، دعني الخص ما أصبحت أُومِن أنه المقومات الأساسية للتدريس المتمركز حول المتعلم. إنه أسلوب للتدريس يُركز على التَّعلُّم؛ بمعنى أن ما يقوم به الطلاب هو الشغل الشاغل بالنسبة إلى المعلم. يسهل فهم عبارة يُركز على التَّعلَّم على مستوى سطحي، لكن تعريفها يكشف المزيد من التفاصيل والتعقيدات :

(1) إنه طريقة للتدريس تُشرك الطلاب في جوانب عملية التعلم التي تتسم بالصعوبة والفوضوية.

(2) إنه يُمكِّن الطلاب ويُحفّزهم عن طريق منحهم بعض السيطرة على عمليات التَّعلُّم. 

(3) إنه يشجع ،التعاون، مُعتبرًا قاعة الدراسة( سواء أكانت افتراضية أم واقعية ) مجتمعا يشترك فيه الجميع في الأهداف التعليمية نفسها.

 (4) إنه يحثُ الطلاب على التفكير فيما يتعلمونه وكيف يتعلمونه.

(5) إنه يشتمل على تعليمات واضحة بشأن مهارات التعلم.

  ويوجد المزيد والمزيد عن كل هذه التفاصيل المعقدة في الفصول القادمة. وسأركز الآن على استعراض الكيفية التي خرجت بها هذه الخصائص الأساسية للتدريس التمركز حول المتعلم من رحم عدد من النظريات التربوية المختلفة وكيفية تطبيق هذا الأسلوب التعليمي لهذه النظريات على نحو فريد. وعلى الرغم من أن عددًا كبيرًا منا ممن يستعينون بهذا النوع من أساليب التدريس قد يدعون أنها تُمثل بالنسبة إلينا الفلسفة التي تقف وراء قراراتنا التعليمية وتُشكّل أساسا راسخا لممارستنا المهنية،

الصفحة 35


فإن هذا الشكل من التدريس لا يُشار إليه في الأدبيات التربوية باعتباره نظرية أو فلسفة تعليمية. عوضًا عن ذلك، فهو يرتبط عادةً بنظرياتٍ قائمة كتلك الموضّحة بإيجاز فيما يلي.

(1-2) نظرية العزو والكفاءة الذاتية

  تُحدد نظرية العزو (أو الإسناد)، عند تطبيقها على مجال التعليم السبب الذي يعزو إليه الطلاب نجاحهم أو فشلهم. ويرجع الفضل في وضع هذه النظرية إلى هايدر (1958) وطورت أكثر على يد وينر (1986) وباحثين مثل كوفينجتون (1992). عندما يُحاول الطلاب تفسير إحدى النتائج الأكاديمية (مثل أدائهم في اختبار ما)، فإنهم يعزون هذه النتيجة بصفة عامة إما إلى القدرة أو المجهود؛ أي مدى الكفاءة التي يتسمون بها أو مدى الجهد الذي بذلوه. ولقد لاحظنا جميعًا مدى قوة تأثير العزو على سلوك الطالب. فيدخل الطلاب عادةً قاعة الدراسة وهم مقتنعون بأنهم عاجزون عن القيام بشيء ما، مثل الكتابة أو حل المشكلات أو الرقص أو إلقاء الخطب وذات مرة أخبرني معلم محنك يدرس مادة الكتابة التطويرية أن أصعب تحدٍّ واجهه عند التدريس لأشخاص لديهم مشكلات في الكتابة كان إقناعهم بأن في مقدورهم الكتابة فعلا. فكيف تستطيع أن تكتب إذا كنت لا تتحلى بالقدرة على ذلك؟ وبعض هذه المعتقدات نراها في أنفسنا أيضًا. أنا لا أجيد التعامل مع أجهزة الكمبيوتر ، ولا أستطيع تشغيل معظم أدوات التكنولوجيا، وعندما يغادر زوجي المنزل لا أشاهد التليفزيون؛ لأنني لا أعرف كيف يعمل جهاز التحكم عن بعد، السخيف الخاص به فهل كل هذه الأزرار الخمسة والثلاثين الموجودة به ضرورية حقا؟

  تستكشف نظرية العزو أيضًا كيف أن السبب( أو مصدر العزو السببي) تُحدّده عناصر عرَّفها وينر (1986)، وهي إمكانية التحكم والثبات والموضع. هل يتحكّم الطالب في السبب؟ يميل الطلاب إلى اعتبار القدرة شيئًا يُولدون به، لا شيء يمكنهم التحكم فيه هل السبب ثابت أم مُتغير؟ إذا كان الافتقار إلى القدرة هو السبب مثلاً وراء ضعف أدائك في مادة الرياضيات، فإن هذا السبب ثابت ولن يتغير على الأرجح؛ مما يُصعب تفسير النجاح ما لم تَعزُّ سببه إلى ضربة حظ مثلا. هل الموضع مرتبط بعوامل داخلية أم عوامل خارجية؟ على سبيل المثال: الاعتقاد بأن المعلم يضع أسئلة محيرة» في الاختبار أو يضع

الصفحة 36

مسائل مختلفة عن تلك التي أعطاها كواجب منزلي يُتيح للطلاب لوم قوى خارجية على ضعف الأداء، وهذا يوضّح أيضًا إلى أي مدى يرتبط الموضع بعزو السبب.

  ترتبط الكفاءة الذاتية - وهي قريبة الصلة من نظرية العزو – بمعتقدات الطلاب حيال قدراتهم؛ أي ما إذا كان بإمكانهم تعلُّم شيء ما أم لا. وقد أوضح باندورا (1997)، صاحب الدراسات الأكثر تأثيرًا في هذا المجال، أن ما يعتقده الطلاب بخصوص ما يُمكنهم إنجازه وما لا يمكنهم إنجازه يُؤثّر على جميع أنواع القرارات الأكاديمية، بداية من اختيار التخصص الدراسي وحتى المشاركة في الأنشطة، وسعيهم وراء مقابلات العمل. وقوة هذه المعتقدات توضحها أشياء مثل توتُّر الامتحانات؛ حيث ربما يكون الطالب على دراية جيدة جدا بالمادة العلمية، ولكن نظرًا لأن موقف الاختبار يُثير جميع أنواع الشكوك في قدراته، فإن أداءه بالاختبار يكون ضعيفا. ونظرا لأن المعتقدات الخاصة بالكفاءة الذاتية تتشكّل من مجموعة متنوعة من المصادر المعلوماتية المختلفة، فقد يكون المعلمون وزملاء الفصل عاملا مساعدًا ذا أهمية كبرى في هذا الصدد. ومن أجل بناء شعور بالكفاءة الذاتية، يجب أن يُوجد الطلاب في مواقف تعليمية (1) تُفسِّر القدرة على أنها مهارة يُمكن اكتسابها. (2) تُقلّل من أهمية المقارنات الاجتماعية التنافسية وتُسلّط الضوء على المقارنة الذاتية لقياس التقدم والإنجاز الشخصي. (3) تُعزّز قدرة الطالب على ممارسة بعض السيطرة على البيئة التعليمية» (ستيدج، ومولر وكينزي وسيمونز،1998، ص26).

  الخلاصة هي أن عددًا كبيرًا من الطلاب لا يثقون بأنفسهم كثيرًا بوصفهم متعلمين. ويأتي ردُّ أساليب التدريس التمركز حول المتعلم عن طريق تحدي هذه المعتقدات بأشياء مثل تقديم مجموعات واجبات دراسية متسلسلة بإحكام من شأنها أن تزيد احتمالية تحقيق النجاح، وعن طريق توضيحات جلية للكيفية التي يُحدث بها المجهود فارقًا، وعن طريق طرق التدريس التي تُتيح للطلاب تحمل المسئولية تجاه عملية التَّعلُّم، وتجاه القرارات التي يتخذونها حيال التَّعلُّم.

(2-2) التعليم الراديكالي والتعليم النقدي

أوضح الموجه التربوي البرازيلي فريري هذه النظرية التعليمية ذات الشهرة العظيمة في الوقت الحالي، لأول مرة في كتابه الذي نُشر عام 1970 بعنوان «علم أصول التدريس للمضطهدين» الذي أعاد ناشر أمريكي نشره عام (1993. وتعتمد الفرضية الرئيسية(

الصفحة 37

  للتعليم الراديكالي أو النقدي( سأستخدم المصطلحين هنا بالتبادل، على الرغم من أن العاملين في هذا المجال يُميزون بين المصطلحين)على فكرة أن التعليم أداة للتغيير الاجتماعي. ويستفيض كلٌّ من ستيدج ومولر وكينزي وسيمونز (1998، ص57) في الشرح موضحين أن دور التعليم هو التصدي لعدم المساواة والخرافات السائدة بدلا من دمج الطلاب اجتماعيا للمشاركة في الوضع الراهن. فالتَّعلُّم مُوجَّه نحو التغيير الاجتماعي وتغيير العالم ككل، والتَّعلُّم «الحقيقي» يُمكِّن الطلاب من التصدي للظلم والاضطهاد في حياتهم.»

  جاء ربط فريري للتعليم بالتغيير الاجتماعي من واقع خبراته العملية في تعليم الفلاحين الأميين القراءة؛ وهي مهارة استخدموها بعد ذلك في التصدي للأنظمة السياسية الفاسدة التي قمعتهم لفترة طويلة. ويعترض أولئك الذين ينظرون إلى نمو المعرفة بوصفها عملية عقلانية موضوعية على ربط هذه الأجندة «السياسية» بالتعليم، بينما يردُّ خبراء التعليم النقدي بأن كل أشكال التعليم ذات سياق محدد وبعد سياسي، سواء أكان المعلمون والطلاب مدركين لهذه العمليات أم غير مدركين لها» (ستيدج، ومولر، وكينزي، وسيمونز، 1998 ، ص57). ويُقدِّم تومبكينس (1991، ص26) وصفا واضحًا للطريقة التي تبرز بها هذه الأجندة السياسية نفسها داخل قاعات الدراسة بقوله: «أصبحتُ أُفكّر أكثر وأكثر فيما يُمثل أهميةً حقًّا ... فما نتحدث عنه داخل قاعة الدراسة ليس بنفس قدر أهمية ما نقوم به ... فقاعة الدراسة عبارة عن نموذج مُصفّر للعالم؛ إنها فرصة لتطبيق المثل العليا التي تعتنقها؛ أيا ما كانت هذه المثل العليا. وتُعد نوعية الموقف الدراسي الذي يخلقه المرء داخل قاعة الدراسة اختبارًا حاسمًا لما يُؤيده ويُدافع عنه فعلا.» كما قد تظنُّ، لا تُقر هذه النظرية باعتبار التدريس عملية لنقل المعرفة من أصحاب السلطة. ويشرح أرونويتز (1993، ص89) خُطط فريري فيما يخص قاعة الدراسة قائلًا: «إنه ينوي تقديم نظام ينتقل فيه موضع عملية التَّعلُّم من المعلم إلى الطلاب. وهذا الانتقال يُشير بوضوح إلى تبديل علاقة السلطة، ليس داخل قاعة الدراسة وحسب، وإنما أيضا على صعيد النسيج الاجتماعي الأوسع نطاقا.»

  لا تُعد فكرة اعتبار التعليم أداةً لإحداث التغيير الاجتماعي سمة سائدة في الممارسات المهنية الحالية المتمركزة حول المتعلم. ولا يُحاول من يستخدمون منا هذه الأساليب الخاصة بالتدريس، لا سيما في الدول والثقافات الأكثر تطبيقًا لمبادئ العدل والمساواة، تعليم جموع المواطنين بهدف القضاء على أوجه الظلم الاجتماعي. ربما يكون ذلك هدفًا

الصفحة 38

   ضمنيا لكل أشكال التعليم، ولكنه ليس السبب عادةً وراء تبني هذه الأساليب؛ فالاهتمام موجه أكثر نحو التغلب على ميل الطلاب إلى السلبية. إننا نحاول أن نتبنى طرق تدريس تشجع الطلاب على قبول تحمل المسئولية تجاه عملية التعلم. إننا نريدهم أن يغادروا محاضراتنا مؤمنين بأن ما تعلموه وطريقة تعلمهم إياه، يُمكِّنانهم من فهم المزيد من الأشياء بمفردهم ولصالح أنفسهم.

  أقنعتني تجاربي بخصوص الحديث عن طرق التدريس المتمركز حول المتعلم بأن القضايا المتعلقة بالسلطة والمثارة بسبب هذه النظرية هي الشغل الشاغل لأعضاء هيئات التدريس. وفي ورش العمل، يُخبرني المعلمون مرارًا وتكرارًا بأن الطلاب ليسوا مستعدين للتعامل مع القرارات التعليمية؛ حيث إنهم غير مجهزين وغير محفزين للقيام بذلك.

   إنهم يحتاجون ويريدون معلمين يخبرونهم بما عليهم القيام به بالضبط، والطريقة التي عليهم اتباعها للقيام بذلك. وقد نوقش موضوع انتقال السلطة إلى الطلاب . - هذا الانتقال الذي تحقق مبدئيا عن طريق منح الطلاب بعض السيطرة على القرارات التعليمية - في حوار خضع لتحرير بارع بين فريري وهورتون( هورتون وفريري 1990) نشأت نظريات هورتون عن التعليم من عمله لإعداد المواطنين الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية المحرومين من حق التصويت ليجتازوا اختبارات أهلية التصويت. وقد تقاسم كلُّ من فريري وهورتون السلطة مع أقل الطلاب تأهيلا على الإطلاق أولئك الذين لا يستطيعون القراءة. فهل وجدا أن هؤلاء الطلاب يمكن أن يؤتمنوا على القرارات الخاصة بعملية تعلمهم؟ أجل؛ كانوا أهلا للثقة فعلا، فعندما اؤتمن الطلاب بقدر كبير زاد حافزهم للتعلم زيادة هائلة. 

  تعارض نظرية التعليم الراديكالي الكثير من الافتراضات الشائعة حول ما يتحمله كل طرف من مسئولية داخل عملية التدريس والتعلم. إنها نظرية تشكك في الدور الذي تلعبه سلطة المعلم فيما يتعلق بالخبرات التعليمية التي يخوضها الطلاب، وهي نظرية تحفز المعلمين على استكشاف طرق موثوق بها من الناحية الأخلاقية لمشاركة السلطة مع الطلاب. ربما يكون اتخاذ جميع القرارات التعليمية نيابةً عن الطلاب هو ما يُريده الطلاب، ولكنه ليس بأسلوب يصنع متعلمين مُحفّزين وواثقين من أنفسهم؛ فنظرية التعليم الراديكالي تتمحور حول تغيير ديناميكيات السلطة داخل قاعة الدراسة، بما يؤدي إلى صالح الطلاب وصالح عملية التعلم.

الصفحة 39

(3-2) التعليم النسوي.

  تدور نظرية التعليم النسوي حول تغيير ديناميكيات السلطة داخل قاعة الدراسة، لكن لأسباب تتعلق بالمعلمين أكثر مما تتعلق بالطلاب وكما هي الحال مع نظرية التعليم الراديكالي ترى هذه النظرية أن معظم طرق التدريس تتسم بقدرٍ مُفرط من الاستبداد؛ فلا تتوزع السلطة داخل قاعة الدراسة بعدل وانصاف؛ ومن ثُمَّ يؤثر عدم توازن السلطة تأثيرًا سلبيًّا على نواتج عملية التَّعلُّم لا سيما بالنسبة إلى النساء. للتعليم العالي تاريخ حافل بالهيمنة الذكورية على ربوعه؛ حيث ضربت النماذج – التي غرسها الحكم الأبوي السلطوي في المجتمع - بجذورها داخل المؤسسات الأكاديمية وقاعاتها الدراسية. وكنتيجة لذلك، يُعامَل الطلاب (عادةً الطالبات، خاصةً في المجالات التي يُهيمن عليها الذكور) بأساليب متفاوتة، وتُعرقل عملية تعلمهم بسبب هياكل السلطة التي تحمي أصحاب السلطة.

 تری نظرية التعليم النسوي الحكم الأبوي السلطوي شكلا من أشكال إساءة استعمال السلطة؛ فأصحاب السلطة يُحبون سلطتهم ويحمونها على نحو يتعارض مع مصلحة من يحكمونهم، إنهم يقاومون التخلي عن السلطة، ولا يعترفون بحبهم للسلطة؛ وعوضًا عن ذلك يُقدِّمون أسبابًا تُبرِّر عجز الجالسين في قاعاتهم الدراسية عن اتخاذ القرارات بأنفسهم. بعبارة أكثر صراحةً تتعلق مسألة السلطة على نحو أكبر بأعضاء هيئات التدريس، وعلى نحو أقل بالطلاب.

  يحظى الشخص الممسك بزمام الأمور داخل قاعة الدراسة بمجموعة مغرية من المزايا تتضمن القدرة على تحديد الموضوعات المطروحة للنقاش، واتخاذ الإجراءات، وإسكات معظم أشكال المعارضة واستعراض المهارات الفكرية والتربوية. ربما تكون فوائد الإمساك بزمام الأمور سببًا وراء مُعارضة بعض المعلمين لأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم، والتي تُجبرهم على مشاركة هذه السلطة. وهكذا، تُشجّع هذه النظرية المعلمين المستقلين على استكشاف الأسباب الحقيقية التي تحول فيما يبدو دون استمرارية أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم والدفاع عنها. 

  داخل قاعات الدراسة التي تُطبق نظرية التعليم النسوي يكون المعلمون ميسرين لعملية التعلم، وبالاستعانة بتعبير مجازي أكثر ، يكون المعلم أشبه بقائد الفرقة الموسيقية الذي يُوجه الآخرين لعزف لحن موسيقي، أو البستاني الذي يُجهز ويزرع ويُغذي ويَسقي

الصفحة 40

  ويُهذِّب ويُقلّم كي تتفتح زهوره ناثرة الجمال والأريج في كل مكان، أو أشبه بالقابلة التي تستحضر التَّجارب والخبرات كي تُخرج عملية التعلم إلى النور.

   كما تنتقد النظرية النسوية الجوانب التنافسية لعملية التعليم؛ إذ تقول إن عملية التعليم تنجح بشكل أكبر في تعليم الطلاب التنافس أكثر من تعليمهم التعاون. وعلى الرغم من أن كون (1986) ليس باحثًا في النظرية النسوية، فإنه يحشد مجموعة مقنعة من الأدلة التي الجوانب التنافسية للممارسات التعليمية مثل وضع تقديرات الطلاب وفقًا لنظام مُنحنى الدرجات تُشجّع أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم التعاون؛ حيث تقدر هذه الأساليب عملية التعلم التي تحدث حين يتعاون الطلاب فيما بينهم وتؤتي ثمارها على نحو أفضل داخل قاعات الدراسة؛ حيث يُمكن لعملية التعلم أن تحدث في أي مكان بل وينبغي أن تحدث في كل مكان وتصف الكاتبة النسوية المشهورة بالاسم المستعار بيل هوكس (1994، ص 12) هذه القاعات الدراسية بأنها «أماكن ثورية للإمكانيات المستقبلية.

  ونظرًا لأن الرسائل الخاصة بنظريتي التعليم الراديكالي والتعليم النسوي تتسم بالطابع الهجومي، ومرتبطة بأجندة سياسية، تدور مناقشة هذه الرسائل غالبًا في أماكن بعيدة كل البعد عن قاعة الدراسة؛ ونتيجةً لذلك، معظم أعضاء هيئات التدريس غير مطلعين على الجهد المبذول في هذه المجالات؛ بالرغم من أن الكثير من الأفكار الخاصة بالتدريس المتمركز حول المتعلم يُمكن تعقب أصله وصولا إلى هاتين النظريتين. وتدعو هذه الآراء المنادية بالمزيد من الديمقراطية والمساواة في عملية التعليم إلى التشكيك في هياكل السلطة التقليدية، والدور الخاص بسلطة المعلم، وهي تُطالب بتمكين الطلاب كي يتحملوا مسئولية التعلم، وتُشير إلى أن نجاح المعلمين يتحقق عندما تنتفي الحاجة إليهم.

(4-2) النظرية البنائية

تقع العلاقة بين المتعلمين والمحتوى في صميم هذه النظرية التعليمية الشهيرة حاليا؛ حيث تؤكد المناهج البنائية على أن المتعلمين يبنون معرفتهم الخاصة على نحو فعال ونشط بدلا من تلقيهم المعلومات في سلبية، منقولة إليهم من المعلمين والكتب الدراسية المقررة من منظور بنائي، لا يُمكن منح المعرفة للطلاب وحسب، وإنما يجب على الطلاب أن يبنوا المعاني الخاصة بهم (ستيدج ومولر وكينزي وسيمونز، 1998، ص35).

الصفحة 41

  وتستفيض فوسنوت (1996، ص 29 ) في هذا الوصف عن طريق توضيح أن التعلم يتطلب ابتكارًا وتنظيمًا ذاتيًا من جانب المتعلم؛ ولذا على المعلمين أن يسمحوا للمتعلمين أن يُثيروا تساؤلاتهم الخاصة، ويضعوا واجبياتهم ونماذجهم باعتبارها احتمالات قائمة ثم يتحققوا من صحتها. وتعتمد هذه النظرية في مجال التعليم والتعلم على أعمال عدد كبير من علماء النفس والفلاسفة، أشهرهم بياجيه وبرونر وفون جلازرسفيلد وفيجوتسكي.

  وعلى عكس نظريتي التعليم النقدي والنسوي اللتين لا يكاد يأتي ذكرهما أبدًا في أعمال ممارسي العملية التعليمية الفعليين، عادةً ما تُذكر النظرية البنائية بوصفها مبررًا لاستخدام أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم. كثيرًا ما تتضمن أساليب التدريس المرتبطة بالنظرية البنائية عملا جماعيًا، برغم أن تلك الكتابات التي تتناول النظرية تشير بانتظام إلى قيام المتعلمين المستقلين بربط المعلومات الجديدة بما يعرفونه حاليا بطرق ذات مغزى بالنسبة إليهم. إن التفريق بين الأمرين مسألة محل خلاف؛ لأنه عندما يتعاون الطلاب معا في مجموعات يتعامل كل عضو في المجموعة مع المحتوى على حدة، اعتمادًا على تجاربه وفهمه الخاص.

  وفي مرحلة مبكرة، كان العمل الجماعي المرتبط عادةً بالنظريات البنائية عبارة عن شكل من أشكال التَّعلم التعاضدي كما روّج له بروفي (1993) الذي أيد فكرة استكشاف مجموعات طلابية مسائل معقدةً عبر تخصصات دراسية متعددة. ومع وجود معلم أو معلمين بين هذه المجموعات الطلابية باعتبارهم متعلمين بارعين تبحث هذه المجموعات عن حلول جديدة ومتكاملة ومبتكرة عادةً للمسائل. أنتج هذا العمل المبكر مجموعة متنوعة من نماذج شبكة التَّعلُّم التي تستخدم نسقا عاما للمادة يربط بين الطلاب والمحتوى والمعلمين في مواقف تعليمية استكشافية. وتُعد تجارب شبكة التعلم جزءًا من المناهج الجامعية في عدة مؤسسات تعليمية.

  تتوافق فكرة إشراك الطلاب في بناء المعرفة توافقًا تاما. مع مجالي العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية؛ حيث يدعم المحتوى استنتاجات أقل حسمًا وأكثر تجريبية وتزداد صعوبة تحديد إلى أي مدى يمكن بناء المعرفة من الناحية الاجتماعية داخل مجالات العلوم والرياضيات والهندسة؛ حيث يُوجد قدر كبير من الإجابات «الصحيحة»، وقدر قليل جدا من الاختلاف على حجم المعرفة التي تم التوصل إليها؛ وكنتيجة لذلك، تأتي

الصفحة 42

أوائل الاعتراضات على النظريات البنائية من هذه المجالات، رغم أنها أُثيرت كذلك على يد تربويين في مجالات متعددة.

  ومن أوائل هذه الاعتراضات التي أثيرت عدم فاعلية السماح للطلاب باستكشاف المعرفة بأنفسهم؛ فهذا الأمر يستغرق وقتًا، وغالبا ما ينطوي على وقتٍ مُهدَر في تعقب الإجابات في مواضع لن يعثروا على إجابات فيها أبدًا. إن المقررات الدراسية للمواد مُرتبة في تسلسلِ يُفترض به «تغطية» قدر محدد من المحتوى، ويُمكن التوسع فيه عن طريق المقرر الدراسي التالي على الرغم من أن معظم المعلمين قد اكتشفوا أن تغطية المحتوى لا تعني دوما تعلم المحتوى أو حفظه. ويرد أصحاب النظرية البنائية بأن الطلاب يُنمون مهارات تعلم قيمة في سياق استكشافهم الأمور بأنفسهم؛ فهم يتعلمون حل المشكلات عن طريق حل المشكلات عمليا، حتى وإن كانوا لا يفعلون ذلك بإتقان؛ وهم يتعلمون طرح الأسئلة عن طريق طرح الأسئلة، ويتعلمون تقييم الإجابات عن طريق تقييم الإجابات ويتعلمون التفكير النقدي عن طريق ممارسة هذا النوع من التفكير. 

  لقد كان ممارسو مهنة التدريس هم من أشاروا إلى أهمية الموازنة بين حاجة الطلاب إلى الاكتشاف وحاجة المعلم إلى التلقين. وقد كتب ديتزير وريتشي (1994، ص687)، وهما مدرسان لمادة الكيمياء، يقولان: «تطلب الأمر حشد جميع مهاراتنا التربوية، بصفة يومية؛ لاكتشاف المزيج المناسب للتفاعل النشط، والملاحظة السلبية من أجل موازنة الحاجة لتقديم طريقة التفكير الرائعة التي يتسم بها الكيميائيون مع مراعاة أهمية تشجيع ملكة الإبداع لدى الطلاب أيضًا.» داخل قاعة الدراسة، ينبغي ألا يكون الأمر اختيارًا بين هذا أو ذاك، وإنما يُمكن إيجاد موازنة بين كلا الخيارين وأحيانًا يوضح المحتوى ذاته متى ينبغي أن يتلقى الطلاب الإجابة بكل بساطة ومتى ينبغي لهم أن يعملوا على اكتشافها بأنفسهم.

  ثَمَّةَ اعتراض آخر يتعلق بدور المعلم داخل البيئات التعليمية؛ حيث يقوم الطلاب بأنفسهم بالجهد التعليمي الذي يتسم بالفوضوية. ويقول المعترضون إنه ليس من العدل أو الأخلاق أن يُعطى الطلاب مسألة معقدة، ثم يُتركوا ليواجهوا مصيرهم إما بالفشل أو النجاح. ويردُّ أصحاب النظرية البنائية بأن هذا الأمر بعيد عما يقترحونه؛ فهم يريدون من المعلمين أن يدعموا» عملية التَّعلُّم، لا أن «يُديروها» إلى ناحية بعينها. ويوضّح دافي ورايمر (2010) في كتاباتهما عن التعلم الاستقصائي وهو مثال لأحد الأساليب البنائية -

الصفحة 43

  أن التوجيه المقدَّم للمتعلمين هو جزء مهم من أسلوب التدريس: «غير أن التوجيه في حد ذاته يركز على تشجيع التأمل النقدي لدى الطلاب بدلا من إخبارهم بما يتعين عليهم القيام به أو ما يتعين عليهم الانتباه إليه» (ص4). يُلقي المدرسون الذين يتبعون أساليب التدريس البنائية المحاضرات فعلا، ولكن هذا النقل المباشر للمعلومات بصفة عامة يحدث بعد أن يقدح الطلاب زناد فكرهم في استيعاب الموضوع، وبعد أن يُدركوا ما يحتاجون إلى معرفته وفائدة الانتظار هي ب أنه بمجرد أن يُدرك الطلاب حاجتهم إلى معرفة شيء ما، فإنَّهم يُنصتون بانتباه إلى الإجابات المطروحة. 

  وأخيرا، يعترض البعض لأنهم يعتقدون أن النظرية البنائية تعني أنه يجب على المعلمين أن يولوا اهتمامًا متساويًا لما يقترحه الطلاب أيا كان، وأن كل معنى خاص يصوغه الطلاب مقبول، حتى تلك المعاني التي تتسم بأنها غير صحيحة أو غير جيدة جدا. ويبلغ هذا الاعتراض ذروته بالتأكيد على أن النظرية البنائية تنال من السلامة الفكرية لمحتوى المقررات الدراسية؛ إذ إنها تُضحي بالصرامة والمعايير الأكاديمية. 

  على الجانب الآخر، يرى أنصار نظرية التَّعلُّم البنائي هذا الاعتراض بوصفه تشويها لما يقترحونه؛ فبناء المعرفة لا يعني أن المتعلم يبتكر المعرفة؛ وإنما هو شيء مقارب أكثر لاختيار الموضع المناسب للمعرفة الجديدة بحيث يتم الربط بينها وبين شيء يعرفه المتعلم بالفعل؛ ومن ثَمَّ يكون مفهومًا بالنسبة إليه، فعلى المعلمين أن ينتبهوا لطرق الفهم والاستيعاب التي يتبناها الطلاب ليس لكونها بدائل فعّالة للحقائق الراسخة، وإنما لأن الطريقة التي يُفكّر بها الطلاب ينبغي أن تُشكّل طريقة التدريس لهم. علاوةً على ذلك، بمجرد أن يتوصل الطلاب إلى استنتاج أو يختاروا معنى، فإن الخطوة التالية من العملية هي مطالبة المتعلمين بتوضيح طريقة تفكيرهم. وعلى المعلمين أن يطرحوا الأسئلة على الطلاب ويُصمِّموا الأنشطة التي تُجبر الطلاب على أن يشرحوا ما يقترحونه ويُدافعون عنه. والهدف هو إعداد الطلاب لرؤية نِسَب مختلفة من الجودة بين الحلول المطروحة على الساحة.

  يُستخدم التعلم التعاوني – وهو شكل من أشكال العمل الجماعي ذو مهمة محددة مسبقا بدقةٍ واعتماد متبادل بين أعضاء الفريق ولكن مع تحمل كل فرد بالفريق المسئولية – على نطاق واسع في التخصصات الدراسية ذات الطابع العلمي، وجزء من السبب يعود إلى أن هذا النوع من التَّعلُّم يردُّ على بعض هذه الاعتراضات السابقة الذكر. ومع ذلك، لا تتسم معظم أشكال التَّعلُّم التعاوني بالبنائية إلا على نحو محدود جدا.

الصفحة 44

  وقد شهدت السنوات الأخيرة ظهور مجموعة كبيرة من نماذج العمل الجماعي (على سبيل المثال لا الحصر: أسلوب التَّعلُّم الاستقصائي الموجه نحو إتقان المهارات العملية، والاستقصاء الموجه، والتَّعلم القائم على فريق يقوده الأقران) التي تطمس الفوارق بين التَّعلم التعاضدي والتَّعلم التعاوني تحتفظ معظم هذه النماذج الجديدة بالمقومات الأساسية للنظرية البنائية؛ إذ يعمل الطلاب في مجموعات على مسائل مفتوحة، ويتيحون الوصول إلى المعلومات التي اكتشفوها ويُرتبونها بنسق معين يُسهل ذلك، ويصوغون الحلول الخاصة بهم. وتُوثَّق أبحاث حديثة موضحة في الفصل التالي إلى أي مدى يمكن لبعض من هذه الأساليب أن تكون فعالة على نحو مدهش.

  وإلى جانب استعانة أعضاء هيئات التدريس فرادى بمبادئ نظرية التَّعلُّم البنائي، تستخدم هذه المبادئ من أجل إعادة ترتيب المناهج الدراسية بأكملها، وتسلسل محتوى المقررات الدراسية وأجزاء متعدّدة من الدورات الدراسية المستقلة. على سبيل المثال، انظر مقال إيجة وكوبولا ولوتون (1996) الذين استعانوا بالنظريات البنائية ليعيدوا تصميم مادة مقدمة إلى الكيمياء العضوية، التي يدرسها طلاب المواد التخصصية بأقسام الكيمياء والأحياء والدراسة التمهيدية لكلية الطب في جامعة ميشيجان.

   تتوافق نظرية التَّعلُّم البنائي مع العديد من الممارسات الخاصة بطرق التدريس المتمركز حول المتعلم وبصفة أساسية، تقترح النظرية البنائية أنه يجب على الطلاب أن يتفاعلوا مع المحتوى، وهو أمر يختلف تمامًا عن تلقي المعلومات في سلبية من مصدر . وخلال التفاعل البناء يُنشئ الطلاب رابطًا بين المادة العلمية الجديدة وبين ما يعرفونه من قبل. وقد يصوغون المعلومات الجديدة ويُشكلونها لكي تتناسب مع ما يؤمنون به ويعرفونه بالفعل، أو قد يستخدمون المعلومات الجديدة ليعيدوا تشكيل فهمهم الحالي ويُعمقوه ويوسعوا مداركهم. وكما يوحي الفعل «يبني» المشتق منه اسم النظرية، فإن هذه النظرية تدور حول بناء الطلاب للمعرفة في ضوء توجيه من المعلمين الذين استقوا هياكل المعرفة من هذه المادة العلمية مُسبقًا.

(5-2) التعلم التحويلي

تعتمد نظرية التعلم التحويلي على افتراضات النظرية البنائية، وفقا لباتريشيا كرانتون (2006، ص23)، وهي خبيرة تربوية في مجال تعليم الكبار قدمت الكثير لهذا المجال.

الصفحة 45

  تقضي هذه النظرية بأن المتعلمين يبنون معاني خاصة بهم ويقومون بذلك عن طريق عمليات الفحص وطرح الأسئلة والتحقق من صحة الافتراضات وإجراء المراجعات، أو ما يُطلق عليه الخبراء التربويون في مجال تعليم الكبار التأمل النقدي. غير أن النتيجة الخاصة بعملية التأمل هي التي تُفرّق نظرية التَّعلم التحويلي عن النظرية البنائية؛ فكما يُشير الاسم هذا النوع من التَّعلُّم يُحوّل ويُغيّر المتعلمين بطرق عميقة وتفصيلية ودائمة. ما يتغير عادةً هو المعتقدات المسلَّم بها، والافتراضات التي لا نزاع عليها، والعادات الذهنية التي لم تكن محل تشكيك من قبل قط. في بعض الأحيان، قد يكون هذا النوع من التَّعلم نتيجةً لحدث فردي - أو ما يُطلق عليه ميزيرو وزملاؤه (2000) «المأزق المحير» - أو قد يحدث التحول على نحو تدريجي ومع مرور الوقت؛ حيث إن الأحداث والتجارب تُثير المزيد من التأملات النقدية. وعلى أي حال، هذا هو نوع التعلم الذي يُغير ما يؤمن به الناس، وكيف يتصرفون، بل ومن يكونون. وينبغي أن يكون هذا هو الغرض الأساسي للتعليم، ولا سيما التعليم العالي.

  هذا جانب آخر من النظرية والبحث العلمي، لا يعرفه غالبا المهتمون بطرق التدريس المتمركز حول المتعلم؛ حتى وإن كانت أدبيات الأبحاث الخاصة بالممارسين تزخر بحكايات عن التغيرات التي حدثت للمتعلمين والتي قد يصفها العاملون في مجال تعليم الكبار بأنها تغيرات تحولية بكل أسف يعزو المعلمون عادةً التغيرات التي تتسم بأنها تحولية إلى الحظ؛ أي إنها قد تحدث أو لا تحدث؛ ومن ثم لا يمكن التخطيط لها أو التحكم بها. وعندما يتبنى المعلمون وجهة النظر هذه، فإنهم لا يُفكرون في أمور محددة قد يفعلونها لتشجيع احتمالية خوض تجارب التَّعلُّم التحويلي وحثها، أو بالأحرى زيادة هذه الاحتمالية وعلى الرغم من وجود أدلة (لخصها ببراعة كل من باسكيرليا وتيرنزيني 1991 ، 2005) تُفيد بأن التجارب الجامعية تُغيّر الطلاب؛ فإن ثمة احتمالية قائمة بتوفير المزيد من تجارب التَّعلم التحويلي إذا ما أدرك المعلمون دورهم في تعزيز هذا النوع من التعلم. 

  هناك أيضًا احتمالية قوية تُفيد بأنه نظرًا لأن أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم تجعل الطالب يُركز على نحو مباشر للغاية على عملية التعلم؛ فإنها تقود الطالب في اتجاه خوض تجارب التَّعلُّم التحويلي. وهذه الأساليب تشجع مهارات التأمل والنقد وتنمية الوعي الذاتي ويُمكن أن يتغير المتعلمون في مجموعة شاسعة من المجالات، وفقا

الصفحة 46

لنظرية تعليم الكبار، ولربما زادت طرق التدريس المتمركز حول المتعلم من احتمالية عيش التجارب التحولية على اختلاف أنواعها.

  وقد لاحظ معظم الذين يستعينون منا بهذه الأساليب أنها غيرت ما يؤمن به الكثير من الطلاب بخصوص عملية التَّعلُّم؛ فحالما يشرع الطلاب في تحمل المسئولية تجاه عملية التعلم واتخاذ بعض القرارات المتعلقة بها، يُدركون ما يمكنهم تحقيقه عندما يُصبحون متعلمين مستقلين يتسمون بالتوجيه الذاتي وعند مرحلة ما، لا يكون هناك نقطة عودة أو تراجع ولقد فوجئتُ بهذا الأمر ذات مرة أثناء تدريسي لمادة التدريس الجامعي لطلاب الدراسات العليا؛ إذ قمنا بدعوة عالم شهير لحضور إحدى المحاضرات لمناقشة الأسئلة التي طرحها الطلاب حول أبحاثه وكتاباته دخل العالم قاعة الدراسة، وانطلق ليلقي محاضرته من مجموعة ملاحظات أعدها بإتقان، وبعد مرور فترة قصيرة على بدء المحاضرة، قاطعه أحد الطلاب قائلا: «لقد طلبنا منك الحضور، يا دكتور، لأننا لدينا أسئلة نود أن نناقشها معك. ونُفضّل أن تجيب عن تساؤلاتنا وتشاركنا أفكارك.» من الواضح أن العالم تفاجأ، ولكن توالت المناقشة، وبعد انتهاء المحاضرة عقب قائلا لي: «لم ألتق بطلاب تعاملوا معي بهذه الطريقة من قبل، ولكن أسئلتهم أفصحت بكل وضوح أنهم ليسوا بحاجة إلى الاستماع إلى محاضرة عن الموضوع.» 

  على الرغم من أن طرق التدريس المتمركز حول المتعلم تُغير بقوة المعتقدات المتعلقة بعملية التعلم، فإنها لا تُغيّر جميع الطلاب. ربما كانت ستفعل ذلك لو أن الطلاب درسوا المنهج بهذه الطريقة على نحو أكثر انتظامًا، أو لو كنا نعرف المزيد حول أي التصميمات وأي الترتيبات لها التأثير الأعظم، فربما صار بإمكاننا أن نُعضّد التعلم التحويلي على نحو أفضل ومع ذلك، فنحن نعرف القدر الكافي لتبرير تدخُل المعلمين – على نحو هادف – ومع في عملية التَّعلُّم التي تُغيّر الطلاب بهذه الطرق العميقة والتفصيلية.

 علاوةً على ذلك، لا تُغيّر تجربة اتباع طرق التدريس المتمركز حول المتعلم من الطلاب وحسب، بل إن هذه الطريقة المتبعة للتدريس تُغير أيضًا ما يؤمن به المعلمون بخصوص عملية التعليم ودورهم باعتبارهم معلمين. لقد وصفت بالفعل كيف غيرت هذه الطريقة تماما من معتقداتي عن التدريس والممارسات التي تتم داخل قاعة الدراسة. وهذه التغيرات ذات الأهمية المتساوية يأتي وصفها باستمرار في الأدبيات الخاصة بالممارسين، ولكن لا يحدد المعلمون ما يحدث لهم في تجربة التعلم التحويلي. على سبيل المثال، انظر تومبكينس (1991) ومازور (2009) وسبنس (2010).

الصفحة 47

  بدأ هذا الكتاب بأولى تجاربي الخاصة بأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم، ثم تبع هذا استكشاف للنظريات التي ترتكز عليها هذه الأساليب ومن واقع تجاربي الخاصة، وكذلك ارتباط الأفكار الخاصة بطرق التدريس المتمركز حول المتعلم بعدة نظريات تعليمية متنوعة، يتضح أنه ليس هناك تطور مُحكم ومُرتَّب للتجارب أو الأفكار أو الروابط، بل تتسم الأمور بأنها مختلطة ومشوشة أكثر من كونها واضحة ومترابطة. وهذه الطبيعة المختلطة والمشوشة التي تتسم بها المعرفة المتوافرة عن هذا المجال تسري على عالم الأبحاث أيضًا، كما يوضح الفصل التالي؛ حيث إن طرق التدريس المتمركز حول المتعلم لم تكتشف وتُفسر عن طريق نظرية ما؛ ثم أُثبتت بعد ذلك بسلسلة من الأبحاث المنهجية. لكن رغم الفوضى المتأصلة في الطريقة التي اكتشف بها أحد المعلمين هذه الأفكار بالصدفة وطريقة تداخل هذه الأفكار مع مجموعة متنوعة من النظريات التعليمية، يوجد دعم - نظري وتجريبي وعملي - لفكرة أن هذه الأساليب المستخدمة في التدريس تُعزّز تعلم الطلاب على نحو أقوى وأفضل.

الصفحة 48


الفصل الثاني : أدلة بحثية تبرهن على نجاح التدريس المتمركز حول المتعلم


 يبرهن عدد كبير من الأبحاث على فاعلية أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم. لقد نشر الكثير من الأبحاث منذ صدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب، بل في الواقع، كان تزايد مجموعة الأدلة الداعمة لفاعلية هذه الأساليب هو ما أقنعني في النهاية بمزايا إصدار طبعة ثانية. سيلخص هذا الفصل عينات من تلك الأبحاث، ويستعرض المستجدات التي طرأت على ما أُلقي الضوء عليه في الطبعة الأولى ويُقدم النتائج الجديدة. 

   أستطيع أن أتخيل عددًا من أعضاء هيئات التدريس وهم يقرءون افتتاحية هذا الفصل ويرون أنه يُمكن تخطي قراءته؛ فمعظم أعضاء هيئات التدريس لا يستمتعون بقراءة الأبحاث العلمية ما لم تكن هذه الأبحاث في مجال تخصصهم الدراسي، أو تتناول موضوعًا جديرًا بالاهتمام. وفي حالة الأبحاث العلمية المتعلقة بالتدريس والتعلم، سواء تلك التي تُجرى في مجال التعليم أو التي يجريها ممارسو العملية التعليمية في مختلف التخصصات الدراسية، ثمة آخر لعدم قراءة الأبحاث حيث إن الكثير من أعضاء هيئات التدريس لا يعتقدون أن الأبحاث على درجة عالية من الجودة، ولا يعتقدون أن بإمكانهم أن يجدوا الكثير مما قد يُفيدهم داخل قاعة الدراسة.

من الممكن تفهم إغفال قراءة الأبحاث المتعلقة بالتدريس والتعلم إلى حد ما؛ فالأبحاث التربوية، مثل الأبحاث الأخرى في كل مجالاتنا، لا تتسم جميعها بالجودة. وتعد منهجية

الصفحة 49

  الأبحاث العلمية الزاخرة دومًا بالتفاصيل المرهقة والكثير من المصطلحات المتخصصة غير مألوفة غالبا، كما أن آثار نتائج هذه الأبحاث غير موضّحة عادة. وهذه الأبحاث، شأنها شأن غالبية ما يجري داخل مجالات تخصصاتنا الدراسية، تفيد الأبحاث التالية عليها أكثر من كونها تفيد الممارسات العملية. ولكنني لا أظن أن هذا يُبرر الإغفال عن قراءة الأبحاث المتعلقة بالتدريس والتعلم.

   إليك بعض الفوائد الناتجة عن الإلمام ببعض المعرفة بالأبحاث المتعلقة بطرق التدريس المتمركز حول المتعلم، وإذا لم تكن تستخدم أيا من استراتيجيات هذا النوع من التدريس، فلعل نتائج الأبحاث تقدم لك أدلة تُقنعك بتجربة بعض من هذه الأساليب المتبعة للتدريس. وإذا كنت تستخدم بعضًا منها بالفعل، فإن فهم المزيد عن سمات التصميم التي تُنجح هذه الأساليب ونواتج التعلم التي تؤثر عليها هذه الأساليب قد يزيد من فعالية استخدامك لهذه الأساليب والاستراتيجيات وإذا كنت تؤمن بأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم وترغب في تأييدها، حتى إن كان ذلك بمجرد التوصية غير الرسمية بها لزميل آخر؛ فإن تأييدك لها سيكون أكثر فاعلية إذا كنت تعرف شيئًا عن كيفية اختبارها ونوعية الأدلة التي تدعم مدى فاعليتها ونجاحها. 

   ثَمة فائدتان أخيرتان تنطبقان على نطاق أوسع، إلا أنهما لا تزالان وثيقتي الصلة بطرق التدريس المتمركز حول المتعلم. فنظرًا لأن الأبحاث المتعلقة بطرق التدريس والتعلم لا تزال تحظى بقدر قليل جدا من الشهرة، فإن الكثير من الممارسات المتعلقة بمهنة التدريس لا تستند إلى الأدلة والبراهين وهذا أمر مثير للمفارقة داخل الثقافة الأكاديمية حيث تحظى الأدلة والبراهين بالاحترام والتوقير. فمهنة التدريس لا تقدر حق قدرها، وتتعرض عملية التعلم للخطر عندما لا تستند الممارسات المهنية إلى المعرفة، بما يجعل كلا من التدريس والتعلم فعالا. وقد يُحفّز الإلمام بالأبحاث العلمية نوعية التغيرات التي ستجعل مهنة التدريس معتمدة أكثر على الأدلة والبراهين. وفي النهاية، ربما تقنعك قراءة الأبحاث التربوية المتعلقة بأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم بأن ثمة أبحاثا أخرىأجريت على التدريس والتعلم تستحق أن تقضي وقتا في قراءتها، وإلى جانب هاتين الفائدتين، هدفي من هذا الفصل هو تقديم ملخص موجز ومثير للاهتمام وغير متخصص لتلك الأبحاث، ملخص سيجعلك واعيًا بالموضوع ومهتما به.

الصفحة 50

   لا يتضمن هذا الفصل استعراضًا شاملا لجميع الأبحاث التي أجريت على أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم؛ فلم يتبق لي وقت كافٍ في حياتي المهنية لإعداد هذا النوع من المراجعة الاستعراضية الشاملة. فالأبحاث التي تُبرِّر استخدام هذه الأساليب للتدريس أجريت على كل المجالات بمختلف أنواعها، بدايةً من التربية والتعليم والمجالات المتنوعة المندرجة تحتهما، ونهاية بالأبحاث التربوية للممارسين المهنيين التي تُجرى حاليا في جميع التخصصات الدراسية تقريبًا. واكتشاف كل شيء - أو اكتشاف معظم الأشياء- يُعد مهمة مرهقة. وأنا على يقين بالغ بأنني قرأت عن هذا الموضوع أكثر من أغلب الناس، وما زلت أجد باستمرار أشياء لم أقرأها وينبغي لي معرفتها.

   بالإضافة إلى وجود الأبحاث في كثير من النطاقات المختلفة، توجد أنواع متعددة من الأساليب والاستراتيجيات والطرق المختلفة التي تندرج تحت مظلة طرق التدريس المتمركز حول المتعلم. سأكتب في موضع لاحق من هذا الكتاب عما إذا كان هذا التعريف الفضفاض يُسبب صعوبةً في تحديد ما إذا كان أسلوب التدريس متمركزا حول المتعلم أم لا. وفي هذا الموضع تتعلق المسألة بتحديد ما سوف نُدرجه في استعراض الأبحاث حين تكون أمامنا مثل هذه المجموعة المتنوعة من الخيارات. لقد اخترت الأبحاث المهمة والمثيرة للاهتمام ذات الجودة العالية وفي الواقع، وجدتُ أن الكثير مما سأكتبه في هذا الفصل مشوق، إلا أن المرء يجب أن يكون حذرًا من المبالغة في الكتب ذات الطابع الأكاديمي.                         

   عادةً ما تُضمن مراجعات الأبحاث النتائج بالاستعانة بمناهج وأدوات البحث الكمي؛ مثل التحليل التلوي، إلا أن الأبحاث المتنوعة المتعلقة بطرق التدريس المتمركز حول المتعلم تستبعد أي نوع من التحليلات الكمية. ولقد استعين بعدد كبير للغاية من المناهج البحثية المختلفة والهدف من معظم المراجعات التي تستعرض الأبحاث هو دمج ما هو معروف كوسيلة لتوضيح ما هو غير معروف؛ ومن ثَمَّ تقديم المساعدة في توجيه أجندة الأبحاث. ليس هذا ما يحتاج الممارسون إلى معرفته عن الأبحاث التي أُجريت على طرق التدريس المتمركز حول المتعلم، بل إنهم بحاجة إلى فهم نوعية الأسئلة التي تتناولها الأبحاث، والإجابات التي يتم التوصل إليها - وهو ما يعني دوما بالنسبة إلى الأبحاث التربوية التي تتسم بالافتقار إلى النتائج الحاسمة، أن الإجابة يجب أن تكون مدعومة بالحجج القاطعة - والأهم من ذلك أنهم بحاجة إلى فهم ما ينبغي لهم القيام به حيال النتائج. وهذه هي الأسئلة التي من المفترض أن يُجاب عنها بنهاية هذا الفصل.

الصفحة 51

(1) مستجدات الأبحاث

  ألقت الطبعة الأولى من هذا الكتاب الصادرة عام 2002 ، الضوء على الأبحاث التي أجريت على ثلاثة جوانب تستحق التعرف على مستجداتها، ألا وهي: التعلم العميق والتعلم السطحي، وتوجهات أعضاء هيئات التدريس نحو طرق التدريس، والتعلم الذاتي التنظيم. لقد أجريت الأبحاث الخاصة بكل جانب من هذه الجوانب في مجال التربية والتعليم والمجالات المرتبطة به وهي ليست أبحاثًا عن أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم في حد ذاتها، وإنما هي أبحاث تُركز على المبادئ التي تمثلها تلك الأساليب.

(1-1) التَّعلم العميق والتَّعلم السطحي       

   بدأ هذا البحث، الشهير إلى حد ما بين أعضاء هيئات التدريس (رغم أنه بالنسبة إلى الأغلبية، لا تتعدى المعرفة في هذا المقام مجرد الإلمام بالاختلافات بين أسلوبي التَّعلم هذين)، بدراسة مهمة ومؤثرة أجراها مارتون وسالجو ( 1976، وحدثها وحللها مارتون وها ونسيل وإنتويسيل (1997)، وقد جعل الباحثان الطلاب يقرءون جزءا من كتاب أكاديمي، ثم طلبا منهم أن يصفوا ما قرءوه. ولقد لخص رامسدن:(1988، ص18)- وهو باحث آخر مهم يعمل في هذا المجال- بإيجاز تلك النتائج الأولية قائلا: «لقد وجدا أدلة على وجود اختلافات «نوعية» في حصيلة القراءة لدى الطلاب. لم تكن الاختلافات مرتبطة بمقدار ما استطاع الطلاب تذكره؛ وإنما مرتبطة بالمعنى الذي حاول المؤلف توصيله؛ حيث فهم بعض الطلاب النقاش المطروح فهما كاملا، وكانوا قادرين على الربط بينه وبين الأدلة المستخدمة لدعم النقاش في حين أن بعض الطلاب فهموا رسالة المؤلف فهما جزئيا، بينما لم يستطع طلاب آخَرون سوى ذكر بعض التفاصيل التي يتذكرونها.» 

  وعندما ركز الطلاب على استظهار الحقائق، وركَّزوا على العناصر غير المترابطة الخاصة بعملية القراءة، وفشلوا في التمييز بين الأدلة والمعلومات، ولم يستغرقوا في تأمل ما يقرءونه، واعتبروا المهمة عبنا خارجيًا، وصف مارتون وسالجو أسلوب تعلمهم بأنه تعلم «سطحي». وعندما ركز الطلاب على ما يعنيه المؤلف، وربطوا بين المعلومات الجديدة وما يعرفونه وجربوه بالفعل، وعملوا على تنظيم المحتوى وترتيبه، واعتبروا القراءة مصدرًا

الصفحة 52

  مهما للتعلم وصف مارتون وسالجو أسلوب التَّعلُّم بأنه «عميق». يستفيض رامسدن (1988،ص23) في تلخيص الاختلافات بين الأسلوبين؛ فبالنسبة إلى الطلاب الذين يتبعون أساليب التعلم السطحي، «كانت الكتب الدراسية بمنزلة مشهد منبسط من الحقائق يتعين عليهم حفظه، بدلا من كونها مساحة شاسعة تتناثر عليها معالم بارزة تُمثل مبادئ أو حججا تنبسط من حولها سهول من الأدلة والبراهين.»      

   كما يلاحظ رامسدن (1988، ص271) أيضًا الروابط القائمة بين التعلم العميق والتعلم التحويلي: «ينبغي أن يُنظر إلى عملية التعلم باعتبارها تغييرا نوعيا في الطريقة التي يرى بها المرء ويختبر ويفهم ويتصوّر شيئًا ما على أرض الواقع؛بدلا من اعتبارها تغييرا كميا في كمية المعرفة التي يكتسبها المرء.» فالتَّعلُّم العميق هو ما يساعد الطلاب على تحقيق أهم الأهداف التعليمية وأشملها.«التعليم العالي ينبغي أن ... يُركز على مساعدة الطلاب على تنمية المهارات والتوجهات، واكتساب المعرفة والفهم الذي سيكون له قيمة قصوى تتعدى الحدود الأكاديمية؛ ليس لمجرد الاستعداد لدخول سوق العمل الخاص بمهنة معينة وحسب، بل للاستعداد الفعال للعيش في القرن الحادي والعشرين أيضًا، (إنتويسيل، 2010، ص 20).

   «منذ إجراء التجربة الأصلية الأولى لقي الاختلاف بين أسلوبي التعلم العميق والتعلم السطحي تأكيدًا واسع النطاق عبر معظم المجالات التي خضعت للدراسة؛ وذلك وفقًا لإنتويسيل (2010، ص 24). ويأتي هذا التأكيد من وسائل تقيس بجدارة إلى أي مدى يستعين الطلاب بأساليب التَّعلُّم العميق أو أساليب التعلم السطحي (بيجز وكيمبر، ولونج، 2001؛ أو تيت، وإنتويسيل، وماكيون، 1998، وأعيد طبعه باسم إنتويسيل، 2010 ، ص53-54 ) . ويستطيع المعلمون أن يستعينوا بهذه الأدوات ليمنحوا الطلاب تقييمات ويُشجعوهم على استكشاف المزيد من الأساليب المثمرة الخاصة بالتعلم العميق.

  وجدت الأبحاث التي أجريت على التّعلُّم العميق والتَّعلم السطحي استحسانًا لدى أعضاء هيئات التدريس ومعظم هذه الأبحاث تلاحظ أن عددًا كبيرًا جدًّا من الطلاب يُركزون على حفظ المادة التعليمية دون أن يفهموا ما يحفظونه بالكامل، أو دون أن يفهموه على الإطلاق. يؤدي اتباع أساليب التَّعلم السطحي إلى حفظ المادة التعليمية لفترة وجيزة، وقد لاحظ ذلك معظم أعضاء هيئات التدريس من واقع خبراتهم المباشرة. إذن،

الصفحة 53

  السؤال المطروح هو : هل أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم تُشجّع التَّعلم العميق؟ وتوجد الأدلة الأكثر إقناعا، التي تُبرهن على ذلك، في الأبحاث التي أجريت على توجهات أعضاء هيئات التدريس نحو طرق التدريس.

(1-2) توجهات أعضاء هيئات التدريس نحو طرق التدريس

  أظهرت إحدى الدراسات التي يرجع تاريخها إلى عام 1988 (جرينسون)، وجود علاقة بين أساليب التدريس المتمركز حول المعلم أو المتمركز حول الطالب، وبين نوعية الخبرات التعليمية التي ذكرها الطلاب وفي تلك الدراسة حظيت الأساليب التعليمية المتمركزة حول الطالب بأفضلية عبر عدد من المتغيرات المختلفة. وقد حظيت هذه النتائج المبكرة بتأكيدات مستمرة، بدايةً من دراسة كيمبر وجاو (1994) عن المدرسين والطلاب داخل مختلف الأقسام. إن نتائجهما تُشير إلى أن طرق التدريس التي تبناها المعلمون، والمهام التعليمية التي حددوها، والواجبات المنزلية التي واجبوها وعبء العمل الذي حددوه؛ تأثرت تأثيرا قويا بالتوجه المتبع نحو طرق التدريس؛ ففي الأقسام التي يسود فيها توجه نقل المعرفة من المرجح أكثر أن يكون لتصميم المناهج وطرق التدريس تأثير غير مرغوب على أساليب التعلم التي يتبعها الطلاب. بينما الأقسام الأكثر ميلا نحو تيسير عملية التعلم تميل على الأرجح إلى تصميم مواد دراسية وتوفير بيئة تعليمية تُشجّع التعلم الهادف ( ص 69).

   في أواخر تسعينيات القرن العشرين طوّر تريجويل وبروسر - بالتعاون مع العديد من زملائهم -«استبيان أساليب التدريس» (عدله بروسر وتريجويل، 2006) الذي يُحدد إلى أي مدى يكون المعلم موجهًا نحو نقل المعلومة والتركيز على المعلم، أو موجها نحو تغيير المفاهيم والتركيز على الطالب؛ وحسب المصطلحات المستخدمة في هذا الكتاب، يُحدد هذا الاستبيان ما إذا كان المدرس يتبع أسلوبًا متمركزا حول المعلم، أم متمركزا حول المتعلم. وفي عام 2010 ، أعد تريجويل تقريرًا عن خمس دراسات بحثية قدمت هذه الوسيلة لأعضاء هيئات التدريس في الوقت نفسه الذي انتهى فيه طلابهم من استبيان أساليب التعلم (مثل استبيان بيجز، وكيمبر، ولونج، (2001) ثم قارن النتائج. كان عدد كبير من هذه الدراسات كبير الحجم على نحو مثير للإعجاب؛ إذ اشتملت إحداها على

الصفحة 54

46 مدرسًا جامعيًّا لمادة العلوم في 48 قاعة دراسة و 3956 طالبًا (تريجويل وبروسر ووترهاوس ،1999)، واشتملت أخرى على 55 مادة دراسية لطلاب الفرقة الأولى، يُدرسها عدة معلمين في مجموعة من التخصصات الدراسية، واستقت البيانات من 408 معلمين و 8829 طالبًا (تريجويل وبروسر ورامسدن و مارتن، (1999)

  ويكتب تريجويل (2010) عن نتائج كل هذه الدراسات قائلًا: «تشير هذه الدراسات مجتمعة، مع اعتبار قاعات الدراسة وحدة التحليل إلى أن أسلوب التدريس القائم على نقل المعلومة المتمركز حول المعلم مرتبط بقوة وقطعيًّا بأسلوب التعلم السطحي وغير العميق، وأن أسلوب التدريس القائم على تغيير المفاهيم /المتمركز حول الطالب مرتبط قطعيًّا بأسلوب التَّعلُّم العميق وغير السطحي»    121). ويُقدِّم تريجويل وصفا للتوجه المتمركز حول الطالب يؤكّد فيه أنه الأسلوب الذي يُشير إليه هذا الكتاب بأسلوب التدريس المتمركز حول المتعلم: «عندما يُصرِّح المدرسون بأنهم يعتبرون الطلاب بؤرة تركيز أنشطتهم؛ حيث يكون ما يفعله الطلاب وما يتعلمونه أهم مما يقوم المعلم بتغطيته وعندما يكون المدرس هو من يُشجّع التَّعلم الموجه ذاتيا، ... حيث يثير المدرس النقاش ويستغرق الكثير من الوقت في التحقق من أفكار الطلاب، وفتح «حوار» مع الطلاب أثناء المحاضرة، حينئذ يكون طلابه أقل عرضةً لتبني أسلوب التعلم السطحي، وأكثر عرضةً لتبني أسلوب التعلم العميق» (ص 121).

  يقدم هذا البحث توصية مقنعة للاستعانة بطرق التدريس المتمركز حول المتعلم. فعند الاستعانة بهذه الأساليب، يمكن تبرير الزعم القائل بأنها تُشجّع نوعًا مختلفًا وأعمق وأفضل من التَّعلُّم. إنه التَّعلُّم الذي يدوم؛ التَّعلُّم الذي يُمكّن التعليم العالي من تحقيق بعض أهدافه الأشمل والأسمى.

(1-3) المتعلمون المستقلون الذين يتسمون بالتوجيه الذاتي والتنظيم الذاتي

في مرحلة مبكرة من مشواري المهني لتنمية مهارات أعضاء هيئات التدريس، صادفتُ فكرة التعلم الذاتي في كتاب بوود (1981)؛ حيث وصفت مقالاته المجمعة في كتاب مُنقَّح كيف يصنع التعليم من الطلاب عادةً متعلمين متواكلين للغاية؛ إذ إنهم يتكلون على المعلم

الصفحة 55

   كي يُحدد لهم ما يحتاجون إلى تعلُّمه، ويصف لهم أساليب التعلم، وفي النهاية يُقيم لهم ما تعلموه ومدى جودة تعلُّمهم إياه والكثير من الطلاب يدخلون قاعة الدراسة راغبين في أن يُخبرهم المعلمون بكل شيء تقريبًا؛ مثل عدد الكلمات التي ينبغي أن تحتوي عليها أبحاثهم، وشكل الخط الذي ينبغي لهم استخدامه، وعدد المراجع التي يجب أن يحتوي عليها البحث، وعرض الهوامش التي ينبغي أن يستخدموها في صفحة البحث. وإذا لم تُحدد هذه التفاصيل، فإن الطلاب سيسألون عنها وسيشعرون بالإحباط إذا اضطروا إلى اتخاذ هذه القرارات بأنفسهم. 

   ونظرًا لأننا نادرًا جدًّا ما نرى متعلمين يتسمون بالتوجيه الذاتي داخل قاعات الدراسة في جامعاتنا، فإننا ننسى مدى الفاعلية التي يتعلم بها بعض الأفراد اعتمادًا على أنفسهم. وسواء أكان المتعلم بستانيًا علم نفسه بنفسه، أم حائكًا محترفًا، أم مُراقبا هاويًا للطيور، أم بناء قوارب في مرآب، فإن بعض المتعلمين يرتقون بمهنتهم إلى مستويات أعلى من المعرفة والمهارة. ولقد تم تحديد عدة سمات خاصة بالمتعلمين المستقلين عن طريق بحث يُحلّل طريقة تصرف المتعلمين الذين يعتمدون على التعلم الذاتي. وقد لخص هذا البحث وأبحاث أخرى في كتاب ألفه كاندي عام 1991 بعنوان «التوجيه الذاتي وعلاقته بالتَّعلم مدى الحياة». وتستعين الأبحاث بملحق يحتوي على «توصيف المتعلم ذاتي التَّعلُّم» الذي ابتكره كاندي ليسرد أكثر من مائة خاصية وسمة وصفة وقدرة» (ص459) يتسم بها المتعلم ذاتي التَّعلُّم. وقد صار هذا الملحق ملخّصًا متميزا للأبحاث، وقدم توصيفا مناسبًا للطالب «المثالي»؛ الطالب الذي نود جميعًا التدريس له.

   ويُقدِّم زيمرمان (2002)، الذي أجرى أيضًا أبحاثاً شاملة في هذا المجال، تعريفا واضحًا لما يُسمِّيه التَّعلُّم ذاتي التنظيم، والذي يصفه بأنه «ليس قدرة ذهنية أو مهارة خاصة بالأداء الأكاديمي، وإنما هو بمنزلة عملية قائمة على التوجيه الذاتي يستعين بها المتعلمون ليُحوّلوا قدراتهم الذهنية إلى مهارات أكاديمية ( ص 65). وتتنوع تسمية هذه السمات الخاصة بالمتعلمين ما بين المتعلمين ذوي التوجيه الذاتي، والمتعلمين ذوي التَّعلم الذاتي، والمتعلمين المستقلين. وتُدمج الاختلافات وهي أشبه بالفوارق الدقيقة أكثر من كونها اختلافات جوهرية صريحة، فيما يصفه زيمرمان (2008) بأنه سؤال بحثي شامل؛ ألا وهو محاولة فهم «كيف يتأتى للطلاب التحكم في عملية تعلمهم» (ص 166).

الصفحة 56

  يُقدم مقال زيمرمان المنشور عام 2002نظرةً دقيقة وواضحة للأبحاث التي أجريت على التَّعلم ذاتي التنظيم. ويجدر بالباحث الرجوع إلى هذا المقال إذا كان هذا المجال يقع في دائرة اهتمامه؛ حيث يُحدد زيمرمان ثلاث نتائج خرجت بها الأبحاث؛ أولا: «يشتمل التعلم ذاتي التنظيم على ما هو أكثر من المعرفة التفصيلية لإحدى المهارات؛ فهو يشتمل على الوعي الذاتي، والتحفيز الذاتي والمهارات السلوكية الضرورية لتطبيق هذه المعرفة تطبيقا صحيحًا» (ص 66) . ثانيًا: تؤكد الأبحاث أيضًا على أن التنظيم الذاتي ليس سمةً يتحلى بها البعض ويفتقدها الآخرون. ثالثًا :وأخيرا سواءً أكان الطالب محفزًا أم غير مُحفَّرْ؛ فإن التَّعلُّمَ ذاتي التنظيم يعتمد على المعتقدات الخاصة بالكفاءة الذاتية والاهتمام الحقيقي. 

  كما هي الحال مع التعلم العميق والتعلم السطحي، طور الباحثون بضع أدوات واستخدموها لتحديد مدى تحلي الطلاب بالتنظيم الذاتي. تشتمل هذه الأدوات على استبيان استراتيجيات التعلم والمذاكرة(فاينشتاين وشولت، وبالمر، 1987)، واستبيان استراتيجيات دافعية التَّعلُّم (بينترتش وسميث، وجارسيا، وميكياتشي، 1993)، ومقياس تقييم التَّعلم ذاتي التنظيم عن طريق المقابلات الشخصية، الذي يستعين بمقابلة شخصية تضع الطلاب الحاليين في مواجهة مع ست مشكلات دراسية يستجيبون لها شفهيا (زیمرمان و مارتينيز بونز 1986، 1988). وكما هي الحال مع الأدوات المستخدمة في تقييم التعلم العميق والتَّعلم السطحي، تُعد هذه الأدوات مصادر رائعة للمعلمين. وإذا أنهى الطلاب واحدةً من هذه الأدوات ،يستفيد المعلمون منها في تحديد مدى استعانة طلابهم باستراتيجيات التعلُّم ذاتي التنظيم، ويستفيد الطلاب بالقدر نفسه، إن لم يكن بقدر أكبر، عن طريق الوعي بالاستراتيجيات التي يستعينون بها والبدائل الأكثر فاعلية لها.

  وقد لخص زيمرمان (2008) الأبحاث في أربعة أسئلة تخضع حاليا للاستكشاف العملي والتجريبي حتى وقت قريب اعتمد الباحثون على ما يقوله الطلاب من تلقاء أنفسهم بخصوص ما يقومون به أثناء المذاكرة، أما الآن فثَمَّةَ برامج حاسوبية تُمكّن الطلاب من استخدام عدة استراتيجيات مرتبطة بالتنظيم الذاتي، وهذه البرامج تُتيح للباحثين تتبع الاستراتيجيات التي يستعين بها الطلاب أثناء المذاكرة. والسؤال هو: هل ثَمَّةَ تَطابق بين ما يقوله الطلاب واستخدامهم الفعلي للاستراتيجيات؟ وإلى الآن النتائج

الصفحة 57

   متباينة. والسؤال الثاني هو: إذا كان الطلاب يستخدمون استراتيجيات التعلم ذاتي التنظيم في المنزل أو في المكتبة، مثلا، فهل يُحسّن هذا من مستوى تحصيلهم الأكاديمي بوجه عام ؟ تردُّ الأبحاث الأولية عن هذا السؤال بالإيجاب. أما السؤال الثالث، فهو مرتبط على وجه التحديد بأهداف التدريس المتمركز حول المتعلم؛ فهل يستطيع المعلمون تعديل ما يقومون به داخل قاعات الدراسة بطرق تُشجّع التَّعلُّم ذاتي التنظيم بين الطلاب؟ والإجابة هي: نعم، يستطيعون ذلك. وأخيرًا ما الدور الذي تلعبه المشاعر التحفيزية والمعتقدات الراسخة لدى الطلاب في إحداث التغييرات في أسلوب تعلمهم المنظم ذاتيا وفي الإبقاء عليها؟ وتشير الأبحاث في الوقت الحالي إلى وجود علاقة وطيدة بين عمليات التعلم ذاتي التنظيم ومصادر الدافعية والتحفيز.

    وكنتيجة للأبحاث التي أجريت على التَّعلُّم الموجه ذاتيا، يقترح الكثيرون في الوقت الحالي أنه ينبغي لخبرة التعليم النظامي أن تُمكِّن المتعلمين من تحديد ما يحتاجون إلى معرفته ومن اتخاذ القرار بشأن الطريقة التي سيتعلمون بها؛ سواء أكانوا يواجهون مهمة تعليمية داخل قاعة الدراسة، أم في المنزل، أم في العمل، أم طوال الحياة فيما بعد. ومع ذلك، أشار زيمرمان (2002) إلى أنه بالرغم من أن نتائج الأبحاث تُظهر على نحو قاطع أن التنظيم الذاتي يؤدي إلى نجاح أكاديمي أكبر، فإن عددا قليلا من المعلمين يُعدون الطلاب على النحو الذي يؤهلهم للتعلم عن طريق الاعتماد على أنفسهم» (ص64). ويستفيض قائلا: نادرًا ما يُمنح الطلاب خيارات بشأن المهام الأكاديمية المفروضة، أو أساليب لأداء الواجبات الدراسية المعقدة، أو شُركاء للمذاكرة. وقليل من المعلمين يُشجعون الطلاب على وضع أهدافٍ محددة لعملهم الأكاديمي، أو يُدرّسون استراتيجيات مذاكرة واضحة. كما أنه من النادر أيضًا أن يُطلب من الطلاب تقييم عملهم تقييما ذاتيًا أو تقدير مدى كفاءتهم في الاضطلاع بمهام جديدة» (ص 69). 

   وهذه الأساليب التي تُعد الطلاب للتعلم عن طريق الاعتماد على أنفسهم بمنزلة جزء متأصل في التدريس المتمركز حول المتعلم، الذي يُشرك الطلاب في عملية اتخاذ القرارات الخاصة بالتَّعلُّم، ويُشجّع التعاون، ويُقدِّم إرشادات واضحة بخصوص مهارات التعلم ويُوفِّر الفرص من أجل إجراء التقييم الذاتي وتقييم الأقران. إن قيمة تمكين الطلاب من التَّعلُّم اعتمادًا على أنفسهم ليست بشيء يحتاج أعضاء هيئة التدريس إلى إثبات صحته عن طريق الأبحاث. إننا نعرف أن طلابنا سيُغيّرون وظائفهم، وأن الكثيرين منهم سيفعلون ذلك أكثر من مرة، وأن التعليم المستمر سيكون جزءًا من كل وظيفة يعملون بها، بل

الصفحة 58

   وأنه جزء من الحياة بشكل عام. ومن الواضح أن نجاح طلابنا يعتمد على قدرتهم على التعلم مدى الحياة. إن نتائج الأبحاث التي أجريت على التَّعلُّم العميق والتَّعلُّم السطحي، وتوجهات أعضاء هيئة التدريس نحو طرق التدريس والتَّعلُّم ذاتي التنظيم، جميعها تدعم الاستعانة بأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم. وتُؤكَّد الأبحاث التي أجريت على توجهات أعضاء هيئة التدريس نحو طرق التدريس أنه إذا كان تركيز المعلمين الأساسي على تغطية المحتوى، فإن ردَّ الطلاب سيكون عن طريق حفظ المواد التعليمية، عادةً بقدر قليل من الفهم أو بلا فهم على الإطلاق. وعندما يتبع المعلمون التدريس المتمركز حول المتعلم، ويُركزون على فهم المادة التعليمية، ويلتزمون بمساعدة الطلاب في التحكم في عمليات التَّعلُّم خاصتهم، فإن الطلاب يتعلمون المادة على مستوى أعمق، ويسيطرون على عملية تعلمهم بطرق تقودهم إلى التحلي بالاستقلالية والاعتماد على الذات كمتعلمين.

(2) مراجعات أبحاث جديرة بالاهتمام

  تلخص مراجعات الأبحاث النتائج وتدمجها؛ مما يعطي صورة أوضح لحجم المعرفة التي تم التوصل إليها في نطاق معين. في أغلب الوقت تُكتب المراجعات لمن يُجرون تلك الأبحاث أو لمن يهتمون بموضوعات ذات صلة بتلك الأبحاث ونادرًا ما تستعرض هذه المراجعات آثار النتائج، بل ومن النادر أكثر أن تُكتب هذه المراجعات خصوصا للممارسين العمليين، إلا أن المراجعات الثلاث الموجودة في هذا الجزء تُمثل استثناءات جديرة بالذكر في هذا المقام، وجميع المراجعات الثلاث تستعرض الأبحاث ذات صلة بالتدريس المتمركز حول المتعلم.

(2-1) مراجعة الأبحاث التي أُجريت على الدافعية والتحفيز

  يعاني معظم أعضاء هيئات التدريس من سلبية الطلاب المنتشرة على نطاق واسع. كيف يمكن لهؤلاء الطلاب أن يكونوا طلابًا جامعيين ومع هذا يفتقرون إلى الحافز الذي يدفعهم نحو التَّعلُّم؟ يجب على كل من يعمل منا في مجال التدريس للطلاب الذين يفتقرون إلى الحافز أن يطّلع بقدر الإمكان على الأبحاث التي تناولت هذا الموضوع، وقد نشر بينترتش

الصفحة 59

(2003) مراجعة متميزة في هذا الصدد. وبينترتش باحث تعليمي مشهور بأبحاثه على موضوع الدافعية والتحفيز، ويستعرض بينترتش الأبحاث التي تتناول سبعة أسئلة

رئيسية تدور حول موضوع الدافعية والتحفيز:

(1) ماذا يريد الطلاب؟

(2) ما الذي يُحفّز الطلاب داخل قاعة الدراسة؟

(3) كيف يحصل الطلاب على ما يريدون؟

(4) هل يعرف الطلاب ما الذي يريدونه وما الذي يُحفزهم؟

(5) كيف يقود التحفيز إلى المعرفة وكيف تقود المعرفة إلى التحفيز؟

(6) كيف يتغير التحفيز ويتطور؟

(7) ما الدور الذي يلعبه السياق والثقافة؟

   وعلى عكس عدد كبير جدًّا من المراجعات، أوضح بينترتش النتائج التعليمية الخاصة بالأبحاث التي أُجريت على موضوع الدافعية والتحفيز. على سبيل المثال، ردا على سؤال: ما الذي يُحفّز الطلاب داخل قاعة الدراسة؟ حدد بينترتش مجموعةً من التعميمات التي تدعمها الأبحاث، بدايةً من أن عمليات العزو القابلة للتعديل والمعتقدات الخاصة بإمكانية التحكم تحفز الطلاب داخل قاعات الدراسة ] (ص673). وفي تلخيص بينترتش للبحث الذي يدعم هذا الزعم، يقول: «الاتجاه العام هو أن الطلاب الذين يعتقدون أنهم يتمتعون بقدر أكبر من التحكم في عملية تعلُّمهم وسلوكياتهم يكونون أكثر عرضةً لتحقيق النجاح وإحراز مستوى أعلى من التحصيل الدراسي مقارنةً بالطلاب الذين لا يشعرون بالتحكم والسيطرة» (ص673). إذن، ما هي مبادئ «التصميم» التي يُنصح بها استنادًا إلى هذه النتائج؟ «وفّر [للطلاب] فرصة الاختيار وممارسة التحكم والسيطرة.» وهكذا فإن ما لاحظه الكثيرون منا داخل قاعات الدراسة، التي يتبع فيها التدريس المتمركز حول المتعلم، تدعمه الأبحاث؛ فعندما يستطيع الطلاب اتخاذ بعض القرارات بخصوص طريقة تعلُّمهم، وعندما يمارسون قدرًا من التحكم والسيطرة على عمليات تعلُّمهم، يزداد حافزهم للتعلم. 

هناك الكثير والكثير في مراجعة بينترتش، ومع ذلك، لن أكون صادقةً إذا قلت إنها مراجعة تسهل قراءتها؛ فهي ليست كذلك، لكن إذا كان اكتساب فهم أفضل لدور التحفيز

الصفحة 60

في عملية التعلم أمرًا يثير اهتمامك، فلن تجد مصادر كثيرةً واضحة ومحددة مثل هذه المراجعة وستجني مقابل الجهد المبذول في قراءة هذه المراجعة على صورة مقترحات واضحة بشأن ما ينبغي اتخاذه تجاه نتائج الأبحاث.

(2-2) مراجعات الأبحاث التي أُجريت على التعلم النشط

   تغطي الأبحاث التي أجريت على التَّعلم النشط نطاقا واسعا، وهي متنوعة وغير مرتبة وكأنها بساط منسوج من أقمشة متنوعة التشكيلات ومختلفة الألوان. تنبع المشكلات من كثرة التعريفات المختلفة لمفهوم التَّعلم النشط، وتتفاقم المشكلات بالاستراتيجيات يلصق بها اسم التَّعلُّم النشط. أيضًا، توجد طرق عديدة مستخدمة لدراسة آثار تجارب التَّعلم النشط. وأخيرًا، أجريت بعض الدراسات الخاصة بالتعلم النشط في جميع التخصصات الدراسية تقريبًا. ومَن الذي سيُحاول ولو حتى استعراض الأبحاث التي أجريت في هذا النطاق؟

   لم تُجر المراجعتان اللتان بصدد أن أُلقي الضوء عليهما على يد باحثين تربويين قد يزعم المرء أنهم أفضل من يحاول إعداد مثل هذا النوع من المراجعات، وإنما أجراهما مهندس كيميائي وطبيب نفساني بكلية الطب. ولا تُعد أي منهما نموذجا مثاليا للمقالات التي تستعرض مراجعات الأبحاث، بل لكل واحدة منهما نسق مختلف تماما عن الأخرى. وكلتاهما موجهتان للجمهور من أعضاء هيئات التدريس، وبالرغم من أن أسلوبيهما مختلفان، فإن كلتيهما توصلتا إلى النتيجة نفسها. وإذا كان هناك أي شكوك حول إنجازات التعلم النشط أو إذا كان هناك أحد من الزملاء ما زال بحاجة إلى الاقتناع بأن هناك أدلة تدعم المزاعم المعتادة الخاصة بالتَّعلُّم النشط، فإن هاتين المراجعتين تحسمان هذه القضية. كلتا المراجعتين تستحقان المزيد من المناقشة؛ وذلك لأن التعلم النشط والتدريس المتمركز حول المتعلم وجهان لعملة واحدة.

   تبدأ مراجعة برينس (2004) بالتعريفات، وتتبعها مناقشة رائعة لما يجعل إجراء الأبحاث على التعلم النشط موضوعًا من الصعب جدًّا أن تُلقي عليه نظرة إجمالية؛ فعلى سبيل المثال: هناك مشكلة تحديد ما يخضع للدراسة، ويستعين برينس بالتَّعلُّم القائم على حل المشكلات كمثال. إنه أسلوب مستخدم وخاضع للدراسة على نطاق واسع، إلا أنه

الصفحة 61

   ليس هناك إجماع على العناصر الأساسية الخاصة بهذه الاستراتيجية؛ مما يُصعب الخروج بتعميم واحد من أبحاث عدة. بعد ذلك، تأتي مشكلة تقييم «ما يؤتي ثماره»؛ وهو تقييم يتطلب فحص مجموعة كبيرة من نواتج التَّعلُّم، وتفسير البيانات بعناية، وقياس أهمية أي تحسينات تم تسجيلها، وتكوين فكرة عما يحافظ على تلك التحسينات «المهمة»» ( ص 225).

    وعن طريق استخدام التعريفات الواضحة وترسيخ المعايير المحددة، يلقي برينس الضوء على تصنيفين رئيسين للأبحاث التي أجريت على التَّعلم النشط: أولا: استراتيجيات التعلم النشط التي تُشرك الطلاب في المحاضرات، وثانيًا: أنشطة مشاركة الطلاب، بما في ذلك التَّعلم التعاضدي، والتَّعلم التعاوني، والتَّعلُّم القائم على حل المشكلات. ومراجعاته للأبحاث التي أجريت على كل مجال من هذه المجالات واضحة وسهلة الفهم. وبخصوص النتيجة الإجمالية يكتب برينس على الرغم من تفاوت النتائج في قوتها وجد هذا البحث دعما لجميع أشكال التعلم النشط التي خضعت للدراسة» (ص229).وفي موضع لاحق، يقول برينس: لا يُمكن اختزال التدريس في صيغة معادلات ولا يُعد التَّعلم النشط دواءً شافيًا لجميع المشكلات التعليمية ومع ذلك، ثَمَّةَ تأييد واسع النطاق لعناصر التعلم النشط التي نوقشت على نحو أكثر شيوعًا في أدبيات الأبحاث التربوية وخضعت للتحليل هناء (ص229).           

    بدأت مراجعة مايكل (2006) أيضًا بالتعريفات؛ أي تعريفات التعلم النشط والتدريس المتمركز حول المتعلم. ويُشير تعريف التَّعلُّم النشاط، المأخوذ عن «قاموس جرينوود للمصطلحات التربوية»، إلى أنه عبارة عن«عملية إشراك الطلاب في بعض التي تُجبرهم على تأمل الأفكار وكيفية استغلال تلك الأفكار.» ويذكر التعريف قائمة بأمثلة على التَّعلم النشط؛ إذ يتطلب من الطلاب بصفة منتظمة تقييم درجة استيعابهم ومهارات تعاملهم مع المفاهيم أو المشكلات في تخصصات دراسية معينة، وتحصيل المعرفة عن طريق المشاركة أو المساهمة، والحفاظ على إبقاء الطلاب في حالة نشطة من الناحية الذهنية والبدنية عادةً، أثناء التَّعلُّم؛ وذلك من خلال الأنشطة التي تشركهم في جمع المعلومات والتفكير في المشكلات وحلها» (ص160).

الصفحة 62

   هذا التعريف جدير بالاهتمام لبضعة أسباب؛ أولا :يميل أعضاء هيئات التدريس إلى الاعتقاد بأن التَّعلم النشط مُرتبط بالأنشطة؛ أي جعل الطلاب منشغلين بفعل شيء ما. فما يفعله الطلاب أقل أهمية من حقيقة أنهم لم يعودوا خاملين وسلبيين. وهذا التعريف يُوضح أنه حين تدمج كلمة «نشط» مع كلمة «تعلم»، فإن ما يقوم به الطلاب يُمثل أهمية؛ حيث ينبغي لهم الاشتراك في أنشطة تتضمن التأمل والتقييم وتعلم المهام المرتبطة بإتقان المادة التعليمية. وبعبارة أخرى: لا يُركز كل ما يُسمى بالتَّعلم النشط على التَّعلُّم في حد ذاته. ويهتمُّ المعلمون الذين يتبعون طرق التدريس المتمركز حول المتعلم بتلك الأنشطة المتمركزة حول التعلم.

ويضم مايكل (2006، ص. 160-165) في مراجعته أدلة من علوم التعلم والعلوم الإدراكية وعلم النفس التربوي. ويلخص مايكل الأبحاث المأخوذة من هذه المجالات في خمسة مبادئ يَصفُها بأنها نتائج رئيسية» تدعم التعلم النشط:

. يتضمن التعلم مُشاركة المتعلم على نحو نشط في تكوين معان خاصة به، ويكون المتعلمون المعاني عن طريق دمج ما يعرفونه في الوقت الحالي مع المعلومات الجديدة التي يكتسبونها، وهذا يجعل التَّعلم عملية ذات طابع شخصي، ويستبعد أي أفكار تعتبر التعلم مجرد نقل للمعرفة وحسب.   

 • تعلم الحقائق وتعلم إجراء شيء ما عمليتان مختلفتان، وهذا يفسر كيف يستطيع الطلاب تعلم الحقائق ورغم ذلك لا يستطيعون استغلال تلك المعلومات. 

• بعض الأشياء التي يتم تعلمها محددة بالمجال أو السياق (موضوع أو مادة دراسية) الذي جرت فيه عملية التعلم، في حين أن ثَمَّةَ أشياءَ تُنقل بسهولة أكبر إلى مجالات أخرى. ومن أجل نقل المعرفة بنجاح من موقف لآخر، على الطلاب أن يُمارسوا ما يتعلمونه.        .حين يتعلم الأفراد برفقة آخرين فمن المرجح أن يتعلموا المزيد مقارنةً بما إذا كانوا يتعلمون بمفردهم.

 • التَّعلم الهادف يُيسره ترديد الشرح والتفسير، سواء أكان ذلك لنفسك أم للأقران أم للمعلمين. وتكوين هذه التفسيرات يُدرّب الطلاب على استخدام لغة التخصصات الدراسية.

الصفحة 63


  وتتضمن مراجعته جزءًا يُلقي الضوء على الأدلة التي تشير إلى نجاح التعلم النشط في مجال العلوم، ويشرح كيف أن الأبحاث التربوية تختلف عن الأبحاث التي تُجرى في مجال العلوم، ولماذا يصعب دراسة الظواهر الخاصة بالتدريس والتَّعلُّم. ويختتم قائلا: «ثُمَّةَ أدلة تُبرهن على أن التَّعلُّم النشط وأساليب التدريس التمركز حول الطالب المستخدمة لتدريس مادة علم وظائف الأعضاء تُحقق نجاحًا [الأدلة التي استعان بها تدعم هذه النتيجة باعتبارها نتيجةً عامة وهذه الأساليب تُحقق نجاحًا أفضل من الأساليب الأكثر سلبية (ص165).

(3) الأبحاث القائمة على التخصصات الدراسية الداعمة لأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم

  تشتمل بعض أفضل الأبحاث القائمة على التخصصات الدراسية الداعمة لأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم على ثلاثة أشكال للعمل الجماعي ذي المستوى التنظيمي العالي وأغلب الأبحاث التي أُجريت على فاعلية هذه الأساليب أُجريت في مجال تدريس العلوم.

   يصف أحد المقالات الرائعة هذه الطرق التربوية القائمة على المشاركة الطلابية ويُقارن بينها ألا وهي: التَّعلُّم القائم على حل المشكلات وأسلوب التعلم الاستقصائي الموجه نحو إتقان المهارات العملية، والتَّعلُّم القائم على فريق يقوده الأقران (إيبرلاين وكامبماير وما يندر هويت ومووج وبلات -وفارما - نيلسون ووايت 2008). وهذه الأساليب بأي حال من الأحوال هي الأساليب الجماعية الوحيدة التي تشتمل على استراتيجيات متمركزة حول المتعلم. ويقدم برينس وفيلدر (2006و2007) مراجعتين شاملتين لما سمياه الطرق الاستنباطية للتدريس والتَّعلُّم، والتي تشتمل - بالإضافة إلى الأساليب الثلاثة الجماعية التي ألخصها هنا - على التَّعلُّم القائم على تنفيذ المشروعات، والتدريس القائم على دراسة الحالة، والتَّعلُّم بالاكتشاف والتدريس القائم على استغلال وقت الدرس بفاعلية. ويزخر مقالا برينس وفيلدر بالمراجع التي تصف برامج تستعين بكل هذه الأساليب الجماعية، وكذلك الدراسات التجريبية التي تبرهن على فعاليتها. 

استخدم أسلوب التَّعلُّم القائم على حل المشكلات لأول مرة في دراسة الطب؛ حيث يتعامل مجموعة من طلاب كلية الطب مع مشكلة ليس لها حل واحد حاسم؛ عادةً

الصفحة 64

أدلة بحثية تبرهن على نجاح التدريس المتمركز حول المتعلم

   ما تتمثل المشكلة في مريض تظهر عليه عدة أعراض محيرة. في التَّعلم القائم على حل المشكلات تأتي المشكلة في المقام الأول؛ وهذا يعني أن الطلاب يتعلمون المحتوى على أساس قدر المعرفة التي يحتاجون إليها. وقد تطور أسلوب التَّعلُّم القائم على حل المشكلات ليصير نهجا للتدريس غير معتمد على المحاضرات التقليدية. وخلال السنوات التي تلت ابتكاره استخدم هذا النوع من التَّعلُّم على نطاق واسع في العديد من المجالات، غير مجال الطب. وبالنسبة إلى الطلاب الجامعيين تتمثل المشكلات في مواقف مُريكة وواقعية تستلزم من الطلاب أن يدمجوا المعرفة عبر مواد دراسية مختلفة وأحيانًا من مجالات مختلفة. ولقد شجع أيضًا الاستخدام الأوسع لهذا النوع من التَّعلُّم على تطوير أشكال مختلفة منه؛ مما صعب المقارنة بين نتائج الأبحاث.

   ابتكر أسلوب التَّعلُّم الاستقصائي الموجه نحو إتقان المهارات العملية لأول مرة في مجال دراسة مادة الكيمياء؛ وهو يتضمَّن تعاون الطلاب معا أثناء المحاضرة للعمل على مواد تعليمية مصمَّمة خصوصًا لأغراض معينة؛ إذ يعمل الطلاب على مجموعة من الأسئلة المصوغة بإتقان أسئلة الاستقصاء الموجه التي تلي «دورة التَّعلُّم» المكونة من ثلاث مراحل؛ بداية يستكشف الطلاب، ثم يبتكرون، وفي النهاية يُطبقون. ويمكنك أن تجد أمثلة على المواد التعليمية الخاصة بالتَّعلُّم الاستقصائي الموجه نحو إتقان المهارات العملية، وكذلك مراجع ومصادر أخرى على الموقع الإلكتروني: www.pogil.org. ويؤدي المحاضرون في هذا المقام وظيفة ميسري العملية التعليمية؛ حيث يُقدمون الدعم للمجموعات الطلابية بطرق متنوعة، ويُقدمون المادة التعليمية في شكل محاضرات من آن لآخر. يُمنح الطلاب أدوارًا مثل المدير أو الكاتب أو المتحدث أو أمين المكتبة. ويُستخدم هذا الأسلوب للتعلم مع الطلاب الجامعيين الذين يدرسون الكيمياء والفيزياء والرياضيات وعلوم الحاسب الآلي والهندسة وعلم البيئة والتعليم وعلم التشريح وعلم الوظائف والتسويق.

   ابتكر أسلوب التَّعلُّم القائم على فريق يقوده الأقران لأول مرة في مجال دراسة مادة الكيمياء أيضًا. ويشتمل هذا الأسلوب على الاستعانة بطلاب مُدرَّبين على القيام بدور ميسر العملية التعليمية؛ وهم طلاب أنهوا تعلُّم المادة الدراسية بتقديرات عالية. ويلتقي

  هؤلاء الطلاب الميسرون للعملية التعليمية - أو القادة الأقران - مرة كل أسبوع لمدة ساعتين بطلاب يتراوح عددهم بين ستة وثمانية طلاب مُسجّلين حاليًّا لدراسة هذه المادة. يعمل

الصفحة 65


  الطلاب على حل مشكلات أعدها أعضاء هيئة التدريس، مشكلات ذات صلة بالمادة العلمية الموجودة في الكتاب الدراسي والمحاضرات والواجب المنزلي. ويشجع القادة الأقران الطلاب في مجموعات على الاستعانة بأساليب التَّعلُّم التعاضدي، مثل: العصف الذهني وحل المشكلات باستخدام جدول زمني محدد والطرح المتبادل للأسئلة بين الميسر والطالب، وغيرها من أشكال التفكير الثنائي التبادلي. في بعض الحالات، تُعقد جلسات التَّعلُّم القائم على فريق يقوده الأقران خارج قاعة الدراسة بالكامل، وأحيانًا تحلُّ هذه الجلسات محل الحلقات الدراسية النظامية، وفي حالاتٍ أخرى تُلغى إحدى المحاضرات الأسبوعية لتفسح المجال أمام جلسة التَّعلُّم القائم على فريق يقوده الأقران.

  ويحتوي مقال إيبرلاين وكامبماير ومايندر هويت ومووج وبلات وفارما- نيلسون ووايت (2008) على جدول مُفصَّل يقارن ويوازن بين هذه الأساليب الثلاثة للتعلم. ويقولون عن هذه الأساليب الثلاثة: يشتمل التَّعلُّم القائم على فريق يقوده الأقران على أقل قدر من الاختلاف مع طرق التدريس التقليدية، بينما يشتمل التَّعلُّم القائم على حل المشكلات على أكبر قدر من الاختلاف مع طرق التدريس التقليدية» (ص670). وبعد الاطلاع على خصائص التدريس المتمركز حول المتعلم تُصنَّف هذه الأساليب الثلاثة على أنها أساليب متمركزة حول المتعلم، رغم أن هذه التسمية لا تلازمها باستمرار في نطاق أدبيات الأبحاث التربوية. ينخرط الطلاب على نحو نشط في المادة التعليمية، ويتمتَّعون بمستويات متنوعة من التحكم والسيطرة فيما يخص العمليات التعليمية؛ فهم لا يتعلمون المادة التعليمية وحسب، بل يتعلمون كيف يتعامل العلماء مع المشكلات ويحلونها. وقد خضع كل أسلوب من هذه الأساليب للدراسة التجريبية والعملية، وفيما يلي ملخص لنتائج هذه الدراسات.

(3-1) التَّعلُّم القائم على حل المشكلات

التعلم القائم على حل المشكلات هو الأسلوب الأقدم والأكثر استخداما على نطاق واسع، والأكثر خضوعا للأبحاث من بين الأساليب الثلاثة للتعلم الجماعي. وقد نُشرت عدة مقالات تستعرض مراجعات الأبحاث التي أُجريت على التَّعلُّم القائم على حل المشكلات، من بينها مقال فيرنون وبليك (1993) الذي ألقى نظرةً على خمس وثلاثين دراسة معنية.

الصفحة 66

   باستخدام هذا الأسلوب للتعلم في كليات الطب في الفترة ما بين عامي 1970 و 1992. أيضًا، استعرض ألبانيز وميتشل (1993) الأبحاث المنشورة عن التطبيقات والنتائج في مجال تدريس الطب. كما أجرى دوشي وسيجرز ودن بوسا وجيجبلز(2003) تحليلا تلويا لثلاث وأربعين دراسة عن التَّعلُّم القائم على حل المشكلات، من بينها عدد من الدراسات التي أُجريت في تخصصات دراسية غير الطب.    

   في أدبيات الأبحاث التربوية، تتشابه التعريفات الخاصة بالتَّعلُّم القائم على حل المشكلات إلى حد ما بعضها مع بعض؛ لكن عند مرحلة التطبيق تظهر الكثير من الاختلافات. ويشرح برينس(2004) السبب وراء اعتبار هذا الأمر مشكلة: «إن الاختلافات الهائلة في التطبيقات الخاصة بأسلوب التَّعلُّم القائم على حل المشكلات تجعل تحليل فعاليته أكثر تعقيدًا؛ فالكثير من الدراسات التي تقارن بين تطبيقات هذا الأسلوب لا تتحدث عن الشيء نفسه بكل بساطة. ولكي تُبرز التحليلات التلوية لهذا الأسلوب أي فرق ملموس مقارنة بالبرامج التقليدية، لا بد أن تتفوق الإشارات الواضحة الصادرة عن العناصر المشتركة لهذا النوع من التَّعلُّم على التشوش الناتج عن الاختلافات في تطبيق كلٌّ من أسلوب التعلم القائم على حل المشكلات، والأسلوب التقليدي لتدريس المناهج» (ص288). ينبغي أن يؤخذ هذا التحذير في الاعتبار، سواء أكنَّا نُفكر في الدراسات الخاصة بالتعلم القائم على حل المشكلات على نحو إجمالي أم في كل دراسة على حدة، كما أنه يساعد في تفسير تناقض نتائج الأبحاث. ورغم ذلك، ينبغي عدم تجاهل نتائج الأبحاث؛ 

   لأنها تُوثّق النواتج المهمة التي يُسفر عنها تعاون الطلاب لحل المشكلات. ويذكر فيرنون وبليك (1993) تحسن توجهات الطلاب تجاه برامجهم الدراسية، علاوة على وجود تحسن ملموس من حيث الدلالات الإحصائية في أداء الطلاب الذين يتبعون التعلم القائم على حل المشكلات داخل التجارب؛ على الرغم من اختلاف البعض على تلك النتيجة. وتتوصل مراجعة دوشي وسيجرز ودن بوسا وجيجبلز (2003) إلى وجود« أثر إيجابي قوي للتعلم القائم على حل المشكلات على مهارات الطلاب»؛ إذ يزيد تردد الطلاب على المكتبة، وتزيد قراءتهم للكتب الدراسية، وتزداد معدلات حضورهم ويستذكرون من أجل استيعاب المعاني لا حفظها. ويصف برينس وفيلدر (2006) النتائج التي توصل إليها تحليل دوشي وسيجرز ودن بوسا وجيجبلز

الصفحة 67

   بأنها «جلية؛ حيث وجدت 14 دراسة أثرًا إيجابيًا، ولم تجد أي منها أثرًا سلبيا ... ويتجلى الأثر الإيجابي للتعلم القائم على حل المشكلات في تنمية المهارات، بصرف النظر عما إذا كان التقييم يُجرى في الوقت نفسه الذي تُجرى فيه عملية التدريس أم يؤجل لوقت لاحق» (ص129). ليس من المستغرب أن يُنمي التَّعلُّم القائم على المشكلات المهارات بكفاءة كبيرة؛ فالطريقة المتمركزة حول المتعلم هي ما يجعل الطلاب يتحملون قدرًا أكبر من المسئولية تجاه عملية تعلمهم.

   لكن ليست جميع النتائج المتعلقة بالتَّعلُّم القائم على حل المشكلات نتائج إيجابية؛ فبعض الأبحاث (سبعة أبحاث من أصل عشرة أبحاث مذكورة في مراجعة ألبانيز وميتشل (1993)) تذكر أن الطلاب المسجلين في برامج التَّعلم القائم على حل المشكلات أحرزوا درجات أقل من الطلاب المسجلين في البرامج التقليدية، وذلك في اختبارات المعرفة العلمية (تذكر أن المرجع في هذا المقام هو التعليم الطبي). يذكر دوشي وسيجرز ودن بوسا وجيجبلز (2003) نتائج مشابهة؛ إلا أنهم يصفون التأثير الإجمالي لهذا النوع من التعلم على اكتساب المعرفة بأنه «غير قوي» (ص533). ويستفيض برينس وفيلدر (2006): عند إدراج الاختبارات العشوائية الحقيقية فقط، يختفي تقريبا الأثر السلبي – للتعلم القائم على حل المشكلات - على اكتساب المعرفة، وحين يُجرى تقييم للمعرفة بعد مرور بعض الوقت على عملية التدريس، يكون تأثير التعلم القائم على حل المشكلات إيجابيا. والنتيجة النهائية هي أن الطلاب قد يكتسبون المزيد من المعرفة على المدى القصير حين يكون أسلوب التدريس تقليديا، في حين أن الطلاب الذين يُدرّس لهم بأسلوب التعلم القائم على حل المشكلات يحتفظون بالمعرفة التي اكتسبوها لوقت أطول» (ص129). ويُقدم برينس (2004) هذا الملخص لإجمالي الأبحاث التي أجريت على التعلم القائم على حل المشكلات: «على الرغم من عدم توافر الأدلة التي تُبرهن على أن التعلم القائم على حل المشكلات يُعزز التحصيل الدراسي الذي تقيسه الاختبارات؛ فإن هناك أدلة تشير إلى أن هذا النوع من التعلم «يناسب» تحقيق نواتج أخرى مهمة للتعلم؛ فتشير الأبحاث إلى أن التعلم القائم على حل المشكلات يُطوّر توجهات أكثر إيجابية لدى الطلاب، ويُعزّز أسلوب تعلم أعمق، ويساعد الطلاب على حفظ المعرفة لوقت أطول مقارنة بأساليب التدريس التقليدية (ص229).

الصفحة 68

(3-2) التَّعلُّم الاستقصائي الموجه نحو إتقان المهارات العملية

   يستخدم أكثر من ألف معلم أسلوب التَّعلُّم الاستقصائي الموجه نحو إتقان المهارات العملية. ويتلقى هذا الأسلوب تمويلا من مؤسسة العلوم الوطنية بمبلغ مليوني دولار بالإضافة إلى منح الدعم الأخرى. وتضم الأبحاث، التي أُجريت على هذا النوع من استراتيجيات التعلم الجماعي المتمركز حول المتعلم، قائمة نتائج رائعة على نحو متساو. بداية، يُحسن هذا النوع من التعلم مستوى الأداء الأكاديمي، وفيما يلي بضعة أمثلة على ذلك؛ ففي مقرر الفرقة الأولى لمادة علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء (جيه بي براون، 2010)؛ حيث حلت أنشطة التعلم الاستقصائي داخل قاعة الدراسة محل 50 بالمائة من المحاضرات؛ زادت الدرجات الإجمالية للمادة من متوسط 76 بالمائة إلى 89بالمائة، وزادت درجات اختبار نهائي للاختيار من متعدد من متوسط 68 بالمائة إلى 88 بالمائة، وكذلك انخفض معدل حصول الطلاب على تقديرات «ضعیف» و«راسب» انخفاضًا مهولا. وفي أحد مقررات مادة الكيمياء الدوائية إس دي براون (2010) حيث يقضي الطلاب حوالي 40 بالمائة من وقتهم في العمل الجماعي على مواد تعليمية تعتمد على التعلم الاستقصائي الموجه، كان متوسط درجات الطلاب في جزأي الاختبار اللذين يعتمدان على التعلم الاستقصائي الموجه أعلى بنسبة 3 بالمائة من درجات الطلاب في الجزء الخاص بالأسئلة التقليدية، وكانت التقديرات النهائية في هذين الجزءين تتراوح بين ممتاز وجيد، مقارنة بالجزء الآخر الذي تراوحت تقديراته بين جيد ومقبول. وأخيرا، في أحد مقررات التسويق، وتحديدًا مادة البيع الاحترافي، أثبت الباحثون من أعضاء هيئة التدريس (هيل ومولن، 2009) هذه النتائج: «لقد خفَّضَت هذه الطريقة المبتكرة للتدريس معدل الغياب، وحفزت الطلاب لكي يصيروا متعلمين نشطين، ورفعت مستوى أداء الطلاب داخل قاعاتنا الدراسية (ص73).

  يُفيد الباحثون بأن توجهات الطلاب حيال هذا الأسلوب من التَّعلم هي توجهات إيجابية؛ ويؤكد على ذلك تصريح الطلاب بأن التعاون مع طلاب آخرين للعمل على المواد التعليمية ساعدهم على استيعاب المحتوى بصورة أفضل. وفي دراسة من الدراسات (سترومانيس وسيمونز، 2008) أجريت على أكثر من ألف طالب في عدد من المؤسسات التعليمية المختلفة، تبنّت نسبة أقل من 8 بالمائة من الطلاب توجها سلبيا حيال هذا الأسلوب التعليمي. وقورنت هذه النسبة بنسبة 30 بالمائة من الطلاب الذين أفصحوا عن

الصفحة 69

تبنيهم توجها سلبيًّا حيال المحاضرات التقليدية .وفي دراسة تحليلية أخرى (مايندهاوت ولورتشاير، (2007)، أعرب 80 بالمائة من الطلاب أن ثَمَّة جوانب في تجربة التعلم الاستقصائي الموجه نحو إتقان المهارات العملية ساعدتهم على التعلم بالفعل.

ويلخص جيه بي بي براون الأمر قائلا: «على الرغم من أن التعلم الاستقصائي الموجه نحو إتقان المهارات العملية يتطلب بذل جهد كبير وتوخي الحذر عند تطبيقه على الطلاب الذين قد تساورهم الشكوك حيال الخبرات التعليمية الجديدة وغير المألوفة؛ فمن الصعب الاختلاف على فوائد هذا الأسلوب» (2010، ص 155).

(3-3) التَّعلم القائم على فريق يقوده الأقران

   يُستخدم هذا الأسلوب للتعلم، منذ ظهوره في أوائل تسعينيات القرن العشرين، على نطاق واسع في مجموعة متنوعة من المؤسسات التعليمية من بينها: كليات المجتمع وجامعات البحث العلمي. ويكتب جوسر وكامبماير وفارما-نيلسون (2010)، أول من طور هذا الأسلوب، قائلين إنهم في النهاية عجزوا عن إحصاء عدد التطبيقات الخاصة بالتَّعلُّم القائم على فريق يقوده الأقران، إلا أن ثَمَّةَ تقديرًا متحفظا يفيد بأن 200 عضو على الأقل من أعضاء هيئات التدريس بأكثر من 150 مؤسسة تعليمية يُطبقون التَّعلُّم القائم على فريق يقوده الأقران، بها 2000 قائد مُدرَّب على تنظيم ورش عمل لأكثر من 20 ألف طالب كل عام» (ص 376). وفي مرحلة مبكرة، قيم المطورون فعالية هذا الأسلوب الجماعي للتعلم عن طريق مراقبة مستويات النجاح التي أحرزها الطلاب خلال دراسة مقرر مادة الكيمياء العامة الذي طُور من أجله هذا الأسلوب، وقد ارتفعت نسبة الطلاب الذين أحرزوا تقديرات ممتاز أو جيد أو مقبول في تلك المادة من 38 بالمائة إلى 58 بالمائة. وقد تتبع الكثيرون ممن يُطبقون هذا الأسلوب تأثيره على مستويات نجاح الطلاب، ويبلغ إجمالي متوسط زيادة النسبة المئوية للطلاب الذين أحرزوا تقديرات ممتاز أو جيد أو مقبول 14 بالمائة.

وتُعد النتائج التي خلصت إليها مجموعة متنوعة من الأبحاث التجريبية المصممة بعناية (مثل: تيان وروث وكامبماير، 2002 ؛ بايز-جالب وكولون- كروز وريستو وربين، 2005؛ لويس ولويس2005 ؛ ماككريري وجولدي وكوسك، 2006؛ فامسر، 2006؛ هاوكينجز ودي إنجيليس وفيري، 2008 ؛ ليون ولاجوسيكي، 2008) أكثر إقناعا من

الصفحة 70

زيادات التقديرات الدراسية المسجلة. وتفيد جميع هذه الأبحاث بوجود نتائج إيجابية بالنسبة إلى الطلاب الذين شاركوا في جلسات يقودها الأقران.

   تعالج الأبحاث الخاصة بهذا الأسلوب الجماعي للتعلم أحد أكبر الاعتراضات التي يثيرها أعضاء هيئات التدريس عند التفكير في أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم؛ ألا وهو: «لن أتمكن من تغطية المحتوى؛ وهذا يعني أن الطلاب لن يتعلموا الكثير.» وفي الجزء الذي عنوانه «الدروس المستفادة» من مقال جوسر وكامبماير وفارما - نيلسون (2010)، خلصوا إلى أنه« يُمكن تقليص عدد المحاضرات دون الإخلال بالمحتوى إذا تم قضاء الوقت في أنشطة تُشجّع المشاركة النشطة والتعاون بين الطلاب في الموضوع محل الدراسة» (ص378). والأبحاث التي تمت الإشارة إليها فيما سبق تدعم هذا الافتراض بعدة طرق مختلفة. إليك مثالاً توضيحيا على ذلك؛ إذ استعان كلٌّ من سكوت لويس وجينيفر لويس (2005) بنموذج التعلم القائم على فريق يقوده الأقران لتدريس مادة الكيمياء العامة. بالنسبة إلى المجموعة التجريبية، حضر 100 طالب محاضرتين تقليديتين بصفة أسبوعية، مدة كل منهما 50 دقيقة، وحلقة دراسية مدتها 50 دقيقة يقودها أحد الأقران. وبالنسبة إلى المجموعة الضابطة، حضر 190طالبًا ثلاث محاضرات تقليدية، مدة كل منها 50 دقيقة. خضعت كلتا المجموعتين لنفس الاختبارات الأربعة والاختبار النهائي ذاته. وأحرز طلاب المجموعة التجريبية متوسطا أعلى للدرجات في كل اختبار من هذه الاختبارات، من بينها الاختبار النهائي أثبت في هذا البحث أنه لا أساس من الصحة للمخاوف التي تزعم أن الطلاب الذين تلقوا عددًا أقل من المحاضرات التقليدية قد يحظون بقدر أقل من التعلم» (ص139). وعندما أُتيح للطلاب اختيار مواصلة حضور الحلقات الدراسية التي يقودها الأقران للمادة نفسها في الفصل الدراسي الثاني، صرّح 85 بالمائة من الطلاب أنهم سيواصلون حضورها، وكان لدى 76 بالمائة منهم اعتقاد بأن العمل في مجموعات كان ذا فائدة بالنسبة إليهم. وصرح خمسة طلاب فقط( من المجموعة التجريبية) بأن مجموعة الأقران عرقلتهم عن إحراز التقدم.

   قبل أن أختتم هذا الجزء، أود أن أُلقي الضوء على بحث آخر أُجري على التعاون داخل المجموعات غير النظامية. استعرض هذا البحث، الذي أُجري على دراسة مادة الكيمياء (كوبر، کوکس ،ناماوز ،گیس ،2008)، كيف أثر العمل في مجموعات على استراتيجيات حل المشكلات والقدرات المعنية بذلك. واستعان البحث بأحد نظم البرمجة التي أتاحت

الصفحة 71

   للباحثين متابعة كيف مضى الطلاب قدما نحو حل المشكلة ووضع نموذج للتقدم الذي يُحرزونه أثناء عملهم على مشكلات متعددة. واستنادًا إلى أبحاث سابقة، أدرك هذا الفريق من الباحثين أن الطلاب «يستقرون» أو يثبتون على استراتيجية أو أسلوب بعد أن يعملوا على خمس نُسَخ من المشكلة تقريبا. وأراد الباحثون أن يُحددوا ما إذا كان من شأن العمل في مجموعاتٍ أن يُغير الاستراتيجيات «المستقرة» التي يتبعها الأفراد؛ لا سيما الاستراتيجيات الأقل فاعلية.

   كانت النتائج لافتة للنظر للغاية؛ فبالاستعانة ببيانات أداء 713 طالبا في حل أكثر من 100 ألف مشكلة، لاحظنا أن بإمكاننا تحسين أداء الطلاب في حل المشكلات عن طريق جعلهم يتعاونون في مجموعات ظلت هذه التحسينات قائمة حتى بعد انتهاء العمل في مجموعات، وهي تقدم المزيد من الأدلة على الآثار الإيجابية لجعل الطلاب يعملون في مجموعات» (ص 871). وجد الباحثون أن أداء معظم الطلاب تَحسن بمعدل 10 بالمائة تقريبا، ومن بين هؤلاء الطلاب كثيرون ممن كانوا قد استقروا فيما سبق على استراتيجيات غير فعالة.

   ما السبب وراء وجود أثر إيجابي للعمل مع الآخرين على حل المشكلات؛ أثر قوي بالدرجة الكافية ليستمر حتى بعد أن يعود أعضاء الفريق إلى العمل على حل المشكلات بمفردهم؟ وللإجابة عن هذا السؤال يقترح الباحثون بعض الأسباب؛أولا: داخل المجموعات، يُضطر الطلاب أن يشرح بعضهم أشياء لبعض؛ وهذا الشرح يُساعد من يسمعونه ومن يُقدِّمونه على حد سواء. وداخل المجموعات يجب على الطلاب أن يستفيضوا في الشرح وينتقد بعضهم بعضًا، وهذا التحليل المستفيض يُساعد على الفهم والاستيعاب.

   وتقدم النتائج التي ألقي الضوء عليها هنا، والمزيد من النتائج الشبيهة بها، أدلة مقنعة على أن بإمكان الطلاب أن يتعلم بعضهم من بعض، وبعضهم مع بعض، داخل أشكال متنوعة من المجموعات الطلابية والكثير من النتائج يُثبت المكاسب المحرزة في سبيل استيعاب المعرفة التي يقدمها محتوى المادة الدراسية. وتُثبت جميع النتائج تقريبا المكاسب المهمة المحرزة في سبيل تنمية المهارات مثل طرح الأسئلة واتباع التفكير النقدي وحل المشكلات ودمج المعرفة وتطبيقها. وهذه الأدلة تجعل من الصعب شرح الأسباب وراء عدم اتباع أعضاء هيئات التدريس للأساليب المتمركزة حول المتعلم كهذه الأساليب.

الصفحة 72

(4) الأبحاث الخاصة بتدريس مقررات دراسية منفصلة باتباع الأسلوب المتمركز حول المتعلم        

  يلقي هذا القسم الضوء على الأبحاث الخاصة بمقررات دراسية منفصلة طبقت عليها مجموعة من الاستراتيجيات المختلفة المتمركزة حول المتعلم، والتي خضعت أيضًا للتحليلات التجريبية. وفي معظم الحالات، يمكن المقارنة بين الجزء الذي اتبع فيه أسلوب التدريس المتمركز حول المتعلم في تدريس المقرر الدراسي والأجزاء السابقة والحالية التي لم يتبع فيها هذا الأسلوب. وتُوضّح الأبحاث أيضًا أنواع المقررات الدراسية المختلفة التي استخدم في تدريسها الأساليب المتمركزة حول المتعلم، كالمقررات الدراسية التي يدرسها عدد كبير من الطلاب مثلا.

(4-1) ستة أبحاث خاصة بالمقررات الدراسية لمادة الأحياء

   أجري عدد ضخم من الأبحاث على المقررات الدراسية التمهيدية لمادة الأحياء ذات عدد كبير من الدارسين عموما، وهذه الأبحاث مُصمَّمة جيدًا بحيث يجدر أخذ نتائجها على محمل الجد. عادةً ما يتجاهل أعضاء هيئات التدريس الأبحاث التربوية التي لم تُجرَ في مجال تخصصهم الدراسي، وعلى الرغم من أننا فعلا لا نستطيع الجزم بأن الطرق المجربة في مجال ما ستنجح مع محتوى مختلف ، ومُعلم مختلف، وطلاب مختلفين، فإن الطرق المستخدمة في هذه الأبحاث طرق شائعة؛ أي طرق مستخدمة في مختلف أنواع المقررات الدراسية. الجانب الآخر المشجّع للغاية لهذه الأبحاث التي أُجريت على الأحياء هو إجابتها عن سؤال شائع يطرحه أعضاء هيئات التدريس يتعلق بما إذا كان بإمكانك الاستعانة بأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم في المحاضرات ذات العدد الكبير. وتتناول أبرز النقاط المختصرة التالي ذكرها أعداد الدارسين، ونظرةً عامة على الاستراتيجيات المتمركزة حول المتعلم، والأساليب المستخدمة، والنتائج المحرزة.    

   يصف أرمبروستر وباتل وجونسون وفايس (2009) سلسلة من التغييرات التي طبقت على مقررات دراسية تمهيدية تراوح عدد طلابها بين 170 و 190 طالبا لمادة الأحياء والمواد التخصصية الطبية التمهيدية، تكون التصميم المعدل للمقرر الدراسي الذي ابتكروه من ثلاثة عناصر؛ حيث أعادوا ترتيب محتوى المادة بحيث يمكن تدريسه على

الصفحة 73

   صورة مفاهيم شاملة بقدر الإمكان، وقدَّموا أساليب التعلم النشط (من بينها تقنية الإجابة الإلكترونية ذات نقاط المشاركة المحسوبة بناءً على الإجابة) والحل الجماعي للمشكلات في كل محاضرة، كما أنهم عملوا على خلق بيئة تعليمية تعتمد أكثر على التعلم المتمركز حول الطالب ذات أهداف دراسية، وتتوافر بها مذكرات بالمصطلحات المفيدة واختبارات تقويمية أسبوعية. حسنتْ هذه التغييرات من مستوى رضا الطلاب عن دراسة المادة بدرجة كبيرة، بما في ذلك من مستويات الاهتمام بالمادة العلمية الخاصة بالمقرر الدراسي والتعلم القائم على تقييم المتعلم لمستوى تحصيله الدراسي، وتقييم العروض التقديمية داخل قاعة الدراسة من حيث كونها محفّزة أم لا، علاوة على التقييم الإجمالي للمحاضر. وبالنسبة إلى قياس الأداء الأكاديمي تمت الاستعانة بنفس أسئلة الاختبار النهائي المستخدمة في الجزء الذي لم تُطبق عليه هذه التغييرات من المقرر الدراسي. وقد وصل أداء الطلاب في المقرر الدراسي المعدل لمستويات أعلى كثيرًا من الناحية الإحصائية. «توضح نتائجنا الإيجابية إلى أي مدى قد تؤدي التغييرات في أسلوب تدريس إحدى المواد، من دون تغييرات إجمالية في محتوى المادة، إلى تحسين توجهات الطلاب ومستوى أدائهم» (أرمبروستر وباتل وجونسون وفايس، 2009 ، ص 204).

   وفي مقرر دراسي لمادة الأحياء العامة المسجل لدراستها مائة طالب ابتكرت أستاذة المادة (باروز، 2003) عددًا من استراتيجيات التَّعلُّم الجماعي؛ من بينها أنشطة نظامية لحل المشكلات في مجموعات طلابية تتم خلال المحاضرة، ونظام لخوض الاختبارات يُجري فيه أحد أعضاء المجموعة الاختبار نيابة عن المجموعة كلها، والاختبارات المعادة للمجموعة الطلابية مع وجود حافز صغير مُتمثل في درجات تشجيعية، وعدد من التغييرات الأخرى تضمنت طريقة تقديم محتوى المادة داخل قاعة الدراسة. قورنت المجموعة التجريبية مع مجموعة تتألف من العدد نفسه ويُدرّس لها باستخدام أسلوب المحاضرات التقليدية. وقد حقق طلاب المجموعة التجريبية تفوقًا كبيرًا إحصائيا على طلاب المجموعة الضابطة في الاختبارات الثلاثة جميعها. كما أنهم تفوَّقوا تفوقًا كبيرًا إحصائيا على طلاب المجموعة الضابطة في حل الأسئلة التي تقيس استيعاب المفاهيم؛ مما جعل أستاذة المادة تخلص إلى أن «ممارسة أساليب حل المشكلات داخل قاعة الدراسة تُساعد في تنمية مهارات التفكير العلمي» (باروز، 2003، ص 498) . لقد تحسن أداؤهم في نشاط الاختبارات المعادة، وكان توجههم نحو مادة الأحياء أفضل كثيرًا من طلاب المجموعة الضابطة.

الصفحة 74

  اختبر فريمان وهاك وفيندروت (2011) ما إذا كان بإمكان تصميم المقرر الدراسي المتسم بدرجة عالية من التنظيم الذي يشتمل على اختبارات قراءة قصيرة وأنشطة شاملة قائمة على التعلم النشط تُجرى داخل قاعة الدراسة واختبارات عملية أسبوعية، أن يُقلل معدل الرسوب في المقررات الدراسية التمهيدية لمادة الأحياء التي تُدرس لسنوات التخصص. قدم المقرر الدراسي أربع مرات في العام، وسجل فيه حوالي 2100 طالب في العام الذي أُجري فيه البحث. قورنت هذه المجموعات التجريبية مع المجموعات التي تعتمد بالأساس على المحاضرات التقليدية وعدد أقل من الاختبارات. «عندما أخضعنا التفاوت بين الطلاب من حيث القدرات للضبط، انخفضت معدلات الرسوب في المقررات الدراسية المصممة بدرجةٍ متوسطة من التنظيم، وانخفضت معدلات الرسوب انخفاضًا مهولا في المقررات الدراسية المصممة بدرجة عالية من التنظيم» (ص175). كما أفادوا بأنهم لم يجدوا أي أدلة تشير إلى أن أنشطة التعلم النشط تُبالغ في التقديرات أو تُقلل من تأثير الاختبارات على التقديرات النهائية (ص175).

   غير نايت ووود (2005) إلى حد ما في المقرر الدراسي لمادة علم الأحياء النمائي التي تُدرس في محاضرات السنوات النهائية. ظلت المحاضرات التقليدية باقية بنسبة تتراوح بين 60 و 70 بالمائة من وقت تدريس المادة؛ أما في باقي الوقت فكان الطلاب يحلُّون المشكلات مستعينين بنموذج التعلم التعاوني. وبالنسبة إلى النتائج التي توصلا إليها، تشير نتائجهما إلى« أن مجرد التحول جزئيا نحو نموذج يعتمد على قدر أكبر من التفاعل والتعاون لتدريس المادة قد يؤدي إلى زيادة المكاسب التعليمية للطلاب بدرجة كبيرة» ( ص 304).

  وقد استعانا بهذه النتائج في «طرح نموذج عام لتدريس مقررات مادة الأحياء لعدد كبير من الطلاب تتضمن المشاركة التفاعلية والعمل الجماعي بدلا من المحاضرات التقليدية، مع الإبقاء على محتوى المادة الدراسية ؛ عن طريق المطالبة بتحميل الطلاب قدرًا أكبر من مسئولية التعلم خارج قاعة الدراسة» (ص298).

   يشير أوكارت وآدامز ولوك (2011) إلى تصميم مُعدل على نحو كبير لتدريس المقررات الدراسية الأساسية لمواد التخصص؛ يضم مقرر مادة الأحياء هذا تسعة آلاف طالب في الفصل الدراسي الخريفي، وخمسة آلاف طالب في الفصل الدراسي الربيعي. يُدرس المادة مجموعة متنوعة من المحاضرين، ويُقسم الطلاب على مجموعات يتراوح عددها بين ثلاث وخمس مجموعات. تضمنت المهام الخاصة بالتصميم المعدل تطوير

الصفحة 75

  خطة المنهج المعتادة، وجدول مواصفات (يحدد المفاهيم الأساسية، والمستوى المرغوب للمهارات والوقت المخصص لكل مفهوم)، وأداةً لتقييم المادة. استخدمت مجموعة متنوعة من الأنشطة المتمركزة حول المتعلم؛ من بينها التفكير الثنائي التبادلي، وتقنية الإجابة الإلكترونية، والعمل في مجموعات صغيرة؛ وكل هذا تم وصفه بالتفصيل في المقال. وقد جمع أوكارت وآدامز ولوك بيانات ثلاث سنوات تسبق هذا التغيير، وثلاث سنوات تلت هذا التغيير، وأجروا لها تحليلا. انخفضت نسبة الطلاب الذين رسبوا في هذه المادة انخفاضًا كبيرًا إحصائيا، وزادت نسبة الطلاب الذين حصلوا على تقديرات ممتاز وجيد زيادة إحصائيةً كبيرة، وقد استخدموا لوصف عملية التعديل هذه الصفات: «طويلة» و«بطيئة» و«صعبة».

  اهتم ديرتينج وإيبرت- ماي (2010) بسؤال بحثي من نوع مختلف: «هل دمج مقررین دراسيين تمهيديين جديدين في مرحلة مبكرة من منهج الطلاب، كلاهما قائم على مبادئ التعلم الاستقصائي المتمركز حول المتعلم، مرتبط بالاستيعاب الطويل المدى للمفاهيم البيولوجية ولعلم الأحياء، باعتبارها عملية للتقصي العلمي؟» (ص 463). وقد لاحظا أن معظم الأبحاث التي حللت التأثير الخاص بتنقيح المقررات الدراسية المتمركزة حول المتعلم تُركز على التغيرات القصيرة المدى. هل تحسنت درجات الاختبارات النهائية، أم هل وجدت أدلة . على تنمية المهارات، أم هل تغير توجه الطلاب تجاه المقرر الدراسي؟ قام ديرتينج وإيبرت- ماي بـ «دراسة منهج منقّح لمادة علم الأحياء نُفذ في بداية التخصص بعلم الأحياء» ( ص 463) . اشتمل المنهج تطوير مقرّرين دراسيين جديدين كلاهما يستعين بعدد من الأساليب القائمة على التَّعلم النشط والتَّعلُّم الاستقصائي. وفي أحد المقررات الدراسية طَرَحَ الطلاب الأسئلة البحثية والفرضيات الخاصة بهم، وطوروا خطة بحثية وانتقدوا الخطط البحثية الخاصة بأقرانهم، وجمعوا بيانات وحللوها وقدموا نتائجهم. 

   استعان الباحثان بأداتين للتقييم؛ وذلك من أجل التحقق من تأثير المقررات الدراسية الجديدة خلال فترة امتدت خمس سنوات. وقد قيما استيعاب الطلاب لمادة علم الأحياء، باعتبارها عملية للتقصي العلمي (باستخدام«استبيان الآراء حول تعلم العلوم الخاص بمادة علم الأحياء») ، ومعرفة الطلاب بالمفاهيم البيولوجية في نهاية مادة التخصص (باستخدام نسخة من اختبار مجال التخصُّص لمادة علم الأحياء»). لنقل ببساطة إن نتائجهما«أظهرت أن التعرُّضَ لتجربة تعلُّم مكثفة قائمة على الاستقصاء ومتمركزة حول المتعلم في مرحلة مبكرة من دراسة منهج علم الأحياء مُرتبط بتحسينات طويلة المدى في

الصفحة 76

عملية التعلم» (ص 461). «إن التغيير الجذري للمناهج التمهيدية لمادة علم الأحياء ... عن طريق التدريس المتمركز حول المتعلم والقائم على التقصي العلمي قد يتمتع بالقدرة على التأثير بعمق في عملية تعلم الطلاب جميعهم، وقد يصير نقطة تحول لإحداث التغييرات داخل الأقسام» (ص471).

(4-2) بحث خاص بالمقررات الدراسية لمادة الجبر

    في كليات جامعة ميزوري بسانت لويس، تحظى مادة الجبر بمعدلات نجاح تصل إلى 55 بالمائة (تيل وبيترمان و براون 2008)؛ ومادة الجبر مادة إجبارية لدراسة عدة تخصصات أخرى؛ فهي شرط أساسي لدراسة حساب التفاضل والتكامل، ومقرر دراسي أساسي لطلاب مادة الرياضيات والعلوم وإدارة الأعمال، ومجموعة متنوعة من برامج المهنيين المساعدين. عدل أعضاء هيئة التدريس تصميم المقرر الدراسي؛ فخُفضت المحاضرات الثلاث، ذات الخمسين دقيقة، إلى محاضرة واحدة، وحل محل المحاضرتين الأخريين جلستان دراسيتان تُعقدان في معمل الكمبيوتر؛ حيث تعلم الطلاب مادة الرياضيات عن طريق حل المسائل الرياضية وداخل المعامل استخدم الطلاب برامج اشتملت على توضيحات ومجموعات تعليمية خاصة لشرح المادة، ومسائل عملية وحلول موجّهة. كان بإمكانهم أيضًا تأدية الواجبات المنزلية في المعمل؛ بحيث يتعاونون مع الطلاب الآخرين، أو يلتمسون مساعدة المحاضر أو طلاب الدراسات العليا أو الزميل المدرس(بحيث كان أحد هؤلاء موجودًا أثناء الجلسات الدراسية النظامية المعقودة في المعمل). خضع الطلاب أيضًا لاختبار قصير يُعقد أسبوعيا عبر شبكة الإنترنت وأربعة اختبارات أخرى، واختبار نهائي شامل. 

    «لقد غير التصميم المعدل دور المحاضرين ومساعدي المدرسين بدرجة كبيرة. لقد اعتادوا قضاء أوقاتهم في إلقاء المحاضرات وكتابة الواجبات وتحضير الاختبارات ووضع التقديرات؛ أما الآن فإنهم يُركّزون على إرشاد الطلاب عبر المقرر الدراسي عن طريق الاجتماعات الأسبوعية في قاعة المحاضرات، ثم العمل مع الطلاب كل على حدة في مراكز تعليمية [مراكز تكنولوجيا الرياضيات]. ويمثل التأكيد الأكبر على التدريس الفردي لكل طالب على حِدَة والتفاعل المباشر مع الطلاب نوعًا من التغيير يعتبره معظم المحاضرين أمرًا مجديًا للغاية» (ص 46-47).

أما على صعيد النتائج، فقد تحسنت نسبة نجاح الطلاب من55 بالمائة إلى75 بالمائة خلال فترة امتدت ثلاث سنوات، وذلك دون انخفاض مستوى الصرامة والجدية

الصفحة 77

الأكاديمية للمادة الدراسية، كما تبين من درجات الطلاب في الاختبار النهائي الذي اشتمل على نفس نوعية المسائل قبل فترة العمل بالتصميم المعدل وأثناء العمل به» (ص46).

(4-3) أبحاث خاصة بالمقررات الدراسية لمادة الفيزياء

   قبل بضع سنواتٍ من إجراء أي أبحاث عن الأساليب المتمركزة حول المتعلم، لا سيما أساليب التعلم عن طريق الأقران، غير إريك مازور (2009) من الطريقة التي كان يُدرس بها تغييرا جذريًا، وأخذ يجمع البيانات الخاصة بتأثير هذه الطريقة. وهو يصف طريقته بأنها تمنح الطلاب الفرصة للتغلب على الفهم الخاطئ للمفاهيم، والعمل معا على تعلم الأفكار والمهارات الجديدة داخل التخصص الدراسي» (ص51). ومن واقع نتائج عمله وعمل أولئك الذين حاكوا طريقته، كتب قائلا: «أظهرت البيانات التي جمعتها من محاضرتي ومحاضرات الزملاء من مختلف أنحاء العالم في نطاق واسع من المؤسسات الأكاديمية ونطاق واسع من التخصصات الدراسية، أن عملية التعلم تحقق مكاسب مضاعفة بمقدار ثلاث مرات تقريبا عن طريق الأساليب التي تُركّز على الطالب وعلى التَّعلُّم التفاعُلي» (ص51). ويتضمَّن هذا المقال القصير، الذي يتناول التغيير الجذري الذي تحقق عن طريق أسلوبه التعليمي، مراجع للأبحاث التي تدعم مزاعمه الخاصة بنواتج التعلم المحسنة بدرجة كبيرة. 

   ومن أجل دراسة مثال محدد للغاية للأسلوب المتمركز حول المتعلم المستخدم لتدريس مادة الفيزياء، انظر هذا البحث الذي أُجري على مجموعتين كبيرتين (عدد المجموعة الأولى: 267 طالبا، وعدد المجموعة الثانية: 271) طالبًا من طلاب الفرقة الأولى ممن يدرسون سلسلة من المواد الأساسية للتخصُّص في علم الفيزياء أثناء الفصل الدراسي الثاني. خضعت المجموعتان للمقارنة لرؤية ما إذا كانت «الممارسة العملية المدروسة» تُحسن من عملية تعلم الطلاب (ديلوريال، وشيلوو، وويمان، 2011). أخذت الممارسة العملية المدروسة (مفهوم مأخوذ من علم النفس المعرفي) في هذا المقرر الدراسي شكل مجموعة من الأسئلة والمهام الصعبة تُجبر الطلاب على ممارسة التفكير وحل المسائل، مثلما يفعل علماء الفيزياء، وذلك خلال وقت المحاضرة، مع تقديم تقييمات من آن لآخر» (ص862). استعان طلاب المجموعة التجريبية بالممارسة المدروسة لمدة أسبوع؛ حيث درسوا نفس المحتوى الذي تمت تغطيته في محاضرات المجموعة الضابطة. «وجدنا زيادة في نسبة

الصفحة 78

   حضور الطلاب، ونسبة أعلى من المشاركة، وزيادة في نسبة التعلم بمقدار الضعف في المجموعة التي درس لها باستخدام الأسلوب القائم على إجراء التجارب» (ص862). توضّح الأبحاث التي تناولناها في هذا الجزء ما يحدث حين تُدمج مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات المتمركزة حول المتعلم في المقرر الدراسي. وقد سجلت نتائج إيجابية بخصوص نواتج التَّعلُّم الخاصة بالمواد ذات الأعداد الطلابية الكبيرة، والمواد التمهيدية، والمواد ذات معدلات الرسوب العالية، والمواد الإجبارية. وكانت النتائج إيجابية حتى حين طبق عدد صغير من التغييرات، وكانت النتائج مُستدامة حين أُجريت تغييرات جوهرية على تصميم المقررات الدراسية.

(5) ما الذي يقوله الطلاب عن الأساليب المتمركزة حول المتعلم؟

  يواجه أعضاء هيئة التدريس الذين يستعينون بأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم مقاومة من جانب الطلاب، وهو موضوع يستفيض الفصل الثامن في تناوله. في البداية، يريد الطلاب من المعلمين الذي يتبعون هذه الأساليب أن يفعلوا ما يفعله المعلمون في كثير من المواد الأخرى؛ أي يخبرونهم بكل شيء يتعين عليهم معرفته عن المحتوى والواجبات الدراسية خاصتهم. هل يُغير الطلاب آراءهم على الإطلاق؟ عند مرحلة ما، هل يُدركون أن ما يُحاول المعلمون القيام به يساعدهم في تعلم المادة العلمية؟ فيما يتعلق بالأبحاث التي جاء ذكرها في الجزأين السابقين، طلب الكثير من الباحثين من الطلاب التعبير عن استجاباتهم بشأن مميزات هذه الأساليب المتنوعة المتمركزة حول المتعلم، وكانت استجابة الطلاب إيجابية في المجمل. وفي الكثير من الحالات، أفاد الطلاب بأنهم في البداية لاقوا صعوبة في التعامل مع هذه الأساليب الجديدة، ولكن مع تراكم تجاربهم مع تلك الأساليب وجدوا أنها مفيدة فعلا.

   ثَمَّةَ تحليل وصفي (تيرنزيني، وكابرارا، وكولباك، وبارنتي، وبيوركلوند، 2001) يدعم تلك الاستجابة، ولكن بمزيد من التفصيل؛ حيث قارن تجارب طلاب الهندسة المسجلين في المواد الدراسية التي شكلت جزءًا من مشروع مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية (اتحاد كليات الهندسة من أجل التفوق في التعليم والقيادة) بتجارب طلاب الهندسة المسجلين في المواد النظامية لدراسة الهندسة. ويهدف البرنامج إلى تحسين مستوى المواد الدراسية الهندسية للطلاب الجامعيين عن طريق تضمين تجارب التَّعلم النشط والتعلم التعاضدي.

الصفحة 79

  جمعت بيانات استطلاع الآراء من 339طالبًا مُسجلين في سبع عشرة مادة دراسية تابعة لمشروع ائتلاف كليات الهندسة في ست مؤسسات تعليمية مختلفة، ومن 141 طالبًا مسجلين في ست مواد دراسية غير تابعة للمشروع. ومن بين أسئلة أخرى استفسر استطلاع الآراء عما إذا كان الطلاب يؤمنون أنهم أحرزوا تقدُّمًا في مجالات متنوعة للتعلم وتنمية المهارات كنتيجة لدراسة مادة بعينها أم لا.

  وبالفعل أعرب الطلاب المسجّلون في المواد الدراسية الخاصة بمشروع اتحاد كليات الهندسة عن تحقيق فوائد مهمة: «أعرب طلاب مشروع اتحاد كليات الهندسة عن تحقيق فوائد تعليمية في ثلاثة مجالات؛ مهارات التصميم التعليمي، ومهارات التواصل الاجتماعي، ومهارات العمل الجماعي. وكانت الفوائد التي تمتع بها طلاب المشروع ملموسة وذات أهمية إحصائية» ( ص 129). على سبيل المثال، ذكر طلاب المشروع أنهم حققوا مكاسب تعليمية في مجال مهارات التواصل الاجتماعي بنسبة أعلى بمقدار 11 بالمائة من أقرانهم المسجلين في مواد دراسية غير تابعة للمشروع. وأما بخصوص مهارات التصميم التعليمي، فقد أفاد طلاب المشروع بأنهم حققوا مكاسب تعليمية أعلى بنسبة 23 بالمائة. وفيما يتعلق بمهارات العمل الجماعي أفاد الطلاب بأنهم حققوا مكاسب تعليمية أعلى بنسبة 34 بالمائة. «لم تتغير هذه الفوائد التعليمية عندما تم تحييد أثر الاختلافات الخاصة بالسمات الشخصية للطلاب قبل دراسة المادة» (ص123).

(6) خاتمة

  أحيانًا يكون من الأفضل أن تدع البراهين والأدلة تتحدث عن نفسها، وربما يكون هذا الفصل خير مثال على ذلك. لقد تناولنا في هذا الفصل عددًا كبيرًا من النقاط المهمة، واستكشفنا ما يبدو في نظري مجموعة مُقنعة من الأدلة التي تدعم أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم التي ندعو إلى اتباعها في هذا الكتاب، إنني سعيدة بترك البراهين والأدلة تتحدث عن نفسها، واثقة من أن بإمكان القراء من أعضاء هيئات التدريس أن يستعرضوا هذه البراهين والأدلة وينتقدوها ويُقيموها بأنفسهم.  ومع ذلك، لن أنهي هذا الفصل دون أن أُثير تساؤلا طرحته مجموعة رائعة من المختصين بتدريس المواد العلمية، ومجموعة من القادة الأكاديميين (هاندلسمان، وإيبرت-ماي، وبايكنير، وبيرنز ،وتشانج ،وديهان، وجينتيلا، ولوافر، وستيوارت، وتيلامان، ووود، 2004) في الإصدار الشهير من مجلة ساينس؛ وهي مجلة جمهورها

الصفحة 80


من العلماء، إلا أن بإمكان أي باحث أكاديمي أن يطرح ذلك السؤال أيضًا، وهو: «لماذا يواصل العلماء البارزون، الذين يلتزمون باستخدام أدلة صارمة لإثبات ما جاء في أبحاثهم العلمية، الاستعانة بطرق تدريس لا تتسم بكونها الأكثر فاعلية، ويُدافعون عنها استنادًا إلى الحدس وحده؟» (ص 521) . وقد اقترحت بعض الإجابات في مقدمة هذا الفصل، منها: أنهم ربما لا يعرفون أن هناك أبحاثاً بالفعل، أو لعلهم لا يقرءون تلك الأبحاث، أو لعلهم حاولوا القراءة ووجدوا أنه من الصعب فهم هذه الأبحاث، أو لعلهم لا يظنون أن مستوى هذه الأبحاث جيد بالقدر الكافي. وقد سعى هذا الفصل إلى كشف خطأ تلك الأسباب حتى يُحقق هذا التساؤل النتائج المرجوة ويحث على إحداث تغييرات على أرض الواقع.

الصفحة 81



الفصل الثالث : دور المعلم


الجزء الثاني :خمسة تغييرات أساسية في عملية التدريس

الفصل الثالث : دور المعلم

في الطبعة السابقة من هذا الكتاب،لم أبدأ الجزء الثاني بهذا الفصل. ولكني عادةً ما أبدأ من هذا الموضع في جلساتي مع أعضاء هيئات التدريس؛ لأنه الموضع الذي يبدأ من عنده فهم ما تتضمنه أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم. إنه موضع مألوف بالنسبة إلى الأغلبية؛ فلطالما كان دور المعلم الميسر اقتراحا قائمًا لسنوات؛ ومن ثَمَّ لا تتعارض الأفكار التي يمثلها هذا الدور، من منظور الفلسفة التربوية، مع ما يؤمن به معظم أعضاء هيئات التدريس بخصوص التعليم والتَّعلُّم؛ وبذا يُعد هذا الموضع بمنزلة نقطة بداية جيدة.                                                        

   هذا لا يعني أن المعلمين يرونه دورًا يَسهُل القيام به؛ فهو لا يمثل الطريقة التي درس بها لمعظمنا، كما أنه ليس الطريقة التي نتبعها للتدريس أغلب الوقت، وعلى الرغم من ذلك، فإن دور ميسر عملية التعلم هو جزء أساسي من كونك معلما تتبع طرق التدريس المتمركز حول المتعلم. ونجاح التغييرات الأربعة الأخرى يتوقف على مدى إتقان المعلم لهذا الدور. إذن، فالهدف من هذا الفصل هو وصف ماذا يعني أن تكون معلمًا ميسرًا لعملية التعلم، وإثبات استمرارية الاعتماد على الأدوار المتمركزة أكثر حول المعلم، وتقديم مجموعة من المبادئ التي تُوضّح كيف يبدو الدور المتمركز حول المتعلم عند تطبيقه، والاختتام بالأسئلة التي تثار عند تطبيق هذا الدور.

(1) ما الذي يحتاج إلى التغيير ؟

ما الذي يحدث داخل قاعة الدراسة النمطية بالجامعات؟ من الذي يُقدِّم المحتوى؟ من الذي يقود المناقشات؟ من الذي يستعرض المادة العلمية ويُراجعها؟ من الذي يقدم الأمثلة؟ من الذي يطرح معظم الأسئلة ويجيب عنها؟ من الذي يسأل الطلاب؟ من الذي

الصفحة 85

   يحل المشكلات ويُقدِّم الرسوم البيانية ويُصمِّم المصفوفات؟ في معظم قاعات الدراسة يكون هذا الشخص هو المعلم. وعندما يتعلق الأمر بمن يبذل قصارى جهده معظم الوقت، فإن المعلم يفوز باللقب بكل سهولة؛ فالطلاب موجودون في قاعة الدراسة؛ إلا أنهم كثيرا ما يتلقون التعليم في سلبية. وبدلا من أن يكونوا مشاركين نشطين في العملية التعليمية، فإنهم يجلسون ويراقبون في سلبية ما يقوم به المعلم. 

   المعلمون الذين يتبعون طرق التدريس المتمركز حول المتعلم يعملون بكد أيضًا، ولكنهم يُدركون أن على الطلاب أيضًا أن يبذلوا قصارى جهدهم لأداء مهام متعلقة بالتعلم، وهؤلاء المعلمون يرون أن المهمة الأساسية للمعلم هي تيسير الجهود التعليمية للطلاب أو دعمها، وعلى الرغم من أن فكرة كون المعلم ميسرًا للعملية التعليمية ليست بالجديدة، فإن ثَمَّةَ اختلافا، وعندما كتب عن هذا الدور فيما سبق، كان مقترحًا بوصفه بديلًا؛ أي بوصفه دورًا بديلًا من بين عدد من الأدوار التي قد يختار من بينها المعلم أو يتنقل بينها. وداخل قاعات الدراسة التي تُطبق الأساليب المتمركزة حول المتعلم يتحول دور ميسر عملية التعلم إلى كونه شرطًا أساسيا أكثر من كونه اختيارا.                          

 وعادةً ما تستخدم المحاولات السابقة لوصف الدور التيسيري للمعلم استعارات مجازية لكشف السمات الأساسية لهذا الأسلوب المتبع في التدريس. ويُشبه فوكس (1983 ) المعلم الذي ييسر عملية التعلم بالبستاني؛ إذ يمتدح البستانيون بجدارة لأنهم يساعدون الورود أو الفواكه على الإزهار والإثمار؛ رغم أنهم لا يُخرجون بأنفسهم أزهارًا أو يطرحون ثمارًا. وعلى نحو مماثل، يوفر المعلمون ظروفًا تُعزّز النمو والتعلم، إلا أن مهمة إتقان المادة العلمية وتنمية مهارات التعلم تقع على عاتق الطلاب.

   شبه المعلمون الميسرون أيضًا بالمرشدين، والكثير من الأفكار الملهمة المفيدة يستمد من هذا التشبيه المجازي؛ فالمرشدون يَدلُّون من يتبعونهم على الطريق، إلا أن من يتبعونهم يسيرون بأنفسهم. يشير المرشدون إلى معالم الطريق؛ حيث إنهم قطعوا هذا الطريق من قبل، ويُقدِّم المرشدون النصيحة، ويُحذِّرون من الخطر، ويبذلون قصارى جهدهم ليمنعوا وقوع الحوادث. وعلى المنوال نفسه، يتسلق المعلمون، الذين يتبعون طرق التدريس المتمركز حول المتعلم، الجبال مع الطلاب ومعا يصعد المعلمون والطلاب ما يبدو وكأنه قمم جبال عالية وجديدة بالنسبة إلى الكثير من الطلاب.

  وتُقدم نانسي هيل (1980، ص48) وصفا بليغًا للغاية لمواطن الضعف المشتركة والأصيلة التي تظهر حين يتسلق المعلمون والطلاب معا:«يعرف المعلم باعتباره متسلقا

الصفحة 86

دور المعلم

   للجبال كيف يربط النقاط بعضها ببعض؛ فالحبل بمنزلة أداة إرشادية تربط بين متسلقي الجبال، بحيث يساعد كلُّ منهم الآخر على الصعود لأعلى، والمعلم يصنع «حبلا» عن طريق استخدام مشاركات الطلاب الشفهية والكتابية، وعن طريق تكوين الروابط التخصصات الدراسية المختلفة، وداخل التخصص الدراسي الواحد في المواضع المناسبة تماما، وعن طريق ربط المادة العلمية التي يدرسها الطلاب بحياتهم الشخصية.» وناقش ماريني (2000) هذا التشبيه مرةً أخرى، وأضاف كذلك المزيد من المقارنات.   

   وفي سياق متصل،أولئك الذين يُيسّرون عملية التعلم يُشبهون بالمدربين. ويوضح بار وتاج (1995 ، ص 24) في مقال لهما: المدرب لا يوجّه لاعبي كرة القدم وحسب .... وإنما يصمم التدريبات الكروية ويضع خطة اللعب، ويُشارك في المباراة نفسها عن طريق القيام بتغيير اللاعبين واتخاذ القرارات الأخرى. وتذهب الأدوار الجديدة لأعضاء هيئة التدريس خطوةً أبعد من ذلك؛ حيث إن أعضاء هيئة التدريس لا يضعون خطة اللعب وحسب وإنما يبتكرون «لعبة» جديدة وأفضل لعبة تُولّد قدرًا أكبر وأفضل من التعلم.»                    ويقول سبنس (2010، ص3)، في مقاله الرائع عن جون وودن مدرب كرة السلة - الذي لا يُضاهى - بجامعة كاليفورنيا، إن وودن اعتبر التدريب ضربا من التدريس؛ حيث كتب أنه« يتعامل مع كل لاعب على حدة، محاولاً توجيه تعليمات إليه إذا كان هذا من شأنه أن يُساعد في تعلمه واعتمد نجاحه على معرفة أوجه القصور لدى كل لاعب وقدراته ... كان يؤمن بأنك إذا لم تنتبه إلى ما يفعله الطلاب، ثم تقومهم وتعلمهم، فلن يكون هناك تدريس. وكما وصف الأمر، إذا لم يتعلم الطلاب شيئًا، فهذا يعني أن المعلم لم يُدرس لهم شيئًا.» ويلاحظ سبنس أن «قاعاتنا الدراسية بعيدة كل البعد عن ممارسات وودن العملية، ولكن ألا ينبغي أن تكون أقرب شبها بها؟ ألا ينبغي أن تكون هذه القاعات الدراسية أماكن للتعلم حيث يستطيع الطلاب أن يُجرِّبوا ويفشلوا ويتلقوا التعليم؟ ما تعلمته من نموذج المدرب كان ضرورة أن يخوض المعلم تجربة المتعلمين. كنت بحاجة إلى الملاحظة والاستماع حتى أتعرف على نقاط القوة والضعف والتميز لديهم. وهذا يتطلب العمل المكثف، ولكن ألا يعكس هذا واجبات مهنتنا؟»

   يُشبه إيسنر (1983) المعلم بمايسترو الفرقة الموسيقية الذي يقف أمام فرقته. والمعلم، مثل مايسترو الفرقة الموسيقية، يقف على منصة أمامه نوتة موسيقية معقدة؛ أي المحتوى الذي سيقوم بتدريسه في ذلك اليوم. وأمام المايسترو فرقة تتألف أشخاص يعزفون على آلات موسيقية مختلفة، ويتمتعون بمستويات مختلفة من القدرات، وتلقوا

الصفحة 87

  مستوى مختلفًا من التدريب. والمعلم- المايسترو لديه خمسون دقيقة ليعد فرقته لعزف النوتة الموسيقية، تروق لي الاحتمالات الرائعة التي ينطوي عليها هذا التشبيه.  

   إلا أن التشبيه المفضل لدي لوصف التدريس المتمركز حول المتعلم هو تشبيه المعلم بالقابلة. رأيت هذا التشبيه منسوبًا إلى عدة مؤلفين، ولكني قرأت عنه لأول مرة في مقال كتبه إيرز (1986 ، ص 50)؛ حيث كتب يقول: المعلمون الأكفاء يساعدون الآخرين مثلما تفعل القابلة الماهرة؛ فالمعلمون الأكفاء يبحثون عن طرق لتنشيط الطلاب؛ لأنهم يعرفون أن عملية التعلم تتطلب مشاركة نشطة بين الفاعل و«المفعول». فعملية التعلم تتطلب الاكتشاف والابتكار والمعلمون الأكفاء يعرفون متى يتراجعون ويلتزمون الصمت، ومتى يشاهدون ويتساءلون عما يحدث من حولهم وبإمكانهم الدفع والجذب عند اللزوم - مثل القابلة تماما - غير أنهم يُدركون أنه لا يتم استدعاؤهم دومًا لأداء هذا الدور، بل أحيانًا يكون الأداء موجهًا لموضع آخر، ويجب أن يكون كذلك...» 

   وأنا أرى نموذج المعلم القابلة حاضرًا عند تولد عملية التعلم. القابلة نفسها لا تلد، فالأمر يعود إلى المتعلم في إتقان المادة العلمية وتطبيقها على أرض الواقع، أما المعلم-القابلة فهو مجرد وسيلة مساعدة؛ إذ يستحضر الكثير من التجارب والخبرات السابقة، ويُطمئن ويُهدِّئ؛ فهو يقف بجوار الكثير من الطلاب الآخرين الذين يُجاهدون في سبيل تعلم هذه المادة. إنه يعرف المواضع التي تتأزم فيها الأمور، ولديه استراتيجيات يمكن اقتراحها لمساعدة المتعلمين على الوصول إلى مرحلة الفهم والاستيعاب. وعندما يُولد الفهم والاستيعاب في النهاية، يكون المعلم-القابلة حاضرًا للاحتفال بتلك اللحظات المهمة بالنسبة إلى المتعلم يا له من تشبيه جميل!

    تقدم هذه التشبيهات أفكارًا ملهمة لدور المعلم الذي يُيسر عملية التعلم؛ فهي مقيدة بالتركيز على ما «يكون» عليه المعلمون في مقابل ما «يفعلونه»؛ فالمعلم أشبه بالبستاني والمرشد والمدرب ومايسترو الفرقة الموسيقية والقابلة. ولكن كيف يقوم المعلم بمهام البستاني أو المرشد أو المدرب أو مايسترو الفرقة الموسيقية أو القابلة داخل قاعة الدراسة؟ لكي يضطلع المعلم بدوره عليه أن يعرف ما يقوم به الميسر؛ وإليك ملخصا موجزا وبسيطا يُعد أفضل موضع للبدء من عنده: دور المعلم هو إشراك الطلاب ودعمهم في عملية التعلم الصعبة والمضطربة.          

   إن ما يجعل الدور المتمركز حول المتعلم مفضلا على الأدوار المتمركزة حول المعلم هو أنه يُعزّز عملية التعلم بمزيد من الفاعلية، ويقوم بذلك لسببين؛ أولا: المعلمون يُركزون

الصفحة 88

  على ما يفعله «الطلاب»، بدلا من التركيز على ما يفعلونه هم أنفسهم (بيجز، 1999أ، 1999 ب)؛ فهم يلاحظون إلى أي مدى يستوعب الطلاب المادة العلمية أولا يستوعبونها، وهذه المعلومة تسمح لهم بتعديل أسلوب تدريسهم بما يُعزّز التعلم بمزيد من الفاعلية. ووصف سبنس لأسلوب وودن في التدريب يوضح هذا الأمر تماما؛ فالمدرب لا يقلق بشأن طريقة تدريبه؛ فهو يُلاحظ اللاعبين ويراقبهم وهذه الملاحظة المركزة تتيح له تقديم التقييم الذي يساعد اللاعبين على تحقيق المزيد من النجاح على مستوى الأداء.

   ثانيا، وربما الأكثر أهمية: التدريس الميسر يساعد على المزيد من التعلم؛ ذلك لأن الطلاب يشاركون في تأدية مهام التَّعلم بأنفسهم. هكذا، هم لا يستنسخون الأمثلة التي يقدمها المعلم، وإنما يبتكرون الأمثلة خاصتهم؛ حيث إنهم لا يُسجلون ما يقوم به المعلم أثناء حل المسألة وحسب، بل يعملون على حل المسألة بمفردهم أو مع طلاب آخرين. إنهم يطرحون الأسئلة، ويلخصون المحتوى، ويبتكرون الفرضيات، ويقترحون النظريات، ويُقدمون التحليلات النقدية، وهكذا.

  فهمت هذا المفهوم حقًا بعد قراءة بحث بيجز (1999أ، 1999ب)، وأتذكر أولى محاولاتي لإحداث التغيير. كنتُ أظن أن إحداث التغيير أمر يسير. لقد قدمت مفاهيم مهمة، وشرحتها بكل عناية طارحة الأسئلة وطالبة من الطلاب طرح ما لديهم من أسئلة قبل أن أقول لهم: «الآن، ما نحتاج إليه هو الأمثلة، فلسوف تُساعدكم الأمثلة على فهم هذا. إذن، ما المثال الذي سيوضّح هذا المفهوم؟ لم يأتِني رد. انتظرتُ في صبر، ثم شجعتهم قائلة: «لا ينبغي أن يكون مثالاً ممتازًا، شاركوني ما يخطر على بالكم وحسب.» مرة أخرى، لم تأتِني إجابة انتظرت لوقت أطول. حان وقت استخدام الورقة الرابحة الأخيرة؛ فقلت لهم: «حسنًا، كما تعرفون الأمثلة تُستخدم عادةً في الاختبارات الخاصة بهذه المادة. أن تدوّنوا في ملاحظاتكم بعض الأمثلة.» في النهاية، رفع آل يدَه في تردُّد؛ و وهو طالب مبالغ نوعًا ما في اهتمامه بالتفاصيل والتنظيم، ودائمًا ما يشعر بالقلق حين تتباطأ وتيرة العمل داخل قاعة الدراسة، وما إن سمعتُ المثال الذي طرحه آل حتى قلت له: «شكرًا لك يا آل!» وانتابني بعدها شعور بالقلق. لم يكن مثالاً جيدًا. واستغرقنا ثلاث أو أربع دقائق لنصل إلى مثال أشعر أنني يُمكنني كتابته على السبورة. وبعد أن انتهيت، أتذكر أنني ألقيت نظرةً على ملاحظاتي، ورأيتُ ثلاثة أمثلة ممتازة مدونة فيها. 

   أكان يتعين على مشاركتهم إياها من البداية؟ الإجابة نعم ولا. ربما كان يتعين علي أن أمنح طلابي مثالاً من أمثلتي؛ بهدف التوضيح وحثّهم على التفكير في الاتجاه الصحيح.

الصفحة 89 

  ولكن لا ينبغي أن يُدوّن الطلاب الأمثلة الخاصة بالمعلم في ملاحظاتهم وحسب، بل إنهم بحاجة إلى بعض الأمثلة الخاصة بهم بعض الأمثلة المنطقية بالنسبة إليهم - وهذا يربط بين ما يعرفونه بالفعل وبين المفهوم الجديد الذي يسعون لتعلمه. ولن يتعلموا كيف يقومون بالعمل الذهني الشاق الذي يتطلبه ابتكار الأمثلة الجيدة إذا كان كل ما يفعلونه هو تدوين الأمثلة التي يُقدِّمها المعلم، علاوةً على ذلك، أفضل وقت لممارسة ابتكار الأمثلة يكون داخل قاعة الدراسة، حين يكون المعلم موجودا ليقترح طرق البحث عنها، ويُقدم التقييم الذي يُحسن من جودتها.  

  والتدريس المتمركز حول المتعلم ليس مُقترحًا يفرض الاختيار بين كل شيء أو لا شيء على الإطلاق أحيانًا يجب على المعلمين أن يقوموا بالمهام التعليمية نيابة عن الطلاب إذ ينبغي لهم تقديم حلول، وإجابة الأسئلة، وتوضيح النقاط، وإبراز أساليب التفكير النقدي، وهذا جزء مسموح به من عملية التدريس، ولكن ليس على المعلمين أن يقوموا بهذه المهام طوال الوقت أو حتى أغلب الوقت أخيرًا، مسئولية التعليم تقع على كاهل الطلاب، ويُشجع التدريس المتمركز حول المتعلم عملية التعلم عن طريق إشراك الطلاب مباشرة في تلك المهام التي تيسر التعلم العميق والدائم.

(2) ما الذي لم يتغير؟

بالنظر إلى الاهتمام الكبير الذي يتلقاه التدريس المتمركز حول المتعلم والافتراضات الواضحة التي يستند إليها، لعلنا نتوقع أن التدريس في مجال التعليم العالي صار أكثر ارتكازا على المتعلم. ولكن للأسف، عدد قليل للغاية من الأدلة يدعم ذلك الاستنتاج؛ إذ تُشير أغلب البيانات إلى مواصلة الاعتماد على أساليب التدريس المتمركز حول المعلم. والأدلة لا توجد في استطلاع واحدٍ وشامل للآراء، وإنما توجد في العديد من التحليلات المختلفة، كما توضح الأمثلة التالية.

(1-2) أدلة المعلمين على استعانتهم بأساليب التدريس المتمركز حول المعلم        

في عام 1998،صنف 76بالمائة من أعضاء هيئات التدريس (من بينهم الأعضاء الجدد) إلقاء المحاضرات على أنها طريقة التدريس التي يختارونها (فنكلشتاين وسيل، وشوستر). وعلى الرغم من أنه يُمكن إشراك الطلاب بفاعلية في المحاضرات، فإن الكثير من المحاضرات

الصفحة 90

   النظامية يتمركز حول المعلم؛ حيث يكون الطلاب متلقين سلبيين للمعرفة هل تغيرت النسبة أثناء السنوات السابقة؟ لا نعرف الإجابة؛ فلم يتم الانتهاء من إعداد استطلاع آراء كهذا مؤخرًا؛ ومن ثُمَّ لا توجد بيانات متاحة للمقارنة مع هذا الاستطلاع الإرشادي المهم.

    لقد أجريت استطلاعات للآراء في بعض التخصصات الدراسية؛ فقد تحقق أحد استطلاعات آراء أعضاء هيئة تدريس المقررات الدراسية لمادة الاقتصاد للطلاب الجامعيين، أجري في أعوام 1995 و 2000 و 2005و 2010(واتس وشاور، 2011) من طرق التدريس والتقييم التي ذكر أعضاء هيئة التدريس استخدامها في تلك المقررات. ومن المثير للدهشة أنه في كل استطلاع من هذه الاستطلاعات قال أعضاء هيئة التدريس إنهم خصصوا 83 بالمائة من وقت تدريس المادة للمحاضرات. وعلى مدار سنوات حدث تزايد نوعا ما في أعداد من أبلغوا عن استخدامهم استراتيجيات أخرى متمركزة أكثر حول المتعلم، إلا أن الباحثين توصلوا إلى ما يلي: «على الرغم من إمكانية القول بأنه يمكن توقع استمرار حدوث التغييرات التدريجية التي لوحظت على طرق التدريس والتقييم (لا سيما في استطلاعي الرأي الأخيرين)، فإن الجزء الأكبر والأكثر تأثيرًا للصورة...يتمثل في أنه لا ينبغي التقليل من قيمة التفضيلات والمحفزات والقيود التي دفعت معظم مدرسي الاقتصاد إلى استخدام أساليب التدريس القائمة على التلقين والشرح على السبورة» (ص 307-308)

   استطلع فالتشيك ورامزي (2003) آراء أعضاء هيئات تدريس مادتي العلوم والرياضيات، العاملين بنظام الدوام الكامل في معاهد مدة الدراسة بها أربع سنوات بولاية لويزيانا؛ حيث سألا عن الأساليب المتمركزة حول المتعلم (التي عرفاها وأوضحاها بالأمثلة)، ووجدا أن الاستعانة بهذه الاستراتيجيات كانت «نادرة» (ص567). وقد خلصا إلى أن «التعلم المعتمد على حضور المحاضرات والحفظ والتسميع ثم التقييم لا يزال قائما داخل قاعات دراسة مادتي العلوم والرياضيات، وحتى داخل الكليات التي لا تُركز تركيزا أساسيا على البحث العلمي» (ص579).

   وفي إحدى الدراسات النوعية القائمة على المقابلات الشخصية، كان هدف الباحثين الوصول إلى فهم أفضل لآراء أعضاء هيئات التدريس، الذين يدرسون للطلاب الجامعيين المقررات الدراسية لمادة العلوم، عن التعلم الاستقصائي (براون وأبيل وديمير وشميت، 2006). وعلى وجه التحديد، كان الباحثون مهتمين بتصورات أعضاء هيئات التدريس

الصفحة 91

   عن الأنشطة المعملية القائمة على مبادئ التعلم الاستقصائي، تلك التجارب المعملية التي يستخدم فيها الطلاب الطرق العلمية للتحقق من الظواهر الطبيعية وحل المشكلات. وهذا الأسلوب للعمل داخل المعمل يناقضه التجارب المعملية ذات النوعية «الوصفية» والتي ينتج عنها محصلات محددة سلفًا.

   أجريت المقابلات الشخصية مع أعضاء هيئات التدريس من مختلف أنواع المؤسسات التعليمية، وكانت النتيجة العامة مفادها أن أساليب التعلم الاستقصائي ملائمة للتخصصات العملية لطلاب السنوات الأخيرة أكثر من ملاءمتها لمواد الفرق التمهيدية أو التخصصات غير العلمية ( ص 784) . «وعلى الرغم من أن أعضاء هيئات التدريس يُقدرون قيمة التقصي العلمي، فإنهم لاحظوا القيود التي يفرضها الوقت وعدد الطلاب وطرق تحفيز الطلاب وقدرتهم على إنجاز المهام. وقد أعاقتهم هذه القيود، بالإضافة إلى رأيهم في التعلم الاستقصائي، عن تطبيق مبادئ التعلم الاستقصائي» (ص 784).

(2-2) أدلة الطلاب على استعانة المعلمين بأساليب تدريس متمركزة حول المعلم

    استطلع استبيان أجري على 922 طالبًا تقييم هؤلاء الطلاب للمقررات الدراسية الخاصة بمادة العلوم (كارداش ووالاس، 2001). وأسفر التحليل العاملي لاستبيان الآراء بخصوص ثمانين بندا عن ستة عوامل، من بينها عامل يُسمى التَّعلم السلبي، «إن متوسط النسبة البالغ2,81[من 6 على مقياس ليكرت] على مقياس التعلم السلبي يُشير بوضوح إلى أن أغلبية المقررات الدراسية لمادة العلوم تظل مُعتمدة بالأساس على المحاضرات وتركز على اكتساب الحقائق» (ص208)

   وطلبت دراسة تيرنزيني وكابرارا وكولباك وبارنتي وبيوركلوند (2001)، التي أجريت على طلاب كلية الهندسة المشار إليها في الفصل الثاني، من الطلاب أن يُقيموا المقررات الدراسية التي استعانت باستراتيجيات التعلم النشط والتعاضدي، ثم قارنوها بتقييم الطلاب الذين درسوا المقررات الدراسية النظامية المعتادة. وفيما يلي سرد لعينة من البنود بمتوسط درجات الطلاب (من إجمالي 4) في المقررات الدراسية التجريبية والمقررات الدراسية النظامية، وحجم التأثير محسوبا بالنقاط المئوية. وجميع الاختلافات

الصفحة 92

 في متوسط الدرجات ذات أهمية إحصائية، والنقاط المئوية تحابي الطلاب الذين مارسوا أنشطة التعلم النشط والتَّعلُّم التعاضدي لدراسة المقررات الدراسية خاصتهم. 

 

( أنظر الجدول الموجود في الصفحة 93-ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه). 

 وهذه البيانات لا تشير إلى إدراك الطلاب بإيجابية للأساليب المتمركزة حول المتعلم وحسب، بل إنها ترسم صورة متباينة لقاعات الدراسة يكون فيها الأساتذة أنشط من الطلاب.

(2-3) بيانات ملاحظة قاعات الدراسة

  أثبتت الأبحاث التي أجريت في مطلع الثمانينات من القرن العشرين أن أعضاء هيئات التدريس يُخصِّصون وقتا قليلا للتفاعل داخل قاعة الدراسة. ولقد أجرى فيشر وجرانت (1983) 155 زيارة لـ 40 قاعة دراسية من مختلف المؤسسات التعليمية في مجموعة متنوعة من التخصصات الدراسية، وعلى مستوى المقررات الدراسية المختلفة بداية من المقررات التمهيدية حتى المقررات المتقدمة. وداخل تلك القاعات الدراسية كان الأساتذة يتحدثون بنسبة 80 بالمائة تقريبًا من الوقت، أكثر بمقدار أربع مرات من الطلاب الموجودين داخل قاعات الدراسة التي بلغ متوسط أعداد طلابها سبعة وأربعين طالبًا في القاعة، ولم يكن طلاب مواد التخصص بالسنوات النهائية أكثر مشاركة من طلاب المقررات الدراسية للسنوات الأولى. ووجدت دراسة وصفية أُجريت عام 1996 (نان) على

الصفحة 93

التدريس المتمركز حول المتعلم

   عشرين قاعة دراسية لمادة العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية؛ أنَّ المعلمين خصَّصوا نسبة 5,85 بالمائة فقط من إجمالي وقت المحاضرة لمشاركة الطلاب. وقدر هذا الوقت بدقيقة واحدة تقريبًا لكل أربعين دقيقة من وقت المحاضرة. وتُفيد دراسة فيشر الوصفية (2000)، من واقع زيارة 344 قاعة دراسية، بأنه حين حدث التفاعل، كان المعلمون يطرحون الأسئلة أو يُعلقون ردًّا على أسئلة الطلاب أو إجاباتهم بنسبة ٤٧ بالمائة من الوقت. وحتى حين تفاعل الطلاب داخل هذه القاعات الدراسية، فإن أعضاء هيئات التدريس كانوا يُجرون ٥٠ بالمائة تقريبًا من الأحاديث أثناء تلك التفاعلات.

   ربما تعد دراسة إيبرت-ماي، وديرتينج وهودر ومومسين، ولونج، وجارديليزا (2011) الأكثر إرباكا من بين البيانات القائمة على الملاحظات المأخوذة من داخل قاعات الدراسة؛ وهي عبارة عن دراسة كبيرة ومعقدة لأعضاء هيئات تدريس مادة علم الأحياء، الذين حضروا ورش عمل مُصمَّمة لتحويلهم من اتِّباع طرق التدريس المتمركز حول المعلم إلى طرق التدريس المتمركز حول المتعلم. تضمَّنت ورش العمل عدة أيام من التدريس، وردا على بيانات استبيان الآراء التي جُمعت لاحقًا، قالت الأغلبية العظمى (89) بالمائة من مجموعة واحدة إنهم طبقوا إصلاحات كتلك المقترحة خلال ورش العمل وطلب من إحدى المجموعات المشاركة أن يُصوِّروا أنفسهم على شرائط تسجيلية أثناء التدريس (أربع مرات على فترات محددة خلال عامين بعد انعقاد الورشة). وخضعت هذه الشرائط التسجيلية للتحليل باستخدام أداة مصمَّمة لقياس درجة التَّعلم النشط والمشاركة الطلابية الملحوظة داخل قاعات الدراسة. تشير الملاحظات إلى أن أغلب أعضاء هيئات التدريس (5 بالمائة) طبقوا أساليب التدريس القائمة على إعطاء المحاضرات والمتمركزة حول المعلم ( ص555). وتثير هذه النتائج تساؤلات خاصة بقابلية تطبيق تجربة ورش العمل وخاصة بانفصال تصورات أعضاء هيئات التدريس عن الواقع الذي تمت ملاحظته. غير أن الدراسة المذكورة هنا كدليل وصفي تدعم استمرار الاستعانة بطرق التدريس غير المتمركزة حول المتعلم.

(2-4) تحليل أدوات التدريس بحثًا عن أدلة استخدام التَّعلُّم النشط

 جمعت كاندیس آرشر وميليسا ميلر (2011) مجموعة من خطط المناهج الدراسية من المقررات الدراسية «الأساسية» لمادة العلوم السياسية، إحدى المواد التمهيدية الكبيرة، والتي تكون عادة المادة الوحيدة في هذا التخصص الدراسي واهتمت كانديس آرشر وميليسا ميلر

الصفحة 94

دور المعلم

   بمدى التَّعلم النشط الذي اشتملت عليه تلك المناهج الدراسية، وقررتا أن تلقيا نظرةً على خطط المناهج الدراسية، مشيرتين إلى أنه «في حين أن خطط المناهج الدراسية لا يُمكن أن توصل بالكامل ما يحدث داخل قاعة الدراسة، فإنها تُقدِّم ملخصا عن نيَّات المدرسونواتج التعلم المرجوة، والأساليب التربوية والتعليمية المتبعة» (ص429-430).

   وعن طريق الاستعانة بأدوات محرك البحث جوجل، وأدوات سيلابس فايندر أدوات البحث عن خطة المنهج الدراسي، حصلتا على 391 خطة منهج دراسي من 238 مؤسسة تعليمية مختلفة، من بينها عيّنة تمثيلية لنوعية المؤسسة التعليمية. وقد أجرتا تحليلا لهذه الخطط الخاصة بالمنهج الدراسي، بحثًا عن دلالات تفيد باستخدام المعلمين أساليب التحفيز والنقاشات المنظمة، وطرق التدريس القائمة على الاستعانة بدراسة الحالة. وشرحتا السبب وراء أن هذه الأساليب بعينها تتناسب مع المحتوى الخاص بهذه المواد وتحظى بشهرة عموما في أوساط هذا التخصص الدراسي. ووجدتا أن هذه الأنشطة نادرًا ما تقترح في خطط المناهج الدراسية التي أجرتا عليها الدراسة؛ حيث استحوذت المحفزات على7,7 بالمائة من الوقت واستحوذت النقاشات المنظمة على ٤,٧ بالمائة من الوقت، واستحوذت طرق التدريس القائمة على دراسة الحالة على 3,7 بالمائة من الوقت. «في المجمل،14,7 بالمائة من جميع المقررات الدراسية الأساسية في عينة البحث استعانت بواحد أو أكثر من هذه الأساليب الثلاثة الخاصة بالتَّعلم النشط» (ص431)

   ما أُشير إليه هنا يُعد بمنزلة عيّنة تمثيلية لمجموعة أكبر من الأبحاث التي أُجريت في مختلف المجالات وباستخدام مجموعة متنوعة من منهجيات البحث العلمي. لا يوجد بحث واحد يُثبت أن التدريس الجامعي لا يزال متمركزا حول المعلم إلا أن غياب البيانات التي تثبت انتشار استخدام الأساليب المتمركزة حول المتعلم والأدلة والبراهين – كتلك المذكورة هنا - تدعم الادعاء القائل بأن ما يحدث في معظم قاعات الدراسة بالجامعة لم يتغير كثيرًا منذ إصدار الطبعة الأولى من هذا الكتاب.

(3) لماذا لم يصبح التدريس متمركزا أكثر حول المتعلم؟

إذا كانت الأساليب المتمركزة حول المتعلم تُشجّع عملية التّعلُّم بمزيد من الفاعلية (وهو ما أثبتته الأبحاث الواردة في الفصل الثاني)، وإذا كانت فكرة تيسير التَّعلُّم منطقية من الناحية البديهية، إذن، فلماذا لا نرى المزيد من التغييرات في طرق التدريس للطلاب؟ ربما يتضح أن تطبيق ما هو منطقي من الناحية الفكرية أصعب مما تَصوَّره معظمنا.

الصفحة 95

التدريس المتمركز حول المتعلم

وفيما يلي بعض الأسباب وراء عدم تَحوُّل طرق التدريس لتُصبح متمركزة أكثر حول المتعلم. 

(3-1) لماذا يُفضّل أعضاء هيئات التدريس الأدوار المتمركزة أكثر حول المعلم؟

   لقد بين التحول إلى التدريس المتمركز حول المتعلم للكثير منا إلى أي مدى يروق لنا أن نكون في بؤرة الحدث داخل قاعة الدراسة؛ فمع وجود جمهور واقع تحت أسرنا، لا نستطيع أن نُفوِّت فرصة إبهار هذا الجمهور بما يُمكننا القيام به، وبالنسبة إلي يتمثل هذا الأمر في سرد القصص؛ فأنا يروق لي حكي القصص (بالطبع، القصص الحقيقية)، ومع تراكم السنوات، تراكمت القصص أيضًا. وبعض القصص كررتها كثيرا لدرجة أنني صرت محنكة في حكي المغزى من ورائها. وفي أيام الدراسة المعتادة، وحتى في تلك المحاضرات التي يُخيم على أجوائها الخمول، يُمكنني أن أحكي واحدة من تلك القصص لتدب الحياة فجأةً في جَنَبات القاعة الدراسية. وأشعُر بأنني حققت إنجازا حين يجتاح القاعة صوتُ الضحكات الصاخبة. يتذكر الطلاب حكاياتي؛ فحين أقابلهم بعد مرور سنوات، يُذكرونني بقصة «غسالة الأطباق». بالطبع تتمثل المشكلة في أنهم نادرا ما يتذكرون المغزى من وراء القصة؛ ومن ثم تكون جميع مبرراتي العقلانية بخصوص استخدام سرد القصص كمِشجَبٍ أُعلِّق عليه جميع المفاهيم باختلاف أنواعها( يروق لي هذا التشبيه؛ أمستاتس، 1988) مجرد عذر أستخدمه فقط لإبراز براعتي في حكي القصص.

   أنا لا أُومن بأن المعلمين الذين يتبعون طرق التدريس المتمركز حول المتعلم ممنوعون إلى الأبد من حَكْي القصص، أو ممنوعون من أي شيء آخر يستمتعون أو يتقنون القيام به حين يكونون في بؤرة الضوء؛ فهذا الأمر أشبه بمحاولة اتِّباع حمية غذائية ومنع تناول الشوكولاتة على الإطلاق وتحت أي ظروف، بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض القصص التي أسردها تؤتي ثمارها فعلا؛ حيث إنها تُسهّل فهم نقاط الموضوع واستيعابها، وتذكرها على نحو أفضل. بالأحرى، الأمر متعلق بتحليل دوافعي وراء سرد القصص تحليلا أمينًا، والتأكد من أنني أحكي هذه القصص لتيسير عملية التَّعلُّم، لا لأنني أريد التأكد من أنني ما زلتُ قادرة على إضحاك الآخرين.

الصفحة 96

دور المعلم

  ويبرز السبب الثاني وراء حفاظ أعضاء هيئات التدريس على الأدوار التقليدية أكثر في عنوان مقال كينج (1993) الذي يتمُّ الاستشهاد به كثيرًا، ألا وهو: «من دور الحكيم على خشبة المسرح إلى دور المرشد خلف الكواليس»؛ إذ يبدو دور المعلم الميسر أقل جاذبية، بل وأقل أهمية على الأرجح. هل الأمر كذلك لأننا نميل إلى الاعتقاد بأن دور المعلم أكثر أهمية مما هو عليه بالفعل ؟ وعلى الرغم من انخراطنا في كل جانب تقريبا من جوانب التدريس وتحكمنا في هذه الجوانب، فإننا لا يُمكننا أن نضمن توصيل المنتج إلى العميل؛ حيث لا يمكن إجبار الطلاب على التَّعلَّم. ولا يستطيع المعلم أن يتعلم أي شيء بالنيابة عن الطالب؛ فالطلاب يتحكمون تمامًا في أهم جزء في أي تجربة تعليمية. ربما يروق لنا الاعتقاد بأننا محور العملية التعليمية ونجومها وكل ما فيها يدور في أفلاكنا، غير أن الطلاب هم النجوم الحقيقيون في هذه العملية.

   ومع توافر فهم – يتسم بقدر أكبر من الواقعية - لدورنا الحقيقي في عالم التعليم، يمكننا أن نعيد التفكير في اعتقادنا بأن الأدوار الخاصة بالمعلم الميسر تتضاءل أو تقل أهميتها بطريقة ما أو بأخرى داخل العملية التعليمية، ولكن العكس صحيح؛ فأغلب النساء تصيبهنَّ حالة من الذعر من فكرة الولادة دون توافر أي نوع من المساعدة خلال عملية الولادة، ولا يُجازف أحد بصعود قمم الجبال الغادرة التي لم يطأها أحد من قبل، إلا المغامرون، ولا يمكن لفرقة موسيقية أن تعزف الموسيقى دون مايسترو، ولا تستطيع الفرق الرياضية أن تحرز البطولات دون وجود مدرب معها. وصحيح أن الأدوار الخاصة بالمعلم الميسر لا تنطوي كثيرًا على متعة الأداء، إلا أنها تُوفّر الفرصة للمعلمين أن يشاركوا بمزيد من الحميمية في عملية تعلم الطلاب، ويعود الفضل إلى المعلمين فيما يتعلق بجعل عملية التعلّم مُمكنة ومُيسرة؛ فالطلاب يتعلمون عن طريقنا لا رغمًا عنا.

  وهناك سبب ، آخر أكثر خفاءً يمنع بعض أعضاء هيئات التدريس من التحول إلى اتباع طرق التدريس الميسرة، فالعلاقة التي تربط بين المعلم والطالب قد تتشابك مع مسائل خاصة بالاعتماد المتبادل والفوائد النفسية المتنوعة التي يجنيها كلا الطرفين من العلاقات التي تتسم بالاعتماد والاتكالية على الطرف الآخر؛ فبالنسبة إلى الطلاب، تخلق هذه العلاقة شعورًا بالتحرُّر من المسئوليات؛ فالواجبات المنزلية تصير أسهل حين يأخذ المعلم القرار بخصوص كافة تفاصيلها الدقيقة. وأما بالنسبة إلى أعضاء هيئات التدريس، فإنهم يتحكمون في عددٍ أكبر من المتغيرات غير المتوقعة في عملية التدريس، ويتمتعون بقدر أكبر من السيطرة، ولا تتكشف مواطن ضعفهم، ذلك بالإضافة إلى شعورهم بالأهمية

الصفحة 97

التدريس المتمركز حول المتعلم

من جراء اتخاذ القرارات نيابةً عن الآخرين. ولكن بالنسبة إلى كلا الطرفين، فإن العلاقات الاتكالية هي علاقات غير صحية من الأساس؛ إذ تحد من إمكانية تحقيق النمو والتطور على المستوى الشخصي لكلا الجانبين.

(3-2) دور المعلم الميسر أكثر صعوبة من الأدوار الأخرى

  يتضمن تيسير عمليةش التعلم مهارات نادرًا ما تتم ممارستها، وربما يكون هذا الأمر مربكا ومزعجًا، ونظرًا لأن المعلمين لا يُفكِّرون في شيء سوى أدائهم أو هذا ما يشغل تفكيرهم أغلب الوقت، فإنهم لا يتحلون بالموضوعية الشديدة أو بالفطنة لمعرفة السبب وراء تسبب الدور الجديد في الشعور بالانزعاج إنهم يُدركون أن الأمور لم تسير في الاتجاه الصحيح، أو لم تبد على خير ما يُرام؛ ومن ثَمَّ لا يُمكنهم التدريس بهذه الطريقة، ويُفضّلون أن يعودوا إلى ما عَهِدوه قبل أن ينتهي بهم المطاف بجعل أنفسهم أضحوكة أمام الطلاب لا سمح الله. إنَّ فَهم كيف يؤتي هذا الدور ثماره، وما الذي يجعل تيسير عملية التعلم طريقة أصعب للتدريس؛ يُفسِّر إلى حد ما سبب عدم قيام المعلمين بهذا الدور، والسبب وراء أن الكثيرين يقولون إن تجاربهم الأولى كانت بعيدة كل البعد عن الإيجابية.

   أولا: هذه الطريقة للتدريس لا تخضع لسيناريو مكتوب؛ فأنت لا تدخل قاعة الدراسة ومعك كل شيء مخطط له مسبقا. أجل، أنت تدخل القاعة بتحضير جيد لما ستُدرسه، ولكن إذا كان جزء من الخطة أن تطلب من الطلاب أن يضربوا أمثلة فأنت لا تعرف ما الذي سيبتكرونه، وهناك احتمالات قائمة بأنهم سيأتون بمثال لم تُفكر فيه من قبل أو أنهم سيقدمون مثالاً رديئًا. وفي كلتا الحالتين يتعين عليك أن ترد، وستقوم بذلك دون أن تحظى بفرصة للتحضير المسبق.

   ما كان يُمثل تحديا أكبر بالنسبة إليَّ هو المواجهة المستمرة للجانب الفوضوي للعملية التعليمية. ربما يتسبب المحتوى الذي تتناوله المحاضرة في شعور الطلاب بقدر كبير من الحيرة والارتباك، إلا أن الطلاب يُجيدون التظاهر بالانتباه، ويتجنبون طرح الأسئلة؛ ومن ثم نفاجأ بوجود مشكلة حين نُصحح اختباراتهم. وإذا كان الطلاب مشاركين في العمل الجماعي، ويُنفذون المهام الموكلة إليهم على نحو رديء؛ فإن ذلك التقييم سيكون صادمًا بالنسبة إليك. إدراك هذه الفوضى هو مجرد الخطوة الأولى، ويتعين عليك أن تفعل شيئًا حيالها. هل ينبغي لك أن توليها الانتباه؟ هل تصلح ما أفسدته هذه الفوضى؟ هل تجعلهم

الصفحة 98

دور المعلم

يُصلحون ما أفسدته هذه الفوضى؟ وكما ستناقش في القسم التالي المعنون بـ «مشكلات التطبيق»، فالإجابة عن هذه الأسئلة ليست سهلة أو واضحة دائما.

   وهذه التحديات تزداد سوءًا بمقاومة الطلاب للتدريس الذي يُركّز على تيسير التَّعلُّم؛ فهم لا يريدون التعامل مع معلمين يتوقعون منهم ابتكار الأمثلة أو حل المسائل أو شرح بعضهم المفاهيم لبعض، فهذه هي مهمة المعلم، وهذا ما يُفترض من المعلم «الجيد» القيام به، وهذا ما أوضحه لي أكثر من طالب حقيقة وهذه الطريقة للتدريس تعني المزيد من العمل بالنسبة إلى الطلاب؛ حيث إن نقل الأمثلة من على السبورة أسهل من ابتكرها، كما أن هذا التصرف آمن أكثر لأنه ليس هناك مجال للخطأ، فأنت لديك الأمثلة التي ضربها المعلم، إذن كيف يُمكن أن يكون مثال المعلم خاطئًا؟ الفصل الثامن مخصص لمناقشة موضوع مقاومة الطلاب، بما في ذلك أشكال تلك المقاومة، وكيف يمكن للمعلمين أن يستجيبوا لها على نحو بَنَّاء، وكيف تتبدد هذه المقاومة عادةً حين يلتزم المعلمون بهذا الدور. ويجدر بنا ذكر مقاومة الطلاب هنا لأنها واحدة من الأشياء التي تجعل دور المعلم الميسر أصعب من حيث التطبيق. فأنت تُجرِّب شيئًا جديدًا، مُستشعرًا قدرًا معينا من الرهبة، وفي الوقت نفسه الذي تحتاج فيه إلى الدعم، يتعين عليك التعامل مع كافة أشكال

المعارضة.

لا يُعد التَّعلم المتمركز حول المتعلم طريقة أسهل للتدريس؛ وبعض المعلمين يستشعرون ذلك؛ ومن ثَمَّ يتجنبونه، والبعض الآخر يعيشون التجربة ويُحجمون عن تكرارها. ومن الممتع أنه حين تسأل أعضاء هيئات التدريس، فإن الكثيرين منهم يذكرون سببًا آخر لإحجامهم عن تجربة الأساليب المتمركزة حول المتعلم. أسمع هذا السبب طوال الوقت في ورش العمل خاصتي؛ إذ يقول المعلمون: «لا يستطيع طلابي مستوى المسئولية التي تقترحينها، ولا سبيل لي للاستعانة بهذا الأسلوب على الإطلاق؛ فهم ليسوا مستعدين لذلك.» بالتأكيد ثَمَّةَ مشكلات متعلقة بتنمية المهارات، والفصل التاسع مخصص بأكمله لمناقشة هذه المشكلات، ولكنَّني أظن أيضًا أن هذا الاعتراض أحيانًا ما يكون عُذرًا أكثر من كونه سببًا، أما بخصوص الأسباب الحقيقية، فإننا سنناقشها في هذا القسم؛ وهي أسباب متعلقة بالمعلم أكثر من كونها مُتعلقة بالطلاب. وعلى أي حال، وكما أشرتُ في الفصل الأول، فإن فريري وهورتون نجحا في الاستعانة بهذا الأسلوب في ظل أسوأ مستويات الإعداد الخاصة بالطلاب.

الصفحة 99

التدريس المتمركز حول المتعلم

(4) التدريس الميسر: مبادئ إرشادية لإدخاله حيز التطبيق

  يمكن الاسترشاد بمجموعة من المبادئ التي تصف ما يفعله المعلمون الذين يتبعون طرق التدريس المتمركز حول المتعلم؛ وذلك لإدخال دور المعلم الميسر في حيز التطبيق. وكما هي الحال مع أي دور ليس هناك طريقة واحدة فقط صحيحة لتطبيق هذا الأمر. والمبادئ هي ما يجعل الدور واضحًا، إلا أن الأمثلة هي ما يجعل الدور متميزا بمفرده. توجد طرق مختلفة يستطيع بها المعلمون أن يُشركوا الطلاب ويدعموا بها الجهود التي يبذلها الطلاب للتعلم. ويُنفّذ الدور على نحو أكثر فعالية حين يجد المعلمون طرقًا ناجحة بالنسبة إليهم تتناسب مع المحتوى الذي يدرسونه، وتفي بالاحتياجات التعليمية الخاصة بطلابهم.

(4-1) المبدأ الأول: يسمح المعلمون للطلاب بأداء المزيد من المهام التعليمية

  لقد استعرضت هذا المبدأ بالفعل؛ إذ يجب على المعلمين أن يتوقفوا عن القيام بالكثير من المهام التعليمية نيابة عن الطلاب، فلا ينبغي للمعلمين دوما أن يُنظموا المحتوى، ويُعطوا الأمثلة، ويطرحوا الأسئلة، ويحلُّوا المشكلات، ويُصمموا الرسومات البيانية. والكلمة المفتاحية هنا هي «دوما». في بعض الأحيان ( وفي بعض المحاضرات قد يكون الأمر في الكثير من الأحيان) يتعين على المعلمين أن يقوموا بكل هذه المهام بالنيابة عن الطلاب. وهذا المبدأ يدور حول الإقلال تدريجيًّا من القيام بهذه المهام، حتى نصل إلى المرحلة التي يكون فيها القيام بهذه المهام استثناء لا قاعدة. 

  على سبيل المثال، في نهاية النقاش بالمحاضرة، لا ينبغي أن يكون المعلم هو من يُلخّص الموضوعات. لاحظت، ذات مرة، أن إحدى المعلمات تسمح للطلاب بأن يُلخّصوا ما جاء في المحاضرة بواسطة استراتيجية متميزة وفعالة للغاية. كانت هذه محاضرة عن الأدب الإنجليزي، وكان الطلاب يُناقشون جزءًا من إحدى الروايات. وفي تلك المحاضرة كانوا يجلسون على شكل نصف دائرة، ويُساهمون بأفكارهم دون إقرار المعلمة بصحة هذه الأفكار أو عدم صحتها. وبينما كانوا يتحدثون، كانت المعلمة تُدوّن سريعًا تعليقاتهم على السبورة، لم تُعقب على شيء، ولكنها كانت تُركز على تسجيل خلاصة إسهاماتهم، وبعد مرور عشر دقائق، قالت للطلاب« إلى أين وصلنا؟ يجب أن تفكر في هذه المناقشة ونرى إن كان بإمكاننا أن نصل إلى أي نتيجة، من فضلكم ألقوا نظرة على هذه الملاحظات

الصفحة 100

دور المعلم

  التي كتبتها على السبورة.» وبعد دقيقة من الصمت، قالت: «هل من أحد يرى أي رابط بين هذه التعليقات؟» وبينما كان الطلاب يُخمنون الروابط، رسمت المعلمة خطوطًا ودوائر وأضافت أرقامًا، وعدلت أشياء أحيانًا، ومسحت أشياء في أحيان أخرى، وبالتدريج اتضحت بعض الاستنتاجات، وطلبت من الطلاب أن يُدوِّنوها في دفاترهم بكلماتهم الخاصة، ثم طلبت من ثلاثة طلاب أن يكتبوا تلخيصهم على السبورة، وواصل الطلاب مناقشة مميزات كل تلخيص، وفي النهاية ابتكروا تلخيصا أدمج عددًا من الأفكار الفردية خاصتهم. 

    كان الجزء الذي راق لي بشدة في هذا المثال التوضيحي هو إلى أي مدى أبعدها الدور التسجيلي بفعالية عن بؤرة تركيز النقاش. كان الطلاب يُوجهون تعليقاتهم وردودهم بعضهم إلى بعض؛ ففي معظم محاضراتي، بصرف النظر عن الموضع الذي . فيه داخل قاعة الدراسة، لا يُوجه الطلاب حديثهم إلا إليَّ، وحينئذ أدركت أنني الشخص الوحيد الذي يردُّ على تعليقاتهم في الواقع، حالما توقفتُ عن القيام بذلك على نحو منتظم، بدءوا يتحدثون بعضهم إلى بعض.

   يتجنَّب بلاك (1993) القيام بمهام حل جميع المسائل في محاضرات الكيمياء العضوية خاصته، وذلك باتباع الأسلوب التالي؛ كان يصل إلى قاعة المحاضرات في وقت مبكر ويكتب المسائل في كل مكان متاح على السبورة، وحالما يصل الطلاب، يتم تقسيمهم عشوائيا ليعمل كل اثنين على حل واحدة من تلك المسائل الكيميائية. وحالما تبدأ المحاضرة، يقف من ثمانية إلى عشرة طلاب على السبورة للعمل على حل المسائل، ويواصلون القيام بذلك لمدة خمس أو عشر دقائق من زمن المحاضرة. يسير بلاك في قاعة الدراسة ليتحدث إلى الطلاب الآخرين، ويتابع الطلاب الذين يقومون بحل المسائل. وإذا ما تعثروا في الحل، فربما يقدم لهم تلميحا أو يطرح سؤالاً مهما.

حين تنتهي المهمة، يُطلب من طلاب آخرين غير هؤلاء الذين قاموا بالحل على السبورة ... أن يُحللوا أو يُعلقوا على المسألة وحلها ... وأساعدهم عن طريق طرح الأسئلة لتوجيه تقييمهم للإجابة هل الإجابة صحيحة ؟ هل يمكن أن تكون أفضل من ذلك؟ إذا كانوا لا يعتقدون أن الإجابة صحيحة، إذن، فما المشكلة وكيف يُمكن حلها؟ ما الفكرة الرئيسية؟ ما المبدأ الذي نتحدث عنه هنا ؟ كيف ستحلونها؟ (بلاك، 1933، ص 143). لاحظ إلى أي مدى تُركز أسئلته على عملية الحل ذاتها، لا التوصل إلى الإجابة الصحيحة وحسب.

وحالما تبدأ في التفكير بالأمر تجد جميع أنواع المهام التعليمية التي يستطيع المعلمون أن يجعلوا الطلاب يقومون بها، مثل: تلخيص الموضوع في نهاية المحاضرة، والمراجعة

الصفحة 101

التدريس المتمركز حول المتعلم

  على ما سبق في بداية المحاضرة التالية، وتوقع النتائج التجريبية، واقتراح النظريات الممكنة، وابتكار الفرضيات ،وتقييم النتائج. هل سيؤدون هذه المهام مثلما يؤديها المعلم؟ أكاد أجزم بأنهم لن يفعلوا ذلك، ولكن مع الممارسة سيتحسن مستواهم. وهذه الطريقة للتدريس تُشجِّع التَّعلُّم عن طريق تنمية مهارات التَّعلُّم وتعزيز استيعاب المحتوى في الوقت نفسه، كما هو موضح بالتفصيل في الفصل الخامس.

(4-2) المبدأ الثاني: يُقلل المعلمون من الحديث ليزيد الطلاب من الاستكشاف 

  يميل المعلمون بشدة إلى الإفراط في الحكي والحديث أمام الطلاب. لنفترض أن لدينا عرضًا توضيحيا داخل قاعة الدراسة مخطّطا له مسبقا، فتخبر الطلاب بما سنقوم به ثم نقوم بالمهمة، ثم نخبر الطلاب بما حدث، ونخبر الطلاب بتوقيت مذاكرتهم والطريقة التي ينبغي لهم اتباعها للمذاكرة، ونخبرهم بألا يحشروا المعلومات في رءوسهم أو يُماطلوا في المذاكرة. نخبر الطلاب بما يجب عليهم أن يقرءوه، أو المسائل التي يجب أن يحلوها كواجب منزلي، ونخبرهم بألا يأتوا إلى المحاضرة دون تحضير أو في وقت متأخر. ونخبرهم بعدد أوراق البحث الذي ينبغي أن يُقدِّموه، والخط الذي ينبغي أن يستخدموه، وكيف يقدمون واجباتهم الدراسية عبر شبكة الإنترنت ؟ هل هذا القدر المفرط من التلقين يُشجع عملية التعلم؟ وكيف يؤثر ذلك على تنمية مهارات الطلاب باعتبارهم متعلمين؟ 

   قد يتحول هذا القدر المفرط من الحديث والتلقين إلى حلقة مفرغة؛ فمعظمنا يقضي الكثير من الوقت في تحضير خطة مفصلة للمنهج تصف كل جانب من جوانب المادة. ولكننا مضطرون إلى «استعراض» هذه الخطة سريعا داخل قاعة الدراسة؛ لأن الطلاب لن يقرءوها. وبالتأكيد، فإننا نُعبر عن آرائنا ونستفيض ونجيب عن أي أسئلة، بَيْدَ أننا غالبًا ما نُردّد النص المكتوب على مسامع الطلاب. وبعد أن ننتهي من هذه المهمة، لا يكون الأمر مرتبطا في الأساس بأن الطلاب لا يُريدون القراءة بقدر ما أنهم ليسوا مضطرين إليها. وفي بعض الأحيان أتساءل إن كان هذا النقاش المطول لما جاء في خطة المنهج الدراسي ليس جزءًا من السبب وراء مواصلة الطلاب طرح أسئلة أجيب عنها في خطة المنهج بالفعل. وبالطبع، يُجيب معظمنا عن هذه الاستفسارات.

اللصفحة 102

دور المعلم

  توجد بدائل متمركزة أكثر حول المتعلم؛ حيث اتسمت خطة منهج مادة التواصل اللفظي التي أُدرسها كمادة أساسية للطلاب المستجدين بأنها خطة طويلة ومعقدة (انظر الملحق الأول). أُوزع هذه الخطة على الطلاب أثناء دخولهم قاعة الدراسة في اليوم الأول من الفصل الدراسي، ثم أمنحهم عشر دقائق ليقرءوا الخطة سريعا، وبعد ذلك أُشجعهم على طرح الأسئلة. لم يكن هناك، دومًا، أسئلة تُطرح، بالرغم من أن هذا المقرر الدراسي تميز بالكثير من السمات غير المعتادة، مثل: اختيار الطلاب للواجبات الدراسية التي كانوا يقومون بها، وإمكانية خوض اختبارات جماعية، والتقييم الذاتي لمشاركاتهم. إلا أن الطلاب كانوا فاتري الهمة؛ إذ أعرضوا عن المشاركة، وشعرت بأنهم لم يرغبوا في طرح الأسئلة على أمل الخروج من المحاضرة مبكرًا.

   لم يكن لدي خطة بديلة في أول عامٍ جرَّبتُ فيه هذا الأسلوب في التدريس؛ ومن ثُمَّ في ظل غياب الأسئلة استسلمت واستعرضت خطة المنهج الدراسي سريعا. احتقرت نفسي للغاية لأنني استقررتُ فورًا على أسلوب مختلف عما كنتُ أخطط له. وفي الفصل الدراسي التالي، لم تُطرح أي أسئلة أيضًا؛ ولذا عقبت قائلةً: «حسنًا، إنَّ فهم خطة المنهج جزء مهم للغاية من أجل النجاح في هذه المادة، ونظرًا لأن جزءًا من مهمتي هو مساعدتكم على النجاح، إذن فلنجرِ اختبارًا قصيرًا لنرى إلى أي مدى تستوعبون خطة المنهج الدراسي.» كنت أستعين بهذا الأسلوب بانتظام، وكانت الاستجابة بعيدة كل البعد عن الحماس. ولكنني كنتُ أحافظ على ابتسامتي. لم يكن لديهم علم بأنني لن أضع تقديرات لهذا الاختبار القصير على أي حال. وما إن انتهوا من هذا الاختبار ، حتى شجعتهم على مقارنة إجاباتهم مع إجابات من حولهم، وتغيير أي إجابات يُريدونها، ثم عرضتُ الاختبار القصير، وأجريت تصويتا على الإجابات. وبالنسبة إلى البنود التي لم نصل فيها إلى إجماع واضح، وجهتُ الطلاب المراجعة خطة المنهج الدراسي، ثم بدأنا المحاضرة التالية بتلك الأسئلة والبنود.

    يسفر هذا الأسلوب الخاص بـ «عدم استعراض» خطة المنهج سريعا عن نتيجتين تجعلانني أظنُّ أنه أسلوب ناجح؛ حيث إنه يُشجِّع إجراء مناقشة رائعة عن المحاضرة والنسق العام لها؛ فعند مرحلة معينة، يبدأ الطلاب في طرح أسئلة، وأُشجع الطلاب الآخرين على إجابتها، وإذا لم يتوصلوا إلى إجابة، أوجههم نحو الفقرة ذات الصلة التي يتعين عليهم قراءتها. ثانيًا، يبدأ الطلاب المحاضرة بإلقاء نظرة على خطة المنهج بحثًا عن معلومات ذات صلة بالمقرر، وأنا أؤيد هذا التصرف حين أعطي واجبات دراسية جديدة؛

الصفحة 103

التدريس المتمركز حول المتعلم

  إذ يُخرج الطلاب خطة المنهج ويقرءون الوصف الخاص بالواجب الدراسي، ثم يطرحون الأسئلة بخصوص هذا الأمر، فإذا سألني أحد الطلاب سؤالاً وإجابته موجودة في خطة المنهج، أستعين بروح الدعابة، ذاكرةً سنّي المتقدمة، وتقاعُدي الوشيك، وأقول إنهم إذا أرادوا الإجابة الصحيحة، فعليهم أن يُلقوا نظرةً على خطة المنهج. ولكن معياري المفضل لقياس النجاح هو الطريقة التي تبدو عليها ملزمة خطة المنهج في نهاية الفصل الدراسي؛ حيث بدت ملزمة خطة المنهج أنها قُرئت، وليست مجرد صفحات نظيفة لم يقربها أحد بكتابة الملاحظات عليها كما اعتدتُ أن أراها.

   ينبغي أن نسمع شعار دعهم يكتشفون في الكثير من المواقف التعليمية، فإذا طرح أحد الطلاب سؤالا مُجابًا عنه ببراعة في الكتاب الدراسي، فعليك بإحالته إلى الكتاب الدراسي، ولعلك تتابع هذا السؤال في اليوم التالي لترى ما إذا كان ذلك الطالب قد بحث عن الإجابة أم لا. وإذا ما ظهر محتوى تمت تغطيته فيما سبق في سياق جديد، فاجعل الطلاب يبحثون عن المعلومات السابقة في دفتر الملاحظات خاصَّتهم. على الطلاب أيضًا أن يستكشفوا» ويتحملوا مسئولية القرارات التي يتخذونها، والتي تُؤثر على عملية تعلمهم. ويُناقش الفصل السادس هذا الموضوع بالتفصيل.

  ومن أجل التخلص من عادة «الحكي والحديث»، يروق لي نهج شروك (1992، ص8) الموضح في الاقتباس التالي: «يقول الطلاب إن حُجرة مكتبي تذكرهم بعلية منزل الجدة؛ حيث تتشارك الكتب والأوراق في نفس المكان جنبًا إلى جنب مع الملصقات السياسية، وإعلانات فترة الكساد الكبير، ودبابيس الدعاية الانتخابية وميداليات البيسبول القديمة.... ولكن أهم لافتة لا علاقة لها بالماضي، وإنما مُرتبطة بشدة بالحاضر والمستقبل، كانت تشير إلى التحدي الدائم الذي يواجهه التدريس المتمركز حول الطالب؛ وهي موضوعة عن قصد بجوار باب حجرة مكتبي من الداخل (أعلى مفتاح الإضاءة) بحيث تكون آخر شيء أراه قبل أن أتوجه إلى قاعة الدراسة. مكتوب على هذه اللافتة، بخط يدي البسيط، بأسلوب فيه إصرار وعزيمة واضحان: «لماذا تُخبرهم بهذا؟»»

(4-3) المبدأ الثالث: يؤدي المعلمون المهمة الخاصة بالتصميم التعليمي بمزيد من الحرص

عندما يكون الطلاب مشغولين بالعمل أثناء المحاضرة ولا يكون المعلم منشغلًا مثلهم، فإن الكثيرين منا يشعرون بالذنب كما لو أننا لا نفي بالتزاماتنا المهنية. وأثناء تلك اللحظات، 

الصفحة 104

دور المعلم

  عادةً ما ننسى الوقت والجهد المتضمَّنَين في عملية تصميم وإعداد الأنشطة التي يشارك فيها الطلاب في الوقت الحالي، وتُعد أوجه التصميم التعليمي المتضمنة في دور المعلم جزءًا لا يتجزأ من الأساليب المتمركزة حول المتعلم. إنها القنوات التي يحدث عن طريقها عملية التعلم. ويصف فينك (2003) العملية بأنها عملية تخلق تجارب تعليمية عظيمة»، وهي تجارب تختلف كثيرا عما قام به الطلاب خلال الفصل الدراسي الماضي، وما يقومون به في معظم المحاضرات الأخرى.

   وتتمتع الخبرات التعليمية الجيدة التصميم بأربع سمات؛ أولًا: هذه الخبرات التعليمية (مثل الواجبات أو الأنشطة) تحثُ الطلاب على الانخراط والمشاركة، فالهدف هو جذب الطلاب لكي ينخرطوا ويحفزوا حتى من قبل أن يُدركوا ذلك. ثانيًا: كما اقترح من قبل، إحدى أفضل الطرق لتحقيق الهدف الأول هي عن طريق الواجبات والأنشطة التي تجعل الطلاب يُنفّذون مهام أصيلة مرتبطة بالتخصص الدراسي. ويشرح ويجينز وماكتايت (2005) في كتابهما: «يتعيَّن على الطالب أن يستكشف التخصص الدراسي ويعمل عليه، بدلا من الحفظ أو الإعادة أو التكرار من خلال عرض توضيحي لما درس له أو ما يعرفه بالفعل» (ص 154). فالطلاب يقومون( بما يتناسب مع مستواهم بالطبع ) بما يقوم به علماء الأحياء والمهندسون والفلاسفة وعلماء السياسة وعلماء الاجتماع. ثالثًا: الواجبات والأنشطة جيدة التصميم تأخُذ بيد الطلاب من مستوى معرفتهم ومهاراتهم الحالية إلى موضع جديد للإتقان والكفاءة، ويفعلون ذلك من دون الإفراط في مستوى السهولة أو الصعوبة على حد سواء. وفي هذا المقام تجدر الإشارة إلى الحاجة لترتيب مجموعة من الخبرات التعليمية في سلسلة لكي تتراكم بعضها فوق البعض. ويذكر الفصل التاسع بعض الأمثلة على القيام بذلك. وأخيرًا: ثَمَّةَ تجارب تُطور المعرفة التي يقدمها محتوى المادة الدراسية، وتُنمي المهارات التعليمية في آن واحد. وهناك المزيد من المعلومات عن هذا الجانب مذكور في الفصل الخامس.

  هذه السمات تضع معايير مرتفعة، وليس من الواقعي أن تتحقق كل هذه المعايير في كل نشاط وواجب دراسي. ومع ذلك، ينبغي أن تكون هذه السمات نقاطا مرجعية للأنشطة والواجبات الدراسية التي نستعين بها في الوقت الحالي وتلك الأنشطة والواجبات الدراسية الجديدة التي نُصممها. ولا يُقلل المعلمون الذين يتبعون طرق التدريس المتمركز حول المتعلم من قيمة التحديات الفكرية التي تشتمل عليها التجارب المصممة لتعزيز التعلم العميق وتنمية المهارات.

الصفحة 105

التدريس المتمركز حول المتعلم

   وهكذا، تستلزم هذه الأنواع من الخبرات التعليمية التعامل مع تصميم المهارات بلمسة إبداعية وبراعة، وذلك مع الإقرار بأن التصميمات الجيدة ذات جانب تطوري. تخضع الخطط الأصلية للتغيير - وذلك بعد تجربتها - عن طريق الاستعانة بتقييمات الطلاب وحدس المعلمين نحو ما حقق نجاحًا وما باء بالفشل. دعوني أوضح هذا عن طريق نشاط طورته على ست مراحل على الأقل قبل أن أصل به إلى المرحلة التي شعرت عندها بأنه يُحقق الأهداف التعليمية التي حددتها له.

   استعنت بدراسة حالة ابتكرها سيلفرمان وويلتي (1992) لحثّ النقاش داخل الجامعة، وتضمنت دراسة الحالة طالبًا يتّهم المعلم بأنه أعطى له تقديرًا بناءً على دوافع عنصرية، وفي الوقت نفسه حظي طالب متعسر في التعليم بأفضلية في المعاملة. قرأ الطلاب الحالة قبل حضور المحاضرة واستعدوا ليتخذوا أحد جانبي المناقشة؛ إما التأييد وإما المعارضة. ولقد صممت نسقًا للمناقشة باستخدام أسلوب فريدريك (1981) للنقاش الإجباري؛ فصنعتُ ممشى وسط القاعة، ثم وجهت المقاعد ناحية هذه المساحة المفتوحة. وما إن وصل الطلاب حتى جلسوا في الجهة التي تتناسب مع الجانب الذي قرروا أن يتخذوه؛ الجانب المؤيد أو الجانب المعارض. وبعد ذلك تحدث بعضهم مع بعض عن الأسباب التي جعلتهم يتخذون هذا الجانب أو ذاك من المناقشة. وإذا غيروا رأيهم في أي وقت خلال المناقشة، انتقلوا إلى الجانب الآخر من القاعة.

 في هذا المقام قمتُ بدور مُسجّل النقاش، مُقسِّمةَ السبورة إلى نصفين، ومنتبهةً للحجج الداعمة للجانب الذي رأوه مناسبًا لرأيهم. وعندما توقفت عن الاستماع إلى حجج جديدة، جعلت كل جانب يجتمع لتحديد الحجة التي ظنوا أنها الأقوى، والطريقة التي سيردون بها على ما اعتقدوا أنها أفضل حجة مؤيدة للجانب الآخر من النقاش. ثم تطوع شخص من كل جانب من جانبي النقاش ليُمثل المناقشة بين المعلم والطالب الذي يعترض على تقديره.

عادة ما يبدأ النقاش بوتيرة بطيئة، ولكن نظرًا لأن الطلاب كانوا مهتمين بتوزيع التقديرات بعدالة تحمسوا، وسرعان ما انتقلت الأفكار ذهابًا وإيابًا بين الجانبين؛ ومن ثُمَّ ناقشوا وفندوا الحجج، وجمعوا الأدلة، ووضحوا النقاط، وعبروا عن آرائهم؛ حيث شارك عدد من الطلاب أكثر مما هو معتاد في النقاش الدائر داخل قاعة الدراسة غير بعض الطلاب رأيهم وانضموا إلى الجانب الآخر من المناقشة، واقترب طلاب آخرون أكثر من الجانب الآخر للنقاش؛ مما يُشير إلى أنهم لم يعودوا مقتنعين بذلك الرأي مثلما كانوا في

الصفحة 106

دور المعلم

بداية النقاش. ولقد سمعتُ أمثلة رائعة استخدمتها فيما بعد عند تدريس كيفية تقديم الحجج وتمييز المغالطات وتقديم الأدلة والبراهين.

    إنها استراتيجية رائعة، ويُمكن استخدامها مع عدد كبير من السياقات على اختلاف أنواعها، وإذا كانت قد أثارت اهتمامك، فأنا أُوصي بعمل قام به هایرید (1994، 1999، 2007) الذي يقترح عددًا من الاستراتيجيات ذات الصلة من أجل استخدام دراسات الحالة في محاضرات مادة العلوم. لقد ضم النشاط الذي طورته مصدرين من المصادر المتاحة في تجربة مصممة لتنمية مهارات النقاش لدى الطلاب وأضفتُ عنصر لعب الأدوار في النهاية لأن النشاط بدا غير مكتمل، ويُتيح لعب الأدوار للطلاب أن يدركوا إلى أي مدى «الاستعداد» للنقاش يُحسن من جودته. أخذتُ أُجرب طرقًا مختلفة لتهيئة قاعة الدراسة وجربت عددًا من الأدوار لنفسي قبل أن أختار أن أكون مُسجِّل النقاش. وساعد التسجيل الكتابي الطلاب في استعراض النقاشات وكل هذه السمات الخاصة بالتصميم تصنع فارقًا، لا تتصف أي سمة من تلك السمات بأنها فريدة على نحو خاص، وإنما تعمل عناصرها المتنوعة معًا لتعزيز نتائج التَّعلُّم المرجوة من النشاط.

(4-4) المبدأ الرابع : يقدم أعضاء هيئة التدريس نموذجا للطريقة التي يتعلم بها الخبراء

   يوضح المعلم الميسر كيف يتعامل المتعلمون البارعون مع عملية التعلم. ويتم هذا على نحو ناجح للغاية عن طريق ضرب مثل حي للتعلم داخل قاعة الدراسة، ولكن إذا كان المقرر الذي يدرسه الطلاب لا يتعدى كونه مقدمة أساسية وكان المعلم قد درسه عدة مرات من قبل، فإن من المستبعد أن يتعلم المعلم شيئًا جديدًا. إننا نعرف المحتوى جيدًا في مثل هذه المقررات، ولكن من آن لآخر يطرح أحد الطلاب سؤالًا جديدًا أو يقدم مثالاً مختلفا، وقد يُظهر رد فعلنا كيف يتعامل المتعلم المحنك مع الأفكار والمعلومات الجديدة. 

   وتعد المناقشات الواضحة لأساليب التعلم التي يستعين بها المعلم على نفس قدر فاعلية عملية «التعلُّم» ذاتها داخل قاعة الدراسة. فعندما تقوم بحل المشكلات يُمكنك أن توضح ما الذي يدور في بالك يمكنك أن تخبر الطلاب كيف واجهت الصعوبات والمشكلات المحيرة، وتشرح ما الذي تقوم به حين تتعثر أو تصل إلى الإجابة الخاطئة. ومن المفيد أيضًا أن تتذكر شعورك حين واجهت هذه المادة العلمية لأول مرة؛ هل كانت محيرة؟ هل

الصفحة 107

التدريس المتمركز حول المتعلم

كانت باعثة على الشعور بالإحباط؟ هل فهمتها على الفور؟ ما الأخطاء التي ارتكبتها؟ ما الذي ساعدك في النهاية على حل المشكلة ؟ فالطلاب يحظون بالتشجيع والمساعدة حين يُقدِّم المعلمون نموذجًا عن طريق سرد تجاربهم الأولى مع المادة العلمية.    

  يحتاج الطلاب أن يروا أمثلة لتجارب التَّعلُّم التي تتسم بالصعوبة والفوضوية، حتى بالنسبة إلى المتعلمين المحنكين ذات مرة حكت إحدى الزميلات كيف وجد طلابها أن عملية المراجعة وإعادة الكتابة من جديد بمنزلة عمليةٍ مُهدِرة للوقت، وباعثة على الشعور بالإحباط. لقد أعدُّوا بحثًا، وظنوا أنهم انتهوا منه، ولكنهم اضطروا إلى القيام بكل هذه التغييرات لا بد إذن أنهم كُتاب سيئون، لكن تغيرت وجهة نظرهم بدرجة كبيرة حين أطلعتهم على التقييم الذي جاءها من أحد المحررين بخصوص أحد أبحاثها، ومن المدهش أن المعلمة اضطرت إلى مراجعة وإعادة كتابة بحثها بالكامل تقريبا، ولم يكن هذا بسبب أنها كاتبة ذات مستوى ضعيف. 

ويُقدم المعلمون نموذجًا مؤثرًا للطلاب حين ينخرطون - هم أيضًا – في العملية التعليمية؛ غير أنني لا أقصد تعلُّم المزيد من المعرفة القائمة على التخصص الدراسي التي يعرفونها ويُحبُّونها بالفعل فعندما يتعلم المعلمون مادة علمية جديدة في مجالات مختلفة وبعيدة عن منطقة الراحة خاصَّتهم، فإن الطلاب يتلقون المساعدة بطريقتين؛ أولا: التجربة التعليمية الجديدة تُعيد التواصل بين المعلمين الذين قد ينسون بكل سهولة ذلك الشعور الخاص بأن تكون في موضع الطالب، وما يرتبط به من مشاعر الارتباك والحيرة والإحباط وتحقيق الإنجاز. كنتُ قد أنهيت دورتين دراسيتين لمادة العلوم بعد أن نشرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب، وأتذكر المرة الأولى التي رفعتُ فيها يدي في مادة علم الفلك، وطرحت ما بدا لي سؤالاً وجيها تماما بخصوص شيء لم أفهمه. وجاء رد المعلم بأنه لم يفهم السؤال؛ ومن ثُمَّ أعدتُ صياغة السؤال. رد على سؤالي، إلا أن ما قاله لم يكن منطقيا على الإطلاق بالنسبة إليَّ، وما أدهشني أنني ابتسمت وأومأت برأسي وشكرته، ومنذ ذلك اليوم، وأنا أحاول أن أتابع أي طالب يبتسم ويومئ برأسه ويشكرني ردا على إجابتي له.

  يُقدِّم مقالان من المقالات التربوية المفضلة جدا بالنسبة إلى تجربتين لأعضاء هيئات التدريس الذين قاموا بدراسة مواد مع الطلاب غير تلك التخصصات الدراسية التي يدرسونها؛ حيث درس الأستاذ الإنجليزي ستارلينج (1987) ثلاث مواد من سلسلة المواد

الصفحة 108

دور المعلم

الأساسية لإدارة الأعمال كجزء من شبكة تعلم والتحق أستاذ اللغة الإنجليزية جريجوري (2006) بدورة لدراسة فن التمثيل يزخر كلا المقالين بالأفكار الملهمة المستفادة من التجربتين، وأنا أتفق مع ما جاء في المقالين تمامًا؛ حيث كانت تجربتي دراسة مادتي علم الفلك والكيمياء مع الطلاب الجامعيين من أكثر التجارب إثارة وإحراجا على الإطلاق بالنسبة إلى حياتي المهنية مؤخرًا، لقد عادت هذه التجربة بي وبطريقة تدريسي إلى المبادئ والأساسيات.

  الخلاصة هي أن الطلاب يستفيدون حين يعيش معلموهم تجربة التعليم (سواء أكانوا يتعلمون مادةً يُدرسونها أم مادةً يتعلمونها لأول مرة أو يتعلمونها اعتمادًا على أنفسهم)؛ وهذا لأن هؤلاء المعلمين عايشوا حديثًا تجربة أن يكونوا في موضع الطلاب. كما يستفيد الطلاب أيضًا لأنهم يدركون أن تعلم أي شيء جديد يستلزم جهدًا، وليس بأمر يسير، وعادةً ما يتضمن ارتكاب أخطاء. ولقد «نشر» زملائي في المعمل خبر جهلي بالكيمياء في الحلقة الدراسية المخصصة للفرقة الأولى التي كنتُ أدرسها أثناء دراستي لمادة الكيمياء؛ حيث إنه في نهاية كل تجربة علمية نقوم بها في المعمل كان هناك سؤال اختياري «للتفكير» فيه والحصول على درجات إضافية، وبما أننا زملاء بالمعمل فبإمكاننا أن نتعاون للإجابة عن السؤال. قدمت إجابة محتملة لزملائي، ووافقوا عليها دون أن يُشككوا في صحتها. فعلى أي حال، مجموعتهم تضمنت وجود معلمة وسطهم. بالطبع كانت الإجابة التي قدمتها خاطئة، وقد أعلن أحد زملائي على الملأ في الحلقة الدراسية التي أقدمها قائلا: «لقد وجدنا أن ماريلين لا تعرف كيف تجيب عن أسئلة التفكير الحر.»

(4-5) المبدأ الخامس: يُشجّع المعلمون الطلاب على التَّعلم بعضهم من بعض، والتعاون بعضهم مع بعض

كثيرا ما يستخف أعضاء هيئات التدريس بقيمة العمل الجماعي، وحين أوصي به تظهر دوما حجج متنوعة تشي بالأسباب التي تحمل المعلمين على تجنب العمل الجماعي. للمعلمين مطلق الحرية في التمسك بآرائهم؛ إلا أن تلك الآراء تتعارض مع عدد كبير من الأدلة التجريبية. والكثير من الأبحاث (التي ألقى الفصل الثاني الضوء على عدد قليل فقط منها) أثبت أن أشكال العمل الجماعي على اختلافها وتنوعها تُمكن الطلاب من التَّعلم بعضهم من بعض، والتعاون بعضهم مع بعض. صحيح تماما أن تجارب التَّعلم الجماعي

الصفحة 109

التدريس المتمركز حول المتعلم

تتطلب من المعلمين وضع الخطط وبذل الجهد. وأُكرّر مرةً أخرى أن أحد مفاتيح نجاح المهام الجماعية يكمن في تصميم تلك المهام وكذلك إبداء الرغبة في مساعدة الطلاب على تعلُّم المشاركة بفاعلية في العمل الجماعي. ولا يوجد أحد منا مولود ويعرف بالفطرة كيفية المشاركة في العمل الجماعي؛ وإنما هي مهارة أخرى لا بد من تعلمها واكتسابها.  

  يعارض طلاب كثيرون فكرة العمل الجماعي، وعادةً ما يكون أفضل الطلاب هم أصحاب أوضح الاعتراضات؛ إذ يكون لديهم قائمة طويلة من الحكايات التي تسرد التجارب السيئة مع العمل الجماعي؛ أغلبها يتضمن عدم قيام أعضاء آخرين بنصيبهم من العمل، وعدم الوفاء بالمواعيد النهائية لتسليم العمل ومن ثُمَّ التسبب في إحباط المجموعة والكثير من هذه التجارب هو نتيجة للعمل الجماعي السيئ التصميم، ونتيجة لأن المعلمين لا يؤهلون الطلاب للتعامل مع مشكلات التفاعل داخل المجموعات. وهكذا، ينتهي المطاف بالطلاب بالاعتقاد بأن في إمكانهم القيام بعمل أفضل اعتمادًا على أنفسهم، ولا يقتنعون بتجربة العمل الجماعي إلا عن طريق عيش تجربة توضّح – توضيحًا جليا - كيف يمكن للمجموعات أن تقوم بعمل أكبر وأفضل من الأفراد. 

   أحاول أن أوضّح قيمة التعاون في نطاق يأخذه الطلاب على محمل الجد، ألا وهو الاختبارات؛ ففي مادتي يستطيع الطلاب أن يختاروا الانضمام إلى مجموعة دراسية تشارك في تجربة الاختبار الجماعي، كل مجموعة دراسية تُجهز بعض المراجعات لباقي الفرقة، وبالإضافة إلى ذلك يرجع إلى المجموعة قرار قضاء الوقت في المذاكرة معا أم لا. فبعض الطلاب يقضون الوقت في المذاكرة معًا، والبعض الآخر لا يفعلون ذلك. وهؤلاء الذين يقضون المزيد من الوقت في العمل معا يكون مستوى أدائهم أفضل عادةً، كما أثبتت الأبحاث التي أجريت على التَّعلُّم التعاوني( على سبيل المثال، انظر هسيونج، 2,12).

ونظرًا لأن الاختبارات الجماعية تُعد تجربة جديدة بالنسبة إلى معظم الطلاب فإنني أميل إلى تقليل مستوى المجازفة فيما يتعلق بالتقديرات. فالمجموعات ذات الأداء الجيد تكافاً؛ أما المجموعات ذات الأداء الضعيف فلا تُعاقب كنتُ أحسب نسبة إضافية للتقديرات على الأساس التالي: يخضع جميع الطلاب لاختبار يتكون من أربعين سؤالاً للاختيار من متعدد أثناء النصف الأول من وقت الاختبار، وبعد ذلك يُقدِّمون إجاباتهم كلٌّ على حدة، ثم تجتمع المجموعة وتحلُّ الاختبار نفسه معًا، وأقوم بتصحيح الاختبارات الفردية أولا، وأحسب متوسط درجات أفراد المجموعة، ثم أقوم بتصحيح الاختبار الجماعي. إذا كانت

الصفحة 110

دور المعلم

درجة المجموعة أعلى من متوسط درجات الأفراد، يُضاف هذا الفارق (عادةً ما يتراوح الفارق بين أربع نقاط واثنتي عشرة نقطة من إجمالي ثمانين نقطة لهذا الاختبار) إلى درجة كل فرد.

   استعان آخرون بالاختبارات الجماعية وغيرها من الأساليب المتنوعة لوضع الدرجات؛ فيستعين بنفينوتو (2001) بأسلوب كهذا في مادة الكيمياء، ولكن مع الاختبارات القصيرة الأسبوعية. وفي مادة الهندسة ربط مورتوز (1997) الدرجات الإضافية التي يحصل عليها الطلاب بمستوى الاستقلالية بين أعضاء المجموعة، ولا تُمنح الدرجات الإضافية إلا إذا كان جميع الطلاب في المجموعة قد حققوا مستوى معينًا من الدرجات في الاختبار.  

    تروق لي مشاهدة الطلاب وهم يؤدون الاختبارات الجماعية؛ إذا يلتفون حول الاختبار ويجلسون القرفصاء، تبدأ مناقشتهم بحماسة هادئة؛ إلا أن الخلافات سرعان ما تظهر ويبدأ الجدال. يكاد يكون من رابع المستحيلات أن يختلف طلابي المستجدون بعضهم مع بعض؛ حيث إنه لا يروق لهم حدوث خلاف مع أقرانهم؛ ومن ثم يبذلون قصارى جهدهم لتجنب حدوث هذا داخل قاعة الدراسة. ولكن في هذه الحالة يحدث الخلاف دون حتى أن يلاحظوه. وأفضل شيء يحدث على الإطلاق هو أن الطلاب يناقشون محتوى المادة بحماسة، وهذا في حد ذاته إنجاز يكاد يكون من المستحيل في المعتاد تحقيقه.

    يُحلل الطلاب تجربة الاختبارات الجماعية بعد أن يتسلموا تصحيح الاختبارات خاصتهم؛ ومن ثم يرى الطلاب الذين يحصلون على نقاط إضافية دليلا قاطعا على أن الانضمام إلى مجموعة قد ساعدهم. ويستطيع معظم الطلاب أن يشرحوا السبب الذي يجعل أداء المجموعة أفضل أو أسوأ من أدائهم الفردي. إن المشاركة في الاختبارات الجماعية بمنزلة اختيار (سأشرح اختيار الواجبات الدراسية في الفصل الرابع)، وعادةً ما يختار الطلاب، الذين يتمتعون بدرجة كبيرة جدا من الذكاء والتألق عدم المشاركة في الاختبارات الجماعية، وعندما أسألهم عن السبب يسارعون بالتفسير قائلين شيئًا على غرار: «إنني أتعلم على نحو أفضل . حين أكون بمفردي دكتورة وايمر.» ويقول آخر: «ليس لدي وقت للتعاون مع المجموعة.» أحترم اختيارهم، ولكنني أبذل قصارى جهدي لأواجههم بالأدلة التي تثنيهم عن المشاركة بعض الشيء. على سبيل المثال، أثناء محاضرة تصحيح إجابات الاختبار، أذكر أعلى خمس نتائج لدرجات الاختبار ،ثم أضع علامة بجوار الدرجات الجماعية وبجوار الدرجات الفردية، وأعلى ثلاث أو أربع نتائج من هذه النتائج الخمس تكون نتائج جماعية. وليس من المستبعد أن أرسل إلى هؤلاء الطلاب المستقلين الذين

الصفحة 111

التدريس المتمركز حول المتعلم

يتمتعون بدرجة كبيرة من الذكاء رسالة بريد إلكتروني مقترحة عليهم إبداء التعليقات على هذه الدرجات عندما يكتبون المدخل الخاص بالاختبار في سجل سير التَّعلُّم خاصتهم.  

   تستوجب المعتقدات السلبية بخصوص العمل الجماعي إعادة التفكير من جانب كل من الطلاب وأعضاء هيئات التدريس على حد سواء، وتزخر الأدبيات التربوية بوصف للمهام الجماعية الجديرة بالاهتمام والتي استعان بها أعضاء هيئات التدريس ونفذوها بنجاح. وقد أشرتُ إلى عددٍ منها في الفصل الثاني، وسأصف عددا آخر منها في الفصول التالية. الخلاصة أن بإمكان الطلاب أن يتعلم بعضهم من بعض، وأن يتعاون بعضهم مع بعض، بل إنهم يقومون بذلك بالفعل.

(4-6) المبدأ السادس: يعمل أعضاء هيئة التدريس والطلاب على خلق أجواء مواتية للتعلُّم

   سيناقش هذا المبدأ في الفصل السادس مناقشةً مستفيضة؛ ومِن ثُمَّ لسنا بحاجة في هذا المقام إلى شيء سوى التقديم لهذا المبدأ ؛ فالتدريس المتمركز حول المتعلم لا يرتبط كثيرا بالتهذيب والانضباط( أو «إدارة قاعة الدراسة»، كما يُطلَق عليه من باب التخفيف اللفظي)، بل إنه مرتبط أكثر بخلق الأجواء التي تُشجّع عملية التعلم. يلعب المعلمون دورًا قياديا لخلق تلك الأجواء، ويتحملون جزءًا من المسئولية تجاه الحفاظ عليها. غير أن أجواء قاعة الدراسة بمنزلة شيءٍ يُشارك في خلقه وتهيئته كلٌّ من المعلم والطلاب على حد سواء. الهدف هو دفع الطلاب نحو تحمل جزء من المسئولية تجاه ما يحدث داخل قاعة الدراسة.

(4-7) المبدأ السابع: يستعين أعضاء هيئة التدريس بالتقييم من أجل تعزيز التعلم

   هذا المبدأ هو موضوع أحد الفصول التالية أيضًا(ألا وهو الفصل السابع)، ومع ذلك، أود في البداية أن أوضح أن هذا المبدأ لا يعني أن أعضاء هيئة التدريس يؤدون مهام إعطاء الدرجات على نحو أقل؛ فهذه المسئولية تبقى على عاتق أعضاء هيئة التدريس كما هي الحال دائما. الفارق هو أن المعلمين يرون أن التَّعلُّم بمنزلة احتمال قائم في كل مرةٍ

الصفحة 112

دور المعلم

  يقيمون فيها الطلاب. بإمكان المعلمين تقديم التغذية الراجعة وتصميم أنشطة المتابعة التي تزيد من احتمالية تعلم الطلاب من التجربة وقدرتهم على تحسين مستواهم كنتيجة لذلك، ويتضمَّن جزء من هذا الاعتراف أن الطلاب بحاجة إلى أن يتعلموا تقييم عملهم وكذلك عمل أقرانهم. هذا لا يعني أنهم يضعون لأنفسهم أو لأقرانهم درجات، وإنما يعني أن بإمكانهم المشاركة في أنشطة تُتيح لهم إلقاء نظرة نقدية على عملهم أو عمل أقرانهم. 

   توضّح هذه المبادئ السبعة الشكل الذي يبدو عليه التدريس المتمركز حول المتعلم عند وضعه في حيز التطبيق، كما أنها تصف الجوانب المختلفة لدور المعلم الميسر وصفًا مستفيضا؛ باعتباره مرجعًا ومرشدًا ومتعلمًا متمرسًا ومصمما للأنشطة التعليمية. وهو دور مختلف، إلا أنه لا يُعد شكلا من أشكال التدريس التي تتسم بكونها أقل أهميةً أو ضرورة أو شكلًا مُنتقصًا من أشكال التدريس بأي صورة كانت، بل إنه دور يربط بين التدريس والتَّعلم ربطا مباشرا وفعالا.

(5) مشكلات التطبيق المثيرة للاهتمام

  ظهر عدد من مشكلات التطبيق المثيرة للاهتمام أثناء محاولاتي الأولى للتدريس بطرق ميسرة أكثر؛ ففي إحدى المحاضرات، استعنت بنشاط جماعي مباشر إلى حد ما، وبدت النتائج المترتبة عليه بسيطة ومباشرة بنفس الدرجة، إلا أنني وجدت صعوبة في الإجابة عن الأسئلة المثارة. وفي وقت لاحق أدركتُ أن هذه الأسئلة لها دور محوري في التطبيق الناجح للأدوار التي يُركّز عن طريقها المعلم على الطلاب وما يفعلونه. ولكن دعوني أبدأ بما حدث.

   كنتُ أستعينُ بنشاط مقسم على فترتين يُجريه الطلاب في مجموعات صغيرة داخل قاعة الدراسة. أنجز الطلاب النصف الأول من النشاط؛ ومن ثم كان عليهم أن ينتقلوا إلى المرحلة التالية. ومن أجل تقديم الإرشاد اللازم خلال تلك العملية، تجاوبت مع العمل الذي أنجزته كل مجموعة عن طريق توزيع ملاحظات قصيرة مكونة من عدة فقرات. أعطيتُ هذه الملاحظات القصيرة لشخص من كل مجموعة أثناء متابعتي سريعًا للمهمة التي يؤدونها، ومنحتهم عشرين دقيقة لقراءة الملاحظات القصيرة ومناقشة المسائل التي

الصفحة 113

التدريس المتمركز حول المتعلم

أثارتها هذه الملاحظات، ثم مراجعة ما قدموه فيما سبق. ومضَتْ جميع المجموعات بالعمل قدما بالطريقة (المنطقية) نفسها ؛ يقرأ أحد أعضاء المجموعة الملاحظات القصيرة لباقي المجموعة.

   على يساري مباشرةً كانت تجلس مجموعة مكونة (بالصدفة) من أفراد خجولين للغاية، وشرعت الطالبة التي أعطيتها الملاحظات القصيرة في قراءتها لنفسها، بينما انتظر باقي أفراد المجموعة في صبر، وعندما انتهت من قراءتها، دون إبداء أي تعليقات، مررت الملاحظات إلى الشخص الجالس بجوارها الذي شرع في القراءة أيضًا في صمت. في البداية اندهشت ما الذي كانوا يفكرون فيه؟ حسنًا، من الواضح أنهم لم يفكروا في شيء. لماذا لم يُلقوا نظرةً من حولهم على المجموعات الأخرى؟ عادةً ما يعتمد الطلاب على تقليد ما يقوم به زملاؤهم الآخرون، لماذا لم يتفوه أحد من هذه المجموعة بأي شيء؟ هل من المحتمل أن جميعهم يتسمون بهذا القدر من التحفظ والكتمان؟ تحولت من الدهشة إلى الحيرة، ما الذي يتعين على القيام به؟ هل علي أن أتدخل؟ بدا لي هذا الأمر وكأنني أرجع خطوةً إلى الوراء؛ فالمعلم يتدخل فجأةً ويُصلح المشكلة في كل مرة يتخذ الطلاب قرارًا سيئًا؛ ومن ثَمَّ تتأثر جودة العملية التعليمية الخاصة بهم، واحتمالية تعلمهم سلبيًا بهذا الأسلوب السخيف.

   دار هذا الحديث في رأسي، وتوالت الأسئلة: ما الذي علي القيام به إذا تدخلت؟ ما الذي بإمكاني أن أقوله دون أن أوصل لهم رسالة مفاداها أنني أظن أن أسلوب تعاملهم مع المهمة يتسم بالغباء؟ ربما كان عليهم أن يُدركوا اعتقادي بأنهم اتخذوا قرارًا سيئًا، وعلى أحدهم أن يدرك ذلك الأمر. والسؤال الأهم: ما الذي بإمكاني أن أقوله دون أن أقول لهم إنهم يُواجهون مشكلة؟ كنت خائفة من أن أسألهم: «كيف حالكم؟» لتكون إجابتهم إيماءةً بالرأس والرد بقولهم: «بخير!» ربما كان بإمكاني أن أسألهم: «هل تفهمون المهمة؟» ليُجيبوا قائلين: «أجل!» ثم أسألهم ثانية: «حسنًا، كم تبقى من الوقت لديكم، ألا يزال أمامكم الكثير لتنجزوا هذه المهمة؟» إلا أن هذا بدا أقرب إلى التدريس المعتمد على التلقين، وإخبار المتعلمين بما يتعين عليهم فعله.

   انتهى بي المطاف إلى عدم القيام بأي شيء، وانتهى بهم المطاف إلى عمل ذي مستوى ضعيف. لا أدري إن كانوا قد ربطوا بين طريقة أدائهم للمهمة وحصولهم على تقدير منخفض أم لا. لستُ مُتفائلة، وأتوقع أن معظمهم قد اعتبر هذه تجربة أخرى أكدت ما

الصفحة 114

دور المعلم

كانوا يتشككون فيه بالفعل حيال جدوى محاولة الانخراط في العمل الجماعي. إلا أن ردَّ فعلي الأخرق حيال هذه المجموعة واستنتاجهم بخصوص تجربة العمل الجماعي ككل ليسا هما المشكلتين البارزتين في هذا المقام؛ فما حدث داخل تلك المجموعة أثار ثلاثة أسئلة مهمة بخصوص تنفيذ دور المعلم الميسر.

(5-1) هل عليك أن تتدخل ؟ وإذا فعلت ذلك، فمتى؟

هذان السؤالان مُتداخِلان للغاية، لدرجة أنه يُمكن التفكير فيهما معا. إذا كان هذا الأسلوب في التدريس معني بمنح الطلاب حرية الاستكشاف وتحمل عواقب قراراتهم، فهل ينبغي للمعلمين أن يتدخلوا؟ بإمكانك أن تُجادل بأنهم لا ينبغي أن يفعلوا. فكل شكل من أشكال التدخُل يؤثر بالسلب على إمكانية تعلم الطلاب من أخطائهم، وبإمكاننا جميعًا أن تعدد الدروس المستفادة من أخطائنا.

   بالنسبة إلى الطلاب المستجدين (وهم أكثر شريحة أعرفها من الطلاب) ، أعتقد أن الرد لا يقتصر على نعم أو لا. بالتأكيد يمكنني، بل وينبغي لي أن أتدخل بدرجة أقل مما كنت أفعل حين أتبع أسلوب التدريس المعتمد على التلقين باعتباره أسلوبي المعتاد للعمل.ولكن بالنسبة إلى الطلاب المستجدين (أو ربما بالنسبة إلى جميع الطلاب) توجد مناسبات تُبرر التدخل. البراعة هي أن تُحدد المناسبة والتوقيت المناسب الذي ينبغي لك أن تتدخل فيه؛ ففي بعض الحالات، تبرز الحاجة إلى التدخل على نحو أوضح من حالات أخرى؛ حيث إننا نتدخل حين يكون القرار مؤذيًا للطلاب، مثل أن يرغب الطلاب في التسجيل بنظام الساعات المعتمدة لمدة 18 ساعة، والعمل لمدة 35 ساعة في الأسبوع. إننا نتدخل حين يؤثر قرار بعض الطلاب بالسلب على إمكانية تعلُّم طلاب آخرين؛ مثل الطلاب الذين يجلسون في الصف الأخير ليُثرثروا ويُشوِّشوا على الطلاب الآخرين في قاعة الدراسة. إننا نتدخل حين تُسفر جهود الطلاب لفهم شيء ما عن الشعور بإحباط وارتباك شديد لدرجة تُؤثر بالسلب على النتائج التعليمية المرجوة من التجربة؛ فالشعور بالغضب يحول دون التعلم. ولكن في مواقف أخرى لا تتضح الحاجة إلى معلم ، ويزداد غموض عواقب التدخل، هل من المفيد أن نُقدِّم مجموعة من الخطوط الإرشادية؟ ربما يفيد ذلك، بل وربما من الأفضل التفكير أكثر في الأمثلة، كذلك المثال الذي أوضحته هنا، ومناقشة تلك الأمثلة على نحو أوسع ؛ حيث يوضح هذا المثال كيف يجب على المعلمين أن يتخذوا قرارات صعبة

الصفحة 115

التدريس المتمركز حول المتعلم

بخصوص مواقف فردية معتمدة على سياق معين ومبهمة كثيرًا، ولكنها تحدث على أي حال.

(5-2) ما أفضل وسيلة للتدخل؟

  إذا كانت المسئوليات الأخلاقية والتأثير السلبي على النتائج المرجوة من تجربة التَّعلُّم تستلزم التدخل، فما الشكل الذي ينبغي أن يكون عليه هذا التدخل؟ لقد أفردت الكثير من الوصف للجزئية الخاصة بتلقين الطلاب وإخبارهم بما يتعين عليهم القيام به، ربما كان هذا الشكل من التدريس مُناسبًا في بعض الأحيان، ولكن حين نفعل ذلك طوال الوقت، سينتج عنه اعتماد الطلاب على المعلم ليُخبرهم بما يتعين عليهم وما لا يتعين عليهم القيام به. يجب على المتعلمين الراشدين أن يكونوا قادرين على أن يُحددوا هذا الأمر بأنفسهم، ومن الأفضل أن تطرح على الطلاب الأسئلة التي تقودهم إلى المعرفة والفهم اللازمين.

   يوجد سؤال إضافي بخصوص التوقيت المناسب مرتبط بالسؤال عن الوسيلة؛ هل ينبغي أن تتدخل أثناء ارتكاب الطلاب للأخطاء أم ينبغي لك أن تنتظر حتى ينتهوا من ارتكابها؟ والإجابة عن هذا السؤال تكون« على حسب الموقف»، ولكن بإمكانك أن تُبرّر الانتظار حتى الانتهاء من ارتكاب الخطأ إذا كان الطلاب يُحاولون تحديد الخطأ الذي حدث، وهذه هي النتيجة المرجوة من التَّعلُّم من الأخطاء، ويجب أن أعترف بأنه ليس لدي الكثير من الإجابات الجيدة عن هذا السؤال حتى في الطبعة الثانية من هذا الكتاب، وكما هي الحال بالنسبة إلى السؤالين السابقين، فهذا السؤال يستحق تحليلا متأنيا لما يحدث قبل المحاضرة وبعدها. 

 وكما يُوضّح الكثير من الموضوعات التي تناولها هذا الفصل، ليس من السهل تنفيذ الدور الخاص بالمعلم الذي يتبع التدريس المتمركز حول المتعلم؛ فهذا الدور يتطلب أن ينتقل المعلم من أسلوب التدريس الذي يركز على ما يقوم به المعلم إلى أسلوب التدريس الذي يستجيب لما يقوم به الطلاب. الهدف هو إشراك الطلاب في عملية التعلم ودعمهم خلال تلك العملية. وقد اقترحت مجموعة من المبادئ باعتبارها طريقة توضّح، على نحو ملموس أكثر، ما يؤديه المعلم الميسر لعملية التَّعلُّم، وتوضح أيضًا الأمثلة هذا الدور وهو في حيز التنفيذ، وهذه الأمثلة تقدم عددًا قليلا من التطبيقات الممكنة الكثيرة.

الصفحة 116

دور المعلم

  يتجنَّب بعض المعلمين هذا الدور لأنه يبدو وكأنه ينتقص من أهمية المعلم، ولكن كما حاولت أن أوضح في هذا الفصل فهو دور أساسي ومهم؛ فباستطاعة الطلاب أن يتعلموا اعتمادًا على أنفسهم، إلا أن المعلمين أصبحوا عنصرًا ضروريًا بالنسبة إلى الأغلبية العظمى من الطلاب الجامعيين في الوقت الراهن. إننا لم نتناول كل شيء بعد، إلا أننا تناولنا ما يكفي لنفهم أن التدريس المتمركز حول المتعلم يُقدم تحديات مثيرة للاهتمام ومكافات مجزية أيضًا. كما أننا أدركنا أنه دور يُشجع التعلم ويدعمه.

الصفحة 117

الفصل الرابع : توازن السلطة 

 على الرغم من أن أغلب أعضاء هيئات التدريس متقبلون إلى حد ما لفكرة تغيير الأدوار التي قد تيسر عملية التعلم على نحو أكثر فاعلية، فإن فكرة الحاجة إلى تغيير موازين السلطة داخل قاعة الدراسة هي فكرة جديدة ومقلقة، ومن واقع تجربتي في الكتابة والحديث عن هذا الموضوع أدركت أن أفضل طريقة لمنع الرفض التام هي التمهيد للفكرة عن طريق طرح بضعة أسئلة.

   كيف ستَصِف طلابك ؟ هل تصفهم بأنهم متعلمون لديهم من التحفيز الذاتي والقدرة على ممارسة السلطة ما يجعلهم يتعاملون مع المهام التعليمية بثقة وبراعة؟ ربما يتصف عدد قليل منهم بهذه الصفات ولكن الكثير من الطلاب الجامعيين اليوم يتصفون بالقلق والتردد؛ حيث إنهم يشرعون في دراسة المواد على أمل أنها ستكون سهلة، شاعرين بالقلق حيال ما سيفعلونه إذا ما واجهوا صعوبة في دراسة تلك المواد. وبإمكان معظم الطلاب أن يُعدوا قائمة بالأشياء التي لا يجيدونها أو لا يستطيعون القيام بها؛ فيبحثون عن مواد تخصصية تستلزم دراسة قدر قليل من الرياضيات والعلوم، ويبذلون قصارى جهدهم لتجنب المواد التي تستلزم الكثير من الكتابة. يُفضّل أغلب الطلاب عدم الحديث داخل قاعة الدراسة، وتتمثل فكرتهم عن المحاضرة الجيدة في تلك المحاضرة التي يدخلها المعلم ليخبرهم بما يتعين عليهم القيام به بالضبط. ثمة تعميمات، إلا أن التعليم بالنسبة إلى الكثير من الطلاب هو شيء يحدث لهم، ويتسم بأنه تجربة مملة وغير ممتعة في أغلب الوقت.

  وعندما أشتكي أنا وزملائي من افتقار الطلاب إلى الثقة وتبنيهم لتوجهات شديدة السلبية تدفعهم إلى التسليم بأي شيء يقوله أستاذ المادة، فإننا نتساءل عما يمكننا القيام به للتغلب على هذا الإذعان الذي يؤثر كثيرًا بالسلب على الجهود التي يبذلها الطلاب للتعلم.

الصفحة 119

التدريس المتركز حول المتعلم

  هذا سؤال وجيه، ولكنني لا أظن أنه السؤال المناسب. يجب علينا أن نطرح سؤالاً أصعب لماذا يتصرف الطلاب بهذا الأسلوب؟ لماذا يوجد الكثير من الطلاب المتوترين والمترددين غير الواثقين في أنفسهم كمتعلمين؟ والسؤال الأكثر وضوحًا هو هل هناك شيء يعيب الطريقة التي تدرس بها للطلاب ليجعلهم متعلمين اتكاليين ويعوق تنمية مهاراتهم، مما يجعلهم لا يستطيعون التعلم إلا إذا أخبرهم المعلمون بما يتعلمون وكيف يتعلمونه؟ تقودنا هذه الأسئلة مباشرة إلى مشكلات تتعلق بتوازن السلطة داخل قاعات الدراسة.

(1) ما الذي يحتاج إلى التغيير ولكنه لم يتغير بعد؟ الإجابة هي: إمساك المعلمين بزمام الأمور

   تعتبر سلطتنا كمعلمين من الأمور المسلم بها، لدرجة أن معظمنا لم يعد يستوعب إلى أي مدى يُوجه المعلمون العملية التعليمية الخاصة بالطلاب، لكن من شأن الإجابة عن مجموعة بسيطة من الأسئلة أن توضح الأمور كثيرًا من الذي يقرر ما سيتعلمه الطلاب في هذه المادة الدراسية؟ بمعنى: من الذي يتخذ القرار الخاص بالمحتوى الذي ستتضمنه المادة؟ من الذي يتحكم في الوتيرة التي تسير بها عملية تغطية هذا المحتوى؟ أقصد من الذي يُحدد الأنشطة والواجبات التي سيؤديها الطلاب؟ من الذي يُهيئ الظروف المناسبة للتعلم؟ أي بصياغة أدق من الذي يُحدد السياسات الخاصة بالمحاضرة؛ مثل الحضور والغياب والمشاركة، ومواعيد تسليم المشروعات، وقواعد السلوك المعمول بها داخل قاعة الدراسة؟ وفي قاعة الدراسة نفسها، من الذي يتحكم في تدفق عملية التواصل؟ أي من يقرر التوقيت الذي يشارك فيه الطلاب أو يُنظم مشاركات المتطوعين، أو يدعو غير المتطوعين للمشاركة؟ وفي النهاية من الذي يُقرّر مدى استيعاب الطلاب للمادة العلمية أوعدم استيعابها؟ أعني من الذي يُحدد الدرجات التي يحصل عليها الطلاب؟ 

   توضح معلمة الكيمياء الموقرة ديان بونس (2009) هذه النقطة بالوصف التالي: الطلاب يُدركون أن المادة ملك للمعلم فالمعلم يُحدد السياسات ومواعيد تسليم المشروعات، وصعوبة الاختبارات ودرجة كل واجب دراسي / اختبار. ويُقرر المعلم أيضًا المادة العلمية المهمة، والطريقة التي ستقدم بها هذه المادة العلمية. فلا أحد يسأل الطلاب عما يحتاجون إلى تعلمه. وعادةً، لا يُعبر الطلاب عن آرائهم فيما يتعلق بطريقة إنجاز المهام، وكذلك لا يُرجح أن يتطوعوا بأي مقترحات خشية أن يصفها الآخرون بالحماقة» ( ص 676).

الصفحة 120

توازن السلطة

   ومن أجل التوصل إلى دليل ملموس لميل المعلمين إلى التحكم في الطلاب وعملية تعلمهم لسنا بحاجة إلى إلقاء نظرة على ما هو أبعد من خطة المنهج الدراسي، فحتى أعضاء هيئة التدريس الذين يتسمون برقة التعامل واللطف بصفة عامة، يلجئون إلى واجب التعديلات وإصدار التعليمات والتوجيهات التي تملي على الطلاب ما يتعيَّن عليهم القيام به دون الالتفات إلى آرائهم، فتجدهم يقولون أشياء على غرار: «لن أقبل الأبحاث بعد انقضاء موعد تسليمها أبدًا، وتحت أي ظروف»، «لا تطلبوا درجات أعلى؛ ينبغي أن نقضي الوقت ونبذل الجهد في الواجبات المنتظمة»، «عدم المشاركة سيقلل من تقديراتكم الدراسية»، «ممنوع الحديث داخل قاعة الدراسة، أنتم هنا لتسمعوا وتتعلموا»، «يجب أن تُحضّروا الدرس قبل الحضور للمحاضرة؛ فالتعبير عما تعتقدونه دون تكوين رأي قائم على الاطلاع يُهدر وقت المحاضرة الثمين.»

  في مقالين مؤثرين ينتقد مانو سينجهام (2005و 2007) ما أصبحت عليه خطة المنهج الدراسي: إنها تُعدد القراءات الموصى بها عن طريق إفراد قائمة لها، ولا تفسر «لماذا» تستحق المادة الدراسة أو «لماذا» تمثل أهمية أو تُثير الاهتمام أو تتصف بالعمق، أو تُعدد استراتيجيات التعلم التي ستستخدم لدراسة المادة، ولا تعطي الخطة النموذجية للمنهج الدراسي أي إشارة بأن المعلم والطلاب يخوضون معًا مغامرة تعليمية ممتعة ومثيرة، بل إن الأسلوب الخاص بها يُشبه كثيرًا كتيب تعليمات يُسلَّم للمسجون في أول يومٍ له بالسجن» (2007 ، ص 52) . ويواصل قائلًا: «خطة المنهج الدراسي المفصلة والصارمة تتعارض تماما ما يُحفّز رغبة الطلاب في التَّعلُّم. ويوجد عدد كبير من الأبحاث مع المطبوعة عن موضوع تحفيز التعلم، وإحدى النتائج توضح صراحة أن الأجواء المسيطرة والمتحكمة لطالما أثبتت أنها «تُقلّل» اهتمام الناس بأي شيء يقومون به، حتى إن كانوا يقومون بأشياء قد تكون مُحفّزة جدًّا في سياقات أخرى» (2007، ص 54-55)

    يحدد أعضاء هيئة التدريس بكل حزمٍ مَن هو المسئول عن تقرير السياسات التي تتعامل مع كل أشكال السلوكيات الفردية والمشكلات التي تحدث داخل قاعة الدراسة. وثَمَّة أعضاء بهيئة التدريس يتوقفون عن الشرح إذا ما وجدوا طالبا يرتدي قبعة بيسبول أو يمضغ علكة داخل قاعة الدراسة. ورأيتُ مؤخرًا خطةً لأحد المناهج الدراسية تنصح الطلاب بالاستحمام قبل حضور المحاضرة، وأوضحت المدرسة أنه قبل عدة سنوات كان لديها طالب اعتاد حضور المحاضرات برائحة كريهة تنبعث منه؛ ولذا، أضافت هذا البند في سياسة الحضور، ولقد أتى هذا الأمر بثماره حتى هذه اللحظة؛ حيث إنه لم يدخل قاعة

الصفحة 121

التدريس المتمركز حول المتعلم

   الدراسة طالب تفوح منه رائحة كريهة منذ ذلك الحين. وإذا ما فَتَر النقاش في أي وقت أثناء إحدى ورش العمل التي أقدمها، فبإمكاني دومًا أن أُشعل جذوة الحماس مرةً أخرى إذا ما سألت الحضور عن سياسات استخدام الهاتف الجوال أثناء المحاضرات، على الرغم من حقيقة أنه قد مرت شهور منذ آخر مرة قدمت فيها ورشة دون أن يُقاطعني رنين الهاتف الجوال الخاص بأحد الحاضرين من أعضاء هيئات التدريس. ويصف سينجهام (2007) ما يطلق عليه «السياسات التعقبية»؛ حيث«يواصل أعضاء هيئات التدريس إضافة قواعد جديدة للتصدي لأي عذر يتذرع به الطلاب لعدم الانصياع للقواعد الحالية ( ص 55). ولا أستطيع» الاستعانة بدراسة لإثبات أن عدد السياسات الواردة في خطة المنهج الدراسي قد زاد منذ إصدار الطبعة الأولى لهذا الكتاب في عام 2002، إلا أنني على استعداد للمراهنة على أن هذا العدد لم يقل على أي حال.

    معظم أفراد هيئات التدريس على استعداد للاعتراف بأنهم يُمارسون قدرًا كبيرًا من السلطة على عملية تعلم الطلاب إلا أنهم يُقاومون بشدة أي تلميح بأن هذا القدر من السلطة مبالغ فيه، وقد يحمل في طياته نوعًا من الإيذاء؛ ففي أحد المنشورات على مدونة تيتشينج بروفيسور بتاريخ 24 أغسطس 2011 (www.facultyfocus.com)، شجعت القراء على إعادة التفكير في خطط المناهج الدراسية عن طريق مجموعة من الأسئلة التي استفسرت عن الأسلوب المستخدم في خطة المنهج الدراسي، وما إذا كانت الخطط عبرت عن التشويق والإثارة المرتبطين بعملية التَّعلُّم، وما إذا كان ينبغي للمعلمين أن يتخذوا جميع القرارات الخاصة بالمادة، وما إذا كان يُطلب من الطلاب إبداء ملاحظاتهم على خطة المنهج الدراسي. حظي المنشور بعدد كبير من الردود والتعليقات، بعضها إيجابي، إلا أن الكثير منها كان يُدافع بشدة عن خطة المنهج الدراسي باعتبارها اتفاقية بين طرفين. وجاءت التعليقات على غرار:«لو لم يكن الهدف من خطة المنهج الدراسي خاصتك توضيح شروطك على نحو يقيكِ حِيل الطلاب لربما قلتُ إنكِ جديدة في المهنة.» «خطتي للمنهج الدراسي ليست وسيلة لمجاملة الطلاب أو إرضائهم، وإنما هي موضع أذكر فيه، بأسلوب أشبه بأسلوب العقود والاتفاقات، ما الذي يتعين عليهم إنجازه بالضبط للحصول على الدرجة ... فهي ليست عرضًا ترويجيًّا مقدمًا لحضانة الطفولة السعيدة.» «هذا هو الهراء العاطفي الذي يُفضي إلى الموقف الاستحقاقي الذي تواجهه داخل قاعة الدراسة.» 

    تعليقات كهذه توضّح لماذا يعتقد المعلمون أنه يجب عليهم إحكام السيطرة؛ فالطلاب بحاجة إلى ذلك؛ فلا يُمكن أن نثق بأن في مقدور الطلاب اتخاذ قرارات تعليمية أو الاستجابة

الصفحة 122

توازن السلطة

  على نحو ناضج في أجواء تعليمية لا تخضع للسيطرة الكاملة؛ فهم لا يحترمون السلطة، ولا يتمتعون بمهارات مذاكرة جيدة، ولا يُجيدون التحضير ولا يُبدون اهتمامًا بالمحتوى، ويُسجلون أنفسهم في المواد من أجل الحصول على تقديرات، ولا يهتمون بعملية التعلم في حد ذاتها، وكل ما يُريدونه من التعليم هو الحصول على وظيفة ذات أجر جيد. 

   وهذه السمات هي سمات نموذجية للطلاب الجامعيين – رغم أن من الممكن أن نختلف بشأن عددها بالضبط - وهي مشكلات يجب أن نتعامل معها إذا ما كنا سنضع ثقتنا في الطلاب بخصوص اتخاذهم القرارات التعليمية. ولكن حقيقة أن الطلاب بحاجة إلى الإعداد لكي يتعاملوا مع الأساليب المتمركزة حول المتعلم لا تبرر اتخاذ جميع القرارات بالنيابة عنهم. ويُشير مارك مالينجر (1998 ، ص 473) إلى أن «الحجة الداعمة للقيادة تحت لواء المدرس تفترض أن الطلاب غير «قادرين» [التمييز السابق من طرفي] على زيادة مستوى نضجهم».

   أما السبب الثاني وراء سيطرة المعلمين على الكثير مما يحدث داخل قاعة الدراسة فهو أنهم اعتادوا على ذلك دومًا؛ فهذا ما يُفترض أن يقوم به المعلمون. وتوضح سوزي براي (1995 ، ص1) أن: «المعلم الجيد» يُسيطر على قاعة الدراسة وعناصرها؛ حيث يُحضر خطة الدرس من أجل استغلال وقت المحاضرة استغلالا فعالا، ويُحدد أهداف المادة، ويقدم المعلومات بوضوح وفاعلية لكي يستوعبها الطلاب بسرعة، ويتذكروها جيدا، ويسترجعوها عند الحاجة إليها.» على مدار سنوات اتَّبعتُ هذا السيناريو ظنا مني أنني كنت أقوم بما يريده الطلاب من المعلمين، ولم يخطر على بالي قط أن الطريقة التي أسيطر بها على الطلاب وعمليات تعلمهم قد تكون مؤذية، أو أن الطريقة التي كنتُ أتبعها للتدريس قد تُحقق لي الفائدة على حساب مصلحتهم. 

  وإليك مثالا على نوعية الاكتشافات المقلقة التي توصلتُ إليها حين تفحصت ممارساتي المهنية. كان من عادتي أن أؤجل أسئلة الطلاب حتى أنتهي تماما من شرح فكرتي؛ لم أكن أرغب في مقاطعتي، وعندما أنتهي ، أطلب منهم طرح الأسئلة، أنظر سريعا في أرجاء القاعة ولا أرى أحدًا يرفع يده، فأطرح أنا سؤالاً، وأختار طالبًا ليُجيب عنه (لم يكن هناك متسع من الوقت لانتظار المتطوعين بالإجابة)، وبالكاد أقر صحة إجابته وأنتقل إلى نقطة أخرى. لا أستطيع قضاء المزيد من الوقت في مناقشة هذا الموضوع، إذا كنتُ أخطط لتغطية المحتوى كله. أغضبني التفكير في ذلك وأحرجني قليلا؛ أقصد الإمساك بزمام السيطرة والتحكم إلى هذا الحد المفرط دون إدراك أنه ليس ما كنت أتوقع اكتشافه.

الصفحة 123

التدريس المتمركز حول المتعلم

إن استغلال السلطة بهذا القدر لمجرد أن المعلمين اعتادوا على ذلك منذ القدم لم يعد يبدو سببا وجيها.

   في النهاية، يُمارس أعضاء هيئات التدريس السيطرة على عملية التعلم وعلى الطلاب أنفسهم بسبب أوجه الضعف والقصور التي تُعتبر جزءًا متأصلا من عملية التدريس؛ إذ إن شخصياتنا تظهر عن طريق أسلوب تدريسنا، وهذا يعني أننا نخشى من التعرض للإيذاء؛ ومن ثَم نتوخّى الحَيْطة والحَذَر، ولكن هذا الضَّعْف وما يرتبط به من مخاوف بمنزلة أشياء يَشعُر بها المعلمون أكثر من فَهمهم لها. وقد اكتشف أحد زملائي هذا الأمر عن طريق كابوس متكرّر عن مهنة التدريس؛ كان هذا الكابوس عبارة عن أول يوم له لتدريس مادة أساسيات فَن سوقِيَّات العمل التجاري، لفرقة كبيرة العدد من الطلاب المستجدين بدأ المحاضرة بالمقدِّمة المعتادة، مشيرًا إلى أنه صار يحمل درجة الأستاذية، ولم يعد مُضطرًا إلى تدريس مواد الطلبة المستجدين، إلا أنه اختار تدريس هذه المادة لأن المحتوى في غاية الأهمية. وعند نقطة ما وسط هذه الرسائل الترويجية، وقف طالب - لم يستطع مطلقًا أن يتبيَّن وجهه في الحلم - ليَصرخ قائلا: هذا المحاضر شخص نصاب وزائف ومقلد، ويجب التخلُّص التخلُّص منه؛ فالطلاب يدفعون المصاريف ويستحقون ما هو أفضل. ونظرًا لأن هذا الطالب المُحرِّض أثار الحماسة داخل قاعة الدراسة، اندفع الطلاب ناحية الجزء الأمامي من القاعة. واستيقظ زميلي وهو يصرخ ويركل؛ حيث كان يُحمل قسرًا إلى خارج القاعة.

    ضحكت حين استمعت إلى قصة هذا الحلم لأول مرة، ربما لأن هذا يبدو متناقضًا للغاية مع شخصيته كمعلم، إلا أنه حلم له أصول مترسخة في الواقع؛ فإذا أراد الطلاب أن يحملوا المعلم حملًا إلى خارج قاعة الدراسة، حتى في تلك القاعات ذات العدد القليل من الطلاب، فإنَّ هناك عددًا كافيًا من الطلاب لإنجاز ذلك العمل البطولي على أي حال. ربما يُمارس المعلمون قدرًا كبيرًا من السلطة، إلا أنهم لا يزالون غير محكمي السيطرة على الفرقة بأكملها. ولقد شعر أغلبنا بهذا الضَّعْف مثلا عند إضافةِ واجب منزلي لم يُدرَج في خطة المنهج الدراسي، أو عند توبيخ أحد الطلاب على الملأ لمخالفته أحد القوانين. وفي حالة تهديد الطلاب سلطة المعلم، فإن معظم المعلمين يَشعُرون بأنهم مضطرون إلى الرد بفرض المزيد من السيطرة؛ وهذا يؤدي إلى الدخول في دوامة تصاعدية لا تنتهي نهاية إيجابية مطلقا.

   ونظرًا لأن القلق يساور المعلمين بشأن هذه التحديات، فإن لديهم الحافز الذي يجعلهم يبذلون كلَّ ما في وسعهم لمنع هذه التحديات وعرقلتها بأي شكل. ومن قبيل

الصفحة 124

توازن السلطة 

المفارقة أنه كلما واجب المعلمون المزيد من السيطرة، صار الطلاب أكثر ميلا للمقاومة. تضع خطة المنهج الدراسي الصارمة - التي تُقيّد الطلاب بأصفاد لدراسة المادة – العلاقة بين المعلم والطالب في إطار من العدائية، وقد يجرؤ الطلاب على القيام بأي شيء ما عدا تهديد سلطة المعلم. وتُثبت بعض النظريات التي ألقى الفصل الأول الضوء عليها، وبعضُ الأبحاث التي استعرضها الفصل الثاني؛ أنَّ دافع الطلاب وثقتهم وحماسهم للتعلم تتأثر تأثيرًا سلبيا عندما يفرض المعلمون سيطرتهم؛ ومن ثَمَّ ينتهي الحال بشعور الطلاب بقلة الحيلة.

إلا أن المفارقة لا تنتهي عند هذا الحد فحسب؛ فعلى الرغم من أنَّ معظم القرارات التعليمية تتخذ بالنيابة عن الطلاب، وتَخضَع معظمُ عناصر البيئة التعليمية لسيطرة المعلمين؛ فإنَّ الطلاب مُلزمون باتخاذ أهم قرار على الإطلاق؛ حيث إنهم بمفردهم يُقررون ما إذا كانوا سيتعلمون أم لا، فالمعلمون لا يستطيعون أن يتعلموا بالنيابة عن الطلاب، أو أن يفرضوا التعليم عليهم بالإجبار، وتوجد عواقب سلبية شديدة إذا قرر الطلاب ألا يتعلموا أقصد أنهم لن يحصلوا على شهادة علمية وستضيع عليهم الأموال التي أ أنفقوها على دراسة المادة. هكذا، سيرسبون في المادة، مما يُعرِّض مسيرتهم التعليمية والمهنية للخطر، أو أنهم سينتهون من دراسة المادة بقدر قليل من المعرفة أو المهارات؛ ومن ثم يواجهون صعوبات بخصوص دراسة المواد التالية. غير أن بعض الطلاب يختارون هذه العواقب على أي حال؛ ففي الواقع، يصب توازن السلطة داخل قاعة الدراسة في صالح الطلاب؛ لأنَّ بإمكانهم أن يجعلوا التدريس لا طائل منه لو اتخذوا قرارًا بعدم التَّعلُّم.    

  باختصار، يُواصل أعضاء هيئات التدريس ممارسة قدر كبير من السيطرة على عمليات التَّعلُّم الخاصة بالطلاب، وعلى الرغم من أنهم يفعلون ذلك ظنا منهم أن هذا يُفيد الطلاب؛ فإنه غالبا ما يضر بقدرتهم على التَّعلُّم العميق وتنمية المهارات التعليمية. إنَّ اتخاذ القرارات التعليميةبالنيابة عن الطلاب يجعلهم متعلّمين اتكاليين، كما أن السيطرة المحكمة على البيئة التعليمية تُؤثر بالسلب على الدافعية إلى التَّعلُّم. إنَّ تبرير استغلال السلطة بالقول بأنَّنا لا يُمكننا أن نثق في القرارات التعليمية التي يتخذها الطلاب، أو أننا لا نثق في أنهم يتحملون مسئولية تصرفاتهم؛ يفترض أن الطلاب لا يستطيعون اكتساب أي من هاتين المهارتين المهمتين. هذا مبرر ضعيف، وهو ليس سببًا حقيقيًّا على الأرجح وراء شعور أعضاء هيئات التدريس بحاجتهم إلى ممارسة السيطرة على عمليات التَّعلُّم وما يحدث داخل قاعة الدراسة؛ فالتدريس يُظهر أوجه الضَّعْف والقصور؛ ومن

الصفحة 125

التدريس المتمركز حول المتعلم

ثُمَّ يستطيع الطلاب أن ينجحوا في تهديد سلطة المعلم. وفي إمكانهم أيضًا أن يرفضوا التَّعلُّم، وهذا من ثَمَّ يؤكِّد أنه على الرغم من تمتُّع المعلمين بقدر كبير من السلطة، فإنه ليس بأيديهم حيلة لضمان تحقيق الهدف الأساسي من التعليم.

(2) تغيير موازين السلطة

   عندما يكون أسلوب التدريس متمركزًا حول المتعلم، تتم مشاركة السلطة مع الطلاب، لا نقلها إليهم بالكامل، فلا يزال أعضاء هيئات التدريس يتَّخذون القرارات الخاصة بعملية التَّعلُّم، لكن ليس جميعها، ولا من دون مساهمة الطلاب دوما. على الرغم من ذلك، يُثير التغيير مشكلات أخلاقية تتعلق بمسئوليات الطلاب؛ أي ما الذي يلتزم المعلمون بتقديمه للمتعلمين؛ ومِن ثَمَّ، يقلق المعارضون لأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم أن ينتهي الأمر بأن يُدير الطلاب قاعة الدراسة ويُدَرِّسون لأنفسهم. صحيح أن الهدف الأساسي هو تسليح الطلاب بالمهارات التعليمية التي يحتاجونها للتدريس لأنفسهم؛ فالمتعلمون المستقلون الذين يتسمون بالتوجيه الذاتي لا يحتاجون إلى المعلمين، أو يحتاجون إليهم بقدر أقل، إلا أن عملية التحول إلى متعلم مستقل هي عملية تدريجية، ومعظم الطلاب الجامعيين يكونون في البداية متعلمين اتكاليين للغاية.    

   داخل قاعات الدراسة التي يُتَّبَع فيها التدريس المتمركز حول المتعلم، يُعاد توزيع السلطة بقدر يتناسب مع قدرات الطلاب، فلا تجد ولي أمر أحد المراهقين يعطي مفتاح سيارة الأسرة لابنه المراهق الذي استخرج رخصة قيادة مؤخرًا، مساء يوم الجمعة ويقول له: استمتع بعطلة نهاية الأسبوع. سنحتاج السيارة صباح يوم الإثنين. فالاستراتيجيات التي تتناولها في هذا الكتاب تمنح الطلاب قدرًا من الحرية للتعبير عن آرائهم، لا السلطة لتحديد كل شيء؛ فالطلاب لا يُديرون قاعة الدراسة، والمعلمون لا يتنصلون من المسئوليات التربوية المشروعة.

    فيما يلي مثال يُوضّح إلى أي مدى ينجح هذا التغيير الخاص بموازين السلطة: إنَّ الطلاب المستجدين، الذين لم يدرسوا من قبل مادة علم الاجتماع، لا يتمتعون بالمعرفة أو الخبرة التي تُتيح لهم اختيار الكتاب الذين يدرسون منه المادة، ولو طلبت منهم ذلك فهذا تصرف ينم عن عدم تحمل المسئولية من الناحية الأخلاقية، ولكن دَعْنا نفترض أن معلم : المادة استعرَضَ مجموعة متنوعة من الكتب، واختار منها خمسة كتب تفي بأهداف المادة والاحتياجات التعليمية للطلاب، وبعد ذلك يكون بإمكان الطلاب أن يُشكِّلُوا لِجَانًا للاطلاع

الصفحة 126

توازن السلطة

   على هذه الكتب، ويعملوا تحت قواعد تُحدد سمات الكتاب الجيد؛ نظرًا لأنَّ الفرقة مُكلَّفة بمهمة ترشيح كتاب دراسي وتبرير هذا الاختيار لي زميلٌ مُعتاد على الاستعانة بهذه الطريقة لاختيار الكتب الدراسية للمادة، وما يدهشه باستمرار هو أن الطلاب نادرًا ما يُرشحون الكتاب الذي يتوقع منهم اختياره. كما أنه يذكر أن طلابا في الفصول الدراسية التالية ينظرون إلى الكتاب الدراسي نظرةً مختلفة حين يعرفون أن طلابًا آخرين ساعدوا في اختيار هذا الكتاب.    

   في هذا المثال، يُمنح الطلاب قدرًا محدودًا من السلطة، وتصميم الأنشطة يوجه عملية اتخاذ قراراتهم. في المادة التي أُدرسها، أدَعُ الطلاب يُقررون الواجبات الدراسية التي سيقومون بها (وأستثني من ذلك واجبًا واحدًا) ، إلا أن عملية اتخاذ القرار مُقيدة بعدة سمات مرتبطة بالتصميم. يختار الطلاب واجباتهم الدراسية، إلا أن الواجبات التي يقع عليها الاختيار يجب أن تُنجز على النحو الذي صُمِّمت عليه. وعلى الرغم من ذلك، يُمكنهم أن يحددوا الكمية التي سيؤدونها؛ وذلك بالنسبة إلى بعض الواجبات. على سبيل المثال: عند تقييد الواجبات الدراسية على نظام سجلٌ سَير التعلُّم، يُحدد الطلاب أي الواجبات الدراسية التي سيؤدونها، وعدد المدخلات التي يكتبونها، بالإضافة إلى ذلك، كلُّ واجب من واجبات هذه المادة له موعد نهائي لتقديمه( يتضمن ذلك موعدا نهائيا لتسجيل الواجب الدراسي على سجلّ سَير التعلُّم)، ولا يمكن تقديم الواجب الدراسي بعد مرور هذا الموعد. أدرك أن طلابي المستجدين يُواجهون مشكلة بخصوص إدارة الوقت، ولا أريدهم أثناء آخر أسبوعين من الفصل الدراسي أن يحفظوا مادةً تستحق بذل الجهد لاستيعابها، ولا أريدهم أيضًا أن يؤدوا عددًا كبيرًا من الواجبات الدراسية دون تخصيص الوقت والجهد اللازمين لكل واجب منها؛ ومِن ثَمَّ، من أجل تجميع نقاط من أداء أي واجب دراسي، يجب على الطلاب أن يحصلوا على 50 بالمائة من النقاط، وإذا لم يُقبل الواجب الدراسي، فلن تُمنح أي نقاط.

   إن تحديد كيف سيتم تعلم محتوى المادة هو قرار يتخذه متعلمون راشدون يتحملون مسئولية قراراتهم، وهو قرار لا ينبغي أن تتَّخذه الأغلبية العظمي من الطلاب المستجدين، ولكن إذا كان من المأمول أن يتحوّل الطلاب المستجدون إلى متعلّمين راشدين، وإذا كانوا قد شرعوا في إدارة عملية التَّعلُّم الخاصة بهم؛ فحينئذ يجب منحهم الفرصة للتحكم فيها، وإذا أراد المعلمون أن يتعلموا كيف يُيسّرون عملية التَّعلُّم، فعليهم أن يستعدوا ليتيحوا

الصفحة 127

التدريس المتمركز حول المتعلم

للطلاب فرص اتخاذ بعض القرارات. ومثلما هي الحال مع الطلاب، فأفضل طريقة يتعلَّم بها المعلمون هي أن يُرْخوا قبضتهم عن السيطرة تدريجيا.

   لا يلاحظ الطلاب دائمًا فوائد هذا التغيير في البداية يشعرون بالارتباك ويقاوم بعضُهم التغيير عن طريق الإشارة إلى أنَّ المعلم لا يؤدي عمله، وهذا يعني أنهم يُعيدون زمام السلطة إلى المعلم مرةً أخرى؛ فالخوفُ من أن يستغل الطلاب السلطة الممنوحة لهم للإطاحة بالمعلم أو الانتقاص من سلطته، هو خوفٌ لا أساس له من الصحة، على الأقل في تجارب الكثيرين منا ممن تشاركوا السلطة مع طلابهم.

   أسمح لطلابي أن يُحددوا سياسة المشاركة في محاضرات مادتي، وسأذكر المزيد حول كيفية نجاح هذا الأسلوب في الجزء التالي، وبينما كان الطلاب يتعاملون مع التفاصيل - أسئلة على غرار: هل ينبغي للمعلم أن يختار الطلاب الذين يجيبون على الأسئلة، أم يمنح الفرصة للمتطوعين فقط؟ هل ينبغي أن يخسر الطلاب نقاطا إذا ما كانت إجابتهم خاطئة؟ هل يُحسَب حضور المحاضرات جزءًا من درجات المشاركة ؟ - فإن الطلاب كثيرًا ما كانوا يلجئون إليَّ لاتخاذ القرار نيابةً عنهم، أو يستفسرون عن العملية في حد ذاتها؛ «لماذا تطلبين منا ذلك ؟ هناك أشياء يتعيَّن على المعلم أن يقرّرها.» هكذا، يفضّل المتعلمون الاتكاليون قاعات الدراسة التي يُتَّبَع فيها التدريس المتمركز حول المعلم؛ لأن هذا هو ما اعتادوا عليه؛ ومن ثَمَّ لا يتعيَّن عليهم تحمُّل مسئولية القرارات التي يتَّخذها المعلمون. 

   عندما يتضح للطلاب أن المعلم لن يتخذ القرارات التي طلب منهم اتخاذها، فإنهم يترددون في استغلال هذه السلطة الجديدة، ويُصابون بالتوتر إلى حد ما من جراء ذلك؛ فهم يرغبون في الحصول على تقييم ويحتاجون إلى الدعم، وإذا ما قُدِّم لهم هذا، فإنهم يمضون قدمًا. بمزيد من الثقة. بعد ذلك يأتي اليوم الذي يستوعب فيه الطلاب الأمر- على نحو يبدو مفاجئًا – أو على الأقل يستوعب عدد منهم ذلك الأمر، وهذا العدد المؤثر يولد الطاقة والحماس؛ مما يُحفِّز باقي الفرقة. كلا، هذه ليست حالة مثالية حالمة خاصة بالعملية التعليمية؛ فعلى أي حال، لا يستوعب جميع الطلاب الأمر، ولا تزال بعض الأنشطة والواجبات الدراسية تبوء بالفشل الذريع، إلَّا أن المحاضرة تصبح مختلفة بطرق إيجابية للغاية، وسأذكر أربع طرق منها لاحقا.

   عندما شرعتُ في مَنْح طلابي حرية اختيار واجباتهم الدراسية، لم أتوقع – بصراحة شديدة - أن أرى فارقًا كبيرًا، في الواقع، كنتُ أمنحهم قدرًا بسيطا جدا من السيطرة، ولكن على الفور كان هناك تغير جدير بالملاحظة على مستوى التحفيز؛ حيث كان الطلاب

الصفحة 128

توازن السلطة

   على استعداد للقيام بالمزيد من العمل، وقبل أن أسمح للطلاب باختيار واجباتهم الدراسية، طلبت منهم إنجاز ما بين عشرة واجبات دراسية واثني عشر واجبا دراسيا، على حسب الوقت المتاح للفصل الدراسي، وبعد أن شرعوا في اختيار الواجبات الدراسية، أنجز الطلاب العاديون أكثر من ثلاثة عشر واجبًا دراسيا، ولم يشك أحد من كمية العمل التي واجبَتْها دراسة المادة. أثبت بحث بينترتش (2003) عن التحفيز، الذي استعرضته في الفصل الثاني، ما جاء في تجربتي وتجارب لآخرين، وكذلك الأبحاث التي أُجريت على المتعلمين المستقلين، التي ألقى الفصل الثاني الضوء عليها.

   وبعد ذلك، لاحظت أن الحصول على قدر من السيطرة يؤثر على الطريقة التي يتعلم بها الطلاب المادة الدراسية؛ حيث إن هذا الأسلوب سهل ربط المحتوى بالواقع، ورؤية تلك الروابط الواقعية، وزاد الرغبة في تطبيق ما تمَّ تعلُّمه. ولأكثر من مرة أتذكر أنني اعتبرت هذه المعرفة سُلطة، وكان طلابي يمارسون معرفتهم وسلطتهم عن قصد، وأحيانًا بتوازن. وبالطبع، خوض تجربة اتخاذ بعض القرارات يؤثر على التجارب التالية الخاصة باتخاذ القرارات الأخرى.

   إِنَّ مشاركة السلطة مع الطلاب يخلق المزيد من الأجواء الإيجابية والبناءة داخل قاعة الدراسة؛ حيث تجد شعورًا أقوى بالانتماء؛ أي شعورًا رائعا بأن الجميع ينتمون إلى هذه القاعة الدراسية. يتَّضح للطلاب أكثر أنهم مسئولون أيضًا عما يحدث داخل قاعة الدراسة. وعادةً ما تشتمل سياسة المشاركة داخل قاعة الدراسة، التي يُحددها الطلاب في مادتي، على بند أساسي ينص على أن المعلم سيختار الطلاب الذين يتطوعون فقط. وأكثر ما كان يدهشني أنني حين كنتُ أطرح سؤالاً ولا أحصل على إجابة، يتحدث أحد الطلاب مُذكَّرًا الطلاب الآخرين أنني قد وافقت على عدم اختيار طالب بعينه للإجابة عن السؤال، ومن الأفضل أن يتطوع أحد للإجابة.

  عندما يتشارك الطلاب في السلطة داخل قاعة الدراسة، وعندما يُوكل إليهم اتخاذُ بعض القرارات، ويشعرون بأنهم يمسكون بزمام السيطرة، تقلُّ السلوكيات التي تُخلُّ بالنظام العام. وحين لا يشعرون بقلة الحيلة تقلُّ تبريراتهم لتحدي السلطة. تُعيد مشاركة السلطة تحديد العلاقة بين المعلم والطالب مما يقلل من طابع العدائية فيها. وتشهد إدارة قاعة الدراسة تحولاً من الحاجة لسياسات تمنع سوء السلوك إلى البحث عن إجراءاتٍ تُشجِّع مناخًا مناسبًا للتعلم. ويناقش الفصل السادس، بمزيد من التفصيل، المشكلات المتعلقة بالمناخ المناسب داخل قاعة الدراسة.

الصفحة 129

التدريس المتمركز حول المتعلم

  بالنظر إلى تلك الاستجابات الإيجابية - مزيد من التحفيز وربط أفضل بين المحتوى والعالم الواقعي، وشعور أقوى بالانتماء، وعدد أقل من المشكلات المرتبطة بإدارة قاعة الدراسة - ليس من المستغرب أن المعلمين يستفيدون أيضًا عندما يشاركون الطلاب في السلطة. ومن الممتع العمل مع طلاب يتّسمون بأنهم أقلُّ سلبيةً وأكثر اهتمامًا واستعدادًا للعمل فاستجاباتهم حفزتني؛ حيث بذلت المزيد من الجهد للتحضير والبحث عن أنشطة جيدة، وصرتُ أكثر استعدادًا لخوض مخاطر أكبر . لم أشعر قط بأنني فقدتُ السلطة داخل تلك القاعات الدراسية التي أشارك فيها طلابي السلطة، بل من قبيل المفارقة أيضًا عادةً ما أشعرُ بمزيد من التحكم والسيطرة، وعندما كنت أطلب من الطلاب أن يؤدوا إحدى المهام، كانوا يُذعنون لطلبي عن طيب خاطر. 

   باختصار، عندما يجري تشارك السلطة داخل قاعة الدراسة، يتغير ما يحدث بداخلها؛ ومن ثُمَّ تتغير طريقة تصرف المعلمين والطلاب؛ حيث وجدتُ نفسي أتحمل المزيد من الصخب داخل قاعة الدراسة خاصتي. أما بالنسبة إلى المتابعين من الخارج، فأعتقد أن القاعة تبدو لهم فوضوية؛ إذ يعمل الطلاب في مجموعات، ويتحدثون إلى أفراد المجموعات الأخرى. وقبل بدء المحاضرة، يتجول الطلاب في أرجاء القاعة ليتحدث بعضهم إلى بعض، وأحيانًا يجلسون على طاولة في الجزء الأمامي من القاعة ويُعيدون ترتيب المقاعد بحيث لا يجلسون في شكل صفوف معتادة، ويكتبون الإخطارات على السبورة، ويتصرفون كما لو أن قاعة الدراسة هي بيتهم الصغير. ولن أنسى أبدًا يوما دخل فيه أحد الزملاء - من مقيمي الأداء - قاعة الدراسة خاصتي واستقبله أحد الطلاب متسائلًا عما يفعله داخل قاعة الدراسة، وبعد التوضيح سمعتُ الطالب يقول لزميلي إنها بالتأكيد محاضرة غير تقليدية، بها الكثير من الواجبات الدراسية الغريبة. ولكن ما كان لي أن أواجه مشكلة لأن مستوى هذه الفرقة كان جيدًا جدًّا، ولم أَدْرِ حينها أينبغي لي أن أرتعب أم أبتهج.

(3) أمثلة على إعادة توزيع السلطة

ما نوعية الواجبات الدراسية والأنشطة الفردية التي تمنح الطلاب مزيدًا من السيطرة على عمليات التعلم؟ هذا هو السؤال الذي يسعى هذا الجزء إلى الإجابة عنه، وتتمحور الأمثلة التي يحتوي عليها هذا الجزء حول أربعة مواضع ذكرتُها في مقدمة الفصل باعتبارها المواضع التي يتخذ المعلمون - عادةً - حيالها القرارات بالنيابة عن الطلاب أولا: الأنشطة والواجبات الدراسية الخاصة بالمادة. ثانيًا: سياسات المادة. ثالثا: محتوى المادة الدراسية.

الصفحة 130

توازن السلطة

رابعا: تقييم عملية تعلم الطلاب. ويحتوي هذا الجزء على أمثلة تتيح للطلاب فُرصا مختلفة لاتخاذ القرارات، متيحا بذلك للمعلمين الاختيارات التي تتوافق مع استعداد الطالب والمعلم لتقاسم السلطة، والتفكير في البدائل المتاحة.

(3-1) الأنشطة والواجبات الدراسية

   لقد ذكرتُ بالفعل أنني كنتُ أسمح للطلاب المستجدين أن يختاروا الواجبات الدراسية التي يُريدون إنجازها، ويوجد وصف تفصيلي لهذه الواجبات الدراسية في خطة المنهج الدراسي الموجودة في الملحق الأول. ولقد سهلتُ الأمر من الناحية الإدارية عن طريق عدم الالتزام باتفاقات رسمية. هكذا كنتُ أرحب بإضافة الطلاب للواجبات الدراسية أو تبديلها، أو القيام بعدد أقل أثناء المضي قدما في دراسة المادة. كنتُ أقيم عمل الطلاب باستخدام معيار تقييمي وضعته بنفسي لمقارنة النتائج، وأدرجته في خطة المنهج الدراسي. وبدايةً من اليوم الأول، أدركَ الطلاب عدد الدرجات التي يحتاجون إليها لتحقيق التقديرات الدراسية المتعارف عليها.

   وعلى الرغم من أنني لم أرغب في إرهاق نفسي بتعقب الطلاب لمعرفة أي منهم يؤدي أي واجب دراسي تحديدًا، فإن طلابي المستجدين كانوا بحاجة إلى التشجيع للتخطيط بعض الشيء لدراسة المادة؛ ومن ثَمَّ، في أول مُدخل من مدخلات سجل سَيْرِ التَّعلَّم، اختار الطلاب بعض الواجبات الدراسية المبدئية، وشاركوا ردود أفعالهم حيال التحلي بالقدرة على اتخاذ هذه القرارات. لم تكن بعض ردود أفعالهم مُشجعة للغاية، وأفادوا بأنهم خططوا للقيام بالواجبات الدراسية السهلة(على الرغم من أنه كان هناك خلاف على تحديد أي الواجبات الدراسية سهلة)، كما أنهم خطّطوا لاختيار تلك الواجبات الدراسية التي «تروق» لهم، دون إدراك عميق بأن هذه الاختيارات مرتبطة بتفضيلاتهم التعليمية وكانوا يظنُّون أن المعلم ربما يلجأ إلى هذا الأسلوب لأنه «يحب الطلاب، ويريد أن يمنحهم الفرصة»، أو «لأنه لا يريد أن يلومه أي طالب على تقديره السيئ بالمادة.» 

    كان المشجع في هذا الأمر هو ردود أفعالهم التي أثارها السؤال التحفيزي الأخير المقيَّد في سجل سير التعلُّم: «إلى أي مدى تظنُّ أن هذه الاستراتيجية ستؤثر على أدائك داخل قاعة الدراسة؟، وجاءت الردود : أظن أن هذا النظام سيساعدني فعلًا؛ فهو يجعلني مسئولا.» «بالنسبة إلى هذه المادة، الأمر يعود إلي. وعلى الرغم من أن هذا يُخيفني، فإنني

الصفحة 131

التدريس المتمركز حول المتعلم

أشعر بأن الأمور ينبغي أن تسير على هذا النحو.» «سأنتظر لأرى، ولكن أظن أنني سأبذل قصارى جهدي في هذه المادة، أشعر أنَّ أمامي فرصة.» «سأنجز جميع الواجبات الدراسية إذا كان هذا شرطا لحصولي على تقدير ممتاز في هذه المادة؛ أنا أشعر بالتحفيز.» 

    لم أعترف في الطبعة الأولى من هذا الكتاب أنني حين استعنت بهذا الأسلوب - لأول مرة - لم أكن أفهم تمامًا النتائج المترتبة على اتباع هذا التصميم، وظننتُ أنها فكرة جيدة ربما تحفّز بعض الطلاب على العمل بكد أكبر قليلا وكان ما توصلت إلى إدراكه هو أن هذا الأسلوب يُعرف المعلمين على بعض التحديات المعقدة إلى حد ما، التي يُواجهها التصميم. عليك أن تتأكد من أن إتمام أي مجموعة من الواجبات الدراسية المحتملة يُحقق أهداف المادة، وهذا يجعل من الضروري تحديد مجموعة أهداف واضحة للمادة، ويستلزم أيضًا تحليلا مدروسًا لكل واجب من الواجبات الدراسية، ولو كنتُ سأعيد القيام بهذا الأمر مرةً أخرى لطبقتُ أسلوب اختيار الواجبات الدراسية على نحو تدريجي أكثر؛ لأتيح للطلاب الاختيار من بين عدة واجبات دراسية محددة قبل أن أسمح لهم بالاختيار من بين جميع الواجبات الدراسية. في هذه الحالة، ينطبق نفس المبدأ العام الخاص بالتصميم؛ ألا وهو: يجب أن يحقق كل اختيار الأهداف العامة الخاصة بالواجب الدراسي، ويجب أن تكون جميع الاختيارات متساوية في الوقت المستغرق، ومتساوية في الصعوبة على المستوى الفكري.

   بعض أعضاء هيئات التدريس يسمحون للطلاب باختيار موعد تسليم الواجبات الدراسية، وهذا يتناسب تمامًا مع تقديم الأبحاث، أما بالنسبة إلى الواجبات الدراسية التي تسير جنبًا إلى جنب مع المحتوى الدراسي، فيعطي أعضاء هيئات التدريس للطلاب مهلة زمنية(أسبوعًا مثلا) يجب خلالها تقديم الواجب بالنسبة إلى أعضاء هيئات التدريس الذين يعتبرون الوفاء بالمواعيد النهائية للتسليم أمرًا مهما، فإنهم يطلبون من الطلاب تحديد موعد التسليم في إطار هذه المهلة الزمنية، وتحديد العقوبة إذا لم يفوا بالموعد النهائي للتسليم.    

    وبالنسبة إلى الطلاب المتمرسين أكثر ، والمشروعات الأكبر حجما، يُمكن أن يتحمل الطلاب مسئوليات إدارة الوقت فيما يتعلَّق بالمشروع ككل أعرف زميلا لي قام بهذا الأمر عند تدريسه مادة إدارة الأعمال للفرقة الثالثة؛ ففي هذه المهمة الجماعية، كان على الطلاب أن يُعدُّوا تقريرًا مهما يحاول إقناع إحدى الشركات ببناء مصنع في المقاطعة. كان أول جزء تُحسب عليه الدرجات في هذا الواجب الدراسي عبارة عن مذكرة من فريق المشروع،

الصفحة 132

توازن السلطة

حددون فيها الخطوات المهمة والضرورية لإنجاز المشروع، والنظام الذي يجب أن يسيروا عليه لإنجازه، والإطار الزمني المبدئي والتوزيع المقترح للعمل، والتوقيت والجزئية التي يؤدون الحصول فيها على تقييم تقويمي من المدرس، والموعد النهائي لتسليم التقرير. 

   من الممكن أيضًا أن يُسمح للطلاب باتخاذ بعض القرارات بخصوص درجات واجباتهم الدراسية. إذا كانت الاختبارات القصيرة أو الواجبات الدراسية المعتادة تمثل 5 بالمائة من الدرجة، فقد يُسمح للطالب بالاستعانة بها للحصول على نسبة 10 بالمائة أو أكثر من الدرجات، مع خصم نسبة مساوية من الاختبارات النهائية أو اختبارات الوحدة. في مادة التدريس الجامعي التي أُدرسها لطلاب الدراسات العليا، يؤدي الطلاب خمسة واجبات دراسية مختلفة، ويمثل كلُّ واجب من هذه الواجبات نسبة 10 بالمائة من الدرجات، وأمنحهم الفرصة لتوزيع نسبة الخمسين بالمائة الأخرى على الواجبات الخمسة الدراسية، وأنصَحُهم أن يوزّعوا النسبة بحسب تقييم الاحتياجات؛ فخلال خمس سنوات، ما الذي يتوقعون أنهم سيحتاجون إلى معرفته بخصوص التدريس الجامعي؟ وعند وضع ذلك في الاعتبار، استطاعوا بكل سهولة تحديد أي الواجبات الدراسية ستقدم لهم تلك المعرفة على أفضل نحو. وأفاد دوبرو وسميث وبوسنر (2011) بأن الاهتمام بالمادة والاهتمام بدراسة مواد أخرى في ذلك المجال زادا زيادة كبيرة بالنسبة إلى الطلاب الذين استطاعوا - في إطار نطاق محدد - . تحديد درجة أهم ثلاثة واجبات دراسية في مادة الإدارة بماجستير إدارة الأعمال، مقارنةً بالطلاب الذين لم يُمنحوا فرصة الاختيار هذه.

(3-2) القرارات الخاصة بسياسة المادة

  لقد كتبت قليلا عن الكيفية التي حدَّد بها طلابي سياسة المشاركة داخل قاعة الدراسة في مادة التواصل اللفظي التي درستها. اسمح لي هنا أن أضيف المزيد من التفاصيل حول مدى نجاح هذا الأسلوب، وبعض الدروس التي تعلمتُها من هذه التجربة. لقد استعنتُ بأسلوب التعلم التعاوني المرتبط بجدول زمني محدد لجعل الطلاب يعملون على تحديد السياسة المتبعة؛ حيث تعاون الطلاب في مجموعات مكونة من أربعة أشخاص؛ بحيث أُعطِي كلُّ طالب سؤالاً مختلفًا متعلقا بالمشاركة داخل قاعة الدراسة. هكذا، جعلتهم يُجيبون عن أسئلة مثل: ما السلوكيات التي ينبغي عدها سلوكيات إيجابيةً تُضاف للدرجة المخصّصة للمشاركة ؟ هل هناك سلوكيات تُضيف درجات أكثر؟ إذا كان الأمر

الصفحة 133

التدريس المتمركز حول المتعلم 

  كذلك، فما هي تلك السلوكيات؟ ما السلوكيات التي ينبغي أن تقلل من الدرجة المخصصة للمشاركة، وكم عدد الدرجات التي ينبغي أن يخسرها الطالب إذا صدر منه هذا السلوك؟ طرح كلُّ طالب سؤاله على جميع أفراد مجموعته، ودَوَّنَ ملاحظاته عن الإجابات، وفي الوقت نفسه أجاب كل طالب عن الأسئلة الخاصة بباقي الزملاء في مجموعته. 

   في الخطوة التالية كونَ جميع الطلاب الذين دَوَّنوا ملاحظاتهم عن نفس السؤال مجموعة جديدة لمشاركة الإجابات التي جمعوها كانت مهمتهم هي تكوين إجابة جماعية تضم أكثر الردود شيوعًا، وكذلك تجميع الأفكار الجيدة الأخرى التي دعمتها المجموعة. بعد ذلك، قدموا لي إجابتهم، وأتى ردي في المحاضرة التالية على هيئة مذكرة صغيرة لكل مجموعة طرحت فيها أسئلة وطلبت منهم التوضيح داخل كل مجموعة قدم الطلاب هذا التوضيح، ثم أفصحوا عن إجاباتهم التي استفضنا في مُناقشتها، وربما يناقش الطلاب هذا بمزيد من الاستفاضة قبل أن يُجروا تصويتًا بقبول السياسة أو رفضها.  

   أولى المفاجآت التي أدهشتني هي ابتكار الطلاب عادةً سياساتٍ مُشابهةً جدًّا لتلك السياسات التي اعتدتُ استخدمها لسنوات على الرغم من وجود مفاجآت عَرَضية من حين لآخر؛ حيث اقترحت إحدى الفرق الدراسية أن تتساوى كلٌّ من الإجابات الصحيحة والخاطئة في الدرجات. كانت أول فكرة خطرت على بالي حينها: أنا سعيدة لأنني لا أُدرس مادة الرياضيات على أية حال ثم قضيتُ وقتا كبيرًا جدًّا أفكر فيما إذا كان بإمكاني التصديق على مثل هذه السياسة المريبة أم لا. شاركتُ شكوكي مع الفرقة، وطلبت منهم أن يعطوني تبريراتهم. أقنعتني إجابتان بأنني يُمكنني قبول هذه السياسة على مضض، على الأقل خلال ذلك الفصل الدراسي؛ حيث فسر لي أحد الطلاب أنه إذا أجاب الطالب إجابة خاطئة وحاول المعلم بكل جهده تصحيح تلك الإجابة أمام الجميع، فإنَّ هذا الطالب سيحتاج قدرًا كبيرًا من الشجاعة ليرفع يده مرةً ثانية. وأشار طالب آخر، وهو أحد الطلاب المتألقين جدا الذي قد تحبه وتكرهه في آن واحد إلى أن المعلمين يُكرّرون على مسامع الطلاب قولهم بأنه ينبغي لهم ألَّا يَخْشوا ارتكاب الأخطاء؛ ذلك لأنه يُمكن تعلم الكثير من هذه الأخطاء؛ حيث قال: «الآن، إذا كنتُ سأرتكب خطأ أمام الفرقة، وستتعلم الفرقة كلها من هذا الخطأ، فإنه ينبغي إذن أن أحصل على درجة لقيامي بذلك.» ولقد اقتنعتُ بوجهة نظره فعلا.

    توضح صياغة هذه السياسات عادةً إلى أي مدى يرغب الطلاب في إعادة السلطة إلى المعلم مرةً أخرى، وذلك عن طيب خاطر منهم. في البداية، اقترحوا سياسات تتسم

الصفحة 134

توازن السلطة

   بالإبهام حتمًا، على غرار: «ينبغي أن يحصل الطلاب على درجات تقديرًا لمحاولتهم.» وعندما اعترضتُ متسائلةً عن كيف يتسنى لي أن أحدد ما إذا كان الطالب يحاول فعلا، فأجابوا على الفور قائلين: «أنتِ ستُقرّرين، أنتِ المعلمة.» حاولت أن أفهمهم قائلةً: «أنتم تريدونني أن أقرر؟ حسنا، يمكنني أن أقوم بذلك، ولكن دعوني أخبركم بشيء: في كل فصل دراسي، يَدْرُس معي هذه المادة مهندسون ولم أر أحدًا منهم حاول المشاركة قطُّ، والآن أقول لكم: إنه لم يحصل أحد من هؤلاء المهندسين على درجة تقديرًا لمحاولته.» فاعترضوا ببراءة قائلين: «لا يُمكنك فعل ذلك؛ أنتِ معلّمة، يجب أن تكوني عادلة.» عند تلك النقطة، رأى بعضهم إلى أي مدى قد يحميهم تحديد السياسات. 

    يكاد الطلاب يطلبون دومًا ألا يختار المعلم أحدًا إلا المتطوعين فقط، وهذا أيضًا أدهشني وحفزني على التفكير بجدية فيما يُشار إليه في الأدبيات التربوية باسم «الاختيار القسري». لماذا يختار أعضاء هيئات التدريس طلابًا لا يتطوعون بأنفسهم للإجابة؟ أحيانًا تكون هذه هي الطريقة الوحيدة لجعل الطلاب يُشاركون، أو ربما تكون أيضًا طريقة للتعامل مع مُشكلة فرط المشاركة؛ أقصد التعامل مع هؤلاء الطلاب القليلين الذين يتطوعون للإجابة عن أي سؤال وكل سؤال يُطرَح داخل قاعة الدراسة. وجد هاورد وشورت وكلارك (1996) أن 28بالمائة من الطلاب شاركوا بالإدلاء بنسبة 89بالمائة من التعليقات في 231 محاضرة حضروها بهدف الدراسة. وفي دراسة أخرى، أفاد هاورد وهييني (1998) أن متوسط 31 مشاركة من جانب الطلاب لوحظت في المحاضرة الواحدة، وكانت 29مشاركة (أي ب92بالمائة) من جانب خمسة طلاب فقط.   

   وعند سؤال أعضاء هيئات التدريس، قال معظمهم إنهم يختارون الطلاب قسرا؛ لأنهم يحاولون تشجيع المشاركة، فإذا «شُجّع» الطلاب عن طريق إجبارهم على التحدث عندما يُحجمون عن التطوع؛ فإنهم يُدركون أن باستطاعتهم المشاركة، وهذا سيُحفزهم على التطوع. ولقد بحثت على مدار سنوات عن دراسةٍ أُجريت على المشاركة داخل قاعة الدراسة، وحاولت أن أجد دراسةً تُثبت هذا الافتراض، لكن حتى الآن لم أعثر على واحدة. بدلا من ذلك، أظنُّ أن ما يتعلمه الطلاب من هذه الممارسة المتبعة في التدريس هو كيف يعبرون عن آرائهم على الملأ حين يقع عليهم الاختيار.وللأسف، لن يجدوا في حياتهم المهنية معلمًا يختارهم قسرا، حتى إن كانوا بحاجة إلى التعبير عن رأيهم على الملأ  

   ولقد قادني الاستغراق في التفكير إلى التساؤل عما إذا كان الاختيار القسري يُفيد المعلمين أكثر من الطلاب، فمن المزعج والمربك أن تطرح سؤالا ولا تجد أحدًا يريد الإجابة؛

الصفحة 135

التدريس المتمركز حول المتعلم

   حيث يبدو الأمر وكأنه إهدار للوقت على الرغم من أن أعضاء هيئات التدريس لا ينتظرون طويلا ومن ثمَّ يكون الوقت المهدر محدودًا جدًّا. وقد يبدو الأمر أيضًا أشبه بتهديد مستتر لسلطة المعلم داخل قاعة الدراسة، وكأن الطلاب يقولون: دعونا لا نجيب عن السؤال ونرى كيف يتعامل المعلم مع الأمر. ولكن بمجرد أن يختار المعلم أحد الطلاب قسرا للإجابة عن السؤال، فإنه بذلك يضع حدا للمشكلة؛ فهو الآن يلقي بالضغط على كاهل الطالب لكي يبتكر إجابة.

   ولقد لاحظت أيضًا (وبكل سرور) أن معظم السياسات التي استحدثها الطلاب في محاضراتي تُناقش مسألة الإفراط في المشاركة؛ حيث اقترحوا السماح بمشاركة الكثيرين»، ولكن مع عدم السماح بـ «الإفراط في المشاركة». وقد أشرتُ إلى أن الأشخاص الذين يُفرِطون في المشاركة داخل قاعة الدراسة (وفي أي مكان آخر) لا يعرفون عادةً أن لديهم مشكلة؛ ومن ثُمَّ نحن بحاجة إلى توضيح الأمر حين يمثل مشكلة بالفعل. وطرحت سؤالا: ما عدد المشاركات التي تصل إلى حد الإفراط في محاضرة مدتها خمس وسبعون دقيقة؟ وللإجابة عن هذا السؤال طرَحَ الطلاب رقمًا اعتباطيا أدرجناه في السياسة. كان تأثير ذلك مهولا للغاية؛ فعلى إثر هذه السياسة، لاحظتُ أنَّ المفرطين في المشاركة يتتبعون عدد المرات التي شاركوا فيها، وهذا بالضبط نوعُ مُراقبة الذات الذي يجب أن يحدث، وأتمنى تنفيذ هذه السياسة في اجتماعات لجنة أعضاء هيئات التدريس أيضًا.

    ثمة مفاجأة أخيرة : إنَّ استحداث سياسات للمشاركة يجعل الطلاب أكثر وعيا بآلية المشاركة داخل قاعة الدراسة؛ إذ يشرع الطلاب في التفكير في المشاركة من حيث السلوكيات؛ مثل: طرح الأسئلة والإجابة عن الأسئلة وطرح أسئلة المتابعة، ورد بعض الطلاب على بعض، وتقديم الأمثلة بدا الأمر وكأنه أشبه برؤية المشاركة في موضع التطبيق لأول مرة. ومرة أخرى أكرر أنني لا أرغب في التلميح بأنه كانت هناك حالة من المشاركة المثالية تخيم على أرجاء قاعاتي الدراسية؛ فالأمر لم يكن كذلك على أي حال؛ فلم يزل هناك طلاب لا يتفوهون أبدًا بكلمة (ضع في الاعتبار أن هذه مادة تواصل)، ولم تزل هناك أسئلة لم أحصل لها على إجابة من أحد، ولم تزل هناك تعليقات بعيدة عن موضوع النقاش وعلى الرغم من ذلك، تحسن الوضع في محاضراتي إثر هذه المحاولة لإعادة توزيع السلطة. ويذكر وودز (1996) نتائج متشابهة في فرقة ذات مستوى متقدم لدراسة مادة الهندسة؛ حيث سمح للطلاب أن يُصمموا الأداة التي يستخدمونها لتقييم مشاركاتهم في المناقشات التي تجري داخل قاعة الدراسة.

الصفحة 136

توازن السلطة

   ولا تُعد المشاركة في قاعة الدراسة هي السياسة الوحيدة التي يمكن أن يُمنح فيها الطلاب فرصة الابتكار؛ فلقد طور بنجامين (2005) تمرينا يجعل الطلاب يصيغون أهداف المادة، التي أدمجها فيما بعد مع أهدافه. ويسجل ديكولمنتي وهاندلسمان (2005) تجاربهما فيما يتعلق بالسماح للطلاب بوضع سياسات إدارة قاعة الدراسة في عدد من التخصصات. في البداية جعلا الطلاب يقترحون السياسات، ثم يُقرر المعلم فيما بعد ما إذا كان سيقبلها أم يرفضها أم يعدلها كوسيلة للوقاية من أن يقترح الطلاب شيئًا غير مناسب. ومن المثير للدهشة أن سياسة الطلاب كانت تتماشى مع سياستهما، لدرجة أنهما في مرحلة ما أسقطا من حساباتهما موافقة المعلم على السياسة التي وضعها الطلاب.

  وحتى الاختيار القسري لم يَعُدْ بمنزلة استراتيجية إما أن تتبناها تماما أو ترفضها تمامًا؛ فلقد ابتكرويلتي(1989 ، ص 47) مصطلحا أطلق عليه الاختيار «المحسوب»؛ فقبل أن يبدأ المحاضرة، يطرح سؤالاً ويُخبر ثلاثة طلاب بأنه يودُّ منهم أن يَشْرعوا في نقاش إجابات هذا السؤال إن التعامل أولا مع إخطارات قاعة الدراسة وغيرها من التفاصيل اللوجستية يُتيح للطلاب بعض الوقت للتفكير فيما قد يُجيبون به كرد على السؤال. إنه مثال آخر على منح الطلاب قدرًا من السيطرة، وفرصة لتحسين إجاباتهم.

(3-3) القرارات الخاصة بمحتوى المادة الدراسية

عندما أتحدث مع أعضاء هيئات التدريس عن إشراك الطلاب في اتخاذ القرارات المتعلقة بعملية تعلّمهم، فإن فكرة السماح لهم باتخاذ قرارات متعلقة بمحتوى المادة تلقى رفضًا قويا؛ فأعضاء هيئات التدريس يعرفون الكثير جدا عن المحتوى، أما الطلاب فمعرفتهم محدودة جدا؛ لدرجة أنني أتساءل حاليا: أليس هذا هو السبب الذي يبدو لأجله إعطاء الطلاب فرصة إبداء رأيهم في المحتوى الدراسي تصرفًا غير مقبول تماما. هذه الأحاسيس لا يُقويها سوى حجم المادة العلمية التي تُغطّيها مناهجنا؛ فلا يمكن حذف جزء منها، وبالطبع ليس هناك وقت لإضافة موضوعات أخرى حتى حين يُظهر الطلاب اهتمامًا بهذه الموضوعات.

   وعلى الرغم من ذلك، فإننا ندع الطلاب يتَّخذون بعض القرارات المتعلقة بالمحتوى بالفعل؛ حيث إننا نسمح لهم باختيار موضوع الخُطب التي يُلقونها، واختيار موضوعات أعمالهم الفنية، وكتابة مقالاتهم، بل الأبحاث العلمية الكبرى أيضًا، حول المحتوى الذي يرغبون في استكشافه، وبعضُ المعلمين يتيحون للطلاب الاختيار من بين مجموعة قراءات.

الصفحة 137

التدريس المتمركز حول المتعلم

  وتوجد احتمالات أخرى للقرارات الصغيرة المتعلقة بالمحتوى، والتي تتسم بعدم إهدار الوقت. كنتُ أعرف معلمًا يسمح لطلابه بتحديد الموضوعات التي ستُغطى أثناء محاضرة مراجعة الامتحانات. وتُسهل رسائل البريد الإلكتروني للطلاب تحديد الموضوعات المتوقعة. عندما بدأت الاستعانة بهذه الاستراتيجية لأول مرة، فعلتُ ذلك بهدف التحول إلى أسلوب يتمركز أكثر حول المتعلم. واكتشفت أنها أيضًا آلية ممتازة للتقييم؛ فعن طريقها تعرف أي الموضوعات التي يعتقد الطلاب أنها ذات أهمية، وتعرف أجزاء المحتوى التي يتشكك الطلاب في استيعابها بالكامل.

    يُناقش الفصل السابع عدة استراتيجيات يستعين بها أعضاء هيئات التدريس لإشراك الطلاب في وضع أسئلة الاختبارات، وهذه الآليةُ للمُراجعة تشجع الطلاب على التركيز على الأسئلة بدلا من التركيز على الإجابات. إنَّ طلابي يتذكرون المعلومات بكل أنواعها، إلا أنهم يعجزون عادةً عن ربط الإجابة بالسؤال. وإذا كان تمرين وضع أسئلة الامتحانات يشتمل على عنصر التقييم، فإنه سيساعد الطلاب أيضًا على الإجابة بأنفسهم عن السؤال المتكرر: «ما الذي أحتاج إلى معرفته من أجل الاختبار؟» وإذا ما انتهى الحال بمجيء بعض الأسئلة التي ابتكرها الطلاب (أو صيغ مختلفة من هذه الأسئلة)، فإن هذا يمنح الطلاب شعورًا بالسيطرة بعض الشيء؛ ومن ثَمَّ يتحول إلى تمرين يأخذونه بجدية شديدة. 

   ويمنح بلاك (1993) الطلاب مزيدًا من السيطرة على المحتوى الخاص بمنهج مادة الكيمياء العضوية المعدل؛ فالمحتوى« تتم تغطيته» داخل الكتاب الدراسي؛ بمعنى أنه لا يعطي محاضرات عن الموضوعات المشروحة في الكتاب. ويصف بلاك ما يحدث في قاعة الدراسة قائلا: «حاليا أصبحَتِ المحاضرة تُدار على نحو أشبه كثيرًا بجلسات المناقشة ... بوجه عام، أطلب من الطلاب في بداية كل محاضرة أن يحددوا ما يُمثل صعوبة بالنسبة إليهم، وما يُريدون التحدُّثَ عنه. ومن مقترحاتهم ، نَعدُّ قائمة بالموضوعات، وخلال المحاضرة أحاول التعامل مع المشكلات التي يُواجهونها بخصوص هذه الموضوعات، ربما عن طريق التوضيح والشرح، أو تقديم الأمثلة، أو أي شيء آخر يُمكنني تقديمه للمساعدة» ( ص 142). إذا بَدا هذا وكأنه أشبه بوصفة لوقوع كارثة ، فحينئذ يردُّ بلاك بأن هذا لا قائلا: من المثير للدهشة أن الفوضى لا تخيم على المحاضرة حين أدخل وأسأل الطلاب عما يريدون التحدث عنه؛ لأن الموضوع يدور في سياق الفصل الحالي، والجدول المخصص للعمل على هذه الفصول موضّح بخطة المنهج الدراسي، فحضور المحاضرات كل يوم بمنزلة متعة، ودائمًا تتَّسم المحاضرات بالاختلاف نوعا ما. في المحاضرات، أشعر

الصفحة 138

توازن السلطة

بالاسترخاء وأستمتع بالوقت وهذا يتضح للطلاب؛ فلا أشعرُ بأي ضغوط من جراء خوض سباق محموم لتغطية المادة العلمية؛ وإنما نعمل معا على ما ينشغلون بالعمل عليه في الوقت الحالي» (ص144).

    يصف تيشينور (1997) كيف شارَكَ الطلاب في التصميم الخاص بالمعامل في مادة علم الوظائف، وقد ألقى الفصل الثاني الضوء على دراسة (تيل، وبيترمان، وبراون، 2008) وقد أجريت على مادة الرياضيات؛ حيث يلتقي المعلم بالطلاب داخل قاعة الدراسة مرةً واحدةً في الأسبوع، وتُعقد باقي المحاضرات في المعمل؛ حيث يعمل الطلاب على حل المسائل. هؤلاء الطلاب لا يُحددون المسائل التي سيعملون على حلها، وإنما يُحدّدون المحتوى الذي تتم تغطيته في تلك المحاضرات؛ وذلك عن طريق تحديد المسائل التي لا يستطيعون حلها، والحلول التي يتشككون فيها، والأسئلة التي يحتاجون إلى إجابة لها.   

   في بعض المواقف يستطيع الطلاب اتخاذ قرارات مهمة بخصوص محتوى المنهج تُعد مادة التدريس الجامعي التي أدرسها إحدى مواد الدراسات العليا، ولكنها ليست مطلوبة في أي برنامج آخر للدراسات العليا، وهذا يعني أنني لستُ مقيدة بأي قسم لتغطية موضوعات معينة. ولقد ابتكرتُ قائمة طويلة بالموضوعات والقراءات المرجحة للمادة الدراسية. وبالنسبة إلى أول واجب دراسي، يكتب الطلاب مقالًا قصيرا عن سبب دراستهم لهذه المادة، وما يأملون تعلُّمه، وما المحتوى الذي يعتقدون أنه سيساعدهم على تحقيق أهدافهم التعليمية. يتشارك الطلاب هذا المقال مع الزملاء، ثم يبتكرون قائمة بالموضوعات المرجّحة. وتُرتِّب المجموعات والأفراد الموضوعات بحسب الأولوية، ثم أستعين بقوائمهم لتحديد الموضوعات التي ستتم تغطيتها في المادة الدراسية، وأضع جدولا وأجمع القراءات ذات الصلة بالموضوعات محل الاهتمام والدراسة. وإذا استبعدت الأغلبية موضوعًا يهتم به أحد الطلاب، أشجّع ذلك الطالب على الاستعانة بأحد واجباته الدراسية لاستكشاف هذا الموضوع ليدرسه باستفاضة.

(3-4) أنشطة التقييم

يعد التقييم تحديًا آخر على الساحة التعليمية لإشراك الطلاب في عملية اتخاذ القرار، فلطالما كان تقييم عملية التَّعلُّم حِكْرًا على أعضاء هيئات التدريس وحدهم، كما أنَّ الضغط الذي يُعانيه الطلاب من أجل الحصول على الدرجات يؤثر بالسلب على قدرتهم

الصفحة 139

التدريس المتمركز حول المتعلم

  على التحلي بالموضوعية حيال تقييم عملهم. وعلى الرغم من ذلك، ثمة طرق لإشراك الطلاب في تقييم عملهم وأعمال زملائهم، والفصل السابع مخصَّص لمناقشة هذا الموضوع؛ حيث يحتوي الفصل على مجموعة متنوعة من الأمثلة كما يناقش أيضًا المشكلات المُتَضَمَّنة.

    تُشرِك عدة أنشطة - مُرتبطة بخطة المنهج الدراسي - الطلاب إشراكًا متزامنا مع عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بالواجبات الدراسية، وأنشطة المادة الدراسية، والسياسات المرتبطة بها، والمنهج الدراسي، واستراتيجيات التقييم. وهذه الأنشطة مقدمة هنا على هيئة ملخص لبعض الطرق التي يمكن بها إعادة توزيع السلطة داخل قاعة الدراسة. يسمح جونسون (2000، ص1) للطلاب بمساعدته في تصميم خطة المنهج الدراسي للمادة. ويُعد جونسون خطة المنهج الدراسي قبل بدء المحاضرة، ثم يوزّع الخطة في اليوم الأول للدراسة، ولكنه يكتب في الجزء العلوي من الصفحة الأولى كلمة «مُسوَّدة» بالخط العريض. ويبدأ المحاضرة بجعل الطلاب يُجْرُون مقابلة شخصيةً بعضهم مع بعض ليتحدثوا عما يرغبون في دراسته في هذه المادة ويتشاركون فيما يقوله الآخرون، ويدون جونسون ما يسمعه من الطلاب. ثم يجتمع الطلاب في مجموعات صغيرة وفي أيديهم مُسوَّدة خطة المنهج الدراسي ليُجيبوا عن هذا السؤال التشجيعي: «بناءً على احتياجاتكم الخاصة، ونتائج مقابلاتكم الشخصية، والتزامي بإدراج إسهاماتكم كيف تودُّون تعديل المادة الدراسية؟» فالطلاب مُرحب بهم لتقديم التعديلات على أي جزء من أجزاء خطة المنهج الدراسي. ويُفيد جونسون بأن الطلاب قدموا مجموعة متنوعة من المقترحات والعديد من هذه المقترحات كان ممتازا «لا أستطيع أن أتذكر حالةً واحدةً حاول فيها الطلاب الاستسهال للخروج من هذا الموقف أو إضعاف فاعلية المادة الدراسية» (ص1). ويدرس جونسون بعناية إسهاماتهم، ويُعدل خطة المنهج الدراسي بحيث يتضمن أكبر عدد ممكن من مقترحاتهم. وهذا مثال رائع على إشراك الطلاب في عملية اتخاذ القرارات بخصوص المادة الدراسية، وفي الوقت نفسه يحافظ على القدر الكافي من سُلطة المعلّم لضمان نزاهة المادة الدراسية.   

   منذ صدور الطبعة الأولى لهذا الكتاب عام 2002، ظهرت أمثلة أخرى على الأنشطة المرتبطة بخطة المنهج الدراسي في الأدبيات التربوية؛ إذ تُعطي سوزان هد (2003) طلابها في مادة مدخل إلى علم الاجتماع «الخطوط العريضة» لخطة المنهج الدراسي، التي تحتوي على الموضوع المطلوب دراسته كلَّ أسبوع، إلى جانب النصوص والقراءات الإضافية. لا تحتوي خطة المنهج الدراسي على أي واجبات دراسية؛ فالمطلوب من الطلاب هو أن يُشكلوا مجموعات مهمتها ابتكار الواجبات الدراسية. «في حين أن الطلاب نادرًا

الصفحة 140

توازن السلطة

   ما يقترحون أفكارًا مبتكرة (مثل: اختبار جماعي داخل قاعة الدراسة)، فإنَّ الأغلبية العظمى للواجبات الدراسية تقليدية إلى حد ما، وتركز المناقشات على التفضيلات الخاصة بالاختبارات أو الأبحاث أو العروض التقديمية الشفهية، بالإضافة إلى توقيت تقديم كل هذه الواجبات الدراسية وأهميتهاء (ص 198) . ويَزخر مقال سوزان هد بالتفاصيل المرتبطة بتصميم النشاط وتنفيذه. وكان رد فعل الطلاب «إيجابيًا بشدة»، وتَذكُر هَد أن النشاط ينمي الطلاب من جوانب أخرى، كما يتضح من تعليق أحد الطلاب: «كان الأمر أشبه بمنحنا السلطة، وهو أمر مختلف؛ فبدلا من دخول قاعة الدراسة وتلقي جدول أعمال نصنع نحن جدول أعمال، خاصا بناء (ص200).

   تحدت لورا جيبسون (2011) طلاب الفرقة الثانية المسجلين لدراسة مادة علم اجتماع الشيخوخة أن يُصمموا المنهج الدراسي؛ بحيث تكون المادة ذات مغزى شخصي هادف بالنسبة إليهم. وتوضح لورا جيبسون في مقالها أن البعض قد يزعمون أن منح الطلاب السلطة لوضع أهداف المادة يُخِلُّ بنزاهة المنهج الدراسي. غير أنه . بسبب تجربتها، تؤمن أن من الممكن الوفاء بالشروط الأكاديمية وشروط الحصول على درجة علمية، وتمكين الطلاب، وتحقيق النتائج التعليمية في الوقت نفسه» (ص96). ومن الناحية اللوجستية، قدمت للطلاب خمسين هدفًا ممكنا لدراسة المادة، واثنين وعشرين واجبًا منزليا مختلفًا (جميعها مُدرَج في المقال)؛ بينما حدد الطلاب المواعيد النهائية لتسليم الواجبات الدراسية، ورتَّبوا أولوياتها اعتمادًا على أهميتها بالنسبة إليهم. ثم حددت لورا جيبسون أهمية هذه الواجبات الدراسية، بناءً على الأولوية التي منحها الطلاب لهذه الواجبات. ومرةً أخرى كان رد فعل الطلاب إيجابيا للغاية.

   وأخيرًا، تحدث مينز ولونج وفيلتون (2008) عن تجربة إشراك الطلاب في إعادة تصميم أحد المناهج الدراسية المعنية بمرحلة التعليم الأساسي، وهو منهج مادة غير مُستحَبَّة إلى حد كبير؛ حيث شارَكَ كلُّ من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس معا في تشكيل لجنة اضطلعت بتنفيذ مشروع إعادة تصميم المنهج الدراسي، وكتبوا يقولون: «تساءلنا عما إذا كان طلاب المرحلة الجامعية يتمتَّعون بالخبرة التربوية والمعرفة التخصصية الكافية للمشاركة في تصميم منهج جامعي بالكامل. كما أننا تساءلنا عما إذا كنا على استعداد للتخلي عن سيطرتنا على عملية إعادة هيكلة السلطة داخل قاعة الدراسة...على يقين من أننا لا بد أن نمتلك رغبة حقيقية في مشاركة السلطة مع الطلاب، وليس مجرد الدعوة بألسنتنا إلى المشاركة والتعاون دون التحرُّك قَيْد أُنملة لتحقيق ذلك. فهل

الصفحة 141

التدريس المتمركز حول المتعلم

كنا فعلًا مُستعِدِّين للاستعانة برأي الطلاب إذا ما اختلفنا معهم في الرأي؛ وهل ينبغي لنا فعل ذلك حقًّا؟» (ص2). أجابَتْ تجربتهم عن كل هذه التساؤلات بالإيجاب، ويصف المقال الأسلوب الذي استعانوا به لابتكار خطة منهج دراسي للمادة الجديدة، كما أنه بحثَ المشكلات التي تضمنها هذا النوع من الأنشطة القائمة على تقاسم السلطة.

(4) مشكلات التطبيق المثيرة للاهتمام 

أحد أهم الأسئلة المتعلقة بالتطبيق هو سؤال سعى هذا الفصل إلى الإجابة عنه: هل يُمكن تصميم مجموعة من الأنشطة والخبرات التعليمية لتمنح الطلاب مزيدًا من السيطرة على القرارات التي تُؤثر على عملية تعلمهم؟ وإن كنتَ تسعى لمعرفة الإجابة عن هذا السؤال، فأنا أُشجعك : على مناقشة الأمثلة الواردة في هذا الفصل ودراستها باستفاضة. في ضوء التجارب المستخدمة كأمثلة توضيحية في هذا الفصل، تظهر لنا ثلاثة أسئلة أخرى؛ ألا وهي:

(1) ما مقدار السلطة الكافي لتحفيز الطلاب؟

(2) ما مقدار القرارات التي يكون الطلاب على استعداد للتعامل معها؟

(3) كيف يعرف المعلمون أنهم قد أخلوا بالمسئولية التربوية المخولة لهم؟

   لم يكن لدي في أثناء تأليف الطبعة الأولى من هذا الكتاب إجابات واقعية، ومنذ ذلك الحين، كنتُ آمل أن تُتاح إجابات أفضل خلال تلك السنوات، إلا أنه لا يزال يتعين على الأبحاث التربوية، المعنية بالتدريس المتمركز حول المتعلم، الإجابة عن هذه الأسئلة إجابة موضوعية بالرغم من أهميتها.

(4-1) ما مقدار السلطة الكافي لتحفيز الطلاب؟

   إذا كان التمتع بالسلطة (حيال اتخاذ القرارات كما يقترح هذا الفصل مثلا) يحفز المتعلمين، فما مقدار السلطة التي يستلزمها هذا الأمر؟ بالنسبة إلى المحاضرين الذين يستعينون بهذه الأساليب يُمكن الإجابة عن هذا السؤال بطريقة عملية؛ حيث بإمكانهم أن يمنحوا الطلاب سلطة تقديرية لاتخاذ القرارات، ويلاحظوا مدى تأثير الحافز لديهم على التعلم، وتوقيت حدوث هذا. وتشير بعض الأبحاث التي ألقى الفصل الثاني الضوء

الصفحة 142

توازن السلطة

  عليها، إلى الإجابة؛ حيث تُسجِّل عدة دراسات درجات أفضل (وهو ما يوحي بتحقيق المزيد من التَّعلُّم) وتوجهات إيجابيةً أكثر كنتيجة لمنح قدرٍ مُتواضع جدا من السلطة التقديرية لاتخاذ القرارات( مثال على هذه الأبحاث: أرمبروستر وباتل وجونسون وفايس، 2009؛ جيه بي بي براون 2010؛ إس دي براون، 2010؛ جوسر وكامبماير وفارما-نيلسون 2010). وهذا ما شهدته تجربتي أيضًا بكل تأكيد. ولكننا بحاجة إلى ما هو أكثر من مجرد إجابات فردية؛ فنحن بحاجة إلى مبادئ وخطوط إرشادية يمكن الاستعانة بها لتحديد معايير ومواصفات مهنية.    

   والسؤال الخاص بمقدار السلطة المتعلقة باتخاذ القرارات التي تحفز طالبًا واحدًا مرتبط بسؤال عن الفترة الزمنية التي تستلزم إحداث تأثير إيجابي في الفرقة ككل. شعرتُ وكأنني أعدتُ توزيع القدر الكافي من السلطة لتحفيز معظم الطلاب، ولكن لم يؤثر هذا القدر تأثيرًا إيجابيًا على جميع الطلاب؛ فلا يزال هناك طلاب يرسبون في المواد التي أدرسها، ويختارون عدم بذل الجهد، أو يبذلون قدرًا ضئيلا من الجهد، لدرجة أنهم لا يتعلمون القدر الكافي الذي يجعلهم يجتازون المادة. وجدتُ نفسي أتساءل عما إذا كانوا بحاجة إلى المزيد من السلطة، أم تراني أعطيتُهم قدرًا مفرطًا من السلطة، أم أنهم رسبوا بسبب عوامل لا علاقة لها تمامًا بمشكلات السلطة والسيطرة؟ 

  أدى هذا المأزق إلى التساؤل عما إذا كان من الممكن منح الطلاب سلطة اتخاذ القرارات على نحو غير متساو، فهل يمكن منح بعض الطلاب قدرًا أكبر من السلطة، ومنح البعض الآخر قدرًا أقل، أم أنَّ هذا سيُخِلُّ بمبادئ المعاملة العادلة والمنصفة المكفولة لجميع الطلاب؟ والأهم، هل هذا ممكن من الناحية العملية، مع الوضع في الاعتبار عدد الطلاب في معظم الفرق الدراسية؟

(4-2) ما مقدار القرارات التي باستطاعة الطلاب التعامل معها؟

يجب أن يكون هناك توازن بين مقدار القرارات اللازم لتحفيز الطلاب، وبين نضجهم الفكري وقدرتهم على العمل في ظل ظروف يتمتَّعون فيها بمزيد من الحريات ومزيد من المسئوليات كذلك. والسؤال هنا كيف يحدد المعلمون بموضوعية أي القرارات يكون الطلاب على استعداد لاتخاذها اعتمادًا على أنفسهم وأي القرارات يحتاجون فيها إلى توجيه المدرس وتقييمه؟

الصفحة 143

التدريس المتمركز حول المتعلم

  وهذا السؤال مهم لأنَّ الطلاب غير مُستعدِّين جيدًا لاتخاذ قرارات بخصوص عملية التعلم، وعادةً ما يُسارع المعارضون لأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم بالإشارة إلى هذا السبب. وحتى فيما يتعلق بتلك الجوانب التي يُسيطرون عليها بالفعل، مثل تحديد طريقة الاستعداد لخوض الاختبارات، لاحَظَ مُعظم المعلمين أدلة على ضَعْف اتخاذ القرارات في مادة التواصل اللفظي والحلقات الدراسية المخصَّصة للفرقة الأولى خاصتي التقيتُ بطلاب كانوا يُعدُّون خطة أداء للاختبار التالي واشتملت هذه الخطة على إطار زمني وقائمة بالأنشطة التي استعانوا بها للاستعداد لخوض الاختبار، ولطالما كنتُ أتفاجاً بعدد الطلاب الذين يُخبرونني بأنها المرة الأولى التي يضعون فيها مثل هذه الخطة، ولطالما أحبطني عدد الطلاب الذين أفادوا بعد أداء الاختبار بأنهم لم يَتَّبعوا أي جزء من خطة الأداء، وفعلوا ما اعتادوا فعله؛ أي انتظروا حتى ليلة الامتحان، ثم حاولوا تعلم(أو بالأحرى حفظ) كل شيء يظنون أنهم بحاجة إلى معرفته.

   بالإضافة إلى افتقارهم للمهارات الدراسية الجيدة، يمتلك الطلاب قدرًا قليلا جدا من الخبرة بخصوص اتخاذ القرارات المرتبطة بعملية تعلُّمهم؛ فهم معتادون على تجارب تعليمية يقرّر فيها المعلمون كلَّ شيء، بدايةً من طول صفحة كل ورقة بحثية وحتى ما إذا كان الطالب يتمتَّع بالملكة الفكرية التي تؤهله للتخصص في مجال معين.

   فمن دون مهارات دراسية قوية وتجارب سابقة في اتخاذ القرار، تزداد احتمالات اتخاذ الطلاب (لا سيما المستجدين منهم) قرارات سيئة. فهل ينبغي للمعلمين أن يتركوا الطلاب يتخذون بعض القرارات السيئة على أمل أن يتعلموا منها؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما نوعية هذه القرارات؟ إنني أحظى، في كل فصل دراسي تقريبا، ببعض الطلاب الذين يشاركون بانتظام في محاضرات التواصل اللفظي خاصتي، ولكنهم لا يختارون النشاط المتعلق بتحديد واجباتهم الدراسية. وعندما أشير إلى أن إسهاماتهم هي بالضبط ما تنادي به السياسة المتبعة لدراسة المادة، بمعنى أن بإمكانهم الحصول على درجات بناءً على ما يقومون به فإنهم يكونون على استعداد دومًا للاعتراف بأنهم ارتكبوا خطأ. لا أتيح لهم هذا الاختيار بعد الاعتراف بهذه الحقيقة، ولكن ربما يجدر بي أن أتيح لهم هذا الاختيار. 

   إن عددًا قليلا من الأخطاء التي يرتكبها الطلاب في مادتي له عواقب خطيرة؛ كان لدي طالب رسب في المادة لأنه كان بحاجة إلى خمس وعشرين درجة لاجتياز المادة، وعندما جاءني في مكتبي متفاجئًا ومحبطاً سألته قائلة: «كم عدد الدرجات التي حصلت عليها؟» فأجابني قائلا: «لا أعرف لم أحسب الدرجات بَتَاتًا، ولكن لو عرفتُ أنني

الصفحة 144

توازن السلطة 

   ينقصني درجات، لكنتُ بذلتُ المزيد من الجهد.» جعلتني هذه التجربة أتساءل عما إذا كان يتعين على توزيع إجمالي عدد الدرجات على الطلاب خلال الفصل الدراسي ؛ حيث لم أظن أن هذا الأمر كان ضروريا؛ لأنني أعطيتهم جدولاً يحتوي على درجات كل واجب دراسي، وفي كل مرة أعدُّ لهم واجبًا دراسيًّا أُذكِّرهم بأنهم إذا ما تتبعوا درجاتهم، فإنهم سيعرفون موقفهم بالضبط من التحصيل الدراسي للمادة، ومعظم الطلاب لا يواجهون مشكلة مع هذا النظام. في الواقع، يخبرني الطلاب باستمرار إلى أي مدى يناسبهم هذا النظام؛ فمستوى أدائهم في المادة الدراسية ليس لغزًا غامضًا، وهذا يسهل عليهم التركيز على الجهد الذي تستلزمه دراسة المادة.

   ومع ذلك، فإن رد فعل هذا الطالب الذي كان بحاجة إلى خمس وعشرين درجة لاجتياز المادة، تسبب في شعوري بذعر بالغ؛ هل كانت متابعة درجاته تفوق مستوى قدراته، أم أنه كان مجرد طالب كسول وغير مسئول؟ ولا أعرف كيف يحدد المعلمون شيئًا كهذا قبل حدوثه أو بعد حدوثه. ويُوضّح هذا المثال أيضًا مأزق الفرد في مقابل الفرقة بأكملها. ماذا عن تلك المواقف التي يستطيع فيها أغلب طلاب الفرقة أن يتعاملوا مع اتخاذ القرارات أو الإمساك بزمام السيطرة أو السلطة الممنوحة لهم، بينما لا يستطيع بعض الطلاب الآخرين القيام بذلك؟ هذه الأسئلة لها جانب عملي وجانب نظري، ونحتاج إلى معرفة إجاباتها.

(4-3) كيف يعرف المعلمون أنهم قد أخلُّوا بالمسئولية التربوية المخولة إليهم ؟

  مثلما ذكرتُ بالفعل، يرى أولئك الذين يكتبون عن المتعلمين المستقلين المتسمين بالتوجيه الذاتي أن المعلمين ينسحبون في النهاية من عملية التعلم. ومع ذلك، فالمعلمون غير مضطرين إلى التقاعد في هذه المرحلة؛ فمعظم طلابنا تفصلهم سنوات عن إتقان المهارات والتحلي بالنضج الفكري اللازمين لتحمل المسئولية كاملةً عن عملية تعلمهم، ولكن الفكرة الأساسية هي أنه في النهاية لا توجد مسئوليات مخولة في الوقت الراهن للمعلم لا يمكن التنازل عنها وتفويضها للمتعلمين. وهكذا فإننا نُخلُّ بمسئوليتنا التعليمية، لا عن طريق ما نتنازل عنه من مسئوليات، وإنما عن طريق التوقيت الذي نختاره للقيام بهذه النقلة.

الصفحة 145

التدريس المتمركز حول المتعلم

  وبالوضع في الاعتبار مناقشتنا بخصوص الموضع الذي نبدأ منه مع معظم الطلاب، فإنه توجد جوانب يجب على المعلمين فيها أن يحتفظوا بقدر من السيطرة، وبالأحرى قدر كبير من السيطرة على سبيل المثال: بما أن الدرجات تُستخدم باعتبارها بوابة عبور للتجارب التعليمية التالية، مثل الالتحاق بأقسام الدراسات العليا والكليات المهنية، إذن على المعلمين أن يحتفظوا بقدر من السيطرة على المكونات الرئيسية الخاصة بعملية التقييم. وبالوضع في الاعتبار الطريقة التي يُرتَّب المنهج الدراسي وفقا لها في بعض المواد التخصصية والبرامج الدراسية، فعندما تُدرس المواد بتسلسل معين، وعندما يتفق أعضاء هيئات التدريس على أنَّ هناك موضوعات معينة تنتمي لمقررات دراسية معينة فسيكون تصرفًا غير مسئول من جانب المعلمين إذا ما تركوا الطلاب يغيرون محتوى المنهج الدراسي. وفي حالة الطلاب الجامعيين المستجدين الذين لا يزال أمامهم الكثير من مراحل التطوير، على المعلمين أن يحتفظوا بقدر كبير من السيطرة على تصميم الأنشطة الدراسية والواجبات الدراسية والنسق الخاص بها. إذن فمن وجهة نظر المعلم، بالإضافة إلى تقييمه لقدرة مجموعة من الطلاب على اتخاذ قرارات معينة، يجب عليه أيضًا أن يضع في اعتباره هذه المشكلات ذات السياق الأكبر.

   في بعض المواقف، من السهل ملاحظة أن المعلم تخلى عن السلطة وترك زمام السيطرة على نحو غير لائق. ذات مرة اضطررت إلى البحث عن مدرس بهيئة التدريس، ليحل محل زميل مريض، واعترض الطلاب بشدة على المدرّس الجديد الذي لم يحترم سياسات مدرس المادة قائلين: «نحن نقيم عمل مجموعتنا بأنفسنا.» لم أفهم ما كانوا يقصدون؛ فسألتهم: «أتقصدون أنكم تقيمون ما تقوم به المجموعات الأخرى، ثم يضعُ المعلم في اعتباره تقييمكم عندما يحين موعد تحديد تقدير تلك المجموعات؟» فأجابوني قائلين: «كلا، إننا نقيم المجموعات الأخرى وتعطيهم تقديرات، وتكون هذه تقديراتهم الدراسية.»وردا على هذا سألتهم: «ما المعايير التي تستخدمونها؟» وجاءت إجابتهم: «إننا نعطيهم التقدير الذي يستحقونه فحسب.» فسألتهم سؤالا آخر قائلة: «هل تمنحون أي مجموعة من المجموعات تقديرًا أقل من جيد؟» لتأتيني إجابتهم: «كلا، إننا لا نعطي تقديرات سوى ممتاز وجيد جدا.» ولا عجب أنهم رغبوا في استمرار تلك السياسة. 

   وفي الحالات الأقل مبالغةً تكون القرارات أكثر صعوبة؛ مما يُبرر عادةً إعادة التفكير في هذه المسئوليات الأخلاقية. يتحكّم معظم أعضاء هيئات التدريس في اتخاذ القرارات بشأن عملية التعلم بالكامل، لدرجة أن احتمالية تخليهم عن قدر كبير من السلطة بسرعة

الصفحة 146

توازن السلطة

   كبيرة جدا يبدو مستبعدًا للغاية. الأمر أشبه بخوف المعلمين من أنهم إذا ألقوا نكتة، فإنَّ ذلك يجعلهم مصدر «تسلية» بالنسبة إلى الطلاب؛ ومن ثم يخلوا بمصداقيتهم بصفتهم معلمين تربويين! بالطبع، الأمر يعتمد على الموقف، ولكنني لا أومن بأن الأمثلة المذكورة في هذا الفصل تخلُّ بالمسئوليات التربوية والتعليمية للمعلم.

  وددت لو أن بإمكاني تقديم إجابات حاسمة أكثر على الأسئلة المثارة في هذا الجزء، ولعلَّ طرح الأسئلة في حد ذاته أهم من اقتراح الإجابات «الصحيحة» لها، فهذه أسئلة يُمكن لأي عضو من أعضاء هيئات التدريس أن يطرحها بهدف الاستفادة أثناء دراستهم للتغييرات التي قد يُجرونها في هذا المجال. ولكن هناك أيضًا أسئلة يجب أن نجتمع لدراستها وبحثها، ما دام الملتزمون منا بالتدريس المتمركز حول المتعلم يسعون إلى تطوير قاعدة معرفية يجب أن ترتكز عليها ممارستنا المهنية.

   وفي الختام، يُغيّر التدريس المتمركز حول المتعلم موازين السلطة داخل قاعة الدراسة، فالأمر يتطلب أن يمنح أعضاء هيئة التدريس الطلاب بعض السيطرة على عمليات التعلم؛ ففي معظم قاعات الدراسة بالجامعات، يُحكم أعضاء هيئة التدريس قبضتهم على السلطة، ويستحوذون على النفوذ، ويُحكمون سيطرتهم، وكل هذا يقتصر عليهم وحدهم تقريبا. والحفاظ على هذا القدر من السيطرة هو ما يجعل التدريس يواصل تمركزه حول المعلّم، وهو ما يجعل الطلاب ينفصلون تماما عن عملية التَّعلُّم. يُمكن مشاركة السلطة مع الطلاب مشارَكةً قائمةً على الثقة، والقيام بهذا عادةً ما يُسفر عن نتائج مذهلة؛ فالمعلمون يتخلون عن السيطرة، ولكنها تعود إليهم مرةً أخرى على هيئة احترام من جانب الطلاب المحفزين والمشاركين في عملية التعلم، والمحبين لها أيضًا.

الصفحة 147



الفصل الخامس: وظيفة المحتوى 



  إذا كان تأثير السلطة على قرارات التدريس المتمركز حول المتعلم مبهما ويصعب تقديره فلمحتوى المادة الدراسية تأثير مباشر وواضح؛ حيث إن أساليب هذا النوع من التدريس أقل فاعلية من أساليب التدريس التقليدية القائمة على الحفظ والتلقين، كما أنها تستغرق المزيد من الوقت، وهو ما يُقلّل حجم المحتوى الذي يمكن تغطيته أثناء دراسة المادة، ويصعب معه على كثير من أعضاء هيئات التدريس الدفاع عن تلك الأساليب؛ فحجم المحتوى الخاص بالمادة الدراسية هو مسألة تمس مصداقية المحاضر، وسمعة البرنامج الدراسي، والمسئولية المهنية التي تقع على كاهل المعلمين. وإذا لم يُغطّ المحتوى المنصوص عليه في خطة المنهج الدراسي، فإن الطلاب يواجهون صعوبة في دراسة المواد التالية، بل الأسوأ من ذلك أنهم سيرسُبون في الاختبارات التي تشهد على تأهلهم لشغل وظائفهم المستقبلية. والمخاوف المتعلقة بالمحتوى ليست بشيء هين بالنسبة إلى مَنْ يُلزمون أنفسهم بتغطية المحتوى، وبالنسبة أيضًا إلى مَنْ يريد منا أن يُغير طريقة توظيف المحتوى لدراسة المواد. 

   يبدأ هذا الفصل بالرد على الآراء المترسخة عن المحتوى؛ ليس عن طريق التوصية بدراسة المواد دون تخصيص قدر كبير من المحتوى، وإنما عن طريق عرض الأسباب وراء اعتبار أن الآراء الحالية بخصوص تغطية المحتوى لم تعد منطقية. يستعرض هذا الفصل أيضًا كيف يتّسع مفهوم وظيفة المحتوى عندما تكون أساليب التدريس متمركزة حول المتعلم، كما يقدم الفصل مجموعة متنوعة من الأمثلة التوضيحية، ويُختتم بالأسئلة التي تثار عندما يضطلع المحتوى بدور عبر دراسة المادة. 

   قبل بضعة أشهر، أرسل إلى أحدهم نسخةً من حوار جرى على شبكة الإنترنت بين مجموعة من أعضاء هيئات التدريس الذين قرءوا الطبعة الأولى من هذا الكتاب؛ حيث

الصفحة 149

التدريس المتمركز حول المتعلم

  كتب أحد المشاركين يقول: «لقد واجهت جميع أنواع المشكلات فيما يخص الفصل الذي يتناول المحتوى؛ فتدريس محتوى أقل من شأنه أن يُقلّل من تماسك مناهجنا، ومن مستوى المعايير الأكاديمية، ويُضعف مستوى إعداد الطلاب لخوض حياتهم المهنية.» هل هذا ما سيُحدِثه تغيير وظيفة المحتوى؟ هل تخلُّ أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم بالمحتوى الذي يتعلمه الطلاب وبطريقة تعلُّمهم إياه ؟ لنضع هذين السؤالين في الاعتبار أثناء استكشافنا الدور المختلف للمحتوى في تجارب الطلاب التعليمية.

(1) ما الذي يحتاج إلى التغيير ؟

   ما يحتاج إلى التغيير هو طريقة تفكيرنا في المحتوى ولا سيما فكرة أن المحتوى هو شيء «نُغطّيه»، وافتراض أنه كلما زاد حجم المحتوى، كان ذلك أفضل دومًا. و«تغطية» المحتوى جزء متأصل من طريقة تفكيرنا وغير قابل للنقاش. كم مرة أبدينا تعليقات كهذه أو سمعناها؟ تعليقات على غرار: «اليوم سنُغطّي ...» «لقد غطيتُ تلك المادة العلمية قبل آخر امتحان مباشرةً.» «مع هذه التغييرات المنهجية علينا أن نقرر ما الذي سنُغطّيه في كل مادة دراسية.» «لا أصدق الكم الذي غطّته المعلمة من المحتوى منذ آخر امتحان!» 

   إن «تغطية» المحتوى هو تشبية مجازي؛ فنحن لا نُغطّيه بالمعنى الحرفي للكلمة، بل نتحدث هنا مجازيًا. ويوضح كلُّ من ويجينز وماكتايت (2005) ما يتضمنه هذا التشبيه المجازي بقولهما: «تُشير كلمة «تغطية» إلى شيء موجود على السطح، كمفرش السرير مثلا. وعند استخدام هذا التشبيه في مجال التدريس فإنه يوحي بشيء سطحي؛ فعندما «نغطي» المادة العلمية ... ينتهي بنا الحال إلى التركيز، دون قصد منا، على التفاصيل السطحية دون التعمق في أي من هذه التفاصيل» (ص 229). وكلمة «تغطية» تأتي كذلك بالمعنى الحرفي حين نقصد تغطية مساحة من الأرض؛ أي قطع مسافة محددة في سبيل رحلة ما ؛ «فعندما نتحدث عن تغطية مساحة كبيرة، سواء أكنا نقصد المعنى الحقيقي كمُسافرين، أو المعنى المجازي كمُعلمين، نكون قد قطعنا شوطا، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أننا استخلصنا أي معنى أو فكرة بارزة من «رحلتنا» هذه» (ص229).     

   والتغطية لا تساوي بالضرورة التعلُّم؛ وهو أمرٌ يُدركه معظم المعلمين، فـ «التدريس في حد ذاته لا يُسفِر أبدًا عن تعلُّم، وإنما المحاولات الناجحة من جانب المتعلم في سبيل التعلم . هي ما يُسفر عن تعلم حقيقي والتحصيل الدراسي يأتي نتيجة لنجاح المتعلم في جعل أسلوب التدريس المقدم له ذا مغزى وفائدة» (ويجينز وماكتايت، 2005، ص228).

الصفحة 150

وظيفة المحتوى

  إننا ندرك هذا الأمر، ولكن تغطية المحتوى صارت مسئولية المعلم على أي حال. ربما يُخفق الطلاب في تعلم أو استيعاب ما قُمنا بتغطيته، ولكن هذه مشكلتهم وليست مشكلتنا. ويمكننا أن نواجه أنفسنا وزملاءنا والعاملين في هذا المجال مُفصِحين عن أننا أنجزنا ما يُفترض بالمعلمين إنجازه، ولكن نادرًا ما نواجه أنفسنا بحقيقة أنه عندما يُسفر أسلوب التدريس عن قدر قليل من التعلم، أو لا يُسفِر مطلقا عن تعلم أي شيء، فإنه بذلك يحقق عددا قليلا من الأهداف، أو لا يُحقق أيا منها على الإطلاق.

   وبدلا من أن تكون تغطية المحتوى موضوعًا مطروحًا لنقاش ممنهج، فإنها عادةً ما تكون نقاشا جانبيًا لموضوعات مختلطة ومُتشابكة. فيدور النقاش حول كيف أخفقنا في الحفاظ على مستوى الأداء المرغوب فيه؛ غالبًا لأن الطلاب ليسوا متفانين في استيعاب المحتوى كما يجب عليهم أن يكونوا، وكيف يتسنّى لنا بأي حال من الأحوال أن ننتهي من شرح المحتوى كله قبل أن ينتهي الفصل الدراسي، ومعظم أعضاء هيئات التدريس على استعداد للاعتراف بأن المواد التي يدرسونها تتضمَّن كَمية مُفرِطة من المحتوى، والبعض يعترفون (استنادًا إلى عدد موضوعات النقاش المطروحة) بأنهم يودون أن يُقللوا حجم المحتوى الذي يغطونه، إلا أن هذه المناقشات لا تحظى بتأثير كبير على طريقة تفكيرنا في المحتوى، أو أسلوب استغلالنا للمحتوى في المواد التي ندرسها.

   ولم يُكتب عن هذا الموضوع بانتظام في الأدبيات التربوية، على الرغم من وجود بضعة استثناءات، فخلال السنوات التي تلت إصدار الطبعة الأولى من هذا الكتاب، نُشِرَت بعض المقالات المثيرة للاهتمام في دورية «ذا جورنال أوف أمريكان هيستوري»(وهي ليست دورية تربوية في حد ذاتها ولكنها تحتوي باستمرار على قسم للمقالات التي تتناول التدريس)، وقد تناولت هذه المقالات موضوع تغطية المحتوى في دراسة تمهيدية موجزة لمواد التخصُّص الدراسي. ويذكر أحد المقالات (سيبريس وفويلكر، 2011) أن «الانتقادات الخاصة بأسلوب التدريس الموجه نحو تغطية منهج مادة التاريخ، يزيد عمرها على قرن من الزمن.» ثم يُواصل المقال عرض «أصل أسلوب تغطية المنهج» (ص1051)، بداية من المخاوف التي أعرب عنها في أواخر القرن التاسع عشر. وفي مقال نشر عام 2006، كتب كالدر يقول: عندما أقول إن الدراسة التمهيدية الموجزة المثالية والموجهة نحو تغطية طريقة مضللة لتعريف الطلاب بجمال التاريخ وأثره البالغ، فأنا لا أقول شيئًا مُنْكَرًا أو مستجدا. ولكن الجمود يُصيب الأوساط التربوية على أية حال. وفي حين أن كل شيء يمس الدراسة قد تغيَّرَ - عُد بذاكرتك إلى تلك الأيام حين كان يُقصد بتكنولوجيا

الصفحة 151

التدريس المتمركز حول المتعلم

قاعة الدراسة الخرائط المنسدلة والسبورة السوداء-ظلت الأساليب العتيقة للتغطية المنهج كما هي على حالها»(ص1359).

 وهذا التغيير لا يتناول المواد الدراسية التي تخلو من محتوى قوي يمثل تحديا فكريا، وأقول هذا لأنني أشعر بالحاجة إلى تكرار التأكيد على ذلك الأمر، وإنما هذا التغيير مرتبط بتحدي التشبيه المجازي لتغطية المنهج؛ أي فكرة أن هذا النوع من التعلم، الذي نؤيده، يحدث عندما «يغطي» أعضاء هيئة التدريس المحتوى عن طريق تلقين الطلاب. ويقول فينكل (2000) إن «تلقين الطلاب بدقة ووضوح شيئًا لم يكونوا يعرفونه من قبل» هو بالنسبة إلى أعضاء هيئات التدريس«أسلوب أساسي للتدريس» (ص2). وهذه هي طريقة التفكير التي بحاجة إلى التغيير. إنَّ اعتبار المحتوى شيئًا موجودًا «لتغطيته»، يجعلنا لا نستغل المحتوى بطرق تشجع التعلُّم أو تنمي مهارات التعلم المهمة.    

   يقترح التشبيه المجازي المعارض أن «يكشف المعلمون الغطاء» عن المحتوى، فكما تقول العبارة المكتوبة أسفل رسم كاريكاتوري لأستاذ يقف مباشرة أمام سبورة سوداء مكتوب على أحد جانبيها أجزاء من مسألة: «ليس هدفك هو تغطية المحتوى، وإنما كشف الغطاء عن جزء منه.» وعلى الرغم من أن هذا التشبيه المناقض يصفُ بدقة جوهر فكرة التدريس المتمركز حول المتعلم حيال المحتوى فإن التغيير الضروري يصير أوضح إذا ما وضعنا التشبيهات المجازية بجميع أنواعها جانبًا. فالأمر لا يتعلق بتغطية المحتوى وإنما يتعلق باستغلال ذلك المحتوى لتحقيق هدفين، فنحن نستغل المحتوى لنطور قاعدة معرفية، كما يتعين علينا دومًا. ولا يتعين على الطلاب أن يدرسوا مواد خاصة بعلم الأحياء أو علم الاجتماع أو الفيزياء، أو أي تخصُّص آخر مُدرَج في شهاداتهم التعليمية وهم لا يعرفون شيئًا عن هذه المجالات. كما أننا نستغلُّ المحتوى لتنمية مهارات التعلم التي يحتاج إليها الطلاب على مدار حياتهم التعليمية التي تنتظرهم بعد إنهاء الدراسة الجامعية.

   ثمة افتراض مرتبط بالتدريس المتمركز حول المتعلم ومُناقض له على حد سواء؛ أَلَا وهو: كلما زاد حجم المحتوى كان ذلك أفضل دائما تزدحم المناهج الدراسية، «الجيدة» بالمحتوى، حتى في جامعات البحث العلمي - حيث تكثر الخطايا التربوية – ثمة خطأ تدريسي يجدر تجنبه: ألا وهو:تدريس المواد بكمية كبيرة من المحتوى المعقد، كان كتاب مادة «مقدمة إلى علم الكيمياء» التي درستها يتكون من 838 صفحة، وبلغ حجم صفحات هذا الكتاب21,59 سنتيمترا ×27,59 سنتيمترًا، وكتب المحتوى داخله بخط بلغ حجمه

الصفحة 152

وظيفة المحتوى

نقاط. كان كتابًا ضخمًا، وقد انتهينا من دراسة ثلاثة أرباعه فقط، على الرغم من أن دراسته كانت أشبه بخوض سباق ماراثون مُرهق.

   والسؤال الذي ينبغي أن نطرحه بشأن المحتوى ولكننا لا نطرحه أبدًا هو: ما الحجم الكافي؟ وهو سؤال غاية في الأهمية حين نسأل عن دراسة مواد تمهيدية موجزة، تمثل من الناحية النموذجية التعامل الوحيد للطلاب مع أحد التخصصات الدراسية. إن استعراض أي تخصص دراسي خلال خمسة عشر أسبوعًا أشبه بالتحليق فوق المحتوى على ارتفاع شاهق وبسرعة فائقة. وتنقسم هذه المجالات التخصُّصية إلى مجالات فرعية واختصاصات أخرى، وأحيانًا تنقسم إلى تخصصات دراسية جديدة تمامًا.

   ماذا لو كانت محاولاتنا لتقديم مجالاتنا الدراسية إلى الطلاب تحظى بخصائص تقديم الأفراد بعضهم لبعض تقديمًا جيدًا ؟ فالتقديم الجيد لشخص ما يَمنحُكَ بضعة تفاصيل تجعل ذلك الشخص يبدو مثيرًا للاهتمام بالنسبة إليك بمعنى أنك تراه شخصا تود مقابلته، وربما التعرف عليه أكثر. والتفاصيل المثيرة للاهتمام جزء متأصل من كل تخصص دراسي؛ ولهذا السبب نحب تخصصاتنا حبًّا جما. كما أن التقديم الجيد يحدد بعض النقاط المشتركة بين الطرفين؛ على غرار: «كلاكما ينتمي إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة.» «وكلٌّ منكما يشارك الآخر اهتمامه بالنبيذ الذي تنتجه شركة نورثويست.» «كما أنَّ لكما عددًا من الأصدقاء المشتركين» مثل هذه النقاط المشتركة تسهل بدء الحوار على نحو أكبر، وبالطريقة نفسها يُمكننا أن نربط بين الطلاب والمحتوى الذي تدرسه لهم. إليك هذه المقدمة: «ستُثير مادة الكيمياء اهتمامكم؛ لأنكم تلتهمون عدة مواد كيميائية متنوعة كل يوم. كم واحدًا منكم يتناول حبوب الإفطار ؟ هل سبق لكم أن قرأتم قائمة المكونات الموجودة على العلبة؟ تلك الكلمات التي لا تستطيعون تهجيها، إنها كيماويات، أليس كذلك ؟ ما هي ؟ وهل ينبغي لكم أن تتناولوها على وجبة الإفطار ؟» إنني أعيد صياغة هذه المقدمة الرائعة لمادة الكيمياء، والتي سمعتها ذات مرة في إحدى المحاضرات. أما المقدمات السيئة فهي تلك التي تسرد قصة حياة المرء بأكملها، وتشتمل على مئات التفاصيل التي يبدو الكثير منها غير مثير للاهتمام أو غير ذي أهمية من الأساس. 

    لقد أحببتُ محتوى مادة الكيمياء التي درستها؛ حيث إنها جعلتني أفهم الأساسيات الخاصة بظاهرة الاحتباس الحراري، وظاهرة استنزاف طبقة الأوزون. وأعددتُ مشروعي البحثي للتخرج في نهاية الفصل الدراسي عن الأمطار الحمضية في منطقة جبال آدير ونداك. لقد عرفت السبب وراء ضرورة قيادة سيارة اقتصادية وتجديف القوارب خاصتنا، ولكنني

الصفحة 153

التدريس المتمركز حول المتعلم

  كثيرا ما شعرتُ أنني الطالبة الوحيدة في قاعة الدراسة التي ترى العلاقة بين الكيمياء والحياة اليومية، أما باقي الطلاب فكانوا يَدرُسون المادة من أجل اجتيازها بصفتها مادةً إجبارية بالنسبة إليهم. وبحلول الوقت الذي انتهوا فيه من دراسة مادة الكيمياء، وبعد أن تعرفوا عليها ، أدركوا أنها لم تُعجِبْهم؛ ومن ثَمَّ باعوا كتابها، وتمنوا أن ينسوا كل شيء ربما تعلموه فيها. ولا يُمكننا أن نتحمل المشكلات الخطيرة الناجمة عن انتهاء الطلاب من دراسة مادة الكيمياء أو الأحياء أو علم النفس أو الاقتصاد أو أي تخصص دراسي آخر دون تحصيل شيء من هذه الدراسة سوى أقل قدر من المعرفة، والخروج بتوجهات من ذلك النوع.

   ما الحجم الكافي للمحتوى؟ هذا السؤال ليس مجرد سؤال مرتبط بالمواد غير التخصصية؛ وإنما هو سؤال مرتبط بكل مادة نُدرّسها، كما يجب علينا أن نطرح هذا السؤال عند تدريس برامجنا الأكاديمية والمواد الإجبارية للحصول على شهادة إجازة مزاولة المهنة. وعلى الرغم من أن السؤال ذو صلة بالموضوع، فإن عددا قليلا للغاية من المعايير، إن وُجدت من الأساس، يوفر خطوطًا إرشادية تُساعد أعضاء هيئات التدريس على تحديد الحجم المناسب للمحتوى. لنضع جانبًا الافتراض القائل بأنه كلما زاد حجم المحتوى كان هذا أفضل للطلاب، ولن يكون لدينا أدنى فكرة عن حجم المحتوى الكافي لتدريس أي مادة. إنها ليست بمُناقشة لم نطرحها من قبل فحسب، وإنما هي مناقشة تأخر طرحها طويلًا؛ وذلك للأسباب التي ستستكشفها في القسم التالي.

    ما الذي يحتاج إلى التغيير ؟ الإجابة عن هذا السؤال بسيطة؛ ألا وهي: طريقة تفكيرنا في المحتوى لماذا لا تتغير هذه الطريقة؟ والإجابة عن هذا السؤال ليست بسيطة؛ إذ لا يمكننا أن نُغيّر شيئًا لم نفكّر فيه قط أو لم نتحدث عنه على نحو موضوعي. لقد خلطنا بين تغطية المحتوى وعنصرين آخرين؛ ألا وهما: هُوية المدرس وشمعة المادة. وإذا ما غيرنا وظيفة المحتوى، فإننا نخاطر بالمساس بمصداقية كلا العنصرين الآخرين. المحتوى هو شيء نعرفه ونحبه، فلماذا نرغب في تدريس قدر أقل منه بأي حال من الأحوال؟ ثمة أسباب، ودعونا نرى ما إذا كانت مقنعة أم لا.

(2) لماذا يجب أن تتغير طريقة تفكيرنا ؟

يجب أن تتغير طريقة تفكيرنا في وظيفة المحتوى؛ وذلك لعدة أسباب، بدءًا من حقيقة (وهي حقيقة فعلا) مفادها أن تغطية المنهج فحسب لا تشجع التعلم العميق والمستمر.

الصفحة 154

وظيفة المحتوى

  ويُبدي كارفاليو (2009) ملاحظة في محلها :قائلا: «نحن - بصفتنا مُعلمين – منشغلون بالتأكد من أننا نقدم للطلاب أكبر قدر من المعلومات المتاحة، متجاهلين عادةً إلى أي مدى يكون طلابنا قادرين على تطبيق هذه المعلومات على أرض الواقع؛ إذ يخطط المعلمون لاستغلال وقتِ محاضراتهم لصالح تغطية المادة العلمية تغطية شاملة على حساب توفير فرصة التعلم والتطبيق العملي»(ص132-133).   

   تثبت الأبحاث أنه عندما يواجه الطلاب طوفانًا من المعلومات، فإنهم يتذكَّرون التفاصيل ويسترجعونها أثناء أداء الاختبارات، ثم ينسونها بعد ذلك غالبًا. «لقد أثبتت الأبحاث التربوية على مدار الخمس والعشرين سنة الماضية، بما لا يدع مجالا للشك، حقيقة بسيطة: ألا وهي: ما يُنقل إلى الطلاب عن طريق المحاضرات لا يختزن في ذاكرتهم لوقت طويل، استرجع تجربتك الشخصية، ما الذي تتذكَّره من كل ما تعلمته في المرحلة الثانوية والمرحلة الجامعية؟» (فينكل، 2000، ص3).

   لخُلقِ نظرةً على مثال واحد مميز من الأبحاث؛ حيث أجرى باكون وستيوارت (2006) دراسة على طلاب متخصصين في مجال التسويق، ويدرسون مادة سلوك المستهلك؛ وهي مادة في مجال دراستهم المختار، تبدو ممتعة وذات محتوى وثيق الصلة بالممارسة المهنية، وباستخدام منهج الدراسة الممتدة الممتع، وجد الباحثان أن معظم المحتوى الذي تمت تغطيته لدراسة المادة قد نُسِي بعد مرور عامين. ومن بين مجموعة من التوصيات، اقترحا أنه يتعين على أعضاء هيئات التدريس أن يضحوا بطول المحتوى لصالح التركيز على عُمق ذلك المحتوى. وتوصلا إلى ما يلي: «من الأهمية بمكان تذكَّر أنه على الرغم من أننا نكره «التخلي عن» بعض الموضوعات المفضّلة لدينا، فإن الموضوعات التي تغطّى بصورة عابرة فقط لا تُختزن بطريقة ذات مغزى؛ وهكذا نكون قد تخلينا عنها بالفعل، كلُّ ما في الأمر أن هذا لم يكن واضحًا. ومن أجل تجنب التخلّي عن كل شيء، يجب علينا تغطية عددٍ قليل من الموضوعات المهمة بمزيد من العمق» (ص189).

   ولا يحتاج أغلبنا إلى قائمة طويلة من المراجع التي توثق قدر المحتوى الذي ينساه الطلاب بعد الانتهاء من دراسة المادة، إننا نرى الأدلة والبراهين بأنفسنا؛ فعندما نطلب من الطلاب، بعد مرور أسبوعين على اختبار المادة تذكَّرَ مصطلح «تعلموه»، يبدو عليهم الارتباك، ويظنون أنهم ربما سمعوا المصطلح من قبل، ولكن الصمت يطول في محاولة منهم لتذكَّر ماذا يعنيه ذلك المصطلح بالضبط، واسترجاع الصلة التي تربطه بما نتحدث عنه الآن. ويتكرر الشيء نفسه عند دراسة المادة التالية في سلسلة المواد الأساسية؛ حيث

الصفحة 155

التدريس المتمركز حول المتعلم

  يجلس أمامك الطلاب الذين حصلوا على تقديرات ممتاز وجيد جدا في المادة الإجبارية التي تُعتبر شرطًا أساسيا لدراسة المواد التالية، وحين تطرح سؤالاً يستفسر عن معرفتهم السالفة لمعلومة معينة، ستكون سعيد الحظ إذا ما وجدت طالبًا يجازف ولو بالتخمين فتغطية المحتوى لا تُنمّي القاعدة المعرفية أو تُنمي مهارات التعلم التي يحتاج الطلاب إلى اكتسابها من تجربة التعليم العالي؛ وهذا هو أهم سبب وراء ضرورة التفكير في قيامنا بشيء حيال المحتوى بخلاف تغطيته، ولكن ليس هذا السبب الوحيد. 

   ففي الوقت الحالي، يوجد قدر كبير جدًّا من المحتوى لتعليم الطلاب كل شيء يحتاجون إلى معرفته عن أي شيء، وتزداد المعرفة باستمرار وبأضعاف مضاعفة في مجالات تخصصنا؛ فبعد الانتهاء من الدراسة الجامعية، يظلُّ الطلاب يتعلمون طوال حياتهم. عندما التقيتُ بنابر (وايمر، 1988) لأول مرة في مقابلة شخصية للحديث عن کتاب ألفه، بالتعاون مع كروبلي، تحت عنوان، «التَّعلم مدى الحياة في مرحلة التعليم العالي» (1985. متوافر الآن في طبعته الثالثة، 2000) ؛ وصَفَ طريقة تفكيرنا في تعليم الطلاب ما يحتاجون إلى معرفته بأنها أشبه بـ «التعليم عن طريق التطعيم»، موضحًا أن إعطاء الطلاب «جرعة» من المحتوى على أمل أن يكون هذا كلَّ ما يحتاجون إليه، هو طريقة معيبة للتفكير. يجب أن يتخرج الطلاب من الجامعة وهم مدركين فكرة «تعلم» المحتوى بنفس قدر استيعابهم للمحتوى نفسه. 

   كما أن أعضاء هيئات التدريس لطالما افترضوا أن الطلاب يلتقطون مهارات التعلم التي يحتاجونها أثناء عملية التعلم بمعنى أنهم أثناء حلّهم للمسائل يُنمون مهارات حل المسائل، أو عندما يلاحظون أحد أعضاء هيئات التدريس يفكر بطريقة نقدية، فإنهم يستنتجون أنها الطريقة التي يتعين عليهم التفكير بها. وهذا هو السبيل الذي معظمنا لكي نصير متعلمين متمرسين، ولا يزال هذا هو السبيل الذي يسلكه بعض الطلاب أيضًا. يميل هؤلاء الطلاب لأن يكونوا أذكى الطلاب، ومعظمنا يعرف حق المعرفة أن هؤلاء لا يُمثلون أغلبية الطلاب الجامعيين اليوم، فجميع الطلاب (حتى الأذكياء جدا منهم) يُنمون مهارات التعلم على نحو أفضل حين تُدرس لهم مباشرة كيفية تنمية مهارات التعلم المرغوب فيها؛ أي عندما لا تُترك تنمية هذه المهارات لمحض الصدفة، وإنما تدمج باعتبارها جزءًا مقصودًا وهادفًا من عملية التدريس. فالمعلمون الذين يتبعون أسلوب التدريس المتمركز حول المتعلّم يُنمون القاعدة المعرفية والمهارات التي يحتاج إليها المتعلمون المتمرسون.

الصفحة 156

وظيفة المحتوى

  بالإضافة إلى عدم فاعلية تغطية المحتوى والقدر المتاح لتدريسه من المنهج الدراسي، والحاجة إلى التدريس الهادف إلى تنمية مهارات التعلُّم مباشرة، يوجد سبب أخير وراء ضرورة تغيير التوجه حيال اعتبار المحتوى شيئًا يجب تغطيته؛ ففي الوقت الراهن، تتيح التكنولوجيا كميات هائلة من المحتوى؛ حيث لم أعد بحاجة إلى الذهاب إلى المكتبة فيُمكنني تتبع جميع المقالات التي أريد قراءتها عبر شبكة الإنترنت، والكثير من هذه المقالات تحتوي على روابط خارجية تقودك مباشرةً إلى المصادر. وإذا قرأتُ لمؤلّف أعتقد أن أعماله ذات مستوى جيد، فالبحث السريع يعرض الأعمال الأخرى التي ألفها، فالفوارق التي أحدثتها التكنولوجيا مذهلة، كما أنها أثارت أيضًا سلسلة كاملة من الأسئلة المتعلقة بوظيفة المحتوى في المواد الدراسية والتعليم الجامعي.

   فحجم المعرفة المتاحة، بالإضافة إلى سهولة الوصول إليها، يعنيان أن المتعلمين بحاجة إلى تنمية مهارات إدارة المعلومات؛ حيث تقودنا محركات البحث الفعالة إلى أي شيء قد نرغب في معرفته، ولكنها لا تقودنا دومًا إلى أفضل المعلومات. إذن، كيف نصل إلى تلك المعلومات؟ ما الذي يفصل المصادر المعتمدة عن تلك المصادر غير المعتمدة؟ كيف نعرف أن لدينا القدر الكافي من المعلومات؟ كيف يمكن تنظيم كميات المعلومات الهائلة المتاحة في أي موضوع تقريبًا؟ وكيف يُمكن دمجها، بل جعلها مفيدة أيضًا؟ 

   تتسم بعض الأسئلة التي أثارتها التكنولوجيا بكونها فلسفية أكثر، فهل سهولة الوصول إلى المعلومات تعني أنَّ الأمر قد ينتهي بمعرفة الطلاب قدرًا أقل؟ هل عليهم أن يعرفوا تاريخ صفقة لويزيانا أو ما تبعها من مقتضيات ما دام يمكن التوصل إلى الإجابة عن هذين السؤالين في غضون ثوان؟ ويعارض سانجر (2010)، الشهير بكونه أحد المشاركين في تأسيس موسوعة ويكيبيديا، فكرة معرفة قذر أقل؛ فعندما كتب سانجر عن موضوع بخصوص شبكة الإنترنت ذكر أن المعلومات التي يمكن الوصول إليها لا تغير ما يتطلبه الفهم والاستيعاب. «إن التحلي بالقدرة على قراءة «أي شيء» بسرعة عن موضوع ما (أو الاطلاع عليه)، يُمكن أن يوفّر للمرء المعلومات، إلا أن اكتساب المعرفة أو استيعاب الموضوع يتطلب دومًا دراسةً نقدية. ولن تُغيّر شبكة الإنترنت من هذه الحقيقة مطلقاء (ص16)

   أما فيما يتعلق بما إذا كانت هذه الأسباب مقنعة أم غير مقنعة، فأجد أن من الصعب تخيل أسباب أقوى من تلك التي ذُكرت للتغيير، غير أن هذه الأسباب (التي يعرفها معظم أعضاء هيئات التدريس) لم تغير ما تقوم به الأغلبية حين يُصممون المناهج الدراسية

الصفحة 157

التدريس المتمركز حول المتعلم

  ويُدرسونها، ومعظم أعضاء هيئات التدريس لا يُرجّحون اختيار كتب دراسية أصغر حجمًا، أو اختيار قدر أقل من المنهج لتناوله في المحاضرات. لقد أشرتُ إلى ما يجعل المدرسين يواصلون التركيز بشدة على المحتوى، إلا أننا بحاجة إلى استكشاف ذلك التوجه بمزيد من التفصيل.

(3) لماذا لا تتغير طريقة تفكيرنا ؟

   يبدأ الشعور بالالتزام والولاء تجاه المنهج في كليات الدراسات العليا؛ حيث إن العمل لسنوات طوال على تدريس المنهج يزيد من المعرفة بالمحتوى بصورة شبه حصرية. فالمعلم الأكاديمي النموذجي يبدأ مشواره المهني ويُنهيه بمعرفة قدرٍ هائل من المحتوى، ومعظم الأكاديميين يبدءون مشوارهم المهني وينهونه بحبهم لمادتهم العلمية حبًّا جما. كما أن المعلم الأكاديمي النموذجي يبدأ حياته المهنية ويُنهيها بقدر قليل جدا من المعرفة عن أساليب التدريس والتَّعلُّم في حدّ ذاتها ( وبالطبع توجد استثناءات). جزء من تلك المعرفة يتراكم على طول الطريق، إلا أن معظم ما يُعرَف عن أساليب التدريس والتَّعلُّم يتضاءل مقارنةً بمحتوى المادة الدراسية في حد ذاته (وأكرر مرةً أخرى: مع وضع الاستثناءات في الاعتبار)

   ونظرًا لأننا نشعر بالراحة حيال ذلك المحتوى، فإننا ننجذب نحوه؛ فنحن نستوعب المفاهيم، ويُمكننا شرح كيف تؤتي ثمارها، ولماذا تمثل أهمية، وما الذي يجعلها رائعة فعلا. ولكن حاول أن تشرح التفكير النقدي؛ أي ما هو التفكير النقدي؟ ولماذا يتّسم بالأهمية؟ وكيف تمارسه؟ فعندما تُكتسب المعرفة من الممارسة العملية وتتَّسم التصرفات بكونها ذات طابع آلي (كما هي الحال مع التفكير النقدي بالنسبة إلى معظم الأكاديميين)، فإنه ليس من السهل على الإطلاق تعليم أحدٍ كيف يكتسبها؛ ولهذا السبب يتمسك الكثير من أعضاء هيئات التدريس بما يعرفونه حقٌّ المعرفة، وما يُحبونه بشدة. 

   إلا أن الشعور بالالتزام والولاء تجاه المحتوى يعتمد على ما هو أكثر من مجرد تمنِّي تفادي التدريس خارج منطقة الراحة خاصتنا. وكما ذكرنا من قبل، فقد صار المحتوى أداةً لقياس مستوى مصداقية كلُّ من المادة الدراسية ومعلم المادة؛ فوجود قدر كبير من المحتوى الصعب بالمادة يُكسب المادة سمعةَ الصَّرامة والجدية على المستوى الأكاديمي، وتقليل المحتوى - بأي قدر كان - يأتي في منزلة مساوية لخفض مستوى المعايير، وتراجع مصداقية المعلم. هذه مُخاطرة، وعدد قليل للغاية من أعضاء هيئات التدريس

الصفحة 158

وظيفة المحتوى

  (منهم الأساتذة المتفرغون) على استعداد لخوضها. وفي تلك المناقشات الجانبية، قد يتقبل أعضاء هيئات التدريس المبدأ المنادي بالحاجة إلى تغيير وظيفة المحتوى، ولكن ما دام التوجه الحالي حيال المحتوى هو السائد، فإنهم لن يرغبوا في المبادرة بتغيير الطريقة التي يُوظف بها المحتوى في المواد التي يُدرسونها. وثمة بعضُ المخاوف المبررة في هذا المقام.   

   إذا كانت المادة جزءًا من سلسلة مواد أساسية وتُدرَّس في تخصص دراسي يعتمد فيه المحتوى الجديد على محتوى سابق (مثل مادة الرياضيات)، فإن تغطية عشرة فصول فقط بينما تبدأ المادة التالية في سلسلة المواد بالفصل الثالث عشر، ستضر بمصلحة الطلاب، وإذا كان اختبارُ إجازة مُزاولة المهنة، الذي يجب على الطلاب اجتيازه ليصيروا ممرضين معتمدين، يشتمل على أسئلة معرفية بخصوص وظائف الكلى المتنوعة، وقرَّرَ أعضاء هيئات التدريس تغطية موضوع الكليتين على نحو أقل شمولاً؛ فربما يُخفِق الطلاب في الإجابة عن تلك الأسئلة وغيرها من الأسئلة؛ ممَّا يُسفر عن الرسوب في هذا الاختبار، وهذا يعرض سُمعة البرنامج الدراسي للخطر.

   إنني حقا أحذر من التجارب الانتقالية التي يجد فيها أعضاء هيئات التدريس أن الأسباب التي تدعو إلى تغيير طريقة التفكير في تغطية المحتوى شديدة الإقناع، وتدعوهم إلى المخاطرة واختيار عدم تغطية نصف الكتاب الدراسي. ربما يكون المحتوى الموجود في المقرر الدراسي ضعفَ ما ينبغي أن يكون عليه، لكن إلى أن تكون لدينا – على مستوى الأفراد والجماعات - إجابات عن السؤال الخاص بتحديد القدر الكافي من المحتوى، وإلى أن يواجه عدد أكبر من أعضاء هيئات التدريس والتخصصات الدراسية والبرامج الدراسية الطريقة السائدة للتفكير في المحتوى، فإنه من المفيد أن نتحلى بالقدرة على إطلاق الأحكام السديدة حيال ما يبقى من المقرر الدراسي وما يُحذف منه. 

   ومع ذلك، لا أريد أن أمنح أحدًا عذرًا للاستمرار في تغطية المحتوى دون التفكير فيما يُنجز، ولماذا يُنجز على هذا النحو ؛ فحتى إن كانت المقررات الدراسية التي يتم تدريسها تعد جزءا من سلسلة مواد أساسية أو مقررات دراسية في برنامج دراسي تكون فيه كمية المحتوى خاضعةً لما تمليه اختباراتُ مُزاولة المهنة، فإنَّ باقي هذا الفصل يقترح طرقًا للاستعانة بالأساليب المتمركزة حول المتعلم - حتى ولو في إطار زمني محدود جدا - وطرقا لإدارة وقت المحاضرة بمزيد من الفعالية وطرقًا لجعل الطلاب يتحملون المزيد من المسئولية تجاه تعلُّم المادة العلمية اعتمادًا على أنفسهم. وبإمكان المعلمين أن يزيدوا أو يُقللوا من السير في اتجاه استغلال المحتوى بدلا من تغطيته، المهم في الأمر أن يَشْرعوا

الصفحة 159

التدريس المتمركز حول المتعلم

  في التحرُّك. إِنَّ مُواصَلةَ اتباع التوجه المعني بالتركيز على المحتوى، كما هو حالنا الآن، تُؤثر بالسلب على مصداقية المنشأة التعليمية كثيرًا؛ أكثر مما سيؤثر تقليص حجم المحتوى.

(4) كيف يؤدِّي المحتوى وظيفته في مادةٍ تُدرس بالأسلوب المتمركز حول المتعلم؟

      في المواد التي تُدرس بالأسلوب المتمركز حول المتعلم، تتمثل وظيفة المحتوى في تحقيق هدفين؛ هما: بناء قاعدة معرفية، وتنمية مهارات التَّعلُّم. ومن أجل بناء قاعدة معرفية، يختار المعلمون الذين يَتَّبعون هذا الأسلوب من التدريس الاستعانة بالاستراتيجيات التعليمية التي تشجع التعلُّم العميق والدائم، فهؤلاء المعلمون يُريدون من الطلاب أن يفهموا المحتوى؛ بحيث تزداد احتمالية تذكَّرهم للمنهج وسهولة تطبيقه على أرض الواقع. وبالوضع في الاعتبار الأبحاث التي أُلقي الضوء عليها في الفصل الثاني، يدرك المعلمون أن أفضل طريقة لتشجيع التعلُّم العميق تكون عن طريق السماح للطلاب باستخدام المحتوى لإنجاز عمل على نفس مستوى ما تم إنجازه في التخصص الدراسي؛ ومن واقع هذه التجارب، يتعلم الطلاب كيف يفكرون مثلما يفعل المتخصصون في المجال.

    معظمنا يعرف بالتجربة المباشرة أن المبتدئين لا يفكّرون في المحتوى أو يستغلونه بطريقة المحترفين نفسها؛ وهذا يعني أنه يجب على المعلمين أن يكونوا واقعين بخصوص مستوى العمل الذي سيُؤدِّيه الطلاب في التخصص الدراسي. ويكتب كالدر (2006) عن طلابه في مادة مقدمة تمهيدية للتاريخ يقول: «هل يمكن للطلاب المستجدين أن يتعلموا التاريخ بطريقة المحترفين نفسها؟ بالطبع لا، ولكن دراساتي توصلت إلى أن بإمكانهم تعلُّم تطبيق مجموعة أساسية من الخطوات الضرورية لتنمية عقلية واعية بالتاريخ» 

( ص 1364).

    عندما يتعلم الطلاب عن طريق استخدام المادة العلمية، يواجه المعلمون فوضى في عملية التعلم؛ ففي محاولاتهم الأولى لممارسة النقد الأدبي أو استخدام الطرق العلمية أو تحليل دراسة حالة، يرتكب الطلاب جميع أنواع الأخطاء، ومعظمها أخطاء فادحة. وقد يصعب على الخبراء التعامل مع ذلك النوع من عدم الكفاءة. هذا الأسبوع كنتُ أحاول تعليم أخي الذي يعاني من إعاقة في النمو كيف يستخدم السكين لتقشير التفاح بمزيد من الحرص وبأمان. حاولت ألا أصرخ فيه وأنا أقول له:«كلا! ليس هكذا! ستقطع إصبعك.»

الصفحة 160

وظيفة المحتوى

  كيف أجعله يفهم ؟ ما وجه الصعوبة البالغة فيما أوضحتُه توا؟ سيكون من الأسهل كثيرًا أن أقشر له التفاح بنفسي. إن التعامل مع أخطاء المبتدئين يتطلب مهارات تدريس نادرًا ما يُستعان بها في قاعات التدريس المتمركز حول المعلم. يجب أن يعمل المعلمون مباشرة مع الطلاب، ويجب أن يكونوا قادرين على منح الطلاب تقييما بنَّاء، وعليهم التحلي بالصبر والتعامل مع الإحباطات (الخاصة بهم وبالطلاب)، واقتراح أساليب أخرى، وتشجيع المحاولات المتكررة، والاحتفال بالإنجازات حتى لو كانت صغيرة. 

    من حسن الحظ أن تعلم طريقة التعامل مع الطلاب أثناء دراستهم للمحتوى هو موضوع تناولته مجموعة كبيرة من الأبحاث التي أجريت على التعلم النشط، بالرغم من أن الاهتمام المبدئي بالتعلم النَّشِط لم يكن مَعْنيًّا بتوفير الفرص للطلاب لكي يطبقوا المحتوى تطبيقا عمليًّا. معظم استراتيجيات التَّعلُّم النشط تتمركز حول المتعلم، إلا أن المعلمين لم يشرعوا في الاستعانة بها؛ لأنهم أرادوا التركيز أكثر على عملية التعلم، واعتبروا الاستراتيجيات تِرْياقًا للمتعلمين السلبيّين. وفي أثناء الاستعانة بهذه الاستراتيجيات، كان هناك الكثير من المعلمين الذين أدركوا كيف حفّزوا الطلاب بفعالية، وشجعوا نوعًا مختلفا من التعلم؛ وكنتيجة لذلك ظل الاهتمام بالتعلُّم النَّشِط متزايدًا على مدار عدة عقود؛ لدرجة أن الأدبيات التربوية تزخر باستراتيجيات التعلُّم النَّشِط، بما فيها الكثير من الاستراتيجيات التي تمنح الطلاب فرصًا مصممة . بحرص لاستغلال المحتوى بطرق تنمي قدرة الطلاب على فهمه واستيعابه. وهذه الأدبيات تقدم أيضًا نصيحةً مُفيدة للمعلمين الذين يبحثون عن طرق للتدخُل بطريقة بنَّاءة، عندما يعمل المبتدئون على محتوى جديد بالنسبة إليهم.  

   وبنفس قدر أهمية تشجيع الفهم العميق للمحتوى داخل البيئات التعليمية المتمركزة حول المتعلم، يُستغل المحتوى أيضًا بهدف تنمية مهاراتِ التَّعلم في تلك البيئات. وكما لوحظ بالفعل، يمثل تحقيق هذا الهدف تحديًا صعبًا، ولعله يكون أصعب من ممارسة التدريس بهدف إفهام الطلاب المحتوى. ويكتشف معظم المعلمين أن افتقار الطلاب لمهارات التعلم الأساسية أمرٌ مُحيط، ففي الوقت الذي يصل فيه الطلاب إلى المرحلة الجامعية، ينبغي أن يكونوا قد تعلموا القراءة والحساب والتواصل الكتابي. وتتمثل المناقشات المفضّلة لدى أعضاء هيئات التدريس في انتقادِ تراجع مستوى التعليم الأساسي، ورثاء الحالة التي وصل إليها، إلا أن أية آراء تفقد أهميتها في ضوء حقيقة واقعية أخرى؛ فعندما يتخرج الطلاب في الجامعات وهم ما زالوا يفتقرون إلى تلك المهارات الأساسية،

الصفحة 161

التدريس المتمركز حول المتعلم

يُلقي المشرعون وأرباب العمل وأولياء الأمور بالمسئولية على عاتق التعليم العالي بكل وضوح.

   لذا، يجب أن تتغير طريقة تفكيرنا في تنمية المهارات الأساسية لدى الطلاب، ويذكر جاردينر (1988) أن 14 بالمائة فقط من عينة بحثية مكونة من 745 خريجا جامعيًّا صرحوا بأنهم قد تعلموا كيف يستذكرون. ويطرح كيورا (2001، ص4)، الذي قضى حياته المهنية في إجراء أبحاث على مهارات التَّعلُّم، هذا السؤال الاستقرائي: «كيف يُمكن تصحيح نهج التدريس الاستراتيجي لو لم يُطبق هذا النهج قط في المقام الأول؟ الحقيقة أن نهج التدريس الاستراتيجي غير خاضع للتصحيح والتقويم، وإنما هو نهج باعث على الإثراء.» فلا يُمكن أن يُتوقع منك تدوين الملاحظات لو لم تتعلم قط كيفية القيام بذلك، فالأمر بهذه السهولة بالنسبة إلى جميع أنواع المهارات التي يتعين على الطلاب الجامعيين التحلي بها، ولكنهم يفتقرون إليها. 

   بالإضافة إلى تدارك غياب المهارات الأساسية ومُعالجة هذا الأمر، يأخذ المعلمون المتبعون للتدريس المتمركز حول المتعلّم تنمية المهارات الأكثر تطورًا على محمل الجد؛ تلك المهارات المميزة لتخصُّص دراسي معين والمهارات الأكثر شمولا، التي تميز جميع المتعلمين المستقلين المتسمين بالتوجيه الذاتي. أشير دائما إلى التوصيف الرائع الخاص بـ «كاندي» (1991، ص 459 - 466) للمتعلم الذاتي التعليم؛ والذي يذكر فيه أكثر من مائة قدرة مثبتة بالأبحاث يتحلى بها المتعلمون المستقلون، تشتمل هذه القدرات على مهارات مثل: القدرة على التحلي بالمنهجية والتنظيم، ومهارات متطورة لتحصيل المعلومات واسترجاعها، والقدرة على التحلي بالمرونة والابتكار. 

   ويستعين المعلمون، الذين يتَّبعون أسلوب التدريس المتمركز حول المتعلم، بالمحتوى؛ ليساعدوا الطلاب على تطوير قاعدة معرفية، وليُصححوا أوجه القصور الخاصة بالمهارات الأساسية، ولينموا لديهم مهارات تعلم أكثر تطورًا، ولكن كيف يتسنى لهم القيام بكل هذه المهام في غضون عشرة أسابيع أو خمسة عشر أسبوعًا؛ مدة دراسة المادة؟ إنني ألمس في هذا السؤال شعورًا متزايدًا بالذعر. في القسم التالي من هذا الكتاب، ثمة نصائح ومقترحات محددة، ولكن ينبغي أولا أن نفهم أنه على الرغم من أن الهدفين المعنيين باستخدام المحتوى لحقِّ الفهم والاستيعاب وتنمية مهارات التعلم هما هدفان منفصلان في حد ذاتهما، فإنه يمكن تحقيق هذين الهدفين في آن واحد عن طريق القيام بالأنشطة نفسها. ويكون التعامل مع تدريس المحتوى وتنمية مهارات التعلم على اختلاف أنواعها

الصفحة 162

وظيفة المحتوى

أصعب عندما نفكر في الأمرين بمعزل أحدهما عن الآخر، فإما أن نتعامل مع المحتوى، أو تُنمّي المهارات. وفي بيئة التدريس المتمركز حول المتعلم، يمكن أن يُؤتي هذان الهدفان ثمارهما بطرق معزّزة على نحو متبادل. 

   إليك مثالاً بسيطا يوضح كيف يؤتي هذا الأمر ثماره، يتعلق المثال بآخر خمس دقائق من زمن المحاضرة، والتي تمثل تحديا من ناحية التدريس؛ حيث يتأهب الطلاب لإعداد أنفسهم - على المستوى الذهني والمادي - للانصراف. معظم المعلمين يُخصصون ذلك الوقت للتلخيص (على الرغم من أن عددًا قليلا منهم يواصل تغطية ا المحتوى هذه الفترة الزمنية)، وفي معظم قاعات الدراسة يكون المعلم هو الذي يلخص موضوعات المحاضرة. هل يتعلم الطلاب مهارة التلخيص عندما يستمعون إلى تلخيص معلميهم فحسب؟ الآن، أنت تعرف الإجابة على الأرجح؛ إنهم يتعلمون تلخيص الموضوعات على نحو أفضل حين يعتادون على إعداد التلخيصات بأنفسهم؛ فلعلهم يستعرضون ملاحظاتهم خطا ويضعون تحت أبرز النقاط، ولعلهم يتناقشون مع أحد الزملاء بخصوص مسألة لم يتوصلوا إلى حل لها؛ وهي مسألة مشابهة لتلك المسائل التي قدمت في المحاضرة، ولكنها مختلفة قليلا ، ولعلهم يُثيرون أسئلة من المتوقع مجيئها في الاختبار. وأيا ما كان النشاط، فإنه يُشرِك الطلاب في دراسة المحتوى؛ حيث إنهم يستعرضون المادة العلمية التي قُدِّمتْ في هذه المحاضرة، ويفعلون ذلك عن طريق الاستعانة بأنشطة تنمي قدرتهم على التلخيص.

    إن الاستعانة بنشاط واحد لتحقيق كلا الهدفين هي حيلة لتوفير الوقت، بل أكثر من ذلك أيضًا؛ إذ إنَّ الأمر أشبه قليلا بزيجةٍ ناجحة؛ حيث إن الدمج بين الهدفين في نشاط واحد يجعل الاثنين معا أفضل ممَّا لو كان كلٌّ منهما مُنفصلًا عن الآخر. إن تحمل المسئولية حيال إعدادِ ملخص واستعراض النقاط المهمة يزيد من وعي الطلاب بأنفسهم كمتعلمين. وأثناء استعراض ملاحظاتهم، يكتشفون أن بعض النقاط التي دونوها لا تبدو منطقية؛ فربما لم يُدوِّنوا القدر الكافي من الملاحظات، أو صار ما دونوه لا يعني أي شيء بالنسبة إليهم. ولعلهم يكتشفون أن الحديث مع أحد الزملاء يُعَدُّ طريقةً مفيدة لتوضيح ما تم فهمه، أو أن صياغة سؤالٍ متوقع في الاختبار يبدو منطقيا أكثر من حفظ الإجابات. ويُبين الكثير من الأمثلة التالية إلى أي مدى يستطيع المعلمون بقدر قليل من الرعاية الفائقة والتحفيز أن يعظموا ويدعموا ما قد يكتشفه الطلاب عن التعلُّم وعن أنفسهم – باعتبارهم متعلمين - حين يشرعون في أداء مهام التَّعلُّم بدلا من أن يؤديها المعلم بنفسه.

الصفحة 163

التدريس المتمركز حول المتعلم

   في افتتاحية هذا الفصل، أكدتُ على أن هذا التغيير في وظيفة المحتوى لم يقلّل من أهمية دوره، بل إنه في الحقيقة جعله دورًا أكبر، وهذا القسم يوضح كيف حدث ذلك؛ فالمحتوى لا تتم تغطيته في قاعة الدراسة التي تتبع التدريس المتمركز حول المتعلم فحسب، وإنما يُستعان به على نحو هادف لتشجيع نوع من التعلم العميق الذي تربطه بالفهم والاستيعاب، ويُستعان به أيضًا لتنمية مجموعة من مهارات التعلم، وهذا دور أكبر للمحتوى لا دور أصغر.

(5) الخطوط الإرشادية لتنمية مهارات التَّعلُّم

  إن الطريقة التي يوظف بها المعلمون والطلاب المحتوى لتطوير الفهم والاستيعاب تميل لأن تكون محددة بإطار التخصص الدراسي؛ حيث يستطيع المعلمون الذين يعرفون المحتوى (ومعظم أعضاء هيئات التدريس يتمتعون بخبرة كبيرة في تدريس المحتوى)، اختيار أفضل الأمثلة والنظريات والمفاهيم والقراءات والمسائل التي يستطيع الطلاب استخدامها؛ لتُساعدهم على إتقان تعلُّم المادة العلمية. والنصيحةُ التي يُمكن لكتاب كهذا تقديمها تتناول قضايا أكثر جوهريةً؛ مثل: حاجة المعلمين إلى التخلي عن الإفراط في التلقين، والبدء في السماح للطلاب بأن يستعينوا بالمحتوى؛ لاكتشاف الآليات المطبقة داخل التخصص الدراسي. وكتاب كهذا يستطيع أن يوضّح لأعضاء هيئات التدريس كيف يمكن استخدام المحتوى لتنمية مهارات التعلُّم لدى الطلاب؛ حيث إن القسمين التاليين مخصصان لهذا الغرض. ومع ذلك، عدد قليل جدا من التجارب المعروضة في القسمين التاليين يفصل تنمية مهارات التعلُّم عن تحصيل المحتوى وفهمه، وهذه هي الأمثلة المتعلقة بالاستعانة بنشاط واحد لبناء المعرفة التي يُقدِّمها محتوى المادة الدراسية وتنمية مهارات التعلم كذلك.

   يقدم القسم الأول مجموعة من الخطوط الإرشادية بخصوص تنمية مهارات التعلم، وهي - من وجهة نظري - مفيدة لسببين؛ فأنا مُدرِكة تمامًا – على الرغم من اعتراضاتي على كمية المحتوى الموجود في المقررات الدراسية - أن معظم أعضاء هيئات التدريس لا يستطيعون تقليل كميات كبيرة من محتوى المقرَّر الدراسي، إلا أنهم سيكونون أكثر استعدادًا للتخلي ولو عن أجزاء صغيرة ومتفرقة منه، وتفترض هذه الخطوط الإرشادية أنه لا يزال هناك قدر كبير من المحتوى لتدريسه، إلا أن القائمين على تدريس ذلك المحتوى

الصفحة 164

وظيفة المحتوى

  مهتمون الآن، إن لم يكونوا ملتزمين، برؤية إلى أي مدى يُمكن استغلال هذا المحتوى لتنمية مهارات التعلم لدى الطلاب. وعلاوةً على ذلك، أنا مؤمنة الآن، أكثر مما كنتُ أثناء تأليفي الطبعة الأولى من هذا الكتاب، بأنَّ تنمية مهارات التعلم الجديرة بالاهتمام يمكن تحقيقها بزيادة تدريجية، وفي أقل فترة زمنية ممكنة. بالطبع، كلما زاد القدر كان أفضل إلا أنه في بعض الأحيان يكون القدرُ القليل أفضل من لا شيء على الإطلاق، وفي هذه الحالة الأمر كذلك فعلا.

    ثانيًا: قد تكون الخطوط الإرشادية مفيدة لهؤلاء المستجدّين على التدريس الهادف لتنمية مهارات التعلم مباشرةً، وبعض الأمور التي يمكن القيام بها لتنمية مهارات التعلم وزيادة وعي الطلاب بأنفسهم كمُتعلّمين تتَّسم بأنها سهلة ومباشرة. هكذا، لا تتّسم جميع مهارات التَّعلم بأنها معقدة؛ فهناك بعض المواضع السهلة ليبدأ من عندها المعلمون والطلاب، وآمل أن يجعل ذلك الخطوط الإرشادية التالية مُفيدة ومحفّزة:

   فكر تفكيرًا تطويريًا: يبدأ التفكير التطويري بفهم واضح لهذه المهارات التعليمية التي يتحلى بها الطلاب، أو التي يفتقرون إليها؛ فأنتَ تُريد أن تبدأ هذا المسار التطويري من حيث يوجد الطلاب - حتى لا تُضَيّع الوقت في الخطب والمواعظ حول المستوى الذي ينبغي أن يصلوا إليه، ودون أن تتوهم أن بإمكانهم الانتقال إلى مستوى متطور من المهارات قبل أن يتقنوا المهارات الأساسية أولاً - ولكن بعد التحقق من تقييم المستوى الذي هم فيه، وتحديد المستوى التالي الذي عليهم الانتقال إليه.

   ويعني التفكير التطويري أيضًا التفكير في سلسلة من الأنشطة والواجبات الدراسية والفعاليات التي ستجعل الطلاب يُحرزون تقدمًا على مسار تنمية المهارات. فمعظم الطلاب لا يتعلمون طرح الأسئلة الاستكشافية، أو صياغة الحجج التحليلية، أو المعرفة التخصُّصية كلها دفعةً واحدةً. تتسم هذه العملية بأنها تدريجية، ولكنها عملية تتسارع وَتِيرَتُها عندما يكون هناك نظام محدد، كما هي الحال في سلسلة الفعاليات المخطط لها مسبقا التي يجتازونها. ويوجد المزيد من التفاصيل عن تجارب التَّعلم المتسلسلة في الفصل التاسع المُخَصَّص لمناقشة المشكلات التطويرية.

 اهدف إلى تنمية المهارات : سنبدأ إذن بتحديد المهارات التي بحاجة إلى التنمية. في المهارات العديدة التي يفتقر إليها الطلاب يسهل عليك أن تُعد قائمة طويلة بذلك، ولا بأس في إعداد قائمة، ولكن يجب أن تُحدِّد الأولويات بعد ذلك. ما أكثر المهارات التي يحتاج طلابك إلى إتقانها، مع الوضع في الاعتبار محتوى هذه المادة الدراسية؛ وهاتان

الصفحة 165

التدريس المتمركز حول المتعلم

المهارتان أو الثلاث مهارات هي ما ينبغي أن يعمل عليه الطلاب. إن محاولة القيام بالكثير من المهام في الوقت نفسه يُقلّل من الأثر الكبير الذي يُمكن تحقيقه عن طريق مجموعة من الأنشطة المتكاملة المصممة لاستهداف بضعة جوانب تعليمية شديدة الأهمية. وتوجد الكثير من العيوب المتعلقة بتنمية المهارات يُعاني منها معظم الطلاب الجامعيين، ولكن لا يُمكن إنجاز كل شيء في مادة دراسية واحدة، حتى في تلك المواد التي يُدرسها معلّم عظيم متفان في تنمية مهارات الطلاب. 

   أَشْرِك الطلاب دَوْرِيًّا في أنشطة قصيرة لتنمية المهارات: لا يستطيع معظم المعلمين أن يخصصوا محاضرات كاملة لتنمية المهارات؛ وجزء من السبب الذي يجعل الأنشطة القصيرة تستحق الجهد المبذول فيها هو أن التعامل بانتظام مع المشكلات المتعلقة بمهارات التعلم يخلق توقعات؛ فالطلاب يبدءون في استيعاب أنهم يتعلمون المحتوى، ويتعلمون أيضًا طريقة تعلُّمهم للمحتوى، ويشرعون في زيادة الوعي بأنفسهم باعتبارهم متعلمين. وتعتمد الرسائل التذكيرية المستمرة والأنشطة القصيرة بعضها على بعض؛ لخلق تأثير متراكم أكبر من ذلك التأثير الذي تُحدثه الأنشطة الفردية القائمة بذاتها. 

  استفد من تلك اللحظات التي يتمتَّع فيها الطلاب باستعداد عال للتعلم: هناك فترات أثناء دراسة المادة يتمتَّع فيها الطلاب باستعداد عال للتعلم، وتكون الفترات التي تسبق الاختبارات أو تتلوها مباشرةً هي أكثر الأمثلة وضوحًا على تلك الفترات. وبالإضافة إلى مساعدتهم على تصحيح الأخطاء المعرفية، يُمكن أن تكون هذه الفترات بمنزلة فرصة لاستكشاف الأساليب المتبعة للمذاكرة، هل تُعد الاستعانة ببطاقات العرض السريع خيارًا جيدا لدراسة هذا المحتوى؟ ما المستفاد من إعادة نسخ الملاحظات المدونة في المحاضرة؟ عندما يتغيب الطالب عن المحاضرة ويطلب الملاحظات من طالب آخر، هل يهم مِمَّن يحصل على الملاحظات؟ هل يفهم هذه الملاحظات مثلما يفهم الملاحظات التي يُدونها بنفسه؟ أنت تلاحظ الآن أن المعلم لا يُملي على الطلاب أن يتخلوا عن استخدام بطاقات العرض السريع، أو إعادة كتابة الملاحظات بأسلوبهم الخاص، أو حضور المحاضرات وإنما يطرح المعلم الأسئلة التي يشجع بها الطلاب على الاعتراف بما يفعلونه والدفاع عنه.

 ادْخُل في شراكة إيجابية مع خبراء مراكز التعلُّم: تقريبا في كل كلية وجامعة، يستطيع المدرسون أن يدخلوا في شراكة مع خبراء مراكز التَّعلُّم، فمن الرائع أن تحظى بزملاء هناك يدعمون ما يعمل أعضاء هيئات التدريس عليه مع الطلاب داخل قاعات

الصفحة 166

وظيفة المحتوى 

  الدراسة. وللأسف، بعض أعضاء هيئات التدريس يعتقدون أن وجود مراكز التَّعلُّم يُعفيهم من مسئولية العمل مع الطلاب على أوجه القصور الخاصة بالمهارات. وسيُخبرك خبراء مراكز التعلم بأنهم يعملون على نحو أكثر فاعلية في تنمية مهارات التعلم عندما يُوحدون الجهود مع أعضاء هيئات التدريس، وتُؤكَّد أبحاث كثيرة على صحة هذا الاستنتاج، ويحتوي القسم التالي على أمثلة توضّح كيف يمكن لهذه الشراكة أن تحقق نجاحًا. 

   بعض أعضاء هيئات التدريس يُقللون من قيمة الجهود المبذولة في مراكز التعلم عن طريق تصويرها على أنها مكان لا يرغب أحد في الذهاب إليه، فتجدهم يعلنون داخل قاعات الدراسة قائلين: أي طالب يحصل في الاختبار على درجة أقل من ستين يجب عليه الذهاب إلى مركز التَّعلُّم ويحصل على مساعدة من هناك.» «إذا كنت ترتكب جميع أنواع الأخطاء النحوية، يجب أن تأخذ هذه الورقة إلى مركز التَّعلُّم وتصلح مشكلات الكتابة لديك.» وتعليقات كهذه تجعل قرار الحصول على مساعدة قرارًا سلبيًّا ومحبطًا، وكنتيجة لذلك لا يسعى الكثير من الطلاب للحصول على مساعدة.

   بالطبع، يجب على الطلاب أن ينضجوا ويُواجهوا الحقيقة، ولكن معظمنا يعرف من واقع الخبرة أن الطلاب الذين يحتاجون إلى المساعدة لا يطلبونها عادةً. وإذا كنا نرغب في مساعدة أولئك الطلاب على مواجهة الحقيقة إذن يجب أن نفهم، على نحو أفضل، المشكلات المتعلقة بالسعي للحصول على المساعدة. ولطالما أوصيتُ بكتاب كارابينيك الممتاز (1998 ، ومتاح أيضًا ملخص له منشور على مدونة www.facultyfocus.com بتاريخ 11 نوفمبر، 2011) ؛ حيث فرّق بين هدفين مختلفين لمن يسعون إلى الحصول على المساعدة: «إنجاز المطلوب»، وهو أن يحصل على إجابات المسائل الرياضية؛ بحيث لا يضطر هو إلى حلّها، ومعرفة طريقة الإنجاز»، وهي أن يتعلم كيف يؤدي العمل بنفسه.      

    يَدْرُس كارابينيك وزملاؤه عملية السعي للحصول على المساعدة، ويستكشفون العوامل التي تؤثر على القرارات في كل خطوة من هذه العملية. تبدأ العملية باعتراف الطلاب بوجود مشكلة، وإدراك أن الحصول على المساعدة قد يخفّف من حدة هذه المشكلة. والخطوة التالية هي القرار المعقد إلى حد ما، المتمثل في اختيار الحصول على المساعدة. إننا نعيش في ثقافة تُكافئ القدرة على اكتشاف المشكلات بأنفسنا، وإذا لم تستطع القيام بذلك، فإن طلب المساعدة يُقوِّض الشعور بالكفاءة الشخصية، ويُسبب الإحراج، فلعلك تشعر بالإحراج لأنك تحتاج إلى المساعدة، وتخشى أنك حين تطلبها تجد أن الفهم لا يزال مستعصيا عليك، أو تجد نفسك غير قادر على التطبيق. وإذا أمكنك التغلب على

الصفحة 167

التدريس المتمركز حول المتعلم

هذه المشاعر وألزمت نفسك بطلب المساعدة، فإن السؤال التالي يتعلق بمن ينبغي لك أن تطلب منه المساعدة. ولقد درس كارابينيك كلا من المصادر «الرسمية» للمساعدة، كتلك التي يقدمها طاقم العاملين بمراكز التعلم والأساتذة أثناء ساعات عملهم، والمصادر

«غير الرسمية»، كتلك التي يقدمها الطلاب الآخرون أو أفراد الأسرة. إنَّ المصادر غير الرسمية أقل كفاءة في تقديم المساعدة، ولكن طلب المساعدة من تلك المصادر أسهل كثيرًا. 

   إن قرار عدم السعي للحصول على المساعدة عندما تحتاج إليها هو قرار غير ناضج، ويشي بعدم تحمل المسئولية، ومع ذلك، فهو قرار يتخذه الكثير من الطلاب. غير أن بإمكان المعلمين أن يؤثروا على ذلك القرار؛ فما يقولونه بخصوص الحصول على المساعدة قد يحفّز الطلاب أو يصدُّهم عن السعي للحصول عليها، فإذا ما قدم المعلمون مراكز التعلم باعتبارها مورد مساعدة، أي مكان يوجد فيه أشخاص متفانون في مساعدة الطلاب على التعلم، ومكان يراه الكثير من الطلاب مفيدًا بالنسبة إليهم، فإن ذلك يجعل أخذ قرار طلب المساعدة من تلك المراكز أسهل كثيرًا.

   قد يظن بعضكم أن هذه محاولة لتدليل الطلاب، وربما يكون الأمر كذلك، ولكن كيف نجعل أعضاء هيئات التدريس، الذين يحتاجون إلى مساعدة بخصوص أسلوب تدريسهم. يسعون إلى الحصول على هذه المساعدة؟ هل نخبرهم بأنهم يحتاجون إليها؟ نظرًا لأن أعضاء هيئات التدريس أكثر نضجا من الطلاب، فإنهم ربما يسعون إلى الحصول على المساعدة، ولكنهم لا يتحلُّون بتوجه إيجابي كثيرًا بخصوص التحسن والتطور. ألسنا جميعا نعرف بعض الأشخاص الذين أُخبروا بذلك منذ سنوات وما زالوا لم يحصلوا على المساعدة بعد ؟ أنا على استعداد للتدليل على أن هذا سيجعل الطلاب يعملون على مهارات التعلم الضرورية لنجاحهم في الدراسة الجامعية. 

   *استخدم مواد إضافية لدعم تنمية مهارات التَّعلُّم:* جميع أنواع المواد الإضافية متاحة للطلاب ليستعينوا بها أثناء المضي قدما في سبيل تنمية مهارات التعلم لديهم. ويمكن تخصيص استخدام هذه المواد العلمية خارج قاعة الدراسة، وهذا يعني أنها لا تستغرق من وقت المحاضرة التقليدية، كما أن هناك فائدة إضافية تتمثل في أن الاستعانة بها تشجع الطلاب على تحمل مسئولية تنمية مهاراتهم. يستطيع المعلمون أن يطوروا بعض هذه المواد الإضافية، والميزة في ذلك أن المواد التي يُطوّرها المعلمون يمكن أن تستهدف المهارات اللازمة لدراسة المادة، ويمكن تطويرها لدعم واجبات دراسية وأنشطة بعينها. يحتوي الملحق الثاني على مجموعة متنوعة من العينات التي طورها المعلمون، 

الصفحة 168

وظيفة المحتوى

وجميعها يُقدم نصيحة جيدة (بعضها نصائح محددة، والبعض الآخر نصائح عامة أكثر) بأسلوب راق يحوز على الاحترام.

    عيب المواد الإضافية التي يُطوِّرها المعلمون أنها تستغرق وقتا لابتكارها، ولا تظهر تلك المشكلة مع الموارد المطورة بطريقة احترافية، والكثير منها متاح أيضًا؛ فبعضها متاح على المستوى التجاري، ويجب شراؤه. وتتمثل الميزة في أن هذه المصادر لها سجل تتبعي تجريبي، ويُمكن أن تقدم مرجعًا لقياس مستوى مهارات كل طالب على حدة، وكذلك مهارات الفرقة ككل. إنني أوصي باستمرار بقوائم مثل «قائمة التعلم ومهارات المذاكرة» (المعروفة أيضًا باسم استبيان استراتيجيات التَّعلُّم والمذاكرة؛ فاينشتاين وشولت وبالمر، 1987)، التي تعطي الطلاب نظرة عامة وشاملة وبنَّاءة عن مهارات المذاكرة لديهم. كما أنني أوصي بقائمة التصورات والتوقعات والانفعالات والمعارف الخاصة بالدراسة الجامعية (فاينشتاين وبالمر وهانسون، 1995)، التي تساعد الطلاب على تقييم أفكارهم ومعتقداتهم وتوقعاتهم بخصوص التغيرات الشخصية والاجتماعية والأكاديمية، التي من المحتمل أن تحدث أثناء فترة الدراسة الجامعية. إنها أداة رائعة لمساعدة الطلاب على تبني توقعات دقيقة بخصوص ما يستلزم تحقيق النجاح في الدراسة الجامعية، ويمتلك طاقم العاملين بالمراكز التعليمية عادةً مجموعة من الاستطلاعات والقوائم، كتلك المذكورة آنفًا؛ بحيث يمكنهم التوصية بها، وأحيانًا يقدِّمون النتائج ويُسجلونها ويُناقشونها مع الطلاب.

  ويذكر كتابي «التدريس الجامعي الملهم» (وايمر، 2010) مصدرا آخر للمواد الإضافية في الفصل الرابع المعنون: «تقييم للمعلمين يُحسن مستوى عملية التعلم بالنسبة إلى الطلاب». ويُقدِّم الفصل مراجع ووصفا لمجموعة متنوعة من الأدوات المطورة لاستخدامها في المشاريع البحثية. وفي ذلك الكتاب، أوصي أعضاء هيئات التدريس بالاستعانة بها باعتبارها أساليب بناءة للتقييم؛ حيث تُقدِّم هذه الأدوات رُؤى قيمة عن الطلاب وعملية التَّعلَّم، وتأثير طريقة التدريس على كليهما، غير أن النتائج الواقعية تنمي أيضًا وعي الطلاب، على نحو فعّال، بأنفسهم كمتعلمين. على سبيل المثال، يُوجد استبيان يُحدد خصائص الواجبات الدراسية التي تُشجّع على المماطلة والتسويف (إيكرمان وجروس، 2005). إن الدراسة المتأنية لهذه الخصائص تُقدّم لكل من أعضاء هيئات التدريس والطلاب معلومات مفيدة.

الصفحة 169

التدريس المتمركز حول المتعلم

 (6) استراتيجيات تُنَمِّي مهارات التعلم 

  الهدف من وراء هذه المجموعة من الأمثلة هو إبراز التطبيقات العملية لهذه الخطوط الإرشادية؛ حيث تُركّز معظم هذه المجموعة على تنمية مهارات التعلم الأساسية، تلك المهارات التي يفتقر إليها الطلاب عادةً ومعظمها يسهل تطبيقه حتى بالنسبة إلى المعلمين المستجدين على أسلوب التدريس الهادف لتنمية مهارات التعلم مباشرةً. ويُمكنك أن تُنوّع في الفترات الزمنية المخصصة لتنمية هذه المهارات استنادا إلى الظروف المتاحة، والبعض منها سيؤتي ثماره في أطر زمنية قصيرة.

   تنمية مهارات القراءة: إنه اليوم الأول لمحاضرات مادة أساسية للطلاب المستجدين. وتجد كثيرين منهم يفتقرون إلى مهارات القراءة الضرورية لمستوى الدراسة الجامعية، ومن ثم، تُحدّد واجبًا دراسيًا خاصًا بالقراءة وتطلب من الطلاب أن يُحضروا كتبهم في المحاضرة التالية، ويُنجزوا هذا الواجب قبل المجيء إلى المحاضرة. في اليوم التالي، تفتح الكتاب على الصفحة رقم3 ، مبينًا للطلاب أنك وضعت خطا تحت الجملة الثانية من الفقرة الأولى. وإذا كان طلابك كمعظم الطلاب الجامعيين، فلن تجد الكثير من الكتب في قاعة الدراسة، ولكن ستجد الطلاب يتحمسون في ابتهاج متسائلين: «أي صفحة كانت هذه؟ أي فقرة؟» هكذا يلاحظ معظم الطلاب ما الذي وضعت تحته خطا، ولك أن تتخيل عدد الكتب الهائل الذي تجد فيه خطا تحت هذه الجملة بالذات بعد هذه المحاضرة.

   تتَّضح تبعات ذلك في المحاضرة التالية؛ إذ تُلاحظ الآن عددًا كبيرًا من الكتب وأقلام التحديد في يد الطلاب. يظنُّ الطلاب أن هذه المحاضرة هي محاضرة أحلامهم؛ فتلك المحاضرة التي يخبرهم فيها المعلم بما يضعون تحته خطًا في الكتاب بالضبط، ولكنها ليست كذلك ؛ فاليوم لديك طلاب قرءوا الصفحات من 36 وحتى 39، وتسألهم عما وضعوا تحته خطا، لتجد نفسك تعلّق عليهم: «لقد وضعت خطا تحت كل شيء موجود في صفحة 36؟ هل كل المعلومات تتساوى في مستوى الأهمية؟ إذَن، دعونا نتحدث لبضع دقائق بخصوص ما تُقرّرون وضع خط تحته.»

  وفي اليوم الثالث، تلقي محاضرة قصيرة. يتبعها مجموعة من الأسئلة على غرار: إلى أي مدى يوجد رابط بين المادة العلمية التي أقدمها لكم وبين ما قرأتموه الليلة الماضية ؟ هيا نلقي نظرة عما إذا كان بإمكاننا توضيح العلاقة! هل ما قلته يُناقض ما هو مذكور في الكتاب أو يتَّفق معه؟ هل قدمتُ أمثلة لتوضيح المفاهيم المعروضة في الكتاب؟

الصفحة 170

وظيفة المحتوى

هل كررت ما هو مذكور في الكتاب؟ لماذا قد يمثل فهم العلاقة بين المادة العلمية المقدمة في المحاضرة والمادة العلمية المذكورة في الكتاب أمرًا مهما؟»  

    لا يمكنك أن تُنمي مهارات قراءة متطورة خلال ثلاث محاضرات قصيرة كهذه، ولكنك تبدأ عملية تنمية المهارات على أي حال، وإذا قارن الطلاب بانتظام «الطريقة» التي يُمارسون بها مهارة القراءة، وكذلك ما يخرجون به من هذه القراءات، فإن الوعي لديهم يزداد. وإذا كنتَ على استعداد لتخصيص المزيد من الوقت والطاقة لاكتساب مهارات قراءة جيدة، بل ومتطورة، يوجد عدد من التوصيفات الرائعة للواجبات الدراسية التي يمكن التوصية بها (هاورد، 2004،یامان، 2006، روبرتس وروبرتس، 2008، توماسيك، 2009 ، باروت وشيري، 2011) وتحتوي هذه المقالات على أوصاف تفصيلية للواجبات الدراسية والأنشطة المرتبطة بها. لا تقلق من أن هذه المقالات كتبها أعضاء هيئات التدريس في تخصصات دراسية أخرى. وأستطيع أن أؤكد لك أن هذه التصميمات الخاصة بالواجبات الدراسية ستُحقق نجاحًا مع مجموعة متنوعة من النصوص، ونوعيات أخرى من الواجبات الدراسية الخاصة بالقراءات. وأفضل ما في الأمر على الإطلاق أنها تُشرِك الطلاب في عمل يُنمي مهارات القراءة لديهم، ويجعلهم يحضرون المحاضرات وقد انتهوا من قراءة الأجزاء المطلوبة، وعلى استعداد لمناقشتها معك.

   توضح هذه الطرق الخاصة بتنمية مهارات القراءة بضعة جوانب خاصة بالتدريس المتمركز حول المتعلم، سبق التنويه إليها من قبل، وجديرة بإعادة ذكرها مرة أخرى؛ فمعظم الطلاب لا يأتون إلى المحاضرات وقد انتهوا من قراءة الأجزاء المطلوبة فقط لأن المعلم طلب منهم ذلك؛ فلقد طلب منهم ذلك في الكثير من المواد الأخرى، ولكنهم اكتشفوا أنه لا شيء يحدث إذا ما جاءوا المحاضرة دون التحضير المطلوب. وفي بعض هذه المواد استطاعوا الحصول على تقدير جيد جدًّا في الاختبارات دون تأدية الواجبات المتعلقة بالقراءة من الأساس. ولكن إذا ما حضروا هذه المحاضرات التي يستغل فيها المعلم تلك القراءات بالإشارة إلى صفحات معينة، ومناقشة النقاط المذكورة فيها، فإن هذا التصرف ينقل رسائل تُشدّد على أهمية الكتاب الدراسي. كما أنه يوضّح أيضًا أن الإقلال من التلقين والإكثار من التطبيق العملي قد يُهيئ مناخًا يشجع الطلاب على تحمل المزيد من المسئوليات؛ إذ يحضرون المحاضرات ومعهم كتبهم، ويضعون خطا وعلامة إلى جوار الفقرات التي نُوقشت في قاعة المحاضرات. في الواقع، بعض الطلاب يؤدون الواجبات الخاصة بالقراءة قبل المجيء إلى المحاضرة، وواجبات دراسية كهذه تعد مثالاً آخر على

الصفحة 171

التدريس المتمركز حول المتعلم

الدمج الناجح بين المعرفة وتنمية المهارات، فالطلاب يقرءون المحتوى الذي يجب عليهم تعلمه، ويتعلمون كيف يقرءون بطرق تُسهل عليهم عملية التعلم أيضًا.

   الدخول في شراكة مع مراكز التعلم: لدي زميل يُدرِّس مادة التاريخ دعا إحدى الموظفات بمركز للتعلم لحضور محاضرة له. قدَّم هذا الزميل المادة العلمية، بينما جلس الطلاب وهذه الموظفة يُدوِّنون الملاحظات. قدم الطلاب نسخة من ملاحظاتهم إلى الموظفة التي حضرت المحاضرة التالية، ومعها بعض التقييمات على تلك الملاحظات مشتملة على أمثلة (نموذجية وأخرى بعيدة عن كونها نموذجية) من ملاحظاتهم وملاحظاتها الخاصة. وزعت مادة علمية بخصوص استراتيجيات تدوين الملاحظات المتنوعة، ونوقشت بإيجاز، واستغرق العرض التقديمي حوالي عشرين دقيقة. استغل المحاضر هذه المناسبة لتنمية مهارات تدوين الملاحظات، ولجعل الطلاب مطلعين على كافة الطرق التي تستطيع بها مراكز التعلم دعم جهودهم للتعلم.

   ونشاط كهذا يُمكن أن يُصاغ ليتناسب مع مناسبات وفعاليات دراسية أخرى؛ مثل الاختبارات، فقبل خوض الاختبار يستطيع الطلاب، ربما عبر شبكة الإنترنت، أن يصفوا بإيجاز كيف استعدوا للاختبار، وربما يستعرض أحد موظفي مركز التعلم الوصف الخاص بهم، بالإضافة إلى النتائج الإجمالية للاختبار ومناقشتها، والهدف من النقاش هو الإجابة عن هذا السؤال: استنادًا إلى ما تعرفه حاليًّا بخصوص الاختبارات في هذه المادة، ما أفضل طريقة للاستعداد لخوض الاختبار التالي؟ أو قد تنتهي محاضرة المراجعة قبل الاختبار بخمس دقائق من النصائح (الموضّحة بمزيد من الاستفاضة في المواد الإضافية المنشورة على الموقع الإلكتروني الخاص بالمادة) بخصوص التعامل مع قلق الامتحانات.

 الإلمام بفكرة تعلم الطلاب بعضهم من بعض: أحيانا تكون الرسائل الخاصة بطريقة التعلم أكثر فاعلية حين تأتي من شخص آخر غير أستاذ المادة. طلب أحد أساتذة مادة الفيزياء - الذي حضرت له محاضرة ذات مرة بهدف رصد أسلوب التدريس - من الطلاب الذين أبلوا بلاءً حسنًا في اختبار مادة الفيزياء أثناء الفصل الدراسي السابق، أن يكتبوا مجموعة من المقترحات الخاصة بالمذاكرة لطلاب الفرقة التالية، ثم وزّع هذه المقترحات في الأسبوع الذي سبق الاختبار، مع وضع درجات المادة الخاصة بالطلاب السابقين المشاركين ( كان قد حصل بالطبع على الإذن منهم) ، ولقد كنتُ حاضرة صدفة في محاضرته في ذلك اليوم الذي قام فيه بتوزيع هذه المادة العلمية. كان رد فعل الطلاب

الصفحة 172

وظيفة المحتوى

رائعًا جدا؛ إذ قرأ الجميع مذكرة المقترحات، ووضعها الطلاب بحرص في حقائب الدفاتر والكتب خاصتهم خمن ما نوعية النصائح التي أسداها الطلاب السابقون؟ كانت النصائح عبارة عن الجمل المعتادة التي يردّدها المعلمون بانتظام؛ جمل على غرار: «احرصوا على حل مسائل الواجبات الدراسية كل ليلة، لا تنتظروا وتحاولوا حل جميع المسائل في ليلة الامتحان.» «أفضل طريقة للاستعداد للامتحان هي حل المسائل العملية.» «لا تفوتوا هذه المحاضرة يجب أن تُشاهدوا المعلم وهو يحلُّ المسائل.» «اطرحوا الأسئلة داخل قاعة الدراسة.» «اطلبوا منه حلَّ المزيد من المسائل إذا لم تفهموها.»

    يطلب بعض أعضاء هيئة التدريس من طلاب إحدى المواد أن يكتبوا خطابات لطلاب الفصل الدراسي التالي. وتُقدّم هذه الخطابات للمعلمين تقييما رائعًا، كما أنها مُهمة بالقدر نفسه بالنسبة إلى الطلاب الذين يدرسون المادة. ويمكن تحضير مذكرة ممتازة من المقتطفات المجمعة، أو يُمكن نشر هذه المقتطفات على الموقع الإلكتروني الخاص بالمادة أو إضافتها إلى خطة المنهج الدراسي. يدعو عضو آخر بأعضاء هيئات التدريس ثلاثة أو أربعة طلاب من فرقة سابقة لحضور أولى محاضرات الفرقة الجديدة، وبعد أن يُقدِّم هذه النخبة من الطلاب إلى الفرقة الدراسية ويُوضّح أن كل طالب منهم أبلى بلاء حسنا في المادة، ثم يُشجّع الطلاب الحاليين أن يطرحوا أسئلة متعلقة بالمادة على هذه النخبة. ومن أجل ضمان أن الطلاب يطرحون أكثر الأسئلة التي يحتاجون إلى الإجابة عنها، يترك المعلم قاعة الدراسة، مُخصصًا الخمس عشرة دقيقة الأخيرة من زمن المحاضرة لهذا النقاش. وكما اكتشفت حين جربت هذه الاستراتيجية، فإن الأمر يتطلب قدرًا كبيرًا من الشجاعة للسماح بإجراء هذا النقاش دون أن يكون المدرس داخل قاعة الدراسة، وهذا يستلزم أيضًا اختيار نخبة الطلاب بعناية إلا أن هذا الأسلوب يُضفي قدرًا معينا من الموثوقية على النقاش. إنني أقلق من احتمال أن يعتبر الطلاب هذا النقاش فرصةً للخروج مبكرًا من قاعة الدراسة، ولكن في كلتا الحالتين اللتين استعنت فيهما بهذه الاستراتيجية، استمر النقاش حتى نهاية المحاضرة.

 السؤال التعليمي: هذه استراتيجية أخرى قد تستغرق فترة قصيرة جدا، ولكنها تكون فعالة جدًّا عند تطبيقها بانتظام، أطلق عليها «السؤال التعليمي»، وهو ما أخبر الطلاب بأنه عبارة عن سؤال تشجيعي ليس معنيًّا بما يتعلمونه في حد ذاته وإنما معني بالاستفسار عما يتعلمونه عن أنفسهم كمتعلمين. إنني أطرح هذا السؤال التعليمي

الصفحة 173

التدريس المتمركز حول المتعلم

  بعد انتهاء معظم الفعاليات الدراسية؛ حيث أطرح أسئلة على غرار: «إذن، ماذا تعلمتم من العمل مع الطلاب الآخرين في مجموعة الاختبار الجماعي ؟ » «إذن، ماذا تعلمتم عن المناقشة من المناظرة التي أجريناها أمس؟» «هل تعلمتم أي شيء بخصوص التوصل إلى استنتاجات من نتائجكم في اختبار الاستدلال النقدي؟» وفي بعض الأحيان أكتب السؤال التعليمي على السبورة، وأشير إليه عند بدء المحاضرة، وأطلب من الطلاب التزام الصمت لمدة ثلاثين ثانية ليُفكِّروا في هذا السؤال التشجيعي وطريقة إجابتهم عنه، وأحيانًا، أجعلهم يدونون إجاباتهم، ثم أجمعها منهم. واستنادًا إلى الوقت المتاح أمامي أقرأ جميع الإجابات أو بعضها، وربما أشارك عددًا من أفكارهم النيرة في المحاضرة التالية. إنها استراتيجية بسيطة يمكن الاستعانة بها بعدة طرق مختلفة. وكلما زادت الطرق والمرات التي يُستعان فيها بهذه الاستراتيجية، زادت فاعلية تأكيدها على الرسالة الضمنية التي مفادها أنك متعلم تتمتع بمجموعة من مهارات التَّعلُّم التي تستطيع أن تكتشفها وتنميها بنفسك.    

    التَّعلم من نتائج الاختبارات : يخضع الطلاب لاختبارات يضعها المعلمون؛ لأنهم يجب أن يصدقوا رسميًا على ما إذا كان الطلاب قد أتقنوا المادة العلمية أم لا، إلا أن تجربة الاختبارات تعد فرصة للتعلم أي لتعلم محتوى المادة الدراسية ومهارات التعلم الأكثر تطورًا، فالاختبارات تشجع الطلاب على التَّعلُّم، ويناقش الفصل السابع طرق تعظيم إمكانية التعلم من الاختبارات، التي من بينها أنشطة المراجعة والخضوع للاختبار في حد ذاته، ومراجعة الإجابات عند إعادة أوراق الإجابة على الاختبار بعد تصحيحها.

   وفي هذا المقام، أود أن ألقي الضوء على بعض الاستراتيجيات التي يمكن الاستعانة بها لمساعدة الطلاب على مواجهة ما ينبغي لهم تعلمه من نتائج الاختبارات، لا سيما حين تكون النتائج غير جيدة. فعندما لا يُبلي الطلاب بلاءً حسنا في الاختبارات، يكون هناك نزعة لإلقاء اللوم على الامتحان نفسه لتبرير النتيجة؛ تبريرات مثل: الأسئلة كانت خادعة، أو لم تكن مثل الأسئلة الواردة في الواجب المنزلي، أو كانت مفرطة الصعوبة، أو غير متوقعة. ربما تكون هذه التبريرات حقيقية أحيانًا، ولكن في أغلب الأحيان تكون الأسباب الكامنة وراء ضعف مستوى الأداء مُتعلّقة بطريقة استعداد الطلاب للاختبار (أو بالأحرى عدم استعدادهم له). كان من الممكن ذكر هذه الأسباب في الفصل السابع، إلا أنني ذكرتُها هنا؛ لأنها توضّح مجموعة أخرى من الأنشطة المباشرة القصيرة التي تواجه الطلاب بعواقب اتخاذ الإجراءات أو عدم اتخاذها.

الصفحة 174

وظيفة المحتوى

   وكما هو موضح في الفصل السابع، أنا لا «أستعرض سريعا» الأجزاء التي كثيرًا ما يُغفل عنها، فالطلاب هم من يقومون بذلك؛ لأنهم هم من يغفلون ويفوتون تلك الأجزاء، لا أنا. يبدأ الطلاب بإعداد قائمة برقم كل سؤال من الأسئلة الواردة في الاختبار، التي أخفقوا في الإجابة عنها. ثم أحدد أربعة أو خمسة أسئلة كثيرًا ما يفوت الطلاب الإجابة عنها، وأشير إلى اليوم الذي قُدِّمَ فيه ذلك المحتوى داخل قاعة الدراسة، وأجعل الطلاب يلقون نظرة على ملاحظاتهم التي دوّنوها في تلك الأيام هل كانوا موجودين في قاعة الدراسة؟ هل حصلوا على الملاحظات من طالب آخر ؟ هل حصلوا على ما احتاجوا إليه من هذه الملاحظات (أو الملاحظات الخاصة بالطالب الآخر) للإجابة عن السؤال؟ إنني أستعين بهذا النشاط؛ للتصدّي للاعتقاد المترسِّخ على نطاق واسع لدى الطلاب، بأنه يُمكنك أن تفوت محاضرة، وتحصل على ملاحظات دَوّنها أحدهم، وتُغطّي النقاط التي عُرضت في هذه المحاضرة، وتُقارن مدى فاعلية(أو في أغلب الأحيان عدم فاعلية) الممارسات الخاصة بتدوين الطلاب للملاحظات.

   بعد ذلك يسترجع الطلاب قائمة الأسئلة التي أغفلوا عنها، وأقرأ القائمة الخاصة بأرقام أسئلة الاختبار التي جاءت مباشرة من الكتاب الدراسي، وأطرح عليهم هذا السؤال: «هل أخفقتُم في الإجابة عن الأسئلة التي تغطي المادة العلمية المقدمة داخل قاعة الدراسة أو الأسئلة الخاصة بالمادة العلمية التي يُغطيها الكتاب الدراسي؟» وفي معظم الوقت، يفوت الطلاب الأسئلة التي تأتي من الكتاب الدراسي أكثر . أطلب من الطلاب الذين لم يفوتوا الكثير من أسئلة الكتاب أن يُطلعوا الطلاب الآخرين على طريقة مذاكرتهم للكتاب الدراسي. وأسألهم كم منهم انتظر حتى ليلة الامتحان ليؤدي الواجب المنزلي الخاص بالقراءة. أحيانًا، يعزو أحد الطلاب مستوى أدائه الجيد للحظ السعيد. فأسألهم قائلة: «كم واحدا منكم راض عن إيعاز نجاحه في هذا الاختبار لضربة الحظ ؟» و«هل تعتبرون الحظ شيئًا ترغبون في الاعتماد عليه في الاختبارات القادمة؟» 

   في النهاية، أجعل الطلاب يُلقون نظرةً على تلك الأسئلة التي غيروا إجابتهم عنها وعدد المرات التي أخفَقوا فيها عن الإجابة، أو أجابوا فيها بإجابة صحيحة بعد أن غيروا الإجابة. (وإذا كانت الاختبارات قد أجريت على شبكة الإنترنت، فلربما عجز الطلاب عن تتبع هذه التغيرات). وأتحدث معهم قليلا عن نتائج الأبحاث المتباينة حول هذه النقطة، وأشجع الطلاب على إجراء تقييم فردي لهذا الاختبار والاختبارات التالية في هذه المادة، واختبارات المواد الأخرى. والمتعلمون الماهرون يعرفون ما إذا كان من المفيد أن يُغيروا الإجابات حين لا يعرفون الإجابة أو حين لا يستطيعون تحديدها.

الصفحة 175

التدريس المتمركز حول المتعلم

وفي نهاية محاضرة تصحيح إجابات الاختبار (التي تشتمل على أنشطة أخرى مذكورة في الفصل السابع) ، أجعل الطلاب يكتبون ملاحظة قصيرة بهذا الشكل:

من : أنا

إلى: أنا

بخصوص؛ الأشياء التي تعلمتُها من هذا الاختبار، التي أود أن أتذكرها عند الاستعداد للاختبار التالي. 

   معظم الطلاب يستحضرون هذا الهدف أثناء الدقائق الخمس المخصصة لأداء ذلك النشاط الكتابي. أجمع هذه الملاحظات القصيرة، وربما أقرأ عددًا منها، ولكني لا أُعطي درجة عليها أعيدها إليهم في بداية محاضرة المراجعة للاختبار التالي، وتراجع أغلبية طلاب الفرقة ما كتبوه باهتمام بالغ. 

الكتابة من أجل التعلم وتعلم الكتابة: أنا من كبار مؤيدي فكرة سِجِلٌ سَيْرِ التَّعلم؛ حيث يمكن الاستعانة به لتحقيق مجموعة متنوعة من أهداف المادة الدراسية. وكما تعلمنا من حركة تضمين نشاط الكتابة في المناهج الدراسية، عندما يكتب الطلاب عن المحتوى، فإنهم ينخرطون في نشاط يساعدهم على تعلم المحتوى ويُحسّن من مستوى مهارات الكتابة لديهم. ويتميز سجل سير التعلم بفاعلية استثنائية لتنمية الوعي بالذات لدى المتعلم؛ حيث يستطيع الطلاب أن يكتبوا عن نشاط حدث داخل قاعة الدراسة؛ فعلى سبيل المثال، بعد الانتهاء من تدريب جماعي، يمكنهم أن يُلخّصوا ما قررته المجموعة أو أنتجته، ويمكنهم أن يكتبوا عن مستوى إجادة المجموعة للعمل، بل والأهم من ذلك، يمكن أن يُسألوا عما أنجزوه عن طريق المشاركة بالعمل الجماعي، ما الذي أسهموا به؟ وكيف ساعدوا المجموعة ؟ هل كان هناك شيء يتمنون إنجازه بطريقة مختلفة بعد أن انتهوا من النشاط ؟ إنَّ نجاح سجل سير التَّعلُّم في تشجيع هذا النوع من الأفكار الملهمة يعتمد على الأسئلة التشجيعية. وكما تعلمت، فالأمر يستغرق وقتًا ومراجعات متكررة للتوصل إلى أسئلة تشجيعية تحثُ على الوعي الذاتي، ولكن حين تكون الأسئلة التشجيعية ذات مستوى جيد، فإنَّ هذا يُسْفِر باستمرار عن أفكار ملهمة رائعة. 

   الكثير من المعلمين يتجنبون سجلات سير التَّعلُّم؛ لأنها تستهلك وقتًا طويلًا لقراءتها، ويصعب وَضْع درجات عليها، خاصة حين يكتب الطلاب عن مشاعرهم أو آرائهم أو

الصفحة 176

وظيفة المحتوى

   تجاربهم. وبعض المعلمين لا يستطيع أن يتخيل كيف ستؤتي سجلات سير التَّعلم ثمارها في مواد دراسية يكون فيها النشاط الأساسي هو حل المسائل مثلا. ويقدم مهراج وبانتا (2000) مثالاً ممتازا على واجب دراسي مدوّن في سجل سير التَّعلم طور واستُخدم في دراسة إحدى مواد الميكانيكا الهندسية.

    طور معلمون آخرون طرقًا فعالة للتعامل مع الواجبات الدراسية الخاصة بسجل سير التعلم من الممكن تجميعها في عدة أوقات محددة، لا كل يوم، ويمكن التحكم في عدد الواجبات الدراسية الكتابية وطولها، ولا يجب أن تُقرأ وتُصحح بنفس صرامة الأوراق البحثية. إنني أقرأ المدخلات المسجلة في سجل سير التَّعلم من آن لآخر وأضع حدا لعدد التعليقات التي أتركها. ولقد حالفني الحظ في استخدام استراتيجية شاركني إياها أحد الزملاء قائمة على النصيحة التالية: لا تكتب تعليقات، اكتب أسئلة، ثم دع الطلاب يسجلون إجابتهم عن واحد من الأسئلة أو جميعها. ويُمكن وضع تقييمات المدخلات سجل سير التَّعلم وفق قواعد تقيم مجموعة كاملة من المدخلات، مقارنةً بكل مُدْخَل فردي على حدة.

   ويقترح مقالان حديثان أن يُراجع الطلاب مجموعة من المدخلات الخاصة بسجل سير التَّعلُّم ( وفي كلتا الحالتين كان الطلاب قد كتبوا عن الواجبات الدراسية الخاصة بالقراءة)، ثم يقدِّمون بحثًا يُعبرون فيه عن كيف تغيرت طريقة تفكيرهم في محتوى المادة الدراسية، وكيف زاد استيعابهم لموضوعات معيَّنة، وعن أي أدلة تثبت نضوجهم وتطورهم کمفكرين (هَد وسمارت وديلوراي، 2011 ؛ باروت وشيري، 2011). هذا البحث الأخير هو ما يُصححه المعلم ويَضَع عليه تقديرات. إنَّ التصميم المدروس لكتابة مدخلات سجل سير التَّعلُّم يُمكن أن يُسْفِر عن واجب دراسي يُشجّع التَّعلُّم على عدة مستويات، كما أنه يخضع لسيطرة المعلمين.

(7) مشكلات التطبيق

أهم وأصعب سؤال يبرز أمامنا حين نشرع في «استغلال» المحتوى بدلا من «تغطيته» هو: «ما القدر الكافي من المحتوى؟» على الرغم من أنني كتبتُ عن هذا الأمر باستفاضة في هذا الفصل، فإنه لا يزال باستطاعتي أن أكتب قسمًا آخر عن أهمية هذا السؤال، وإلى أي مدى

الصفحة 177

التدريس المتمركز حول المتعلم

  يجب أن يُطرح هذا السؤال، وإلى أي مدى تنقصنا الإجابات إن الافتقار إلى الإجابات هو أمر مزعج للغاية عند إحداث التغيرات على أرض الواقع، لكن ينتهي المطاف بتغطية قدر أقل من المحتوى. وهنا يُساورنا القلق حيال ما أغفلنا عن تغطيته من المحتوى، ونتساءل عما إذا كان ينبغي لنا الشعور بالذنب، لا سيما حين نرغب حقا في حذف المزيد من المحتوى في ضوء جودة هذه الأساليب الجديدة في إشراك الطلاب في عملية التعلم. لكن بدلا من أن نعيد التفكير في سؤال طُرِحَ بالفعل، دعونا نفكر في سؤال آخر وثيق الصلة به.

 (7-1) كيف نُغيّر التوجهات السائدة حيال وظيفة المحتوى ؟ 

   بالنسبة إلى معظمنا ممن طبقوا أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم، ولاحظوا نوعية النتائج التي أسفرت عنها هذه الأساليب، فإن التحول من تغطية المنهج إلى استغلاله وتوظيفه هو أمر منطقي، ولكنه ليس بتغيير منطقي بالنسبة إلى الكثير من زملائنا. وعلى الرغم من أنَّ مُناقشة عملية التَّعلُّم مستمرة عبر قطاع التعليم العالي، لا أظن أنني سمعتُ أحدًا من قبل يقترح أن تنمية مهارات التَّعلُّم قد تتسم بالقدر الكافي من الأهمية لتبرر تغطية قدر أقل من المحتوى كيف يتسنى للطلاب أن يتعلموا المزيد إذا ما غطيت قدرًا أقل من المحتوى؟ السؤال هنا يتعلق بكيفية تغيير هذه التوجهات المترسخة منذ زمن طويل حيال المحتوى؛ لأن تغطية قدر أقل من المحتوى سيكون قرارًا ينطوي على مخاطرة حتى تتغير هذه التوجهات وهو ما يعني من الناحية الواقعية أن بعض الملتزمين منا بهذه الأساليب سيحذفون جزءًا من المحتوى، ولكن ليس بالقدر الذي يمكننا أن نحذفه أو بالقدر الذي ينبغي أن نحذفه.

    لا يُمكنني التفكير في طريقة سهلة لتغيير التوجهات السائدة حيال المحتوى، ولكن هذا لا يُعفينا من المحاولة، وهناك أشياء يمكننا أن نجربها؛ أولاً: على أولئك الذين يوظفون المحتوى لتنمية المعرفة والمهارات أن يكونوا قادرين على وصفِ وتوثيق ما يحدث حين نفعل ذلك. كيف يستجيب الطلاب؟ وكيف يتغير أداؤهم في الاختبارات وإعداد الأبحاث والمشاركة في العمل الجماعي وداخل قاعة الدراسة ؟ هل تدعم أدبيات البحوث التربوية والممارسات العملية للمعلمين الآخرين ما نلاحظ حدوثه داخل قاعاتنا الدراسية؟ ما أقترحه هنا هو تجاوز مجرد إخبار الزملاء بمدى روعة الفكرة، وأنه ليس هناك ما يضاهيها في الروعة. وعلى الرغم من أنَّ تجاربنا داخل قاعة الدراسة قد غيرت الطريقة التي يُفكر

الصفحة 178

وظيفة المحتوى

  بها الكثيرون منا في المحتوى والمهارات وعملية التَّعلُّم تغيرًا ملحوظا، فإن هذا لا يعني أن تجاربنا مقنعة تمامًا للآخرين. إننا ننتمي لثقافة تُكافئ الأدلة والبراهين المادية وتُبديها على المزاعم والادعاءات. وستعيد طرح هذه الفكرة في الفصل الثامن الذي يتناول موضوع المقاومة؛ فالبراهين تتغلب على المقاومة أفضل من أي شيء آخر.       

    على الجانب الآخر، ينبغي ألا ندع الزملاء يتجاهلون الأفكار المتمركزة حول المتعلم بتصريحات تدعو إلى تدريس مواد خالية من المحتوى تمامًا. لا أعرف معلمًا يتبع أسلوب التدريس المتمركز حول المتعلم يدعو إلى تدريس مواد دون وجود قدر وافر من المحتوى، ولم أقرأ بحثًا تربويا عن الموضوع يدعو إلى ذلك أيضًا. إن الحجج التي ألقيتُ الضوء عليها في افتتاحية هذا الفصل ذات أهمية ، وتجعلني لا أمل من تكرارها. يواصل المحتوى الموجود في كل تخصُّص الازدياد، ولا نستطيع على الأرجح تدريس الطلاب كل شيء يحتاجون إلى معرفته. ولقد غيرت التكنولوجيا أيضًا من دور المحتوى، سواء أكانت الممارسات العملية الحالية تعترف بذلك التغيير أم تُنكره وحتى مع وجود الأسباب الوجيهة والأدلة، فلستُ متأكدةً من أن هذه المناقشات ستحقق نجاحًا.

  في كثير من الأحيان، أسمع نفسي أتحدى الزملاء ليُجرِّبوا بعضًا من هذه الأساليب ويروا بأنفسهم إذا ما كانت ستحقق نجاحًا، وإلى أي مدى سيكون ذلك النجاح، ومفتاح النجاح هنا هو القدرة على اقتراح بعض الأساليب البسيطة التي يسهل تطبيقها على أرض الواقع، وتتمتَّع بفُرص نجاح عالية. وستجد بعضًا من هذه الأساليب في الفصل التاسع. إن تحديد ما توصي به يستند إلى معرفتك بالزميل وبموقفه حيال التدريس. والأهم من ذلك أن نجاح التوصيات يزداد إذا كان الموصي بها يتمتَّع بقدر من الخبرة في إنجاحها.

 (7-2) إنجاح الاستراتيجيات من وجهة نظري 

هذه المشكلة، على وجه الخصوص، من مشكلات التطبيق مُرتبطة بكل أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم. ومن المناسب أن نناقشها هنا؛ لأنَّ التغيير الحتمي يصير أكثر ضرورة حين نتحدث عن المحتوى. والكثير من أعضاء هيئات التدريس لا يتسمون بالتنظيم والمنهجية كما ينبغي عند تطبيق فكرة جيدة؛ حيث يحصلون على فكرة جيدة من زميل لهم، أو يسمعون عنها في ورشة عمل، أو يقرءون عنها في كتاب، وتروق لهم

الصفحة 179

التدريس المتمركز حول المتعلم

الفكرة الجيدة؛ حيث تبدو لهم كشيء يُمكن الاستعانة به، ثم يتبنون توجها اعتباطيا نحو التغيير أطلق عليه توجه شركة نايكي، بشعارها الشهير «افعلها وحسب».

    يزداد نجاح أي تغيير على مستوى التدريس عندما يتسم التطبيق بأنه منهجي ومدروس ومخطّط له. والأهم من مجرد إحداث هذا التغيير هو ضرورة أن يتناسب التغيير مع الموقف الجديد، وهذا يشتمل على التفكير في ثلاثة متغيرات على الأقل؛ أولا: يجب أن تُناسب الاستراتيجية الجديدة المعلم، أي يجب أن تكون شيئًا يستطيع المرء أن يُؤدِّيه بثقة، شيئًا يتناسب تمامًا مع شخصية المرء وطريقة تدريسه. غالبًا ما نُقرّر ذلك بإحساس غريزي، كأن نقول: «أجل، إنها فكرة رائعة يُمكنني القيام بذلك.» ومن المثير للاهتمام التفكير مليا في هذه المجموعة من الاختيارات وما تُخبرنا حيال شخصيتنا وطريقة تدريسنا.

    يجب أن تتناسب الاستراتيجية الجديدة مع شكل المحتوى الذي نُدَرِّسه. طريقة ترتيب المحتوى الذي نُدَرِّسه وطريقة تطور مستوى المعرفة في مجال ما، وما يُعتبر بأنه دليل قاطع؛ كل هذه الجوانب الخاصة بالمحتوى هي جوانب مميزة لتخصصاتنا الدراسية، ولها تداعيات على كيفية استخدام الاستراتيجية. وفي النهاية، الاستراتيجية الجديدة يجب أن تتناسب مع الاحتياجات التعليمية الخاصة بالطلاب؛ أي يجب أن تكون شيئًا الطلاب مستعدون للتعامل معه من الناحية التطويرية، ويجب أن تكون شيئًا يُمثل تحديًا، ولكن لا تتسم بدرجة صعوبة مستعصية. لقد كتبتُ بالتفصيل عن عملية التغيير والحاجة إلى تعديل الأفكار الجديدة في كتاب لي بعنوان «التدريس الجامعي الملهم» (وايمر، 2010). وإذا كنتَ مهتما بهذا الموضوع، فستجد مناقشةً مُستفيضة له في الفصل السادس.     

    تنبع معارضة أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم عادة من أن هذه الأساليب تغير من وظيفة المحتوى، وينتهي بها المطاف بجعل المعلمين أقل توجها نحو المحتوى، وأقل استعدادًا لإجراء قرارات تعليمية استنادًا إلى ما يحتاج الطلاب إلى تعلمه وحسب. إلا أن المعلمين المتبعين لهذا النوع من طرق التدريس يهتمون أيضًا بطريقة تعلم الطلاب، ويرون وظيفةً أكبر للمحتوى؛ فهم لا يستخدمون المحتوى لتطوير قاعدة معرفية راسخة وحسب، بل ويُطوّرون أيضًا مجموعة من المهارات التعليمية؛ بحيث يتخرج الطالب وهو يمتلك معرفة ترتكز على الفهم، ويتحلى بمهارات التَّعلُّم التي تقود إلى مزيد من التعلم. ومن الصعب تخيل كيف يُؤشِّر ذلك بالسلب على نزاهة المادة الدراسية، أو يُقلل من مستوى المعايير الأكاديمية، أو يُخرج طلابا ذوي مستوى ضعيف.

الصفحة 180

وظيفة المحتوى

   ويكتب ناش (2009) خاتمةً مناسبة لهذا الفصل يقول فيها: «عادةً عندما أُقلل من حجم المحتوى الذي أُدرسُه، أجد أنني في الواقع أُدَرِّس المزيد. وأُطلق على هذا «مفارقة الكم والكيف التعليمي» :فكلما بذلت الوقت لاستحضار ما يعرفه طلابي بالفعل، وكلما تعمدت تقليل حجم ونطاق حكمتي ومعرفتي الواسعة، تعلم طلابي المزيد.»

الصفحة 181



الفصل السادس : مسؤولية التعلم

   على الرغم من أن الشعور بعدم الرضا عن الطلاب هو شعور قديم قدم مهنة التدريس نفسها، فإن التدريس للطلاب الجامعيين الحاليين يُمثل تحديا لمجموعة متفردة من الأسباب، معظم هذه الأسباب معروف جيدًا، وجاء ذكرها بالفعل في الفصول السابقة؛ فالكثير من الطلاب ليسوا مؤهلين جيدًا للدراسة الجامعية؛ حيث إنهم لا يتمتعون بمهارات دراسية جيدة، وعادةً ما يفتقرون إلى المعرفة الأساسية، والكثير منهم يُحاول الجمع بين التعليم العالي والعمل في وظيفة بدوام كامل وتحمل الالتزامات الأسرية، وعدد كبير منهم يرى التعليم كسبيل يقطعونه للحصول على وظائف ذات أجور جيدة؛ ومِن ثُمَّ هم غير مهتمين على وجه الخصوص بتلقي تعليم جيد المستوى. ومعظم الطلاب الجامعيين لا يتمتعون بالثقة في أنفسهم كمتعلمين؛ حيث إنهم يميلون نحو السلبية، آملين أن يتخذ معلموهم القرارات التعليمية بالنيابة عنهم. فما يُحفّز الطلاب هو التقديرات الدراسية، وأغلبهم لم يقع في حب عملية التعلُّم بعد. وعندما يُخفق الطلاب في الحصول على تقديرات دراسية جيدة، فإنهم سرعان ما يُلقون باللوم على كل شخص وكل شيء من حولهم، ما عدا أنفسهم. 

    ليس من الصعب سرد قائمة بكل ما يسوء الطلاب الجامعيين. وما يُمثل تحديا أكبر وفائدة أكثر - رغم أنه أقل وضوحًا للعيان في الوقت الراهن - هو الإجابات والحلول التي يُقدِّمها طلابنا لمشكلات التدريس. ما الطريقة التي ينبغي للمعلمين اتباعها لتلبية الاحتياجات التعليمية الخاصة بالطلاب؟ ما الذي يُساعدهم على التَّعلُّم؟ كيف يمكن معالجة افتقارهم إلى المهارات؟ هل يمكن أن يُحَفِّزوا لإنجاز ما هو أكثر من مجرد بذل الجهد للحصول على الدرجات والتقديرات؟ كيف نجعلهم يضطلعون بدور نشط

الصفحة 183

التدريس المتمركز حول المتعلم

   في الخبرات التعليمية الخاصة بهم؟ هل توجد أية طريقة تُمكننا من نقل عدوى حب التعلم الذي يُمثل لنا مصدرًا مُلهما للغاية؟ وهذه الأسئلة تقود إلى الموضوع الرئيسي الذي يتناوله هذا الفصل، ألا وهو: الطلاب لا يتحملون مسؤولية التَّعلُّم؛ إذ إنهم لا يعتبرون التعلم مهمة يُمكنهم أداؤها بأنفسهم. وبدلا من ذلك، يريد الطلاب من المعلمين أن ينفذوا مهمة التعلم، ويا حبذا أن تُنفّذ هذه المهمة عن طريق إجراءات سلسة وغير مؤلمة.

     إن إقناع الطلاب بتحمل مسؤولية التَّعلُّم يبدأ بجعل المعلمين يُلاحظون تلك الممارسات المهنية المتعلقة بطرق التدريس التي تجعل الطلاب متعلمين اتكاليين ومقارنتها بالممارسات التي تخلق أجواء دراسية باعثة على التَّعلُّم. ويقترح هذا الفصل مجموعة من المبادئ التي يستطيع المعلمون أن يستعينوا بها لإقامة علاقات تُشجع على التعلم، ثم يُقدِّم مجموعة كبيرة من الأنشطة التي تُوضّح كيفية تطبيق هذه المبادئ على أرض الواقع، وتشتمل بعض هذه الأنشطة على إجراءات يتَّخذها المعلمون، والبعض الآخر يُشرك كلا من المعلمين والطلاب في أنشطة تُهيِّئ أجواء قاعة الدراسة لتكون مكانا يتحمل فيه الطلاب مسؤوليات التعلم. وكما هي الحال مع الجوانب الأخرى الخاصة بالتدريس المتمركز حول المتعلم، توجد مشكلات التطبيق التي سنستكشفها في نهاية هذا الفصل.

 (1) ما الذي يحتاج إلى التغيير ولم يتغير بعد؟

   إذا كنت قد قرأت الفصول السابقة لهذا الفصل، فعلى الأرجح لن تُفاجأ كثيرًا من أنني أومن بأن طريقة استجابتنا لمشكلات التَّعلُّم التي يُواجهها الطلاب هي جزء من المشكلة في نهاية المطاف. إننا نستحق بالفعل الكثير من المدح والإطراء على حسن نوايانا، ومعظمنا يدرك أنه إذا استمرت مشكلات كتلك المشكلات المذكورة في الفقرة الافتتاحية لهذا الفصل، فإن تحقيق استفادة كبرى من تعلم المواد التي تدرسها وتحقيق النجاح بالجامعة، وتحقيق النجاح في الحياة المهنية المستقبلية سيتأثر تأثرا سلبيا على نحو بالغ. ولقد حثت مخاوفنا على إعادة توحيد الصفوف تدريجيا، ودون قصد عادةً، على مستوى السياسات والممارسات المهنية الخاصة بعملية التدريس.

   أولا: نحن نحاول تصحيح أوجه القصور لديهم كمُتعلّمين؛ وذلك عن طريق توضيح الظروف المواتية للتعلم توضيحا جليًّا ومفصَّلا أكثر. وإذا كان الطلاب لا يعرفون أو لا يرغبون في اتخاذ القرارات الضرورية لتحقيق النجاح في المواد التي تدرسها لهم، فإننا

الصفحة 184

مسؤولية التعلم

   نتخذ تلك القرارات بالنيابة عنهم. وهكذا - وكما ناقشنا في الفصل الرابع بالفعل - فقد وضعنا سياسات تُحدد جميع أنواع التفاصيل المتعلقة بعملية التعلم؛ مثل: الحضور الإجباري، وعقوبات عدم الوفاء بمواعيد التسليم النهائية، والمشاركة الإلزامية، ومنع امتحانات الملاحق. إننا نقسم الواجبات الدراسية ونُجزئ مواعيد التسليم لمنع المماطلة والتسويف، وتخفيف حدة الآثار المترتبة على سوء إدارة الوقت. كما أننا نمنع الحديث، والرسائل النصية، والأكل والشرب، والتأخر عن موعد المحاضرة، ومغادرة قاعة الدراسة قبل انتهاء موعد المحاضرة، وأي شيء قد نظن أنه يُشتت الانتباه بعيدا عن محتوى المادة الدراسية. أيضًا نحن نُحدّد التفاصيل الخاصة بالواجبات الدراسية؛ مثل: طول الصفحة وحجم الخط المستخدم، وعرض الهوامش، وعدد المصادر ونسقها. ونستغل الاستراتيجيات المفصلة لمنع الغش بين الطلاب. ويبذل الكثير منا قصارى جهدهم لجعل الطلاب يُؤدُّون ما تستلزمه عملية التعلم.

    أما ما لا يمكن تحقيقه عن طريق السياسات والشروط الإجبارية، فنسعى إلى إنجازه عن طريق مجموعة كبيرة من وسائل التحفيز الخارجية. وهكذا، نستعين بالاختبارات القصيرة لإلزام الطلاب بقراءة المحتوى، ونقدّم درجات إضافية كمكافأة للطلاب إذا ما بحثوا عن أحد المراجع، ونكافئهم بدرجات إضافية إذا ما كانت جميع إجابات مسائل الواجب المنزلي صحيحة، ونضع تقدير ممتاز بجوار كل مشاركة تتم داخل قاعة الدراسة. لقد صارت قاعاتنا الدراسية أماكن نُطبق فيها أساليب الاقتصاد الرمزي لتعديل السلوك؛ حيث يحصل الطلاب على درجة مقابل كل تصرف مرغوب فيه، وتُخصم منهم درجة مقابل كل سلوك غير مرغوب فيه. والأنظمة التي نتبعها لوضع التقديرات الدراسية تُوَزّع الدرجات والنقاط على الواجبات الدراسية والأنشطة والسلوكيات المتبعة داخل قاعة الدراسة بالتفصيل الدقيق والواضح؛ ففي مادة الكيمياء التي درستها، كانت التقارير المعملية تساوي 10 درجات فقط من إجمالي 600 درجة مقرّرة للمادة الدراسية. ومع ذلك، كانت كل درجة مقسمة إلى أعشار، مما يعني أن كل تقرير معملي كان يُساوي بالأساس 100 درجة، وكان الطلاب لا يألون جهدًا ولا يترفعون عن الجدال بشغف على 0,2 أو 0,3من الدرجة الإضافية.

   تؤمن ديان بايك (2011) أن مثل هذه الأنظمة لتوزيع الدرجات «تُدرب الطلاب في نهاية المطاف على التركيز على الأمور الخطأ» (ص4) . فالطلاب يُفكرون في المهام الدراسية للمادة من ناحية الدرجات التي سيحصلون عليها من هذه المادة، لا لأنهم يعتبرون

الصفحة 185

التدريس المتمركز حول المتعلم

    الواجبات الدراسية فُرَصًا لتعلم المادة العلمية المهمة. وهذه الأنظمة «تشتت الطلاب عما يُفترض أن يكون عليه العامل المحفّز لتعلمهم» (ص4). وتصف ديان بايك المعتقد الذي يعتبر التقديرات الدراسية عاملا مُحفّزًا للتَّعلُّم بأنه «فكرة بائدة» في عرف مهنة التدريس؛ فالتقديرات الدراسية تُحفّز الحصول على الدرجات والتقديرات وحسب.

    هل هذه الطرق للتعامل مع المتعلمين السلبيين والاتكاليين تؤتي ثمارها؟ في نهاية المطاف، هل يتعلم الطلاب شيئًا في هذه البيئات المحكومة بقواعد صارمة؟ وهل يتعلمون شيئًا كنتيجة لوسائل التحفيز التي تلوح بها كعصا للتهديد؟ أجل، يتعلمون إلى حد ما. إذا كان الطلاب يتوقعون الخضوع لاختبار قصير، فإنهم يُؤدُّون الواجب المنزلي الخاص بالقراءة. وإذا كان الحضور إجباريا ودرجات الطلاب على المحك، تزداد نسبة حضورهم أكثر من المعتاد ولكن هل هذه الانتصارات القصيرة المدى تقود إلى الهدف الأساسي ؟ ما نوعية الطلاب الذين نراهم في الحلقات الدراسية المؤهلة للتخرج، أو في المواد الخاصة بمشروع التخرج؟ هل هم متعلمون يتمتَّعون بالنضج الفكري والقدرة على تحمل المسئولية، ويُؤدُّون ما ينبغي لهم أداؤه في ظل غياب الشروط الإجبارية وسياسات المادة الدراسية؟ هل يستطيعون ترتيب المهام التعليمية وتنفيذها بمفردهم؟ هل هم متعلمون فضوليون يتمتعون بالخيال الخصب، أولئك المتعلمون الذين يُشاركون بحماس في تجربة التَّعلُّم المستمر مدى الحياة؟

   إنني أتساءل: لماذا لا نرى المشكلات المستمرة المتعلقة بإدارة قاعة الدراسة- من بينها صفاقة الطلاب والسلوكيات الفوضوية، والكثير من السمات الشخصية السلبية التي يتصف بها طلاب الألفية في وقتنا الحالي - كعلامات تدلُّ على أن أساليب التدريس هذه ليست ذات فاعلية كبيرة. يتحمس أعضاء هيئات التدريس، الذين أتعامل معهم، للحديث عن إدارة حجرة الدرس، طارحين أسئلة على غرار كم عدد السياسات والقواعد التي ينبغي لهم وضعها؟ أي منها يؤتي ثماره؟ هل يعرف أحد طريقة لمنع الطلاب من كتابة الرسائل النصية أثناء المحاضرات؟ ولماذا لا يذهب الطلاب إلى الحمام قبل بدء المحاضرة؟ لا تدور هذه المناقشة حول الحد من القواعد والسياسات، كما أنها لا تُشكك في الفرضيات التي تتضمنها هذه السياسات والقواعد وإنما تدور المناقشة حول إضافة المزيد من السياسات والقواعد أو البحث عن السياسات التي تؤتي ثمارها. ألا ينبغي أن يدلنا انشغالنا الدائم بمشكلات إدارة قاعة الدراسة على احتمالية وجود مشكلات في أسلوب التدريس الذي نتبعه؟

الصفحة 186

مسؤولية التعلم

وسواء أكنا نحاول منع السلوكيات الفوضوية، أم نُحفّز التحضير والاستعداد الدراسي. أم نرسخ فكرة النزاهة في الأذهان، فإنَّ ممارسة قدر أكبر من السيطرة ليس الحل الأمثل لهذه المشكلات؛ فهذا الأمر يجعل المعلمين والطلاب يدورون في حلقات مفرغة: فكلما زادت القيود التي تفرضها على بيئة التَّعلُّم زادت القيود التي يحتاج إليها الطلاب، وكلما زاد عدد القرارات التي نتَّخِذُها بالنيابة عنهم قدرتهم على اتخاذ القرارات، وكلما كانت وسيلة التحفيز خارجية قل شعورهم الداخلي بالالتزام تجاه عملية التعلم، وكلما زاد عدد المهام التي نؤديها بالنيابة عنهم قل احتمال تحملهم لمسؤولية التَّعلُّم، وكلما كان قدر السيطرة التي تمارسها أكبر زاد إحكام السيطرة عليهم. وينتهي بنا المطاف إلى التدريس لطلاب يُبدون قدرًا قليلا من الالتزام تجاه عملية التعلم ولا يمكنهم العمل في بيئات تعليمية لا تتمتع بالصرامة الكاملة.    

   غير أن الحل لا يتمثل في التخلي فورًا عن السياسات أو القواعد أو وسائل التحفيز الخارجية، ومرة أخرى أكرر أن الأمر كله متعلق باتباع طريقة مختلفة للتفكير، والاعتراف بأن القواعد والشروط الإلزامية قد تُسفر عن نتائج، ولكنها تُكلفنا وتكلّف المتعلمين الغالي والنفيس، فعلينا أن نعتمد عليها بقدر أقل، ونستعين بها بمزيد من الحكمة والتروي. وينبغي أن تُحدد البدائل، تلك البدائل التي تُهيِّئ أجواء تُشجع على التعلم العميق والدائم. «إن إعطاء الواجبات الدراسية الممتعة الوثيقة الصلة بموضوع الدراسة، وتقديم التقييم في الوقت المناسب، وإتاحة التواصل بين الطالب والمعلم، وإتاحة التواصل بين الطلاب بعضهم مع بعض، والاستغلال الهادف للوقت؛ كلها أمور تُحفّز التعلم» (بايك، 2011، ص6). وأسلوب التدريس المتمركز حول المتعلم معني بخلق أجواء تعليمية داخل قاعة الدراسة تُؤهل الطلاب لكي يكونوا متعلمين ناضجين يتحملون قدرًا أكبر من المسئولية تجاه عملية تعلمهم وعملية تعلم الآخرين.

 (2) المناخ الدراسي الذي يُشجع الطلاب على تحمل مسئولية التعلم 

تبدأ طبيعة هذا التغيير باستكشاف المقصود بكلمة «المناخ» المناسب لعملية التعلم. ومع توافر الفهم لهذه الفكرة، يكون السؤال التالي هو : كيف يخلق المعلمون المناخ الذي يُحفز الطلاب على تحمل مسئولية التَّعلُّم، ويُطوّر مُتعلمين يتسمون بالتوجيه الذاتي؟ وكيف يحافظ المعلمون على هذا المناخ ويُطوّرونه؟ والمناخ الدراسي تشبيه مثير للاهتمام؛ فهو

الصفحة 187

التدريس المتمركز حول المتعلم

يعسَّر وييسر – في آن واحد – فهمنا لتلك الظروف الدراسية التي تُشجع على التحلي بالاستقلالية أثناء التعلم. 

 (2-1) المناخ الدراسي: التعريفات والمواصفات 

   عندما أتعاون مع أعضاء هيئات التدريس لإيجاد تعريف مناسب للمناخ الدراسي، أبدأ بمحاولة توضيح إلى أي مدى يُشوِّش التشبيه على المعنى. على الرغم من أننا نتحدث باستمرار عن المناخ الدراسي - أو «بيئة» التَّعلم أو «الأجواء» الدراسية داخل الأقسام أو المنشآت التعليمية – فإننا لا نشير إلى ظاهرة خاصة بالأرصاد الجوية. وعندما ألفت الانتباه إلى ذلك وأسأل عما يشير إليه هذا التشبيه عادةً ما يُتبع هذا السؤال بفترة صمت طويلة، وبعد ذلك يُخمن الحاضرون إجابات مختصرة، مثل: «الشعور بالراحة»، «مكان آمن»، «الاحترام»، «علاقات طيبة». وهذه الإجابات تصف خصائص المناخ الدراسي، ولكنها لا تُحدد ماهيته.

   لحسن الحظ أن المناخ الدراسي خضع للدراسة التجريبية، أولا على مستوى مرحلتي التعليم الابتدائي والثانوي، ثم على مستوى مرحلة التعليم ما بعد الثانوي أيضًا. وفي ظل غياب أكثر الأبحاث حداثة لا زلت أعتمد على البحث الرائع الخاص بفريزر، حيث بدأ بحثه بافتراض أن المناخ الدراسي يتكون من مجموعة من العلاقات السيكولوجية المعقدة بين المعلم والطلاب، كل على حدة أو مجتمعين، وكذلك العلاقات الفردية والجماعية فيما بين الطلاب وبعضهم. ولقد ابتكر فريزر وتريجست ودينيس (1986) قائمةً خاصة بالبيئة السائدة في قاعة الدراسة داخل الكليات والجامعات، تقيم وتقارن بين البيئات التعليمية المفضّلة والفعلية، وأثبتوا فاعليتها من الناحية التجريبية. وتحتوي القائمة، المكونة من تسعة وأربعين بندا، على سبعة معايير فرعية يمكن اعتبارها إجابات عن سؤال يبدأ بصيغة: «ما هو / هي؟» 

(1) ما هو عنصر التخصيص ؟ وتعريفه: هو تخصيص فُرص للتفاعل بين الأستاذ الجامعي والطلاب، ومقدار الاهتمام الذي يُوليه الأستاذ لكل طالب.

(2) ما هي المشاركة؟ وتعريفها: هي حجم المشاركة النشطة للطلاب في جميع الأنشطة الدراسية داخل قاعة الدراسة.

الصفحة 188

مسؤولية التَّعلُّم 

(3) ما هي درجة الاتساق والانسجام في تعاملات الطلاب؟ وتعني إلى أي مدى يعرف الطلاب بعضهم بعضًا، وإلى أي مدى يتعاملون بود بعضهم مع بعض.

(4) ما هو الشعور بالرضا؟ ويقصد به مدى استمتاع الطلاب بدراسة المادة.

 (5) ما هو التركيز على إنجاز المهمة؟ بمعنى إلى أي مدى تتسم الأنشطة الدراسية بكونها واضحة ومنظمة على نحو جيد، وموجهة نحو إنجاز المهمة. 

(6) ما هو عنصر الابتكار ؟ ويُقصد به إلى أي مدى يُخطّط المحاضر لإجراء أنشطة دراسية جديدة وغير معتادة، ويستعين بأساليب تدريس جديدة، وواجبات دراسية مبتكرة.

(7) ما هي الاستقلالية؟ أو الحد الذي يُسمح به للطلاب باتخاذ القرارات بأنفسهم، وإلى أي مدى يتلقى هؤلاء الطلاب معاملة تفاضلية، وفقا لاحتياجات التعلم الفردية الخاصة بهم.

والجدير بالذكر أن ونستون وآخرين (1994) ابتكروا وسيلة معيارية مشابهة. 

   وبعد الانتهاء من قائمة فريزر، يُحدد الطلاب سمات قاعة الدراسة «المثالية من وجهة نظرهم، ثم يُجرون تقييما للبيئة المتوافرة لدراسة مادة معينة. ويتضح أن الطلاب لا يُصنفون قاعات الدراسة - الشائع فيها حاليا التوجه الخاص بتطبيق القواعد الصارمة والمدفوعة نحو تطبيق الشروط الإلزامية والخاضعة لسيطرة المعلم- على أنها قاعات مثالية. وقد استخدم فريزر القائمة أيضًا لتقييم تصورات أعضاء هيئات التدريس عن قاعة التدريس الخاصة بهم، ثم قارن هذه التصورات بتصورات الطلاب وكانت النتيجة مقلقة إلى حد ما؛ حيث كتب يقول: يميل المعلمون نحو وصف البيئة السائدة داخل قاعة الدراسة بأنها إيجابية أكثر مما يفعل طلابهم (فريزر وتريجست ودينيس، 1986، ص 45).  

    وتشير الأبحاث التي أُجريت حول موضوع المناخ الدراسي إلى أن هذه العلاقات السيكولوجية تؤثر بشدة في نواتج التَّعلُّم، وعن هذا يكتب فريزر: «إنَّ الاستعانة بتصور الطلاب حول البيئة السائدة حاليا في قاعة الدراسة ... رسخت علاقات متينة بين طبيعة البيئة السائدة في قاعة الدراسة ومجموعة متنوعة من المحصلات المعرفية والعاطفية الخاصة بالطلاب» (1986 ، ص 45). فعندما يدرس الطلاب في بيئة تعليمية يُفضّلونها يزداد تحصيلهم الدراسي.

   ويساعدنا التشبيه المجازي الخاص بـ «الطقس» على فهم السبب وراء ذلك؛ فالطقس يُؤثر في السلوك بطرق مباشرة، فعندما يكون الطقس باردًا خارج المنزل، نرتدي السترات

الصفحة 189

التدريس المتمركز حول المتعلم 

   الصوفية والمعاطف والجوارب. هكذا تكون استجابتنا تلقائية. وعندما يأتي شهر أكتوبر في ولاية بنسلفانيا مثلا، نسارع بتخزين الشباشب المطاطية الخفيفة. وقد يحظى نوع معين من «المناخ» الدراسي بالتأثير المباشر نفسه على عملية التعلُّم، بحيث لا يؤجل الطلاب تأدية مهامهم. إنهم لا يبحثون عن الإجابة وحسب، ويرضون بأول إجابة يعثرون عليها، ولا ينسخون عمل شخص آخر؛ فثمة شيء يحتاجون إلى معرفته، فالأمر واضح للعيان، ويُمثل أهمية بالنسبة إليهم، وهم على استعداد للتَّعلُّم. هل يبدو الأمر أشبه بالوصول إلى حالة مثالية حالمة فيما يخص العملية التعليمية؟ حسنًا، في معظم الأيام وفي أغلب القاعات الدراسية لا تكون درجة حرارة التعلم بهذا الدفء على الأرجح.

    ويُوضح التشبيه المجازي أيضًا أنَّ «المناخ» الدراسي داخل قاعة الدراسة لا «يُساعد» على التعلُّم، مثلما لا يدفعنا الطقس البارد إلى الشعور بالدفء، وإنما يُحفّزنا على اتخاذ الإجراءات؛ إذ إننا ترتدي المعاطف والجوارب والقبعات، والهدف هو تهيئة الظروف المناسبة داخل قاعة الدراسة لتحفيز الطلاب على اتخاذ الإجراءات، حيث يجب علينا أن تهَيِّئ تلك الظروف التي تجعلهم يرغبون في بذل الجهد المطلوب للتعلم.

    وعلى الرغم من حقيقة أن هذا التشبيه المجازي جعل مهمة تعريف المناخ الدراسي مهمةً مُعقدةً، فإنه لا يزال يوفر المزيد من الأفكار الملهمة والثرية، وسواء أكانت قاعة الدراسة واقعية أم افتراضية عبر الإنترنت، فإنَّ المناخ الدراسي والأجواء التعليمية لا تتوافر من خلال الأقوال، وإنما عن طريق الأفعال، وإذا كنت ترغب في توفير مناخ دراسي جيد داخل قاعة دراستك، فلن تُوفّره عن طريق إدراج سطرين في خطة المنهج الدراسي يَعِدان بوجود مثل هذا المناخ، وإنما ينشأ هذا المناخ من اتخاذ الإجراءات (وفي بعض الأحيان ينشأ أيضًا من عدم اتخاذ بعض الإجراءات). فأنتَ - كمعلم – تؤدِّي مَهمَّات من شأنها أن تساعد في توفير هذا المناخ، وبمجرد أن يتوافر هذا المناخ، تواصل اتخاذ إجراءات تساعد في الحفاظ عليه. وفي النهاية، وكما هي الحال مع معرفتنا عن المناخ والطقس الجوي بعالمنا الواقعي، فإننا نشارك في تحمل المسئولية حيال هذا المناخ. يستطيع المعلمون توفير نموذج للقيادة، ولكن مهمة توفير المناخ الدراسي المناسب يُشارك فيها الطلاب أيضًا، وفي مرحلة مبكرة من مشواري المهني، سمعت معلمًا حكيما يقول لإحدى الفرق الدراسية: «هذه ليست مادتي، وليست مادتكم، وإنما هي مادتنا، إنَّنا نتشارك معا في تحمل المسئولية تجاه ما يحدث وما لا يحدث هنا داخل قاعة الدراسة.» 

الصفحة 190

مسؤولية التعلم

 (2-2) المناخ الدراسي الذي يُحفّز الطلاب على تحمل مسئولية التعلم 

الهدف واضح؛ فنحن نريد من الطلاب أن يتصرفوا باعتبارهم متعلمين مسئولين. إننا نريد منهم أن يكونوا متعلمين يتمتَّعون بالاعتماد على النفس والاستقلالية، والتوجيه الذاتي، والتنظيم الذاتي، وهذه هي السمات الشخصية التي يقول زيمرمان (1990، ص 4) إنها تميز المتعلمين الذين يتمتعون بالتنظيم الذاتي: «إنهم يتعاملون مع المهام التعليمية بثقة واجتهاد وسعة حيلة ... فالمتعلمون المنظمون ذاتيا يدركون متى يستوعبون حقيقة أو يمتلكون مهارة، ومتى يفتقرون إليها ... والطلاب المنظمون ذاتيا يسعون مسبقًا للبحث عن المعلومات التي يحتاجونها ويتَّخذون الخطوات لإتقانها؛ فعندما يواجهون العراقيل مثل الظروف غير المواتية للمذاكرة أو المعلمين المرتبكين أو الكتب الدراسية المبهمة، يبحثون عن طريقة لتحقيق النجاح.» وفي الآونة الأخيرة، اقترح ماكاسكيل وتايلور (2010) هذا التعريف الفعّال: «يتحمَّل المتعلمون المستقلون مسئولية تعلمهم، ويتمتعون بالحافز نحو التعلم، ويجدون المتعة في التَّعلُّم، ويتمتَّعون بذهن متفتح، ويُجيدون إدارة وقتهم، ويُخططون بفاعلية، ويفون بالمواعيد النهائية لتسليم العمل، ويسعدون بالاعتماد على أنفسهم لإنجاز العمل، ويُبدون المثابرة والإصرار عند مواجهة الصعوبات، وقلما يؤجلون شيئًا؛ خاصة عندما يتعلق الأمر بعملهم» (ص 357). والمشكلة الوحيدة التي أراها في هذه الأوصاف أنها تنطبق على عدد قليل جدًّا من الطلاب. ويشتمل مقال ماكاسكيل وتايلور على استبيان موجز (يبدو مثل اختبارات القياس النفسي) يقيس استقلالية المتعلم، ويُمكن الاستعانة به لإعطاء الطلاب فكرة عما يفعله المتعلمون المستقلون، ولإعطاء المعلمين نوعا من التقييم لتحديد ما إذا كان طلابهم يتمتعون بالاستقلالية أم لا.

   إذا كان المناخ الدراسي قائمًا على العلاقات(بين المعلمين والطلاب، وبين الطلاب وبعضهم مع بعض)، إذن، فما نوعية العلاقات التي تحفز تنمية مهارات المتعلمين الذين ينطبق عليهم هذه الأوصاف؟ دعني أقترح خمس سمات للعلاقات التي تشجع تنمية مهارات المتعلمين الذين يتحملون المسئولية، ويُوفِّرون مناخًا دراسيا ذا طقس مناسب للتعلم:

    العواقب المنطقية: علينا أن نسمح للطلاب أن يتحملوا عواقب القرارات التي يتخذونها حيال عملية التَّعلُّم. هل لديك طلاب يدخلون المحاضرة دون تحضير؟ أو دون قراءة الجزء المطلوب، أو دون الانتهاء من حل مسائل الواجب المنزلي؟ هل توجد بخطة

الصفحة 191

التدريس المتمركز حول المتعلم

   المنهج الدراسي عبارة شديدة اللهجة تأمر الطلاب بالتحضير قبل حضور المحاضرة؟ وهل أكدت على تلك الرسالة بعبارة تتساوى في شدة لهجتها مع ما جاء في خطة المنهج الدراسي؟ ومع ذلك، لا يزال الطلاب يدخلون المحاضرة دون تحضير، والبعض منهم يدخل المحاضرة دون أدنى شعور بالخجل. ما السبب في ذلك؟

   بالطبع، إنهم مشغولون، وبالطبع بعضهم كسالى، وبالطبع الكثيرون منهم يعملون بوظائف ويُعيلون أستراء ولكني لا أظنُّ أن هذه هي الأسباب الحقيقية؛ إنهم يدخلون المحاضرات دون تحضير؛ لأنَّ الكثير من المعلمين الآخرين أخبروهم بالشيء نفسه، ولكن حين حضروا المحاضرة دون تحضير لم يكن هناك عواقب، فهم يجلسون في هدوء ويتجنبون لفت الأنظار إليهم حين يطرح المعلم أسئلة، وفي معظم الأوقات لا يُجبرهم المعلم على الإجابة عن السؤال، وإن حدث ذلك، يبدو عليهم الذعر أو الارتباك، ومن ثم يتخطاهم المعلم. إنه نموذج إيضاحي صريح وواضح للمثل المأثور القائل: «الأفعال أبلغ من الأقوال.» فالطلاب يتصرفون كرد فعل لما نفعله نحن، لا لما نقوله. ونحن لا نفعل شيئًا، ومِن ثُمَّ يُفلتون من العقاب على عدم التحضير للمحاضرة.

    والأمثلة كثيرة على الطريقة التي يُعفي بها المعلمون الطلاب من عواقب تصرفاتهم: لنفترض أنها محاضرة لإحدى المواد التي اعتاد فيها الطلاب الوصول متأخرين عن موعد بدء المحاضرة إنهم يدلفون إلى قاعة الدراسة في لا مبالاة واضحة أثناء الدقائق الخمس أو العشر الأولى. هكذا يمتنع المعلمون عن شرح أي شيء مهم في بداية المحاضرة. ويستوعب الطلاب هذا الأمر؛ ومن ثمَّ يُدركون أنه لا بأس من التأخر عن المحاضرة. هكذا يعزّز المعلمون، دون أن يدركوا ذلك، السلوكيات التي تُقلّل من تحمل الطلاب المسئولية تجاه ما يجب عليهم فعله كمتعلمين. وتُقدّم سارة كوفمان (2003) مثالا آخر: «حتى أبسط الأمور، مثل إحضار أقلام الرصاص معك في فترة الامتحانات لكي يستعيرها الطلاب تعلمهم أنهم ليسوا بحاجة إلى تحمل مسئولية إحضار الأقلام معهم» (ص3)

     قارن هذه الأمثلة بمحاضرة في مادة الرياضيات حضرتُها ذات مرة بهدف رصد أسلوب التدريس المتبع فيها. تفاجأت حين وصلت قاعة الدراسة قبل خمس دقائق من موعد بدء المحاضرة، حين وجدت أن معظم الطلاب موجودون داخل القاعة بالفعل. كذلك جاء المحاضر قبل موعد بدء المحاضرة، واستعرض إجابات الواجب المنزلي على جهاز العرض، وكان الواجب المنزلي يشتمل على بعض المسائل غير الموجودة في الكتاب الدراسي، عرضها لبضع دقائق بعد بدء المحاضرة، ثم رفعها من على جهاز العرض ولم يعرضها ثانية قط.

الصفحة 192

مسؤولية التعلم

   فإذا تأخرت على حضور تلك المحاضرة فاتك تصحيح الواجب المنزلي؛ ومن ثم وقع على كاهلك مسؤولية نقل الإجابات من طالب آخر، أو الذهاب إلى المحاضر بعد انتهاء المحاضرة.

   إن كل قرار يتخذه الطلاب بخصوص عملية التَّعلُّم له عواقب، ولكننا لم نعد نجعلهم يتحملون عواقب معظم القرارات إننا نتردد في هذا الصدد، وبلا أي أسباب وجيهة. من الذي يريد أن يُؤذي الطلاب أو يضعهم في موقف دفاعي، أو حتى يُقلل من التزامهم بالدراسة الجامعية ؟ إن طريقة تحمُّل الطلاب لعواقب قراراتهم هو أمر مهم،ويجب التفكير فيه بحرص. هل الإهانة على الملأ طريقة مبررة للتعامل مع الطالب عند تأخره على المحاضرة؟ وكيف تؤثر هذه الطريقة على باقي الفرقة الدراسية؟ تأكد من أنك إذا وبخت طالبًا على أي مخالفة، فستجد أن باقي الفرقة كلها آذان صاغية. هل يوجد فارق إذا ما كان الطلاب في بداية حياتهم الجامعية أم في نهايتها؟ وإذا ما كانت الفرقة كبيرة أم صغيرة؟ وإذا ما كنت تعرف الطالب معرفة وثيقة أم لا تعرفه على الإطلاق؟ وإذا ما كانت هذه المرة الأولى التي يتأخر فيها الطالب أم المرة الخامسة؟ إن اتخاذ المعلم القرارات بخصوص العواقب ليس أمرا هينا على الإطلاق، ومع ذلك ينبغي أن يتسبب القرار دوما في جعل الطالب يشعر بعواقب أفعاله. 

    لا ينبغي للطالب الذي لم يُحضّر الدرس أن يكون قادرًا على الجلوس في المحاضرة بكل أريحية؛ فعندما أطرح سؤالا بخصوص قراءة الدرس، إذا لم أجد ردا، أُصر على التواصل البصري مباشرةً مع هؤلاء الطلاب الذين يمكنني الاعتماد عليهم عادةً في الإجابة عن الأسئلة وإذا استمر الصمت، أكتب السؤال على السبورة وأقترح أنه ربما يرغب الطلاب أن يُدوِّنوا ملاحظاتهم، ثم أتساءل عن السبب وراء احتمالية أن يكون هذا السؤال ذا أهمية، وألمح إلى أنني قد استعنت بسؤال كهذا في الاختبار. وإذا لم يُولّد هذا الأسلوب أي ردود أترك السؤال بلا إجابة، وأقول لهم: «سنبدأ المحاضرة التالية بهذا السؤال، وأنتم تعرفون أنني سأعتمد عليكم للإجابة عنه.» في مثل هذه المناقشات، أكون إيجابية وصبورة، ولكنني أتمسك برأيي تماما ولا أجيب عن الأسئلة التي أطرحها على الطلاب إلا في حالات نادرة فقط. فكر في الأمر من وجهة نظر الطلاب ما عواقب عدم الإجابة عن الأسئلة التي يطرحها المعلم؟ عادةً، لا تكون هناك أي عواقب، وفي بعض الأحيان إذا انتظر الطلاب لوقت أطول، فثمة مكافأة؛ فالمعلم يجيب عن الأسئلة ودائما ما تكون إجاباته «صحيحة».

الصفحة 193

التدريس المتمركز حول المتعلم

  مبدأ الاتساق: تُنمي علاقة الطالب والمعلم - التي يكون فيها لاتخاذ الإجراءات (وعدم اتخاذها) عواقب - متعلمين يتحملون المسئولية، والأمر نفسه ينطبق على العلاقات التي تتسم بالاتساق، فمن المهم جدا أن يدعم المعلم ما يقوله بأفعاله. على سبيل المثال، توجد في خطة المنهج الدراسي عبارة تقول: «لن تُقبل الواجبات المنزلية المتأخرة.» وفي المحاضرة تشير إلى هذا الأمر مُشدّدًا عليه بقولك:« هذا يعني أن الأمر لن يحدث أبدا، وتحت أي ظروف.» وبعد مرور بضعة أيام، يدنو منك أحد الطلاب في الوقت الذي تبدأ فيه المحاضرة، ومعه قائمة طويلة من الأعذار يُلخّصها بهذا الالتماس قائلا: «أتمنى أن تقبل هذا الواجب المنزلي أنا في حاجة ماسة إلى تقييمك.» فتقبل هذا الأمر مرة واحدة فقط، ولكن تصرفك يشي بكل وضوح وبلا رجعة فيه، لهذا الطالب ولأي طالب آخر رأى هذا الموقف بعينه، بأنك تقبل الواجبات المتأخرة. هكذا يمكن لتصرف واحد أن يضرب بمجموعة كاملة من التعليمات عرض الحائط. وقد أثبت بحث أُجري في مجال التواصل اللفظي صحة المثل القائل: «الأفعال أبلغ من الأقوال» (ناب وهول، 1992) فعندما يُناقض المرسل الرسالة اللفظية - التي يبعث بها إلى المُسْتَقْبِل – بتصرف غير لفظي، فإن المسْتَقْبِل يُصدق الرسالة المتضمنة في ذلك التصرف غير اللفظي.

    إن اتساق ما نقوله مع ما نفعله هو موضوع وثيق الصلة بالكثير من السياقات الدراسية، فإذا قلنا إننا نرغب في المشاركة، ونرحب بالأسئلة، ولا نمانع المقاطعات من جانب الطلاب، ولكننا نواصل تغطية المحتوى بسرعة بالغة وكأننا في سباق للخيل، لتنهي المحاضرة - بأنفاس متقطعة - بدعوة لطرح الأسئلة ثم نظرة سريعة . عبر قاعة الدراسة فإننا بذلك نبعث رسالة، ولكنها ليست الرسالة نفسها التي صرحنا بها في البداية. لقد أوضحنا توا وعلى نحو جلي أن أسئلة الطلاب ومقاطعتهم وتعليقاتهم ليست ذات أهمية إلا لفترة قصيرة من الوقت فقط، ثم نَحْتَتِم تلك الرسالة بقولنا: «حسنًا» حينما لا تُسفر دعوتنا لطرح الأسئلة عن أي سؤال. 

    الاتساق يعني أيضًا أن الطلاب يستطيعون الاعتماد على طريقة تعامل المعلم معهم، فتصرفات المعلم يمكن توقعها، وجميع الطلاب يتم التعامل معهم وفقا للمعايير نفسها؛ فهم يعرفون كيف ستكون بعض الإجابات التي سيرد بها المعلم، بغض النظر عمَّن مِنَ الطلاب يطرح السؤال. فالتوقعات الخاصة بالطلاب (والخاصة بالمعلم أيضًا) واضحة ولا مجال للشك فيها أو لتغييرها، وهذا يعني أن المعلم لا يمكن أن يكون إلا شخصًا لطيفا

الصفحة 194

مسؤولية التعلم

   ولبقاً في التعامل، ومع ذلك فتصرفاته تستند إلى أهداف تتخطى ما قد يظن الطلاب أنهم بحاجة إليه، أو تتخطى السبب الذي يجعلهم يعتقدون أن المبادئ الراسخة لا تنطبق عليهم؛ فالمعلم يتعامل مع كل طالب على حدة، ومع الفرقة بأكملها على نحو موثوق به، ويُمكن توقعه، وهذا الاتساق يُمثل ما يتوقعه من الطلاب باعتبارهم متعلمين ناضجين وقادرين على تحمل المسئولية.

   مستوى عال من المعايير : كثيرًا ما يُثير المعارضون لأسلوب التدريس المتمركز حول المتعلم المخاوف بشأن المعايير؛ حيث إنهم يُشبهون هذا الأسلوب في التدريس بتدليل الطلاب، وكأنَّ المعلم يلبي احتياجهم للدرجات، أو يعتبرهم عملاء يدفعون الأموال مقابل الحصول على منتج ما، وإنما العكس تماما هو الصحيح؛ حيث إنه أسلوب يُحفّز الطلاب على تحمل المسئوليات باعتبارهم متعلمين. وفي القاعات الدراسية التي تتبع هذا الأسلوب في التدريس، يضع المعلمون معايير ذات مستوى عالٍ ويُؤمنون بأن طلابهم يستطيعون الوصول إلى تلك المعايير؛ ومن ثم يلزمون أنفسهم بمساعدتهم على تحقيق بذلك. 

    وقد يبدو أن الطلاب يروق لهم أن يُسهل المعلمون الأمور عليهم، فتجدهم يبتهجون عندما تُلغى المحاضرات، ويبتسمون عندما لا يُضطرون إلى إدراج جزء خاص بالمراجع في الأبحاث التي يُقدِّمونها ، أو عندما تُؤجل الاختبارات، أو عندما يُلغى فصل من المقرر الدراسي، يتشاور الطلاب فيما بينهم بخصوص مَنْ مِن المعلمين يُدرس الأجزاء «السهلة» من المواد الدراسية. هل أعضاء هيئة التدريس مختلفون إلى هذا الحد؟ إننا - المعلمين - نتنفس الصعداء عندما يُلغى اجتماع إحدى اللجان، أو عندما يمد الموعد النهائي لتسليم العمل، أو عندما لا تكلف بالانضمام إلى لجنة بحث أخرى. أليس هذا شكلا موقرًا من أشكال المبدأ الخاص بالبحث عن اللذة في مقابل تجنُّب الألم؟ ففي بعض الأحيان، يستحقُ الطلاب درجات أكثر مما نمنحهم؛ فهم يُدركون حقًا أن المواد الدراسية السهلة والمعلمين ذوي المعايير المتدنية يضرون بقيمة الخبرات التعليمية، وقد يبدو أن هذا ما يُفضّلونه، ولكن الأبحاث تقول إنهم لا يعرفون الفارق. 

   ومن واقع الأبحاث التجريبية التي أجريت على تقييمات الطلاب للمعلمين، أدركنا أن التقييمات العالية ليست من نصيب المعلمين الذين يدرسون المواد الدراسية السهلة، رغم أن الكثير من أعضاء هيئات التدريس لا يزال يعتقدون في ذلك. فبوجه عام، المواد الدراسية السهلة لا تحظى بتقييم عال مثل المواد الدراسية التي تتسم بالصرامة والمعايير

الصفحة 195

التدريس المتمركز حول المتعلم

    عالية المستوى (من أجل الاطلاع على عدد أكبر من الأبحاث الشاملة، انظر مارش وروش 2000، وسنترا ،2003، ومن أجل الاطلاع على أمثلة للأبحاث المستقلة، انظر يانسن وبروينسما، 2005، ديي،2007 مارتن وهاندز ولانكستر وترايتن وميرفي، 2008). هذه النتائج أثبتتها الأدبيات التربوية التي استعرضت تطبيق الممارسات الخاصة بأسلوب التدريس المتمركز حول المتعلم، وسواء أكان الأمر مرتبطا بتحديد السياسات المعمول بها في قاعة الدراسة، أو تحديد المواعيد النهائية لتسليم الواجبات الدراسية أو ابتكار أسئلة الاختبارات القصيرة، فإنَّ الطلاب سيتحملون مسئولية ما يقومون به. هكذا لا يستغلُّ الطلاب الموقف ويُفضّلون اختيار البدائل السهلة؛ فالمعايير والتوقعات الخاصة بالمعلم تدعوهم إلى القيام بعمل أفضل، ولا سيما حين ييسر المعلم محاولات تعلمهم، كما ناقشنا في الفصل الثالث.

    يبدو أن عددًا كبيرًا جدًّا من أعضاء هيئات التدريس قد حادوا عن المسار الصحيح فيما يخص المعايير؛ حيث إنهم يُركزون على رفع مستوى المعايير بدلا من وضع المعايير، ثم رفع مستوى الجهود التي يبذلها الطلاب للوصول إلى تلك المعايير. لا تتضح دوما ماهية المعايير التي يتمسكون بها، ولكنها معايير رفيعة المستوى، لا تتغير أبدًا، ومعظم الطلاب الجامعيين الحاليين لا يستطيعون الوفاء بها. غير أنها معايير يحرص المعلمون على تذكر هدف الوصول إليها، ويوجد عدد قليل من الطلاب، معظمهم من طلاب السنوات الْمُنْصَرِمة، بلغوا هذه المستويات فعلا، ولكن في الوقت الحالي لا تُظهر هذه المعايير شيئًا سوى المستوى الفكري الضعيف جدا للطلاب الجامعيين.

  يمكن أن تكون المعايير عالية المستوى، ولكنها لا ينبغي أن تكون تعجيزية وصعبة المنال؛ فالأهداف رفيعة المستوى على نحو تعجيزي لا تُحفز الطلاب على بذل المجهود، وإنما الأهداف رفيعة المستوى التي يُمكن تحقيقها هي ما تُحفّز الطلاب على ذلك. وفي الأجواء الدراسية التي تُشجِّع على التَّعلُّم، لا تكون المعايير بمنزلة قوانين ثابتة غير قابلة للتغيير، بل إنها تتطور مع تغير المحتوى ومع تغير المعرفة والمهارات اللازمة لتحقيق النجاح في الحياة العملية بعد التخرج، والأهم من ذلك أن المعلم لا يتعامل مع المعايير وإنما مع الطلاب، وذلك بعد تحديد الأهداف الواقعية التي تمثل تحديا لهم. يتمسك المعلمون، الذين يتبعون أسلوب التدريس المتمركز حول المتعلم، بالمعايير العالية، ولكنهم يثقون بشدة فيما يستطيع الطلاب تحقيقه، وعندما يرى الطلاب أن المعلمين يقفون في صفهم ويُلزمون أنفسهم بمساعدتهم على تحقيق النجاح، فإنَّ هذا يُشجعهم ويُحفزهم

الصفحة 196

مسؤولية التعلم

  على بذل الجهد؛ فعندما يؤمن المعلمون بالطلاب، يشرع الطلاب في الإيمان بأنفسهم، ويبدءون في التصرف مثلما تتصرف نوعية المتعلمين الذين نريد من الطلاب أن يتحولوا إليهم.

   التعبير عن الاهتمام: يجب أن يهتم الأساتذة الجامعيون بالطلاب؛ إذ تشير الكثير من الأبحاث إلى السبب وراء ذلك. ويلخص مقال ممتاز كتبه مايرز (2009) هذه الأبحاث ويدمجها. ووجد أحد الأبحاث، (ويلسون، 2006) التي يستشهد بها المقال، أن تصورات الطلاب عن التوجهات الإيجابية التي يتبناها الأساتذة تجاههم (بمعنى أن الأساتذة كانوا مهتمين بطلابهم ويرغبون في نجاحهم ( شكلت 58 بالمائة من عامل التباين الخاص بحافز الطلاب ووجد بنسون وكوهين وباسكيست (2005) أنه عندما توطدت العلاقة بين المعلم والطالب، زاد استمتاع الطلاب بالمحاضرة، وتحسنت نسبة حضورهم، وكذلك تحسن مستوى انتباههم خلال المحاضرة، وزاد معدل مذاكرتهم للدروس، وزاد احتمال تسجيلهم في مواد دراسية إضافية بالتخصص الدراسي. ويلخص مايرز هذه الأبحاث ودراسات أخرى أيضًا على هذا النحو قائلا: «على الرغم من حقيقة أن الطلاب يُدركون تماما ما إذا كان أساتذتهم يهتمون بأمرهم أم لا، فإنَّ الأساتذة لا يمنحون بالضرورة الأولوية لهذا الجانب من عملية التدريس مثلما يفعل الطلاب» (2009، ص 205). وعدد كبير ومثير للدهشة من المعلمين ينقلون رسائل يعتبرها الطلاب إشارات تدل على عدم الاهتمام. وقد سأل هووك وليونز (2008) أكثر من ثلاثمائة طالب من طلاب ماجستير إدارة الأعمال إذا ما انتابهم من قبل شعور بأن معلّم إحدى المواد الدراسية قد «فقد الثقة» فيهم وفي تعلمهم. كان رد أربعة وأربعين بالمائة من الطلاب عن هذا السؤال بالإيجاب.

    يجد بعض أعضاء هيئات التدريس أن ضرورة التعبير عن الاهتمام بالطلاب هو أمر مزعج؛ فمُهمَّتهم هي التدريس، لا تقديم الاهتمام. وينبغي للطلاب أن يكونوا قادرين على التعلم، سواء أكان المعلم يبدي الاهتمام أم لا. البعض الآخر يؤكد على أنهم مهتمون فعلا، ويُبدون هذا الاهتمام عن طريق التحضير دوما قبل إلقاء المحاضرة، وتحديث المادة العلمية بانتظام، وإمداد الطلاب بالتقييم في الوقت المناسب، ولكن طلابهم لا يُقدرون هذه الجهود أو لا يرونها تعبيرا عن الاهتمام. ولا يزال عدد آخر من أعضاء هيئات التدريس يُساورهم القلق من أن يكون التعبير عن الاهتمام تعديا على الحدود المهنية، مما يُورّطهم في الحياة الشخصية الخاصة بطلابهم، أو يُؤثر في المعايير الأكاديمية وصرامة الأجواء الدراسية. ويُلقي مقال مايرز (2009) ومقال هووك وليونز (2008) الضوء على الأبحاث

الصفحة 197

التدريس المتمركز حول المتعلم

   التي حددت مجموعة متنوعة من السلوكيات المتعلقة كثيرًا بالتعبير عن الاهتمام. واشتمل المقالان على أمور مثل: الاستعانة بأمثلة ذات طابع شخصي، واستحضار روح الدعابة، ومخاطبة الطلاب بأسمائهم، والحديث معهم على نحو غير رسمي قبل بدء المحاضرة أو بعدها، والابتسامة والتجول في أرجاء قاعة الدراسة. ومن الصعب تخيل كيف يمكن أن تمس تصرفات كهذه بالنزاهة الأكاديمية الخاصة بالمادة الدراسية، أو تتعدى الحدود المهنية، أو تفوق مؤهلات أعضاء هيئة التدريس.

   وكما هي الحال مع الكثير من الجوانب الخاصة بعملية التدريس، يُمكن إبداء الاهتمام بالطلاب بطرق مختلفة، بل إن ثمة خيارات لمن لا يتبعون أساليب التدريس القائمة على الدعم أو التشجيع بوجه خاص. ويمكن أن تكون هذه الخيارات بسيطة على صورة تعليق عابر لطيف، أو علبة حلوى موضوعة بجوار مقعد الطالب في مكتب المعلم، أو ردود تُظهر الاهتمام باستفسارات رسائل البريد الإلكتروني، ويجب أن تكون وسائل التعبير عن الاهتمام صادقة، إلا أنه يُمكن أن تكون متنوعة أيضًا وينبغي أن تتلاءم مع شخصيتك كمعلم على نحو مريح.

   ويذكر مايرز (2009، ص 209) نقطة أخيرة تستحق الإشارة إليها: «عادةً ما تنشأ حلقة تبادل، يردُّ فيها الطلاب الاهتمام الذي يستقبلونه من أساتذتهم بطرق تُجدد الهدف، وتمنح المعلمين شعورًا بأنهم يُحدِثون فارقًا في حياة الطلاب بطرق مهمة.» وبعبارة أكثر بساطة، ليس الطلاب هم المستفيدين الوحيدين من التعبير عن الاهتمام.

   الالتزام بالتَّعلُّم: عندما يلتزم المعلمون بالتَّعلُّم ويُظهرون هذا الالتزام بصورة جلية للعيان، فإن هذا الأمر يُحفّز الطلاب ويُغيّر من توجههم نحو التَّعلُّم. ويُمكن إبراز الالتزام بالتعلم عن طريق عدة طرق، بدءًا بالاقتراح المقدَّم في الفصل الخامس، وأقصد تكرار طرح السؤال التعليمي بانتظام:«ماذا تتعلمون؟ من هذه المادة، ومن المواد الدراسية الأخرى التي تدرسونها، ومن أصدقائكم، وأثناء وجودكم في العمل، وفي أثناء وجودكم في البيت وأثناء القراءة، وعبر شبكة الإنترنت؟

    بالنسبة إلى معظم المعلمين من السهل الاستعانة بالمحتوى الدراسي لإبراز الالتزام بالتَّعلُّم. إننا ننسى أحيانًا أن حبنا للمادة العلمية يمكن أن يُؤثر في الطلاب بشدة. كم واحد منا اتجه نحو هذا المجال؛ لأنه كان لديه معلم يحب المحتوى الذي يدرسه بجنون؟ وربما نتردد قليلا في إظهار هذا الارتباط العاطفي. لقد قضينا سنوات (وبالنسبة إلى بعضنا، سنوات «كثيرة») ندرس ما يبدو للآخرين وكأنها مجالات معرفية شديدة

الصفحة 198

مسؤولية التعلم

  التخصص، وعندما نُحاول شرح هذه المجالات التخصصية للآخرين، سرعان ما يتّضح أنهم لا يفهمون شيئًا، ولا يريدون أن يفهموا، ولا يدركون كيف يمكن أن يكون هذا التخصص مثيرا للاهتمام بالنسبة إلى شخص ما يتفاعل الطلاب بهذا القدر نفسه من الحيرة والارتباك، بل إن استجابتهم أحيانًا ما تكون أشبه بالازدراء. لقد كتبتُ في موضع آخر عن زميل لي بجامعة ولاية بنسلفانيا كرس حياته لدراسة الخنافس المائية. وأجريتُ مقابلة شخصية مع أحد الطلاب المسجلين بمادته، والذي علق قائلا: «تجد لديك رغبة في إخبار الرجل بأنه ينبغي أن يكون لديه حياة خاصة، ولكنك لا تستطيع قول ذلك؛ لأنه من الواضح أن هذه الخنافس هي حياته.»

   وعلى الرغم من غرابة ما ندرسه، فإنَّ الشعور بالشغف حيال المادة العلمية يمكن أن يُحفز الطلاب، ويمكن التعبير عن هذا الشغف بعدة طرق متنوعة، ليس من الضروري أن يكون التعبير باستعراض مؤثر للحماسة أو باستعادة للذكريات الدرامية، أو بحركة تعبيرية متحمسة. ذات مرة حضرت محاضرة رياضيات وكان أستاذ المادة يفعل ما هو معتاد فعله في مثل هذه المواد؛ إذ وقف يحلُّ إحدى المسائل الرياضية، شارحًا الخطوات ليملأ السبورة المقسمة إلى جزأين قبل أن يصل في النهاية إلى الإجابة. ثم مسح يديه الملطخة بالطباشير في سرواله، وحاول بفتور أن يدس قميصه داخل سرواله أكثر أثناء توجهه إلى الجهة الأخرى من القاعة. ومن موقعه ذاك، حدق في المسألة لبضع ثوان، ثم قال للحاضرين: «هل تلاحظون التناسق ؟ إنه منظر جميل حقا، ولهذا السبب أحب الرياضيات.» لم ألاحظ التناسق الذي تحدث عنه، ولكن أظن أن بعض الطلاب لاحظوا الأمر، وفهمنا جميعا الرسالة بهذا القدر البسيط والحقيقي من المصداقية، تحدث هذا الأستاذ - الذي يميل إلى المظهر الرث أكثر منه إلى المظهر المفعم بالنشاط والحيوية -

عن سمة تأسره في محتوى المادة. 

     كما أنَّ الطلاب يستفيدون أيضًا من رؤية أستاذ المادة يُبدي التزاما عاما أكثر نحو التَّعلُّم، فإذا استطاع الأستاذ أن يتحدث عما يحاول تعلُّمه في الوقت الحالي، أو إذا ما اتَّبع المعلم أسلوب التدريس الهادف لتنمية مهارات التَّعلُّم مباشرةً –سواء أتمثلت هذه المهارات في التفكير النقدي، أم حل المسائل، أم تحليل الأدلة، أم نقل المعرفة – فإن الطلاب يرون أن التَّعلُّم يُمثل أهمية، ويُصبحون أكثر وعيا بأنفسهم كمتعلمين، ويشرعون في إدراك أن الطريقة التي يذاكرون بها المادة تُحدث فارقًا على مستوى تقديراتهم الدراسية، بل وعلى مستوى أوسع نطاقا أيضًا. هكذا تكون مهارات التعلم التي استطاعوا اكتسابها

الصفحة 199

التدريس المتمركز حول المتعلم

    في المرحلة الجامعية مفيدة، ومن ثُمَّ قيمة. بالطبع، هذا لا يحدث دفعة واحدة، ولا يحدث لكل طالب. ولكن عندما يشتمل جزء من علاقة المعلم تجاه الطلاب وطريقة تعامله معهم على التزام واضح للغاية بالتَّعلُّم، فسيكون لهذا أثر على معظم الطلاب.     

    سيلاحظ بعض القُراء منكم أن كل سمة من سمات هذه العلاقة تصف المعلمين. ويُوضح مضمون الجزء الافتتاحي من هذا الفصل أن المناخ الدراسي ليس بشيء يُوفره المعلم وحده، وهذه السمات الخاصة بالمعلم لا تعارض تلك النقطة، وإنما توضح هذه السمات الدور القيادي الذي يُؤديه المعلمون الذين يتبعون أسلوب التدريس المتمركز حول المتعلم فيما يتعلق بتوفير الأجواء الدراسية. التي تُشجّع عملية التعلم، والحفاظ على هذه الأجواء، كما تُوضّح قائمة هيلسن الشاملة (2002، ص 150-155) لمقترحات توفير مناخ دراسي إيجابي. يتطلع الطلاب إلى أعضاء هيئة التدريس بحثا عن القيادة فيهم على مدار فترة دراسة المادة. وهم يتأثرون بالطرق التي يقترحها أعضاء هيئة التدريس لتحديد ماهية العلاقات التي تربطهم بالطلاب، النقطة الرئيسية في هذا القسم هي أ أن تلك العلاقات يمكن تصميمها بطرق تُشجِّع الطلاب على تحمل مسئولية التعلم. إنها علاقات تعزّز تنمية قدرات المتعلمين المستقلين الذين يسمون بالتوجيه الذاتي، و«الجو الدافئ»، في مثل هذه القاعات الدراسية، يجعل الجميع أكثر إنتاجية.

 (3) إشراك الطلاب في المناخ الدراسي 

    بالإضافة إلى العلاقات التي تربط بين المعلم والطالب، والتي تشجّع عملية التعلم، توجد أنشطة تشرك الطلاب في خلق أجواء باعثة على التَّعلُّم والحفاظ على تلك الأجواء وتعزيزها. وكما هي الحال مع أعضاء هيئات التدريس، يستوعب الطلاب فكرة المناخ الدراسي على نحو أقرب لكونه أمرًا فطريًا أكثر من كونه واضحًا وصريحًا، ويُمكن للأنشطة، التي تُجرى في مرحلة مبكرة من دراسة المادة، أن تزيد الوعي وتُحفّز الإسهامات الإيجابية. والمساهمة المنتظمة من جانب الطلاب يُمكن أن تساعد، بل وتعزّز أكثر، تلك الظروف التي تزيد من الالتزام بالتَّعلُّم. وتصف الأنشطة التالية كيف يُمكن إشراك الطلاب في تحقيق كل هدف من هذه الأهداف. بعض الأنشطة تُحقِّق أكثر من هدف واحد من هذه الأهداف، وجميع الأنشطة تعتمد بعضها على بعض. وكلما زاد الوقت الذي يُخصصه المعلم لإشراك

الصفحة 200

مسؤولية التعلم

  الطلاب في مسائل متعلقة بالمناخ الدراسي، زاد شعورهم بالانتماء تجاه المادة الدراسية، وزاد قدر المسؤولية التي يتحملونها لجعل قاعة الدراسة مكانا مناسبًا للتعلم.

 (3-1) إشراك الطلاب في خلق المناخ الدراسي 

   النشاط المفضَّل عندي لتقديم الطلاب لفكرة المناخ الدراسي هو نشاط بسيط يستغرق أقل من خمس عشرة دقيقة؛ حيث أُقسم السبورة إلى جزءين، وفي جزء أكتب عنوانًا بخط كبير «أفضل مادة دَرَسْتُها في حياتي»، وأكتب في الجزء الآخر «أسوأ مادة دَرَسْتُها في حياتي» (في الواقع، نظرًا لأنني أعمل في إحدى المؤسسات التعليمية الحكومية، كثيرا ما أكتب «مادة من الجحيم»). وتحت كل عنوان، أكتب عنوانين فرعيين: «ما فعله المعلم» و«ما فعله الطلاب». وأخبر الطلاب بأنني سأقف في مواجهة السبورة وأكتب ما أسمعه منهم. إنني لا أريد أن أسمع اسم أية مادة أو اسم معلم بالتحديد. عادةً ما يبدءون بأمثلة على الأشياء التي يفعلها المعلمون في محاضراتهم. وعندما تسود فترة صمت، أكتب سريعا بضع نقاط تحت العنوان الفرعي: «ما فعله الطلاب» في أفضل وأسوأ مادة درَستُها. وفي غضون بضع دقائق، يكون لدينا صورتان مختلفتان تمامًا على السبورة. وأختتم هذا النشاط بالانتقال إلى الجزء المعنون بـ «أفضل مادة» وأشير إلى أن هذا هو السبب الذي من أجله أصبحت معلمة. وأقول لهم: «أريد أن تكون المادة التي أدرسها لكم واحدة من أفضل المواد، ولكن - كما تعلمون- لا أستطيع القيام بذلك من دونكم. هل يمكننا التعاون معا لجعل هذه المادة فرصة لتعلُّم الكثير والاستمتاع أثناء قيامنا بذلك؟» 

   تروق لي الطريقة التي يُؤدِّي بها هذا النشاط إلى توعية الطلاب بالمشكلات المرتبطة بالعلاقة بين الطالب والمعلم، والتي تؤثر على الأجواء الدراسية. وبخصوص أسوأ المواد التي درسها الطلاب يتحدث الطلاب عن المعلمين الذين لم يبدوا الاهتمام، أولئك المعلمون الذين يجعلون قاعة الدراسة مكانًا يُحجم فيه الطلاب عن المشاركة أو الاشتراك في أي نشاط. وبخصوص أفضل المواد التي درسوها وصف الطلاب كيف ساعدهم المعلم على التَّعلُّم، وكيف حفزهم على العمل بكد، وكيف استمتعوا بحضور المحاضرات. ويُوضح النشاط أيضًا أن تصرفات الطلاب تُؤثر فيما يحدث داخل قاعة الدراسة. إنه يقدم للطلاب فكرة أن المعلمين والطلاب يتشاركون في تحمل مسئولية الجو السائد في قاعة الدراسة. وعندما يسمح الوقت، سنناقش أيضًا هذه الفكرة.

الصفحة 201

التدريس المتمركز حول المتعلم

   تقترح باربرا جوزا (1993) نشاطًا مشابها تُطلق عليه «جرافيتي تقييم الحاجات»؛ حيث تكتب الجزء الاستهلالي لعشر جمل على رأس صفحة في حجم ورقة الصحف (جملة واحدة في كل صفحة)، وتُعلِّقها على حوائط قاعة الدراسة. يتجول الطلاب خلال الدقائق القليلة الأولى، ويجتمع بعضهم مع بعض ليكملوا نهايات هذه الجمل. وتستعين باربارا جوزا بهذا التدريب لجمع المعلومات عن أهداف الطلاب من دراسة المادة، واكتشاف مستويات المعرفة الأساسية، وإثارة الاهتمام بأهداف المادة. ويُمكنك أن تستعين بالنشاط لهذا الغرض، أو يُمكنك أن تُعدِّله لفتح باب النقاش بخصوص المناخ الدراسي والظروف المناسبة للتعلم، أو تستعين به لإنجاز كلا الغرضَيْن. وإليك بعض الأمثلة على رءوس الجمل المرتبطة بموضوع المناخ الدراسي: «في أفضل مادة دَرَستُها في حياتي، كان الطلاب ...»، «في أفضل مادة دَرَستُها في حياتي، كان المعلم...»، «أتعلم على نحو أفضل، عندما ...»، «أشعر بثقة تامة كمُتعلّم، عندما ...»، «لا أتعلم جيدا في قاعة دراسية بها...»، «يُشجعني الزملاء على التعلم عندما ...»

    يمكن الاستعانة ببحث أجراه أبلبي (1990) لتصميم نوعية مختلفة جدا من نشاط تهيئة المناخ الدراسي. تُعد نتائج أبلبي قديمة؛ نوعا ما ولكن الفكرة الأساسية ليست قديمة إذ استطلع أبلبي آراء مجموعة من الطلاب، وطلب منهم أن يُحددوا أكثر السلوكيات التي «ضايقتهم» من جانب أعضاء هيئة التدريس. كما استطلع أيضًا آراء أعضاء هيئة التدريس، وطلب منهم أن يسردوا قائمة بالسلوكيات التي ضايقتهم من جانب الطلاب. لا تزال بعض هذه السلوكيات مزعجة، مثل الطلاب الذين يتحدثون أثناء المحاضرة، ويغلبهم النعاس، ويتأخَّرون عن موعد المحاضرة، ويُغادرون مبكرًا، ويتغيبون باستمرار والذين يبدو عليهم الملل أثناء المحاضرة، وأعضاء هيئة التدريس الذين يواصلون المحاضرة حتى وقت متأخر، والذين يُعاملون الطلاب مثل الأطفال، والذين يعتقدون أنهم دائما على حق.

    يمكنك أن تقسم الطلاب إلى مجموعات، وتضرب بعض الأمثلة على هذه السلوكيات، وتطلب من كل مجموعة أن تُحدِّد خمسة سلوكيات تصدر من أعضاء هيئة التدريس وتُضايق الطلاب، أو سلوكيات تصدر من أعضاء هيئة التدريس وتعرقل عملية التعلم. ويمكن تجميع النتائج من كل مجموعة لابتكار قائمة بأكثر خمسة سلوكيات مزعجة. ويمكن مشاركة هذه السلوكيات مع الطلاب، بالإضافة إلى قائمة أعضاء هيئة التدريس بأكثر خمسة سلوكيات من جانب الطلاب تُزعج أو تُصعّب عملية التدريس. الهدف هو

الصفحة 202

مسؤولية التعلم

   جعل الطلاب يتجنبون هذه السلوكيات، أما ورقة الضغط فهي عبارة عن التزام أعضاء هيئة التدريس بتجنب السلوكيات التي تُضايق الطلاب وتهدد الجهود التي يبذلونها للتَّعلُّم. هذا النشاط يُجنبنا الحاجة لملء خطة المنهج بالتحذيرات والممنوعات. ستظلُّ هناك سلوكيات متعارضة مع القواعد، ولكن يتم تحديدها عن طريق عملية تجعل كلا من المعلمين والطلاب عرضةً للمساءلة وتحمل المسئولية.

    لقد تعلمنا من البحث الخاص بفريزر (1986) أنَّ المناخ الدراسي يتأثر أيضًا بالعلاقات بين الطلاب بعضهم مع بعض سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، وهذه العلاقات يجب أن تلقى تشجيعًا، وبخاصة في القاعات الدراسية التي لا يعرف فيها الطلاب بعضهم بعضًا. والكثير من أعضاء هيئات التدريس يستعينون بوسائل لكسر الجمود داخل قاعة الدراسة من أجل بدء عملية التعارف بين الطلاب. ويُمكن العثور على مجموعة رائعة من الوسائل في كتاب باركلي بعنوان: «أساليب إشراك الطلاب» (2010، ص 115-120). وتروق لي وسائل كسر الجمود المرتبطة بالمحتوى الدراسي؛ ففي نشاط التعارف السريع الذي ابتكرته كارين إيفلار، يجلس الطلاب في صفين متقابلين. ويُمسك كل طالب في يَدَيْه نسخةً من خطة المنهج الدراسي، وتطرح كارين إيفلار سؤالين: واحدًا بخصوص شيء في المنهج الدراسي، والآخر سؤال شخصي. ويجب أن يرد كل طالب بسرعة على كلا السؤالين قبل أن يترك شريكه مكانه لطالب جديد في الصف نفسه، ويُجيب الشركاء الجدد على سؤالين مختلفين. نشاط كهذا لا يجعل الطلاب يتفاعلون بعضهم مع بعض وحسب، بل هو طريقة أخرى للمعلمين لا تضطرهم إلى «استعراض» خطة المنهج الدراسي.

     توجد أنشطة أخرى موضحة في فصول أخرى بهذا الكتاب، يمكن الاستعانة بها لتهيئة أجواء دراسية تُشجّع على التَّعلُّم. إن السماح للطلاب كي يُحددوا إحدى السياسات أو عدة سياسات داخل قاعة الدراسة، كما جاء في الفصل الرابع، أو منح الطلاب دورًا في ابتكار خطة المنهج الدراسي يُرسِّخ بفاعلية المسئولية المشتركة عما يحدث داخل قاعة الدراسة.

 (3-2) إشراك الطلاب في الحفاظ على المناخ الدراسي 

أنشطة كتلك التي استعرضناها توا تُساعد فعلا في توفير مناخ دراسي جيد داخل قاعة الدراسة، ولكن مثل الطقس المناخ الدراسي، يُمكن أن يتغير، وأحيانًا على نحو سريع

الصفحة 203

التدريس المتمركز حول المتعلم

    جدا. أحيانًا يتغير المناخ الدراسي تدريجيًّا، مثلما تتحول فصول السنة من فصل لآخر بالتدريج. وعلاوةً على ذلك، يعيش الطلاب والمعلمون جوانب المناخ الدراسي على نحو مختلف؛ فالبعض أكثر حساسية تجاه «البرد»، بينما يكون البعض الآخر أكثر تناغما مع التغيير. ومن أجل الحفاظ على المناخ، يحتاج المعلمون إلى مجموعة من الأنشطة التي تمكنهم من الحفاظ على خط سير البيئة التعليمية داخل قاعة الدراسة. ومن الخطورة أن نفترض أن تصورات أعضاء هيئات التدريس وتصورات الطلاب عما يحدث داخل قاعة الدراسة هي تصورات متماثلة. 

   ما زلتُ أوصي أعضاء هيئات التدريس باستخدام القائمة الخاصة بالبيئة السائدة في قاعة الدراسة داخل الكليات والجامعات (فريزر وتريجست ودينيس، 1986) التي ناقشناها في موضع سابق من هذا الفصل. القائمة والتعليمات الخاصة بحساب مجموع النقاط فيها مدرجة في المقالة البحثية، وبالإضافة إلى توفير التقييم فيما يخص المناخ الحقيقي السائد داخل قاعة الدراسة، فإن هذه القائمة تُنمي وعي الطلاب لما يشكل الأجواء الدراسية. كما ذكرنا في موضع سابق، طلب الباحثون من الطلاب أن يُجيبوا عن كل بند في القائمة مرتين: مرة لتقييم المناخ الدراسي المثالي، ومرة أخرى لتقييم المناخ السائد في هذه المادة تحديدًا. هذه المقارنات مفيدة، وتزداد قيمة هذا التقييم أيضًا عندما يكمل أعضاء هيئات التدريس هذه القائمة. ويُمكنك أن تكملها بالطريقة نفسها التي يتبعها الطلاب، وذلك عن طريق الإشارة إلى المناخ الدراسي المثالي، ثم الإشارة إلى تجربتك بخصوص المناخ السائد أثناء دراسة هذه المادة. إنَّ مقارنة نتائجك بالنتائج المجمعة من الفرقة الدراسية قد يُسفر عن مناقشة مُمتعة وتثقيفية (ويمكنك أن تُؤدي هذا النشاط عبر شبكة الإنترنت إذا كنتَ تُفضّل عدم تخصيص وقت من المحاضرة لهذا الأمر). إذا كنت مهتما بمعرفة مدى دقة إدراكك لتقييمات الطلاب فيما يتعلق بالمناخ السائد داخل قاعة الدراسة، يُمكنك أن تكمل القائمة لتتوقع إجابة الفرقة الدراسية قبل أن يتم حساب درجاتها. وإذا ما أكمل الطلاب القائمة لأكثر من مرة واحدة، فإنه يُمكن تتبع تغيرات المناخ الدراسي عبر الزمن.

   لقد جمعتُ تقييمات المناخ الدراسي باستخدام نسخة معدلة لأسلوب التقييم الذي اقترحه جارنر وإيمري (1993)؛ حيث جعلا الطلاب يُقسمون ورقة حجمها 21,59 سنتيمترا × 27,94 سنتيمترًا إلى ثلاثة أعمدة، وصنفا الأعمدة تحت العناوين التالية: «ابدأ» و«توقف» و«استمر». وتحت عنوان «ابدأ»، جعَلا الطلاب يدونون الأمور الغائبة عن البيئة السائدة في قاعة الدراسة الحالية، تلك الأمور التي إن وجدت من شأنها تعزيز

الصفحة 204

مسؤولية التعلم

   تعلمهم. وتحت عنوان «توقف»، يدوّن الطلاب جوانب في المناخ الدراسي تنتقص من قيمة تجارب التَّعلم الخاصة بهم. وتحت عنوان «استمر»،يدوّن الطلاب الأمور التي نفعلها وتُسهم على نحو إيجابي وينبغي الحفاظ عليها.

    وسواء أكنتَ تستعين بنوع من القوائم الخاصة بتقييم المناخ الدراسي أو وسيلة أخرى من وسائل التقييم المنهجي البناء، فمن الضروري أن تُطلع الطلاب على النتائج. هذا ليس تقييما مفيدًا للمعلمين وحسب، فسواء أكان المناخ داخل قاعة الدراسة جيدًا أم سيئًا أم في موضع ما بين الاثنين، فلقد ساهم الطلاب فيما صار الأمر عليه. إن مشاركة المعلومات يُوفِّر فرصة مُمتازة لحث الطلاب على التفكير في إسهاماتهم؛ أي كيف تعرقل بعض التصرفات الجهود التي يبذلها الجميع للتَّعلُّم، وكيف يمكن لتصرفات أخرى أن تجعل من قاعة الدراسة بيئة أفضل للتعلم.

 (3-3) إشراك الطلاب في تعزيز المناخ الدراسي 

   بالإضافة إلى توفير المناخ المناسب للتَّعلُّم؛ داخل قاعة الدراسة، واتخاذ الإجراءات التي تضمن الحفاظ على هذا المناخ من الممكن أيضًا مواصلة تهيئة المناخ المناسب للتَّعلم؛ بحيث يكون أكثر تشجيعا على التَّعلُّم. وبالاستعانة مرة أخرى بالتشبيه المجازي الخاص بالطقس، كلما كان مناخ التَّعلُّم «أكثر دفئًا» داخل قاعة الدراسة شعر الطلاب بمزيد من التحفيز، وأسفر ذلك عادةً عن مزيد من التَّعلُّم.

    يُقدِّم العمل الجماعي مثالاً مُحدَّدًا؛ فبينما يمضي الطلاب قدما في دراسة المادة، ويكتسبون الخبرة من العمل في مجموعات، يمكن تشجيعهم أيضًا على تحمل المزيد من المسئوليات تجاه ما يحدث داخل المجموعة. إنني أشجّع الطلاب على التفكير في المستقبل عند العمل مع الآخرين في سياق مهني لا يكون فيه المعلم على مقربة كي يحل مشكلات المجموعة. هل التوجه إلى مكتب المدير للشكوى من أن أعضاء المجموعة لا يُشاركون في العمل، أو لا يستعدون لحضور الاجتماعات، أو لا يُنجزون عملا ذا جودة عالية هو ما يتوقعه المدير من مهنيين ذوي مؤهل جامعي ؟

     كيف يمكن منح المجموعات سلطة للتعامل مع هذه النوعية من المشكلات الخاصة بالتواصل بين أفراد المجموعة الواحدة؟ الأمر يبدأ بفهم أنَّ لأعضاء المجموعة مسئوليات فردية، وأن للمجموعة ككل مسئوليات جماعية. وتنصُّ لائحة الحقوق والمسئوليات الخاصة

الصفحة 205

التدريس المتمركز حول المتعلم

   بأفراد المجموعة، الموجودة في الملحق الثاني من هذا الكتاب، على ما يحق للأفراد توقعه من المجموعة وما يحق للمجموعة توقعه من الأفراد المستقلين. يمكن توزيع هذه الوثيقة على المجموعات في أول مقابلة لهم، وربما يُكلفون بمناقشة الوثيقة ومراجعتها والتصديق عليها. أو يمكن تشجيع المجموعة على ابتكار وثيقة الحقوق والمسئوليات الخاصة بهم؛ فوجود وثيقة كهذه لا تضمن أن أعضاء المجموعة - على مستوى الفرد أو الجماعة - سيتصرفون بناءً على الحقوق والمسئوليات المخولة لهم، وإنما ستُحسن فرص حدوث ذلك، وإن لم يحدث هذا، فإنها ستسهل التعامل مع المشكلة على نحو أكبر.    

   في إحدى مواد السنوات النهائية التي تستغرق فيها المشروعات الجماعية وقتًا طويلا وتتسم بالتعقيد، جعل أحد زملائي كل مجموعة تُشكل رابطة لتيسير عملية التواصل. يجتمع أعضاء هذه الرابطة الميسرة لعملية التواصل مع المعلم مرة واحدة كل بضعة أسابيع. وتُناقش المجموعة عدة مشكلات متنوعة مثل: الأعضاء الذين لا يُنجزون العمل المطلوب، والصعوبات التي قد تواجهها المجموعة بخصوص تسوية الخلافات والأعضاء الذين يرغبون في إنجاز العمل كله بمفردهم، وأعضاء المجموعة الذين يُؤجلون العمل، ويُناقش الأعضاء الميسرون لعملية التواصل - بمساعدة المعلم - الحلول في جلسة عصف ذهني؛ أي الخيارات التي قد تلجأ إليها المجموعة للتعامل . هذه المشكلات. يعود الميسرون لعملية التواصل إلى مجموعتهم الأساسية ليناقشوا المشكلات والحلول، ويكون التحدي الماثل أمامهم هو تشجيع المجموعة على التعامل مع المشكلات. وعن طريق العمل الجماعي، يُعزّز المناخ المناسب للتَّعلُّم عندما تصير المجموعات قادرة على الاعتماد على أنفسها لأداء وظيفتها بفاعلية.     

    إن المناخ المناسب للتعلم داخل قاعة الدراسة يتحسّن أيضًا عندما يتحمل الطلاب المستقلون المسئوليات، وأفضل مثال على ذلك هو توقف الطلاب تلقائيا عن إلقاء اللوم على المعلمين أو مستوى صعوبة الاختبار فيما يخص ضعف مستوى أدائهم. ليس من السهل دوما جعل الطلاب يفهمون أنهم اتخذوا قرارات ساهمت في ضعف مستوى أدائهم في الاختبار، ولكن إليك بعض الأفكار، ادْعُ الطلاب أصحاب الأداء الضعيف لمقابلتك أثناء ساعات العمل في مكتبك، إذا كان حجم الفرقة الدراسية يسمح بذلك. وجه هذه الدعوة عبر البريد الإلكتروني أو عن طريق ملحوظة خاصة على الاختبار، وليس عن طريق إخبار الطالب أمام الفرقة الدراسية بأكملها أن يأتي لمقابلتك في مكتبك. وإذا كنت تريد الاستعانة بأسلوب ذي تأثير أقوى، احجب درجة الاختبار حتى يأتي الطالب لمقابلتك، 

الصفحة 206

مسؤولية التعلم

   ربما يتعين عليك حجب بعض التقديرات الممتازة والمتوسطة أيضًا - وليست التقديرات الراسبة وحدها - وإلا سيفهم الطلاب النظام المتَّبع، وسيأخذون حذرهم من الذهاب إلى مكتبك. إن توجه الطلاب إلى مكتبك هي الخطوة الأولى نحو تحملهم للمسئولية تجاه التقدير الدراسي. لن يأتيك جميع الطلاب، وعلى المعلمين أن يكونوا واقعيين، أقصد أننا لا نستطيع مساعدة الطلاب الذين لا يُريدون المساعدة.

     إن الحوار الذي لا تُريده هو ذلك الحوار الذي يُخبر فيه المعلم الطالب بما يتعين عليه القيام به، وإنما يجب على المعلم في هذا الحوار أن يُثير تساؤلات مثل: كيف ذاكرت دروسك ؟ ما الذي ذاكرته؟ في رأيك لماذا لم تنجح أساليبك الخاصة؟ هل هناك بعض الأمور التي أنجزتها حققت نتائج أفضل من أمور أخرى؟ يجب أن يكون الحوار متعلقا بالمستقبل أيضًا: إذن ما الذي يتعين عليك فعله الآن لتستعد على نحو أفضل للاختبار القادم؟ هل هذا يتضمن الذهاب إلى مركز من مراكز التعلم ورؤية أي نوع من المساعدات قد يكون متاحًا هناك؟ والنتيجة المرغوبة. هي التوصل إلى خطة استراتيجية مدروسة تتضمن إجراءات ملموسة يستطيع الطالب اتخاذها. يمكن للمعلم أن يقترح خيارات ويُقدِّم النصيحة، إلا أنه يتعين على الطالب أن يضع الخطة الاستراتيجية المدروسة بنفسه.

   باستخدام نموذج كهذا، أجرى ماكبراير (2001) 547 لقاء مع الطلاب، وأفاد بأن درجات الاختبار التالي في مادة مقدمة إلى علم النفس، زادت بوجه عام بمقدار عشر درجات. أما الطلاب الذين كانوا بحاجة إلى تخصيص وقت لعقد مثل هذه اللقاءات ولكنهم لم يفعلوا، فلم يُظهروا أي تحسن ملموس في الاختبارات التالية. ولعل من الممكن تحفيز المزيد من الطلاب، عن طريق اللقاءات التي تُعقد بعد الاختبارات، لو أنَّ المعلم جمع بيانات كهذه واستطاع عرض متوسط زيادة درجات الطلاب الذين استفادوا من هذه الفرصة.

كما تُوضّح هذه الجزئية من هذا الفصل يوجد الكثير من خيارات الأنشطة التي تُوفِّر مناخًا دراسيًّا بَنَّاء وتحافظ عليه وتُعزّزه. حتى الآن، لا تُقدّم الأبحاث معلومات عن عدد أو طريقة دمج الأنشطة التي نحتاج إليها لصنع تلك الأجواء، حيث يتحمل فيها الطلاب مسئولية التعلم، وعلى المعلمين أن يستكشفوا آثار هذه الأنشطة بأنفسهم. يُمكن لعدد كبير منا - نحن المعلمين - أن يُصرحوا بأنهم غيروا المناخ بالفعل داخل قاعتهم الدراسية

الصفحة 207

التدريس المتمركز حول المتعلم

بطرق بنَّاءة، على نحو جدير بالملاحظة. إنها أنشطة تُشجّع الطلاب على التصرف على نحو يبين تحملهم قدرًا أكبر من المسئولية حيال عملية تعلمهم وعملية تعلم الآخرين أيضًا.

 (4) مشكلات التطبيق 

   أود أن أفكر مليا في بضعة أسئلة تبرز حين تُصبح قاعات الدراسة أماكن يتحمل فيها الطلاب قدرًا أكبر من المسئولية تجاه عملية تعلمهم لهذه الأسئلة تشعبات فلسفية وعملية، وللأسف، لست متأكدة من أننا قد اقتربنا من الإجابات الآن أكثر مما كنا عليه حين نُشِر هذا الكتاب لأول مرة.

    ومن واقع تجربتي العملية، اشتملت أولى الأسئلة المثارة على عملية توقفي وتوقف الطلاب تدريجيا عن الاعتماد بقوة على القواعد والسياسات ووسائل التحفيز الخارجية التي مثلت لفترة طويلة جزءًا من الخبرات التعليمية الخاصة بالطلاب، وجزءا من أسلوبي في التدريس. لا يمكنك أن تتخلى عن القواعد كلها دفعة واحدة، ولقد جاهدتُ لاستكشاف الأنشطة التعليمية والواجبات الدراسية والسياسات والأساليب التي تهيئ الطلاب غير الناضجين، وغير المسئولين عادةً، لتحمل مسئولية التَّعلُّم. ولقد جاهدت أيضًا لاتخاذ الإجراءات التي أجدها مريحة. وفي بعض الحالات كان هذا يعني التخلي عن إحدى السياسات لينتهي بي الحال لإعادة هذه السياسة مرة أخرى أثناء الفصل الدراسي التالي. وعلى وجه التحديد، الأسئلة كما يلي: هل الأمر متعلق بالتخلص من بعض القواعد، والحفاظ على البعض الآخر، ولكن بشرط التَّوصُّل إلى عدد أقل من القواعد في المجمل؟ كيف تُحدد القواعد التي تبقى والقواعد التي تُلغى؟ أم ينبغي لك أن تُعدِّل القواعد بحيث تتيح قدرًا أكبر من الحريات، وفي الوقت نفسه تجعل الطلاب يتحملون المزيد من المسئوليات؟ أم أن الأمر ينطوي على قدر من المزج بين إلغاء بعض القواعد والحفاظ على بعض منها وتعديل البعض الآخر؟ معظمنا يجيب عن تلك الأسئلة بنفسه، ويفعل ذلك عن طريق التجربة والخطأ.

    المجموعة الثانية من الأسئلة متعلقة بالسماح للطلاب. بتحمل العواقب المنطقية للقرارات التي يتخذونها حيال التَّعلُّم. كم عدد العواقب التي يتعين على الطلاب (لا سيما المبتدئين) تحمُّلها، وما نوعية العواقب المناسبة؟ على سبيل المثال، إذا أدركت (بناءً على الدليل القاطع، وليس بناء على انطباع عام) أن الحضور يُؤثّر بشدة على مستوى الأداء في مادتك، فهل السماح للطلاب أن يُقرّروا حضور المحاضرات أو التَّغيب عنها هو أمر

الصفحة 208

مسؤولية التعلم

   يتم عن تحمل المسئولية الأخلاقية؟ لقد رأى معظمنا عددًا كبيرًا جدًّا من الطلاب الذين يتخذون القرار الخطأ ويُقررون أن الحضور غير مهم. هل ينبغي لنا أن نسمح للطلاب المبتدئين باتخاذ قرارات قد تعني أنهم سيحتاجون في نهاية المطاف إلى خمسة أعوام لإنهاء الدراسة الجامعية، أو قرارات تُعرّض مستقبلهم الأكاديمي للخطر؟ من المغري أن ترفض هذا الأمر وتضع سياسة صارمة لمتابعة الحضور والغياب تجعل عددا أكبر من الطلاب يحضرون المحاضرات. ولكن هل يتعلم الطلاب الدروس الأهم من جراء اتباع سياسات صارمة لمتابعة الحضور والغياب؟ هل يعرفون السبب الذي يجعل حضور المحاضرات يُحدث فارقًا؟ هل يشرعون في حضور المحاضرات بانتظام بغض النظر عن وجود سياسة لمتابعة الحضور والغياب؟ إليك الهدف: دَع الطلاب يتحملون عددًا كافيًا من العواقب لكي يتعلموا الدرس المستفاد قبل أن يتسبب قرارهم السيئ في وقوع ضرر بالغ يتعذر إصلاحه.

   في النهاية، ثمة سؤال فلسفي له نتائج عملية كثيرة إذا كان الهدف الأساسي من وراء التدريس المتمركز حول المتعلم هو تمكين المتعلمين المستقلين من إدارة عملية تعلمهم إذن كيف يتسنى لمجموعة من الأفراد، بصفتهم يُشكلون فرقة دراسية، أن يضعوا حدا أو يتجاوزوا مستوى الميول التعليمية الخاصة بالمتعلمين الفرديين أو بالأحرى التأثير عليها؟ على سبيل المثال، إذا كان أحد الطلاب يجيد العمل وفق مجموعة من المواعيد النهائية لتسليم العمل (وربما تكون هذه المواعيد النهائية يُوجبها الطالب على نفسه)، بينما يجيد طالب آخر العمل على نحو أفضل من دون الضغوط التي تُوجبها المواعيد النهائية، فهل يُوجب المعلم مواعيد نهائية على بعض الطلاب ويُعفي البعض الآخر منها؟ وكيف يُؤثر ذلك على المفاهيم الخاصة بتوفير معاملة عادلة ومُنصفة لجميع الطلاب؟ لهذا السؤال بعد فلسفي؛ لأننا نسعى إلى فهم طريقة وضع الحقوق الفردية في إطار بيئة التعلم الجماعي، كما أن له بُعْدًا عمليًّا؛ لأننا نجاهد لتطبيق قواعد مختلفة على الطلاب المسجلين لدراسة المادة نفسها. 

  بدأ هذا الفصل بمواجهة رد الفعل المعتاد لأعضاء هيئات التدريس تجاه الطلاب الجامعيين الذين يتسمون بعدم النضج أو عدم التحفيز أو عدم التركيز أو سوء الاستعداد. واقترح الفصل أن القواعد والشروط والسياسات والممنوعات وكثرة وسائل التحفيز الخارجية تجعل الطلاب أكثر اتكالية على المعلمين؛ فهذه القيود تُمثل جزءًا من المشكلة، وليست

الصفحة 209

التدريس المتمركز حول المتعلم

  حلا عمليًّا، فإذا كان الهدف هو جعل الطلاب يتحملون قدرًا أكبر من المسئولية تجاه عملية تعلمهم، إذن يجب أن يعمل المعلمون على توفير الظروف التي تُؤثر على توجهات الطلاب وتصرفاتهم. يجب أن تكون قاعات الدراسة أماكن تتوافر فيها أجواء ذات ظروف مواتية للتعلم. هكذا لا يُفرَض التّعلُّم في مثل هذه القاعات الدراسية، بل إنه يحدث نتيجة الاستجابة الطلاب للظروف التي تُشجّع النمو والتعلم.

   ينشأ المناخ الدراسي من العلاقات التي تربط بين المعلمين والطلاب والعلاقات التي تربط بين الطلاب، وهذه العلاقات تُحدّدها تصرفات المعلم والطلاب، وقد ناقش هذا الفصل كلا الأمرين، إلا أن قدرًا كبيرًا من محتوى الفصل يصف الإجراءات التي يستطيع «المعلمون» اتخاذها لجعل قاعات الدراسة أماكن يكون فيها التعلم نتيجة مُرجحة من جراء الوجود بها. وفي مقال ممتاز، يشير رامزي وفيتزجيبونز (2005، ص 335) إلى أنه «في معظم الكتابات التي تتناول التدريس المتمركز حول المتعلم، يظل التركيز منصبا على المعلم.» وأتذكر أنني قرأتُ العبارة التالية واعتبرتها نقدًا لهذا الكتاب ولهذا الفصل«في رأينا، مثل هذا التركيز يجعل التعامل مع الطلاب قائما على اعتبارهم أشياء وليسوا أشخاصًا، ويُعزل المعلمين عن الطلاب، ويُقلّل من قيمة أهم عنصر داخل قاعة الدراسة؛ وهو التعلم» (ص 335)

   بعد مزيد من التفكير في الأمر، ولا سيما وأنا أراجع هذا الفصل للطبعة الجديدة، لا أعتقد أنه توجد طريقة أخرى، إنها محاولة مشتركة، ولكن السؤال هو: من الذي يتولى القيادة، ويأخذ الخطوة الأولى، ويقترح علاقات تُغير طريقة التفاعل بين المعلمين والطلاب؟ فالطلاب ليسوا في موضع يُتيح لهم توفير مناخ دراسي متمركز حول المتعلم؛ إن إنهم يتطلعون إلى المعلمين بحثا عن القيادة، وعندما يكون الهدف هو توفير مناخ دراسي مناسب للتعلم، فإنني أومن بأن المسئولية تقع على كاهل المعلم؛ فنحن نتحمل مسئولية القيام بما هو في وسعنا لجعل قاعات الدراسة أماكن تعظم قيمة التعلم وجهود المتعلمين، وعندما يتخذ المعلمون إجراءات كتلك التي أُلقي الضوء عليها في هذا الفصل، يصير من الممكن توفير الأجواء المناسبة للتعلم.

الصفحة 210

الفصل السابع : الغرض من التقييم والعمليات المرتبطة به 

   لكي نجعل التقييم مُتمركزًا أكثر حول المتعلم، يجب أن يتغير كلٌّ من الغرض من إجراء التقييم والعمليات المرتبطة به، فمن حيث الغرض، علينا أن نوازن بصورة أفضل بين السببين اللذين يدفعاننا نحو تقييم عمل الطلاب؛ حيث يتحمل المعلمون المسئولية المهنية المتمثلة في التصديق على مستوى إجادة الطلاب للمادة العلمية. ولقد صار هذا الغرض مسيطرا على تفكير كلٌّ من أعضاء هيئات التدريس والطلاب بخصوص تقييم الخبرات التعليمية، إلا أنَّ ثمة سببًا ثانيًا لتقييم المعلمين للعمل الذي يُنجزه الطلاب، ألا وهو أن التقييم يُحفِّز عملية التَّعلُّم في حد ذاتها. يُؤثّر التصميم الخاص بالواجبات الدراسية فيما يتعلمه الطلاب، ومدى إتقانهم لما تعلموه ونوعية المهارات التي نماها الطلاب أثناء عملية تعلمهم، وكل هذا يقودنا إلى الفكرة الرئيسية التي يناقشها هذا الفصل. ويُمكن تصميم الأنشطة والواجبات الدراسية لتحقيق المزيد من النتائج المرجوة لتحفيز عملية التَّعلُّم، وللأسف، كثيرًا ما يكون أهم شيء بالنسبة إلى الطلاب والمعلمين هو التقديرات الدراسية، لا تجربة التَّعلُّم في حد ذاتها. ويُحاول أسلوب التدريس المتمركز حول المتعلم تدارك اختلال التوازن بين الأنشطة والواجبات الدراسية واستراتيجيات التقييم التي تتضمن المزيد من التركيز الفعال والمدروس على عملية التَّعلُّم.

   أما بالنسبة إلى عمليات التقييم، فيجب أن تتضمن إشراك الطلاب، هذا لا يعني أن يتخلى المعلمون عن مسئوليات وضع التقديرات الدراسية وتركها في أيدي الطلاب؛ ففي القاعات الدراسية التي تُطبق أسلوب التدريس المتمركز حول المتعلم، لا يزال المعلمون

الصفحة 211

التدريس المتمركز حول المتعلم

  يتحملون مسئولية وضع التقديرات الدراسية، ولكن يشترك الطلاب في أنشطة تنمي لديهم مهارات التقييم الذاتي وتقييم الأقران. إنَّ إقصاء الطلاب عن هذه العملية يُقلل فرصة تنمية هذه المهارات المهمة أثناء الدراسة الجامعية، وأفضل طريقة لتنمية مهارات التقييم الذاتي وتقييم الأقران تكون من خلال تدريسها مباشرةً وإتاحة الفرصة للطلاب لكي يُمارسوا هذه المهارات.    

   يتناول هذا الفصل التغييرات الخاصة بالغرض من وراء التقييم والعمليات المرتبطة به بنفس نسق الفصلين السابقين، والذي صار مألوفًا الآن؛ حيث أبدأ بطرح المشكلة تحت عنوان: ما الذي يحتاج إلى التغيير، ولماذا لم يتغير بعد؟ ثم يأتي وصف تفصيلي للتغيرات وأمثلة موضّحة عليها. وفي النهاية، نُلقي نظرة على مشكلات التطبيق التي تستحق التفكير فيها بإمعان.

(1) ما الذي يحتاج إلى التغيير ولم يتغير بعد؟ 

  التقديرات الدراسية مهمة، ولا شك في ذلك؛ فهي تؤدي وظيفة أشبه بوظيفة حرس بوابة الدخول إلى مؤسسات التعليم ما بعد الثانوي، والخروج منها أيضًا، وكلما زادت المعايير الانتقائية التي تضعها الكلية أو الجامعة، ارتفع التقدير التراكمي المطلوب للالتحاق بها. وفي الوقت الحالي، تتحكّم الكثير من المؤسسات التعليمية في التسجيل بمواد التخصص، ويتوقف القبول بها على التقدير التراكمي إلى حد بعيد، وفي النهاية يلعب التقدير التراكمي الذي يتطلبه الالتحاق بالمرحلة الجامعية دورًا مهما في تحديد فرص التعليم ما بعد الثانوي، بما في ذلك إمكانية القبول في البرامج الدراسية الخاصة بكليات الدراسات العليا وكليات الطب وكليات الحقوق، وغيرها من الكليات المهنية. ويستعين الكثير من أرباب العمل بالتقدير التراكمي لتحديد من يستحق فرصة إجراء مقابلة عمل ومن لا يستحق. فالتقديرات الدراسية تُمثل أهمية، ولا يُدلي أحد بتصريحات مخالفة لذلك . أعضاء سوى هيئات التدريس الحديثي العهد بالمهنة، إلا أن التعليم يُمثل أهمية أكبر، خاصةً على المدى الطويل. متى كانت آخر مرة سألك أحدهم عن تقديرك التراكمي؟ 

   بالتأكيد، التقديرات الدراسية ذات أهمية، ولكن لا يزال من الصعب تبرير مستوى الأهمية المرتبط بها؛ وذلك لعدة أسباب مختلفة: فالتقديرات الدراسية لا تقيس جميع أنواع التَّعلم بالتساوي، فهي تُوثّق بدقة ما إذا كان الطالب قد تعلم مجموعة من الحقائق

الصفحة 212

  الغرض من التقييم والعمليات المرتبطة به في وقت محدد أم لا، ولكنها لا تُثبت ما إذا كان يستطيع تذكر هذه الحقائق أو تطبيقها خارج قاعة الدراسة. وتستطيع التقديرات الدراسية أن تقيس مستوى التفكير النقدي والقدرة على حل المشكلات، ومهارات الاستنتاج المنطقي، والقدرة على دمج المعلومات، والقدرة على التقييم. ولسوء الحظ، فإنَّ الأسئلة التي تَرِد في معظم الامتحانات لا تقيس مستوى مهارات التفكير العليا (مومسين ولونج ووايز وإيبرت-ماي، 2010). ونادرا ما تعطي التقديرات الدراسية مؤشرًا على مدى إجادة الطلاب للعمل الجماعي، أو مدى التزامهم بمستوى عالٍ من المعايير الأخلاقية، أو مدى تقديرهم لقيمة المشاركة الاجتماعية.

    وتشير التقديرات الدراسية على نحو فعال للغاية إلى أي مدى يجيد الطلاب الحصول على الدرجات، ولا يزال ما كتبه بوليو وهمفريز عام 1988 صحيحًا: «يتفوق التقدير الدراسي على الألعاب والمسابقات الرياضية التي تُعقد بين الكليات وعلى مستوى الجامعات باعتباره اللعبة الأكثر شيوعًا داخل الحرم الجامعي؛ حيث تُقام في جميع المواسم، ويتعين على الجميع أن يلعبوا في مركز أو آخر» (ص 85) . والحصول على تقدير دراسي دون استحقاق يُؤثر بالسلب على نزاهة التقديرات الدراسية، وقد تتراجع نزاهة التقديرات الدراسية، عندما يشعر الأساتذة المثقلون بأعباء العمل بالإرهاق؛ ومن ثم يتأثرون بشعورهم حيال أحد الطلاب، أو يتأثرون بما يودون قراءته في ورقة الإجابة، أو بطريقة توقعهم لاستجابة الطلاب للتقديرات الدراسية المنخفضة.

   هذه بعض الأسباب التي تُفسِّر لماذا لا ينبغي أن تكون التقديرات الدراسية بنفس الأهمية التي هي عليها الآن، وعلى الرغم من ذلك، فإن القيمة الكبرى الممنوحة للتقديرات الدراسية لا تتناقص، وحتى إذا حاول المعلمون الذين يتبعون أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم أن يُغيّروا من قدر الأهمية المتعلقة بالتقديرات الدراسية، فإنَّ فُرص نجاحهم في هذا الصدد ليست كبيرة، ولكن بإمكانهم أن يعملوا بكد لمقاومة الآثار السلبية الثلاثة للتقديرات الدراسية على عملية التعلم والتغلب عليها.

    في البداية، وكما يعرف أعضاء هيئات التدريس جيدًا، إن التأكيد على أهمية التقديرات الدراسية يجعل الطلاب يعملون من أجل الحصول عليها، وليس من أجل التَّعلُّم ذاته، أو على الأقل ليس من أجل التَّعلُّم العميق والمستمر كمُرادف للفهم والاستيعاب؛ فأعضاء هيئات التدريس ليسوا واعين بأنَّ بعضًا من تصرفاتهم يُعزّز تحفيز الطلاب على هذا النحو الخاطئ. ويُثبت بحث أجراه تشيرش وإليوت وجابل (2001) أن الطلاب أكثر

الصفحة 213

التدريس المتمركز حول المتعلم

  عرضة لتبني أهداف الأداء المعنية أكثر بالمحصلة النهائية (كما هي الحال مع إنجاز المهام من أجل الحصول على التقدير الدراسي) بدلا من تبني أهداف الإجادة والتميز (كما هي الحال مع إنجاز المهام المرتبطة بالتَّعلُّم العميق) عندما يُؤكِّد أستاذ المادة على أهمية التقديرات الدراسية، وعندما تُعتبر التقديرات الدراسية ذات صعوبة مفرطة. 

    ويُؤكِّد أعضاء هيئات التدريس على أهمية التقديرات الدراسية بطرق غير ملحوظة كثيرا فلقد سمعتُ مُعلمين في عدة محاضرات يسألون الطلاب عن محتوى درسوه في جزء سابق من المادة، قائلين: «أتتذكرون حين تحدثنا عن «س» ؟» ويظهر الارتباك على وجوه الطلاب، وتتباطأ استجابتهم؛ ومن ثمَّ يُحفّزهم المعلم بقوله: «لقد تحدثنا عن هذا الأمر قبيل أول اختبار.» هكذا فإنَّ ذاكرة الطلاب لا تُنشط عن طريق تذكر موضع هذا المحتوى بالنسبة إلى محتوى آخر في المنهج الدراسي أو عن طريق ربطه بمفاهيم أكبر مذكورة بالمنهج، وإنما تُنشَّط عن طريق ربط المحتوى بما وَرَدَ في الاختبار. بالطبع، هذا ليس جرمًا خطيرًا، ولكنه يُوضّح إلى أي مدى تستحوذ أهمية فعاليات التقييم، مثل الاختبارات، على تفكيرنا. «إننا نحدد أهمية» المحتوى بناءً على هذه التقييمات.

    وكما نوقش في الفصل السادس؛ فقد ابتكرنا أنظمة معقدة لتوزيع الدرجات تُحدد قيمة تقديرية لكل شيء يفعله الطلاب (أو لا يفعلونه) داخل قاعة الدراسة. ولقد صممنا هذه الأنظمة لتوضّح التوقعات المرجوة من الطلاب، وهي تُؤدي هذا الغرض فعلا، لكن هذا لا يأتي دون حصيلة ثانوية غير مرغوب فيها؛ أي اللهاث وراء تحصيل عدد مهول من الدرجات، فبإمكانك أن تدفع الطلاب للقيام بأي شيء تقريبا من أجل الحصول على درجة. ولقد اشتهرتُ بأنني أدخل المحاضرة وأعرض على الطلاب درجات إضافية مقابل تأدية واجب دراسي قيمته ثلاث درجات وأتساءل قائلة: «هل من أحد مهتم بتأدية هذا الواجب؟» لأجد أيادي تُلوّح بحماس في كل مكان بقاعة الدراسة. وفي اليوم التالي، أعرض درجتين إضافيتين مقابل تأدية واجب آخر، لأرى أنه ما زال يوجد الكثير من المتطوعين، وأستمر في ذلك، وفي النهاية حين أصل إلى عرض نصف درجة، يتساءل بعض الطلاب عما إذا كنتُ أحاول إثبات وجهة نظري، التي تقول إن الطلاب مستعدون لعمل أي شيء في سبيل الحصول على درجة أو جزء من الدرجة؛ وقد اعتدت الإشارة مازحةً إلى أن الطلاب يلهثون وراء أي درجة أو درجتين إضافيتين، بل قد يُحاولون «شراءها» أيضًا. ولكن ذات يوم ظهر في صندوق بريدي ظرف يحتوي على مبلغ 20 دولارًا مرفق معه طلب الحصول على ثلاث درجات إضافية.

الصفحة 214

الغرض من التقييم والعمليات المرتبطة به

     لا شك أن الطلاب يُركزون على التقديرات الدراسية على نحو مبالغ فيه، والكثير منهم يرى أن قيمتهم كبشر مُستمدة من التقدير الدراسي الذي يحصلون عليه، ويبدو أنهم غير قادرين على الفصل بين مستوى الأداء والشخص في حد ذاته. علينا أن نساعدهم على اكتساب رؤية سليمة أكثر حيال التقدير الدراسي، ولكن تُشير بعض الأبحاث إلى أن الطلاب يظنُّون أن أعضاء هيئات التدريس يُركّزون على التقدير الدراسي، مثلهم تماما، وعن تلك النتيجة، يكتب بوليو وبيك (2000 ، ص 98): «يبدو في الموقف الحالي أن كلا من الطلاب والأساتذة يحتاجون لإجراء التغييرات نفسها - تأكيد أقوى على عملية التعلم وتأكيد أقل على التقديرات الدراسية ويبدو أن كلا الجانبين يُحمل الآخر مسئولية التسبب في الموقف الحالي الذي يتسم بكونه غير مثالي.» وللأسف، بينما تزداد أهمية التقديرات الدراسية، يتناقص دورها في تشجيع الطلاب على التَّعلُّم، وكنتيجة لذلك، لا يخرج بعض الطلاب بشيء من المواد التي يدرسونها إلا بالتقديرات الدراسية.  

    إنَّ المبالغة في الاهتمام بالتقديرات الدراسية يؤدي إلى استجابة ثانية لدى الطلاب تُؤثر بالسلب على عملية التَّعلُّم. وتُؤكَّد التقديرات الدراسية على ما يظنه الكثير من الطلاب : أن القدرة (وأحيانا الحظ) هي ما يُحدد التقدير الدراسي، وليس المجهود ولا عادات المذاكرة الجيدة ولا العمل بكد. فإما أنهم يتمتَّعون بالقدرة على تعلم الرياضيات أو لا يتمتَّعون بها. وإما أنهم يتحلون بالقدرة على الكتابة أو محرومون تماما من مهارات الكتابة. وتُفسِّر نظرية العزو السببي (التي ناقشناها في الفصل الأول) هذا الأسلوب المتبع في التفكير، وتُوثّق الأبحاث إلى أي مدى يُساوي الطلاب بين التقديرات الدراسية والقدرات. طلب كوفينجتون وأومليك (1984) من الطلاب أن يُقيموا قدرتهم على التعامل مع محتوى درسوه أثناء الفصل الدراسي السابق، ويُقدِّروا الجهد الذي بذلوه، ويُسجلوا التقدير الدراسي الذي حصلوا عليه. شكلت التقييمات الخاصة بالقدرات 50 بالمائة من المتغيرات، بينما جاء التقدير الدراسي والجهد المبذول في المرتبة الثانية أو الثالثة. ووجد بيري وماجنوسون (1987) أن حتى وجود معلم استثنائي لم يتمكن من زعزعة النتائج المذهلة التي تتحقق حين يعتقد الطلاب أن النتائج الأكاديمية تُحددها سلفًا عوامل غير خاضعة لسيطرتهم، مثل قدراتهم الفطرية.

   

 إن قاعات الدراسة التي توضع فيها تقديرات الطلاب وفقًا لنظام مُنحنى الدرجات لها آثار ضارة جدًّا على معتقدات الطلاب بخصوص قدراتهم، والحافز الذي يدفعهم نحو التَّعلُّم. ومع وجود عدد محدود من التقديرات الممتازة، سرعان ما يستسلم الطلاب الذين

الصفحة 215 

التدريس المتمركز حول المتعلم

  يرون أنفسهم أقل ذكاءً من الآخرين ويتلقون تقديرات دراسية تُؤكِّد على مدى افتقارهم للكفاءة على نحو محزن، وعلاوة على ذلك، تخلق البيئة التنافسية داخل هذه القاعات الدراسية مانعًا قويًّا يحول دون التعاون، مما يُقلّل احتمالية أن يتعلم الطلاب بعضهم من بعض وبعضهم مع بعض. وينتهي الحال بعملية التَّعلم لأن تكون نشاطا فرديًّا منعزلاً، الأمر الذي يضر كثيرًا أولئك الطلاب الذين يُجيدون التعلم مع الآخرين. وينبغي تصميم سياسات قاعة الدراسة والتمارين والأنشطة والواجبات الدراسية لإظهار إلى أي مدى يُحدث بذل الجهد فارقًا، وإلى أي مدى يتطلب التَّعلُّم العمل بكد على نحو شبه دائم، ولإظهار أن ما يتعلَّمه الطلاب يدوم طويلا أكثر من التقدير الدراسي الذي يحصلون عليه جراء القيام بذلك.

    وأخيرًا، فإنَّ الضغط الذي ينشأ من السعي للحصول على التقدير الدراسي يحث الطلاب على الغش، بالطبع يغش الطلاب، بالرغم من الجهود الحثيثة التي يبذلها أعضاء هيئات التدريس للتصدي لهذا الاعتداء على النزاهة الأكاديمية. ولقد أثبت عدد كبير جدا من الأبحاث أن الطلاب يغشُون. وفي أغلب الدراسات، تراوحت نسبة الطلاب الذين صرحوا بأنهم يغشون في الاختبارات بين 40 و 60 بالمائة، وأفادوا بأن أقرانهم يغشُون أكثر منهم. ويؤمن ألين وفولر ولوكيت (1998) أن إبلاغ الطلاب بنفسهم عن حالات الغش ينزع إلى بخس العدد الحقيقي والنسبة الحقيقة للطلاب الذين يغشون في الامتحانات.  

   منذ إصدار الطبعة الأولى من هذا الكتاب، زادت سهولة الوصول إلى المعلومات عبر شبكة الإنترنت من حجم السرقات الأدبية. «لقد أظهرت الدراسات أن الطلاب لا يعتبرون أن نفس مبادئ حقوق الملكية الخاصة بالمواد العلمية المنشورة بالوسائل التقليدية تسري أيضًا على المصادر المتاحة عبر شبكة الإنترنت» (مكجوان ولايتبودي، 2008، ص273). وبالاستعانة بتصميم الأبحاث النوعية التي جمعت البيانات عن طريق مجموعات التركيز الطلابية ومقابلات شخصية، أفادت لوري باور (2009) أنَّ الطلاب يعرفون أن السرقة الأدبية فعلة لا يرغب أساتذتهم في رؤيتهم يفعلونها، إلا أن الطلاب لا يملكون دوما رؤية واضحة بخصوص ما يندرج تحت بند السرقات الأدبية، ويُفيدون بأنهم لا يعرفون كيف يتفادون القيام بذلك. إنَّ استخدام خاصية القص واللصق أسهل من تكبد مشقة صياغة أفكار الآخرين بكلماتك الخاصة.

   لقد درس جينيرو وماكلويد (1995) الظروف الأكثر تأثيرًا في اتخاذ القرارات العفوية والمدروسة للغش، وكان الاعتماد على التقدير الدراسي من أجل الحصول على

الصفحة 216

الغرض من التقييم والعمليات المرتبطة به

  مساعدة مالية وتأثير التقدير الدراسي على الأهداف طويلة المدى من ضمن أعلى خمسة أسباب لاتخاذ كلا القرارين. وبالوضع في الاعتبار حقائق وضعنا المالي حاليا، لا يسع المرء سوى تخيل إلى أي مدى يُؤثر هذان السببان بفاعلية على اتخاذ القرارات في الوقت الراهن. ثمة نتائج من دراسة أجريت عام 2004 على سلوكيات الغش بين الطلاب كلية إدارة الأعمال «تُظهر بوضوح أنَّ الطلاب يعرفون ماهية الغش، وأنهم يؤمنون بأنه خطأ من الناحية الأخلاقية، إلا أنهم يواصلون الغش؛ لأنهم يشعرون بأن الفوائد تفوق التكاليف المحتملة، كما أنهم يؤمنون بأن الغش هو «العرف السائد» (تشابمان وديفيز وتوي ورايت، ص 246) . وكما علَّق طالب أجروا معه مقابلة شخصية: «الطلاب لا يعتبرون الغش شيئًا سيئًا حقا. ونظرًا لأنَّ الجميع يفعلون هذا الأمر بين الحين والآخر، فإنه صار أشبه بتخطي حدود السرعة المسموحة بها أثناء قيادة السيارة؛ فالجميع يعرف أنه مخالف للقوانين، ومع ذلك لا يزالون يقترفونه» (ص236).

  ولا يدرك الطلاب أنه فضلا عن أن للغشّ تأثيرًا سلبيًّا على نزاهة المنشأة التعليمية، فإنه يضرهم أيضًا؛ حيث إنهم لا يتعلمون المحتوى الذي يحتاجون إلى معرفته، ولا يُنمون المهارات التي يحتاجون إليها، ولا يكونون صادقين مع أنفسهم ومع الآخرين بشأن ما يعرفونه وما يمكنهم إنجازه، كما أنهم لا يُنمون شعورهم بالثقة التي تأتي من إتقان المادة العلمية وإظهار براعة التحلّي بالمهارات. يجب أن يتغيَّر الاعتقاد بأن الغش لا يُمثل مشكلة خاصة إذا جعلك تحصل على تقدير دراسي أفضل، وتتصدى القاعات الدراسية، التي تعتبر عملية التعلُّم على نفس قدر أهمية التقديرات الدراسية، لتلك الأعراف السائدة المضرة والافتراضات الخاطئة. 

    بالإضافة إلى إحداث توازن أفضل بين أهمية التقديرات الدراسية وأهمية عملية التَّعلُّم، يجب علينا أن نمنح الطلاب دورًا في عملية التقييم. وحتى هذه اللحظة، تكون مشاركة الطلاب في عملية التقييم قليلة أو منعدمة، وفي معظم المواد الدراسية لا يُطلب منهم إلقاء نظرة نقدية على العمل الخاص بهم، أو العمل الخاص بأقرانهم، والبعض قد يجادل بأن هذا يحدث لأسباب وجيهة. وبالنظر إلى الحافز الشديد الذي يدفع الطلاب نحو الحصول على التقديرات الدراسية ونزعتهم نحو الغش، كيف يتسنى لنا أن نتوقع منهم الاضطلاع بدور في هذه العملية المهمة مع تحلّيهم بأي نوع من النزاهة أو الموضوعية؟ علاوةً على ذلك، أليس من ضمن مسئوليات المعلم أن يُصدِّق رسميا على إتقان الطلاب للمادة العلمية؟ أجل، هي كذلك، ولكن السؤال هو: هل من الممكن أن يُحافظ المعلم على

الصفحة 217

التدريس المتمركز حول المتعلم

نزاهة عملية وضع التقديرات الدراسية، وفي الوقت نفسه يشرك الطلاب في الأنشطة التي تنمي لديهم مهارات التقييم الذاتي وتقييم الأقران؟

     تُقدِّم الأبحاث التي أجريت على التقييم الذاتي بعض الإجابات، ومن الجدير بالملاحظة أنه بالرغم من أن الطلاب يُمنحون فُرضا قليلة لتقييم أعمالهم، فإن اهتمام الأبحاث بالتقييم الذاتي ظل قائما لفترة طويلة، وقد لخصت الأعمال السابقة في تحليل تلوي أجراه فالشكوف وبود (1989)، تحليل لا يزال يُشار إليه في المراجع باستمرار. يشتمل هذا الاستعراض التحليلي الثمانية وأربعين دراسة على بعض النتائج المتوقعة: تتراجع العلاقات الطردية بين التقديرات الدراسية، التي يمنحها الطلاب لأنفسهم والتي يمنحها لهم المعلمون إذا كانت المادة أساسية وإجبارية. ولكن إذا كانت المادة مادة تخصص في سنوات الدراسة النهائية، وإذا كانت عملية وضع الدرجات تتم وفقًا لمعايير محددة، وإذا منح الطلاب فرصة مقارنة التقييم الخاص بهم مع التقييم الخاص بمعلمهم، فإن العلاقات الطردية تكون واعدة جدًّا.

    تُؤكِّد الدراسات التي أجريت في الآونة الأخيرة أن الطلاب يستطيعون، في ظل ظروف معينة، أن يُجروا تقييما ذاتيًا يتمتَّع بقدر من الموثوقية. درست کارولین کارداش (2000) أربع عشرة مهارة من مهارات البحث العلمي يُزعم أنها تُنمَّى عن طريق تجارب البحث العلمي التي يخوضها الطلاب الجامعيون. وقَيَّمَ الطلاب أنفسهم في هذه المهارات قبل وبعد إجراء إحدى تجارب البحث العلمي أثناء الدراسة الجامعية، وقَيَّمَ مرشدوهم من أعضاء هيئة التدريس هذه المهارات أيضًا. وأفادت كارولين كارداش (2000، ص 196) بوجود «تشابهات لافتة للنظر» بين التقييمات؛ حيث أعطى كلٌّ من أعضاء هيئة التدريس والطلاب أعلى التقييمات للخمس مهارات نفسها. دَرَس كروهن وفوستر وماكليري وإسبرانتي ونالز وكويلفين وتايلور ووليامز (2011) عن كثب نظامًا سجل عن طريقه الطلاب إسهاماتهم الشفهية داخل قاعة الدراسة على بطاقة مصممة خاصة لهذا الغرض، وسلموها بعد ذلك من أجل الحصول على درجات مقابل المشاركة، ولم يعرف الطلاب أن ثمة مراقبين في قاعة الدراسة سجلوا تعليقاتهم. «وجد عمومًا درجة عالية من التوافق بين ما سجله الطالب والمراقب بخصوص المشاركة الفردية، ولم يُبالغ الطلاب في تسجيل تعليقاتهم في حالة الحصول على الدرجات» (ص43) . لقد طور إدواردز (2007) نظامًا يُصحح به الطلاب واجباتهم المنزلية واختباراتهم، وراجع إدواردز الدرجات، وأفاد بأن «الأغلبية العظمى من الطلاب صححوا مسائل الواجب المنزلي تماما مثلما كنتُ سأصححها لهم،

الصفحة 218

الغرض من التقييم والعمليات المرتبطة به

أو بطريقة مشابهة للغاية» (ص73). والأمر نفسه ينطبق على اختباراتهم: «فلم تتغير أغلبية الدرجات عند مراجعتي لها» (ص 73) . استجاب الطلاب على نحو إيجابي للغاية لنظام وضع التقديرات للذات الذي ابتكره إدواردز ، مع تعليق الكثيرين منهم على قدر ما تعلموه من تصحيح أخطائهم بأنفسهم. وعندما سأل إدواردز الطلاب عن عدد حالات الغش التي ظنوا أنها حدثت داخل قاعة الدراسة، قال 88 بالمائة منهم: إنه «لم تحدث حالات غش.» أو «ليس عددًا كافيًا لإثارة القلق.» وتثبت تقارير كهذه وغيرها من التقارير الأخرى أن في بعض المواقف وفي ظل ظروف معينة يُقيم الطلاب أعمالهم بأمانة، ولا يعطون أنفسهم دوما التقييم الذي يودون الحصول عليه سواء أكانوا يستحقونه أم لا.

   وبالوضع في الاعتبار إمكانية إشراك الطلاب في أنشطة التقييم، علينا أن نذكر أنفسنا بالسبب الذي ينبغي من أجله أن نشركهم في هذه العملية. إنَّ قدرة المرء على تقييم جودة عمله، وكذلك جودة عمل الآخرين بدقة هي مهارة مفيدة أثناء الدراسة في الكلية، وفي معظم الوظائف فيما بعد. أنا الآن أومن بشدة، أكثر مما كنتُ أثناء تأليفي الطبعة الأولى لهذا الكتاب، بأن من يلتزم منا بأهداف التدريس المتمركز حول المتعلم يجب أن يُخصص قدرًا أكبر من الطاقة لتنمية هذه المهارات، ويُبدي نيكول وماكفارلين - ديك (2006) ملاحظة صائبة مفادها أنه على الرغم من أن الكثيرين منا غيروا مفاهيمهم عن التدريس والتَّعلُّم، «فإن ثمة انتقالًا مُماثلًا، فيما يتعلق بالتقييم المنهجي البناء والتقدير، بوتيرة أبطأ. يسير وفي قطاع التعليم العالي، لا يزال التقدير والتقييم المنهجي البناء خاضعا لسيطرة المعلمين، ويُعتبر ضمن مسئولياتهم، ولا يزال هناك تصور بصفة عامة عن التقييم باعتباره عملية تحويلية ... إذا كان التقييم المنهجي البناء مُقتصِرًا على المعلمين وحدهم، فمن الصعب إذن رؤية إلى أي مدى يُمكن للطلاب أن يصيروا مخوّلين بالسلطة، ويُنمون مهارات التنظيم الذاتي اللازمة لإعدادهم للتَّعلُّم، خارج أسوار الجامعة وعلى مدار الحياة» (ص200).

(2) كيف يتغير الغرض من التقييم والعمليات المرتبطة به؟

لقد تم تحديد مشكلتين متعلقتين بالممارسة المهنية الحالية؛ أولًا: تمنح السياسات التعليمية والممارسات المهنية في الوقت الحالي أهمية أكبر للتقدير الدراسي وذلك بالمقارنة بعملية التعلم نفسها، وغالبًا ما يكون ذلك استجابةً لضغوط خارجية، وهذا يُؤثّر بالسلب على عدة محصلات تعليمية. ثانيًا: إنَّ استبعاد الطلاب من أنشطة التقييم يحول دون تنمية

الصفحة 219

التدريس المتمركز حول المتعلم

المهارات المهمة الخاصة بالتقييم الذاتي وتقييم الأقران. وفي هذا القسم، سأعطي أمثلة تُوضّح بعض الطرق التي يتعامل بها المعلمون الذين يتبعون طرق التدريس المتمركز حول المتعلم مع كلتا المشكلتين.

(2-1) تحقيق توازن أفضل بين التقديرات الدراسية وعملية التَّعلُّم

لنبدأ بالتقديرات الدراسية :لا تزال التقديرات الدراسية تُمثل أهمية، ولا يزال المعلمون هم المسئولين عن منحها للطلاب. إن إنجاز العمل المطلوب في المادة يجعل الطلاب يحصلون على التقديرات الدراسية، إلا أنه بمنزلة فرصة للتَّعلُّم أيضًا. ويتمثل التحدي في الاعتراف بأهمية التقديرات الدراسية، ولكن مع إبقاء التركيز مُنْصباً على ما يتم تعلمه عن طريق هذه الخبرات التعليمية. ومن أجل مواجهة هذا التحدي، ابتكرتُ مجموعة من المبادئ التي تُحدد إطار علاقة متوازنة أكثر بين التقديرات الدراسية وعملية التعلم. ويُمكن أيضًا لهذه المبادئ أن تقوم مقام المعيار الذي يُساعدنا على تحديد الأنشطة والواجبات الدراسية التي تحقق هذا التوازن على نحو أفضل:

  استغل قدرة التقديرات الدراسية على تحفيز الطلاب: إنَّنا نعرف جيدًا أن التقديرات الدراسية تُحفّز الطلاب، تُحفّز الطلاب لبذل الجهود نحو تحصيل وهي الدرجات أكثر من تحفيزهم نحو التعلم، إلا أن التقديرات الدراسية تحث الطلاب فعلًا، وبإمكان المعلمين أن يستغلوا هذا الحافز - أجل، هذا يعني حَضَّ الطلاب على إنجاز المهام في مقابل الحصول على درجات - ولكن أثناء القيام بذلك، ينبغي للمعلمين أن يُحاولوا إعادة توجيه ذلك الحافز عن طريق استغلاله لتحقيق نتائج مثمرة أكثر. ما أظنُّ يجب على أعضاء هيئات التدريس أن يفعلوه حيال الحافز نحو تحصيل الدرجات أشبه قليلًا بالذهاب إلى السجن لإلقاء عِظَة عن العفو والسماح؛ فليست مهمتك أن تُطلق سراح المساجين، فلا يزال الطلاب بحاجة إلى تحصيل الدرجات، ولكنك تُؤكِّد على رسالة تنويرية مفادها أن التَّعلُّم أهم من تحصيل الدرجات، وبخاصة من منظور مستقبلي في الحياة. وفيما يلي أمثلة تُوضّح كيف يمكن تطبيق هذا المبدأ، ولكن من المهم أن نرى الاحتمالات الإيجابية الكامنة في الحافز المشجّع لتحصيل الدرجات أيضًا، إنها طاقة في حد ذاتها يمكن إعادة توجيهها نحو التَّعلُّم.

الصفحة 220

الغرض من التقييم والعمليات المرتبطة به

  اجعل تجارب التقييم أقل توتُرًا: جزء من القدرة التعليمية الكامنة والمتأصلة في تجارب التقييم يتأثر تأثرا سلبيًّا بالتوتر المرتبط بهذه التجارب. طلب ساروز ودينستين (1989) من الطلاب أن يُقيموا أربعة وثلاثين مُسببًا محتملا للتوتر، وكانت تسعةُ مسببات للتوتر، من أعلى عشرة مسببات، مرتبطة بأنشطة التقييم، بما في ذلك عدد الواجبات الدراسية، وتأدية الاختبارات، والحصول على درجات سيئة. ومن ثم، لا يُركّز الطلاب المتوترون والخائفون والمجهدون على الأهداف التعليمية جيدا. ليس الهدف في هذا المقام التخلص تماما من التوتر، لأنَّ الجرعات المناسبة من التوتر تُحفّز الأداء الجيد. تبدأ المشكلة عندما يُصاب طلابنا بحالة من التوتُّر المبالغ فيه، ولا يجيدون التعامل معها على نحو بناء، والكثير من الأمثلة الواردة فيما يلي تُوضّح إلى أي مدى يمكن الإقلال من الشعور بالتوتر المرتبط بفعاليات التقييم، دون الإخلال بما يجعلها صارمةً وتُشكّل تحديا للقدرات.

   استعن بالتقييم فقط لتحديد مستوى عملية التعلُّم: بعض أعضاء هيئات التدريس يشتهرون باستخدام أنشطة التقييم لتنفيذ أجندات خفية. في مرحلة مبكرة جدا من مشواري المهني بمجال التدريس، كنتُ أُدرس لفرقة لم أعتقد أنهم كانوا يأخذون المحتوى على محمل الجد. كانت هذه المادة هي مادة الخطابة، وتفاجأت أن أحد طلابي قال لي حينئذ: «أنا لا أحتاج حقًّا إلى دراسة هذه المادة؛ فأنا أستطيع الحديث منذ أن كنتُ في الثالثة من عمري.» ومثل هؤلاء الطلاب كانوا بحاجة إلى إدراك أنَّ المحتوى الدراسي يتسم بالصَّرامة، وله مضمون جدير بالدراسة، ومن ثم وضعتُ لهم اختبارًا «صعبًا» حقًا، لا من أجل قياس إلى أي مدى يستوعبون المحتوى جيدا، وإنما لأبين لهم أنَّ محتوى هذه المادة لم يكن سهلا، وللأسف فإن هذه النوعية من الاختبارات لا تُشجِّع التَّعلُّم.

     لا ينبغي الاستعانة باختبارات تتسم بالصعوبة المفرطة لإكساب المادة الدراسية سمعة الصرامة الأكاديمية؛ فعندما يرسب 75 بالمائة من طلاب الفرقة الدراسية أو يحصلون على درجات سيئة فعلا في أحد الاختبارات بعد أن يكون المعلم قد أخلص النية لبذل الجهد المطلوب لشرح المادة العلمية، فهذا يعني أن المعلم لم يشرح الدروس بطريقة جيدة جدا، أو أنه لا يُجيد وضع الاختبارات كثيرًا، أو أنه يستخدم الاختبارات لتحقيق هدف آخر غير تشجيع التَّعلُّم من المحتمل، بالطبع، أن 75 بالمائة من الطلاب لم يستذكروا دروسهم لخوض الاختبار ، إلا أن الدوافع الخفية للمعلم هو التفسير الأكثر ترجيحا لرسوب هذه النسبة. وفي أسوأ المواقف، يستعين أعضاء هيئات التدريس أو

الصفحة 221

التدريس المتمركز حول المتعلم

الأقسام بمواد دراسية من أجل التخلُّص» من الطلاب الذين لا يستطيعون دراسة» مادة الفيزياء أو الهندسة أو الرياضيات أو أي مادة أخرى، وذلك وفقًا لمجموعة من المعايير الموضوعية. وقد يعرف الطلاب عن طريق المواد الدراسية والاختبارات، أنَّ اهتماماتهم ومواهبهم تكمن في مكان آخر، ولكن لا ينبغي أن يتم تصميم المواد الدراسية والاختبارات خاصة لتحقيق هذا الغرض.

    تظهر صورة أخرى من صور مشكلة الأجندة الخفية حين يستغل أعضاء هيئات التدريس تجارب التقييم من أجل «قياس» إلى أي مدى يستطيع الطلاب استيعاب المحتوى وتطبيقه، ولذا يُدرجون أنواعًا جديدة من المسائل، أنواعًا من المفترض أن يتمكن الطلاب حلها إذا طبقوا ما تمَّ تغطيته داخل قاعة الدراسة، لكن لم يسبق لهم رؤيتها من قبل. فإذا كان أحد أهداف المادة هو تنمية قدرات الطلاب على تطبيق ما تعلموه بالفعل على نوعيات مختلفة من المسائل، فمن المنطقي أن تُختبر قدرتهم على القيام بذلك، ولكن لا ينبغي أن يحدث ذلك إلا حين يُمنح الطلاب فرصة ممارسة هذه المهارات التطبيقية. وينبغي أن تشتمل المسائل التي أجيب عنها في قاعة الدراسة، والتي : كلف الطلاب بحلها كواجب منزلي، على الممارسة العملية، وينبغي أن يحصل الطلاب على تقييم منهجي بناء على محاولاتهم للحل. ولكي تُشجَّع تجارب التقييم على التَّعلُّم يجب أن تُصمَّم لتحقيق هذا الغرض. إنَّ الاستعانة بها لتحقيق أهداف أخرى تُخلُّ بنزاهة عملية التقييم، وتزيد من توتر الطلاب، وتزيد من أهمية التقديرات الدراسية، بل وتقلل أكثر من أهمية التعلم.

   رَكِّز أكثر على التقييم المنهجي البنَّاء : لقد رأينا جميعًا هذا الأمر. سلّم مجموعة من الأوراق وعليها تعليقات استغرقت عدة ساعات لتجهيزها، وشاهد الطلاب يلقون نظرة سريعة على الدرجة ثم يدسون الورقة في حقيبة كتبهم، لعلهم يقرءون التعليقات في وقت لاحق، ولكن هل يتصرفون بناءً على الاقتراحات الواردة ويُحسنون جودة أبحاثهم التالية؟ ليس بالقدر الذي نود أن نراه، ولقد استعرضنا بالفعل بعض الأسباب وراء ذلك، ولكن الفكرة هنا مختلفة.

     إنَّ التركيز أكثر على التقييم المنهجي البناء، لا يعني كتابة المزيد من التعليقات، أو بالأحرى زيادة عدد التقييمات المقدمة للطلاب، بل إنه يعني التفكير على نحو مبتكر حيال الأسس والأنشطة التي تُركّز بفعالية أكثر على التقييم، لا على التقدير الدراسي. وقد يكون هذا الأسلوب بسيطًا بقدر بساطة فصل الأمرين أحدهما عن الآخر؛ بمعنى أنَّ تُقدِّم التعليق قبل الدرجة بينما لا يزال الطلاب يتمتَّعون بالفرصة للتصرف بناءً على التقييم

الصفحة 222

الغرض من التقييم والعمليات المرتبطة به

وتحسين درجاتهم، أو بمعنى أن تُقدّم التقييم دون درجات، طالبًا الاستجابة للتقييم، ثم تمنح الدرجة بعد ذلك. وربما يتمثل الأسلوب في تغيير نسق التقييم، مثل كتابة خطاب للطلاب، أو تقديم التقييم وجها لوجه.

  إنَّ التركيز على التقييم المنهجي البناء يعني أيضًا التفكير في الموضوع على نطاق أوسع، أكثر من مجرد التعليق على نتيجة ما. صحيح أنه منذ إصدار الطبعة الأولى من هذا الكتاب لم يقل حجم الفرق الدراسية، ولم تخفَّ أعباء التدريس، فالكثير منا ليس لديه الوقت لتقديم التقييم المباشر وجهًا لوجه، وإذا لم نستطع ذلك فلا يوجد سبب يُشعرنا بالذنب حيال الظروف التي لا تخضع لسيطرتنا. ومع ذلك، ألا نبخس قيمة أثر يجب التعليق بصفة شخصية على الطالب، وأحيانا يكون هذا الأثر أكثر عمقًا من أثر التقدير الدراسي. إن مجاملة سريعةً، أو كلمة تشجيعية أو إرسال رسالة بريد إلكتروني تعليقًا على إنجازات أخرى داخل الحرم الجامعي، تُعدُّ جميعها بمنزلة أشكال من التقييم. إنها أشكال من التقييم غير مُرتبطة بالدرجات، وتبعث رسالةً فعّالة مفادها أن بعض الأمور التي يتعلمها الطلاب من دراسة المواد قد تكون أقيم من الدرجات والتقديرات الدراسية. ويمكن تلخيص هذه المبادئ بكل بساطة: يُنجز الطلاب العمل الذي نُصححه ونُقيِّمه؛ لأن القيام بذلك يجعلهم يستوعبون المحتوى ويفهمونه. ويعمل المعلمون الذين يتبعون التدريس المتمركز حول المتعلم على تعظيم النتائج التعليمية المرجوة التي تعتبر جزءا متأصلا من أي تقييم أو نشاط قائم على وضع التقديرات الدراسية دون الانتقاص من أهمية التقديرات الدراسية.

(2-2) الاستعانة بالتقييم لتنمية مهارات التقييم الذاتي وتقييم الأقران

  منذ إصدار الطبعة الأولى لهذا الكتاب عام 2002، ثمة إدراك متزايد بأن التقييم الذي يقدمه المعلمون للطلاب عادةً ما يكون له أثر ضئيل على مستوى الأداء في وقت لاحق. في إحدى الدراسات ( كريسب،2007) ، حصل مجموعة من طلاب الخدمة الاجتماعية على تقييم مُفصَّل لأحد الواجبات الدراسية المكتوبة. وبعد مرور ستة أسابيع، أنجزوا واجبًا دراسيًّا مشابها، وبالرغم من أن التقييم الذي حصلوا عليه كان درجات 66,7 بالمائة من الطلاب تقع في حدود أربع نقاط مئوية في كلا الواجبين. «وجدت هذه الدراسة دعما محدودًا وحسب لفكرة أنَّ الطلاب يستجيبون بإحداث التغييرات التي تتناسب مع

الصفحة 223

التدريس المتمركز حول المتعلم

الهدف الخاص بالتقييم الذي تلقوه» (ص571) إننا نستغرق الوقت ونبذل الجهد لتقديم التقييم، وتحديد ما هو صحيح وما هو خطأ في البحث أو المشروع أو العرض التقديمي أو الاختبار أو المقال، على افتراض أن الطلاب سيستخدمون هذه المعلومات للقيام بعمل أفضل في المرة القادمة. ما الخطأ في هذا الافتراض؟ لماذا لا يُجري عدد أكبر من الطلاب المحفزون بجمع الدرجات التغيرات التي من شأنها أن تُحسن جودة عملهم؟ 

    في مقال باعث على التأمل، وكثيرًا ما يُشار إليه في المراجع، يزعم سادلر (2010) أنه «بالرغم من أن المعلمين يبذلون قصارى جهدهم لجعل عبارات التقييم تامة وموضوعية ودقيقة، فإن الكثير من الطلاب لا يفهمونها كما ينبغي؛ لأنهم ... غير مجهزين لفك رموز هذه العبارات على النحو الصحيح» (539) ويقول سادلر : إن المعلمين يقضون وقتا أطول من اللازم للتركيز على كتابة التقييم، ولا يقضون وقتا كافيًا لمساعدة الطلاب على فهمه. إذن ما حل هذه المشكلة ؟ هل على المعلمين أن يقضوا المزيد من الوقت لتلقين الطلاب وإخبارهم بما يقصده التقييم؟ 

   لا يُعد التلقين طريقةً متبعة في التدريس المتمركز حول المتعلم. ويقول سادلر بصراحة: «ببساطة، إن الاعتماد على التلقين ... كوسيلة رئيسية لتشجيع الطالب على التحسن أشبه بالاعتماد على نموذج نقل المعلومات لتطوير مفاهيم مهمة خاصة بالتقييم» ( ص 548). وعدم نجاح هذه الطريقة أثبتته الأبحاث والواجبات التالية التي ظهر فيها تكرار الأخطاء السابقة نفسها. وبدلًا من التلقين الذي يُجريه المعلمون، يحتاج الطلاب إلى فرص لتقييم أعمالهم وأعمال الآخرين، فيجب عليهم أن يتعلموا كيف يُحددون ما هو جيد، وما الذي يحتاج إلى تعديله، وكيف يُمكن تحسينه. إذن، كيف تُنمى هذه المهارات على النحو الأمثل؟ الإجابة هي من خلال الممارسة.

    كنتيجة للاتجاه المنادي بتضمين نشاط الكتابة في المناهج الدراسية، يسمح عدد متزايد من المعلمين للطلاب بممارسة مهارة تقديم التقييمات لأقرانهم. فيقرأ الطلاب بعضهم أعمال بعض قبل أن يقدموها إلى المعلم، ويقترحون طرقًا لتحسين جودة العمل. وأدرك المعلمون، الذين استعانوا بهذا الأسلوب سريعًا، أنَّ الطلاب لا يُقدِّمون تقييما جيدًا من تلقاء أنفسهم. وعلى القدر نفسه من السرعة استنتج الطلاب أنهم لا «يحبون» انتقاد عمل الآخرين إذا كانت المهمة تتضمَّن ذكر سلبيات العمل؛ ومن ثم يتجنبون الموقف الخرج بقولهم: «بحث جيد، لا أرى فيه أي مشكلات.» أو يشيرون إلى مسائل بسيطة مثل موضع الفاصلات. ورأى الكثير من المعلمين أنَّ جودة هذه النوعية من التقييمات مثبطة

الصفحة 224

الغرض من التقييم والعمليات المرتبطة به

للهمة جدًّا، ويتبنّى الطلاب توجهات سلبية جدًّا لدرجة أنهم أحجموا عن تشجيع الطلاب على إلقاء بعضهم نظرة على أعمال بعض.

    في الواقع، ما حدث هنا يُوضّح الفكرة التي أشار إليها سادلر (2010) في مقاله؛ فالطلاب يفتقرون إلى ما يُطلق عليه «مهارة التقييم»، والمعلمون يتمتعون بقدر كبير منها؛ حيث إننا صححنا وقَيَّمَنا عددًا كبيرًا من أبحاث الطلاب ومستوى أدائهم ومشروعاتهم وعروضهم التقديمية، بما يفوق قدرتنا على العد والحصر. ومن واقع جميع هذه الخبرات، تُنمى هذه المهارة، فنحن نعرف البحث الممتاز حين نقرؤه، ونستطيع أن نفسر ما الذي يجعله نموذجًا يُحتذى به. وبالوضع في الاعتبار انعدام مشاركة الطلاب في الأنشطة التقييمية، لا ينبغي أن نندهش من أنهم لا يُجيدون تأدية هذه الأنشطة كثيرا، سواء فيما يخص أعمال أقرانهم أو أعمالهم، وإذا كنا نريدهم أن يُصدروا أحكامًا سديدة ويُقدِّموا تقييما مميزا من حيث الجودة، فعلينا إذن أن نستعين بالأنشطة المصممة لتنمية هذه المهارات، وأن نشاركهم المعايير الخاصة بالتقييم، ونُوضّح لهم كيفية تطبيقها، وبعد ذلك يجب أن نستعين بالأنشطة المصمَّمة خاصة لتنمية هذه المهارات. يجب أن تُدرس لهم مبادئ التقييم البناء لكي يُقدِّموا تعليقات مفيدة تشجع على تحسين جودة العمل. إنَّ تنمية هذه المهارات ليست بمهمة مستحيلة، ولن نبدأ من الصفر.

    يُشير نيكول وماكفارلين - ديك (2006) - اللذان يعتبران القدرة على التقييم الذاتي سمة خاصَّةً بالمتعلمين الذين يتسمون بالتوجيه الذاتي - إلى أنَّ الطلاب يشتركون بالفعل في بعض الأنشطة التقييمية للذات من تلقاء أنفسهم؛ فعلى سبيل المثال: عندما يُعدُّ الطلاب بحثًا، فإنهم يُقرّرون ما إذا كان طول البحث كافيًا أم لا، وما إذا كانوا قد استعانوا بالعدد الكافي من المراجع، وإذا ما كانت كتابتهم منطقية ومفهومة، وما إذا كان بحثهم تضمن محتوى يظنُّون أن الأستاذ يرغب في قراءته. هذه أمثلة على التقييم الذاتي، ليست تفصيلية دوما، وليست معتمدة دومًا على معايير ذات صلة، إلا أن الطلاب يلقون نظرة نقدية على العمل الخاص بهم. يُمكننا الاستعانة بهذا الأمر باعتباره نقطة انطلاق، موضحين للطلاب كيف يمكن أن تساعدهم مواصلة تنمية هذه المهارات على تعلم المزيد والحصول على درجات أفضل. وبمستوى أفضل من المهارات، يُمكن للطلاب وزملائهم أن يتبادلوا نوعية التقييمات اللازمة لتحسين مستوى العمل الخاص بهم أكثر وأكثر. وبمجرد أن يُقدِّم الطلاب تقييما مفيدًا ويحصلون عليه يزداد الحافز لديهم للتعاون بعضهم مع بعض زيادة بالغة.

الصفحة 225

التدريس المتمركز حول المتعلم

اختصارًا، بالنظر إلى مشكلات وضع التقديرات الدراسية التي نوقشت في موضع سابق من هذا الفصل، لا نستطيع أن نمنح الطلاب حرية وضع التقديرات لأنفسهم، بل ولا ينبغي لنا أن نفعل ذلك واضعين في الاعتبار مسئولياتنا المهنية للتصديق على مستوى إجادة الطلاب للمادة العلمية، ولكن هل هذا يمنعنا أو يعفينا من توفير تجارب تهدف إلى تنمية مهارات التقييم الذاتي وتقييم الأقران ؟ يَحتوي القسم التالي على مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات والأساليب والأفكار والواجبات الدراسية التي تنمي هذه المهارات حقا. وسأترك لك حرية الاختيار لتقرر ما إذا كانت هذه الطرق لإشراك الطلاب تحافظ على نزاهة عملية وضع التقديرات الدراسية أم لا.

(3) الاستعانة بالاختبارات والواجبات والأنشطة الدراسية لتحفيز عملية التعلم

يحتوي هذا القسم على مجموعة كبيرة من الأفكار لتعظيم النتائج التعليمية المرجوة، والتي تعتبر جزءًا متأصلا من تقييم عمل الطلاب، وتُوضّح الأمثلة الواردة فيما يلي كيف يمكن تطبيق المبادئ المطروحة في القسم السابق عن طريق الأنشطة الدراسية، وكيف يمكن تغيير نسق الواجبات الدراسية التقليدية وتصميمها لنولي اهتمامًا أكبر لعملية التعلُّم. وربما تكون الاختبارات بمنزلة نقطة جيدة للبدء من عندها، باعتبارها الأشهر والأوسع استخداما بين جميع أنشطة التقييم الأخرى.

(3-1) تعظيم النتائج التعليمية المرجوة من الاختبارات

لقد افترضنا لوقت طويل أن الاختبارات تُحفِّز التَّعلُّم على نحو تلقائي، ويُبين الاختبار الكامل ما تعلمه الطلاب ومدى إجادة تعلمهم إياه، إننا نتصرف كما لو أنَّ عملية التَّعلُّم متروكة تمامًا للطالب، متناسين أننا نتمتع بالقدرة على صياغة هذه الخبرات التعليمية باعتبارنا قائمين على تصميمها. ويُمكننا أن نُرتِّب العناصر المختلفة لهذه التجربة ونُعيد ترتيبها، وعن طريق القيام بذلك تُحدد طبيعة تلك التجربة التعليمية، وتُوضّح الأنشطة التالية طرقًا لصياغة الاختبارات التي تُركّز أكثر على عملية التَّعلُّم:

   محاضرات المراجعة: لا يُلقي بعض أعضاء هيئات التدريس محاضرات المراجعة داخل قاعة الدراسة؛ لأن هذا يعني تقليل عدد المحاضرات المخصصة لشرح المحتوى.

الصفحة 226

الغرض من التقييم والعمليات المرتبطة به

   السؤال هو ما إذا كان الطلاب يستفيدون أكثر من استعراض المزيد من المادة العلمية أم يستفيدون أكثر من فرصة تنظيم المحتوى الذي يجب عليهم تعلمه لاجتياز الاختبار، وتلخيص ذلك المحتوى واستخراج الأفكار الرئيسية منه ودمجها؟ هل ينبغي للطلاب أن يُعدُّوا هذا التلخيص وأن يدمجوا الأفكار الرئيسية بأنفسهم أثناء مذاكرتهم للمادة؟ ربما يكون الأمر كذلك. هل سيتعلمون القيام بذلك على نحو أفضل إذا ما كانت جهودهم يُوجهها شخص متخصص يفهم طريقة تنظيم موضوعات المحتوى؟ الأمر كذلك على الأرجح. يشرح فافيرو (2011) كيف تغيَّرت طريقة تفكيره بخصوص محاضرات المراجعة قائلًا: «مثل الكثير من المعلمين، تصديت لفكرة التضحية بـ «المحتوى» أو وقت المادة لصالح محاضرة كاملة مخصَّصة للمراجعة. وبمرور الوقت وبعد تفكير عميق، توصلت إلى قرار مفاده أنني إن كنتُ راغبًا في أن يصير طلابي قادرين على حل المشكلات، فلا بد لي أن أتيح لهم فُرَضًا قليلة المخاطر، وأُوفّر لهم الوقت لحل هذه المشكلات» ( ص 248).

   كما أنَّ الشكل النمطي للمراجعات يحول دون استخدامها؛ حيث يراجع المعلم المحتوى الذي يتسم بالأهمية والصعوبة، ومن المفترض أن يطرح الطلاب الأسئلة بخصوص ما يبدو أنهم لا يفهمونه، إلا أنهم غالبًا ما يستغلون الفرصة في محاولة منهم لاستكشاف ما الذي سيأتي في الاختبار. فتجد الطلاب يطرحون أسئلة على غرار: «هل سنحتاج لمعرفة مفهوم تحليل الفائدة والتَّكلفة من أجل خوض الاختبار؟» أو يطرحون السؤال بصيغة أكثر ذكاءً قليلا : «ما قدر التفاصيل التي سنحتاج إلى معرفتها عن مفهوم تحليل الفائدة والتكلفة؟»

    ثمة طرق أخرى لتحديد شكل محاضرات المراجعة؛ فالمعلم يعرف المحتوى بالفعل، ولا يحتاج إلى مراجعته، ولكن الطلاب هم مَنْ يحتاجون إلى المراجعة، وينبغي أن تُصمَّم المحاضرة لكي ينجز الطلاب هذه المهمة، مع وجود المعلم لتقديم التوجيه، ويُمكنهم أن يعملوا كلٌّ بمفرده أو في مجموعات، ولكن ينبغي لهم أن يحلوا المسائل، أو يُجيبوا عن أسئلة الامتحانات السابقة، أو كتابة الأسئلة المتوقعة في الامتحان، أو استنتاج المفاهيم الرئيسية من القراءات التي كلفوا بها. وتبدأ إحدى استراتيجيات فافيرو (2011) بكتابة الطلاب أهم خمسة حقائق أو نظريات أو مفاهيم من المادة العلمية المقرر مجيئها في هذا الاختبار. ويناقش الطلاب قوائمهم بعضهم مع بعض ويحسب فافيرو سريعا البنود المذكورة في قوائمهم. وعند اللزوم يُضيف فافيرو المفاهيم التي أغفلها الطلاب، ويتعاون

الصفحة 227

التدريس المتمركز حول المتعلم

مع الطلاب على ترتيب الأولويات في القائمة، ويستعين بالنشاط ليركز جهود الطلاب لمذاكرة أهم الموضوعات والمفاهيم. 

   وفي السياق ذاته، يستفيد الطلاب من إعداد دليل للمذاكرة ومذكرات المراجعة، أما المعلمون فهم يعرفون بالفعل كيف يُعدُّون هذه المواد التعليمية. إنني أحمل طلابي مسئولية عدم تغطية المادة الدراسية داخل قاعة الدراسة. ومن ثم، تتسبب فكرة الاضطرار إلى تحديد ما قد يحتاجون إلى معرفته من القراءات التي لم تخضع للمناقشة في ذعر بالغ. ومن أجل مساعدة الطلاب على الاستعداد وتخفيف حدة الاضطراب، أُوزّع الطلاب في مجموعات دراسية للمذاكرة معًا، وأخصص لكل مجموعة جزءًا مختلفًا من هذه المادة الدراسية، وأكلفهم بمهمة تحضير مذكرات مراجعة لباقي الفرقة الدراسية. تُوزّع هذه المذاكرات قبل الاختبار، وإذا ما استخدمها الطلاب للمذاكرة فإنهم يُقيمونها، ويُقدِّمون تقييما للمادة العلمية الخاصة بكل مجموعة. وعدد الدرجات المحتسبة على هذا النشاط صغير.  

   ويمكن أن يُطلب من الطلاب على المستوى الفردي أو الجماعي، كتابة أسئلة متوقعة في الاختبار ويُحضرونها معهم في المحاضرة الخاصة بالمراجعة. قبل استخدام هذا الأسلوب، لم أكن أدرك القدر الذي يُركّز به الطلاب على الإجابات، فهؤلاء الطلاب يتذكرون القوائم والتفاصيل، أحيانًا دون فهم أي سؤال يجيب عنه المحتوى. ويستفيد الطلاب من كتابة الأسئلة المتوقعة في الاختبار بطريقتين أخريين؛ فهذا النشاط يُجبرهم على اتخاذ قرار بخصوص ما سيأتي في الاختبار، ويمكن أن يُوضّح طريقة تفكيرهم حيال نوعية الأسئلة التي سيجدونها في الاختبار. يكتب طلابي المستجدون أسئلة تختبر القدرة على تذكر التفاصيل، وأسئلة ذات إجابة واحدة صحيحة قطعًا، وتبين لهم مقارنة نماذج أسئلتي بنماذج أسئلتهم الاختلافات، وعادةً ما تُشجّع على الاستعداد للاختبار بمزيد من الجدية، ويكون رد فعلهم على غرار: «أسئلتك أصعب كثيرًا من أسئلتنا.» وأخذ بعض أعضاء هيئات التدريس (جرين، 1997) تطوير الطالب لأسئلة الاختبار إلى مستوى أعلى، مشجعين الطلاب على ابتكار أسئلة لكل وحدة من وحدات المحتوى، جامعين هذه الأسئلة في قاعدة بيانات متاحة للفرقة الدراسية بأكملها، ثم مستعينين بعدد كبير من هذه الأسئلة في الاختبار. إليك تحذيرًا واحدًا: لا تتوقع من الطلاب الذين لم يكتبوا أسئلة اختبارات من قبل أن يكتبوا أسئلة جيدة في البداية، إنها مهارة أخرى ضمن تلك المهارات التي تُنمى على نحو أفضل حين يُعطى للطلاب بعض التعليمات، وتُتاح لهم الفرص للممارسة.

الصفحة 228

الغرض من التقييم والعمليات المرتبطة به

  الاختبارات: لا تُشجّع الاختبارات على التَّعلُّم العميق ما لم تُحفّز الأسئلة الطلاب على التفكير، وثمة دليل على أن أسئلة الامتحانات لا تفعل ذلك بصفة منتظمة كما ينبغي لها. في إحدى الدراسات (مومسين ولونج ووايز وإيبرت ماي، 2010)، جمع الباحثون اختبارات من 50 عضوًا من أعضاء هيئات تدريس مادة الأحياء، يُدرسون 77 مقررًا تمهيديًا مختلفًا لمادة الأحياء. وكشف تحليلهم لأسئلة هذه الاختبارات عن نتيجة مذهلة: «من البنود الخاضعة للتقييم البالغ عددها 9713 بندا في هذه الدراسة صُنفت 93% من الأسئلة ضمن المستوى الأول أو الثاني من تصنيف بلوم للأهداف التعليمية؛ أي فيما يتعلق بالمعرفة والفهم. و 6,7% من الأسئلة صُنفت ضمن المستوى الثالث، وأقل من 1% من الأسئلة صُنفت ضمن المستوى الرابع أو مستوى أعلى» (ص437). تشجع الأسئلة التي تختبر استرجاع المعرفة والفهم الطلاب على تذكر التفاصيل واكتساب فهم سطحي للمحتوى، وهو أمر نادرًا ما يحتفظون به في ذاكرتهم. 

    وجزء من المشكلة هنا مباشر: الأسئلة التي تُشجّع الطلاب على التفكير أصعب كثيرًا في كتابتها وصياغتها، وهذا يفسر لماذا لا يوجد الكثير منها في بنوك الأسئلة التي يُقدمها ناشرو الكتب الدراسية. وهذا ليس بسبب أن أسئلة الاختيار من متعدد أقل تحفيزا للتفكير بطبيعتها؛ فالأسئلة الخاصة باختبار الاستعداد الدراسي (سات)، واختبار القبول بالجامعات الأمريكية (أكت)، هي أسئلة اختيار من متعدّد، والكثير منها أسئلة في غاية الصعوبة. إذا كانت الاختبارات تُوزّع ثانية على الطلاب، إذن يجب أن تُبتكر أسئلة جديدة لكل فرقة دراسية جديدة. ويُمكن الاحتفاظ بالأسئلة الجيدة إذا كان يمكن للطلاب الوصول إلى ورقة اختباراتهم (حين تُعاد إليهم ورقة الاختبار، ومِن ثُمَّ داخل مكتب الأستاذ)، ولكن لا تبقى في حوزتهم. بهذه الطريقة، يمكن إعادة تدوير الأسئلة،وعلى مدار السنوات يمكن تطوير مجموعة أسئلة ومراجعتها وإعادة استخدامها. 

    وظروف الاختبارات ثابتة غالبا، يعمل الطلاب بمفردهم في إطار قيود زمنية، دون إمكانية الوصول إلى مصادر خارجية أو معرفة متخصصة، وتحت المراقبة من أجل منع أو تقليل فرص الغش المتاحة أمامهم. وعندما تتوقف لبرهة وتُفكّر في الأمر، ربما تستنتج أن ثمة شيئًا زائفًا بعض الشيء بخصوص الطريقة التي تختبر بها ما تعلمه الطلاب. متى تجد نفسك، في أي مرحلة من مراحل حياتك المهنية، مضطرا إلى إبراز كل ما تعرفه خلال خمسين دقيقة، ودون إمكانية الوصول إلى مصدر معلومات أو الاستعانة بالآخرين؟ ومن أجل تقليل حدة التوتر الذي يشعر به الطلاب، ومن أجل جعل ظروف الامتحانات

الصفحة 229

التدريس المتمركز حول المتعلم

  أكثر واقعية قليلًا، بعض أعضاء التدريس يسمحون للطلاب أن يجهزوا قصاصة ورقية للغش يمكنهم الاستعانة بها أثناء الاختبار. وفي إطار مواصفات معينة لحجم قصاصة الغش، ربما يدرج الطلاب أي معلومات - حقائق ومعادلات ورسومات بيانية واقتباسات وتعريفات - يظنون أنهم قد يحتاجون إليها للإجابة عن أسئلة الامتحان. إن تجميع هذه المعلومات يجبر الطلاب على اتخاذ خيارات بشأن ما يحتاجون إلى معرفته، وهذا يُساعدهم على تقدير مستوى فهمهم. ويلاحظ جانيك ( 1990 ، ص 2) المفارقة: «إنَّ ابتكار قصاصة ورقية جيدة للغش أشبه بنقيض الغش، ألا وهي المذاكرة.» وبعض أعضاء هيئات التدريس يجعلون الطلاب يُقدِّمون القصاصات الورقية للغش مع أوراق الإجابة عن الاختبار، ويستخدمها أعضاء هيئات التدريس ليُبيِّنوا لكل طالب على حدة أو للفرقة الدراسية بأكملها أنه كان لديهم المعلومات التي يحتاجونها في القصاصة الورقية، إلا أنهم لم يكونوا قادرين على استخدامها. ويُمكن أن يكون هذا تقييما مفيدًا في حال إعداد الطلاب قصاصات ورقية للغش من أجل الاختبارات التالية.

   في الفصل الثالث، وصفْتُ بعض نماذج الاختبارات الجماعية. وأوضحت هذه النماذج طرقًا فعالة لاستغلال الطاقة التي تنتجها تجربة خوض الاختبارات وإعادة توجيهها نحو بلوغ نواتج التعلم. إن مناقشة المحتوى مع الطلاب الآخرين يُشجع على الفهم، فهذا يُوضّح التفاصيل، ويُثير التساؤلات، ويُقدِّم فرصة مكثفة للتعامل مع المحتوى. ويُصرح الطلاب باستمرار أنَّ نماذج الاختبارات الجماعية تُقلّل من الشعور بتوتر الامتحانات أيضًا (على سبيل المثال، انظر باندي وكابيتانوف، 2011).

وصفت لي ساندر خيارًا لإعداد الاختبار النهائي منحته لطلاب مقررات مادة الرياضيات (وايمر، 1989) . وهذه الاختبارات النهائية التي يبتكرها الطلاب تخضع للتقييم بناءً على أمور مثل: تطوير المسائل (تُقيَّم وفقًا لأهداف المادة الدراسية)، وحلولها (متضمنة احتمالات توزيع الدرجات) ، وقيمة الدرجة المخصّصة لكل مسألة (تُقدر أهميتها فيما يتعلق بالمحتويات الأخرى للمادة). وكان الجانب الأكثر إقناعًا في هذا الأسلوب هو عدد الطلاب الذين أفادوا بأنهم قضوا وقتًا أكثر، على نحو ملحوظ، في إعداد الاختبار النهائي مقارنةً بالوقت الذي قد يقضونه في مذاكرة المادة نفسها.

    ومن أجل بديل آخر مُثير للاهتمام، انظر مقال كارين إليري (2008)، الذي يُقدِّم خطة امتحانات تشتمل على عنصر للتقييم الذاتي. استجاب أسلوب كارين إليري لسوء جودة الاختبارات ذات الأسئلة المقالية التي يكتبها طلاب السنة الثانية. وبعد أحد هذه

الصفحة 230

الغرض من التقييم والعمليات المرتبطة به

  الاختبارات، الذي رسب فيه 50 بالمائة من الطلاب، قدمت تقييما (وليس تقديرات دراسية) لإجابات الاختبار للفرقة الدراسية بأكملها ( وليس تقييما لاختبارات فردية)، وعلقتُ أنَّ الإجابات لم تكن مصاغة على نحو جيد، واشتملت على محتويات غير ذات صلة بموضوع السؤال، وافتقرت إلى المحتوى وثيق الصلة به، وأن مشكلات الكتابة أثرت سلبا على جودة الإجابة، بالإضافة إلى ذلك، قدمتُ للطلاب نماذج الإجابة عن السؤال المقالي، ثم منحتُ الطلاب الفرصة للإجابة عن اختبار مقالي ثان بأسئلة تحليلية وتطبيقية مختلفة، ولكنها على القدر نفسه من الصعوبة، وقدَّم الطلاب كلا الاختبارين: الأول والثاني، ولكنهم اختاروا أي واحد منهما أرادوا تصحيحه وحساب الدرجات على أساسه. اختار سبعة وستون بالمائة من الطلاب الإجابة عن اختبار ثان، وعلى الرغم من أن الكثير منهم وجدوا أن عملية الاختيار عملية صعبة ومثيرة للتوتر، فإن 81 بالمائة اختاروا بالفعل الاختبار الأفضل من الاختبارين. كما بين هذا المثال - والأمثلة الأخرى - توجد بدائل لأساليب الاختبار التقليدية التي نستعين بها. وهي تستحق الوضع في الاعتبار إذا ما كان الهدف هو تعظيم النتائج التعليمية المرجوة، التي تُعتبر جزءًا متأصلا من تجربة خوض الاختبارات.    

    محاضرة تصحيح إجابات الاختبار: عادةً ما يستعرض المعلمون الأسئلة التي فشل معظم الطلاب في الإجابة عنها، مقدمين الشرح والتوضيح باستفاضة، وهذا الأسلوب المتبع لا يستغل فرصة الاستفادة التعليمية التي لا تزال قائمةً . بعد الانتهاء من الإختبار؛ فالمعلمون لا يحتاجون إلى تصحيح الإجابات، ولكنَّ الطلاب يحتاجون إلى ذلك، وسواء أكان الطلاب في مجموعات أم فُرادى، قد يُمنحون الفرصة للبحث عن الإجابات الصحيحة وتصحيح أخطائهم، وربما يحدث هذا أثناء محاضرة تصحيح إجابات الاختبار، أو ربما يُؤدي الطلاب المهمَّة في المنزل ليُنجزوها قبل حضور المحاضرة التالية. ربما لا تُرصد درجاتهم حتى يُصححوا أخطاءهم، وربما يحصلون على بضع نقاط أكثر إذا ما انتبهوا إلى جميع أخطائهم. 

    هذا يقود إلى مسألة فُرَص الحصول على درجات إضافية مرتبطة بتجارب خوض الاختبارات، لا توجد الكثير من الأبحاث عن موضوع الدرجات الإضافية، ولكن لدينا براهين تُؤكِّد على أن معظم أعضاء هيئات التدريس يُعارضون بشدة بالغة منح الطلاب الاختيارات الخاصة بالدرجات الإضافية (نوركروس وهو روكس وستيفنسون، 1989؛ نورکروس ودولي وستيفنسون،1993). عندما اقترحتُ على مدونتي أنه يمكن تصميم خيارات خاصة بالدرجات الإضافية لمنح الطلاب فرصة ثانية لتعلم المادة العلمية، كان هناك بعض

الصفحة 231

التدريس المتمركز حول المتعلم

  الدعم، ولكن الكثير من المعارضة أيضًا (www.facultyfocus.20، com يوليو، 2011). يتمثل الخوف في أنه حين تكون الدرجات الإضافية خيارًا متاحًا سيعتمد الطلاب – الذين يميلون إلى الاعتقاد بأن جميع الدرجات الإضافية يسهل الحصول عليها- على هذه الدرجات، ويُذاكرون على نحو أقل. ولا زلت أؤيد خيارات الدرجات الإضافية الأساسية المصمَّمة جيدا باعتبارها فُرَصًا ثانية جيدة للتَّعلُّم. فَكَّرْ في هذه الأمثلة وقدرتها على استغلال حافز تحصيل الدرجات لتحقيق محصلات تعليمية مثمرة. 

   تُرفَق ديتير (2003) ورقة فارغة مع ورقة الاختبارات، ويستخدم الطلاب الورقة لإدراج أسئلة الامتحان التي لم يستطيعوا الإجابة عنها، أو الإجابات التي لم يكونوا متأكدين من صحتها، ويأخُذون هذه الورقة معهم، ويحتفظون بها حتى المحاضرة التالية؛ وذلك ليبحثوا عن إجابات تلك الأسئلة، ويُسلّم الطلاب أوراق الإجابة الكاملة، وتُرفقها ديتير ثانيةً مع ورق الاختبار خاصتهم، وتُصبِّح جميع الإجابات، مانحةً جزءًا من الدرجة للأسئلة التي أجابوا عنها إجابة صحيحة في الورقة الفارغة. وفي التعليقات الموجودة على المدوّنة، لخص أحد أعضاء هيئات التدريس خيارًا آخر؛ حيث يحلُّ الطلاب الاختبار كلٌّ على حدة أولا، ثم يلتقون بأعضاء فريق التَّعلُّم الخاص بهم، ويُمنحون وقتًا مخصصًا لمناقشة أسئلة الاختبار القصير. ويُسمح لهم أن يُغيّروا الإجابات، أو إضافة معلومات للإجابات أثناء هذا الوقت، ولكنهم يُضيفون هذه التغييرات بقلم أحمر يُقدِّمه لهم المعلم. وفي هذه الأمثلة وأمثلة أخرى مشابهة، يُفيد الطلاب عادةً بأنهم يتعلمون الكثير حين يضطرون إلى تصحيح أخطائهم، أكثر مما يتعلمون حين يسمعون المعلم يشرح الإجابة الصحيحة.  

    ويمكن أن تُصمَّم محاضرات تصحيح إجابات الاختبار أيضًا لمناقشة بعض القرارات التي اتخذها الطلاب بخصوص الاستعداد لخوض الاختبار، فحضور المحاضرات يصنع فارقًا، يمكنك أن تقول هذا للطلاب، ولكنك تجعلهم يستوعبون الأمر على نحو أفضل حين تظهر لهم الدليل. اعرض أعلى خمس درجات في الامتحان، وأحص عدد المرات التي تغيبت فيها تلك المجموعة من الطلاب عن حضور المحاضرات، ثم اعرض أقل خمس درجات وأحص عدد المرات التي تغيَّبت فيها تلك المجموعة عن حضور المحاضرات، ودع الحقائق تتحدث عن نفسها: عدد كبير من الطلاب لا يُدوِّنون العدد الكافي من الملاحظات في المحاضرة، يُمكنك أن تذكر ذلك أو يمكنك أن تُثبته. اختر سؤالًا أخطأ الكثير من الطلاب الإجابة عنه، ثم حدد تاريخ اليوم الذي تم فيه تغطية تلك المادة العلمية، واطلب

الصفحة 232

الغرض من التقييم والعمليات المرتبطة به

  من جميع الطلاب أن يُلقوا نظرة على ملاحظاتهم، هل لديهم ما يحتاجون إليه للإجابة عن السؤال؟ هل كانوا متغيبين وحصلوا على الملاحظات من شخص آخر؟ هل يفهمون تلك الملاحظات؟ يُمكن لمناقشات سريعة كتلك أن تنتهي بجعل الطلاب يكتبون بأنفسهم مذكرة قصيرة تتناول «الأشياء التي تعلمتها من هذا الاختبار، التي أود أن أتذكرها عند الاستعداد للاختبار التالي»، كما أوضحنا في فصل سابق.

(4) تنمية مهارات التقييم الذاتي وتقييم الأقران

  يمكن لأي واجب دراسي أو نشاط في المادة الدراسية أن يُحقق أكثر من هدف تعليمي واحد؛ فالاختبارات تُشجِّع على تحصيل المحتوى واستيعابه، كما أنها يُمكن أن تستخدم لتنمية مهارات التعلم، ويُمكن أن تتضمن عناصر التقييم الذاتي وتقييم الأقران، كما أوضحت الأمثلة السابقة. الأمر نفسه ينطبق حين يكون الهدف تنمية قدرات التقييم الذاتي وتقييم الأقران؛ فمن الممكن أن تُصمَّم أنشطة تُحفّز تنمية المهارات في هذه المجالات، وفي الوقت نفسه تُحقق تلك الأنشطة أهدافًا تعليمية أخرى، والكثير من الواجبات الدراسية والأنشطة التالية تُوضّح كيف يُحقق هذا الأمر النتائج المرجوة منه.

 أواصل تشجيع الاطلاع على هذه الخيارات. تذكر السؤال الرئيسي لهذا الفصل: هل هذه الطرق لإشراك الطلاب في أنشطة التقييم الذاتي وتقييم الأقران تحتفظ بنزاهة عملية وضع التقديرات الدراسية؟ هل هي طرق تتيح للطلاب تنمية مجموعة مهارات مهمة لا تُخلُّ بالمسئولية الأخلاقية التي يتحملها المعلمون لمنح شهادة تبرهن على إتقان المادة العلمية ووضع التقديرات الدراسية؟

(4-1) التقييم الذاتي: ملاحظة ما أفعله ومدى إجادتي له

  إن التحلي بالقدرة على إلقاء نظرة ناقدة على عملك الخاص يكون أسهل بمجرد أن تلقي نظرة على عمل الآخرين، لا سيما الغرباء، إذا كان الطلاب لا يُجيدون الإجابة عن الأسئلة المقالية، اسمح لهم أن «يُصححوا» بضع إجابات (افتراضية أو مجهولة الهوية) لأسئلة مقالية؛ لعلهم يقومون بهذا الأمر على انفراد، ثم يُقارنون تقييماتهم بتقييمات الآخرين. ولقد وجدت أنه من خلال توفير ثلاث إجابات بمستويات جودة مختلفة، يُلاحظ الطلاب الاختلافات، ويُحدِّدون بدقة فعلا الإجابة الجيدة والإجابة غير الجيدة، ويُمكنهم الاستعانة

الصفحة 233

التدريس المتمركز حول المتعلم

   بتلك النماذج للإجابات ليشرعوا في تحديد العناصر المعينة التي تُصنف إحدى المقالات على أنها ممتازة، والأخرى على أنها ضعيفة، وانطلاقًا من هذه النقطة، وبمساعدة المعلم، يُمكنهم أن يبتكروا معايير الإجابات الجيدة للأسئلة المقالية في الامتحانات. بالنسبة إلى الطلاب، هذه تجربة تنويرية على مستوى عدة جبهات: فالطلاب يفهمون بمزيد من الإيضاح ما الذي«يُريده» المعلم في الإجابة عن الأسئلة المقالية، وهكذا يُدرك الطلاب أنَّ بإمكانهم أن يُصدِروا أحكامًا دقيقةً على مدى جودة الإجابة، ويُمكنهم أن يشرعوا في تطبيق ما تعلموه، بوجه عام، بخصوص الإجابات على إجاباتهم الخاصة على وجه التحديد. 

   ترتبط تنمية مهارات التقييم الذاتي ببساطة أيضًا بالجهود الرامية لجعل الطلاب أكثر وعيًا بأنفسهم باعتبارهم مُتعلّمين وأكثر تَحمُّلا للمسئولية حيال القرارات التي يتخذونها بخصوص التَّعلُّم، فإذا أنجز الطلاب واجبًا منزليًّا بخصوص الكتابة الصحفية أو إعداد مذكرات تُلخّص القراءات المفروضة وتتفاعل معها (كما وصف باروت وشيري، 2011، وكما نوقش في الفصل الخامس) يُمكن أن ينتهي تجميع الكتابات باستعراض الطلاب ما كتبوه، وإعداد مقالة تأملية تصف إلى أي مدى تغيرت أفكارهم ونمت مهاراتهم. وحين تطلب من الطلاب الكتابة عن مهاراتهم، دائمًا ما يكون من المفيد أن تطلب منهم تحديد تلك الجوانب الخاصة بالمهارات التي تحتاج إلى مزيد من التنمية. ومع واجبات دراسية كهذه، يجب أن تُوضّح للطلاب أن «النقاط» لا تُمنح لأنهم يدعون بأنهم تعلموا «الكثير جدًّا» في هذه المادة الدراسية، وإنما تُمنح لهم على مستوى البصيرة والقدرة على استدعاء الدليل لإيضاح صحة ادعاءاتهم ودعمها. 

   ثمة نوعية أخرى من الكتابات التأملية يُمكن تقديمه بعد إجراء عرض تقديمي، أو أداء مهمَّة، أو القيام بأي نوع آخر من الأنشطة، على سبيل المثال، إذا شارك الطلاب في مشروع جماعي ممتد على مدار عدة أسابيع يتضمن إنتاج مُنتَج قابل للتقييم، يُمكن أن يُطلب من الطلاب التفكير في مدى إجادة المجموعة للعمل، وقدر الفائدة التي تحققت بإسهاماتهم ، وما الذي كان بإمكانهم أن يُساهموا به لمساعدة المجموعة على نحو أكبر. أستعين في مادتي بفرض دراسي قائم على إجراء مقابلات شخصية؛ حيث تُجري المجموعات الطلابية مقابلة شخصية مع مرشَّحين متنوعين للوظيفة، ويختارون واحدًا من بينهم. يكتب المرشحون للوظيفة تقريرًا يصفون فيه الإجابات التي ردُّوا بها على الأسئلة المتنوعة للمقابلة الشخصية، ويُقيمون هذه الإجابات. والأهم من ذلك، يذكرون كيف كانوا سيُحسنون إجاباتهم لو طُرحت عليهم الأسئلة نفسها.

الصفحة 234

الغرض من التقييم والعمليات المرتبطة به

 إليك مثالاً يُوضّح التفاصيل العديدة الضرورية، في حالة إذا ما اشترك الطلاب فعلا في عملية وضع التقديرات الدراسية؛ في الفصل الرابع، أشرتُ إلى أنَّ الطلاب في مادة مقدمة للتواصل اللفظي التي أُدرسُها ابتكروا سياسة المشاركة داخل قاعة الدراسة، والتي استخدمت حينئذ لتقييم مشاركتهم، ومع تطبيق تلك السياسة أنجز الطلاب مهمة التقييم الذاتي، التي أوضحت كيف شاركوا عادةً في المواد الدراسية، واستعانوا بذلك التقييم ليُحددوا أهدافًا واقعية(وكذلك أهدافا قابلة للقياس والملاحظة) لهذه المادة،ويجب أن يقترحوا أهدافًا تتناسب مع السياسة التي ابتكرتها الفرقة الدراسية وتطورها.

    بعد تطوير هذه الأهداف بفترة قصيرة، أحدد شريكًا للطلاب الذين يؤدون هذا الواجب الدراسي (تذكر أن طلابي يختارون الواجبات الدراسية التي يؤدونها). يتبادل الشركاء (كتابة) أهداف المشاركة الفردية الخاصة بهم. وعلى مدار الأسبوعين التاليين، يُراقب الشركاء بعضهم بعضًا ليُسجِّلوا أي سلوكيات خاصة بالمشاركة يلاحظونها. ويدهشني باستمرار إلى أي مدى يحفز الأقران بفاعلية تغيير السلوكيات. ويعبر الطلاب، الذين لم يتحدثوا من قبل داخل قاعة الدراسة، عن آرائهم في أول يوم يُراقبهم فيه شريكهم في المهمة. تُناقش استجابات الطلاب بمزيد من التروي والسلوكيات المذكورة في أهداف المشاركة الخاصة بهم، وتوجد دومًا الكثير من التدخلات أثناء هذين الأسبوعين أكثر من أي وقت آخر في دراسة المادة. 

   وفي نهاية فترة المراقبة، يعدُّ كل شريك خطابًا لتقييم ما لاحظه. أن يُقدموا ويجب أمثلة محددة؛ فممنوع الإطراءات العامة أو الاتهامات العامة. تتسم الخطابات التي يُعدونها جميعها بأنها إيجابية وبنَّاءة، مُشتملة عادةً على تشجيع إذا لم يُحقق الشريك الأهداف. ثم يستخدم الطلاب هذه التقييمات والتقييمات الخاصة بهم لإعداد تقرير إحراز التقدم. أستجيب بتقييمي التقدم الذي أحرزوه لتحقيق أهدافهم، وإذا كان الطلاب على الطريق الصحيح لتحقيق الأهداف، أُشجعهم على التفكير في أهداف تتسم بمزيد من الصعوبة، وأمنحهم الخيار لجعل الواجب الدراسي يستحقُ المزيد من الدرجات إذا اختاروا أهدافا تتسم بمزيد من الصعوبة.

 

   وفي نهاية المادة الدراسية، يُحضر الطلاب مذكرة قصيرة وأخيرة عن التقييم الذاتي، وأكرر مرة أخرى، يجب أن يكون الدليل الوارد فيها محددًا، بما في ذلك التواريخ وأوصاف ما أنجزوه بالتحديد، ويختتمون مُذكَّراتهم القصيرة بذكر عدد الدرجات المتوقعة، التي يؤمنون أنهم سيحصلون عليها. وقبل أن أقرأ هذه المذكرات القصيرة أقرر عدد الدرجات

الصفحة 335

التدريس المتمركز حول المتعلم

  التي أظنُّ أنهم سيحصلون عليها. أتابع مَنْ منهم يُؤدِّي أي الواجبات الدراسية وأنشطة المادة الدراسية، وذلك من خلال سجل سير التَّعلُّم الذي أعمل عليه بعد كل محاضرة بمدة تتراوح ما بين خمس وعشر دقائق، وأعرض إجمالي درجاتي على الطلاب، ولكن ما دام الفارق بين إجمالي الدرجة التي توقعها الطلاب وإجمالي درجتي في حدود ثلاث درجات، أُسجِّل الرقم الأكبر. في البداية، كنتُ قلقة بشأن ما إذا كان هذا الأسلوب سيؤتي ثماره أم لا، لكن باستمرار (عادةً 85 بالمائة من الوقت) ، وعلى مدار عدة فصول دراسية، كان الفارق بين الدرجات التي توقعها الطلاب ودرجاتي في حدود ثلاث درجات. وعندما لا يكون هناك فارق، يُمثل التقييم البخس مشكلة أكبر من التقييم المفرط، وعادةً ما تكون الطالبات أكثر بخسًا لقيمة إسهاماتهنَّ مقارنةً بالطلاب.

     لن أكون صادقة لو لم أعترف بأن هذا الواجب الدراسي مرَّ بالعديد من المراحل المختلفة قبل أن يصل إلى الشكل الذي وصفته هنا؛ فمن الصعب أن تُنفذ واجبات دراسية كهذه على نحو صحيح من أول مرة. ولكن انتهى المطاف بواجب دراسي أشعر بأنه حقق عددًا من الأهداف المختلفة؛ فلقد وفّر للطلاب تجربة موضوعية للتقييم الذاتي، جعلتهم مدركين لطريقة مشاركتهم، وفي معظم الحالات طورت هذه التجربة مهارات المشاركة، ووصلت بها إلى مستوى جديد أدركه الطلاب، وعبروا عنه بكل فخر، وربما يتمثل أفضل شيء على الإطلاق قامت به هذه التجربة هو إتاحة قدر أكبر وأفضل من التفاعل داخل قاعة الدراسة.

(4-2) تقييم الأقران: ملاحظة أن بإمكاني تقديم تقييم مفيد والحصول عليه

  على الرغم من أن كثيرًا من المعلمين يَشعُرون بالإحباط من مستوى جودة التقييم الذي يُقدمه الطلاب عندما يتبادلون مع الأقران تقييم بعضهم كتابات بعض، فإنه يُمكن معالجة المشكلات الناجمة عن ذلك عن طريق تصميم الأنشطة على نحو أفضل، والاعتراف بأن مهارة تقديم تقييم مفيد مهارة لا يتحلى بها معظم الطلاب أثناء الدراسة الجامعية. ومنذ أن سمعت بقاعدة العشرين دقيقة لشيلي(التي ابتكرتها إي شيلي ريد التي تُدرس مادة اللغة الإنجليزية بجامعة جورج ميسون)، وأنا أوصي بها: «أي شيء تريد الطلاب «فعلاً» أن يعتمدوا على أنفسهم للقيام به على مستوى عميق من المشاركة، وتتشكك في

الصفحة 336

الغرض من التقييم والعمليات المرتبطة به

 أنهم ربما لم يفعلوه من قبل، إذن يجب عليكم أن تفعلوه معًا – داخل قاعة الدراسة – لمدة عشرين دقيقة.» ومن أجل إعداد الطلاب لتقييم كتابات الأقران، توصي ريد أن تبدأ بابتكار معايير للتقييم ومناقشتها، وَزّع نصوصًا «نموذجية» وناقشها، وخَصِّص وقتًا للطلاب؛ لكي يتمرنوا على هذه النصوص، ثم شارك التعليقات المناسبة وناقشها، وإحدى الطرق الرائعة لبدء مناقشة التعليقات المناسبة هي أن تسأل الطلاب أن يشاركوا التعليقات التي كتبها أعضاء هيئة التدريس على أبحاثهم وكانت مفيدة (أو غير مفيدة).

   بالنسبة إلى الطلاب الذين تعلموا انتقاد بعضهم كتابات بعض، تقترح ليندا نيلسون (2003) مجموعة من الأسئلة التشجيعية التي لا تتطلب مباشرة إصدار أحكام، وإنما أسئلة تشجيعية يستطيع أي طالب أن يجيب عنها، بغضّ النظر عما إذا كان يعرف قواعد التخصص الدراسي أم لا، وهذا يتطلب الاهتمام الشديد بتفاصيل العمل، وإليك بعض الأمثلة من قائمة أطول بكثير واردة في مقال ليندا نيلسون: ما الصفة أو الصفتان (بالإضافة إلى «قصير» أو «طويل»، «جيد» أو «سيئ») اللتان تودُّ اختيارهما لوصف عنوان هذا البحث ؟ ضع نجوما حول الجملة التي تعتقد أنها الجملة الرئيسية التي توضح فكرة هذا البحث. ضع خطا (بقلم ملون) تحت أي فقرات كان يتعين عليك قراءتها أكثر من مرة لتفهم ما الذي كان يقوله الكاتب. ضع أقواسًا حول أي جمل تجدها ذات تأثير وفعالية على وجه خاص.

    يُعدُّ اتجاه تضمين نشاط الكتابة في المناهج الدراسية اتجاها راسخا في الوقت الحالي، ويُعتبر تقييم الأقران واحدًا من الأنشطة الموصى بها من البداية، نتيجةً لذلك، يوجد الكثير من المصادر الجيدة التي تحتوي على مجموعة من الأمثلة والنصائح المفيدة، وأحد أفضل المصادر هو كتاب بين بعنوان «أفكار الإشراك»، والذي صار من الأعمال الكلاسيكية في الوقت الحالي (الطبعة الثانية الصادرة عام 2011)

    المثال المفصَّل الذي أذكره هنا يستعين بتقييم الأقران في إطار عمل جماعي، عادةً ما يعتبر تقييم الأقران بمنزلة وسيلة للوقاية من مشكلة انتفاع بعض أعضاء المجموعة من الدرجات الخاصة بالمجموعة من دون أن يبذلوا الجهد المطلوب، على الرغم من أنَّ الجميع لا يوصون باستخدام تقييم الأقران في إطار العمل الجماعي أو استخدام التقدير الجماعي، كحل لهذه المشكلة. يؤمن أنصار التَّعلُّم التعاوني بأن العمل الجماعي يجب أن يُصمَّم بحيث يتم الحفاظ على عنصر «المسئولية الفردية». بعبارة أخرى، تُحسب

الصفحة 337

التدريس المتمركز حول المتعلم

  التقديرات الدراسية على العمل الفردي، ولا يتساوى أعضاء المجموعة، الذين لم يعملوا بقدر متساو على الأرجح، في هذه التقديرات الدراسية، ومن أجل مُلخص موجز ومنطقي انظر كاجان (1995). 

    تتسم الحُجّج في كلا الجانبين بأنها مُثيرة للاهتمام، وتستحق الاطلاع قبل أن تُقرّر ما إذا كنت ستستعين بالتقديرات الجماعية وتقييم الأقران. وثمة مواضع في المنتصف بين الخيارين، وهذا الموضع هو ما انتهيتُ إليه. تُقسم الدرجة إلى جزأين؛ جزء يعتمد على المنتج الذي تنتجه المجموعة، وكل فرد في المجموعة يحصل على هذه الدرجة، والجزء الآخر يتمثل في درجة فردية تعتمد بالأساس على تقييم الأقران.

    في البداية، لا يكون الطلاب متحمسين للغاية حيال تقييم بعضهم إسهامات بعض في المجموعة؛ فثمة الكثير من التعليقات القائمة على تبادل المجاملات: «لقد ساهم الجميع على نحو متساو في هذه المجموعة، لقد عملنا جميعًا بكد.» وثمة حلٌّ بسيط يظهر في هذه الحالة، ألا وهو أن يضطر أعضاء المجموعة إلى تقييم إسهامات الآخرين وتصنيفها؛ حيث إنهم يقيمونها وفقًا لمقياس مُتدرّج من ممتاز إلى ضعيف، ويُمكنهم أن يمنحوا أي عدد يشاءون من تقييم «ممتاز»، كما أنهم يُصنِّفون إسهامات الآخرين بدرجات تتراوح من 1 إلى 5، ولا يمكنهم سوى إعطاء درجة واحدة لكل فرد أي كل فرد يأخذ إما1 أو 2 أو3 وهكذا.

    ويتعامل هذا الحل البسيط مع مسألة من الذي عمل جاهدًا، ومن الذي لم يعمل إلا أن هذا الحل لا يفعل الكثير بخصوص تنمية مهارات تقييم الأقران، أو يُوفِّر للطلاب تجربة تبادل التقييمات. ومن الأفضل البدء في تنمية هذه المهارات عن طريق جعل الطلاب يستعينون بمجموعة من المعايير لتقييم الإسهامات الخاصة بزملائهم، وعن طريق استعراض شامل للأدبيات التربوية، تُحدِّد ديان بيكر (2008) السلوكيات الثمانية الأكثر شيوعا التي تُستخدم لتقييم إسهامات الأفراد حيال المجموعات وداخلها:

(1)حضور الاجتماعات.

(2) التحلي بالموثوقية والوفاء بالمواعيد النهائية.

(3) إنجاز عمل ذي جودة عالية. 

(4) بذل الجهد القيام بالنصيب المحدد من العمل وأحيانًا أكثر من ذلك النصيب. 

(5) التعاون وإجادة التواصل مع أعضاء المجموعة.

(6) إجادة التعامل مع النزاعات داخل المجموعة.

الصفحة 238

الغرض من التقييم والعمليات المرتبطة به 

(7) تقديم الإسهامات المعرفية.

(8) المساعدة في وضع أهداف المجموعة، وتحديد المهام، وتكليف الأعضاء بإنجازها. 

     تقدم ديان بيكر نماذج طويلة وقصيرة لتقييم الأقران، مستعينة بهذه المعايير، ويُعدُّ مقالها مصدرًا ممتازا يمكن الاعتماد عليه.

    إنَّ تحديد الطريقة التي يُسهم بها أعضاء المجموعة بفاعلية في أداء المجموعة ككل يرفع وعي الأفراد، وفي الوقت نفسه يُمكنهم من تقديم التقييم بعضهم لبعض. ويكون هذا التقييم مفيدًا أكثر عندما يكون هناك وقت أمام الأفراد كي يُعدلوا سلوكهم. والحصول على التقييم بعد الانتهاء من المشروع أفضل من عدم الحصول عليه مطلقا، إلا أن تبادل تقييم بناء بعد أن تبدأ المجموعة العمل يُمكن أن يمنع تفاقم المشكلات، ويُحسن الأداء العام للمجموعة أيضًا. وإذا كان الطلاب مستجدين على أنشطة تقييم الأقران، فإنهم يستفيدون من وجود معلم ييسر لهم تبادل التقييمات لأول مرة. أجعل طلابي يُقيمون إسهامات كل عضو في المجموعة باستثناء أنفسهم، كما أنهم يُجيبون عن بضعة أسئلة مفتوحة الإجابات، تخص الأداء العام للمجموعة. أصنف الدرجات وأُسلّم النتائج للطلاب إلكترونيا، ثم ألتقي بكل مجموعة ، وأبدأ بمناقشة بعض التعليقات على ردودهم على الأسئلة المفتوحة، وأسأل عما إذا كان لدى أحد منهم سؤال بخصوص التقييم الذي تلقاه يود أن تُناقشه المجموعة. وعادةً ما أختتم المناقشة بالحديث قليلًا عن قيمة مناقشة المجموعات بانتظام لعمليات التقييم التي يستعينون بها، بما في ذلك مدى إجادتهم أو عدم إجادتهم للعمل الجماعي.

    ومن الممكن إشراك الطلاب الأكثر خبرة في عملية تطوير المعايير التي سيستعينون بها في تقييم إسهامات بعضهم لبعض. وبعد تخصيص المشروع الجماعي لكل مجموعة وتوفير الفرصة لتطوير فهم واضح لما يستلزمه هذا الأمر، يُمكن أن يُطلب منهم تحديد ما سيتعين على أعضاء المجموعة الإسهام به بصفة فردية لكي تنجز المجموعة المشروع بنجاح. وهنا أيضًا لم يجد من استعان منا بهذا الأسلوب أن الطلاب انتهزوا هذه الفرصة. وبصفة عامة، فإنهم يبتكرون معايير قابلة للتطبيق، ويُمكنهم تقديم معاييرهم المقترحة إليك للمراجعة والتصديق عليها، إذا كان يُساورك القلق حيال هذا الأمر. ثم إذا استخدموا هذه المعايير في تقييم أقرانهم، يمكن أن يُختتم الواجب الدراسي بإعادة التفكير من جانبهم في مدى ملاءمة تلك المعايير المحددة.

الصفحة 239

التدريس المتمركز حول المتعلم

(5) مشكلات التطبيق

  ثمة مشكلتان بخصوص التطبيق يستحقان إعادة النظر فيهما سريعًا، على الرغم من إثارة كلتا المشكلتين في مواضع أخرى بهذا الفصل : المشكلة الأولى متعلقة بأهمية التقديرات الدراسية وتحفيز الطلاب على الحصول على تقديرات جيدة، سواء أجاءت هذه التقديرات مصاحبة لتجربة تَعلُّم مثمرة أم لا، وكلا الأمرين من القوى المؤثرة، وعادةً ما تبدو الجهود المبذولة لجعل الطلاب يُركّزون على التَّعلُّم مُهْدَرَة. دائمًا لا يُقدِّر الطلاب إشارات المعلمين الدائمة إلى أهمية التَّعلُّم، ولا يبدو أن هذه الإشارات تحدث أي فارق يذكر؛ فالصخرة تستلزم كثيرًا من الطَّرْق عليها حتى تتحطّم في النهاية، وتوصيل الرسالة يتطلب الصبر والمثابرة، والمعلمون الذين يتبعون التدريس المتمركز حول المتعلم يؤمنون بالرسالة، ولن يستسلموا أبدًا. وفي بعض القاعات الدراسية ومع بعض الطلاب، يؤتي الصبر والمثابرة ثمارهما، ويشرع الطلاب في رؤية التقديرات الدراسية والتعلم من منظور أفضل.

     المشكلة الثانية الخاصة بالتطبيق تتعلق بالتصميم المدروس والمبتكر المطلوب لكي يلعب الطلاب دورًا ذا أهمية في عملية التقييم، وهذا التصميم ضروري؛ لأن التأكيد على التقديرات الدراسية يؤثر على موضوعية الطلاب تأثيرًا سلبيًا، ولكن الأمر يستحق الاهتمام؛ لأنه حين تُمثل أنشطة التقييم الذاتي وتقييم الأقران أهمية، فإنَّ الطلاب يتعاملون مع هذه الأنشطة بمزيد من الجدية. إنَّ السماح لتقييماتهم بأن تُمثل أهمية هو توضيح رائع لاستغلال حافز الحصول على تقديرات دراسية، وتوجيهه نحو اتجاه أكثر إنتاجية، وكما أوضحت عدة أمثلة في هذا الفصل، ثمة طرق لإشراك الطلاب، ولكن يجب أن يكون النشاط مُصمما بحرص وتأن، بحيث لا يستغله الطلاب لمصلحتهم الشخصية حتى لا تتأثر نزاهة عملية التقييم تأثرا سلبيا.

   باختصار، استعرض هذا الفصل التغيير الأخير اللازم لجعل التدريس متمركزا أكثر حول المتعلم. يجب أن يتغيَّر الغرض من التقييم والعمليات المرتبطة به، ويمنح المعلمون الدرجات للطلاب لسببين: لمنح شهادة تُبرهن على مستوى إتقان المادة العلمية الذي حققه الطلاب، ولأنَّ إنجاز عمل يخضع للتقييم يشجع على التَّعلُّم. ولقد صارت التقديرات الدراسية أهم من التَّعلُّم بالنسبة إلى الطلاب (وإلى بعض المعلمين). ويعمل المعلمون، الذين يتبعون التدريس المتمركز حول المتعلم، على إحداث توازن أفضل بين التقديرات الدراسية والتَّعلُّم، وهما الغرضان من وراء التقييم، يجب أن تتغير عمليات التقييم أيضًا؛

الصفحة 240

الغرض من التقييم والعمليات المرتبطة به

    إذ ينبغي أن تُستخدم لمساعدة الطلاب على تنمية مهارات التقييم الذاتي وتقييم الأقران. قَدَّمَ هذا الفصل الكثير من الأمثلة التي تُبرز كيف يمكن للمعلمين أن يجعلوا الطلاب يُركّزون على التَّعلُّم، وكيف يمكن إشراك الطلاب في أنشطة التقييم التي تبني مهاراتهم. هل هذه الأنشطة تمس نزاهة عمليات وضع التقديرات الدراسية؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يسأله كل معلم عند التفكير في منح الطلاب دورًا بهذه الأهمية في عمليتي التدريس والتعلم.

    على الرغم من كل ما يحتاج إلى تغيير في هذا المقام - وبالنسبة إلى الكثير من المعلمين ما يقترحه هذا الفصل قد يبدو كثيرًا - فسيظلُّ شيء أساسي للغاية على حاله كما هو؛ فما زال المعلمون يتحملون مسئولية التَّأكَّد من أن التقديرات الدراسية التي يحصل عليها الطلاب هي التقديرات التي يستحقونها فعلا، وقد بين هذا الفصل كيف يتحمل بعض المعلمين تلك المسئولية، وفي الوقت نفسه يُركّزون على التَّعلُّم، ويمنحون الطلاب فرصة لتنمية مهارات التقييم الذاتي وتقييم الأقران.

الصفحة 241



الجزء الثالث : تطبيق أسلوب التدريس المتمركز حول المتعلم. الفصل الثامن : التعامل مع المقاومة

الفصل الثامن : التعامل مع المقاومة

  يرى بعض أعضاء هيئات التدريس أن الحجج الداعمة للتدريس المتمركز حول المتعلم مقنعة جدًّا، وبحماسة بالغة، يشرعون في ابتكار الواجبات الدراسية الجديدة، وتطوير الأنشطة الدراسية، وإعادة ترتيب السياسات المعمول بها لدراسة المادة. وما إن ينتهوا من عملية التخطيط، حتى يتحمسوا تمامًا لبدء تدريس ما يبدو وكأنه مادة دراسية جديدة بالكامل. في اليوم الأول، يُقدِّمون هذه السمات الخاصة بالمادة الجديدة، مشاركين طلابهم قناعتهم بأن هذه التغييرات ستجعل الدراسة أفضل كثيرًا، ثم ماذا يحدث؟ لا يتجاوب الطلاب معهم بحماسة مماثلة! في الواقع، يُصرح الطلاب بكل وضوح أنهم يُفضّلون إنجاز المهام بنفس الطريقة المتبعة في معظم المواد الدراسية، ويغادر المعلمون قاعات الدراسة وهم في حالة من الإحباط وخيبة الأمل، بل وتبدو لهم استجابة الطلاب وكأنها إهانة شخصية.

    وأحيانًا لا يكون الطلاب هم المعارضين الوحيدين الأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم، بل يُعبر زملاء المهنة، بمن فيهم بعض المعلمين ذوي القدر العالي من الأقدمية والخبرة على حد سواء، عن دهشتهم، ويهزون رءوسهم، ويُواصلون ذكر قائمة طويلة من المخاوف. وتتوالى اعتراضات الزملاء بقولهم: إن هذه الطريقة للتدريس ربما تناسب طلاب السنوات النهائية الشديدي الذكاء، ولكن من الذي سيُخاطر بتجربتها مع الطلاب المستجدين في دراسة مادة إجبارية من مواد التعليم العام؟ أو تكون الاعتراضات متعلقة بتغطية المحتوى – فهذه الأنشطة الخاصة بالتَّعلُّم النشط تستغرق الكثير من الوقت – أو متعلقة بالمعايير وتأكيد المخاوف الخاصة بتفاقم أهمية التقدير الدراسي، أو تأتي الاعتراضات على شكل السيناريو الافتراضي الخاص بخروج الطلاب عن السيطرة، والاستيلاء على السلطة داخل قاعة الدراسة. وبالنسبة إلى أولئك المستجدين على اتباع

الصفحة 245

التدريس المتمركز حول المتعلم

   هذا الأسلوب في التدريس، فإنَّ مخاوف الزملاء - بالإضافة لافتقار الطلاب ظاهريًا للحماسة - يمكن أن تُثير شكوكا خطيرة، وتُزعزع الالتزام العميق والمفعم بالحماسة - الذي استشعروه ذات مرة - تجاه هذه الطريقة للتدريس.

   يصير التعامل مع المقاومة، من جانب الطلاب والزملاء، أصعب عندما تكون غير متوقعة، والغرض من هذا الفصل هو إعدادك لتوقعها. ينبغي لأي معلم، يُحاول اتباع أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم، أن يعرف مسبقًا أن مقاومة الطلاب وأعضاء هيئات التدريس لهذا الأسلوب هو أمر يحدث باستمرار. إنه رد فعل شائع ومعتاد، وليس أسلوبًا شائنًا بغيضًا يقتصر على طلابك وزملائك، أو آراء ناجمة عن عدم كفاءتك المهنية. 

    الغرض الثاني من هذا الفصل هو مساعدتك على التعامل مع مُقاومة كلٌّ من الطلاب والزملاء على حدٍّ سواء. سوف نتناول المقاومة من كلا الجانبين في أقسام مختلفة في هذا الفصل، إلا أن طريقة التحليل المستخدمة تستعرض النقاط الثلاث نفسها بالنسبة إلى كلا الجانبين. أولاً: يكون التعامل مع المقاومة أسهل كثيرًا بمجرد أن تفهم ماهية هذه المقاومة. لماذا يُقاوم الطلاب والزملاء ؟ ما الذي يُؤجج الاعتراضات ويُشجعها؟ ثانيًا: كيف تكشف المقاومة عن نفسها؟ وكيف تبدو ؟ ما الذي يقوله الطلاب والزملاء؟ وهل هذا يُشير إلى أنهم يقاومون الفكرة؟ وأخيرًا، كيف ينبغي للمعلمين أن يستجيبوا للمقاومة؟ وما الذي ينبغي لهم فعله؟ وما الذي ينبغي أن يقولوه ؟

   وفيما يخص الطلاب، ثمة أخبار سارة؛ حيث تُوجد وسائل للتعامل مع افتقارهم للحماس وتفضيلهم لطرق التدريس التقليدية؛ وهذه الوسائل تؤتي ثمارها، وبمجرد أن يتعرض الطلاب لأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم، وبمجرد أن يفهموا الأسباب التعليمية وراء ما يطلبه المعلم منهم ، يتوقف الطلاب عن المقاومة، ويبدأ عدد غير قليل منهم بتأييد أساليب التدريس والتَّعلُّم هذه. فيما يخص الزملاء، تكون النتائج مُختلطة أكثر؛ فمنذ إصدار الطبعة الأولى من هذا الكتاب، جرَّب عدد أكبر من المعلمين هذه الأساليب، وهو الأمر الذي سهل بدرجة أكبر العثور على زملاء داعمين لأساليب التدريس هذه، ولكن كما تُشير الأدلة الواردة في مواضع أخرى بهذه الطبعة، لا تزال أغلب طرق التدريس بعيدة تمامًا عن التمركز حول المتعلم، ولا يزال المعلمون، الذين لم يُجرِّبوا أيا من هذه الأساليب، يتملكهم الشك. وأظن أن معظمنا قد يتفق في الرأي على أنه من الأسهل إقناع الطلاب، ولكن عندما يبدي الطلاب أو أعضاء هيئات التدريس المقاومة، من الجيد أن ندرك رد الفعل ونتفهمه، بل والأفضل أن يكون لدينا بعض الأفكار بخصوص التعامل مع رد الفعل هذا.

الصفحة 246

(1) لماذا يقاوم الطلاب ؟

لقد خضعت مقاومة الطلاب لدراسة الباحثين وكتب عنها أعضاء هيئات التدريس الذين مروا بالتجربة. وعلى الرغم من وجود عدد أكبر من الأبحاث التربوية، فإن مقالي المفضل عن هذا الموضوع ظل كما هو ؛ ألا وهو مقال كتبه فيلدر وبرنت (1996) تحت العنوان الملائم «القيادة على الطريق الوعر نحو التدريس المتمركز حول الطالب». وإلى جانب النسخة الموجودة في ملفاتي لدي نسخة ثانية في حافظة ملفات اليوم الأول للدراسة، وهي نسخة متهالكة يكاد يكون تحت كل سطر بها خط، وأقرؤها في كل مرة أستعد فيها لإلقاء محاضرة. وفيما يلي نقطة من النقاط المهمة الكثيرة المذكورة في هذا المقال: «الأمر لا يتعلق بأن التدريس المتمركز حول الطالب لا يُحقق نجاحًا عندما يُطبق تطبيقا صحيحًا، بل إنه يُحقق نجاحًا فعلا كما تشهد على ذلك بجدارة ... كلٌّ من الأدبيات التربوية وتجاربنا الشخصية. المشكلة هي أنه على الرغم من أن الفوائد المقترحة حقيقية وملموسة، فإنها ليست فورية ولا تلقائية؛ فالطلاب، الذين يُملي عليهم معلموهم كل شيء يحتاجون إلى معرفته منذ الصف الأول بالدراسة وما بعده من صفوف، لا يُقَدِّرون بالضرورة سحب هذا الدعم منهم على نحو مفاجئ» (ص 43).

    يأتي ذكر مقاومة الطلاب لأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم على نطاق واسع في الأدبيات التربوية المنشورة قبل إصدار الطبعة الأولى وبعده، وتذكر عدة تقارير، بالتفصيل، الاعتراضات الخطيرة والمتواصلة من جانب الطلاب؛ وهي اعتراضات ممتعة للقراءة برغم أنها مخيفة بعض الشيء، وهذا الحد من المقاومة الذي ذكره هؤلاء الباحثون ليس الحد الطبيعي؛ ففي مقال كتبه نويل (2004)، طُبقَ، في تقديره الشخصي، عدد كبير جدا من أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم بعجالة شديدة، وفي مقال آخر، ذكرت شيريل ألبرز (2009) أنها أعادت تصميم أحد مقررات المستوى الرفيع التي يتوقع فيها تحلي الطلاب المتفوقين بقدر أكبر من التوجيه الذاتي. ولكن ما أثار دهشتها كثيرًا أنَّ الطلاب عارضوا بشدة دراسة هذا المقرَّر. لقد افترضت شيريل البرز أن الطلاب المتفوقين سيكونون مقبلين على الخبرات التعليمية التي يُمكنهم إدارتها وتنظيمها على النحو الذي يرغبونه. وفي كلا المقالين، يُحلِّل الكاتبان السبب وراء أن أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم، التي استعانا بها، أثارت سخط الطلاب كثيرًا. إن نشر مقالات تصف محاولات المعلمين، التي لم تُحقق نجاحًا ساحقا، يتطلب شجاعة. بالإضافة إلى ذلك، فهي تُذكَّرنا

الصفحة 247

التدريس المتمركز حول المتعلم

ببراعة بمقدار ما يُمكننا تعلمه من الأخطاء، وأتمنى أن يستطيع عدد أكبر منا الكتابة عن التغيرات التعليمية التي لا تسير كما هو مخطط لها. وسنتناول هذين المقالين بمزيد من الاستفاضة في الفصل التاسع الذي يستعرض المشكلات التطويرية.

    يتمثل رد الفعل الأكثر نمطية للطلاب حيال أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم في المقاومة المبنية على أربعة أسباب، والأسباب جميعها مترابطة، وقد تكون لها آثار تراكمية، ومن المهم أيضًا أن نلاحظ أن أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم ليست الجانب الوحيد الخاص بعملية التدريس الذي يُشتهر بإثارة مقاومة الطلاب؛ فجزء من المقاومة للجوانب الأخرى الخاصة بعملية التدريس مُستمَدُّ من هذه الأسباب أيضًا.

(1-1) أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم تتطلب المزيد من العمل

تقتضي هذه الأساليب المزيد من العمل من جانب المعلم، ولا سيما أثناء مرحلة التصميم، ولكن تأتي مقاومة الطلاب بسبب أن هذه النوعية من أساليب التدريس تعني بالنسبة إليهم إنجاز المزيد من العمل، وعندما يتعرض الطلاب لهذه الأساليب لأول مرة، يَشعُرون بأنه يُطلب منهم تأدية مهام المعلم. لنفترض أنك تُريد من طلاب أن يضربوا خمسة أمثلة توضح التطبيق العملي لإحدى النظريات التي شرحتها لهم، فبالنسبة إلى الطلاب، تتمثل الطريقة الأسهل والأكثر فاعلية للحصول على تلك الأمثلة في جعل المعلم يسرد قائمةً لها في مذكرة يُمكن تحميلها من شبكة الإنترنت، ومن الأصعب كثيرا بالنسبة إلى الطلاب أن يجتمعوا بإحدى مجموعات الأقران ويبتكروا هذه الأمثلة، ومَن يدري إن كانت هذه الأمثلة «صحيحة» أو أنها الأمثلة التي ستأتي في الاختبار ؟ هذا شكل من أشكال مُقاومة العمل بكد من أجل التعلم.

    وهذه المقاومة لها سبب وجيه من وجهة نظر المعلم ( ونتمنى يوما ما أن تكون من وجهة نظر الطلاب كذلك)؛ فهي دليل على أنَّ أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم تشرك الطلاب وتحتهم على بذل قصارى جهدهم لإنجاز مهام التَّعلُّم. وكما لوحظ في الفصل الثالث، عندما يبتكر الطلاب الأمثلة، فهذه العملية تُساعدهم على تعلُّم المحتوى، وتُعلِّمهم كيف يبتكرون الأمثلة. ومع وجود تقييم وتوجيه من جانب المعلّم، يمكن أن يتعلم الطلاب أن يبتكروا أمثلة رائعة.

الصفحة 248

التعامل مع المقاومة

(1-2) تُمثَّل أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم تهديدًا

يقاوم الطلاب هذه الأساليب أيضًا لأنهم يخافون؛ فما يحدث في معظم المواد الدراسية - وبالطبع ما قد حدث طوال معظم مراحل تعليمهم - هو الشيء نفسه؛ حيث يُملي المعلمون على الطلاب ما يفعلونه إنه الروتين المألوف، وهذا ما يتوقعه الطلاب حين يشرعون في دراسة مادة جديدة، إلا أنهم يدخلون محاضرة هذه المادة ويكتشفون أن ما يعرفونه بالفعل ويَشعُرون بالارتياح تجاهه يحلُّ محله شيء جديد. لقد فتح هذا المعلم بابا تخرج منه جميع أنواع السياسات والممارسات والواجبات والتوقعات الجديدة. ما الذي يُفترض أن يفعله الطلاب؟ من المسئول عن ماذا في اللحظة الراهنة؟ تُرى ما الذي يريده هذا المعلم؟

    هذه التغيرات تخيف نوعيات مختلفة من الطلاب؛ فالطلاب الجيدون حقًا يُحققون نجاحا بالغا في النموذج الآخر من التَّعلُّم؛ فهم يعرفون آليات عمل هذا النموذج، وما الذي يجب عليهم فعله للحصول على تقديرات دراسية جيدة. أما في هذه المادة الدراسية، فالقواعد تكون مختلفة؛ فمُعظم الطلاب يَشعُرون بالإحباط والغضب، حيث إنهم لا يرغبون في الاضطرار إلى فهم قواعد ممارسة لعبة جديدة، والطلاب الذين لا يتمتعون بالثقة في النفس يخافون أيضًا، ولقد استقى كيلي وشيمبرج وكويل وزينباور (1995) -الذين يصفون مقاومة تعلم مهارات التفكير النقدي ويرصدون مقاومة مُماثلة للأساليب الأخرى الخاصة بالتدريس المتمركز حول المتعلم - تفسيرهم من أدبيات العلاج النفسي: «يُلزم» كلٌّ من مُعلمي التفكير النقدي والأطباء النفسيين طلابهم / مرضاهم، الذين يعانون عادةً من الافتقار إلى الثقة بالنفس، بتحمل المسئولية، والتحلي بتوجيه الذات، ومن ثم، يجب على الطلاب / المرضى أن يُجربوا أشياء لا يُجيدونها بعد. إنَّ الاعتماد على الذات بدلا من الاعتماد على الشخص المتخصص هو أمر مخيف؛ فأن تصير مفكرًا نقديا أو متلقيًا ناجحًا للعلاج النفسي يعني خوض المخاطرة، والتصدي للمخاوف المرتبطة بالفشل، والخوف من المجهول» (ص 141).     

    عندما يكون الخوف هو ما يجعل الطلاب يُقاومون هذا الأسلوب للتدريس، تنشأ المقاومة من معتقدات الطلاب في أنفسهم كمتعلمين، فالأمر ليس مسألة اعتراض الطلاب على واجب دراسي أو سياسة أو توقع جديد في حد ذاته، وإنما هو خوف من أن يكونوا عاجزين عن تنفيذ ما طلب منهم تأديته.

الصفحة 249

التدريس المتمركز حول المتعلم

(1-3) أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم تتضمن وقوع خسائر

يلاحظ كلوس (1994)، الذي يُوضّح تفصيلا مقاومة الطلاب للتنمية الفكرية، أنه كلما انتقلت من مستوى معيَّن للفهم إلى مستوى آخر، فإنَّ ثمة شيئًا يُفقَد، وشيئًا يُنسى، وكتب يقول : «يجب علينا كمعلمين، أن نتذكَّر أن النمو يخلق الشعور بالخسارة لدى الطلاب، خسارة حالة اليقين التي تدعمهم وتُمثَّل لهم ملاذا في عالم يزداد تعقيدًا وإرباكا» (ص155)

يستطيع معظمنا أن يتذكر مراحل من رحلتنا نحو النضج، حين أدركنا في النهاية أن الأمر كان بأيدينا؛ أي إنه يجب علينا أن نتخذ القرارات بأنفسنا، أتذكر حديثي مع أبي ذات مرة عما كان يبدو قرارًا مهما ومبهما للغاية، سألته عما ينبغي لي فعله، فقال لي إنه قد يُقدِّم لي النصيحة ويشاركني رأيه، ولكن يتعين عليَّ أنا الاختيار. أتذكر بكائي بعد أن وضعتُ سماعة الهاتف، كان من الأسهل كثيرًا أن يُخبرني والدي بما علي فعله.

    تأخذ أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم الطلاب إلى مستوى جديد من المسئولية؛ فيصيرون مسئولين عما يحدث بعد ذلك وما لا يحدث. كتب أحد طلابي في دفتر يومياته قائلًا: «في هذه المادة، مصيرك في يديك تمامًا. كنتُ أظنُّ أنه ينبغي أن يروق لي ذلك، ولكن هذا لم يحدث، إنني أفتقد شعور اتخاذ القرارات بالنيابة عني.» فالقاعات الدراسية التي يتخذ فيها المعلمون جميع القرارات هي أماكن أكثر أمانًا وبساطة، ولعل الطلاب يتفهمون من الناحية الفكرية أن الأساليب الجديدة تُعزّز تنمية مهاراتهم الشخصية، إلا أن الشعور بالخسارة هو شعور عاطفي يأخذ شكل المقاومة من جانب الطلاب.

(1-4) بعض الطلاب غير مستعدين لبعض أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم

يتناول الفصل التاسع المشكلات المعقدة الخاصة بالتطوير، بما فيها المشكلات الخاصة بكيف تعدُّ الطلاب لتحمُّل تزايد حجم المسئولية، والتحلي بالاستقلالية، ثم ندفعهم نحو ذلك. إنَّنا نبدأ من نقطة الصفر تقريبًا مع الكثير من الطلاب؛ فهم مُتعلِّمون اتكاليون للغاية، وعدد كبير من الأنشطة والواجبات الدراسية والسياسات المذكورة هنا وفي مواضع أخرى بالأدبيات التربوية يتطلب مستوى مُعيَّنا من النضج الفكري، ربما لا يتحلى به الطلاب بكل بساطة. إننا لا نبدأ في إطعام الصغار أطعمة صلبة قبل أن يكونوا مستعدين

الصفحة 250

التعامل مع المقاومة

لذلك، فإذا فعلنا ذلك قبل الأوان سنندم عادةً، وهذا هو الحال مع الطلاب الذين لا يألفون هذا الأسلوب في التدريس؛ ومن ثمَّ يُقاومون هذا الأسلوب متحججين عادةً بأنهم لا يستطيعون القيام بما نطلبه منهم. والأمر يتطلب التحلي بالحكمة لتمييز ما إذا كانت المقاومة اعتراضًا على بذل المزيد من الجهد، أم نابعة من الخوف، أم الشعور بالخسارة، أم أنها بمنزلة اعتراض مبرر لشيء لم يستعد الطلاب بعد للتعامل معه. ويستعرض الفصل التاسع المشكلات التطورية المرتبطة بأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم، ويقترح أنشطة تمثل نقاط انطلاق جيدة للبدء من عندها عندما لا يكون الطلاب قد بلغوا مرحلة المتعلمين الناضجين من الناحية الفكرية.

(2) إدراك المقاومة

أحيانا تكون اعتراضات الطلاب واضحة جدًّا بحيث لا يمكن إغفالها، ولكن في أحيان أخرى يُعبر الطلاب عن المقاومة بطرق لا تبدو بالضرورة أشبه بالاعتراضات على هذه الأساليب؛ فعلى سبيل المثال، طلابي لا يقولون إنهم مُعترضون على واجب دراسي معين، وإنما يُركّزون انتباههم على التفاصيل، ويطرحون سؤالاً تلو الآخر، أسئلة سهلة، بل أراها من وجهة نظري أسئلة عبثية، وعادةً ما يُصاحب ذلك تعليقات منهم مفادها أنه لم يُطلب منهم من قبل القيام بمثل هذه الأمور.

    لقد حدد كيرني وبلاكس عدة أنواع مختلفة للمُقاومة، وأثبتا انتشار مقاومة الطلاب على نطاق واسع لجوانب كثيرة من عملية التدريس (انظر المصدر المنشور عام 1992، الذي لخص عدة دراسات لهما) . ولم تقتصر دراستهما على مقاومة أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم، وإنما أوضحت الأنواع الثلاثة التي حدداها للمقاومة كيف تبدو مقاومة أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم عادةً:

(2-1) المقاومة السلبية الصامتة

عادةً ما يظهر هذا النوع من المقاومة على هيئة شعور غامر بلامبالاة وافتقار للحماسة، كما وصفت في موضع سابق من هذا الفصل. أنا، مثلا، أقدم نشاطا جماعيا قصيرا داخل قاعة الدراسة، وبعد أن أظنَّ أن الجميع يستوعبون ما عليهم إنجازه، أقول لهم: «حسنًا، انطلقوا وكونوا مجموعات، ليجتمع كلٌّ منكم مع ثلاثة أو أربعة من الزملاء الآخرين.»

الصفحة 251

التدريس المتمركز حول المتعلم

لقد فعلت ذلك في محاضرات لم أجد فيها أيَّة استجابة ملحوظة على الإطلاق؛ حيث يجلس الطلاب وحسب ينظرون إليَّ، ثم ينظرون إلى الساعة، أو ينظرون خارج النافذة. «أريدكم أن تكونوا مجموعات ... من فضلكم اجلسوا على كراسيكم في دائرة، وتأكدوا من أن كل فرد في المجموعة يعرف الآخرين جيدا.» وربما يلقى هذا الطلب أقل استجابة ممكنة على مستوى «الكم والكيف»؛ فبعض الطلاب يشرعون في تبادل النظرات فيما بينهم، طارحين سؤالا صامتا في تردد: «أتُريد الانضمام إلى مجموعة ؟» ورغم ذلك، لا أحد يُحرِّك كرسيه. في تلك اللحظة، أتجول داخل قاعة الدراسة مبتسمةً في مرح، غير مدركة ظاهريا لهذه الاستجابة البعيدة تمامًا عن الحماسة، وبالتأكيد غير مُتهيِّبة لها، وأقول لهم: «اجتمعوا، اجتمعوا، هيا يا شباب، أين المجموعة ؟ حسنًا، قرّبوا كراسيكم ... أترغبون أن أكون لكم بعض المجموعات؟» 

     غير أنَّ رسالتهم واضحة تمامًا: «لا نريد أن ننضم إلى مجموعات.» ولكن لم يُعبر أحد صراحة عن هذه المقاومة، ثمة نسبة أقل من المخاطرة عند توصيل الرسالة بطرق غير لفظية، فإذا سأل المعلم أحد الطلاب سؤالاً مباشرًا على غرار: «ما المشكلة، يا فريد؟» فقد يأتي الرد على هيئة إنكار شفهي صريح بقوله: «لا توجد مشكلة، سأنضم إلى هؤلاء الشباب.» والمقاومة السلبية بمنزلة طريقة للاعتراض دون تحمل المسئولية تجاه القيام بذلك، وهذا يضع المعلمين أمام تحدٍّ من نوع خاص؛ لأن بإمكان الطلاب أن يدعوا عدم وجود اعتراضات     

    بالإضافة إلى هذه الحالة من اللامبالاة والافتقار للحماسة، تظهر المقاومة السلبية في أشكال أخرى؛ مثل الأعذار والمبررات. لا يفعل الطلاب ما يطلبه منهم المعلم، ولكن بدلا من أن يُعبروا عن شعورهم، يقدمون الأعذار والمبررات، مثل: «كان لدي اختباران آخران.» «اضطررت للعمل لساعات إضافية.» أو ربما لا يذعن الطلاب، ولكنهم يتظاهرون بالطاعة؛ حيث تجدهم يكونون مجموعة ويُدردشون في ود عن أي شيء ما عدا المهمة المطلوبة منهم، أو لعلَّ الطلاب يُقاومون في سلبية عن طريق رفض المشاركة، وقد يكونون على أتم الاستعداد داخل قاعة الدراسة، ولكنَّهم يرفضون طرح الأسئلة أو الإجابة عنها، ولا يرغبون في إجراء تواصل بصري مع المعلم. وبالنسبة إلى المقاومة السلبية، تتضح الاعتراضات عن طريق السلوكيات، باعتبارها النقيض للتعبيرات اللفظية؛ أي نوعية التصرفات التي يُمكن للطلاب إنكارها أو تفسيرها على عكس ما كان يُقصد بها إذا ما سئلوا عنها مباشرة.

الصفحة 252

التعامل مع المقاومة 

(2-2) الطاعة الشكلية

إذا تجاهل المعلمون المقاومة السلبية للطلاب، وتظاهروا بأنهم لم يفهموا الرسالة، فإنَّ الطلاب عادةً ما يُخاطرون ويُقاومون عن طريق تنفيذ المهمة على نحو سيئ، أو تنفيذها بهمة فاترة، أو تنفيذها بسرعة بالغة جدًّا، خاصةً إذا ما ظنوا أنهم ربما ينصرفون قبل موعد انتهاء المحاضرة. وعلى الرغم من أنني لستُ متأكَّدةً من قدرة الطلاب على إدراك السبب وراء تصرفاتهم، فإنَّ طريقة تفكيرهم في الأمر تسير على هذا النحو: «إذا أدينا عملا دون المستوى، أو أدينا بالكاد ما تُريده المعلمة، بالكاد وحسب، فربما تفهم من تلقاء نفسها أن هذا الأمر لا يؤتي ثماره معنا، ولن تحاول تكراره مرة أخرى.» ليس من السهل دوما أن تفهم ما إذا كان هذا النوع من ردود ا الأفعال رد فعل صادرًا من طلاب ليس لديهم خبرة في العمل الجماعي أو لا يتمتَّعون بمستوى جيد من مهارات العمل الجماعي، ومن ثَمَّ لا يعرفون كيف يُنفّذون المهمة على نحو جيد، أم أنه شكل آخر من أشكال المقاومة. أحيانًا أعتقد أنه مزيج من الأمرين.

    كما تظهر الطاعة الشكلية نفسها بعدة طرق أخرى؛ فربما يحضر الطلاب المحاضرة وهم على أتم استعداد لها، ولكنهم لا يُريدون أن يكشفوا الغطاء عما يعرفونه بالفعل؛ فتجدهم يتمتمون بثلاث كلمات ردًّا على سؤال خادع ذي إجابة مفتوحة، ويُؤدُّون جزءًا من الواجب المنزلي، ولكن لا يُؤدُّونه كله، وربما يكون الطالب ذكيًا للغاية ويتمتَّع بالقدرات، ولكنه يقاوم من خلال بذل أقل مجهود فقط. وأحيانًا تأتي الطاعة الشكلية على هيئة الاستغراق في التفاصيل الإجرائية، كطرح الأسئلة التي لا تنتهي بخصوص ما تُريد منا أن نفعله، أو مناقشة أساليب بديلة، أو طرح أسئلة تفسيرية. يُطيع الطلاب المعلم عن طريق التركيز على المهمَّة، ولكنَّهم يعترضون عن طريق الإفراط في مناقشة المهمة، ورغم ذلك، من المهم أن نضع في الاعتبار التمييز بين ما إذا كانت المناقشة المتواصلة لأحد الواجبات الدراسية تُمثل شكلا من أشكال المقاومة، أم ما إذا كان الواجب الدراسي محيرا وغير واضح بالفعل. والمعلمون الذين يتسمون بالحكمة لا يعتمدون على الافتراضات، بل إنهم يسعون للحصول على المزيد من التقييمات من جانب الطلاب.

(2-3) المقاومة الصريحة

الخبر السار بخصوص المقاومة الصريحة هو أنك لست مضطرا إلى التساؤل عما إذا كان هذا التصرف بمنزلة مقاومة أم لا؛ فالرسالة واضحة، وعادةً ما يتم توصيلها بقدر

الصفحة 253

التدريس المتمركز حول المتعلم

من الانفعال، وأحيانًا بالكثير من الانفعالات. وفي أفضل السيناريوهات الممكنة، يمرُّ عليك الطالب المستاء أثناء ساعات العمل في مكتبك ليُعبر عن اعتراضاته، غير أن أفضل هذه السيناريوهات لا يحدث عادةً، وهذا هو الخبر السيئ بخصوص المقاومة الصريحة؛ حيث تجد الطلاب يعبرون صراحة عن هذه المقاومة داخل قاعة الدراسة، ويُصرحون بها في وقت لا تتوقعه، ويبعثون برسالتهم دون قدر كبير من التزيين، فتسمع منهم اعتراضات كهذه: «لا يتوقع المعلمون الآخرون منا أن نتبع هذه الطريقة في العمل.» «لماذا نضطر إلى التفكير في الإجابة؛ فأنت تعرف الإجابة. «لماذا لا تُخبرنا بها وحسب؟» وربما يكون الطلاب الكبار، الذين يدفعون مصاريف تعليمهم الخاص، على درجة بالغة من العند والتعنت عندما يُطلب منهم العمل مع مجموعة من الطلاب الأصغر سنا، الذين يبلغون من العمر ثمانية عشر عاما مثلاً. كما قال لي أحدهم ذات مرة أمام باقي الفرقة الدراسية: «أنا لا أعرف الكثير عن هذا الموضوع، ولكني أعرف أنه ليس لدي وقت للجلوس مع حفنة من الأطفال الذين يعرفون قدرًا أقل منّي عن هذا الموضوع.» أو تسمع اعتراضات، كالتعليق الذي سمعه أحد زملائي من طالب لديه: «إننا نعرف السبب وراء إجبارك لنا على العمل الجماعي؛ فهذا يوم من الأيام التي لا يكون لديك وقت فيها للتحضير قبل المحاضرة. » أو رسالة البريد الإلكتروني التي تلقاها أحد الزملاء الآخرين، التي جاء بها هذا الاعتراض: «عليك أن تفهم أن معظم الطلاب يتعلمون على نحو أفضل حين يُلقي المعلمون المحاضرات، وفرقتنا الدراسية ليست استثناء من القاعدة.» 

     يوجد رد جيد جدًّا على كل هذه الاعتراضات، ولكنه لا يخطر على بالنا دوما في اللحظة التي يُعبر فيها أحد الطلاب الساخطين عن اعتراض يوحي . بأننا ربما لا نقوم بما يعتقد الطلاب أنه يجب علينا القيام به. إن تبنّي توجه دفاعي في هذه المواقف هو رد فعل طبيعي للغاية، ورغم أن الهجمات تبدو ذات طابع شخصي، فإنها ليست كذلك؛ فالمقاومة تعتمد على أسباب لا تتعلق بالمعلم، كما أوضحنا في القسم السابق، ومن شأن فهم كلٌّ من الأسباب وراء المقاومة والأشكال التي تظهر بها هذه المقاومة أن يجعلنا نستعد للتفكير في ردود الأفعال، ومن ثم، نبحث عن إجابات تُساعد الطلاب على التعامل مع مقاومتهم.

(3) طرق التغلب على المقاومة

أفضل طريقة للتعامل مع المقاومة هي التواصل؛ أي إجراء حوار حر ومفتوح بين جميع الأشخاص المعنيين: أفرادًا وجماعات على حد سواء. وفيما يلي، أصف أربع طرق للتواصل

الصفحة 254

التعامل مع المقاومة

اللازم، وأقترح أن التعامل مع المقاومة يكون في أفضل صوره عندما يستعين المعلمون بكل هذه الاستراتيجيات الخاصة بالتواصل، ومن المهم أن نتذكَّر أن التغلب على المقاومة ليس مهمة يُنجزها المعلمون من أجل الطلاب، وإنما هي مهمة يعملون عليها لمساعدة الطلاب على إنجازها بأنفسهم.

(3-1) تواصل بوضوح، وعلى نحو متكرّر ، بخصوص السبب وراء استخدام أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم

فسر المعلمون الذين يتبعون هذه الأساليب، السبب التعليمي وراء ما يطلبون من الطلاب تأديته، إنهم لا يفترضون أن الأسباب الكامنة أو الفوائد المتوقعة من تأدية واجب دراسي أو نشاط ما واضحة بالنسبة إلى الطلاب. وقد تعلَّم مُعظمنا، من واقع التجارب الشاقة، أن الأمر ليس كذلك؛ فعادةً لا يقضي الطلاب المزيد من الوقت (أو لا يقضون وقتًا على الإطلاق) في التفكير في السبب الأساسي وراء الأنشطة أو الواجبات الدراسية أو السياسات المتعبة لدراسة المادة. إنهم عُرضة أكثر للتركيز على التقديرات الدراسية والمخاوف الأخرى، مثل محاولة فهم ما يُريده هذا المعلم، لا السبب وراء رغبته في ذلك.

     علاوة على ذلك، لا يُفسِّر المعلمون عادةً السبب وراء ما يطلبونه من الطلاب، وقد يندهشون من الجهد الذي يجب عليهم بذله داخل القاعات الدراسية التي تُطبق هذه الأساليب، فلا يجب شرح السبب وراء الواجبات الدراسية الجديدة، والأنشطة غير المألوفة، والسياسات المختلفة بطريقة منطقية وموضوعية وحسب، كما يفعل المعلمون عادةً، بل أن تُقدَّم بطريقة مقنعة أيضًا، يجب أن يحاول المعلمون أن «يُقنعوا» الطلاب بالفكرة، أو على الأقل يُقدِّموا الأسباب الوجيهة والمقنعة لتأدية واجب منزلي، أو نشاط، أو اتباع سياسة كهذه.    

    بالإضافة إلى الجهود المبذولة للإقناع، ثمة محاولات غير دفاعية لتبرير أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم تعليقات على غرار: «كلانا يُريد الشيء نفسه؛ مقرر دراسي يستحق كل مليم دفعتموه من أجل دراسته. هدفي هو أن أقدم مقررًا دراسيًّا يُشجع على التعلم، أقصد قدرًا كبيرًا من التَّعلم العميق، ذلك النوع الذي تربطه بالفهم، وأريدكم أن تكونوا متعلّمين مثقفين.» «أجل، أنتم مُحقون، ما أطلبه هو المزيد من العمل للطلاب، وقد يكون الأمر أسهل لو ضربت لكم الأمثلة، ولكن كيف سيُعدُّكم ذلك للمستقبل، حين لا أكون معكم وتكونون في حاجة إلى أمثلة توضيحية؟»

الصفحة 255

التدريس المتمركز حول المتعلم

يجري كذلك توصيل عدد من الرسائل برزانة وهدوء، وهي رسائل وثيقة الصلة بالموضوع، وتُدافع عن هذا الأسلوب في التدريس، على سبيل المثال: «كما تعلمون، لستُ مهتما بشدة بما إذا كان هذا المقرَّر الدراسي، أو هذا الواجب الدراسي، أو هذا النشاط يروق لكم أم لا. إنني أهتم بما أطلب منكم القيام به، وبالطريقة التي يُؤثر بها هذا المقرر الدراسي على الجهود التي تبذلونها من أجل التَّعلُّم. هل تستوعبون هذه المادة العلمية؟» «كلا، لن أسمح لكم بالانسحاب من مجموعاتكم الخاصة؛ ففي معظم السياقات المهنية، لا يُعرض علينا اختيار من نعمل معهم، بل إننا تُكلَّف بالعمل مع فرق ومجموعات ولجان، ويُتوقع منا إنجاز عمل مُثمر مع أشخاص لا نعرفهم، وأحيانًا لا يروقون لنا.» وسواء أكانت الرسائل هدفها الإقناع أم التبرير أم الدفاع، فإنها جميعًا تدور حول توضيح الأسباب.

ولكن للأسف، لعلك لاحظت أنني عرضتُ توا نموذجًا آخر لأسلوب التدريس المعتمد على التلقين؛ فأنا أدرك أنني القُن الطلاب حين أحاول إفهامهم السبب الرئيسي لأول مرة، وفي وقت لاحق، بدأتُ أطرح الأسئلة على الطلاب، بدلًا من تلقينهم، وكانت ردود الطلاب أقل تبصرة وإلهامًا مما كنتُ أتوقع، فكنتُ أطرح عليهم سؤالا: «في رأيكم، لماذا يطلب معلم من طلابه أن يُقيموا مشاركتهم الخاصة؟» وجاءت الردود: «لأنكِ لا تريدين أن نلومك على التقديرات السيئة.» «لأن لديكِ عددًا كبيرًا جدًّا من المهام الأخرى، وتحتاجين إلى المساعدة.» «لأننا نروقُ لكِ وترغبين في منحنا قدرًا من السيطرة.» «لأنه شيء ممتع متعلّق بالمشاركة.» شعرت بالحيرة: أينبغي لي العودة إلى تلقينهم الأسباب؟ في أغلب الوقت، لم أفعل هذا، إلا أنني كنتُ ألجأ للجانب السلبي كبديل، وأعطي بضع درجات إضافية لمن يستطيع أن يفكر في الأسباب ويطرحها. ويظلُّ السبب الرئيسي وراء ما نجعل الطلاب يقومون به غامضًا ما لم تُحفّزهم على استكشاف الأسباب والبحث عنها وسط أشياء أخرى.

(3-2) وصل الرسائل التي تشجع وتدعم بإيجابية

من واقع خبرتي، المقاومة التي تنشأ من الحقيقة القائلة بأن أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم تتطلب المزيد من العمل هو أسهل اعتراض يمكن للطلاب أن يتغلبوا عليه، فإذا توقف الطلاب لبرهة، وفكروا في الأمر، يمكنهم أن يُدركوا السبب المنطقي؛ أي التحلي

الصفحة 256

التعامل مع المقاومة

بالقدرة على تحديد الأجزاء المهمة فيما يقرءون، أو ما المحتمل أن يأتي في الاختبار، أو ما الأمثلة التي تُوضّح النظرية، أو لماذا يحتاجون إلى حل المشكلات. ويكون الطلاب أسرع اقتناعا إذا لم تدفع شكواهم المتكرّرة المعلم إلى تلقينهم بما يحتاجون إلى معرفته. أما المقاومة الأكثر إلحاحا وصعوبة من حيث التعامل معها فتقوم على التوتر والخوف؛ أي الشعور بالضيق والانزعاج جراء طلب تنفيذ مهام جديدة أو تنفيذ مهام مألوفة ولكن بطريقة مختلفة.

يقف المعلمون،باعتبارهم. ميسرين لعملية التَّعلُّم، إلى جوار الطلاب، ويُقدمون لهم كلمات الدعم والتشجيع؛ على غرار: «أعلم أن هذا يُمثل ضغطا بالنسبة لكم، ولكني لم أكن لأطلب منكم تأدية هذا الواجب الدراسي لو أنَّني لا أظن أن بإمكانكم التعامل معه. يُمكنكم أن تفهموا المهمة بأنفسكم.» «إن ارتكاب الأخطاء والشعور بالإحباط هما عنصران مهمان في عملية التعلم. لاحظوا ما يُمكنكم تعلمه منهما.»

    وإلى جانب هذه الرسائل التشجيعية، عليك أن تُقدِّم الدعم الإيجابي عندما يكون مُستحَقًا. بالتأكيد لا يكون الدعم مُستحقا عند الثناء بطريقة مضللة على السلوكيات أو التصرفات أو الاسهامات التي لا تستحق الإشادة. وهو مُستحق حتى عندما يكون ما حقق نجاحًا، أو سار على نحو صحيح، أو أوفى بمعايير رفيعة المستوى، هو مجرد جزء صغير من المشروع الإجمالي. في الواقع، تزداد الحاجة إلى الإشادة والثناء في تلك الظروف التي لا بد أن يكون فيها قدر كبير من التقييم سلبيا.

    ومن أجل إقناع الطلاب ومساعدتهم في التغلب على المقاومة التي يشعرون بها، يجب أن يعتمد تشجيع المعلم على إيمان راسخ ومُطلَق بقدرة الطلاب على التعلم والتوصل إلى الاستنتاجات بأنفسهم، والتحول إلى متعلمين راشدين يتسمون بالاستقلالية. بالطبع، ليس جميع الطلاب أهلا للتحدّي؛ ففي القاعات الدراسية التي يُتَّبَع فيها التدريس المتمركز حول المتعلم، لا يزال بعض الطلاب يرتكبون الأخطاء الفادحة، ويرسبون، بل يُشعروننا بالإحباط أيضًا، إلا أن هذا الواقع لا ينبغي أن يُزعزع إيماننا بقدرة معظم الطلاب على التَّعلم جيدا حين نستعين بهذه الأساليب الخاصة بالتدريس. ومن الأسهل كثيرًا أن نُقدِّم للطلاب نوعية التشجيع والدعم التي يحتاجون إليها، عندما تؤمن حقا وصدقا بأن هذه الأساليب تُساعدهم على أن يصيروا متعلمين أفضل.

الصفحة 257

التدريس المتمركز حول المتعلم

(3-3) اطلب من الطلاب تقييم خبراتهم التعليمية بانتظام

   يتم التغلب على المقاومة عندما يُمنح الطلاب فرصًا للحديث عنها، دعهم يثيرون التساؤلات ويعبرون عن المخاوف عندما يُكلفون بواجب دراسي جديد. أجب عن أسئلتهم بهدوء وتأنِّ. ومع بدء العمل على مشروع دراسي، اطلب من الطلاب أن يتحدثوا عن طريقة سير الأمور معهم، سواء أكان ذلك عن طريق الحوار على شبكة الإنترنت أو داخل قاعة الدراسة. إذا كانوا بحاجة إلى التنفيس عن مشاعرهم، دعهم يفعلون ذلك. بعد ذلك، ركز النقاش على ما يمكن فعله إزاء هذه الإحباطات. اطرح عليهم هذا السؤال: هل توجد تغييرات يمكن إجراؤها في اللحظة الراهنة قد تجعل من المشروع تجربة تعليمية ذات نفع أكبر ؟ ربما تكون بعض اقتراحاتهم غير قابلة للتطبيق، إلا أن أفكارهم تستحق أن نضعها في اعتبارنا. 

    في النهاية، وبعد الانتهاء من إنجاز المشروع أو النشاط أو الواجب الدراسي، موعدًا لإجراء مناقشات تقييمية وتصحيحية. هذه المناقشات تفيد الطلاب والمعلمين، وأُوصي بعقدها بعد الانتهاء من المشروع مباشرة، بدلاً من الانتظار حتى نهاية دراسة المادة؛ فالتجارب حاضرة في ذهن الجميع، ويكون الطلاب في هذه الفترة متحمسين للحديث أكثر من أي وقت لاحق. وربما يكون التقييم مكتوبًا، فإذا كان كذلك، فإنَّ الأسئلة ذات الإجابات المفتوحة تكشف المزيد مقارنةً بالأسئلة التي تطلب من الطلاب تقييم التجارب الدراسية بكلمة أو درجة واحدة وحسب. والمقصود بالأسئلة المفتوحة أسئلة مثل: ما الذي أتي ثماره على نحو جيد؟ ما الذي يحتاج إلى التغيير؟    

     إنني أفضّل عقد هذه النوعيات من النقاشات التقييمية داخل قاعة الدراسة؛ حيث يتوافر للطلاب فرصة لتقديم التقييم (وهذه النقطة طرحتها بالكامل في الفصل السابع مؤيدة إياها)، وهي جزء من تَحمُّل المسئولية تجاه ما يحدث داخل قاعة الدراسة. فكلُّ فرد داخل قاعة الدراسة شارك في التجربة ؛ ومن ثم فلنتحدث عن مدى تأثير هذه التجربة على الجهود المبذولة لتعلم المحتوى، وما تعلمناه عن عمليات التعلم عن طريق إنجاز العمل بهذه الطريقة. ومن أجل إضفاء المصداقية على النقاش، يُمكنك أن تسند لإحدى المجموعات الطلابية مهمة تقييم المشروع، فربما يبتكرون ويُجرون استبيانا أو مقابلة شخصية مع الزملاء الآخرين. إنَّ عرضهم للنتائج هو ما يبدأ النقاش على مستوى الفرقة الدراسية بأكملها، وكثيرًا ما يُقلل الحديث عن تجاربهم مع تنفيذ مشروع ما الاعتراض على الواجبات الدراسية والأنشطة التالية.

الصفحة 258

التعامل مع المقاومة

هذه المحادثات لا تفيد الطلاب وحسب، بل إنها ذات قيمة بالنسبة إلى المعلمين كذلك. وهذه المحادثات تتسم بالصعوبة فقط إذا ما خُضتها مفترضًا أنك صممت تجربة تعليمية شبه مثالية. ومن الأفضل أن تُفكّر في أي أسلوب خاص بالتدريس المتمركز حول المتعلم باعتباره عملا مستمرا؛ أي عملا تتوقع أن يتطور ويتغير بمرور الزمن، واستجابة لتقييم الطلاب. عليك أيضًا أن تكون مستعدا للتعامل مع التقييمات التي لا يتم تقديمها دوما على نحو بناء. وكما ناقشنا بالفعل في عدة مواضع مختلفة من هذا الكتاب، فإنَّ تعلم تقديم تقييم مفيد هي مهارة تُنمَّى بالممارسة. ومن المفيد أيضًا أن يكون لديك فكرة عن طريقة استجابتك للمقترحات التي لا يُمكنك تطبيقها، مثل المقترحات التي تخلُّ بالأهداف التعليمية الخاصة بالنشاط، وإذا قرَّرت عدم إجراء تغيير يقترحه الطلاب، فسيقدرون لك اطلاعهم على السبب. إنك ترغب في خوض هذه المحادثات على أمل أن تسمع بعض الأفكار الجيدة حقا، وستجد على الأرجح بعضًا من هذه الأفكار.

عندما يستجيب المعلمون لتقييمات الطلاب على نحو إيجابي، وعندما يُجرون التغييرات بناءً على ذلك، فإنَّ هذا يُحفّز الطلاب بعدة طرق؛ أولا: هذا يُشجّعهم على تقديم المزيد من التقييمات. ثانيًا: يزيد من إحساسهم بالمسئولية تجاه ما يحدث داخل قاعة الدراسة. إنَّ طلب مساهماتهم والاستعانة بها يقدم دليلا قاطعا على أن المعلمين يسمحون للطلاب بأخذ قرارات بخصوص الطريقة التي ستُنجز بها الأعمال المهمة داخل قاعة الدراسة. وفي تلك المرحلة يكون للطلاب مصلحة شخصية في إنجاح ما تحاول القيام به. وفي النهاية، تُعدُّ الفرصة للتفكير في تصميم الخبرات التعليمية وإعادة تصميم الطلاب للمرحلة التي سيقومون فيها بتصميم خبراتهم التعليمية الخاصة.

(3-4) قاوم مقاومتهم

يستطيع الطلاب البائسون. والمتذمرون والشكاءون أن يُثيروا حنق المعلمين بكل سهولة،وهذا جزء من خطة الطلاب، سواء أكانوا يفعلون ذلك بوعي أم من دون وعي؛ حيث إنهم يُرهقون المعلم، ويُشاهدونه يتراجع عن قراراته وينزل على رغبتهم. وإذا ما فعل ذلك، فإنهم يكتشفون أن المقاومة تجدي نفعا، ومن ثم يُمكنك أن تتوقع تزايد هذه المقاومة؛ فالمقاومة تتضاءل عندما تُقاومها، ويُمكنك أن تُخفّف حدة استجابتك الصارمة، عن طريق اتباع استراتيجيات التواصل المقترحة في هذا القسم.

الصفحة 259

التدريس المتمركز حول المتعلم

إذا لم تسير الأمور كما خططت لها بالنسبة إلى واجب دراسي جديد أو نشاط جديد أو سياسة جديدة، وتسبب ذلك في الكثير من الشكاوى، فمن المغري أن تستسلم لرغبة الطلاب. ومع ذلك، إذا كنت ترغب في مساعدتهم في التغلب على مقاومتهم، فعليك أن تلتزم بتنفيذ الخطة. هذا لا أنك يعني تستطيع إجراء تعديلات أو أي تغييرات بسيطة. إن الإذعان لرغبات الطلاب يحدث، عندما يحدث خلل في السمات الخاصة بما تحاول دفع الطلاب إلى إنجازه وفقًا لأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم؛ أي عندما لا يُضطرون إلى التفكير في الإجابات، والعمل في مجموعات، وتوفير التقييمات بعضهم مع بعض، واتخاذ القرارات بخصوص ما يُفترض عليهم إنجازه وما إلى ذلك.

   ولعلك ترغب في التراجع والإذعان لرغبة الطلاب، وقد اتخذت قرارا بالفعل بأنك لن تستعين مطلقًا بهذا النشاط مرة أخرى، ولكن بمجرد بدء هذا النشاط داخل قاعة الدراسة، فثمة فائدة في مواصلة العمل رغم صعوبته والمضي قدما بثقة نحو إنجازه. لا يجب عليك التظاهر بأن كل شيء يسير على خير ما يُرام في حين أنه ليس كذلك، ولكن ثقتك تستند إلى النظريات والأبحاث التي تُثبت فاعلية هذه الأساليب، وإلى قدرتك على مساعدة الطلاب في «إصلاح»، أو على الأقل تحسين، تلك الجوانب الخاصة بالواجب الدراسي أو النشاط أو السياسة، التي يراها الطلاب محيطة أو صعبة.

    وبالوضع في الاعتبار حقيقة مقاومة الطلاب، لا أظنُّ أن بإمكانك تجربة أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم بهمة فاترة، ولا يُمكنك أن تتردَّد فيما تفعل، فهذا يصب الوقود على نيران المقاومة فحسب، ولعلك تشعر برغبة في التراجع والعودة إلى طريقة تدريس أكثر أمانًا وتعقلا، ولكن عندما تعمل مع الطلاب، فكلُّ ما ينبغي لك أن تُظهره لهم هو التزامك الصارم حيال أهداف التدريس المتمركز حول المتعلم، ومن ثم يستشعرون العزم والإصرار في تصرفاتك، ويتراجعون عن مقاومتهم.

    وبينما أنت في خضم التعامل مع مقاومة الطلاب، اعلم أنك لست وحدك، لقد كان هذا هو رد الفعل في الكثير من قاعات الدراسة، ولقد رأى معظمنا أيضًا تراجع حدة المقاومة، بل وأحيانًا اختفاءها تمامًا، وستسعد بما سيحل محلها. ومثلما لا يستطيع من التزم منا بأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم العودة إلى الطريقة التي كان يُدرس بها من قبل، يشعر الطلاب أيضًا بأنهم لم يعودوا يرغبون في التَّعلم بالطريقة التي اعتادوها من قبل، ويشعرون بالحنق والغضب في قاعات الدراسة التي لا تُوفّر لهم الاختيار، أو التركيز على التّعلُّم، أو تحمل المسئولية أو الاستقلالية. أتذكر ذات يوم أنني كنتُ أُلقي

الصفحة 260

التعامل مع المقاومة

خطبة قصيرة(أو هذا ما ظننته)، وكان بإمكاني ملاحظة أن الطلاب ينظر بعضهم إلى بعض، ثم رأيتُ أحدهم يرفع يده في تردد قائلًا: «دكتورة وايمر، لدينا الكثير من العمل لتنجزه في مجموعاتنا، أليس ما تُخبريننا به يُغطّيه الجزء الخاص بالقراءات؟» شعرتُ بالاستياء قليلًا؛ كنتُ أظنُّ أنني أضيف بعض الأفكار الملهمة الجديدة، ولكن كان حرياً بي أن أشعر بالبهجة والسعادة الغامرة. 

(4) مقاومة أعضاء هيئات التدريس

للأسف، لا يمكن اختتام هذا الفصل بهذه النهاية السعيدة؛ فبعض الزملاء والإداريين يتشككون في أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم، ولا يسهل تفنيد مقاومتهم عن طريق التواصل الصريح. وكما هي الحال مع الطلاب، تبدأ نقطة الانطلاق بتحليل الأسس التي ترتكز عليها مقاومتهم. على أي أساس يعترضون ؟ ومع الوضع في الاعتبار هذه الأسس، فإنه يمكن استكشاف طرق التعامل مع مقاومتهم واعتراضاتهم.

(4-1) أسباب مقاومة أعضاء هيئات التدريس

يقاوم بعض الزملاء هذه الأساليب؛ لأنهم يرون أنها تُمثَّل تهديدًا شديد الخطورة؛ إذ يختبر التدريس المتمركز حول المتعلم قدرات المعلم على عدة مستويات مختلفة؛ فهذا الأسلوب من التدريس يتعامل مع المشكلات الخاصة بالسلطة والنفوذ، ويستبعد الاعتماد الحضري على المعرفة التخصصية الوثيقة بالمحتوى، وينتقل بالمعلمين إلى نطاق غير مألوف خاص بالتدريس القائم على تنمية مهارات التَّعلُّم، ويُثير تساؤلات حول ممارسات التدريس واسعة الانتشار. وكما هي الحال مع الطلاب، تُفسِّر المشكلات التطويرية جزءًا من مقاومة أعضاء هيئات التدريس، فليس كل المعلمين على استعداد لاستخدام هذه الأساليب، بل ومن المحتمل أن بعضهم لن يكونوا على استعداد لذلك مطلقًا.

    ومع ذلك، يُمكنك أن تتيقن من أنه حين يذكر الزملاء أسباب اعتراضاتهم على هذه الأساليب، فإنَّهم لن يُخبروك بمعارضتهم لاستخدامها؛ لأنهم يرونها تهديدا، أو بالأحرى يرونها مربكة على المستوى الشخصي. وتقريبا لن يعترف أي شخص أكاديمي. يكن لنفسه الاحترام بمثل هذا السبب العاطفي، وربما غير العقلاني أيضًا؛ ومن ثم ستضطر إلى تحديد ذلك الأمر بنفسك. هل هذا الزميل يُعارض أفكار التدريس المتمركز حول المتعلم ذاتها ؟ أم أنه يُعارض هذه الأساليب لأنها تنطوي على مخاطر لم يستعد لخوضها بعد

الصفحة 261ا

لتدريس المتمركز حول المتعلم

ويقاوم زملاء آخرون هذه الأساليب للتدريس لأسباب موضوعية أخرى؛ إذ يُساورهم القلق بشأن ما قد تُحققه هذه الأساليب، على سبيل المثال: احتمالية تقليل حجم محتوى المواد الدراسية، والسماح للطلاب بوضع سياسات المادة الدراسية وقواعدها، وتخصيص وقت المحاضرة لتنمية مهارات التعلم، وتقليل عدد القواعد والشروط الإجبارية، ومنح الطلاب دورًا في أنشطة التقييم الذاتي وتقييم الأقران، في نظر كثير من أعضاء التدريس، هذه الأفكار ثورية تمامًا، وتُثير الكثير من الأسئلة المنطقية. وكما هي الحال مع الطلاب، هذه مُقاومة لها أسبابها الوجيهة؛ فهؤلاء الزملاء يطرحون أسئلة لها إجابات، وطرحهم إياها يوفر الفرصة لاطّلاع الآخرين على المميزات الخاصة بالتدريس المتمركز حول المتعلم وربما إقناعهم بها.

(4-1) التعامل مع مقاومة أعضاء هيئات التدريس

يبدأ الرد على مقاومة الزملاء بأن تكون مستعدًا؛ أقصد أن تعرف شيئًا عن الأسس المعرفية النظرية والتجريبية والعملية التي تقوم عليها هذه الأفكار الخاصة بالتدريس والتَّعلُّم. إنَّ الأسئلة التي يطرحها من يُقاومون هذا النوع من التدريس يُمكن الإجابة عنها، وثمة أمور كثيرة مذكورة في مواضع أخرى من هذا الكتاب، ومُرتبطة بالاعتراضات التي تثار باستمرار في هذا الصدد. إذا كانت المقاومة منبعُها الخوف، إذن فربما لا تُؤتي الحجج المنطقية والأسباب الجيدة والأدلة والبراهين ثمارها في هذا المقام. وفي تلك المواقف، يجدر بك أن تشرح أفضل الأسباب، ثم تتوقف عند هذا الحد، على أن تُبقي بعض الاستراتيجيات في ذهنك على سبيل الاحتياط. 

    كن واعيًا بالسياسات والقواعد: قد يكون أعضاء هيئات التدريس مثاليين جدا؛ فبمجرد أن يقتنعوا أن الحق في صفهم، يُقْدِمون على الأمر بشجاعة والتزام، مثلما كان يفعل فرسان العصور الوسطى. فإذا كنتَ متمرّسًا ومُتفرِّعًا ومُتحمسًا لخوض الصراعات امْضِ قدمًا، وجادل من يُقاومون هذا الأسلوب للتدريس،ولكن إن لم تكن كذلك فلا تتجاهل الحقائق الخاصة بموقفك فيما يتعلَّق بالسياسات والقواعد. وإذا لم تكن معينًا بمنصب أستاذ مُتفرّغ فلن تكون مدرسًا يستطيع تطبيق هذا الأسلوب للتدريس في هذه المؤسسة التعليمية. وإذا انتهى بك المطاف بخلاف مع رئيس قسمك فربما لا تأتي علاوة الاستحقاق (على افتراض أن مثل هذه الأمور لا تزال قائمة) بالقدر الذي تتوقعه.

الصفحة 262

التعامل مع المقاومة

إن الحرية الأكاديمية لشيء رائع، إلا أننا لا نزال نعيش ونعمل، ويجب أن نحيا، في ظل مؤسسات تحكمها سياسات وقواعد صارمة.

لا تُحاول دفع الجماهير نحو التغيير بالإجبار : هذه تنويعة ثانية لفكرة كونك واعيًا بالسياسات والقواعد، سيكون الملتزمون منا بهذه الأساليب التزامًا صارمًا أول مَنْ يُخبرك بأننا بحاجة إلى المزيد من أعضاء هيئات التدريس الذين يتبعون هذا الأسلوب في التدريس. تسير وتيرة التغيير ببطء على نحو محبط، إلا أن تعقب أساليب التدريس التي يتبعها الآخرون بحماسة شديدة ليس بأمر يُنصح به؛ فهو عادة يجعل المعارضين أكثر مقاومة للفكرة، ويضُرُّ بالدعوة إلى اتِّباع هذا الأسلوب. والمبدأ الذي أوضحناه في التعامل مع الطلاب؛ أقصد أنك لا تستطيع أن تتعلم أي شيء بالنيابة عن الطلاب، يُمكن تطبيقه هنا. فبالمثل، لا يُمكنك أن تُحسّن من أسلوب تدريس معلم آخر، بل يجب أن يكون هذا المعلم على استعداد للقيام بذلك بنفسه. 

    من الرائع أن نحظى برفقة عندما نشرع في اتِّباع طريقة جديدة لإنجاز المهام؛ فوجود الآخرين يُساعد في تبرير قرار إجراء هذه التغييرات. ومع ذلك، أحيانًا تنشأ الحاجة إلى جعل الآخرين يفعلون ما نفعله من عدم ثقتنا في أنفسنا ووجود أسئلة عالقة في أذهاننا بلا إجابات. ادرس دوافعك وراء الرغبة في جعل الآخرين يتبنون هذه الأساليب؛ فأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم ليست «صحيحة» لأن الكثير من الناس يستعينون بها، وإنما هي «صحيحة»؛ لأنها تعتمد على أدلة عملية ونظرية وتجريبية، ومن ثم، لا تسعى لصحبة الآخرين من أجل السبب الخطأ. إنَّ محاولة دفعهم إلى التغيير يقتطع من وقت الجهود اللازمة للاستعانة بهذه الأساليب بفاعلية.

    استفد من استقلالية قاعتك الدراسية : لا يُعَدُّ عنصر الاستقلالية الذي تتميز به قاعاتنا الدراسية ذا فائدة دومًا، ولكنه ذو فائدة في هذه الحالة فعلا، فما تفعله داخل قاعة الدراسة هو أمر يعود إليك تمامًا. حتى وإن كان المناخ السائد داخل مؤسستك التعليمية لا يدعم التدريس المتمركز حول المتعلم، فليس من المرجح أن يثنيك أحد عن تجربة بعض هذه الأساليب. لست مضطرًا إلى وضع لافته على باب مكتبك تُفصح عما تفعله، بل افعلها وحسب! أنا لا أنصح بالخداع أو التضليل، لكن ليس هناك حاجة إلى المجاهرة بما تفعل، لا سيما إذا كان المحيطون بك يتساءلون عن أسباب تغيير الأسلوب كنت تتبعه في التدريس من قبل.

    أثبت تأثير أساليبك: الأدلة والبراهين العملية تُقنع الزملاء والإداريين على نحو أفضل من الحديث النظري. لا تُخبرهم بما تُحقِّقه هذه الأساليب، بل اجمع الحقائق التي

الصفحة 263

التدريس المتمركز حول المتعلم

تُثبت ذلك، وفي هذا المقام، أنا لا أشير إلى بيانات التقييم الذي يتم في نهاية دراسة المادة. لا تزال معظم المؤسسات التعليمية تستعين بنماذج تقوم على أساليب التدريس التلقيني المتمركز حول المعلم. وتحتوي هذه النماذج على بنود غير ذات صلة، وتفتقر إلى بنود أخرى يجدر أن تُجمع على أساسها التقييمات. وتفرض الكثير من المؤسسات التعليمية استخدام نموذج معيَّن؛ ومن ثَمَّ لا يستطيع المحاضرون أن يختاروا استبدال شيء آخر بها، فإذا كان الأمر كذلك، فمن الضروري أكثر أن يجمع المعلمون البيانات التي تثبت تأثير هذه الأساليب. 

   ربما يشمل ذلك الإثبات نماذج من عمل الطلاب، بما في ذلك اختبارات وأبحاث ومشروعات تم إنجازها، ويمكن الاستعانة بمجموعة من الأعمال الخاصة بطالب بعينه؛ لتوضيح التقدم المحرز، وربما يتضمن الإثبات أيضًا استطلاعات رأي تطلب من الطلاب أن يُسجلوا إلى أي مدى أثرت الجوانب الخاصة بهذا الأسلوب للتدريس في جهودهم المبذولة للتَّعلُّم، وربما يكون الإثبات دراسة تُقارن بين أداء الطالب في أجزاء تدريس المادة بالأسلوب المتمركز حول المتعلم وأداء الآخرين في نفس الأجزاء بأسلوب متمركز أكثر حول المعلم.

     ومن المهم أن تتذكَّر أن إثبات تأثير الأساليب الجديدة هو أمر مهم لسببين؛ حيث إنَّ النقاش يُركّز هنا على جمع الأدلة التي يمكن استخدامها للرد على مقاومة الزملاء، أي إقناع الآخرين( بمن فيهم الإداريين) بأنها طريقة مَشْرُوعَة وفعالة للتدريس. وربما تكون هذه نوعية البيانات التي يحتاج إليها المعلمون لفهم التأثير الخاص بنشاط أو واجب دراسي أو أسلوب معيَّن، أو ربما لا تكون كذلك. وإذا كان الهدف هو مزيد من التطوير لواجب دراسي أو نشاط أو نوع آخر من الخبرات التعليمية، فإنَّ المعلمين يُحققون أقصى استفادة من التقييم المفصَّل والمحدَّد والوصفي من جانب الطلاب. ينبغي أن تُؤخذ القرارات الخاصة بنوعية البيانات التي يتم جمعها في ضوء السبب الذي تُجمع من أجله هذه البيانات. 

     ابحث عن زملاء يُشاركونك أسلوب التفكير نفسه ربما لا يوجد أحد في القسم الذي تعمل به يُجرِّب هذه الأساليب التدريسية، ولكن ثمة احتمالات جيدة جدا أنك لست الوحيد الذي يستخدمُها داخل مؤسستك التعليمية. وخارج مؤسستك التعليمية، يوجد الكثير من أعضاء هيئات التدريس الذين يُجرِّبون هذا النوع من الاستراتيجيات التعليمية المذكورة في هذا الكتاب. لعلهم لا يصفون دومًا ما يفعلونه بكونه تدريسًا متمركزا حول

الصفحة 264

التعامل مع المقاومة

المتعلم، ولكنهم يستعينون باستراتيجيات تُركّز أكثر على التَّعلُّم، والكثيرون منهم يسعدون جدا بمناقشة ما يفعلونه وكيف يجدي نفعًا. 

     ثمة أشياء كثيرة جدًّا يمكن تعلمها من الزملاء ومعهم، ولا يجب أن يكون هؤلاء الزملاء زملاء في نفس تخصصك الدراسي. بالتأكيد، توجد مشكلات مرتبطة بمحتوى تخصص دراسي معيَّن، ولكن يوجد أيضًا الكثير من الجوانب الخاصة بالتدريس المتمركز حول المتعلم، تتجاوز حدود التخصصات الدراسية، وتُعدُّ المقاومة أحد هذه الجوانب. وربما يحظى زملاء من أقسام أخرى بوجهة النظر اللازمة للتعامل مع المقاومة من جانب زملاء القسم، فربما يكون لديهم أفكار عن جمع البيانات لإثبات التأثير وتوثيقه. ثمة أنواع عديدة من الأسباب التي تجعلك تبحث عن زملاء يُشاركونك أسلوب التفكير نفسه في أي مكان قد يكونون فيه.

في الختام، من المفيد أن تُفكّر بإيجابية في المقاومة: ما الذي يمكن تعلمه حين يقاوم الطلاب أو الزملاء؟ فالاعتراضات التي يُثيرها الآخرون تُحفزنا على متابعة ما نفعله عن كتب، وعلى التساؤل عن الأسباب، وقد تكون المقاومة بمنزلة قوى تُحفِّزنا على مواصلة دراسة النظريات، وإجراء الأبحاث وتَعلُّم المزيد عما يُقصد بكون الأسلوب متمركزا حول المتعلم، واستكشاف السبب وراء تغير تجارب التَّعلُّم الخاصة بالطلاب من جراء اتباع هذه الطريقة في التدريس، يُمكِّننا أن نتعلم كيف نرد بفاعلية على مقاومة الطلاب، ويلاحظ معظمنا أن هذه المقاومة تتراجع حين يعتاد الطلاب على أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم، وعادةً ما تختفي معارضتهم قبل معارضة زملائنا بوقت طويل. وبمجرد أن يكون الطلاب على استعداد للمشاركة فلن يسمحوا لك بالتراجع، بل سيواصلون دفعك للمضي قدما، تاركا خلفك اعتراضات الزملاء ومقاومتهم لتغطيها دوامة من الغبار.

الصفحة 265




الفصل التاسع :اتباع نهج تطويري


لا تحتل القضايا التطويرية مركز الصدارة في طريقة تفكير أعضاء هيئات التدريس حيال الطلاب أو التَّعلم أو التدريس؛ إذ يُدرك المعلمون أنَّ الطلاب، الذين تتراوح أعمارهم 

بين ثمانية عشر عامًا واثنين وعشرين عامًا، ينتقلون إلى مرحلة «الرشد» وينضجون الدراسة الجامعية. كما أنهم يُدركون أن الخبرات التعليمية تساعد الطلاب من جميع الفئات العمرية في أن يتطوَّروا على المستوى الفكري، ولكن الطريقة التي يحدث بها هذا التطور وماهية العمليات المرتبطة به، والطريقة التي يستطيع بها المعلمون التدخل على نحو بناء، لا تخضع كثيرًا للتفكير أو لا تخضع للتفكير على نحو محدد جدا، وكنتيجة لذلك، معظم أعضاء هيئات التدريس يجعلون الطلاب يُؤدُّون نفس نوعية الأنشطة والواجبات الدراسية تقريبًا، سواء أكانوا طلابًا مُستجدين أم طلابًا في سنوات الدراسة الأخيرة. إنهم يتوقعون من طلاب السنوات الأخيرة أن يُنجزوا المزيد من العمل، وأن يُؤدُّوه على نحو أفضل، ولكن كثيرًا مما يُنجزه هؤلاء الطلاب لا يختلف كثيرًا عما أنجزوه في سنواتهم الأولى للدراسة الجامعية. وفي مطلع تسعينيات القرن العشرين، الفَتْ بيت إريكسون وديان سترومير كتاباً رائعًا بعنوان «التدريس للطلاب المستجدين بالجامعات» (1991، ثم أصدرت منه نسخة منقحة ومزيدة، إريكسون وبيترز وسترومير، 2006)، وتناول هذا الكتاب القضايا التطويرية التي تخصُّ الطلاب الجامعيين في عمر الثمانية عشر عاما. كنتُ أظن أن الأحرى بهذا الكتاب أن يكون الجزء الأول في سلسلة تضم أجزاء أخرى خاصة بالتدريس لطلاب السنة الثانية، ثم طلاب السنة الثالثة، وأخيرًا طلاب السنة النهائية، وربما حتى طلاب الدراسات العليا أيضًا؛ فينبغي أن يكون أعضاء هيئات التدريس على

الصفحة 267

التدريس المتمركز حول المتعلم

دراية بالتغيرات التطويرية التي يمرُّ بها الطلاب وكيف تُساهم الفعاليات التي تحدث داخل قاعة الدارسة في تلك العمليات.

     بالإضافة إلى هذه العمليات الخاصة بالنُّضج بصفة عامة، والتطور الفكري، ثمة مشكلات فريدة تخص التحول الخاص بالطلاب الاتكاليين والسلبيّين الذين يَنقُصهم عادةً الثقة بالنفس، إلى مُتعلّمين مُحفّزين ومُستقلين ومنظمين ذاتيًّا. بعض الأمور معروفة عن كيفية تطور الطلاب كمُتعلّمين، ولكن التأثير الخاص بأسلوب تدريس معين أو أنشطة أو واجبات منزلية معينة على هذا التطور لم يخضع للدراسة على نحو شامل كما يجب أن تكون، والكثير مما هو مُقترح في هذا الفصل ناجم عن الملاحظات والتجارب لمن حاول منا أن يتدخل بطرق تُشجّع تطوير مهارات المتعلمين الذين يتسمون بالتوجيه الذاتي.

     يبدأ الفصل بما هو معروف عن كيفية تطور الطلاب كمتعلمين، وبناءً على تلك المعرفة، يستكشف الفصل كيف يمكن تصميم تجارب تَعلُّم تُشجّع تنمية مهارات التعلم، وتُشجّع التطور الشامل للطلاب كمُتعلّمين مستقلين يتسمون بالتوجيه الذاتي. يمكن تصميم المناهج الدراسية أيضًا لتكون مُتمركزةً حول المتعلم. ليس ثمة عدد كبير للغاية من المناهج مُتمركز حول المتعلم، ولكن إذا كان مقدَّر لأجندة التدريس المتمركز حول المتعلم تخطي حدود التجارب الفردية داخل قاعة الدراسة، فعلينا إذن أن نُفكّر في طريقة تتيح لنا الربط بين تجارب التَّعلُّم في مقررات دراسية متتابعة. والمشكلات التطويرية ليست ذات صلة بالطلاب وحدهم، وإنما ذات صلة بالمعلمين أيضًا. ويختتم الفصل بنقاش لتلك المشكلات واستجابة المعلمين لها.

(1) ما نعرفه عن العملية التطويرية

يمكننا أن نبدأ ببعض الأساسيات، ويستطيع مَنْ حاول منا أن يدفع الطلاب في اتجاه الاستقلالية وتنظيم الذات أن يُخبرك بأربعة أمور بخصوص هذه العملية: أنها ليست عملية تلقائية، ولا تحدث بوتيرة متوقعة، وليست ذات طابع خطي، ولا تحدث سريعا. فمن الصعب جدًّا (وربما شبه مستحيل) بالنسبة إلى الطلاب أن يصيروا متعلمين مستقلين إذا وُجِد شخص آخر يتخذ جميع قرارات التَّعلُّم بالنيابة عنهم، وهذا يجعل منح الطلاب الفرصة لممارسة قدر من السيطرة أمرًا ضروريًا، ولكنه جزء غير كافٍ من عملية التطور؛ فتوفير الفرصة لا يضمن بالضرورة التحرك في الاتجاه المرغوب، وعلى الرغم من الوجود

الصفحة 268

اتباع نهج تطويري

في ظل ظروف تُشجّع الاستقلالية وتوجيه الذات، يظل بعض الطلاب متعلمين اتكاليين للغاية.

    لا يتحول الطلاب إلى متعلمين مستقلين بوتيرة يمكن توقعها، أحيانًا يكون التقدم بطيئًا وثابتًا، وأحيانًا تحدث طفرة نمو، وفي أحيان أخرى لا توجد أي مؤشرات على الحركة، ويُمكن ملاحظة هذه المعدلات المتفاوتة للنمو على كل طالب على حِدَة، وعلى الفرقة الدراسية ككل. ولا شك أنَّ معدلات النمو هذه تتأثر بعمليات أخرى للنضج والتطور الفكري، بعبارة أخرى، بأي شيء آخر يحدث في حياة الطالب. ولا يمتلك المعلمون قدرًا كبيرًا من السيطرة على ذلك الأمر، إلا أن معدلات النمو تتأثر أيضًا بشيء يخضع لسيطرة المعلمين، ألا وهو سلسلة الأنشطة والواجبات الدراسية الخاصة بدراسة المادة.

    إنَّ حقيقة اندفاع الطلاب إلى الأمام ثم تراجعهم إلى الخلف يعني أنهم لا يُحرزون تقدما خطيًّا في عملية تطورهم كمتعلمين؛ فمن الممكن أن يُؤدُّوا مجموعة متنوعة من الأنشطة المتمركزة حول المتعلم دون ظهور أي تأثير واضح عليهم، ثم فجأةً يسطع ضوء التغيير؛ بمعنى أنهم يستوعبون الأمرَ ويُحرزون تقدُّمًا على الموضع الذي كانوا فيه أمس، ورغم ذلك، فإن العكس صحيح أيضًا، فإذا اتَّخذ الطلاب قرارًا سيئًا بخصوص التعلم، وتحملوا العواقب، أو إذا كان أحد الواجبات الدراسية يدفعهم بعيدًا عن منطقة راحتهم، فقد يتراجعون سريعًا، ويعودون إلى المعلم ليطلبوا منه أن يتخذ قرارات التعلم بالنيابة عنهم. إنهم يريدون أن يُخبرهم أحد بما يفعلون، ويُريدون واجبات منزلية يعرفون كيف يُؤدونها، ولحسن الحظ، هذا التراجع لبضع خطوات إلى الوراء هو أمر مؤقت بالنسبة إلى معظم الطلاب. 

    في النهاية، يتحول معظم الطلاب إلى الاستقلالية على نحو تدريجي. إنهم يتحولون إلى متعلمين مستقلين، ويتمتَّعون بالتنظيم الذاتي بمرور الوقت. إذن، هل يُمكنهم تحقيق هذا التحول في مادة دراسية واحدة؟ والإجابة هي لا عمومًا. في الواقع، أحيانًا يبدو التقدم ضئيلا جدا، وهذا أمر محبط. وفي تلك الفترات، من المهم أن تتذكَّر أن تأثير المعلم والتجارب الخاصة بدراسة المادة على الطلاب لا ينتهي بانتهاء الدراسة. منذ إصدار الطبعة الأولى من هذا الكتاب عام 2002 ، برزت أدلة عملية تدعم التأثير الطويل المدى الخاص بالتجارب المتمركزة حول المتعلم. واستعانت الدراسة التي أجراها ديرتينج وإيبرت-ماي (2010)،والتي أُلقي الضوء عليها في الفصل الثاني، بتصميم تجريبي سليم لإثبات الآثار الخاصة بمُقرَّرين دراسيين يُطبقان مبادئ التدريس المتمركز حول المتعلم والتعلم الاستقصائي،

الصفحة 269

التدريس المتمركز حول المتعلم

درسهما الطلاب في وقت سابق بمنهج مادة الأحياء. وباعتبارهم طلابا في السنة النهائية، حَظِي هؤلاء الطلاب بتوصيفات رفيعة المستوى في استبيان الآراء حول تعلم العلوم الخاص بمادة علم الأحياء (الذي يشير إلى استيعاب الطلاب لمادة الأحياء باعتبارها عملية للاستقصاء والتقصي العلمي)، وحققوا درجات أعلى في الاختبار القياسي لمادة الأحياء من طلاب السنة النهائية الذين لم يدرسوا هذين المقررين الدراسيين.

    إنَّ البيئات التعليمية القائمة على أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم تُغيّر معظم الطلاب، ولكنها لا تُحقق هذا التغيير بسرعة بالغة، أو بالإيقاع نفسه، أو في الاتجاه المرغوب دومًا، وعلى الرغم من ذلك، ثمة قدر كافٍ من الاتساق فيما يخص الطرق التي يتغير بها الطلاب، مما يُؤدِّي إلى توليد نموذج معين. ويقترح جرو (1991) مجموعة من المراحل للانتقال من الاتكالية إلى التوجيه الذاتي، وقد وصف هذه العملية «ليس بوصفها شيئًا محددًا وحاسمًا، وإنما باعتبارها سطرًا آخر في المناقشة المستمرة لمن يُشجعون التَّعلُّم مدى الحياة، القائم على التوجيه الذاتي» (ص174) . وللأسف، لم تُسفر هذه «المناقشة» عن انتشار نماذج أخرى أو أبحاث تثبت إحراز هذا التقدم تحديدا، وعلى الرغم من ذلك، يُشار في المراجع إلى نموذج جرو على نطاق واسع، مما يدلُّ على دقته ومنطقيته في وصف المراحل التي يمر بها المتعلمون في سبيل إحراز التقدم. ويقول جرو: «لا يجب أن تكون النظرية صحيحة لكي تكون مفيدةً؛ فتقريبًا كل إجراء نتخذه ينشأ من تجميع عملي لمفاهيم خاطئة» (ص 127)

    يصف جرو أربع مراحل لسلسلة التحول من التَّعلُّم الاتكالي إلى التعلم المستقل: ففي المرحلة الأولى، يكون المتعلمون «اتكاليين»، ولا يتمتَّعون بالتوجيه الذاتي، ويشرح جرو أنهم «يحتاجون إلى رمز للسلطة يُعطيهم توجيهات مباشرة بخصوص ما يُنجزونه، وكيف يُنجزونه، ومتى يُنجزونه» (1991 ، ص 129) . ومن أجل مساعدتهم في بدء المضي قدما، يُوصي جرو بأن «يُدرِّب» المعلم هؤلاء الطلاب؛ إذ ينبغي أن يظلُّوا «منشغلين بتعلم مهارات محددة ومميزة. ضع معايير تفوق ما يظنون أن بإمكانهم إنجازه، ثم افعل ما هو ضروري لدفعهم نحو النجاح» (1991، ص 130)

    وفي المرحلة التالية، يُبدي الطلاب «الاهتمام»، ويتمتَّعون بالتوجيه الذاتي إلى حد ما؛ حيث يكونون على استعداد لوضع الأهداف لأنفسهم، ويُمكن بناء ثقتهم بأنفسهم وتطوير مهارات التعلم لديهم على أيدي المعلمين المتحمسين للتعلم. عادةً ما يستلهم

الصفحة 270

اتباع نهج تطويري

الطلاب حماسة المعلم ويكتسبونها ويَعثُرون على الحافز الخاص بهم، في الوقت الذي يمضون فيه قدمًا خلال هذه المرحلة.

   وفي المرحلة الثالثة، يتم «إشراك» الطلاب، ويصلون إلى مستويات متوسطة من التوجيه الذاتي، ويشرعون في رؤية أنفسهم كمشاركين في عملية تعليمهم الخاصة. إنهم يرغبون في معرفة كيف يتعلمون، ويشرعون في تطبيق استراتيجيات التعلم العامة وتعديلها وفقًا للجهود التي يبذلونها للتَّعلُّم. وفي هذه المرحلة، يكون الطلاب أكثر انفتاحا على التعلم من ومع الآخرين. وفي ذلك الوقت، ينبغي أن يُؤدِّي المعلمون دور الشركاء المساعدين أو المعاونين في عمليات اتخاذ القرار المتعلقة بالتَّعلُّم. ينبغي أن يُقدم الطلاب بانتظام تقارير متابعة إحراز التقدم في عملهم؛ لكي يستطيع المعلمون تقديم النصح والتوجيه للطلاب أثناء اتخاذ القرارات الخاصة بالتعلم.

  في النهاية، يصل الطلاب إلى مستوى يتمتعون فيه بـ «التوجيه الذاتي» ؛ فبإمكانهم أن يُحددوا أهدافهم الخاصة، ويضعوا المعايير التي لا بد أن يفي بها العمل الخاص بهم. ويُوضّح جرو (1991، ص135) أن المعلمين عند هذه المرحلة «لا يُدرسون الموضوع ولكن ... ينمون قدرة الطالب على التَّعلُّم.» ويتشاور المعلمون مع الطلاب حول المعايير والجداول الزمنية وقائمة المصادر المرجّحة والمساهمين المحتملين. «قد يضع المعلم في المرحلة الرابعة تحديًا، ثم يترك المتعلم بمفرده غالبًا ليجتازه، ولا يتدخل إلا حين يُطلب منه المساعدة، ولا يُساعد في اجتياز التحدي بحد ذاته، وإنما يمنح السلطة للمتعلم ليجتاز التحدي» (ص 136).

    تُقدم المراحل التي اقترحها جرو إطارًا مفيدًا، أي موضعا للبدء من عنده في دراسة المشكلات التطويرية المرتبطة بتشجيع المتعلمين المستقلين الذين يتسمون بالتوجيه الذاتي، إلا أن الحاجة تدعو إلى المزيد من العمل في هذا الصدد. ودون هذا الإطار، يُمكننا أن نقترح كيف يتسنى للمعلمين أن يتدخلوا في العملية، ولكننا لا يُمكننا أن نجزم بأفضل توقيت للتَّدخل، أو تحديد أي الواجبات الدراسية أو الأنشطة ينبغي الاستعانة بها، بناءً على مرحلة التطور الخاصة بالمتعلّم، أو أي التدخلات تدفع بفاعلية المتعلمين المتعثرين. ولقد فكر بعض منا في طرق للتدخل تبدو أنها ذات جدوى بالنسبة إلى طلابنا، وتتناسب مع المحتوى الذي ندرسه، ونُقدِّم في الجزء التالي أمثلة خاصة بنا، وربما يستعين بها آخرون، كنقاط انطلاق يبدءون من عندها الاستكشافات الخاصة بهم.

الصفحة 271

التدريس المتمركز حول المتعلم

(2) التصميم التطويري للواجبات والأنشطة الدراسية

من المنطقي أن تُؤثر تجارب الطلاب مع الأنشطة التَّعلُّمية على كلِّ مَن تُطورهم كمتعلمين مستقلين واكتسابهم لمهارات التَّعلُّم، والسؤال هو: كيف يُمكن تصميم واجبات وأنشطة دراسية بطرق تُدعم تطوير هذه الأهداف. وتُقدِّم عمليتان مختلفتان للتصميم – واحدة أطلق عليها التصميم التدريجي، والأخرى تنمية مهارات التَّعلُّم المستهدفة – بضع إجابات ممكنة.

(2-1) التصميم التدريجي

داخل التصميم التدريجي، يُؤدِّي الطلاب النشاط أو الواجب الدراسي نفسه أكثر من مرة، على نحو متكرّر عادةً، كما في حالة اختبارات القراءة القصيرة. ويمكن لهذه التجارب الخاصة بالتَّعلُّم أن تتشابه تمامًا، فقط مع تغيير المحتوى، أو يمكن تصميمها بحيث تُؤكِّد كل مرحلة فيها على مهارات مختلفة للتَّعلُّم، بالإضافة إلى محتوى جديد ربما يكون أكثر صعوبة. دعني أستعين بمثال مباشر للتوضيح:

     تلخص المصفوفات بفاعلية أوجه الشبه والاختلاف في الكثير من التخصصات الدراسية (ومادة الأحياء مثال جيد هنا) ؛ حيث يُصنف المحتوى ويُميز بسمات معينة. تخيل مصفوفة تُظهر سمات محدّدة على طول عمود واحد، وعلى العمود الآخر تظهر التصنيفات. وتتناسب أمثلة محددة مع الخلايا التي تتقاطع فيها السمات والتصنيفات، وسيلاحظ المتعلمون المحنَّكون فائدة هذه الوسيلة لتنظيم المحتوى، وسيتعلمون كيف يُصمِّمون مثل هذه الأدوات اعتمادًا على أنفسهم.

   ويمكن تعليم المتعلمين الاتكاليين ذوي مهارات التَّعلُّم الأقل تطورًا كيف يُصممون مصفوفة على نحو تدريجي عبر سلسلة من الأنشطة المختلفة، جميعها يشتمل على مصفوفات. كما يُمكنك أن تبدأ بإعطاء الطلاب مصفوفة بالتصنيفات والسمات، ولكن ذات خلايا فارغة. ولعلك تستعين بها كأداة لتلخيص المحتوى في نهاية إحدى المحاضرات، لتملأ الخلايا بمساعدة الطلاب، وتُتيح النسخة المكتملة لهم في النهاية، وتشير إلى مدى استعراضها للمحتوى وتلخيصها إياه بفاعلية. بعد ذلك أعط الطلاب مصفوفة ذات خلايا فارغة، ولكن في هذه المرة يملئونها بمفردهم أثناء تلك المدة المخصصة للتلخيص. اجمع المصفوفات، واعرِض بعضها في بداية المحاضرة التالية لمراجعة المحتوى، واستعن بهذا

الصفحة 272

اتباع نهج تطويري

النشاط للتعاون مع الطلاب لتصميم «مصفوفة صحيحة». ويمكن إتباع هذا النشاط بنشاط آخر؛ حيث يحظى نصف الفرقة بمصفوفة ذات تصنيفات، ولا يوجد بها سمات، ويحظى النصف الآخر بمصفوفة ذات سمات، ولا يوجد بها تصنيفات. ثم قسم الطلاب في مجموعات ليعملوا مع رفاقهم لإكمال نصف المصفوفة الناقص، ثم ينضموا إلى زميلين من المجموعة الأخرى يكون لديهما الجزء الآخر، ويتعاونون جميعًا لإكمال المصفوفة.                                                                                         عند مرحلة ما يبدأ الطلاب العمل على إكمال المصفوفات باستخدام الكتاب الدراسي بدلا من استخدام المحتوى الذي قُدِّم في المحاضرة. ربما يكونون على استعداد الآن لإكمال مصفوفة ذات خلايا فارغة بلا أي تصنيفات أو سمات، وعند هذه المرحلة، ينبغي أن يكون الطلاب مستعدين لبدء ابتكار مصفوفات بأنفسهم. اسمح ببدء هذا العمل في مجموعات، واجعل كل مجموعة تشارك عملها مع مجموعات أخرى، وعند تلك المرحلة أيضًا، ربما يكون ابتكار المصفوفات جزءًا من واجب منزلي أو اختبار قصير يُحسَب بالدرجات، وإذا انتهى العمل الذي يتضمن ابتكار مصفوفات، أو بالأحرى استخدامها، باختبار، فسيُعزّز هذا من قيمة العمل وأهميته.    

     مثال كهذا يُوضّح الملامح الأساسية لهذا التصميم التدريجي، ويُوضح الطريقة التي يمكن بها وضع الأنشطة والواجبات الدراسية في تسلسل؛ بحيث تُعزّز كل تجربة تالية تنمية إحدى مهارات التَّعلُّم، أو تُركّز على جزء مختلف منها. ويمكن ترتيب جميع أنواع الأنشطة والواجبات الدراسية على نحو تدريجي بهذه الطريقة. يُعَدُّ ابتكار خرائط المفاهيم والاستعانة بها مثالاً آخر جيدًا، حتى سلسلة الأنشطة الجماعية يمكن تصميمها لتحتوي على مهام أكثر صعوبة، وإجراءات جماعية تتطلب المزيد من اتخاذ القرارات الجماعية وتحمل المزيد من المسئوليات. وعندما تتوقف لبرهة وتُفكّر في الأمر، تكون الفائدة الوحيدة من تكرار الواجب المنزلي نفسه هي توفير الفرصة للممارسة. 

     يفعل معظمنا شيئًا مشابها عندما نُقسم الواجبات الدراسية، مثل بحث كبير أو مشروع جماعي يستغرق فصلا دراسيًّا بأكمله؛ فنحن نُقسم المهمة الأكبر إلى عناصر متنوعة ونُرتبها في تسلسل وفقًا لجدول زمني. يختار الكثيرون منا هذا الأسلوب للتعامل مع الأبحاث؛ لأننا لا نستطيع تحمل قراءة مجموعة من الأبحاث كتبت في الليلة السابقة لموعد تسليمها. إن القيام بهذا يُحسّن جودة الأبحاث، ويُقدِّم للطلاب عملية تدريجية الخطوات. ومع نهاية المسيرة الجامعية، عندما تصل مهارات التعلم إلى مستوى متقدم أكثر، نأمل أن يكون الطلاب قادرين على تقسيم العمل بأنفسهم، وترتيبه وفقًا لتسلسل

الصفحة 273

التدريس المتمركز حول المتعلم

زمني. وفي المواد الخاصة بمشروعات التخرج النهائية، ينبغي أن يكون إعداد الوثائق التي تصف عملية التخطيط جزءا من الواجب الدراسي.

     لست بحاجة إلى التحذير من أن مهمة التصميم - المشتملة على ابتكار سلسلة من الواجبات الدراسية التي تبني المعرفة الخاصة بمحتوى المادة الدراسية، وتنمي مهارات التعلم، وتُشجّع الاستقلالية – ليست دومًا بقدر السهولة التي بدا عليها مثال المصفوفة السابق. ولقد تعلمتُ هذا من واقع التجارب الشاقة الخاصة بواجبات سجل سير التَّعلم. كما كنتُ أتصوّر الأمر في البداية، تخيلت أن مَهمَّةً كتابية ذات إجابة مفتوحة قد تتيح للطلاب الاستجابة إلى محتوى المادة الدراسية بأية طريقة شائقة ومناسبة بالنسبة إليهم، كان بإمكانهم أن يكتبوا، في سجل سير التَّعلُّم، مُدْخَلا عما يدور داخل قاعة الدراسة، أو عن محتوى الكتاب الدراسي المرتبط بالموضوع، أو عن أمثلة من المنزل أو العمل أو الأصدقاء تتعلق بما كنا نتحدث عنه، ولم يكن بوسعي تَخيَّل مدى الانفتاح والحرية اللذين يميزان هذا الواجب الدراسي الذي أعطيتهم إياه، إلا أن الطلاب لم يروا الأمر بهذه الطريقة على الإطلاق. وفي الحال تقريبا، أثناء المحاضرة، وبعد المحاضرة، وفي مكتبي، بدأتُ أتلقى سؤالا: «لا أعرف ما الذي تُريدين من هذا المدخل بسجل سير التعلم. ما الذي ينبغي لي كتابته؟» أعدتُ كلامي مرةً أخرى عن كون هذا الواجب فرصة لإثارة الاهتمام بالمحتوى وجعله ذا صِلَة شخصيَّة. كان يجب علي أن أشرح أهداف الواجب الدراسي بعشر طرق مختلفة. أردتُ ما كانوا يُريدونه، إلا أنَّ الارتباك والأسئلة والقلق العام الذي اجتاح قاعة الدراسة بخصوص الواجب الدراسي استمر.   

    واصلت العمل في مثابرة، ولكنني في الفصل الدراسي التالي قررتُ أن أهتم أكثر بالمشكلة، وأستعرض حَلِّي في الملحق الأول، فإذا لم يعرف الطلاب ما ينبغي لهم كتابته، حسنًا حينئذ لا حيلة لي إلا أن أخبرهم. يحتوي كل مُدْخَل بسجل سير التعلم على مجموعة من الأسئلة التشجيعية، ويكتب الطلاب فقرة تجيب عن كل سؤال من هذه الأسئلة. لقد حُلت المشكلة - واختفت الشكاوى - ولكن لم تُنمّ مهارات التطبيق، ولم يتم التفكير في محتوى المادة الدراسية وتطبيقه بصفة شخصية، ولم يتولَّ أي طالب زمام السيطرة أو اتخذ قرارًا بخصوص المحتوى الخاص بمُدْخَلات سجل سير التَّعلُّم (بالإضافة إلى تحديد ما إذا كان سيكتب المدخل المطلوب أم لا). في الأساس، لقد ضحى حَلِّي بكل شيء تقريبا جعل الواجب الدراسي متمركزا حول المتعلم.

الصفحة 274 

اتباع نهج تطويري

     وعلى مدار عدة فصول دراسية تالية، عملت على إعادة تصميم الواجب الدراسي بحيث يتعلم الطلاب، أثناء عملية كتابة المدخلات، كيف يُطبقون المحتوى الدراسي. بدأت بأسئلة تشجيعية تُخبر الطلاب بما يفعلونه بالضبط، ثم كتبتُ مُدْخَلات ذات أسئلة تشجيعية متعددة، وجعلتُ الطلاب يختارون ثلاثة أسئلة ليُجيبوا عنها، ثم كتبت سلسلة أسئلة تشجيعية، ومنحتُ الطلاب اختيار تعديلها قبل الإجابة عنها، ثم حددت موضوعات عامة، وطلبت من الطلاب أن يكتبوا أسئلتهم التشجيعية الخاصة، وفي النهاية، كانت المدخلات صفحات فارغة؛ حيث ابتكر الطلاب أسئلتهم التشجيعية وأجابوا عنها. وعندما وصل الطلاب إلى تلك المرحلة، كان عدد كبير منهم سعداء بتسجيل إلى أي مدى راقت لهم القدرة على كتابة أسئلتهم التشجيعية والإجابة عنها بمفردهم.

   يعتمد التصميم التدريجي على القدرة على فحص واجب دراسي يتكرر كثيرًا، والتفكير في سلسلة تجارب قابلة للتطبيق تُنمّي مهارات معينة وتُحقق تقدما عاما يقود الطلاب في اتجاه الاستقلالية وتنظيم الذات. ومن المفيد أن نُفكّر في هذا الأمر باعتباره مهمَّة تطويرية تُعدل فيها سمات الواجب الدراسي أو النشاط أثناء ملاحظة تأثيره على تَعلُّم الطالب وتقييمه من جانبه.

(2-2) تنمية مهارات التعلم المستهدفة

بالإضافة إلى تصميم الواجبات والأنشطة الفردية وترتيبها بشكل متسلسل؛ بحيث تنمي مهارات التعلم على نحو أكثر منهجية، يُفكّر المعلمون المتَّبعون لأسلوب التدريس المتمركز حول المتعلم أيضًا في مدى ارتباط جميع الأنشطة والواجبات الدراسية الموجودة بالمادة بعضها ببعض، فكثيرًا ما يُؤدِّي الطلاب واجبات وأنشطة دراسية باعتبارها فعاليات منفصلة غير مُرتبطة بعضها ببعض؛ لأنها هي كذلك بالأساس. إننا نجعل الطلاب يُنجزون مهام مختلفة كطريقة لإبقاء اهتمامهم بالمادة (واهتمامنا أيضًا) ، لا لأننا خططنا لخوض تلك الخبرات التعليمية المختلفة بهدف التعاون معًا لتحقيق الأهداف التعليمية. وتعد هذه العبارة مألوفة الآن (أو لعلَّها مألوفة للغاية) :نحن لسنا نموذجا للمصممين التعليميين الواعين كما ينبغي أن نكون. 

     مرة أخرى، يُوضّح مثال بسيط ومباشر كيف يمكن لمجموعة من الواجبات الدراسية والأنشطة أن تنمي مهارات التَّعلُّم بطريقة منظمة ومنهجية أكثر. دعونا نستعين بواجب دراسي نموذجي إلى حد ما :ثلاثة أمثلة موضوعية، وبحثين، واختبارات قصيرة تُعقد بصفة

الصفحة 275

التدريس المتمركز حول المتعلم

منتضمة عبر شبكة الإنترنت تُغطّي واجب القراءة والمشاركة داخل قاعة الدراسة. هذه الواجبات الدراسية تُنمّي المعرفة الخاصة بمحتوى المادة الدراسية، ولكننا لا نناقشها هنا لأن توافر المعرفة التخصصية الوثيقة بالمحتوى ضرورية لتلك المناقشة. وهذه المجموعة من الواجبات الدراسية يُمكن استخدامها أيضًا لتنمية مهارات التعلم. وربما تشتمل المهارات الكامنة، التي يُمكن تنميتها، على تأمل الذات (تنمية مهارات التقييم الذاتي)، وتعزيز مهارات التفكير النقدي، وتحسين مهارات القراءة، وتشجيع الإحساس بمزيد من المسئولية تجاه ما يحدث داخل قاعة الدراسة، فيُمكن أن تضم عددًا كبيرًا من المهارات. لكن ينبغي ألا تكون مجموعة كبيرة غير محددة من المهارات يُنميها الطلاب بطريقة غير متمايزة نوعًا ما، شريطة أن تصير الأمور كلها على خير ما يرام أثناء دراسة المادة. فلا تستطيع مادة واحدة أو مدرّس واحد أن يُنمُّوا جميع مهارات التعلم التي يحتاج المتعلمون المستقلون إليها. فمن الأفضل أن تستهدف مهارات معينة، وأفضل المهارات لتستهدفها . هي تلك المهارات الضرورية لإجادة المادة العلمية التي يدرسونها.   

     لنقل إنَّنا قررنا استهداف مهارة تأمل الذات، إننا نريد على وجه التحديد أن يكون الطلاب قادرين على تقييم عمليات تحضيرهم على نحو نقدي وتقييم جودة عملهم على نحو دقيق كلا هذين الهدفين كبير، ويصفان مهارات لا يمتلكها معظم الطلاب. يحتوي المربع9 -1على مجموعة من الأنشطة التي تستعين بهذه المجموعة من الواجبات الدراسية لبدء تنمية مهارات التقييم الذاتي؛ بمعنى أنه عن طريق الاستعانة بهذه المجموعة من الواجبات الدراسية نعمل على تحقيق هذه الأهداف، إلا أننا عادةً ما نُقرِّر التوقف عن إنجازها. 

    بالطبع، هذه الأنشطة تستهدف تنمية المهارات، لا تحصيل المحتوى واكتساب المعرفة به؛ فأنت تستعين بالمحتوى لتنمية المهارات، والوقت المخصص لهذه الأنشطة ليس وقتًا مستخدمًا لتغطية المحتوى، ويحتوي الفصل الخامس على السبب الذي يُبرر القيام بذلك. وبالتأكيد هذه الأنشطة تعني المزيد من العمل بالنسبة إلى المعلمين. ولكن كما أوضحت فصول كثيرة، لا تُنمى المهارات جيدا دون تدريب واضح وصريح، ويمكن ابتكار تصميم للعمل بحيث تكون أعباؤه قابلةً للخضوع للسيطرة. والكثير من هذه الأنشطة ينتج عنها عمل لا يحتاج إلى تقييمه بالدرجات، أو عمل يمكن الاستجابة له بالتقييمات السريعة واليسيرة.

الصفحة 276 

اتباع نهج تطويري

مربع 9-1: أنشطة مدرجة في إطار مجموعة من الواجبات الدراسية تهدف إلى تنمية مهارات تأمل الذات

الاستعداد للاختبارات

• يُحضّر الطلاب خطة استعداد للاختبار، تحتوي على جدول زمني ووصف للأساليب التي يُخطط الطلاب لاتباعها، ثم يُرفق الطلاب هذه الخطة بالاختبار الذي انتهوا من حله. 

•يناقش المعلم والطلاب خطط الاستعداد أثناء محاضرة تصحيح إجابات الاختبار، هل تم اتباع هذه الخطط؟ ما أساليب المذاكرة التي أتت ثمارها؟ يُعدُّ الطلاب تحليلا سريعا لخطة المذاكرة التي يجب أن يُرفقوها عند تسليم اختباراتهم إذا أرادوا تسجيل درجة اختباراتهم. 

•يُعاد إليهم التحليلات الخاصة بخطة الاستعداد قبل الاختبار التالي بفترة قصيرة، ويستعين بها الطلاب لإعداد خطة المذاكرة الخاصة بالاختبار التالي.

مراجعات نقدية للأوراق البحثية

•يُحدد الطلاب الجملة الرئيسية التي تُوضّح فكرة البحث الخاص بهم (إن وضع خط تحت الجملة الرئيسية يُجدي نفعا هنا)

• يضع الطلاب نجمةً بجوار الفقرة التي يظنُّون أنها أفضل فقرة في البحث.

• يُحدد الطلاب الفقرة التي واجهوا صعوبة كبيرة لكتابتها.

•في نهاية الورقة البحثية، يطلب الطلاب من المعلم تقييما بخصوص بعض الجوانب المحددة

الخاصة بالبحث.

 •من أجل تسجيل درجاتهم أو من أجل معرفتها، يردُّ الطلاب على تقييم المعلم بملاحظة قصيرة تُحدد جانبين أو ثلاثة يُستهدف تحسينها في الورقة البحثية التالية، وتُسرد هذه الجوانب المستهدفة في الجزء العلوي من الصفحة الأولى للبحث التالي.

•يُعد المعلم مذكرةً تتكون من ورقة واحدة، عن طريق الاستعانة ببعض الأسئلة التشجيعية التي ابتكرتها ليندا نيلسون (2003) لتقييم الأقران (انظر الفصل السابع لمزيد من التفاصيل). يُشكل الطلاب مجموعات ثنائية، ويتبادلون المسودات، ويردُّون على الأسئلة التشجيعية الموجودة في المذكرة كتابة في البداية، ثم بعد ذلك شفهيا.

الاختبارات القصيرة

•يكمل الطلاب استطلاعا سريعًا حول استراتيجيات القراءة: متى تقرأ؟ كم من الوقت تقضيه؟ كيف تتفاعل مع الكتاب الدراسي (تضع خطا، أم تكتب ملاحظات على الهامش، أم تستخدم الملاحظات التي دوّنتها في المحاضرة أثناء القراءة، أم تتحدث عن الواجب الخاص بالقراءات

الصفحة 277

التدريس المتمركز حول المتعلم


مع أحد الزملاء) ؟ يُسجل المعلم النتائج، ويُناقشها مع الطلاب، مركزا على استراتيجيتين عمليتين أو ثلاث استراتيجيات قد تُحسن من درجات الاختبار القصير.

•يُطلب من الطلاب الذين يُبلون بلاءً حسنًا في الاختبارات القصيرة أن ينصحوا الطلاب الآخرين باستراتيجيات القراءة.

•يُمنح الطلاب فرصةً لتقديم الأسئلة المتوقعة بالاختبار (انظر الفصل السابع لمزيد من الأفكار بخصوص وضع الطلاب الأسئلة الاختبار).

المشاركة

•من أجل الاستعداد لمناقشة جماعية للفرقة تستكشف أساليب المشاركة التي يتم اتباعها داخل قاعة الدراسة، يُرسل الطلاب رسالة بريد إلكتروني إلى المعلم تجيب عن مطالب، كتلك الواردة فيما يلي:

-اذكر مساهمتين أو ثلاثة مساهمات شاركت بها في المحاضرة على مدار الأسابيع القليلة الماضية. 

 - حدد تعليقا قاله أحد الزملاء في المحاضرة ولا تزال تتذكره، أو ساعدك على الفهم، أو سؤالا طرحه زميل آخر وأردت أن تتم الإجابة عنه.

-اذكر للمعلم بعض المقترحات التي من شأنها أن تزيد فاعلية المشاركة بمحاضرات هذه المادة. 

-ما الذي بإمكانك أن تفعله على نحو مختلف ومن شأنه أن يُحسن مستوى المشاركة بمحاضرات هذه المادة؟

• ناقش أساليب المشاركة أثناء حدوثها داخل قاعة الدراسة. استعن بالتقييم الذي تم تقديمه في وقت سابق، اختتم بشيئين أو ثلاثة أشياء محدّدة ستُحاول الفرقة الدراسية وسيحاول المعلم القيام بها لزيادة فاعلية المناقشات داخل قاعة الدراسة.

•يُشير المعلم بانتظام إلى التعليقات والأسئلة التي يُساهم بها الطلاب داخل هذه المحاضرة والمحاضرات السابقة، مستخدمًا إياها لتوضيح نوعية تعليقات الطلاب وأسئلتهم التي تجعل المشاركة قيمة.

    يُعَدُّ التصميم التدريجي وتنمية المهارات المستهدفة، كما وصفتهما هنا، من الموضوعات التي نادرًا ما يأتي ذكرها في الأدبيات التربوية. وغياب هذين الموضوعين يُوضح ما أكدنا عليه في افتتاحية هذا الفصل؛ فعادةً لا يُفكّر أعضاء هيئات التدريس في رفع كفاءة الطلاب كمتعلمين، وتصميم التجارب الخاصة بالمناهج الدراسية. ومع ذلك، أود أن أذكر استثناءين، وعلى الرغم من أن محتوى هذين النموذجين الاستثنائيين، شديد الارتباط بتخصص دراسي معين، فإنهما يُؤكَّدان على قيمة وفائدة هذا النوع من المعرفة التربوية، كتب بوشلر (2009) عن تنمية المهارات الكمية لدى طلاب العلوم السياسية

الصفحة 278

اتباع نهج تطويري

الذين يكرهون مادة الرياضيات قائلًا: «العائق الأساسي أمام أسلوب تدريس المنهج الكمي للطلاب الذين يُعانون من رهاب الرياضيات هو أن هؤلاء الطلاب لم يُدرس لهم مطلقًا كيف يتعلمون الرياضيات» (ص 527). ويُحدِّد مقال بوشلر خمسة مفاهيم خاطئة لدى طلاب العلوم السياسية بخصوص تعلم مادة الرياضيات (وهذه المفاهيم الخاطئة لا تقتصر على طلاب العلوم السياسية وحدهم). وبعد ذلك، يُقدِّم نصائح واستراتيجيات يُمكن للمعلمين الاستعانة بها لتحرير الطلاب من وهم هذه المفاهيم الخاطئة. إنه مقال مفيد للغاية يستهدف تنمية مهارة معينة عن طريق تطوير أنشطة مختلفة.

      تقترح جينيفر فيتزجيرالد وفانيسا بيرد (2011) ، وهما عالمتان في مجال العلوم السياسية، أن مهمة تدريس أساليب التفكير النقدي هي أهم مهمة تقع على كاهل المعلمين في هذا المجال، وقد يتَّفق معهما في الرأي الكثير من المعلمين في مجالات أخرى أيضًا. ويصف مقالهما مجموعة من الواجبات الدراسية تشتمل على أربعة أنواع لأنشطة التفكير النقدي. ما تقترحانه مرتبط بتخصص دراسي معيَّن إلى حد ما، ولا يفيد تخصصات أخرى، إلا أن إحدى النقاط المهمة المذكورة في مقالهما تتمثل في الاقتباس التالي: «نحن نقترح أنه عندما يُطوّر أعضاء هيئات التدريس أنشطةً فعالة للطلاب، فإنهم يتيحون

هذه الخطط التطويرية لزملائهم على نطاق أوسع» (ص 619). ولقد جعلت التكنولوجيا هذا الخيار قابلا للتطبيق، وعدد كبير من التخصصات الدراسية يدعم مواقع إلكترونية تحتوي على موارد تعليمية متنوعة. هذه بداية طيبة، إلا أن هاتين المحاضرتين تدعُوان إلى مجموعة من الواجبات الدراسية تستهدف تنمية مهارات معينة. وهل يوجد تخصص دراسي لن يستفيد من مجموعة الواجبات الدراسية التي تُركّز على تنمية مهارات ذات أهمية لهذا التخصص الدراسي؟ ويُوضّح هذا المقال أيضًا أن هذه المجموعة من الواجبات الدراسية التي تم تصميمها وتطبيقها وتقييمها بحرص، بمنزلة تحد على المستوى العلمي والفكري، لكن هذا المجهود سيؤتي ثماره بالتأكيد.

باختصار، يمكن تصميم الأنشطة والواجبات الدراسية بهدف تنمية مهارات الطلاب باعتبارهم مُتعلّمين يتسمون بالتوجيه الذاتي والتنظيم الذاتي، والقيام بهذا يعني أن تطورهم لا يحدث صدفة، وإنما عن طريق التخطيط الهادف. والتحدي الماثل أمام المعلمين الذين يتبعون التدريس المتمركز حول المتعلم هو اكتشاف كيفية التدخل بنجاح

الصفحة 279 

التدريس المتمركز حول المتعلم

في عملية التطور هذه عن طريق إتاحة تجارب تعليمية مُتسلسلة ومُصمَّمة بحرص. وقد استكشفنا في هذا القسم إمكانية القيام بذلك عن طريق أنشطة وواجبات دراسية مُصممة

على نحو تدريجي، ومن خلال تنمية المهارات المستهدفة.

(3) تصميم تطويري للمناهج الدراسية

ثمة شيء آخر لم يتغير كثيرًا منذ إصدار الطبعة الأولى من هذا الكتاب، ألا وهو أنَّ معظم الطلاب لا يزالون يمرون بتجربة التدريس المتمركز حول المتعلم في مادة واحدة فقط، وعندما يحدث التغيير على مستوى مادة معينة، فإنَّ الطلاب يمرون صدفة بتجارب التدريس المتمركز حول المتعلم، فلعلهم يعيشون تجربةً واحدةً أو بضع تجارب من هذا النوع، أو لا يعيشون أيا منها على الإطلاق، وقد أثبتت الأدلة التي تم الاستشهاد بها في موضع سابق من هذا الكتاب أن مادة دراسية واحدة قد تُحدِث فارقًا في حياة الطلاب (ديرتينج وإيبرت-ماي، 2010)، لكن ما من شك في أن هذا التأثير يمكن أن يكون أعظم كثيرًا لو أنَّ الطلاب درسوا أكثر من مادة واحدة بهذه الطريقة، كما أنه يتعاظم أكثر لو أن هذه المواد صُمِّمت لتكون على هيئة سلسلة تطويرية.    

   أحد جوانب التغيير التي تستحق الملاحظة . هي شبكات التعلم التي تربط بين المواد الدراسية بعضها مع بعض. ثمَّة نماذج متنوعة لشبكات التعلم قيد الاستخدام الآن، ومعظمها تشتمل على مواد دراسية يربطها المحتوى وتجارب التَّعلم بعضها ببعض؛ حيث قام الطلاب بدراسة مادتي العلوم السياسية والكتابة الإنشائية، وكانت موضوعات الأبحاث المستخدمة في مادة الكتابة الإنشائية تشتمل على محتوى مأخوذ من مادة العلوم السياسية، ورغم ذلك، لا توجد أبحاث واردة في الأدبيات التربوية تقترح أن تجارب التعلم المتاحة في هذه المواد الدراسية تم تصميمها بهدف تنمية مهارات التعلم الخاصة بالمتعلمين المستقلين والمنظمين ذاتيا. وإذا كنت مهتما بتحديد إلى أي مدى تتسم مجموعة من المواد أو المناهج أو البرامج الدراسية بكونها مُتمركزة حول المتعلم – أو حتى إلى أي مدى قد تكون مؤسستك مُتمركزة حول المتعلم- فلقد طورت فيليس بلومبرج ولورا بونتيجا (2011) قواعد تقييمية مبنية على تسعة وعشرين عنصرًا مُستخلصا من الخمسة تغييرات الأساسية الموضّحة في هذا الكتاب، وقد طبقتا هذه القواعد على أحد المناهج الدراسية لتوضيح استخدامها.

الصفحة 280

اتباع نهج تطويري

    شرع كتابان - نشرا منذ إصدار الطبعة الأولى - في دراسة ما يعنيه إضفاء الصبغة المؤسسية على الخبرات التعليمية المتمركزة حول المتعلم. ويُناقش الكتاب الأول، وعنوانه: «قيادة الحرم الجامعي المتمركز حول المتعلم : إطار عمل خاص بالإداريين لتحسين نواتج التعلم لدى الطلاب» (هاريس وكولين، 2010)، نوعية القيادة الأكاديمية الضرورية لتطوير مناهج دراسية تُركّز على الطلاب باعتبارهم متعلمين، ونوعية المناخ المؤسسي الذي يُشجّع أعضاء هيئات التدريس على الابتكار في هذا المجال ويكافئهم عليه. أما الكتاب الثاني فيركز على تطوير المنهج الدراسي (كولين وهاريس ،ورينهولد، 2012). ويُلخّص هذا الكتاب السمات المميزة للمناهج الدراسية المتمركزة حول المتعلم، ويتحدث عن التسلسل التطويري عبر المواد الدراسية، والأهم من ذلك كله أنه يحتوي على نماذج لهذه المناهج الدراسية، فبالنسبة إلى أعضاء هيئات التدريس والقادة الأكاديميين المهتمين باستخدام أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم في عدة مواد دراسية عبر مناهج مختلفة، يشتمل هذان المصدران على محتوى مفيد.

(4) نقاط جيدة للانطلاق

كثيرًا ما أُسأل في ورش العمل عن النقاط المناسبة للانطلاق من عندها، ما الاستراتيجيات التي تؤتي ثمارها على أفضل نحو عندما يحظى الطلاب بعدد قليل من التجارب المتمركزة حول المتعلم، أو لا يحظون بأي منها على الإطلاق، وعندما لا يستعين المعلمون بهذه الأساليب بانتظام. وقبل عرض المقترحات المحددة، دعوني أُقدم بضع نصائح بخصوص المحاولات الأولى لتطبيق هذه الأساليب التدريسية: 

    ابدأ بنشاط أو واجب دراسي تكون فيه فرصة النجاح عالية: هذا يصب جزئيا في مصلحة المعلم، فإذا جربت أحد أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم ولم تسير الأمور على خير ما يرام، يتراجع الحافز لديك لتجربة أسلوب آخر منها. وإذا ما جربت شيئًا ووجدته يُجدي نفعا، فهذا يزيد الحافز لدى المعلم والطلاب على حد سواء. يصب هذا القرار جزئيا في مصلحة الطلاب أيضًا؛ فعندما يشارك الطلاب في نشاط ما أو يُنجزون واجبًا دراسيا يمثل نوعية جديدة من تجارب التعلّم ولا ينتابهم الشعور بالنجاح والسعادة، فهذا أشبه بعود الثقاب الذي يُضرم النار في الهشيم، أي يُشعل نيران المقاومة.

الصفحة 281

التدريس المتمركز حول المتعلم

    بالنسبة إلى المعلمين، هذا يعني أيضًا البدء بنشاط سهل نشاط يمكنك أن ترى نفسك تنجح في تأديته ويتناسب مع المحتوى الذي تدرسه وطريقة تدريسك إياه. وبالنسبة إلى المعلمين الأكثر خبرة، من الرائع أن تستعين ببعض الأساليب التي لم تجربها من قبل، والتي تحمل في طياتها نتائج غير مؤكدة. إننا بحاجة إلى فُرَص نُمو تُوسع مداركنا وتدفعنا إلى الأمام، ولكن ليس في البداية؛ فمن الأفضل أن تبدأ بشيء يُمكنك أن تنجزه بهدوء وثقة.

    إذا أردت اكتشاف هل أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم تُناسب المحتوى الخاص بك وتُناسب طلابك، فابدأ بداية متواضعةً: فعلى الرغم من وجود الأدلة البحثية والتجارب الخاصة بمن اقتنعوا بهذه الأساليب، فثمة سؤال مُلح يتردَّد دوما، بخصو جدوى هذه الأساليب عند استخدامها. وأفضل نصيحة، في هذه الحالة، هي تجربة بعض الأساليب- ربما أسلوب واحد فقط - لترى ما إذا كانت هذه الأساليب تُحقق المرجو منها. إن حصر عدد الأساليب المستخدمة يُسهل عليك أن تُولي كامل انتباهك إلى هذه الأساليب الجديدة دون تشتيت، الأمر الذي يزيد من فرصة نجاحها، فإذا كنتَ لا تريد المخاطرة بالاستعانة باختبار جماعي، جرب أسلوب الحل الجماعي في اختبار قصير، وإذا انتابك الشعور بالقلق حيال نوعية السياسات التي سيقترحها طلابك، دعهم يعملون على سياسة واحدة، وامنحهم ثلاث نسخ ممكنة، واجعلهم يختارون واحدةً من بينها، أو دعهم يقترحون سياسة مرهونة بمُوافقتك عليها. إذا كان السماح لطلابك لاختيار الواجبات الدراسية يبدو مبالغة غير ضرورية، اسمح لهم أن يختاروا بين عدة اختيارات خاصة بالواجبات الدراسية، أو من بين تنويعات مختلفة لنفس الواجب الدراسي، بعبارة أخرى، إذا ساورتك الشكوك فتوخ الحذر. ليس لدي شك في صحة هذه النصيحة؛ فالأدبيات التربوية تزخر بالأمثلة على التغييرات الصغيرة الخاصة بالتدريس المتمركز حول المتعلم، التي أحدثت فارقًا كافيًا لإقناع المتشككين بها.

    وازن بين احتياجات الطلاب واحتياجاتك: إنَّ الكثير من الواجبات والأنشطة الدراسية المتمركزة حول المتعلم الموضّحة في مواضع أخرى بهذا الكتاب تجعل الطلاب يُشاركون في تجارب تعلم جديدة ومختلفة، مثل مهام لم يؤدُّوها من قبل، أو أنشطة تتضمن اتخاذ القرار، أو مهام اعتادوا أن يتركوا المعلمين يُنجزونها. من المهم التفكير في عدد الخيارات الجديدة التي يستطيع الطلاب التعامل معها في البداية.

الصفحة 282

اتباع نهج تطويري

    وهذه النصيحة متصلة بشعوري الدائم بالقلق حيال خوض المعلمين لتجارب تحولية لاتباع هذا الأسلوب في التدريس، سواء أكان ذلك من جراء حضور ورشة عمل أو قراءة كتاب. يرى هؤلاء المعلمون الضوء ويكونون على استعداد ليُنيروا عالم التدريس بأكمله بهذا الضوء، ويَشعرون برغبة مُلحة في تغيير كل شيء، ويُقررون البدء بتغيير أشياء كثيرة دفعة واحدة. أتمنى لو كان بإمكاني أن أطلب من كل معلم ينتابه هذا الشعور أن يقرأ مقالين يصفان تجربتين فاشلتين للغاية، حاول فيهما أعضاء هيئات التدريس تطبيق عدد كبير من هذه الأساليب فاقَ قُدرة طلابهم على الاستيعاب.

    يصف نويل (2004) تجاربه كأستاذ حاصل على درجة الدكتوراه مؤخرًا ويُدرِّس إحدى مواد ماجستير إدارة الأعمال التي لا تحظى باهتمام كبير لدى الطلاب، ولم يكن قد درسها من قبل: «في بداية تدريس المادة، كنتُ مُتحمِّسًا وواثقًا. وفي النهاية، كنتُ مُرهقًا و مرتبگا» (ص 188) . هكذا يصف المقال ما حدث في المنتصف بين البداية والنهاية، وهو أمر ليس رائعًا. يذكر نويل ثلاثة افتراضات، خاطئة وضعها في البداية: إن افترض أنه بمجرد أن يشرح للطلاب أفكاره الجديدة عن المادة، فإنَّ من شأنهم اعتناق هذه الأفكار على الفور، وافترض أن الطلاب الأذكياء البارعين سيكونون راغبين في أداء المهام مفتوحة النهايات، التي كان قد صممها لهم، وافترض أنه قادر على إنجاح هذا الأمر. «لم أكن أخشى تجربة أشياء جديدة داخل قاعة الدراسة قطُّ، رغم أنني لم أفعل شيئًا على هذا القدر من الاختلاف الجذري من قبل. بالطبع، لقد واجهت مشكلات داخل قاعات الدراسة قبل ذلك، إلا أنني لم أواجه قط مشكلة عصفت بي بهذه الصورة. كان حريا بي أن أتحلى بالقدرة على التعامل مع أي مشكلة تُثار» (ص 191). شكرًا لك يا نويل على أمانتك اللافتة للنظر.

    تطوعت شيريل البرز (2009) بتدريس أحد مقررات المستوى الرفيع لطلاب السنوات النهائية بقسم علم الاجتماع. وفعلت ذلك بقدر مُفرط من «الحماسة الهائلة، معتبرةً إياها فرصة لتطبيق بعض الأساليب التربوية الجديدة. لكن شكلت ردود الأفعال الأولية غير المتوقعة من جانب الطلاب أكثر التجارب المحبطة في مسيرتي المهنية الطويلة» (ص 270). إن تحليلها لرد فعل الطلاب مفيد للغاية؛ حيث كتبت تقول: «كانت محاولتي التغيير السلوكيات المعتادة«للأستاذ الجامعي» مستندة إلى الافتراض القائل بأنَّ الطلاب من شأنهم أن يُرحبوا بالتغييرات التي تُحدثها هذه المحاولة من أجلهم، إلا أن تطبيق هذا التغيير في عجالة جعلني أدرك درجة الارتياح التي يَشعُر بها بعض الطلاب تجاه إمكانية

الصفحة 283

التدريس المتمركز حول المتعلم

توقع الأدوار الحالية» ( ص 274). شكرًا لك يا شيريل ألبرز على هذا التحليل الملهم الخاص بالتقديرات الخاطئة للاستعداد على المستوى التطويري.

    ومن واقع تجربتي، اكتشفت أن مزيجا من الاستراتيجيات والأنشطة الجديدة والمألوفة يُحقق أفضل النتائج المرجوة مع الطلاب المستجدين؛ حيث يُشارك الطلاب في نوعية جديدة من تجارب التَّعلُّم، ثم يُتبع هذا بشيء مألوف لهم. فنحن نُؤدِّي نشاطًا جماعيا غير معتاد داخل قاعة الدراسة، وفي اليوم التالي نعود إلى سلسلة المحاضرات النقاشية المعتادة ليس كل شيء في هذه المادة الدراسية جديدًا، ولكن تم تغيير القدر الكافي منها؛ بحيث لا يفلت أي طالب من حقيقة أنَّ هذا المقرر الدراسي ليس مقررًا معتادًا.

    يسرد المربع 9-2عددًا من الأنشطة المتوقعة «للمستجدين»، وهذه نقاط جيدة للانطلاق لكلِّ من أعضاء هيئات التدريس والطلاب على حد سواء. وتتعزز فرصة نجاح أي تجربة للتَّعلُّم في المستقبل عندما يُجري المعلمون التعديلات؛ بحيث يتناسب النشاط أو الواجب الدراسي مع السمات التي تُميّز وضعهم على مستوى التدريس والتعلم. بعبارة أخرى، اجعل هذه الاستراتيجيات مميزة بأسلوبك الخاص.

مربع 9-2 نقاط جيدة للانطلاق بالنسبة إلى المعلمين والطلاب

السؤال التعليمي: ابدأ بطرح الأسئلة على الطلاب بانتظام وعلى نحو متكرر، بخصوص ما يتعلمونه، بل والأهم من ذلك، كيف يتعلمونه. اطرح عليهم الأسئلة في الحوارات الاجتماعية أثناء المحاضرات وبعد كل نشاط يُؤدُّونه داخل قاعة الدراسة. اذكر ما تتعلمه وطريقة تعلمك إياه. اطلب من الطلاب أن يكتبوا بصفة ودية عن الكيفية التي يتوقعون بها تعلم نوعية معينة من المفاهيم، وكيف يتعلمون من الكتاب الدراسي، وكيف يتعلمون بعضهم من بعض. اجعل مناقشة عملية التعلم محورًا للمقرر الدراسي (انظر الفصل الخامس لوصف تفصيلي أكثر).

محاضرة المراجعة قبل الاختبار:نَظم محاضرة للمراجعة، يُعدُّ فيها الطلاب مذكرة المراجعة بأنفسهم؛ بمعنى أنهم يُعدُّون دليلا للمذاكرة، ويضعون أسئلة متوقعة للاختبار، ويُحددون الموضوعات التي يحتاجون فيها إلى مزيد من الشرح والإيضاح، ويتناقشون بعضهم مع بعض فيما سيحتاجون إلى معرفته استعدادًا للاختبار (انظر الفصل السابع لوصف تفصيلي أكثر).

 التدرب على وضع التقديرات الدراسية: من أجل مساعدة الطلاب على فهم عناصر الإجابة الجيدة للسؤال المقالي أو عناصر البحث الممتاز، وَزّع عليهم عدة أسئلة أو أبحاث مجهولة الهوية ذات

الصفحة 284

اتباع نهج تطويري

مستويات مختلفة للجودة، واترك الطلاب يضعون التقديرات الدراسية»، كل طالب على حدة في البداية، ثم في جلسة نقاشية مع الآخرين (انظر الفصل السابع لوصف تفصيلي أكثر)

وضع أهداف للمادة الدراسية: يُشرك بنجامين (2005) الطلاب في وضع أهداف المادة. ويُوزّع على الطلاب مذكرة تذكر سبعة عشر هدفًا محتملا للمادة. وفي خطة المنهج الدراسي، يذكر أهدافه للمادة، ويشرح السبب وراء أهميتها، ثم يطلب من الطلاب أن يختاروا أهم ثلاثة أهداف لهم من المذاكرة، وأكثر الأهداف التي تحصل على أصوات تُضاف إلى خطة المنهج الدراسي، وإذا اقتضت الحاجة، يعدل بنجامين محتوى المادة والأنشطة والواجبات الدراسية الخاصة بها من أجل تحقيق هذه الأهداف الإضافية.

مراجعة ما سبق في بداية المحاضرة أو نهايتها: أثناء آخر أو أول خمس دقائق من زمن المحاضرة، جهز نشاطًا يراجع فيه الطلاب المحتوى الذي قدم أثناء المحاضرة أو محاضرة اليوم السابق، ربما يضعون خطا تحت ملاحظاتهم ويتوسعون في تدوينها، ولعلهم يُقارنون ملاحظاتهم بملاحظة زملاء آخرين، ولعلهم يبتكرون أسئلة متوقعة للاختبارات، ولعلهم يُلخّصون أهم فكرة في عبارة تتكون من 140 حرفًا فقط. ومن المفيد أيضًا للطلاب أن يراجعوا المادة العلمية المقدمة قبل عدة أيام مضت، ولا سيما إذا كان استيعاب المفهوم الجديد متوقفًا على معرفة المفاهيم السابقة.

 اختيار الواجب الدراسي: خذ واجبًا دراسيا واحدًا وأعد تصميمه بحيث يشتمل على عدة خيارات متعلقة بالموضوعات المتوقعة، واختيارات النسق المتوقع لهذا الواجب الدراسي، وفي أي وقت يمنح الطلاب فيه الاختيارات ينبغي أن يُطلب منهم تفسير وتبرير ما قرروا إنجازه (انظر الفصلين الأول والرابع لوصف تفصيلي أكثر).

معايير التقييم: أشرك الطلاب في وضع المعايير التي ستستخدم لتقييم واجب أو نشاط دراسي. إذا كان الطلاب سيناقشون واجبًا خاصًا بالقراءة، سلهم عن العناصر التي تجعل مناقشة أحد الطلاب تستحق الاستماع إليها والمشاركة فيها. استعن بتقييماتهم لابتكار مجموعة من المعايير التي ستستعين بها لتقييم نقاشهم التالي لواجب القراءة. أوضحت جوسلين هولاندر (2002) أنها تقوم بذلك ثم تُقيم المناقشة ككل، بدلا من تقييم المساهمات الفردية.

اختبار جماعي قصير: جهز اختبارًا قصيرا داخل قاعة الدراسة. وفي النهاية، امنح الطلاب خمس دقائق لمناقشة الإجابات بعضهم مع بعض. ثم اسمح لهم أن يُغيروا أي إجابات يُريدونها، أولا عن طريق وضع نجمة إلى جوار أي إجابة أجروا عليها تعديلا، ثم تدوين إجابتهم الأصلية والإجابة المعدلة، وتُحسب الدرجة على أساس الإجابة المعدّلة. وفي محاضرة تصحيح إجابات الاختبار، تُعقد مناقشة لتحديد ما إذا كانت استشارة الآخرين قد ساعدتهم أم أضرتهم مع ذكر السبب.

المناخ الدراسي: أفضل وأسوأ التجارب :من أجل المساعدة في توفير مناخ مناسب للتعلم، نظم مناقشة لأفضل وأسوأ التجارب الدراسية. دونها على السبورة؛ بحيث تكون الاختلافات بارزة للعيان، 

الصفحة 285

التدريس المتمركز حول المتعلم

أو اجعل هذا النقاش في مجموعات؛ بحيث تكون جلسة تعارف بين الزملاء يتشارك فيها الطلاب في أفضل وأسوأ التجارب الجماعية. ويُمكن أن يجري الأمر على صورة نقاش عبر شبكة الإنترنت، يُلقي الضوء على أفضل وأسوأ التجارب الجماعية عبر شبكة الإنترنت، أو أن يكون نقاشًا للتعريف بأفضل وأسوأ سياسات المشاركة. الهدف هو جعل الطلاب يُفكّرون في التجارب التي ساعدتهم والتجارب التي عرقلت جهودهم المبذولة للتَّعلُّم (انظر الفصل السادس لوصف تفصيلي أكثر).

(5) المشكلات التطويرية من منظور أعضاء هيئات التدريس

أحد أكثر السمات إثارة للاهتمام في نموذج جرو الذي قدمته في موضع سابق من هذا الفصل هو : طرح جرو (1991) القائل بأن ثمة مسارًا تطويريا موازيا بالنسبة إلى أعضاء هيئات التدريس؛ حيث إنهم يمرون بمراحل أثناء تحوُّلهم من أسلوب التدريس المتمركز حول المعلم إلى أسلوب التدريس المتمركز حول المتعلم. ولقد طورت فيليس بلومبرج (2009) مجموعة من القواعد المرتكزة على التغييرات الخمسة التي ناقشناها بداية من الفصل الثالث وحتى الفصل السابع من هذا الكتاب. وتُؤدي هذه القواعد عملا رائعًا خاصا بتحديد الخطوات التطويرية نحو التَّحول إلى أسلوب التدريس المتمركز حول المتعلم. وهذه الخطوات تُسهل على المعلمين أن يروا موضعهم على سلسلة التحول تلك. والقواعد مفيدة أيضًا؛ لأنها تُوضّح أن هذا الأسلوب في التدريس ليس اقتراحا يفرض الاختيار بين كل شيء، أو لا شيء على الإطلاق؛ فبإمكان المعلمين أن يجعلوا ممارستهم لمهنة التدريس متمركزة حول المتعلم بنسبة قليلة أو كبيرة؛ إذ يُمكنهم بلوغ مستويات مختلفة على حسب المجال، فلعلهم يُجيدون بذل الجهود كميسرين لعملية التعلم، ولكنهم بعيدون تمامًا عن الاستعانة بأساليب التقييم الذاتي وتقييم الأقران. والرسالة الأساسية وراء الأقسام السابقة من هذا الفصل هي أن أفضل نصيحة يأخذ بها المعلمون هي أن يتحركوا بخطوات تدريجية على طول سلسلة التَّحوُّل؛ بدلا من محاولة القفز من أقصى طرف إلى الطرف الآخر في مادة دراسية واحدة؛ فبالنسبة إلى معظم المعلمين، يُمثل التدريس المتمركز حول المتعلم تغييراً جذرياً في طريقة التفكير يُطبق عن طريق مجموعة أنشطة وواجبات جديدة، أو بعبارة أبسط، لا يجد معظم المعلمين أن التغيير سهل.

الصفحة 286 

اتباع نهج تطويري

    ويُحدد جرو (1991) مشكلة أخرى لعدم التوافق المحنا إليها في أقسام سابقة. تزداد مقاومة الطلاب عندما يقطع المعلمون مسافة أطول من التي يقطعها الطلاب على طول سلسلة التَّحول إلى التدريس المتمركز حول المتعلم، بل والأكثر أنه كلما زادت المسافة بينهما صارت المقاومة أكبر وأعظم، وهذا سبب آخر لضرورة أن يكبح المعلمون رغبتهم في تغيير ما هو أكثر من اللازم بسرعة أكبر من اللازم؛ فالطلاب بحاجة إلى دفعهم إلى الأمام، من الموضع الذي يبدءون من عنده، لا من حيث يظن المعلمون أنه ينبغي لهم أن يكونوا أو من حيث يقف المعلمون أنفسهم. وقد يحدث عدم التوافق الذي وصفه جرو في كلا الاتجاهين، فيشعر الطلاب بالإحباط وخيبة الأمل عندما يكونون متقبلين لأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم أكثر من معلميهم. 

    دخلت على مدار سنوات في مناقشات عدة مثيرة للاهتمام، بخصوص ما إذا كان ينبغي لنا أن نوصي أعضاء هيئات التدريس الجدد باستخدام أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم أم لا. هل تطبيق هذه الأساليب بنجاح يعتمد على قدر معين من الخبرة، ومستوى معين من النضج المهني؟ لم يخضع هذا السؤال المحدد للدراسة، على الأقل في أي بحث يُمكنني الاطلاع عليه، إلا أن ثمة نتيجة ذات صلة بهذا الموضوع. ووجدت دراسة إيبرت-ماي وديرتينج وهودر ومومسين ولونج وجارديليزا (2011)، عن ورش العمل المصممة لمساعدة أعضاء هيئات تدريس مادة العلوم في اتباع المزيد من هذه الأساليب؛ أنَّ المعلمين المبتدئين يطبقون هذه الأساليب أكثر من المعلمين ذوي الخبرة. وتساءل فريق البحث عما إذا كان من قضى وقتا أطول في مهنة التدريس يلقى صعوبة أكبر حيال تطبيق هذه التغييرات، ويكون أقل ميلا نحو القيام بذلك.    

   سواء أكانوا يتمتَّعون بالخبرة أم يفتقرون إليها، يجب أن يكون المعلمون الذين يُطبقون ما هو أكثر من بضعة أساليب بسيطة لهذا النوع من التدريس، واثقين من أنفسهم إلى حد ما، وعلى استعداد لخوض بعض المخاطر. ولقد تم استكشاف الأسباب بالفعل؛ فطريقة التدريس هذه لا تخضع لسيناريو معين، ونظرًا لأنَّ ما يحدث داخل قاعة الدراسة يعتمد أكثر على ما يفعله الطلاب، فإنَّ ما يحدث داخل قاعة الدراسة لا يخضع إلى سيطرة المعلم. يشتمل هذا الأسلوب على تدريس هادف لتنمية المهارات مباشرة، وثمة مقاومة من جانب الطلاب لا بد من التعامل معها. هكذا يتطلب الأمر مستوى معينًا من النضج المهني للتعامل مع تغيير بهذا القدر من الأهمية.

الصفحة 287

التدريس المتمركز حول المتعلم

لا أظن أن التطبيق الناجح لأساليب التدريس المتمركز حول المتعلم يعتمد كثيرًا على مرحلة مهنية معينة مثلما يعتمد على مدى استعداد عضو هيئات التدريس لذلك. إذا كنت قد قرأت الكتاب وإذا كنت متحمسًا لتجربة بعض هذه الأساليب، وعلى استعداد للقيام بما هو أكثر مما كنت معتادًا عليه، وتُفكّر فيما أنت بصدد إقحام نفسك فيه، ولا تزال راغبا في تحقيق التطور والتغيير على المستوى المهني، فحري بك إذن أن تمضي قدما، وتُقدم على هذه الخطوة بثقة. لن يسير كل شيء على نحو مثالي، ولكنك ستتعلم أنت وطلابك، وتُحسنون أداءكم في المرة التالية.

  كنتُ أظنُّ في الماضي أنني يومًا ما سأكون معلمة تتبع أسلوب التدريس المتمركز حول المتعلم، وأكون بذلك قد وصلت إلى هدفي، ولقد حرَّرني فلاخمان (1994) من هذه الفكرة وصححها لي، ونصيحته تُلخّص مضمون هذا الفصل وأحد الأفكار الرئيسية لهذا الكتاب؛ألا وهي أن تطوير مهارات المعلّمين والطلاب أمر يتعلق بالمضي قدمًا. وكتب فلاخمان يقول: «التدريس الجيّد عبارة عن «رحلة» وليس وجهة وصول؛ فهو ليس محطة قطار تقف فيها، وبمجرد وصولك إليها تتوقف عن المضي قدمًا ... والكسل قوة سلبية ذات تأثير تراكمي على مهنة التدريس، تدفعنا لمواصلة إنجاز المهام بنفس الطريقة التي اعتدنا عليها لسنوات. الأمر أشبه قليلا بالانتماء إلى ما يُشبه رابطة مُدمني الكحوليات المجهولين، ولكن على المستوى التربوي؛ حيث إن داخل كل واحد منا معلم ضعيف دوما ينتظر الظهور على الملأ. علينا أن نُقاوم الإغراء للبقاء على ما نحن عليه، والمكوث في محطة التوقف» (ص1)

     لقد استعنت بهذا الاقتباس كي أختتم الطبعة الأولى من هذا الكتاب. وقد وصفها أحد القراء بأنها نهاية حادة، وهي كذلك فعلا؛ فنحن نحتاج إلى ما هو أشد وطأة من الرسائل التذكيرية اللطيفة. إلا أنني أشعر الآن بأنه ينبغي لي أن أختتم الكتاب بملاحظة أكثر إيجابية. ولقد حفزني وشجَّعني وصف مؤثّر لبروكفيلد (2006) لما يفعله المعلمون الذين يتبعون أساليب التدريس المتمركز حول المتعلم. والاقتباس يبدأ بسرد قائمة طويلة من أفلام هوليوود التي صورت نموذج المعلّمين المؤثرين، من بينها أفلام: «الوداع، يا سيد تشيبس» (جودباي مستر تشيبس) ، و« إلى السيد بكل الحب» (تو سير ويز لاوف)، و«قف وحاضر» (ستاند آند ديليفر)، و«الأعمال الموسيقية للسيد هولاند» (مستر هولاندز أوباس)، على سبيل المثال لا الحصر. وعلى الرغم من إعجابه بالأفلام؛ فإنه يقول عنها إنها قدمت نماذج سيئة بالنسبة إليه. فكتب يقول:«لا يدور التدريس حول أشخاص يتمتعون بسحر الشخصية يستغلُّون القوى المطلقة لتصرفاتهم وشخصياتهم لإحداث

الصفحة 288

اتباع نهج تطويري

تغييرات تحولية تدوم طوال حياة الطلاب، وإنما يدور حول البحث عن طرق لتعزيز المكاسب اليومية التدريجية التي يجنيها الطلاب أثناء محاولتهم فهم الأفكار، واستيعاب المفاهيم، ودمج المعرفة، وتنمية المهارات الجديدة. إن كل الأشياء الصغيرة التي تفعلها لكي يُحقق الطلاب ذلك تمثل القصة الحقيقية لمهنة التدريس. ومد يد المساعدة والمساهمة في عملية التَّعلُّم هو ما يجعلك البطل الحقيقي لهذه القصة» (ص278).

الصفحة 289



الملاحق

الملحق الأول : خطة المنهج الدراسي ومدخلات سجل سير التعلم الخاصة بمادة التواصل اللفظي: المستوى الأول

مرحبا بك في مادة التواصل اللفظي: المستوى الأول، وهي مادة تهدف إلى تنمية مهارات التواصل لديك. ونظرًا لأن الجميع يتواصلون طوال الوقت، فالمحتوى الخاص بهذه المادة سيكون وثيق الصلة بك حتى بعد تخرجك في الجامعة، كما هو وثيق الصلة بك اليوم أثناء دراستك له. وفي هذه المادة، ستصير أكثر وعيا بطريقة تواصلك، وستتمتع بقدرة أفضل على التواصل بفاعلية. وتحتوي المادة على جانب نظري وجانب عملي، وتُوفّر لك الفرصة لتطبيق ما تعلمته.

(1) الكتاب الدراسي

الكتاب الدراسي للمادة هو كتاب بعنوان «تَواصَل» للمؤلف رودولف إف فيرديرب (وادزورث، 1995). ينبغي أن تُنجزوا الواجبات الدراسية الخاصة بالقراءة قبل المجيء إلى المحاضرة. رجاءً، أحضروا الكتاب الدراسي معكم؛ لأننا سنناقش محتوى الكتاب الدراسي بانتظام أثناء المحاضرات.

الصفحة 293

التدريس المتمركز حول المتعلم

(2) الواجبات الدراسية

في هذه المادة، سيتم التعامل مع الواجبات الدراسية بطريقة مختلفة: ستختارون المهمة التي ستنجزونها، باستثناء شيء واحد؛ إذ يجب على جميع الطلاب أن يُلقوا خطبة معلوماتية أو إقناعية. ضعوا في الاعتبار هاتين القاعدتين عند استعراضكم للخيارات التالية:

(1) يجب الحصول على 50 بالمائة على الأقل من الدرجات الإجمالية لكل واجب دراسي، وإلا فلن تُسجل «أي درجات» لهذا الواجب الدراسي.

(2) بمجرد أن يمر وقت تسليم الواجب الدراسي لا يُمكن إتمام هذا الواجب.

(3) الاختبارات

(1) الاختبار الأول: امتحان يحتوي على أسئلة اختيار من متعدد، وسؤال مقالي مشتمل على مادة علمية مأخوذة من المحاضرات والكتاب الدراسي ( من الممكن أن يُخصص له 80 درجة).

 (2) الاختبار الثاني اختبار يحتوي على أسئلة اختيار من متعدد، مشتمل على مادة علمية مأخوذة من المحاضرات والكتاب الدراسي حتى يوم تحديد موعد الاختبار (من الممكن أن يُخصص له 80 درجة) .

(4) العروض التقديمية

(1) خطبة معلوماتية أو إقناعية ( مدَّتها من خمس إلى سبع دقائق) وورقة تحضير الخطبة. «هذا هو الواجب الدراسي الوحيد المطلوب في المادة» (من الممكن أن يُخصَّص للخطبة 50 درجة، و 10 درجات لورقة تحضير الخطبة) .

(2) المقابلات الشخصية مدتها من عشر دقائق إلى اثنتي عشرة دقيقة) يُجريها الزملاء كممثلين عن شركات ومؤسسات افتراضية بخصوص الوظائف المتاحة لديهم. تختار أنت الوظائف التي تهتم بالتقديم فيها ويُجري مجموعة من الزملاء مقابلة شخصية معك. للمزيد من التفاصيل عن المجموعات، انظر تجربة المجموعة الصغيرة 2، في القسم التالي (مقابلتان شخصيتان، 15 درجة لكل مقابلة شخصية، وكلٌّ منها ملخصة في ورقة صغيرة، إلى جانب 5 درجات إضافية لأي شخص يحصل على الوظيفة).

الصفحة 294

خطة المنهج الدراسي ومُدْخَلات سجل سير التعلم...

(5) تجارب المجموعة الصغيرة

(1) الاختبار الثاني: مجموعة دراسية خاصة بالمذاكرة. كن عضوا بمجموعة دراسية خاصة بالمذاكرة، مكونة من خمسة إلى سبعة أشخاص يتعاونون في التحضير للاختبار الثاني. وبعد الخضوع للاختبار بصفة فردية، تلتقي المجموعة وتخضع لاختبار جماعي. سيتم وصف اختيارات توزيع درجات الاختبار الجماعي في مذكرة منفصلة (من الممكن أن يُخصص له ... درجة).

(2) يَشتمل هذا الواجب الدراسي أيضًا على ثلاث ورقات تُحلل ما حدث في المجموعة الدراسية الخاصة بالمذاكرة فيما يتعلق بما يلي؛ أولاً : ما فعلته المجموعة وساهم في نجاحها (أو لم تفعله وساهم في فشلها). وثانيًا: ما فعله أعضاء المجموعة كل على حدة، وساهم في نجاح أو فشل المجموعة ككل. «لاحظ : يجب إتمام هذه الورقة إذا كان سيتم منح درجات إضافية خاصة بالاختبار» (من الممكن أن يُخصَّص30 درجة للورقة).

  (3) مجموعة المقابلة الشخصية: كوِّن، مع خمسة إلى سبعة زملاء آخرين، مجموعة من موظفي شركة افتراضية بصدد كتابة توصيف وظيفي لأحد المناصب، وإعداد أسئلة المقابلة الشخصية، ومقابلة ثمانية أشخاص متقدمين للوظيفة. سيعتمد تقدير المجموعة على تقرير نهائي يَشتمل على؛ أولا: الوصف الوظيفي. ثانيًا: أسئلة المقابلة الشخصية. ثالثا: ملخص للمُقابلات الشخصية التي تمت، رابعًا: الأسباب التي تُبرر تعيين شخص بعينه(من الممكن أن يُخصَّص 30 درجة لهذا)، خامسًا: تقييم إلى أي مدى أجادت المجموعة إجراء المقابلة الشخصية بناءً على تقييم الأشخاص الذين أُجريت معهم المقابلات (من الممكن أن يُخصَّص 10 درجات لهذا). بالإضافة إلى ذلك، سيُقيم الأعضاء الآخرون مساهمات كل عضو على حِدَة للمجموعة(من الممكن أن يُخصص 20 درجة لهذا، وهذا يجعل إجمالي درجات الواجب الدراسي يصل إلى 60 درجة).

(6) سجل سير التَّعلم

يشجع هذا الواجب الدراسي الطلاب على استكشاف إلى أي مدى يرتبط محتوى المادة بمهارات التواصل الفردية لديهم. يُكتب كل مُدْخَل كرد على سلسلة من الأسئلة التي يطرحها المحاضر، وقد تكون المدْخَلات مكتوبة بخط اليد أو مكتوبة آليا، وينبغي أن تكون عبارة عن ورقتين في حالة كتابتها بخط اليد أو ورقة واحدة مضاعفة المسافات

الصفحة 295

التدريس المتمركز حول المتعلم

بين السطور في حالة كتابتها اليًّا. تُقدَّم مجموعة المُدْخَلات في الموعد المحدد في الجدول الزمني الخاص بالمادة الدراسية، ويُمكنك أن تُعدَّ جميع المدخلات دفعة واحدة، أو واحدًا تلو الآخر، أو تُعد بعض المدخلات معا. ومع ذلك، بمجرد أن يمر موعد تسليم الواجب الدراسي، لا يُمكن تسليم هذه المدخلات بأية حال.

   تُوضَع التقديرات الخاصة بالأخلات وفقًا للمعايير التالية؛ أولا: شموليتها (بمعنى أنه تم الإجابة عن جميع الأسئلة الخاصة بمُدْخَل معين). ثانيًا: مستوى التبصر والتفكير العميق ( دليل على الإجابات المدروسة). ثالثًا: الأدلة الداعمة للتأملات والاستنتاجات. رابعا: إلى أي مدى أدمج في المدخلات محتوى من المادة (من المحاضرات والكتاب الدراسي) ذو صلة بالموضوع (من الممكن أن يُخصَّص 10 درجات لكل مُدْخَل على حدة).

(7) انتقادات الخطبة

ستُقدِّم تقييمات بناءة لثمانية زملاء بخصوص خُطَبهم المعلوماتية، وستستخدم نموذجا يُقدمه لك المحاضر، وبعد أن تُقيَّم انتقاداتك، ستُمنح الانتقادات لصاحب الخطبة. «ملحوظة: يجب أن تُقدَّم جميع المراجعات النقدية للزملاء الثمانية» (من الممكن أن يُخصص 80 درجة لهذا).

(8) المشاركة

ستقيم إسهاماتك داخل قاعة الدراسة وفقًا لسياسة المشاركة التي ابتكرتها الفرقة الدراسية ومجموعة الأهداف التي يضعها كل فرد. ملحوظة: لا يُمكن إضافة المشاركة كخيار متاح للواجب الدراسي بعد تاريخ 3 فبراير(من الممكن أن يُخصَّص 50 درجة لهذا).

   هذا الواجب الدراسي يشتمل أيضًا على المشاركة ببحث تحليلي مكون من 5 صفحات مكتوبة آليا ويُقدَّم على ثلاث دفعات في مواعيد التسليم المحدّدة في الجدول الزمني الخاص بالمادة الدراسية:

الدفعة الأولى: صفحة واحدة تُوضّح رد الفعل، وتُقيّم السياسة التي ابتكرتها الفرقة الدراسية، وتذكر فيها أهداف المشاركة خاصتك فيما يتعلق بالمادة الدراسية.

الصفحة 296

خطة المنهج الدراسي ومُدْخَلات سجل سير التعلم ... 

الدفعة الثانية: ثلاث صفحات؛ واحدة عبارة عن خطاب لزميلك المختار، تُقدِّم فيها تقييمك لمشاركته أثناء مراقبتك له، وصفحتان تحتويان على تقرير حول التقدم المحرز حتى منتصف الفصل الدراسي.

الدفعة الثالثة: صفحة واحدة تحتوي على تقييم أخير لمشاركتك في المادة الدراسية (ستوزع مذكرة أكثر تفصيلا تصف هذا الواجب في وقت لاحق).

   ملحوظة: يجب إنجاز جميع الدفعات الثلاث الخاصة بهذا الواجب المنزلي لتحصل على درجات المشاركة (من الممكن أن يُخصَّص 50 درجة لهذا الواجب).

(9) الدرجات الإضافية

(1) في عدة أيام غير محددة سلفًا، سيُسجل الحضور والغياب. وسيحصل الحاضرون على 5 درجات إضافية (من الممكن أن يُخصَّص حتى 25 درجة).

 (2) ستمنح درجات إضافية تشجيعية وفقًا لتقدير المحاضر.

فيما يلي بعض النصائح بخصوص وضع خطة لدراسة المادة:

   من أجل الوفاء بأهداف التخطيط، ضع دائرةً حول الواجبات الدراسية التي تُفكّر في إنجازها، ثم احسب إجمالي الدرجات المتوقعة. كن واقعيًّا. من المستبعد أن تحصل على جميع الدرجات المتوقعة للواجبات الدراسية. حسب الدرجات الإجمالية التي تحتاجها للحصول على كل تقدير دراسي (كما هو مبين في القسم التالي). تأكد من أنك تُخطط لإنجاز العدد الكافي من الواجبات الدراسية للحصول على التقدير الدراسي الذي ترغبه في المادة. تابع درجاتك أثناء مُضيّك قدُمًا في دراسة المادة (سيُقدَّم لك جدول للدرجات في موضع لاحق) لكي تعرف ما إذا كنت بحاجة إلى المزيد من الواجبات الدراسية أم لا.

(أنظر الجدول-الموجود في الصفحة297-ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه) 

الصفحة 297

التدريس المتمركز حول المتعلم 

(أنظر الجدول-الموجود في الصفحة 298- ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه. ) 

(10) التقديرات الدراسية 

التقديرات الخاصة بهذه المادة موزعة على النحو التالي:

525 فما أكثر = ممتاز مع مرتبة الشرف. 

524-499 = ممتاز

498-482= جيد جدا مع مرتبة الشرف. 

481-465 = جيد جدا مرتفع.

 464-448= جيد جدًّا.

447-413 = جيد مرتفع جدًّا.

 412-378= جيد مرتفع.

377-343= جيد.

342-309 = مقبول مرتفع

308-292 = مقبول. 

291 فما أقل = راسب.

   ملحوظة: فيما يلي جدول زمني، يومًا بيوم، لجميع الاجتماعات الخاصة بالمادة الدراسية؛ يذكر الجدول موضوعات المحتوى والأنشطة المحددة بمواعيد المحاضرات وواجبات القراءة وتواريخ تسليم الواجبات الدراسية.

الصفحة 298

خطة المنهج الدراسي ومُدْخَلات سجل سير التعلم...

مُدْخَلات سجل سير التَّعلُّم

مُدْخَل 1

ضع خطة لدراسة المادة تُوضّح أي الواجبات الدراسية التي تُخطط لإنجازها. لماذا قمت بهذه الاختيارات؟ في رأيك، ما الذي تُشير إليه اختياراتك فيما يتعلق بتفضيلاتك الخاصة بالتعلم؟ في رأيك، لماذا يُتيح المعلم للطلاب الاختيار ما بين الواجبات الدراسية؟ كيف ستؤثر هذه الاستراتيجية، في رأيك، على أدائك داخل قاعة الدراسة؟

مُدْخَل 2

لماذا تشترط الجامعة دراسة مادة التواصل اللفظي ؟ وإذا لم تكن المادة إجبارية، هل ستدرسها ؟ ولماذا ؟ (أو لِمَ لا؟) بوجه عام، كيف يُمكنك أن تُقيّم مهارات التواصل لديك؟ أعد قراءة صفحتي 22 و 23 من الكتاب الدراسي، وحدد لنفسك هدفًا واحدًا على الأقل في هذه المحاضرة.

مُدْخَل 3

اكتب عن مشاركتك في المواد الدراسية بالجامعة (أو المرحلة الثانوية إذا كنتَ لم تحظ بأية تجربة في الجامعة أو تحظى بعدد محدود من التجارب). إلى أي مدى تُشارك؟ هل تساهم بالقدر الذي ترغبه؟ إن لم يكن بالقدر الذي ترغبه، ما الذي يُثنيك عن المشاركة أكثر في المحاضرة؟ ما الدور الذي ينبغي أن تلعبه المشاركة داخل قاعة الدراسة بالجامعة؟ 

مُدْخَل 4

فكر في تجاربك للعمل الجماعي: ما الذي جعل التجارب الجماعية فعالة أو غير فعالة؟ ما المسئوليات التي يتحملها الأفراد حين يشاركون في المجموعات؟ هل يستطيع الأعضاء في المجموعة القيام بأي شيء لتشجيع الأعضاء الآخرين على الوفاء بهذه المسئوليات؟

الصفحة 299

التدريس المتمركز حول المتعلم

مُدْخَل 5

ألقِ نظرة على تعريف «القيادة» الذي ورد بالفصل الذي يتحدث عن القيادة داخل المجموعات لخص التعريف بأسلوبك الخاص، واكتُب شيئًا عن فكرة القيادة باعتبارها ممارسة للتأثير على الآخرين. هل تشعر بالارتياح تجاه ذلك؟ كيف يختلف ذلك عن تلقين الأفراد بما يتعين عليهم القيام به؟ استَعِن بالمحتوى الموجود في باقي الفصل للإجابة عن ذلك السؤال. كيف تصف قدراتك الكامنة كقائد ؟

مُدْخَل 6

في ضوء المادة العلمية التي ناقشناها في المحاضرة وما قرأته في الكتاب الدراسي (عن الأدوار والقيادة على سبيل المثال)، حلّل مهارات التواصل الخاصة بالمجموعة الصغيرة. ما الدور الذي تلعبه عادةً في المجموعات ؟ هل توجد أي مهارات تودُّ أن تُنميها على نحو أكبر؟ في رأيك كم عدد المرات، وما السياق الذي ستعمل فيه داخل مجموعات في حياتك المهنية؟

مُدْخَل 7

تفاعل مع مناقشتنا في المحاضرة بخصوص التعليقات المتحيّزة للجنس، أو الإشارات الجنسانية. هل هذا الموضوع بمنزلة «كثير من الضجة حول لا شيء» ؟ في رأيك ما المظاهر والطرق التي تُؤثر بها اللغة على طريقة تفكيرك وتصرفك؟ اضرب بعض الأمثلة. إذا تزوجت، فهل ستغير أنت أو شريك حياتك اسميْكُما؟

مُدْخَل 8

إلى أين وصلت فيما يتعلق باختيار موضوع خطبتك المعلوماتية؟ ما نوعية التقييم الذي تلقيته من زملائك في النشاط الدراسي الخاص بيوم الثلاثاء؟ حلل نقاط القوة والضعف الخاصة بالموضوع الذي تُفكِّر فيه فيما يتعلق بمؤهلاتك واهتمامك بالموضوع، ومدى ارتباط الموضوع بالمحاضرة، وملاءمة الموضوع لهذه المناسبة والموقف(ينبغي الاستعانة بالمادة العلمية الموجودة في الكتاب الدراسي ص 265-285 لكتابة هذا المدخل).

الصفحة 300

خطة المنهج الدراسي ومُدْخَلات سجل سير التعلم... 

مُدْخَل 9

اكتب لي خطابًا يجيب عن الأسئلة و / أو يقدِّم المعلومات الإضافية التي طلبتها في خطابي لك بخصوص أول مجموعة من المدخلات الخاصة بسجل سير التَّعلُّم.

مُدْخَل 10

طلب منك أن تلقي خطبة على جمهور من طلاب مدرسة ثانوية بإحدى المدن بخصوص السبب الذي ينبغي من أجله أن يلتحقوا بالجامعة. ما الأشياء التي تود أن تعرفها عن هذا الجمهور قبل أن تُخطط لمحتوى خطبتك ؟ ما الموضوعات التي تظنُّ أنه قد يكون من المهم إثارتها؟ ما مدى احتمالية أن يؤمن الجمهور بآرائك في هذا الموضوع؟ هل توجد أشياء يُمكنك القيام بها لتعزيز مصداقيتك؟

مُدْخَل 11

اخضع لاختبار قلق التواصل، واحسب درجاتك. ما وجه المقارنة بين هذا التقييم وبين ما تشعر به حيال إلقاء الخطبة؟ ما الأفكار الواردة في الكتاب الدراسي (ص373-379) التي من شأنها أن تُساعد في التغلب على التوتر المرتبط بالحديث أمام الجمهور؟

مُدْخَل 12

لاحظ بعناية ما أحرزته في هذه المادة حتى الآن، كم عدد الدرجات التي حققتها حتى الآن؟ راجع خطة اللعب التي شرحت خطوطها العريضة في المدخل 1، وناقش أي تعديلات تُخَطَّط لإجرائها. هل نسق هذه المادة ونظام وضع التقديرات فيها له أي تأثير على تعلمك ؟ اضرب بعض الأمثلة لتوضح التأثير الذي وصفته. 

مُدْخَل 13

(اكتب هذا المدخل في الفترة التي تعقب إلقاء خطبتك.)

 إذن، كيف سارت الأمور ؟ بالاستعانة بنموذج الانتقادات، قيّم خطبتك، وأجب عن الأسئلة الموجودة في نهاية الصفحة، وقدم نموذج الانتقادات المكتمل مع هذا المدْخَل.

الصفحة 301

التدريس المتمركز حول المتعلم

مُدْخَل 14

صف تجربةً حاولت فيها إقناع شخص ما بتغيير رأيه بخصوص شيء ما. هل نجحت في ذلك؟ حلل نجاحك أو فشلك من حيث المبادئ الثمانية للخطاب الإقناعي الموجودة في الكتاب الدراسي من صفحة417 وحتى441. 

مُدْخَل 15

اخضع لاختبار الاستنتاج غير النقدي(الذي سأوزعه في المحاضرة) واحسب درجاتك. سجل درجتك وعلّق عليها. في رأيك، ما الذي يُحاول هذا التمرين أن يُعلمك إياه؟ هل هذا درس مهم؟ لماذا؟ ولِمَ لا؟

مُدْخَل 16

قارن تحليلك الخاص بخطبتك بالتقييم الذي قدَّمه لك زملاؤك ومعلمك، هل يوجد اختلافات ملحوظة؟ هل فاجأك أي تقييم من الزملاء بكونه بنَّاء بصفة خاصة؟

مُدْخَل 17

استعن بالإعلان الذي أحضرته معك في المحاضرة، أو اختر واحدًا آخر وحلله من حيث المغالطات الفكرية والدعائية. الأهم من تسمية المغالطة الفكرية أو أسلوب الدعاية تسمية صحيحة هو إمكانية تفسير ما الخطأ في الحجّة المصاغة. كذلك اكتب عن الإعلان من حيث الرسائل غير الشفاهية التي يُوصلها الإعلان. ارفق الإعلان مع المدخل.

مُدْخَل 18

(لا تكتب هذا المدخل إلا إذا كنتَ تُخطّط لخوض الاختبار الثاني.)

ضع خطة للمذاكرة من أجل خوض الاختبار الثاني، إذا كنت قد خضعت للاختبار الأول، فكر فيما تعلمته من تلك التجربة. وإذا لم تكن قد خضعت للاختبار الأول، فاكتب عن المحتوى الذي تتوقع أن تراه في الاختبار، وكيف ستُعِدُّ نفسك لخوض هذا الاختبار. في هذا

الصفحة 302

خطة المنهج الدراسي ومُدْخَلات سجل سير التعلم... 

المدخل، صمِّم جدولاً زمنيًا تُحدّد فيه الوقت الذي ستقضيه، وما الذي ستفعله في كل يوم يُقربك من موعد الاختبار.

مُدْخَل 19

ارجع إلى صفحة رقم 327وحتى صفحة 351 من الكتاب الدراسي؛ حيث الفصل الذي يتناول تنظيم المادة العلمية الخاصة بالخطبة. حضّر دليلًا للمذاكرة من ورقتين، يحتوي على مادة علمية مأخوذة من الكتاب الدراسي تتوقع مجيئها في الاختبار، صف كيف يُمكنك أن تستخدم دليل المذاكرة لمعرفة هذه المعلومات.

مُدْخَل 20

لقد تسلمت اختبارك مرة أخرى، هل كان أداؤك أفضل مما كنتَ تتوقع أو أسوأ؟ إذا كنتَ قد وضعت خطة، حلل إلى أي مدى سارت الأمور على خير ما يُرام، وحدد إلى أي مدى اتبعت الخطة أو لم تتبعها. إذا كنتَ منضمًا لمجموعة مذاكرة، اشرح كيف طورَتْ جهود المجموعة من مستوى استعدادك الفردي. إذا كنت قد خضعت للاختبار الفردي، هل كانت الدرجات الخاصة بالاختبار الجماعي أعلى أو أدنى مما توقعت؟ كيف تفسر ذلك؟ في الفصل الدراسي التالي، ما الشيء الذي يُمكنك القيام به ومِن شأنه أن يُحسن أداءك في اختبارات الاختيار من متعدد؟

مُدْخَل 21

(يكمل فقط في حالة كتابتك للمُدْخَل 2. )

راجع التقييم الخاص بمهارات التواصل الذي قُدّم إليك في المُدْخَل 2. كيف ستصف هذه المهارات الآن وستقيمها؟ قيم أي تقدم أحرزته نحو بلوغ الهدف الذي وضعته لنفسك.

مُدْخَل 22

(قدم هذا المدخل في آخر محاضرة في مظروف مغلق عليه اسمك. وسأسجل لك 10 درجات فور تسلُّمي المظروف. سأقرأ المحتويات بعد أن أسلم الدرجات النهائية.)

الصفحة 303

التدريس المتمركز حول المتعلم

خلال فصل الصيف، يُرسل لك أحد الأصدقاء رسالة بريد إلكتروني يُخبرك فيها أنه سيسجل لدراسة هذه المادة في الخريف. وسيسألك عما سيحتاج إلى فعله لكي يُبلي بلاءً حسنًا في هذه المادة. ما الذي ستقوله لهذا الصديق ؟ ولا بأس أن تُخبره بأن يتخطى هذه المادة ويُسجِّل لدراسة مادة أخرى، بشرط أن تذكر له الأسباب. على الجانب الآخر، يُمكنك أن تطلعه على ما كنتَ ستُؤدِّيه على نحو مختلف لو أنَّكَ درست هذه المادة مرة أخرى. إذا كنت قد أبليت بلاءً حسنًا في دراسة هذه المادة، ما الذي ستُعزي إليه نجاحك في هذه المادة؟ ما الأشياء المهمة التي تعلمتها من هذه المادة، إن وُجدَتْ؟

الصفحة 304

الملحق الثاني : مصادر لتنمية مهارات التعلم

يمكن الاستعانة بالمصادر التالية للمساعدة في تنمية مهارات التعلم لدى الطلاب. توجد أيضًا بعض المقترحات الموجزة لكيفية الاستعانة بهذه المصادر.

    الطلاب المتفوقون: خطوط إرشادية وأفكار لتحقيق النجاح الأكاديمي : مُذكَّرة إيجابية وبناءة تصف السلوكيات التعليمية الحسنة، ويُمكن إرفاقها بخطة المنهج الدراسي، وتوزيعها على الطلاب عندما يظهر عليهم بعض السلوكيات السلبية التي لا يُرجح أن تجلب لهم النجاح والتفوق، أو نشرها على الموقع الإلكتروني الخاص بالمادة. 

   الوصايا العشر لمهارات المذاكرة الفعالة: الأسلوب المكتوب به هذا الجزء أسلوب آسر وفي الوقت نفسه ترسل محتوياته رسائل بنَّاءة بخصوص المذاكرة. 

   الخطوط الإرشادية للمناقشة للطلاب: يُضمِّن المعلم هذه الخطوط الإرشادية في خطة المنهج الدراسي الخاصة به. وتُقدّم هذه الخطوط الإرشادية وصفًا تفصيليا للإجراءات التي تُحسن جودة المناقشة. لعلك تبدأ بجعل الطلاب يعملون في مجموعات ليبتكروا الخطوط الإرشادية الخاصة بهم، ثم يقارنوا بينها وبين هذا الخطوط الإرشادية.    

    فكر في الانضمام إلى مجموعة مذاكرة : يُمكن تشجيع الطلاب على تكوين مجموعات دراسية خاصة بهم للمذاكرة معًا. وفيما يلي كيف يُشجّع المحاضر الطلاب على القيام بذلك. ويُمكن تكوين مجموعات طلابية لمراجعة أبحاث الزملاء أو مشروعاتهم.

الصفحة 305

التدريس المتمركز حول المتعلم

لائحة الحقوق والمسئوليات الخاصة بأعضاء المجموعة: تُوجد طرق كثيرة يمكن بها التعامل مع مثل هذه اللائحة؛ بداية من توزيعها على الطلاب قبل مشاركتهم في نشاط جماعي. أثناء اجتماعهم الأول، يمكنهم مراجعة اللائحة ومُناقشتها. وبإمكانهم تعديلها بحيث تتناسب مع النشاط الذي سيُنجزونه معًا. ويُمكن التأكيد على أهمية اللائحة عن طريق جعل الطلاب يوقعون عليها ويُقدِّمونها. أو لعلك تطلب من أعضاء المجموعة وضع لائحة الحقوق والمسئوليات الخاصة بهم. 

   أنواع وخصائص طرق تدوين الملاحظات التي تُساعد الطلاب على النجاح: يُمكن الاستعانة بهذا الجدول الموجز لتوعية الطلاب بالأساليب المختلفة لتدوين الملاحظات.

(1) الطلاب المتفوقون : خطوط إرشادية وأفكار لتحقيق النجاح الأكاديمي 

يتمتع الطلاب المتفوقون بمزيج من التوجهات والسلوكيات الخاصة بالمتفوقين، بالإضافة إلى تمتعهم بقدرات ذهنية، ويتسم الطلاب المتفوقون بما يلي:

(1) «يتحملون المسئولية، ويتّسمون بالهمة والنشاط»: ينخرط الطلاب المتفوقون في دراستهم، ويتحملون مسئولية تعليمهم، ويتسمون بكونهم مشاركين نشطين فيها!

 (2) «يمتلكون أهدافًا تعليمية»: يمتلك الطلاب المتفوقون أهدافًا مشروعة، ويُحفزهم ما تمثله هذه الأهداف فيما يتعلَّق بالطموحات الوظيفية والرغبات الحياتية. 

(3) «يطرحون الأسئلة»: الطلاب المتفوقون يطرحون أسئلةً تُوفّر أسرع الطرق للتخلص من الجهل واكتساب المعرفة. 

(4) «يُدركون أن الطالب والأستاذ يشكلان فريقًا»:معظم المحاضرين يرغبون فيما ترغبه تماما، إنهم يريدونك أن تتعلم المادة العلمية التي يقدمها كلُّ منهم في محاضراته، وأن تحصل على تقديرات دراسية جيدة. 

(5) «لا يجلسون في الخلف»: يُقلّل الطلاب المتفوقون المشتتات التي تحول دون التَّعلم داخل قاعة الدراسة.

(6)«يُدوِّنون ملاحظات جيدة»: يُدوِّن الطلاب المتفوقون ملاحظات يُمكن فهمها وتنظيمها، ويُراجعون عليها كثيرًا.

الصفحة 306

مصادر لتنمية مهارات التعلم

(7) «يستوعبون أن التصرُّفات تُؤثر على عملية التَّعلُّم»: يُدرك الطلاب المتفوقون أن سلوكياتهم الشخصية تُؤثر على مشاعرهم وانفعالاتهم التي تُؤثر بدورها على عملية التَّعلُّم. تصرف وكأنك غير مهتم، وستصير غير مهتم فعلا. 

(8) « يتحدثون عما يتعلمونه»: الطلاب المتفوقون يتعلمون الأشياء على نحو جيد بالقدر الذي يُتيح لهم التعبير عنها بكلماتهم. (9) « لا يحشون رءوسهم بالمعلومات من أجل خوض الاختبارات»: يُدرك الطلاب المتفوقون أن توزيع فترات المذاكرة أكثر فاعلية من تكديس فترات المذاكرة كلها في ليلة الامتحان، وهم يمارسون ذلك بالفعل.

 (10) «يُجيدون إدارة الوقت»: لا يُؤجل الطلاب المتفوقون العمل، لقد أدركوا أن التحكم في الوقت هو بمنزلة تحكم في الحياة نفسها، وقد اختاروا بوعي أن يتحكموا في حياتهم. 

   المصدر: من مقال ستيفن جيه ثين وآندي بولاري، المنشور في النشرة الإخبارية «ذا تيتشينج بروفيسور»، 1996، المجلد 10 (عدد 9) ، ص 1-2، أُعيد النشر بتصريح من دار نشر ماجنا.

(2) الوصايا العشر لمهارات المذاكرة الفعالة

(2-1) كن مسئولاً ونَشِطا؛ لأنه ليس هناك سبيل آخر نحو النجاح الأكاديمي غير ذلك السبيل

المسئولية تعني التحكم والسيطرة؛ فتقديرك الدراسي في مادة معينة لا يخضع لأية متغيرات تقريبا سوى مجهودك الخاص. بالتأكيد، ربما يكون لديك أستاذ سيئ؛ فمثل هذه الأمور واردة الحدوث، ولكن تذكر : أنت المسئول عن تقديرك الدراسي؛ فتقديرك الدراسي يظهر على شهادة درجاتك، لا على شهادة المحاضر الذي يُدرِّس لك المادة.

    إذا كنت تبحث عن طريقة لزيادة حصيلة التَّعلم وتحسين التقديرات الدراسية دون أن تزيد من الوقت الذي تُخصصه للمذاكرة، فإنَّ المشاركة في قاعة دراسة تفاعلية هي غايتك التي تَنشُدها إذَن، فكر في الأمر بهذه الطريقة: الوقت الذي تقضيه في قاعة الدراسة

الصفحة 307

التدريس المتمركز حول المتعلم

هو شيء تلتزم به بالفعل، ومن ثمَّ يُمكنك أن تجلس في قاعة الدراسة، وتأخذ «وضعية الطالب الملول» - الذي يجلس وهو يعقد ذراعيه متراخيًا في مقعده، يكاد يغلق عينيه من فرط الكسل والخمول - وكأنَّك تعيش تجربة «الخروج من الجسد». أو بإمكانك أن تستفيد من الوقت الذي تقضيه في قاعة الدراسة عن طريق الاستماع النَّشط، والتفكير، وطرح الأسئلة، وتدوين الملاحظات؛ بحيث تنخرط تماما في تجربة التعلم.

(2-2) اعرف أين تكمن وسائل التحفيز الخاصة بك، واستعن بها بانتظام

في المرة التالية التي تجلس فيها في قاعة الدراسة، سل نفسك هذه الأسئلة:

•ما الذي أفعله هنا؟

•لماذا اخترت الجلوس هنا الآن ؟

•هل توجد أماكن أفضل كان يُمكنني الجلوس بها بدلا من هذا المكان؟

•ما الذي يعنيه جلوسي هنا؟

تمثل ردودك على هذه الأسئلة أهدافك التعليمية، وهي بمنزلة «وسائل التحفيز»، وهي بلا شك أهم العوامل لنجاحك وتفوقك كطالب جامعي.

    المرحلة الجامعية ليست مرحلة سهلة. صدق أو لا تصدق، سيأتي عليك أوقات تشعر فيها بالملل من كونك طالبًا، وهذه هي الأوقات المناسبة لاستخدام وسائل التحفيز؛ لإخراجك من هذه الحالة!

(2-3) إذا كان لديك أسئلة فاطرحها، وإذا لم يكن لديك أسئلة فابتكر بعضًا منها

   مثلما يُعدُّ الخط المستقيم أقصر طريق بين نقطتين، تُقدِّم الأسئلة بوجه عام أقصر الطرق للتخلص من الجهل واكتساب المعرفة.

   بالإضافة إلى ضمان المعرفة التي تسعى إليها، لطرح الأسئلة فائدتان أخريان بالغتا الأهمية: فهذه العملية تُساعدك على أن تنتبه إلى أستاذك، وأن ينتبه أستاذك إليك.

الصفحة 308

مصادر لتنمية مهارات التعلم

(2-4) اعلم أنك أنتَ وأستاذك تُشكّلان فريقًا، أي كن لاعبا في الفريق

معظم المحاضرين يرغبون فيما ترغبه تمامًا؛ إنهم يُريدونك أن تتعلم المادة العلمية التي يُقدِّمها كلٌّ منهم في محاضراته، وأن تحصل على تقديرات دراسية جيدة. وعلى أي حال، الطلاب المتفوقون يعكسون الجهود المبذولة في عملية التدريس، فإذا تعلمت المادة جيدا، شعر المحاضر بالفخر على نحو مُبرَّر من جراء مزاولة مهنة التدريس.

(2-5) لا تجلس في الخلف

تخيل أنك تدفع 50 دولارًا ثمن تذكرة حفل موسيقي لمطربك المفضل. هل ستختار الجلوس في مقاعد الصفوف الأمامية أم ستجلس في الصفوف الأخيرة ذات التذاكر الرخيصة الثمن؟ لماذا يجلس بعض الطلاب، الذين يدفعون أموالاً طائلة أكثر مما يدفعونه في الحفلات الموسيقية، طواعية في الصفوف الأخيرة بقاعة الدراسة ؟ في قاعة الدراسة، تُوفّر الصفوف الأخيرة إمكانية التخفي عن الأنظار، وإخفاء الهوية، وكلاهما يناقض التَّعلُّم الذي يتسم بالفاعلية والكفاءة.

(2-6) لا تكتب في ملاحظاتك ما تعجز عن فهمه

تجنَّب ظاهرة «ما هذا بحق الجحيم ؟!» التي يُعاني منها معظم الطلاب الجامعيين. ويظهر هذا الرد الفريد من نوعه عندما يستعرض الطلاب ملاحظاتهم لأول مرة قبل اختبار مهم. إن العجز عن القراءة أو فك الرموز أو فهم الطلاسم التي يفترض أن تكون ملاحظات، هو ما يجعل الطلاب عرضةً للتعجب وقول العبارة التي تستمد منها هذه الظاهرة اسمها.

(2-7) إذا فقدت اهتمامك بالمادة الدراسية فتظاهر بأنك مهتم 

 إذا كنت ممثلاً جيدًا، لعلك تخدع نفسك بالتظاهر بأن المحاضرة تروقك.

     كيف تتظاهر بالاهتمام ؟ أن تأخذ بكل بساطة «وضعية الطالب المهتم»: اجلس مائلا إلى الأمام، وضع قدميك مستوية على الأرض، وحافظ على التواصل البصري مع أستاذك،

الصفحة 309

التدريس المتمركز حول المتعلم

وابتسم أو أومئ من وقت لآخر، كما لو أنك تستوعب وتهتم بما يقوله محاضرك، ودون الملاحظات، واطرح الأسئلة.

(2-8) اعلم أنه إذا كان السكوت من ذهب، فإن التسميع من بلاتين

التسميع ليس مؤثَّرًا جيدًا لقياس ما إذا كنت تعرف شيئًا ما أم لا وحسب، بل ولعله أفضل طريقة للتَّعلُّم في المقام الأول. إن التسميع يوفّر دون شك أفضل طريق مباشر بين الذاكرة القصيرة المدى والطويلة المدى.

(2-9) اعلم أنَّ «حشر المعلومات في رأسك» عادة سيئة

إذا كان يوجد شيء واحد يُجمع عليه مُتخصصو مهارات المذاكرة؛ فهو اعتبار توزيع فترات المذاكرة أكثر كفاءة وفاعلية من تكديس الدروس كلها في فترة واحدة مكثفة لمذاكرتها. بعبارة أخرى: ستتعلم المزيد، وتتذكَّر المزيد، وتحصل على تقدير أعلى؛ إذا ما أعددت نفسك لاختبار يوم الخميس عن طريق المذاكرة ساعة في مساء كل يوم من يوم الأحد إلى يوم الأربعاء، بدلا من المذاكرة أربع ساعات متواصلة مساء يوم الخميس.

(2-10) لا تُؤجّل العمل، ولست مضطرا إلى البدء في الحال

حقيقة أساسية: إما أن تتحكّم في الوقت أو يتحكّم هو فيك ! ليس هناك أرض محايدة. الخيار متاح أمامك : يُمكنك أن تقود أو تُقاد، تفرض السيطرة أو تتخلى عنها، تتحكم في تصرفاتك أو تتركها تُملى عليك.

    عندما أسأل الطلاب عما يُفضّلونه - أن يختاروا طريقهم بأنفسهم أو يختاره أحد لهم - فإن جميعهم تقريبًا يختارون الاختيار الأول. وعلى الرغم من هذا الرد، ففشل الطلاب في التحكم بوقتهم يُعَدُّ المشكلة رقم واحد، على الأرجح، فيما يخص مهارات المذاكرة بالنسبة إلى طلاب الجامعات.

هذه هي الوصايا العشر لمهارات المذاكرة الفعالة، إنها تحقق المرجو منها، ولكن لا تثق في كلماتي ثقة عمياء. جرب هذه الوصايا بنفسك! استعن بها! وأضف عليها طابعك

الصفحة 310

مصادر لتنمية مهارات التعلم

الشخصي. ماذا لديك لتخسره، باستثناء التقدير الدراسي السيئ والليالي المؤرقة التي تسهرها في المذاكرة ؟

    المصدر: من مقال لاري إم لوديفيش، المنشور في النشرة الإخبارية «ذا تيتشينج بروفيسور»، 1992، المجلد 6(عدد 10) ، ص 3-4 ، أعيد النشر بتصريح من دار نشر ماجنا.

(3) الخطوط الإرشادية للمناقشة للطلاب

• حاول أن تُبدي تعليقات تربط الأفكار التي تتناولها المادة الدراسية بظواهر موجودة خارج قاعة الدراسة، وكذلك تربط بين الأفكار التي تناولها جزء من أجزاء المادة والأفكار الأخرى في جزء مختلف.

•تجنَّب المغامرات الشخصية، التي تتطرق لأحاديث محورها ضمير المتحدث «أنا»، والآراء الساذجة التي يمكننا أن نسمعها بكل سهولة من مرتادي المقاهي الذين لا يعرفون شيئًا عن هذه المادة، وواجبات القراءة الخاصة بها. 

•انتبه إلى أنه حين تُثار عواطفنا، تحرص عقولنا على تلقي الأوامر منها؛ ولذا من الضروري أن يكون المرء على استعداد للفصل بين العقل والعاطفة بما يكفي لضمان معالجة الأفكار، لا سيما تلك الأفكار غير المستحبة أو المكروهة بصفة شخصية. هذا التصرف مخالف للطبيعة، ويتطلب الشجاعة، وستجد على الأرجح أنه من الأسهل عليك أن تنساق وراء العاطفة من وقت لآخر. 

• اعلم أن حقّ تبنّي رأي معين لا يُخوّل لك إجبار الآخرين على أخذه على محمل الجد، ولا يجعله بالضرورة رأيًا جديرًا بالثناء في حد ذاته. فلا يكون الرأي صائبًا إلا بقدر صحة المنطق والدليل والنظرية التي يرتكز عليها. 

•احرص على عدم ارتكاز آرائك على شهادة الخبراء دون إخضاعها للتشكيك؛ فالخبراء عرضة للخطأ والتحيز، وكثيرًا ما يختلفون مع الخبراء الآخرين في الرأي، وكلُّ هذا ينطبق على مؤلفي كتبك الدراسية، وعلى أساتذتك الجامعيين أيضا.

•احذر الميل نحو رؤية الأسئلة باعتبارها تُمثَّل ثنائية متناقضة: الاختيار بين هذا أو ذاك، الاختيار بين كل شيء أو لا شيء على الإطلاق. فالعالم مكان معقد

الصفحة 311

التدريس المتمركز حول المتعلم

وفوضوي، من الصعب أن تجد فيه إجابات مطلقة؛ فاللون الرمادي أكثر شيوعا من الأبيض والأسود، والأشياء المتناقضة عادةً ما تأتي في سلة واحدة. 

•قدر أهمية التمييز بين «الحقيقة» و«الحقيقة، كل الحقيقة، ولا شيء غيرالحقيقة».

•قدر قيمة التردد. لا بأس من أن تعترف بشعورك بعدم الثقة، ولا بأس في أن تغير رأيك.

   المصدر: من مقال هوارد جابنيش، المنشور في النشرة الإخبارية «ذا تيتشينج بروفيسور»، 1992، المجلد 6 (عدد 9) ، ص 6، أعيد النشر بتصريح من دار نشر ماجنا.

(4) فكّر في الانضمام إلى مجموعة مذاكرة

تمنح مجموعات المذاكرة الطلاب الفرصة لمناقشة محتوى المادة وفروض القراءة الخاصة بها، وقد تكون ذات فائدة خاصة عند الاستعداد للاختبارات. ويُمكن لأعضاء المجموعة أن يختبروا معرفة بعضهم لبعض، ويُناقشوا الأسئلة أو المسائل التي يتوقعونها في 

الاختبار. ضع في الاعتبار تكوين مجموعة مذاكرة تتألف من مجموعة من زملائك! 

   إذا قررت أن تُكوّن مجموعة مذاكرة، فالإرشادات التالية توضح كيفية تحقيق هذه المجموعات المرجو منها في هذه المادة:

•يجري تشكيل مجموعات من أربعة إلى ستة طلاب بموافقة متبادلة من جميع الأعضاء.

• لكي تعتبر المجموعة مجموعة مذاكرة في المادة، يجب أن تُسجل المجموعات لدى المحاضر بتقديم أسماء أعضاء المجموعة ورقم هوية كل طالب. 

• يحق للمجموعة أن تطرد عضوًا منها(لنَّقُل عضوًا يستغل المجموعة بدلا من تقديم الإسهامات لها) عن طريق التصويت بالإجماع.

•إذا قل عدد أعضاء المجموعة عن أربعة أعضاء ، تُحَلُّ المجموعة من تلقاء نفسها، ما لم يتم التصويت على بديل.

الصفحة 312 

مصادر لتنمية مهارات التعلم

•لا يحق للطلاب الانتماء لأكثر من مجموعة مذاكرة واحدة، ولا يُجبر أي طالب على الانضمام لأية مجموعة مذاكرة.

•تُنظم المجموعات الأنشطة الخاصة بها، وتُقرّر ما تُنجزه خلال اجتماعاتها. يسعد المحاضر بلقاء المجموعات لاقتراح الأنشطة و / أو مراجعة خطط المذاكرة المقترحة. وهذا الاجتماع اختياري بالنسبة إلى المجموعات.

• تحصل المجموعات المسجلة على درجات إضافية في جميع الواجبات الدراسية، وفقًا للصيغة التالية. تُقدَّر الدرجات الإضافية بناءً على متوسط تقديرات جميع أعضاء المجموعة، كل عضو منهم على حدة. إذا كان متوسط تقديرات أعضاء المجموعة هو تقدير ممتاز، يحصل جميع الأعضاء على ثلاث نقاط مئوية، وإذا كان متوسط التقديرات هو تقدير جيد جدًّا، يحصلون على نقطتين مئويتين، وإذا كان متوسط التقديرات هو تقدير جيد، يحصلون على نقطة مئوية واحدة، وإذا حصل عضو بالمجموعة على تقدير ممتاز، بينما كان متوسط تقدير المجموعة ككل هو تقدير جيد، يحصل هذا العضو على نقطة مئوية واحدة فقط.

 إذا كنتَ تودُّ الانضمام إلى مجموعة مذاكرة، ولكنك لا تعرف الطلاب الآخرين المسجلين لدراسة المادة جيدا بما يُتيح لك تكوين مجموعة، من فضلك أخبر المحاضر. سيسعد المحاضر بمساعدة الطلاب على تكوين المجموعات.

   المصدر: منقول بتصرف من مقال إتش جيه روبنسون، المنشور في النشرة الإخبارية «ذا تيتشينج بروفيسور»، 1991 ، المجلد 5 (عدد 7) ، ص7، أُعيد النشر بتصريح من دار نشر ماجنا

(4-1) لائحة الحقوق والمسئوليات الخاصة بأعضاء المجموعة

• أنت تمتلك حق ومسئولية اختيار مواعيد الاجتماعات وأماكنها بما يناسب جميع الأعضاء.

•يحق لك أن تُساهم في وضع أهداف المجموعة، وتوزيع العمل بين أعضاء المجموعة، وتحديد المواعيد النهائية لتسليم العمل.

الصفحة 313

التدريس المتمركز حول المتعلم

• يحق لك أن تتوقع من أعضاء المجموعة أن يُنجز كل منهم نصيبه من العمل، ويحق لك أن تواجه أعضاء المجموعة الذين لا يُنجزون نصيبهم من العمل، كما أنك تتحمل مسئولية إتمام العمل الذي كلفت به. 

 • أنت تتحمل مسئولية أن تكون مشاركًا فعالا في العمل الجماعي، ويحق لك توقع المشاركة الفعالة من الأعضاء الآخرين بالمجموعة.

• يحق لك توقع الحصول على تقييم من المجموعة على العمل الذي أنجزته معهم، وتتحمل مسئولية تقديم تقييم بنّاء للأعضاء الآخرين بالمجموعة. 

•يحق لك أن تتوقع أن تبدأ اجتماعات المجموعة وتنتهي في مواعيدها المحددة، وأن يتبع أعضاء المجموعة جدول الأعمال الذي يُلخّص المهام المتوقع إنجازها أثناء الاجتماع. تتحمل مسئولية مساعدة المجموعة على تحقيق هذه التوقعات عن طريق حضور الاجتماعات في الوقت المحدد لها، ومُساعدة المجموعة على وضع جدول أعمال ومتابعة العمل وفقًا له. 

•يحق لك المشاركة في مجموعة تتعاون معًا، وتتعامل مع اختلاف وجهات النظر على نحو بناء.

•يحق لك أن تطلب من أعضاء المجموعة أن يُقللوا الوقت المخصص للأنشطة الاجتماعية، أو مناقشة الموضوعات الخارجية. وتتحمل مسئولية عدم الإفراط في المشاركة بالأنشطة الاجتماعية أو إثارة موضوعات خارجية، وكذلك مسئولية مساعدة المجموعة على مواصلة إنجاز المهمة. 

•يحق لك أن تتوقع أن يستمع أعضاء المجموعة إليك بكل احترام، وتتحمل أيضًا مسئولية الاستماع إلى جميع أعضاء المجموعة بكل احترام.

المصدر: منقول بتصرف من مقال دي جيه لونجمان، المنشور في النشرة الإخبارية «ذا تيتشينج بروفيسور»، 1992، المجلد 6 عدد (7) ، ص5. هذه النسخ متاحة على مدونة «ذا تيتشينج بروفيسور»، بتاريخ 8 فبراير،2012 (www.facultyfocus.com).

الصفحة 314

(أنظر الجداول الموجودة مابين الصفحة 314 والصفحة 320 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه)


المراجع:

(أنظر الصفحة من320 إلى339 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه ).