علم الاجتماع التربية

المؤلف: صباح سليماني

التصنيف: كتب أخرى

عرض PDF

الوصف:

مجموعة من المحاضرات ألقيت بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة محمد خيضر، بسكرة

تمهيد



تمثل عملية التربية إحدى القضايا الهامة والشائكة، التي شغلت اهتمام المجتمع الإنساني منذ القديم، لتشكل اليوم واحدة من المجالات البارزة التي تستقطب الاهتمام البحثي، لما لها من دور هام ومتغير داخل المجتمع. إن النظام التربوي يعتبر نظاما مفتوحا يتأثر بباقي النظم الاجتماعية الأخرى كما يؤثر بها. ومن هنا تزداد أهميته في المجتمعات الحديثة، حيث تبرز الحاجة الماسة للنظام التعليمي كمدخل هام لتحقيق التنمية من مختلف جوانبها. أين أصبحت النظم التعليمية اليوم أكثر تباينا وتعقيدا وأكثر اتصالا بباقي النظم الأخرى في المجتمع، لتصبح مجالا خصبا للدراسة تشترك فيه العديد من التخصصات لعل أبرزها علم الاجتماع التربية.

إن علم الاجتماع التربية كفرع من فروع علم الاجتماع يهتم بالقضايا التربوية في علاقتها المتبادلة بالجوانب المجتمعية الأخرى. حيث يهتم هذا الفرع بدراسة العلاقة بين النظام التربوي والمجتمع ككل من ناحية، ودراسة السمات والخصائص النوعية التي تميز النظم التربوية في المجتمع من ناحية أخرى.

وقد مر علم الاجتماع التربية في تطوره بمراحل عدة حتى تبلور كتخصص علمي مستقل، حيث تمتد جذوره إلى بداية الثورة الصناعية في أوربا، إلا أنه ومنذ ستينات القرن الماضي تزايد الاهتمام بهذا التخصص كنظام علمي أكاديمي يهتم بالفهم السوسيولوجي للتربية، حيث أدرجت أقسام علم الاجتماع بالجامعات العربية ومن قبلها الجامعات الغربية، علم الاجتماع التربية ضمن مقرراتها، وتوسع انتشار هذا التخصص وزادت الدراسات حوله لتواكب التغيرات الاجتماعية - التربوية الحاصلة في المجتمعات.

الصفحة:3



1- مفهوم علم اجتماع التربية



- مفهوم علم اجتماع التربية

يمثل علم الاجتماع التربية أحد التخصصات الهامة ضمن علم الاجتماع كما سبقت الإشارة إليه، كما يعتبر من التخصصات الحديثة ضمنه، ويحتاج تحديد مفهومه المرور أولا بتحديد المفهوم السوسيولوجي للتربية، وتوضيح أهم النقاط الجدلية التي سادت بين المهتمين بهذا التخصص أثناء تسميته بين علم اجتماع التربوي وعلم الاجتماع التربية، لنصل إلى تحديد مفهوم علم اجتماع التربية.

مفهوم علم اجتماع التربية

تعريف التربية

جاء في لسان العرب أن التربية بمعنى النشأة، وأصل الفعل في كلمة "التربية" ربي، يربي، بمعنى نشأ ينشأ نشأة؛ ولهذا يقال: نشأ فلان في كنف فلان، بمعنى تربى في حجره وتحت رعايته، كما يقال أيضا نشأ فلان فلانا بمعنى اعتنى به وقام بشؤونه. ويتعدى معنى كلمة "تربية" ليشمل ويتضمن معنى أوسع كرعاية المولود والاهتمام به في جوانبه الثلاثة: الجسمية والعقلية والروحية حتى يدرج على شيء من القوامة والاستقامة، كما أصبحت كلمة "تربية في التداول اللغوي العام، من نظائر كلمة تأديب" و"أدب"، وأصبح الفعل ربي بمعنى أدب وتربى وهو ترادف مستقيم الدلالة في اللغة العربية. (علي ديدونة 2006، ص ص 40-41)

المفهوم السوسيولوجي للتربية

هناك اتفاق واضح في معاجم التربية على أن التربية تتضمن جميع العمليات التي تتم بواسطتها تنمية قدرات الفرد واتجاهاته وأشكال سلوكه، والقيم الايجابية التي يؤكد عليها

المجتمع الذي ينتمي إليه الفرد" (السيد علي شتاء 1997 ، ص 14).

الصفحة:4

وبذلك يتضمن هذا التعريف إشارة واضحة إلى أن التربية عملية اجتماعية تشمل جميع أساليب وأشكال إعداد الفرد الرسمية وغير الرسمية، ويمكن استخلاص هذا التأكيد (على المضمون الاجتماعي للتربية أيضا من التعريفات المختلفة للتربية والتي طرحها الفلاسفة والتربويون وعلماء الاجتماع. (السيد علي شتا،1997، ص 15)

وعند الحديث عن التربية نجد أنه من الصعب إعطاء تعريف محدد وشامل لها، فهنالك العديد من هذه التعريفات التي تختلف باختلاف الفلسفة أو النظرة للتربية، والتربية كما يراها البعض: "هي وعاء وأساليب وإجراءات ينتقل بها تراث الأمة من الأحفاد إلى الأجداد، ومن الآباء إلى الأبناء، وبواسطتها تتطور الحضارة عن طريق العلوم المتفجرة والمعارف المتزايدة على نسق ينسجم مع نظرة الأمة، ورسالتها في الحياة. (مفيدة محمد إبراهيم، 1999, ص:11)

ويعتبر " كيفن "هاريس" أن التربية ضرورة اجتماعية اقتضتها حاجة المجتمعات لنقل المعرفة، وتراكمها بين أجياله. و "هاريس" بذلك يستخدم مصطلح التربية ليشير لعملية أو لمجموعة معينة من العمليات التي تجيزها النظم الاجتماعية لنقل المعرفة، واكتساب الخبرة وتعلمها في مختلف المؤسسات التربوية. (فادية عمر الجولاني، بدون سنة، ص (4).)

هناك اتفاق واضح في معاجم التربية على أن التربية تتضمن جميع العمليات التي تتم بواسطتها تنمية قدرات الفرد واتجاهاته، وأشكال سلوكه، والقيم الإيجابية التي يؤكد عليها المجتمع الذي ينتمي إليه الفرد. وبذلك يتضمن هذا التعريف إشارة واضحة إلى أن التربية عملية اجتماعية تشمل جميع أساليب وأشكال إعداد الفرد الرسمية وغير الرسمية. (السيد علي شتا، 1997، ص ص 14-15)

وبتحليل التعريفات المطروحة حول التربية يتضح لنا أنها تشير إلى طبيعة المضمون الاجتماعي الذي تنطوي عليه عملية التربية سواء كانت الإشارة بصورة ضمنية أو بصورة

الصفحة:5

صريحة. فبينما يؤكد أفلاطون على القيمة النفعية للتربية لدعمها لعوامل استقرار المجتمع، نجد العلامة العربي "ابن خلدون" يهتم بتحديد أسس التربية في ضوء ظروف المجتمع. فيما يذهب عالم الاجتماع الفرنسي إيميل دوركايم" إلى أن التربية بمثابة تكيف الإنسان مع بيئته الاجتماعية، وقد جسد هذا الفهم في كتابه "التربية" الأخلاقية". وقد تأثر بهذا الاتجاه الاجتماعي للتربية " جون ديوي" الذي ترك بدوره تأثيرا واضحا على اتجاهات عدد من علماء التربية المعاصرين، أكدوا على الطبيعة الاجتماعية للتربية.

مما سبق يمكن القول بأن التربية هي في الأساس ظاهرة اجتماعية تربطها علاقة متبادلة مع نظم المجتمع وثقافته. ومن ثم يمكن تحليلها من حيث كونها نظاما اجتماعيا له أهدافه ووسائله التي يدعمها المجتمع لتحقيق تلك الأهداف.

وبذلك يتضمن هذا التعريف إشارة واضحة إلى أن التربية عملية اجتماعية تشمل جميع أساليب وأشكال إعداد الفرد الرسمية وغير الرسمية، ويمكن استخلاص هذا التأكيد على المضمون الاجتماعي للتربية أيضا من التعريفات المختلفة للتربية والتي طرحها الفلاسفة والتربويون وعلماء الاجتماع. (السيد علي شتا، 1997، ص 15)

ويختلف معنى التربية ومفهومها باختلاف ميادين الدراسة النفسية والاجتماعية والحضارية في نظرتها للفرد والمجتمع فأحيانا تفهم التربية على أنها التعلم، ولكنها تعني في الواقع ما هو أكثر من التعلم. إنها الوسيلة التي يحدث من خلالها التغيير في السلوك. وأحيانا تفهم التربية على أنها نقل التراث الثقافي، لكن هذا المفهوم لا يعبر عن دورها الأساسي، فدورها الفعال يتمثل في إثراء الخبرة كأساس لنمو نظم اجتماعية جديدة تتلاءم مع تغير النظم الثقافية. إن معنى التربية لا بد فيه من هذين المفهومين معا. ومع هذا تظل قاصرة عن تحقيق دورها المنشود في عصر تعيش فيه المجتمعات. عيشة متطورة نتيجة التغيرات الناشئة عن التقدم التكنولوجي، والنمو السريع نتيجة تداخل علاقات الأفراد والدول،

الصفحة:6

وتشابك تلك العلاقات وما يحدث بين الدول من تبادل لإنتاجها المادي والمعنوي. إن دور التربية المنشود لا يتحقق إلا حين تزود الأفراد تبعا لأعمارهم وقدراتهم ومستويات نضجهم بالمواقف التي تنمي العقلية الابتكارية التي تمكنهم من اكتشاف آفاق جديدة تنهض بواقعهم الموجود. ومن هنا تبدو التربية عملية ضرورية للكائن في بناء نفسه وتكوين شخصيته، ومساعدته في الحصول على تكيف ناجح مع مجتمعه. (منير المرسي سرحان، 1981، ص21-22)

وتأكيد العلماء بهذه الصورة على ارتباط التربية بالسياق الاجتماعي والثقافي للمجتمع، يبلور المعنى الاصطلاحي للتربية باعتبارها نظاما اجتماعيا من ناحية، وباعتبارها عملية اجتماعية من ناحية أخرى. وتمهد النظرة للتربية باعتبارها نظاما اجتماعيا له وظائفه من خلالها. وهذه النظرة تشير بدورها إلى أن للتربية وظائف معينة تؤديها بالنسبة للثقافة والمجتمع ونظمه وأعضائه من الأفراد والمجموعات.

وانطلاقا مما تقدم يمكن القول أن التربية: هي عملية مقصودة تهدف إلى نقل التراث الثقافي لمجتمع ما من جيل إلى آخر، كما تهدف أيضا إلى إحداث التغيرات المرغوبة والتي تتماشى مع طبيعة المجتمع الموجودة فيها، كما تتماشى مع التغيرات العلمية والمعرفية والتكنولوجية وبالتالي فهي آلية هامة لكل المجتمعات من أجل تحقيق التنمية الشاملة، وإعداد الفرد إعدادا سليما ليكون عضوا قادرا على التكيف الاجتماعي الناجح في مجتمعه.

ب - مفهوم علم اجتماع التربية وجدلية التسمية

يلاحظ المتصفح للمراجع الخاصة بعلم الاجتماع التربية ظهور العديد من المصطلحات المشابهة، إلا أن هناك مصطلحين أساسيين يستخدمان عند الحديث عن هذا العلم. أحدهما هو علم الاجتماع التربوي " Educational Sociology" والأخر هو: علم الاجتماع التربية "Sociology of eduvation".

الصفحة:7

ويستخدم المصطلح الأول في قاموس التربية باعتباره فرعا من فروع علم الاجتماع يطبق المعرفة والتكتيكات السوسيولوجية في مجال العلاقات الإنسانية وما يرتبط به من مجالات أخرى. وقد أدرجت الجامعات علم الاجتماع التربوي ضمن مقرراتها الأكاديمية ليشير للدراسة العلمية للأحوال الاجتماعية التي تؤثر على التربية مع التركيز بوجه خاص على التنظيم والعمليات الاجتماعية للتربية. وقد مهدت لذلك إسهامات عالم الاجتماع الفرنسي "إميل دوركايم" والذي قام بتدريس علم الاجتماع إلى جانب التربية.. (فادية عمر الجولاني، بدون سنة، ص 19)

وعلى الرغم من الاهتمام المتزايد من جانب المهتمين بعلم الاجتماع التربوي وإسهاماته المتعددة في مجال التربية خلال الفترة من بداية القرن العشرين وحتى الحرب العلمية الثانية، فإنه تعرض لنقد شديد في نهاية هذه الفترة من جانب كثير من علماء الاجتماع العام والتربية. وقد تضمن هذا النقد أهداف العلم ومجالاته ووظائفه وطرائق البحث فيه، وقد أدى هذا النقد بالقائمين على هذا العلم إلى إعادة النظر نحوه ونحو أهدافه ومجالاته، وفي هذا الإطار يحدد لنا علي السيد (محمد الشخيبي 2002، ص38) أوجه النقد التي تعرض لها علم الاجتماع التربوي والتي تؤكد تبعيته لعلم الاجتماع العام فيما يلي:

1-  أن علم الاجتماع التربوي ظهر كفرع تطبيقي من فروع المعرفة طبقا للمدرسة الألمانية التي تزعمها الفيلسوف "نيتشه " والتي قسمت المعرفة إلى:

✔ علوم نظرية ذات مكانة عالية، وتشمل المفاهيم الأساسية والقوانين والنظريات والمبادئ العامة ووظيفتها توجيه وتحديد مسارات العلوم التطبيقية.

✔ علوم تطبيقية وهي أقل مكانة من العلوم النظرية، ووظيفتها تطبيق مفاهيم ونظريات ومبادئ العلوم النظرية كل في مجاله، وبناء على ذلك كانت

الصفحة:8

النظرة العامة إلى علم الاجتماع التربوي أنه علم تطبيقي لعلم الاجتماع في مجال التربية، تكون وظيفته الأساسية تطبيق مبادئ ومفاهيم ونظريات وقوانين علم الاجتماع العام في مجال التربية.

وهو ما يصعب مهمة هذا الفرع في فهم وتفسير القضايا التربوية وتقديم حلول لمختلف المشكلات التربوية التي يعانيها المجتمع.

2- أن علماء الاجتماع العام وباحثيه الذين قاموا بتطبيق مفاهيمه ونظرياته ومبادئه في مجال التربية وتحديد أهداف علم الاجتماع التربوي، هم الذين نصبوا أنفسهم زعماء لهذا العلم الجديد، ومن ثم أصبح هذا العلم مجرد فرع تابع لعلم الاجتماع العام أكثر منه علما مستقلا.

3- الاختلافات الكبيرة في أهداف ومحتويات المقررات الدراسات التي تطرحها الجامعات تحت مسمى علم الاجتماع التربوي، والتي كانت موجهة غالبا للطلبة المهتمين بالقضايا التربوية.

4- احتواء دورية علم الاجتماع التربوي Journal of Education Sociologie التي بدأ إصدارها عام 1927 على دراسات ومقالات أكثر ارتباطا بموضوعات علم الاجتماع العام منها بموضوعات التربية، وأن غالبية المحريين والمشاركين فيها كانوا ينتمون إلى علم الاجتماع العام. (علي السيد محمد الشخيبي، 2002، ص ص 38-39)

وعرض "ايفر موريش" للاهتمامات المتطورة خلال عقدي الستينات والسبعينات التي ظهرت في العديد من المعاهد والجامعات الأكاديمية والتي تفضل استخدام أو تسمية "علم الاجتماع التربية عن علم الاجتماع التربوي، وقد ظهر هذا التمييز في كتابات "تايلور" إذ عرف علم الاجتماع التربوي بأنه: العلم الذي يهتم بمعالجة القضايا الاجتماعية والتربوية، بينما نرى علم اجتماع التربية يقوم بتحليل المشاكل السوسولوجية التربوية."

الصفحة:9

فعلم الاجتماع التربوي يهتم بتطبيق المبادئ والنتائج العامة لعلم الاجتماع على أنماط الإدارة والعمليات التربوية. ويعد هذا المدخل محاولة لتطبيق أفكار علم الاجتماع على النظم والمؤسسات التربوية كوحدات اجتماعية محددة.

أما علم اجتماع التربية فيهتم بتحليل العمليات السوسيولوجية التي تعالج النظم والمؤسسات التربوية. وتعتبره هذه التحليلات بعيدا عن نطاق علم الاجتماع التربوي لأنه يركز على دراسة العمليات (الداخلية) التي توجد في النظم والمؤسسات التربوية. (حسين عبد الحميد أحمد رشوان، 2005، ص94)

علم الاجتماع التربية sociology of education إذن هو علم حديث النشأة يهتم بدراسة العملية التربوية في إطارها الاجتماعي، وهو العلم الذي يدرس أثر العمل التربوي في الحياة الاجتماعية، ويدرس في الوقت ذاته، أثر الحياة الاجتماعية في العمل التربوي، أو هو العلم الاجتماعي الذي يدرس الظاهرة التربوية في مناحيها المتعددة، وفي إطار تفاعلها مع الواقع الاجتماعي.

الصفحة: 10



2-علاقة علم الاجتماع التربية بالعلوم الاجتماعية ذات الصلة



انطلاقا مما سبقت الإشارة إليه وكون علم الاجتماع التربية علما بينيا يتقاطع مع تخصصات أخرى في مواضيعه واهتماماته وطرقه البحثية ... خاصة مع علم الاجتماع العام وعلوم التربية، كان من الضروري التعرف على مكانة علم الاجتماع التربية ضمن هذين التخصصين تحديدا، وذلك لتوضيح العلاقة بين هاته التخصصات الثلاثة وصولا لتوضيح ماهية علم الاجتماع التربية وحدوده العلمية، وأهمية رؤيته السوسيولوجية في تناول القضايا التربوية.

علاقة علم الاجتماع التربية بعلم الاجتماع

يمثل علم الاجتماع التربية فرعا من فروع علم الاجتماع يهتم أساسا بالجوانب التربوية للظاهرة الاجتماعية التي يتناولها علم الاجتماع، وذلك من خلال البحث في المؤسسات التربوية المختلفة داخل البناء الاجتماعي العام، ويهدف إلى الكشف عن العلاقات بين العمليات التربوية وإبراز أصل العملية التربوية كظاهرة اجتماعية لها وظيفة أساسية في المجتمع.

ويرتبط علم الاجتماع التربية بعلم الاجتماع الذي أسهم بدور فعال في النظر للتربية باعتبارها عملية اجتماعية وثقافية. كما أن علم الاجتماع يقدم لعلم الاجتماع التربية الإطار النظري العام الذي يساعده على فهم أبعاد الظاهرة التربوية والأمور المتعلقة بها، مثل النشاط المدرسي، والطريقة والتنظيم الاجتماعي والجماعات الاجتماعية بالمؤسسات التعليمية مثل جماعة الإدارة المدرسية، وجماعة المدرسين، وجماعة التلاميذ بالإضافة لتناول التفاعل القائم بين المدرسة كمؤسسة اجتماعية ولمحيط الاجتماعية العام والمحلي وما يشتمل عليه من جماعات اجتماعية، والتي تعتبر الأسرة في مقدمتها. (فادية عمر الجولاني، بدون سنة، ص ص 93 94).

وفي دلالة على ذلك ما ذهب إليه "دوركايم" الذي اتخذ من الظاهرة التربوية مثالا لتأكيد صحة تعريفه للظاهرة الاجتماعية في كتابه قواعد المنهج في علم الاجتماع" حيث

الصفحة:11

يقول: " إننا نستطيع تأكيد صحة تعريفنا للظاهرة الاجتماعية بتجربة عظيمة الدلالة، إذ يكفي أن نقوم بملاحظة الطريقة التي تتبع في تربية الصغار. فحين يلاحظ المرء الأشياء، وحسب ما توجد عليه في الوقت الراهن، وحسب ما كانت عليه دائما في الماضي، رأى لأول وهلة أن جميع أنواع التربية تنحصر في ذلك المجهود المتواصل الذي يرمي إلى أخذ الطفل ألوان من الفكر والعاطفة والسلوك التي ما كان يستطيع الوصول إليها لو ترك وشأنه. وبيان ذلك أننا نضطره منذ حداثته إلى الأكل والشرب والنوم في ساعات معينة، ونوجب عليه النظافة والهدوء والطاعة ثم نجبره على التعليم وعلى مراعاة حقوق الآخرين، وعلى احترام العادات والتقاليد وكذلك نوجب عليه العمل. (حسين عبد الحميد أحمد رشوان، 2005، ص88)

وإذا كان علم الاجتماع يعمل على دعم الجهود المتخصصة في نطاق علم الاجتماع التربية، فلأنه يستفيد من معطيات علم الاجتماع التربية في تناوله للتربية وأنساقها الاجتماعية، وما تشتمل عليه من نظم وترتيبات تتعلق بالعملية التعليمية عامة، وعملية التعلم خاصة، في الوصول إلى الفهم العميق والشامل لأبعاد العملية التربوية في المجتمع، بما يساعده على تحديد الخصائص والظروف العامة المرتبطة بها، والسمات والظروف الخاصة التي تؤثر على العمليات التربوية في محيط مجتمعات وثقافات معينة تتفاوت في بعض جوانبها عن ظروف وثقافات المجتمعات الأخرى.

كما أن تناول علم الاجتماع التربية للظاهرة التربوية يعتمد بصورة أساسية على فهم علم الاجتماع لمظاهر التفاعل الاجتماعي في المجتمع وأبعاده، والعوامل التي تؤثر عليه، والقيم والمعايير التي توجه سلوك الأفراد في المجتمع، وذلك لتحديد مقتضيات صياغة الشخصية من خلال العملية التربوية، وما تتطلبه عملية الصياغة تلك من خبرات ومهارات ولهذا نجد الكثير من مفاهيم علم الاجتماع ومصطلحاته تستخدم في المجال التربوي وما فيه من تفاعل واتصال في عملية التعلم، وذلك لأن عملية التعلم بمثابة موقف اجتماعي يتفاعل

الصفحة:12

فيه الأفراد والجماعات شأنها في ذلك شأن المواقف الاجتماعية الأخرى، وما تتضمنه من صور تفاعل وعلاقات واتصالات (فادية عمر الجولاني، بدون سنة، ص (121

تستمد التربية أصلها الاجتماعي إذن من علم الاجتماع كأحد العلوم الإنسانية الذي يدرس المجتمع وظواهره ونظمه وما فيه من علاقات وأنماط اجتماعية، كما يدرس التأثيرات الاجتماعية التي تحكم النظام الاجتماعي. ولذلك يعتمد علم الاجتماع على التربية للمساعدة في إيجاد حلول مناسبة لمشكلات هذا المجتمع. أما التربية فتحتاج إلى علم الاجتماع لفهم محورها الرئيسي وهو الفرد بطريقة أكثر شمولا، وليساعدها في عملية التنشئة الاجتماعية للفرد من خلال معرفة حاجاته وحاجات المجتمع والموائمة بينها قدر الإمكان.

علاقة علم الاجتماع التربية بعلوم التربية

لعلم الاجتماع التربية علاقة قوية بالعلوم التربوية، وذلك لأنه يأخذ عنها ويتأثر بها، في تناولها للظاهرة التربوية وأنساقها، نظمها، وعملياتها، وما يرتبط بها من مناهج وتنظيمات اجتماعية وإدارية. إضافة لذلك فإنه يؤثر بمعطيات دراسته للوقائع التربوية على تلك العلوم واتجاهاتها في فهم تلك العمليات التربوية. وتوضح فادية عمر الجولاني بدون سنة، ص ص 98 -101) طبيعة تلك العلاقة المتبادلة بين علم الاجتماع التربية وعلوم التربية من خلال تناول بعض التخصصات الفرعية ضمن علوم التربية:

1- أصول التربية وعلم الاجتماع التربية : حيث يقدم أصول التربية حصادا من النظريات التربوية التي ترتبط بفهم العمليات التربوية، والتي لا يمكن لعلم الاجتماع التربية إهمالها وهو بصدد تحليل مضمون العمليات التربوية.

2- تاريخ التربية وعلم الاجتماع التربية: كما أن تاريخ التربية يقدم معرفة حول تاريخ التربية والتعليم وتطور النظم التربوية، والايديولوجيات التي تحكم اختيارات المربين

الصفحة:13

لمحتويات المناهج وطرق التدريس وغيرها من المواضيع التي تساعد علم الاجتماع التربية بربط الظواهر التربوية بسياقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية...

3- التربية المقارنة وعلم الاجتماع التربية: كما أن التربية المقارنة ترتبط بعلم الاجتماع التربية بكونها تساعده في التعرف على السمات المشتركة للظاهرة التربوية بشكل عام، والفروق القائمة بين النظم التربوية في النماذج الاجتماعية المختلفة...

4- الإدارة التربوية وعلم الاجتماع التربية: وتشكل الإدارة التربوية والتي تسمى كذلك بالإدارة التعليمية، بعدا للعلاقة بين علم الاجتماع التربية والعلوم التربوية. حيث يستفيد علم الاجتماع التربية كثيرا من الدراسات العلمية للإدارة التربوية، ولذلك يتم تناولها كجماعة اجتماعية، وكتنظيم اجتماعي له أهدافه ووسائله التي يسعى بواسطتها لتحقيق تلك الأهداف، وأثر تلك الوسائل على العملية التعليمية عامة وعملية التعلم خاصة.

علاقة علم الاجتماع التربية باجتماعيات التربية

يستخدم بعض التربويون مصطلح اجتماعيات التربية باعتباره فرعا من فروعا من علم الاجتماع. ويستطردون في تحديد دائرته النظرية والمنهجية لفهم التربية ودراستها من زاوية علم الاجتماع. ومصطلح اجتماعيات التربية بذلك يستخدم مقابل المصطلح الانجليزي Sociologie of Education والذي يعتبر من وجهة نظر بعض التربويون مرادفا لمصطلح علم الاجتماع التربوي Educational Sociologie، ولذلك يستخدم الدكتور "سعيد إسماعيل علي" والدكتورة زينب حسن حسين مثلا (فادية عمر الجولاني، بدون سنة، ص ص 27 -28) اجتماعيات التربية باعتبارها فرعا من فروع علم الاجتماع، له الدلالة نفسها التي يشير إليها مصطلح علم الاجتماع التربية الذي شاع استخدامه بين علماء الاجتماع.

الصفحة:14

ويرجع التداخل والخلط بين المصطلحين في التراث العربي إلى سببين أولهما: وجود هذا الخلط والتداخل في استخدام المصطلحين على مستوى التراث الأجنبي. إذ أن بعض المراجع تحمل عنوانا ليشير الاجتماعيات التربية وتتضمن حديثا مستفيضا عن النظام العلمي لعلم الاجتماع أي تتناول الأساس النظري والمنهجي الذي ينطلق منه علم الاجتماع التربوي لفهم ودراسة الظاهرة التربوية.

والواقع أن هذا الاستخدام في التراث الأجنبي له ما يبرره، إذ أن استخدام المصطلح بهذه الصورة مقصود أكثر من كونه استخداما عشوائيا. وذلك لأن المراجع التي تحمل مصطلح Sociologie of Education تعنى أساسا بالموضوعات المتصلة بعلم الاجتماع التربية، أكثر من عنايتها بالنظام العلمي لعلم الاجتماع التربية. وان كانت تتضمن تحديدا للمنظورات السوسيولوجية التي تحدد فهم تلك الموضوعات فذلك لتمييز تحليلاتها لتلك الموضوعات عن تحليلها من منظورات علوم التربية الأخرى. (فادية عمر الجولاني، بدون سنة، ص-ص28-27)

بمعنى أن علم الاجتماع التربية يهتم بمعالجة أسس ومبادئ الفهم السوسيولوجي للأنساق التربوية في حين أن اجتماعيات التربية تختص بتطبيق هذه الأسس والمبادئ السوسيولوجية في فهم الأنساق التربوية. ونظرا لأن علم الاجتماع التربية لا يقف فقط عند مجرد تحديد الأسس والمبادئ السوسيولوجية لفهم الأنساق التربوية، وإنما يتعدى ذلك بتطبيق تلك الأسس والمبادئ في تحليل الأنساق التربوية، وما يرتبط بها من موضوعات تتعلق بالنظم التربوية والعمليات الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية والجماعات الاجتماعية المتفاعلة في نطاق المؤسسات التربوية، والتي تشكل موضوعات الدراسة لعلم الاجتماع التربية.

وبذلك تتضح معالم السبب الثاني الذي أدى إلى الخلط في التراث العربي بين مصطلح اجتماعيات التربية، وعلم الاجتماع التربية والذي يرد في الأصل وبصفة أساسية

الصفحة:15

إلى أن البعض لا يقيم تفرقة بين فهم الأنساق التربوية من منظور علم الاجتماع وفهمها من منظورات العلوم الاجتماعية الأخرى.

وذلك تحديدا يتطلب مناقشة التعريفات الاصطلاحية لعلم الاجتماع التربية، ومعالجة موضوعه وأغراضه، بالإضافة لتحديد طبيعة العلاقة بين علم الاجتماع التربية والعلوم الاجتماعية الأخرى من ناحية، والعلاقة بين علم الاجتماع التربية وعلم الاجتماع وفروعه من ناحية أخرى بهدف التمييز بين سوسيولوجية التربية أي فهم الأنساق التربوية من منظور علم الاجتماع، واجتماعيات التربية، أي فهمها من منظور العلوم الاجتماعية الأخرى. (فادية عمر الجولاني، بدون سنة، ص 30).

في ضوء ما سبق، يمكننا القول بان اجتماعيات التربية ما هي إلا موضوع من موضوعات علم الاجتماع التربية، تشير إلى معالجة الجوانب الاجتماعية للتربية فقط. فالباحث في اجتماعيات التربية يعالج ويحلل العمليات الاجتماعية المرتبطة بالتربية، كالعلاقات الإنسانية، ووسائل الاتصال، وبناء السلطة المدرسية، وغيرها. (السيد علي شتا، 1997، ص29)

اعتمادا على ما تقدم حول علاقة علم الاجتماع التربية بباقي التخصصات الاجتماعية، يمكن القول بأن علم الاجتماع التربية هو فرع من فروع علم الاجتماع يستفيد من رؤيته السوسيولوجية ومواضيعه، مناهجه وطرائقه البحثية ... وفي الوقت ذاته تقع علوم التربية بين أهم اهتماماته كمجال بحثي واسع غني بالعديد من المواضيع التي تتطلب الاهتمام والدراسة. كما أن اجتماعيات التربية تعتبر هي الأخرى جزء من اهتماماته يستفيد مما تطرحه من مواضيع.

وضمن ذات السياق يرى فرانسيس "براون" (حسين عبد الحميد أحمد رشوان، 2005، ص. 92) أن علم الاجتماع التربية لا يمكن اعتباره علم تربية فقط، أو علم اجتماع

الصفحة:16

فقط بل إنه علم اجتماع وتربية، ولذا يجب النظر إلى الاثنين كمفسرين للعملية التربوية، علاوة على ذلك يرى "براون" أن علم الاجتماع التربية يستخدم لدراسة العمليات التربوية بالإضافة إلى الموضوعات والقضايا الاجتماعية.

الصفحة: 17

3-علم اجتماع التربية: الأهداف الموضوع والمجالات

يمثل تحديد موضوع أي تخصص علمي من التخصصات، أساسا لتعريف هذا العلم وتميزه عن غيره من العلوم الأخرى من ناحية، وتحديد ما بينه وبين موضوعات العلوم المختلفة من علاقات من ناحية أخرى. ومن ثم سعى البعض لتحديد التساؤلات التي يسعى العلم للإجابة عليها كمدخل لتحديد موضوعه وأبعاده.

وانطلاقا من ارتباط موضوع علم اجتماع التربية بموضوع علم اجتماع بشكل واضح، إضافة إلى أن علم الاجتماع التربية ينطلق من فهم علم اجتماع لموضوعه لتناول الظاهرة التربوية. فقد بات ضروريا اتخاذ تساؤلات علم اجتماع حول موضوعه والأبعاد التي يشتمل عليها مؤشرا من مؤشرات تحديد موضوع علم اجتماع التربية (فادية عمر الجولاني، بدون سنة ،ص-ص 37-38)

أهداف علم اجتماع التربية

إن معنى الهدف هو وجود عمل مرتب منظم قائم على استبصار سابق للنهاية الممكنة في ظل ظروف وإمكانيات موضوعية مصاحبة. فحين يفكر الإنسان الذي يقوم بعمل ما في نتيجة عمله، و يفكر بذكاء في خطوات هذا العمل و يربط بينهما في ضوء توقعاته للنتيجة و في ضوء خبراته السابقة، و ما يقوم به من تعديل لخطوات العمل وفق إدراكه لعلاقتها و تسلسلها على نحو يستبصر فيه سلامتها، هان دافعه لهذا العمل يصبح هدفا. (منير المرسي سرحان، 1981، ص 61)

ويسعى العلم للإجابة عن تساؤلات معينة يطرحها حول الظواهر التي يعالجها ذلك العلم. وهذا شأن علم الاجتماع التربية فهو يسعى للإجابة على ماذا؟ ولماذا؟ وكيف؟ وإذا ما حاولنا تطبيق ذلك على الظاهرة التربوية فإن علم الاجتماع التربية يحاول الإجابة على سؤال ماذا حدث، أي ما هي الوقائع التربوية التي حدثت؟ وما هو النظام التربوي القائم؟ وما

الصفحة:18 

هي طبيعته؟ وما هي عناصره؟ وما هي طبيعة العلاقات القائمة بين الجماعات التربوية داخل النظام التربوي؟ وتقع إجابات علم الاجتماع التربية عن هذه التساؤلات في دائرة وصفة للوقائع والنظم التربوية وما يرتبط من نظم فرعية وجماعات تربوية. (السيد علي شتا،

1997، ص 38)

ثم يأتي دور علم الاجتماع التربية للإجابة عن السؤال: لماذا، أي لماذا حدثت الوقائع التربوية بهذه الصورة؟ وما هي القوى والعوامل التي أدت إلى حدوثها وما هي العوامل التي تؤثر في أداء النظم التربوية وعلى كيفية هذا الأداء؟

وفي الإجابة عن سؤال: كيف؟ يحاول علم الاجتماع التربية الإجابة عن: كيف تتم عملية الأداء الوظيفي، وقيام التفاعل بين النظام التربوي وأنظمة المجتمع الأخرى؟

أما في معرض إجابات علم الاجتماع التربية عن الأسئلة: ماذا؟ ولماذا؟ وكيف؟ فهو يحقق أهداف العلم الأساسية وهي: الفهم والتنبؤ والتحكم والسيطرة.

الفهم: يستند تحقيق هذا الهدف إلى ما يقوم به علم الاجتماع التربية من وصف للظاهرة التربوية والنظم المرتبطة بها، وإلى تفسير العوامل والقوى التي تؤثر على نشأتها وتطورها وعلاقاتها بالظواهر الاجتماعية الأخرى. وهذا كله يقع في نطاق المحاولة الجادة لفهم الظواهر التربوية، حتى يستطيع تحديد العوامل المؤثرة فيها من ناحية، ويحاول تفسيرها من ناحية أخرى. وكمثال على ذلك نأخذ ظاهرة التسرب الدراسي، إنها ظاهرة تربوية وعندما يحاول عالم الاجتماع التربية فهمها فإن عليه أن يقوم بما يلي:

الصفحة:19

وإذا ما حقق عالم الاجتماع التربية الوصف والتفسير لهذه الجوانب المتعلقة بالظاهرة التربوية يكون قد حقق الهدف الأول من أهداف العلم، ألا وهو الفهم.

التنبؤ: إذا ما تحقق لعالم الاجتماع التربية فهم الظاهرة التربوية من حيث ماهيتها وخصائصها وعلاقتها بالظواهر الأخرى، فضلا عن العوامل المؤثرة فيها – فإنه يكون (السيد علي شتا، 1997، ص 39) قادرا عن التنبؤ حيالها، فالتنبؤ هنا يعني قدرة الباحث على الاستنتاج وإصدار بعض الأحكام استنادا إلى ما يوفره ذلك الباحث من معرفة واقعية حول الظاهرة التربوية. فعندما يصف الباحث ظاهرة التسرب الدراسي ويحدد العوامل المؤدية إليها فإنه – يغدو قادرا على الاستنتاج والتنبؤ بحالات أخرى في الظروف نفسها أو في ظروف مشابهة. فحين يكتشف أن هناك علاقة بين التسرب الدراسي والظروف الأسرية الصعبة، أو أن البيئة المدرسية (مثل تعامل المدرس مع تلاميذه أو تعامل الطلبة فيما بينهم) هي السبب الرئيسي في تسرب الطالب، فإن الباحث يستطيع أن يستنتج احتمالات حدوث حالات تسرب في ظروف مشابهة لتلك الظروف التي أدت إليه.

التحكم والسيطرة: حين يحقق لعالم الاجتماع التربية هدفي الفهم والتنبؤ تزداد قدرته على التحكم والسيطرة في الظاهرة التربوية. فإذا ما أخذنا ظاهرة تسرب الطلبة مرة أخرى وفهمنا العوامل والظروف التي تؤدي إلى هذه الظاهرة، فإنه يغدو بمقدورنا أن نسيطر عليها ونخفف منها عن طريق التحكم في العوامل المؤدية إليها. وعندما تتكامل أهداف العلم الثلاثة: الفهم، التنبؤ والتحكم والسيطرة مع بعضها البعض يزداد وعي عالم الاجتماع التربية بمجريات الأمور والأحداث التربوية، وبالتالي تحقيقها للأهداف المرسومة لها بالنسبة للفرد والمجتمع (السيد علي شتا، 1997، ص-ص 40-39)

كما يمكن تحديد أهداف علم الاجتماع التربية فيما يلي:

الصفحة:20

. فهم العلاقات التي تربط النظم التربوية مع غيرها من نظم المجتمع والظواهر في المجتمعات الحديثة.

. دراسة العمليات الاجتماعية وتتضمن التفاعل الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية والضبط الاجتماعي والتغير الاجتماعي والظواهر التربوية داخل المدرسة وغرف الصف.

. دراسة النظم التربوية من حيث طبيعتها وما تتسم به من سمات تميزها عن بقية النظم الأخرى في المجتمع والتعرف على الأبعاد الاجتماعية والثقافية المرتبطة بهذه النظم من حيث النشأة والتطور والقوانين التي تميزها وتعمل على تطورها وغيرها .

. دراسة المشكلات الاجتماعية التربوية من رسوب وتسرب وتأخر دراسي وحرمان

. ثقافي وتمايز اجتماعي. (نعيم حبيب جغيبي، 2009، ص ص 75 76).

موضوع علم اجتماع التربية

انطلاقا من أهداف هذا العلم المتعددة فإن موضوعه إجمالا يعالج موضوعات أساسية متداخلة منها :


الصفحة:21

كما يمكننا تحديد أهم الموضوعات التي يعالجها علم الاجتماع التربوي في العناوين التالية:

الظاهرة التربوية كظاهرة اجتماعية.

يذهب عالم الاجتماع الفرنسي " اميل دوركيام" إلى أن المجتمع يلقن أفراده أساليب العمل والتفكير تلك عن طريق التربية والتربية بذلك ترتبط ارتباطا وثيقا بحياة المجتمع. وهي بذلك تعتبر ظاهرة اجتماعية، شأنها في ذلك شأن بقية ظواهر المجتمع الأخرى السياسية، والاقتصادية ... الخ. ونظرا لأهمية الدور الذي تلعبه التربية في المجتمع فقد اعتبرها علماء الاجتماع واحدة ما أكثر صور الظواهر الاجتماعية تأثيرا في حياة الأفراد والمجتمع. (السيد علي شتا، 1997، ص – ص 32 – 33)

البناء الاجتماعي للنظم التربوية:

يتناول علم الاجتماع التربوي بناء النظام التربوي بناء النظام التربوي وما ينطوي عليه هذا البناء مكونات أو عناصر يشكل مجموعها الهيكل العام لما نطلق عليه اسم: النظام التربوي. كما يتناول علم الاجتماع التربوي أيضا العلاقات القائمة بين هذه العناصر البنائية والأدوار التي تمارسها في نطاق النظام التربوي والعلاقات التي تربط هذه الأدوار بعضها ببعض. وذلك للوقوف على طبيعة التنظيمات التربوية وعناصرها البنائية كالمؤسسات التعليمية، والسياسات التربوية، والمناهج الدراسية، والجماعات التربوية ... الخ.

الوظائف الاجتماعية للنظم التربوية

لا شك أن فهم الوظائف التربوية على مستوى الأفراد والمجتمع، ومعرفة الوظائف التي تحققها المدرسة والجماعات التربوية وما تمارسه من ادوار اجتماعية في نطاق المؤسسات التربوية يقع في نطاق علم الاجتماع التربوي وما يرتبط بتلك التنظيمات من عمليات تعليمية، وما يترتب عليها من تأثيرات على الأفراد والمجتمعات يشكل جانبا أساسيا من

الصفحة:22

موضوعات الدراسة والبحث في علم الاجتماع التربوي. (السيد علي شتا، 1997، ص38)

مجالات علم اجتماع التربية

حدد "بروكوفر" "w.b. brookove" ثلاث مجالات لعلم الاجتماع التربوي يمكن إيجازها في النقاط التالية:

• علاقة النسق التربوي بالأنساق الأخرى في المجتمع، وبعملية الضبط الاجتماعي، ونسق السلطة. وكذلك دور النسق التربوي في عملية التغير الاجتماعي والثقافي وعلاقة التربية بالطبقات الاجتماعية.

• يدرس علم الاجتماع التربية المدرسة باعتبارها نسقا اجتماعيا.

. كما يدرس علم الاجتماع التربية المؤسسات التربوية وعلاقتها بالمجتمع المحلي.

ويضيف "فرانسيس "براون f.brown إلى ذلك أن العلاقة المتبادلة بين المدرسة والمجتمع المحلي أظهرت فعالية واضحة في عملية الضبط الاجتماعي، وهو المهمة الأساسية للتربية.

أما "جورج س. "هرنجتون G.S. Herrington فيحدد ميادين هذا الفرع على النحو التالي:


الصفحة:23

أما دور "دوركايم" فيقدم ميادين البحث التي ظن أن عالم الاجتماع يجب أن يقوم بدراستها في مجال التربية على النحو التالي:

- دراسة الظواهر الاجتماعية السائدة في التربية، ودراسة الوظيفة الاجتماعية للتربية.

- دراسة العلاقات بين التربية والتغير الاجتماعي والثقافات.

- بحوث مقارنة للنظم التربوية المتباينة داخل الثقافات المختلفة.

- دراسة الفصل والمدرسة باعتبارها نظام اجتماعي (حسين عبد الحميد أحمد رشوان، 2005، ص – ص 98-101 )

وعموما يمكن القول بأن الدراسة السوسيولوجية للنظام التعليمي تنصب على دراسة الصلة بين النظام التعليمي وبناء المجتمع من ناحية، ومن ناحية أخرى دراسة طبيعة هذا النظام باعتباره نظاما عاما ينطوي بداخله على العديد من الأنظمة الفرعية.

ويلخص حسين عبد الحميد أحمد رشوان (2005، ص ص 100-101). مجالات علم الاجتماع التربية في المجالات التالية:

(1 دراسة عملية التربية وأهدافها من حيث المناهج والطرق والقياس والتفاعل بين التلاميذ والمدرسين، وتحليل نظريات التربية واتجاهاتها ودوافع المجتمعات التي ظهرت فيها، ومدى تأثير عملية التربية على التنشئة الاجتماعية والشخصية وعملية الضبط الاجتماعي.

 2) دراسة البناء الاجتماعي للأنساق التربوية في المجتمع، ما تشتمل عليه من نظم. ويشتمل ذلك النظم التربوية وعناصرها الثقافية والاجتماعية والسياسية.

الصفحة:24

(3 دراسة الوظائف الاجتماعية للنظم التربوية وميكانيزمات تغيرها وعملياتها، وما تقوم به تلك النظم من وظائف للجميع.

4) تحليل العلاقة المتبادلة بين النسق أو النظام التربوي والنظم الاجتماعية الأخرى.

الصفحة:25




4-نشأة وتطور علم اجتماع التربية:



ترجع جذور علم اجتماع التربية إلى ظهور الثورة الصناعية في أوربا، والتي كانت سببا في تعقد الحياة الاجتماعية من النواحي السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو التربوية. وأخذ العلماء والفلاسفة يبحثون عن أسباب هذه المشكلات والعمل على إزالتها

وكان علم اجتماع التربية من بين تلك العلوم التي بحثت المشكلات التي تحدث في المؤسسات التربوية طالما أن هذه المؤسسات التربوية من نتاج اجتماعي، وتستطيع أن تكون أداة للتغيير أو التطور الاجتماعي. (حسين عبد الحميد أحمد رشوان، 2005، ص (121

يمتد علم اجتماع التربية في نشأته كعلم إلى منتصف القرن التاسع عشر، حيث بدأ ظهوره بكتابات غير منتظمة تتناول مسألة الأسس الاجتماعية للتربية بشكل واسع وعام. وقد زاد الاهتمام بمثل هذه الكتابات بفضل اتساع حركة الإصلاح التربوي من جهة، وبفضل انتشار الفلسفة البراغماتية - التي قادت تلك الحركة في تلك الفترة – من جهة ثانية. وقد اتسع نطاق هذه الكتابات وتعاظمت منذ أن نشر جون ديوي (1859-1952) كتابه الهام: المدرسة والمجتمع عام 1899. وقد وصفت هذه الكتابات نفسها منذ ذلك الحين بمصطلح علم الاجتماع التربوي. لكن هذه الكتابات، ورغم سعة انتشارها، قد تناولت الجوانب الاجتماعية للتربية بطريقة معيارية نظرية، فكانت أقرب إلى الفلسفة البراغماتية الديوية-منها إلى علم الاجتماع بمفاهيمه وطرائقه. ولم تصبح الكتابات الاجتماعية في التربية في تلك الفترة أكثر تنظيما وأكثر تطبيقا لعلم الاجتماع إلا بتأثير كتابات "دوركايم"، عالم الاجتماع الفرنسي الذي عاصر "ديوي" (شبل بدران حسن البيلاوي، 1997، ص 14)

يعتبر "إيميل دوركايم الرائد في علم الاجتماع التربوي بلا منازع، وعلى الرغم من أنه لم ينشر في هذا الموضوع أثناء حياته، إلا أنه أعطى الكثير من المحاضرات في علم الاجتماع التربية في جامعة السوربون أين شغل وابتداء من عام 1906 كرسي علوم التربية،

الصفحة:26

وقد تم جمع دروسه مع نصوص أخرى في ثلاث منشورات بعد وفاته، وهي: التربية وعلم الاجتماع عام 1922، والتربية الأخلاقية عام 1925، وتطور التعليم في فرنسا عام 1938.

وكان "إيميل دوركايم" قد طبق المبدأ الأساسي الذي تحدث عنه في كتابه "قواعد البحث الاجتماعي": " يجب اعتبار الوقائع الاجتماعية كأشياء." وهو يشدد على العلاقة الوثيقة التي توحد البنى السياسية والاجتماعية مع التطبيقات التربوية القائمة في المجتمع. والأشكال المدرسية التي تتطور. وهو يحلل على سبيل المثال ظهور الكليات في القرن السابع عشر كعلامة على تعميم أشكال التعليم الأرستقراطي لمصلحة البرجوازية الصاعدة. Vincent) .Troger, 2005)

وفي عام 1916 كان مصطلح Educational Sociologie" قد شاع استعماله ليس فقط كعناوين لكتب مدرسية، بل من خلال أسماء لأقسام أكاديمية، ومقررات دراسية في جامعات متعددة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا. وفي عام 1925 تأسست أول جمعية قومية في الولايات المتحدة الأمريكية تحمل نفس الاسم علم الاجتماع التربوي" وأصدرت هذه الجمعية أول دورية عام 1927 بنفس الاسم أيضا : The Journal of Educational Sociologie وظلت تسيطر على هذه الجمعية النظرة إلى علم الاجتماع التربوي على أنه فرع من التربية وليس فرعا من علم الاجتماع. (شبل بدران حسن البيلاوي، 1997، ص - ص 15-17)

وخلال الفترة الزمنية بين عام 1907، ودخول أمريكا الحرب العالمية الأولى ظهرت المجلات التربوية التي دعت إلى تطبيق علم الاجتماع في ميدان التربية فقد واجهت المربين عدة مشاكل حيوية ( حسين عبد الحميد أحمد رشوان، 2005 ، ص (123) بفعل عوامل جديدة، أدت إلى تغير النظرة إلى التربية كموضوع للدراسة. ويحدد كل من شبل بدران وحسن البيلاوي، (1997، ص ص 15-17) أهم هذه العوامل في العناصر التالية:

الصفحة:27

أولا: تقدم الصناعة وتنوع مؤسسات المجتمع، وما نشأ عن ذلك من علاقات جديدة بين التربية وهذه المؤسسات.

ثانيا: ظهور مشكلات اجتماعية جديدة، من جراء التقدم الصناعي الرأسمالي، لها صلة بالتربية مثل مشكلات العمالة والسكان والأقليات والهجرة والتفاوت الطبقي...

ثالثا: ظهور مشكلات جديدة داخل حقل التربية ذاته نتيجة تطوره في الإدارة والتنظيم المدرسي والأداء وقابلية التلميذ للتعلم وتعليم الكبار. وإلى جانب ذلك هذه التغيرات في الحقل الاجتماعي والتربوي.

رابعا: الجهود الأكاديمية التي استمرت من داخل علم الاجتماع تهتم بالتربية وبدراستها. خاصة جهود فريد كلارك Fred Clark الذي تولى إدارة معهد لندن للتربية 1937 و "کارل مانهایم Karl Manheim ، الذي هرب من ألمانيا النازية إبان الحرب العالمية الثانية وعين أستاذا للاجتماع بمعهد لندن للعلوم الاقتصادية، ثم أستاذ للتربية بمعهد لندن فيما بعد. كذلك جهود ستيوارت" Stewart أستاذ علم الاجتماع الانجليزي الذي أكمل مسيرة "مانهايم" ونشر أبحاثه في التربية بعد وفاته عام 1946.

خامسا: تقدم العلوم الاجتماعية نفسها وانتشار الاتجاه الوظيفي بنزعته العلمية ومناهجه الوضعية وهيمنته على كل مجالات العلوم الاجتماعية تقريبا.

وقد هيئت هذه العوامل مجتمعة الشروط الأساسية لتنمية الكتابات في هذا العلم، والانتقال بها من مجرد استعمال نتائج ومفاهيم علم الاجتماع لحل المشكلات التربوية، إلى تطبيق مبادئ وطرائق ومفاهيم علم الاجتماع لدراسة المشكلات التربوية، واعتبار التربية ميدانا من ميادين علم الاجتماع.

الصفحة:28



5-المفاهيم الأساسية في علم اجتماع التربية



يتميز كل تخصص علمي عن غيره من التخصصات العلمية الأخرى بجملة من المفاهيم الأساسية التي تعبر عن فهمه لها، كما تمثل تلك المفاهيم وسائله التحليلية للظواهر التي يقوم بدراستها. ويزخر علم الاجتماع التربية بالعديد من المفاهيم الأساسية سنحاول التركيز على بعضها.

التربية والتعليم:

يذهب "هنري" "باستالوتزي" إلى أن التربية: هي تنمية العقل وإعداد الإنسان بما يمكنه من القيام بواجباته في الحياة". أما ايميل دوركايم" فيشير للتربية على أنها: "تهذيب أو ترويض لطبيعة الإنسان الحيوانية، وإثارة الطبيعة الاجتماعية الكامنة في الإنسان لتحل محلها. والتربية بذلك هي تكيف للأفراد مع ظروف المجتمع الذي يعيشون فيه. وقد مارس فهم علماء الاجتماع للتربية على هذا النحو تأثيرا كبيرا على الاتجاهات الفكرية لفلاسفة التربية ومفكريها المعاصرين حيث نجد "جون ديوي" يذهب إلى أن التربية هي الحياة، وأنها بمثابة عملية تكيف بين الفرد وبيئته، وصياغة لفاعلية الأفراد وتحويلها إلى عمل اجتماعي تجيزه الجماعة. (فادية عمر الجولاني، بدون سنة، ص 4)

أما مصطلح التعليم فالأصل فيه من كلمة "علم" التي تعني معرفة الشيء والإحاطة به، والتعليم هو عملية تربوية تتمثل في إيصال مادة العلم إلى المتعلم الذي هو عنصر استقبال، وهي الوظيفة التي يقوم بها المعلم بحكم كونه مصدرا لتلقي مادة العلم، وبذلك يحدث فعل التعلم الذي هو عملية تربوية تعني تلقي المتعلم للعلم من المعلم، فإذا كانت عملية "التعليم"، تعني العطاء، فإن عملية التعلم تعني الأخذ ، وهي عملية تكاملية بين عناصر أربع العلم والمعلم، والتعليم، والمتعلم، وهذه العناصر في مجموعها هي التي تكون العملية التعليمة. (علي ديدونة، 2006، ص - ص 44-45).

الصفحة:29

والارتباط أو الانفصال بين التربية والتعليم هو الذي يحدد نجاح العملية التعليمية التربوية من عدمها، وفي جميع الأطوار، كما أن الهدف هو الذي يحدد الوجهة والمسيرة التربوية التعليمية، وبدون هذا الهدف تظل العملية التربوية والتعليمية تراوح مكانها. ومن هنا لزم التأكيد على أن التربية والتعليم ليسا غايتين في حد ذاتهما، بل وسيلتين لغاية مرجوة منهما (علي ديدونة، 2006، ص 47)

النظام التربوي

ترتبط نشأة النظم الاجتماعية وتطورها بحاجات أعضاء المجتمع واتساع دائرة تلك الحاجات سواء كانت اقتصادية أم أخلاقية... إن حاجة المجتمع لنقل مورثاته الثقافية وترسيخها بين الأجيال فضلا عن حاجاته لتنمية قدرات الأفراد العقلية والأخلاقية وإكسابهم أنماط السلوك المختلفة قد جعلته يؤكد على دور التربية لإشباع تلك الحاجات. كما أن حاجته لتحقيق الاستقرار والتوازن قد ارتبطت بضرورة توجيه سلوك الأفراد والأنشطة التي يؤدونها دون أن تقوم بينهم تعارضات ومنازعات تؤثر على استقرار المجتمع وتوازنه.

ويعرف النظام التربوي بأنه واحد من مجموعة من النظم الرئيسة في المجتمع، وهو بمثابة مجموع القواعد والقوالب المقررة لإعداد النشء وتربيتهم من خلال الأجهزة التي تهيئ الفرد جسديا وعقليا وخلقيا ليكون عضوا سويا متكيفا مع المجتمع. ولهذا ينظر للنظام التربوي على أنه مجموعة الأشكال والأوضاع والقوالب العامة المنظمة لطريقة الحياة والتي تنظم نشاط الجماعة في المجال التربوي (السيد علي شتا، 1997، ص 119)

الثقافة

تعني الثقافة في علم الاجتماع جوانب الحياة الإنسانية التي يكتسبها الإنسان بالتعلم لا بالوراثة. ويشترك أعضاء المجتمع بعناصر الثقافة تلك التي تتيح لهم مجالات التعاون والتواصل. وتمثل هذه العناصر السياق الذي يعيش فيه الأفراد والآراء، والقيم التي تشكل

الصفحة:30

المضمون الجوهري للثقافة، ومن جوانب عيانيه ملموسة مثل: الأشياء، الرموز، أو التقانة التي تجسد هذا المضمون.

وتعتبر القيم والمعايير من العناصر الجوهرية في جميع الثقافات، والقيم هي منظومة الأفكار التي تحدد ما هو مهم ومحبذ ومرغوب في المجتمع. وهذه الأفكار المجردة أو القيم هي التي تضفي معنى محددا، وتعطي مؤشرات إرشادية لتوجيه تفاعل البشر مع العالم الاجتماعي. أما المعايير فهي قواعد السلوك التي تعكس أو تجسد القيم في ثقافة ما. وتعمل القيم والمعايير سويا على تشكيل الأسلوب الذي يتصرف به أفراد ثقافة ما إزاء ما يحيط بهم. ففي الثقافات التي تعلي من قيمة التعلم على سبيل المثال، فإن المعايير تشجع الطلبة على تكريس جانب كبير من طاقاتهم للدراسة، كما أنها تحفز الوالدين على التضحية بجانب كبير من الجهد والمال لتعليم أبنائهم. وفي الثقافات التي تعلي من شأن الكرم وحسن الضيافة، فإن المعايير الثقافية قد تؤكد التوقعات بتقديم الهدايا مثلما تشدد على أنماط السلوك الاجتماعي لدى كل من الضيوف والمضيفين. وتتفاوت القيم والمعايير وتختلف اختلافا بينا من ثقافة إلى أخرى.

إن بعض الثقافات تسبغ قيمة عالية على النزعة الفردية بينما تشدد ثقافات أخرى على الاحتياجات المشتركة بين أفراد المجتمع. بل إن القيم قد تتناقض في المجتمع أو الجماعة الواحدة فقد تميل بعض المجموعات أو الأفراد إلى التركيز على قيمة المعتقدات الدينية التقليدية، بينما تميل مجموعات أخرى إلى إعطاء قيمة أعلى للتقدم والعلوم. وفيما يفضل الناس بعض الناس الراحة المادية والنجاح فإن آخرين قد يؤثرون الهدوء وبساطة العيش. وفي هذا العصر الحافل بالتغيرات وبانتقال الناس والأفكار والسلع والمعلومات في أرجاء المعمورة، فليس من المستغرب أن يواجه مجتمع ما صراعا بين القيم الثقافية التي يعتنقها مختلف الأفراد والجماعات فيه (أنتوني غدنز، ص ص 82 83).

الصفحة:31

وتلعب الثقافة دورا مهما في الحفاظ على القيم والمعايير في المجتمع، غير أنها تفسح المجال كذلك للابتكار والتغيير. إن الثقافات الفرعية والثقافات المضادة التي ترفض القيم والمعايير السائدة في المجتمع قد تشجع ظهور الآراء والاتجاهات التي تطرح بدائل للثقافة المهيمنة. والحركات الاجتماعية والجماعات التي تشترك في المواقف أو في أسلوب الحياة تمثل قوة فاعلة مؤثرة دافعة للتغيير في المجتمعات. وعلى هذا الأساس فإن الثقافات الفرعية تتيح للناس الحرية للتعبير عن آرائهم والسعي إلى تحقيق ما يحملونه من تطلعات ومعتقدات. (المرجع السابق، 2005، ص 86)

ويحفظ المجتمع نفسه بالتجدد الذاتي المستمر، وهذا التجدد يحدث بواسطة النمو التربوي للصغار من أعضاء المجتمع. فبواسطة المؤسسات المتخصصة وغير المتخصصة يحول المجتمع أعضاءه الجدد إلى أفراد حائزين لثقافته بعد أن ينقل إليهم عادات العمل والتفكير والشعور، وهكذا تكون التربية بالنسبة لهم عملية نمو من خلال نشاط الجماعة في تشكيل أفرادها تشكيلا اجتماعيا. وانطلاقا من هذا المضمون فان تصورنا لوظيفة التربية ينبغي أن يكون شاملا شمول الحياة بأوضاعها ونظمها وتراكيبها الاجتماعية والثقافية المتشابكة وكذلك بعاداتها واتجاهاتها وقيمها ذات الأثر الفعال في حياة المجتمع، إنها الحياة في إطارها الثقافي أو الحضاري الشامل.

إن وظيفة التربية تكون أساسا في نقل التراث من جيل الى جيل، وفي اكتساب الخبرة المتزايدة كأساس لنمو الأنظمة الاجتماعية وتعديلها وتطويرها كما أن للتربية دورها في المجتمع إذ تعمل على تزويده بالمواقف التي تثير وتنمي قدراته الابتكارية وتفكيره الخلاق المتطلع لمستقبل سعيد من خلاله حياته الحاضرة. (منير المرسي سرحان، 1981، ص ص 26-25)

الصفحة 32

المدرسة

لا شك أن النظام التربوي له مؤسسات تربوية متعددة مثل العائلة، وجماعات اللعب والمسجد والكنيسة والنادي والمصنع والمتجر والمكتبات ... فهي جميعا تقوم بوظيفة التربية ضمن وظائفها الكثيرة. إلا أن المدرسة تظل هي المؤسسة التربوية التي أنشأها المجتمع من أجل أن تقوم بوظيفة التربية على وجه الخصوص.

مفهوم المدرسة:

يعرف "فرديناند بويسون Ferdinand Buisson المدرسة بأنها :" مؤسسة اجتماعية ضرورية تهدف إلى ضمان عملية التواصل بين العائلة والدولة من أجل إعداد الأجيال الجديدة، ودمجها في إطار الحياة الاجتماعية."

ويعرفها "فريدريك هاستن بأنها " نظام معقد من السلوك المنظم، الذي يهدف إلى تحقيق جملة من الوظائف في إطار النظام الاجتماعي".

ويمكن النظر إلى المدرسة كما يرى كل من "باكمان" Backman و "سيكورد" Secord، كمجتمع مصغر له ثقافته ومناخه الخاص، وتتحدد هذه الثقافة المدرسية بمركب متغاير من الثقافات الفرعية الملموسة والتي تؤثر في سلوك وعمل التلاميذ بطرق مختلفة. ويلاحظ هنا أن الباحثين ينظرون إلى المدرسة بوصفها مجتمعا متكاملا بثقافته ومكوناته. (علي أسعد وطفة/ علي جاسم شهاب ،2004، ص ص 16- 17)

ويذهب علي أسعد وطفة وعلي جاسم شهاب في كتابهما "علم الاجتماع المدرسي" (2004، ص ص 20 (21) إلى اعتبار المدرسة نظاما اجتماعيا يتشكل من التفاعلات السلوكية التي تتم بين مختلف روادها. وهذا يعني أن السلوك يشكل جانبا من بنية المدرسة بوصفها نظاما اجتماعيا، وإذا كانت المدرسة تنظيما سلوكيا فإنه يجب علينا أن نحدد خريطة

الصفحة:33

السلوك المدرسي وترسيم حدود هذا السلوك الذي يدخل في بنية المدرسة كمؤسسة تربوية اجتماعية.

فالمدرسة مؤسسة شكلية رمزية معقدة، تشتمل على سلوك مجموعة كبيرة من الفاعلين وتنطوي على منظومة من العلاقات بين مجموعات تترابط فيما بينها بوساطة شبكة من العلاقات التي تؤدي فعلا تربويا عبر التواصل بين مجموعات المعلمين والمتعلمين.

ويحدد السيد علي شتا (1997، ص-ص 144-145) عوامل نشأة المدرسة في العوامل التالية:

الصفحة:34

الاتصال والاحتكاك بين المجتمعات البشرية إحدى العوامل الهامة التي دعت لوجود مؤسسات تربوية وذلك لان الاتصال والاحتكاك بين المجتمعات يترك تأثيراته على ثقافة المجتمع واستقراره، فضلا عن انه يولد الحاجة لتأكيد أو غرس بعض الآراء الثقافية واستبعاد بعضها الذي لا يساهم في دعم استقراره.

ويأتي العامل الأكثر تأثيرا في حياة المجتمعات المعاصرة والمتمثل في التقدم الصناعي والتكنولوجي وارتفاع مستوى التقنية المعاصرة وما ترتب عليها من تقدم المجتمع وتخلفه واتساع دائرة التخصص.

وعندما أكد التربوي الأمريكي جون ديوي على أهمية ربط المدرسة بالمجتمع وجعل التربية عملية حياتية، كشف بوضوح عن علاقة التربية المدرسية (النظامية) بالموضوعات العلمية والمهنية وبفاعلية الإنسان في المجتمع بصورة عامة، وذلك ما جعل الاهتمام يتزايد بالتربية النظامية بمستوياتها المختلفة ابتداء من المدرسة حيث يزود الطفل بالمعارف والمهارات والقيم والاتجاهات الايجابية وعلى مستوى الجامعة، حيث يعد الطالب الإعداد العلمي الفني الذي يؤهله لشغل دوره في المجتمع، ومما يعزز الاهتمام المتزايد بالتربية النظامية، وذلك الدور الوظيفي التي تؤديه المؤسسات التربوية في المجتمع الحديث والتي تتمثل في:

وهي بذلك تقدم للأجيال المعرفة العلمية المرتبطة بالاحتياجات التكنولوجية المتقدمة والتي تعزز وجود الإنسان ودوره في المجتمع الحديث.

الصفحة:35

ويمكن تلخيص سمات التربية المدرسية فيما يلي:

 المنهج التربوي Curriculum

يمكن القول بأن المنهج يعتبر نظاما فرعيا من النظام الرئيس المتمثل في النظام التربوي، والذي يعتبر بدوره نظاما فرعيا للنظام الرئيس الأم والمتمثل في النظام الاجتماعي، والمنهج باعتباره نظاما فرعيا يتكون من عناصر أربعة هي: الأهداف، المحتوى، طرق التدريس والتقويم، وكل من هذه العناصر يؤثر ويتأثر بالآخر، وجميعها تؤثر في المنهاج ( عبد الحافظ سلامة : 2000، ص. 19).

وقد استخدم "باسويل" Baswell مصطلح المنهج ليعني به أي محتوى تستخدمه المدرسة عن عمد للتعليم، ويقول "سميث" و"ستانلي Stanely و شورز Shores عن المنهج : " يتم بناء سلسلة من الخبرات الممكنة في المدرسة بغرض تدريب الأطفال والناشئة

الصفحة:36

في صورة جماعية على طرق التفكير والتصرف في السلوك، ومثل هذه المجموعة من الخبرات يشار إليها على أنها المنهج."

أما بالنسبة ل "أونلو" Inlow فالمنهج هو: " المحتوى التعليمي الموجه نحو القيمة والهدف الموجود كوثيقة مكتوبة أو في عقول المعلمين، تلك التي عندما يحركها التدريس، تؤدي إلى تغير في سلوك التلميذ (جورج بوشامب، 1987، ص - ص. 114-115)

إن المنهج يعد بمثابة البرنامج الذي يصمم كي يتمكن التلاميذ من السيطرة بفاعلية على الأنشطة والخبرات التي تحقق لهم مردودات تربوية إيجابية، مع مراعاة أن بعض هذه الأنشطة والخبرات محدد في صورة مجموعة من العمليات الإجرائية، بينما بعضها الآخر غير محدد ويتسم بالعمومية. وقد تعددت التعريفات المقدمة للمنهج التربوي، كما يمكن القول بأن مفهوم المنهج قد عرف تغيرا كبيرا من حيث مدلولاته ومعانيه مما جعله يختلف تماما عن المعنى الذي عرفه سابقا.

وقد ساهمت العديد من العوامل في انتقال مفهوم المنهج من صورته التقليدية إلى صورته الحديثة، ومن بين أهم تلك العوامل التطورات العلمية التي كان لها أثرها على الجوانب التربوية، من ثورة معلوماتية وتكنولوجية، إضافة إلى نتائج البحوث والدراسات التربوية والنفسية التي أظهرت قصورا جوهريا في المنهج التقليدي الذي كان يركز على المحتوى التعليمي، وإفادة النظام التربوي منه بشكل يتلاءم مع حاجات المجتمعات الحديثة. وقد أعطى المهتمون بالتربية تعريفات كثيرة للمنهج التربوي الحديث وكلها حاولت الاستفادة من القصور والسلبيات التي عرفها المنهج التقليدي، حيث أصبح المنهج يعني:

" مخططا تربويا يتضمن عناصر مكونة من أهداف ومحتوى وخبرات تعلمية وتدريس وتقويم، مشتقة من أسس فلسفية واجتماعية ونفسية ومعرفية مرتبطة بالمتعلم ومجتمعه، ومطبقة في مواقف تعليمية داخل المدرسة وخارجها وتحت إشراف منها، بقصد الإسهام في

الصفحة:37

تحقيق النمو المتكامل لشخصية المتعلم بجوانبها: العقلية والوجدانية والجسمية، وتقويم مدى تحقق ذلك كله لدى المتعلم".

كما يعرف بأنه: " عبارة عن مجموعة الخبرات التعليمية، التربوية المصممة في إطار التخطيط المسبق لبلوغ أهداف تربوية وتعليمية بقصد مساعدة المتعلمين على النحو الشامل في جميع مناحي الشخصية، بتهيئة المؤسسات التعليمية في إطار الأهداف، المحتوى، الأنشطة وأساليب التدريس والتقويم (سهيلة الفتلاوي، أحمد هلالي: 2005، ص. 42)

وانطلاقا من هذه التحديدات للمنهج بمفهومه الحديث يتضح أن المنهج هو: "نظام متكامل مكون من مجموعة من العناصر الأساسية وهي: الأهداف، المحتوى، الأنشطة والتقويم، وهي عناصر تشكل وحدة متماسكة ذات علاقات متبادلة، ترمي إلى الوصول الأهداف المرجوة والمتمثلة في تحقيق النمو: الروحي، العقلي، الجسمي، النفسي والاجتماعي بشكل متكامل ومتوازن".

الصفحة:38



6-النظريات الأساسية في علم اجتماع التربية:



تحتل النظرية عموما مكانة هامة في العلم، ولذلك فهي محل اهتمام الباحثين والدارسين، بل نجد هناك من العلماء من جعل اهتمامه دراسة النظرية. وألفت في ذلك مؤلفات عدة، تناولتها بالتعريف والتشخيص والتوضيح والتحليل والنقد. ويكشف التحليل السوسيوتاريخي للتربية في المجتمع مدى العلاقة المتبادلة بين المدرسة والمجتمع عبر العصور التاريخية، وكيف تتأثر المدرسة كمؤسسة اجتماعية تربوية بالنظام التعليمي الذي تنتمي إليه وبطبيعة المجتمع الأكبر باعتباره نسقا كليا يؤثر في توعية المؤسسات والنظم والأنساق ويتأثر بها في نفس الوقت. علاوة على ذلك، إن المدرسة كتنظيم اجتماعي لها أهدافها ووظائفها المتعددة في المجتمع وتهدف إلى تحقيق الأهداف العامة للنظام التعليمي والتربوي والأخلاقي باعتباره المؤسسة الرئيسية في المجتمع والتي تقوم بعمليات التنشئة والتعليم تلك العمليات التي استحوذت على اهتمام العيد من العلوم الاجتماعية ولا سيما علم الاجتماع التربية منذ منتصف القرن الماضي.

وعلى الرغم من ذلك الاهتمام إلا أن المدرسة كمؤسسة اجتماعية لم تلق الاهتمام اللازم مقارنة بغيرها من التنظيمات الاجتماعية. ولعل هذا ما يفسر النشأة التطورية لعلم الاجتماع بصفة عامة وإلى فروعه المتخصصة بصفة خاصة. فعلم الاجتماع التربية مثلا كان متأخرا في الظهور مقارنة بباقي التخصصات الأخرى، وظلت المدرسة بذلك بعيدة عن تحليلاتهم السوسيولوجية. (عبد الله عبد الرحمن، 2001، ص ص 45-46).

وعموما تنقسم المنظورات النظرية في موضوعها على نحو واضح جدا بين تلك المنظورات التي تهتم بالخصائص بعيدة المدى Large Scale للبناء الاجتماعي والأدوار أو ما يعرف ب علم الاجتماع بعيد المدى Macrosociology، وتلك التي تهتم بمواجهات الشخص لشخص Person-to-Person، وتفاصيل التفاعل الانساني والاتصال، أو ما

الصفحة:39

يعرف بعلم الاجتماع قصير المدى Microsociology (رث والاس/ ألسون وولف، 2011، ص:34)

وتجدر الإشارة إلى أن المنظورين الأولين (البنائية الوظيفية والصراع)، اتسمت تحليلاتهما باعتبار المجتمع ونظمه العامة نقطة انطلاقهم الأساسية، ولذا اهتم رواد هذين المنظورين على مدخل الوحدات الكبرى في التحليل، فيما تنطلق نظريات أخرى حديثة كالتفاعلية الرمزية وغيرها من تحليل الوحدات الصغرى وركزت على دراسة مشكلات وقضايا معينة، أو تحليل قضية أو مشكلة فردية ترتبط سواء بالنظام التعليمي أو المدرسي، أو التنظيم أو السلطة أو الفصل الدراسي أو المنهج التعليمي، أو علاقة المدرسين بالتلاميذ أو المدرسة بالمنزل وغيرها. (عبد الله عبد الرحمن، 2001، ص 49)

تمثل النظرية الوظيفية ونظرية الصراع منظورين يهتم كل منهما بالخصائص الكلية للبناء الاجتماعي والطبيعة العامة للمؤسسات الاجتماعية. إنهما يؤكدان على العلاقات (المعاني المتضمنة بين الفئات العامة للموقع الاجتماعي مثل "الطبقات" عند ماركس أو العلاقات "المحايدة وجدانيا" والتي اعتبرها "بارسونز" منتشرة في المجتمعات الصناعية. وتعتبر مناقشات التطور الاجتماعي في سياق الوظيفية ونظرية الصراع موجودة في أوسع نطاق لها من بين جميع الموضوعات السوسيولوجية. إن هذا لا يعني أن النظريات السوسيولوجية بعيدة المدى تقر بأن التصورات والقرارات الفردية ليست ذات صلة بأفكارها.

كما يوضحه كل من "رث والاس" و "ألسون" وولف" في كتابهما "النظريات المعاصرة في علم الاجتماع" (2011، ص (34) حيث وضحا أن منظري تلك النظريات لا يصبون معظم اهتمامهم على سيكولوجية الفرد، وإنما على التنظيمات والمؤسسات ضمن المجتمع، وكذلك على الأدوار المفروضة اجتماعيا التي يلعبها الأفراد داخلها. إنهم ينفقون وقتا قليلانسبيا في تحليل ديناميات فعل الفرد.

الصفحة:40

لذلك سننطلق في تناولنا للنظريات في علم الاجتماع التربية من خلال تقسيمها إلى نظريات كلاسيكية ونظريات ضمن علم الاجتماع التربية الجديد. وقبل التطرق إلى تلك النظريات من الضروري توضيح ماذا تعني النظرية السوسيولوجية.

تعريف النظرية السوسيولوجية:

يعد مصطلح النظرية واحدا من أكثر المصطلحات التي تحمل كثيرا من الغموض، وقد استخدم بأكثر من مدلول، بعضهم يقصد به التصور التجريدي الذي يكونه العالم أو المفكر حول ميدان من ميادين المعرفة الواسعة، وبعضهم يشير به إلى جانب من جوانب الدراسة حيث يقابل الجانب التطبيقي لتلك الدراسة، وبعضهم يشير به على تلك القضايا غير القابلة للاختبار والتحقيق الميداني. (شاكر حسين الخشالي، 2011 )

أولا -النظرية البنائية الوظيفية

احتلت الوظيفية موقعا مهيمنا بين النظريات السوسيولوجية لعدة سنوات، ولأن المنظورات الأخرى انبثقت كتحديات فكرية لها. وبصورة أساسية فإن الجزء الأكبر من قراءات النظرية الحديثة المطلوبة من طلاب علم الاجتماع في الولايات المتحدة كرست لأعمال "تالكوت بارسونز" و "روبرت ميرتون". وقام بعض علماء الاجتماع كذلك باتخاذ موقف أكدوا من خلاله أن التحليل السوسيولوجي والتحليل الوظيفي هما شيء واحد. ومثال ذلك ما ورد في مقال كنجزلي "ديفز Kingsley Davis الذي ألقاه في الجمعية الأمريكية لعلم الاجتماع عام 1959، والموسوم ب "أسطورة التحليل الوظيفي كمنهج خاص في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا. (رث والاس / ألسون وولف، 2011، ص 51). 

تعرف الوظيفية على أنها : " رؤية سوسيولوجية ترمي إلى تحليل ودراسة بني المجتمع من ناحية والوظائف التي تقوم بها هذه البنى من ناحية أخرى. وهي ترى بأن لكل جزء من أجزاء البناء الاجتماعي وظيفة هامة يؤديها، والتي يسعى من خلالها إلى إشباع

الصفحة:41

احتياجات الكائن الإنساني في المجتمع فهي تنظر للمجتمع على أنه نسق ذو أجزاء مترابطة وظيفيا. (عبد العزيز بن علي، 2008، ص 20)

ويعرفها "المعجم الحديث بأنها : " تحليل الظواهر الاجتماعية والثقافية استنادا إلى الوظائف التي تؤديها في نسق اجتماعي ثقافي. تتصور الوظيفية المجتمع بأنه نسق مكون من أجزاء مترابطة مع بعضها، بحيث لا يمكن فهم الجزء بمعزل عن الكل الذي يوجد فيه. إن التغير في أي جزء يؤدي إلى درجة معينة من اللاتوازن، الأمر الذي ينتج في المقابل تغيرات في أجزاء النسق الأخرى ويقود إلى حد ما إلى تنظيم النسق ككل، لقد ارتكز تطور الوظيفية على نموذج النسق العضوي في العلوم البيولوجية. (رث والاس/ ألسون وولف، 2011، ص 52)

تركز الوظيفية على التحليل السوسيولوجي بعيد المدى، ولذلك فهي تهتم بالخصائص الكلية للبناء الاجتماعي والطبيعة العامة للمؤسسات الاجتماعية بما فيها المؤسسات التربوية. ويمكن فهم ما يعنيه الوظيفيون ب العلاقة المتداخلة أو المترابطة بين أجزاء بنائية مترابطة فيه، فهناك المسؤولون عن تذاكر السفر والحجز، وطاقم الصيانة، والطيارون، والمضيفون، والمسافرون، ومسؤولو مراقبة خط الرحلة، والعاملون في المطعم، وحاملوا حقائب السفر، وغير ذلك، لأن جميع هذه الأدوار مترابطة. وربما نحتاج فقط إلى التفكير في اختلال أحد هذه الأدوار حتى ندرك الاعتمادية المتبادلة بينها. هناك العديد من التغيرات التي يمكن أن تقود إلى حالة من اللاتوازن في المطار، مثل إغلاق الخطوط الجوية بسبب الطقس، أو تعطل نظام أجهزة الرادار، أو غير ذلك من الاضطرابات التي تؤدي عند درجة معينة إلى تعطيل مؤقت في النسق بأكمله. (رث والاس / ألسون وولف، 2011، ص ص 53-52).

وقد بدأت النظرية الوظيفية في الانتشار في أوربا وأمريكا خلال النصف الأول من القرن العشرين، وأعلنت هذه النظرية سيادتها على الفكر الاجتماعي التربوي في كثير من

الصفحة:42

دول العالم خلال النصف الثاني من القرن الماضي، ومن أشهر مفكريها: "ايميل دوركايم" R. "و"ميرتون ، A. Schutz "و "شوتز T. Parsons و بارسونز ، E.Dorkhiem Mirt، ويطلق على النظرية الوظيفية في كثير من الأحيان اسم: " نموذج النظام" .Order Mod

وتقوم هذه النظرية على مجموعة من الافتراضات النظرية تحدد طبيعة المجتمع والتربية والعلم الاجتماعي (شبل بدران حسن البيلاوي، 2003، ص 19).

1-  فبالنسبة للمجتمع تقوم النظرية الوظيفية على مجموعة افتراضات مؤداها أن المجتمع يقوم على الاتفاق العام، وأن الاتزان هو جوهر وطبيعة المجتمع وأن أي مجتمع إنما يتكون من أجزاء أو نظم Systems ، أو مؤسسات Institutions، يقوم كل جزء على الآخر في علاقة وظيفية متبادلة بحيث يتحقق في النهاية اتزان كلي في المجتمع، كنتاج لهذه العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع.

2- وفيما يتعلق بالتربية، فإن النظرية الوظيفية تقوم على افتراض هام مؤداه أن التربية والتربية هنا بمعنى المدرسة - هي مؤسسة اجتماعية، ولها الصدارة على غيرها من مؤسسات المجتمع، لما تقوم به من وظائف هامة في بناء واستمرار المجتمعات الحديثة. ونورد فيما يلي أهم القضايا النظرية Propositions ، التي يتفق عليها أصحاب هذه النظرية حول التربية

أن التربية المدرسية - تقوم بطريقة رشيدة وموضوعية بتصنيف وانتقاء أفراد المجتمع وفقا لقدراتهم وإمكانياتهم. وبذلك تساعد المدرسة على تحقيق المساواة الاجتماعية بين أفراد المجتمع، أو على الأقل بتحقيق الفرصة المتكافئة أمام المجتمع. فالمدرسة أداة المجتمع لتحقيق الكفاءة والمساواة بين جميع أفراده.

والتربية بذلك - أي بما تقوم به من تصنيف وانتقاء لقدراتهم ، تساعد على خلق مجتمع يقوم على الجدارة والاستحقاق، كما تساعد على خلق مجتمع طبقي مرن غير مغلق تتحدد فيه المكانة الاجتماعية للأفراد وفقا لما يملكونه من مواهب وقدرات، ومن ثم تتاح

الصفحة:43

لهم فرص واسعة ومتكافئة في عملية الحراك الاجتماعي - في كل الاتجاه داخل طبقات المجتمع.

التربية - المدرسية - أداة لإعداد الأيدي العاملة والماهرة التي تستطيع أن تقابل متطلبات التطور التكنولوجي في سوق العمل. فالتربية هي الوسيلة لتزويد الجيل الناشئ بالمهارات والتدريبات الخاصة والعامة الضرورية لمتطلبات العمالة الماهرة في مجال التصنيع.

وبذلك فالأنساق الفرعية كالنسق التعليمي يتم تحليله من زاوية وظيفتها في تحقيق التضامن الداخلي بين مكونات المجتمع. فالنظام التعليمي يلعب دورا أساسيا في البناء الاجتماعي ككل ويؤثر في جميع النظم الاجتماعية الداخلة في تكوينه، حيث يؤثر في النظام الاقتصادي السائد فوظائف التمييز والانتقاء تجعل التعليم بالضرورة على علاقة وثيقة بالظواهر الديموغرافية للمجتمع وأيضا نظام التدرج الطبقي السائد في المجتمع.

كما أن وظيفتي الضبط الاجتماعي والتكامل الاجتماعي ودورهما في نقل قيم المجتمع تجعل من الضروري وجود علاقة وثيقة بين التعليم ونظام القيم السائد في المجتمع ومع المؤسسات الدينية بل مع الدولة ذاتها من حيث هو أداة من أدوات الضبط بالإضافة إلى الدور الذي يقوم به التعليم في تغيير الاتجاهات الاجتماعية. (حمدي علي أحمد، 2002، ص133)

وانطلاقا من هذه القضايا أو المنظور الفكري الذي تقوم عليه الوظيفية فقد اتجه البحث التربوي فيها إلى دراسة ثلاث محاور رئيسية هي:

الصفحة:44

ويحدد رولاند "ميجهان Roland Mejehan ملامح التحليل الوظيفي للأنساق التربوية فيما يلي:

الجذور الفكرية للنظرية الوظيفية وروادها :

يعتبر كل من "كونت" و"سبنسر" و"باريتو" و "دوركايم"، وفيما بعد رواد الأنثروبولوجيا "راد كليف براون"، و"مالسنوفسكي"، الرواد المفكرون الأكثر أهمية بالنسبة للوظيفية المعاصرة. لقد ركز كل من "كونت" و"سبنسر" و"باريتو" على الاعتماد المتبادل بين أجزاء النسق الاجتماعي، كما ركز "دوركايم" على التكامل أو التضامن، وقد كان فكره ملهما لكل من راد كليف "براون"، و"مالسنوفسكي" في تحليلاتهما لوظيفة المؤسسات الاجتماعية. (رث والاس / ألسون وولف، 2011، ص 54).

الصفحة:45

لم يكن علم الاجتماع التربية عموما ليتطور ويتقدم ويصل إلى ما وصل إليه من كم النظريات والمعارف التي تفسر العلاقات المتبادلة بين الظواهر التربوية والمجتمع، لولا تلك الجهود الكبيرة التي بذلها أشخاص وهبوا أنفسهم لتقدم هذه المجالات وتطويرها، وهؤلاء هم التربويين وعلماء الاجتماع التربية، وقد كان إنتاجهم تراكمي البناء، فالبعض أخذ عن الآخر وزاد عليه. والبعض الآخر نقد آراء الآخرين وجدد فيها، حتى وصل إلى الحقيقة، والبعض سيأتي ليتعامل مع ما وصل إليه هؤلاء العلماء، ويوصلنا إلى حقيقة وحقائق أخرى. فالعلم متجدد ومتطور لصالح المجتمع عموما (محمد حسن عمارة، 1999، ص 294)

وأهم رواد البنائية الوظيفية أو غالبيتهم هم ذاتهم رواد علم الاجتماع الغربيين الأوائل من أمثال: "أوغست كونت A. Conte، "دوركايم" Durkheim، و"سبنسر" .A Spencer، و"فيبر" Weber ، بالإضافة إلى الجيل الثاني من رواد علم الاجتماع من أمثال : تالكوت بارسونز T. Parsons ، وكنجزلي "دايفز K. Davis و ولبرت مور" W. Moore وروبرت ميرتون Merton ... و ويلارد "وللر W. Waller ، ونيل سملسر" .N Smelser. بالإضافة إلى عدد آخر من علماء الاجتماع التربية المعاصرين من أمثال: Claek" و"كلارك ،Ashpy" "و"أشبي ،Ottaway "أوتاوي" Musgrave "ميسجرفي" و "فلود" Floud، و"هالسي" Halcey وغيرهم. (عبد الله عبد الرحمن، 2001، ص 49)

إن استعراض هذا الكم من الرواد لا يعني أن الأمر يقتصر عليهم ولكن الحقيقة أن هناك الكثير غيرهم لا يتسع المجال لذكرهم جميعا، كما لا يتسع المجال لذكر جهود وأعمال كل منهم في ميدان علم الاجتماع التربية، لذلك سيتم الاكتفاء في هذا العمل بالتركيز على أعمال كل ايميل دوركايم" و "تالكوت "بارسونز" و "كنجزلي دايفز " و "ولبرت مور". باعتبارهم من بين النماذج الرائدة والفاعلة التي تركت بصمة كبيرة في علم الاجتماع التربية.

الصفحة:46

إيميل دوركهايم:

هو سوسيولوجي ولد بفرنسا عام 1858 وتخرج من دار المعلمين العليا سنة 1882 متخصصا في الفلسفة، اشتغل بالتدريس في المدارس الثانوية لهذه المادة، وكانت رسالة الدكتوراه التي قدمها سنة 1885 عن تقسيم العمل الاجتماعي. ودرس في ألمانيا، ليعين بعد ذلك لتدريس العلوم الاجتماعية والتربوية في جامعة بوردو وجامعة السوربون، وتدرج حتى أصبح أستاذا سنة 1906 حيث أصبح مؤسس المدرسة الاجتماعية الفرنسية، وتوفي سنة 1917 بعد أن ترك دراسات عديدة اجتماعية وفلسفية وتربوية وخلقية ودينية. (محمد حسن عمارة، 1999، ص ص 294 295). ويعتبر مؤسس علم الاجتماع التربية في فرنسا كما سبقت الإشارة إليه. ويرجع الفضل إلى أعماله في بلورة النظرة الاجتماعية للتربية، حيث مهدت جهوده لإظهار العلاقة والصلة بين التربية وعلم الاجتماع.

ويعرف "دوركهايم" التربية باعتبارها: "التأثير الذي تمارسه الأجيال الأكبر سنا على تلك الأجيال التي ليست مؤهلة بعد للحياة الاجتماعية. وهي تهدف لأن توقظ وتنمي في الطفل تلك القدرات الفيزيقية والعقلية والأخلاقية، والتي يتطلبها منه مجتمعه ككل، وتتطلبها منه البيئة المقرر أن يعيش فيها. (فادية عمر الجولاني، بدون سنة، ص ص 24 25 ) .

ويعتبر "دوركهايم" أن التربية نظام اجتماعي يتفاعل مع نظم ومؤسسات المجتمع الأخرى، أي يؤثر فيها ويتأثر بها. كما أكد على أهمية التنشئة الاجتماعية باعتبارها العملية الأساسية التي تتم خلالها عملية تكوين الضمير الجمعي لدى الفرد من خلال مجموع القيم والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع. وكذلك إحكام عملية الضبط الاجتماعي فيما يتعلق بالعلاقة بين المجتمع والثقافة.

كما يميز "دوركايم" بين العموميات الثقافية التي تتضمن الأفكار والمعارف والقيم والعادات والتقاليد والمعايير الأساسية والتي تهدف التربية إلى أن يكتسبها جميع أعضاء

الصفحة: 47

المجتمع بغض النظر عن الطبقة والمهنة التي ينتمون إليها، وبين الخصوصيات الثقافية التي تتضمن الأفكار والمعتقدات والمعايير الاجتماعية وأساليب التفكير التي تميز أعضاء طبقة أو مهنة أو فئة معينة في تفاعلهم وسلوكياتهم. (على السيد محمد الشخيبي، 2008،ص (54

عارض دوركايم التربية المثالية وتحديدا كمال الإنسان وكان يرى أن وظيفة التربية هي إعداد النشء للحياة الاجتماعية، وينبغي أن يراعي في ذلك حاجات المجتمع، ومن العبث تربية الطفل دون مراعاة لبيئته، فالإنسان المجرد لا وجود له. (محمد حسن عمارة 1999، ص295)

وقد أعطى "دوركايم" مدلولا واسعا للتربية على أنها مجموعة التأثيرات التي يمكن أن تجريها الطبيعة والبشر على ذكاء وإرادة الإنسان، واتفق في ذلك مع ما حدده "ستيوارت ميل" في أن التربية هي: جميع ما نفعله بأنفسنا، وجميع ما يفعله الآخرون لأجلنا سعيا للتقرب من الكمال في طبيعتنا." (محمد حسن عمارة، 1999، ص 295). كما يعتبر "دوركهايم" أن دور التربية هو إعداد الفرد للحياة في مجتمعه لكي يصبح قوة منتجة، ومن ثم يؤكد على ضرورة الاهتمام بالتخطيط التربوي في ضوء التخطيط الشامل للمجتمع. (على السيد محمد الشيبي، 2008، ص54)

وتطرق "دوركايم" كذلك للواقعية فلم ينشر آراء خيالية لا يمكن تطبيقها إنما تمسك بواقع الطفل في بيئته وإمكانياته، واقتنع بأهمية التجديد في التربية، لأنها مرتبطة بالمجتمع المتجدد المتغير، المتعرض لظروف متغيرة، والذي يحتم تغير أساليب التربية وفق هذه الظروف، كما أنه أبرز تداخل التربية في المجتمع، لأن التربية تحدد وفق متطلبات المجتمع، كما أن التربية تتدخل بدور فعال لتغيير هذا المجتمع. (محمد حسن عمارة، 1999، ص296)

الصفحة:48

وأشار "دوركايم" إلى أنه لا يوجد نوع واحد أو مثل أعلى واحد للتربية عند كل الناس، فالاختلافات في النواحي الاجتماعية والثقافية تلعب دورا كبيرا في نوع البرامج التربوية في المجتمعات المختلفة. فمتطلبات المجتمع الحديث تستلزم وجود مؤسسات تربوية منظمة ورشيدة، وذلك أحد متطلبات المجتمع الحديث للضبط الاجتماعي. (حسين عبد الحميد أحمد رشوان، 2005، ص129)

تالكوت بارسونز

يعتبر" تالكوت "بارسونز Talcott Parsons واحد من أبرز علماء الاجتماع المعاصرين في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ولد فيها عام 1902 وتوفي في ميونيخ عام 1979. وتكشف سيرته عن اهتمامه المبكر بالعلوم الطبيعية، وعلم الحياة، ومن ثم تخصصه المعمق في علم الاجتماع، بعد أن تنقل خلال حياته بين الولايات المتحدة، وبريطانيا وألمانيا، وعدد من الدول الأوربية الأخرى. له مؤلفات عديدة يظهر من خلالها تأثره الواضح بأعمال كل من "ماكس فيبر"، و"إميل دوركهايم"، و"فيلفريد باريتو" وغيرهم. (يوسف بريك: http://www.arab-ency.com/index.php)

يرى "بارسونز" أن الأفراد باعتبارهم أعضاء في النسق الاجتماعي تتم تنشئتهم عن طريق النظام التربوي الذي يهدف لإعدادهم لممارسة أدوارهم المتوقعة منهم في مجتمعهم مستخدما مجموعة من الجزاءات الإيجابية والسلبية لتحقيق ذلك. ومن ثم أوضح طبيعة العلاقة بين الشخصية والبناء الاجتماعي ودور التنشئة الاجتماعية في تحقيق التوازن في المجتمع. كما أكد "بارسونز" أن النظام التعليمي مسؤول عن إعداد الموارد البشرية المؤهلة اجتماعيا ومهنيا للقيام بدورها المستقبلي في المجتمع، وأن وظيفة المدرسة هي الاكتشاف المبكر لقدرات التلاميذ واستعداداتهم وتوجيههم وتنمية دوافعهم للعمل.

الصفحة:49

ويبقى دور المعلم هو مساعدة التلاميذ في عملية إدراك المعرفة، وقد ميز "بارسونز" بين المدرسة وغرس قيم المجتمع في شخصيته، والمدرسة الثانوية التي تهتم أكثر بالإعداد الأكاديمي والتخصص كأساس لاختيارات الطالب في المرحلة الجامعية ومواصلة الدراسة بها. كما أوضح "بارسونز" أهمية الأسرة ودورها في عملية التنشئة الاجتماعية حيث تلعب دورا هاما في تكوين شخصية الطفل وتعليمه قيم واتجاهات وعادات وتقاليد مجتمعه مما يساعده على ضبط سلوكه اجتماعيا وعدم انحرافه على (السيد محمد الشخيبي، 2008، ص ص54-55)

ويشير بارسونز في تفسيره الكلاسيكي للنظام التعليمي الأمريكي إلى أن التنشئة الاجتماعية الأولى للطفل تتم داخل الأسرة، في ضوء مستويات ومعايير خاصة بالأسرة والوالدين، وهي محكات ومعايير يقوم الوالدين بتنشئة وتعليم أبنائهم في ضوئها. ولا يمكن أن تطبق على كل الأفراد . أما في المجتمع فتتم تنشئة الأفراد في ضوء معايير عامة تطبق على كل الأعضاء، وعليه ينظر إلى المدرسة باعتبارها جسرا بين الأسرة والمجتمع ككل فهي مؤسسة اجتماعية أسند إليها المجتمع وظيفة التنشئة الاجتماعية نتيجة لتعقد المجتمع. يؤكد "بارسونز" على أن للنظام التعليمي في المجتمع الرأسمالي وظيفتين أساسيتين: (حمدي علي أحمد، 1997، ص130)

وظيفة التنشئة الاجتماعية وعملية الإعداد المهني من خلال الانتقاء والاختيار. ويرى "بارسونز" أن الأفراد باعتبارهم أعضاء في النسق الاجتماعي تتم تنشئتهم اجتماعيا عن طريق النظام التربوي الذي يعدهم لممارسة أدوارهم المتوقعة منهم في مجتمعهم، وعليه ربط "بارسونز" بشكل واضح بين التربية وعملية التنشئة الاجتماعية ودورها في إعداد الشخصية وتحقيق التكامل الاجتماعي للأفراد باعتبار أن بناء الشخصية يتم تحديدها من خلال التنشئة الاجتماعية والنسق الاجتماعي. وهنا يؤكد "بارسونز" على أن وظيفة النسق التربوي هي نقل

الصفحة:50

التراث الاجتماعي للشخصية من ناحية والحفاظ على التراث الثقافي بإكسابه للشخصية من ناحية أخرى. وتأتي أهمية النسق التربوي للمجتمع من خلال قيامه بوظيفتين أساسيتين:

أ-انتظام السلوك البشري وتقنينه واستيعاب توقعات المجتمع المتعلقة بالأدوار التي يشغلها الأفراد.

ب -المحافظة على الثقافة العامة للمجتمع.

وفي ضوء ذلك يحدد "بارسونز" وظيفتين أساسيتين للمدارس كأنساق اجتماعية.

أ-تقديم الأساس الذي تنهض عليه عملية التنشئة الاجتماعية.

ب-تعمل المدارس باعتبارها ميكانيزمات يتم بواسطتها تحديد أدوار الراشدين من الأفراد.

فالمدرسة في رأي "بارسونز" تنمي نمطين أساسيين من الالتزام، يتمثل الأول في الالتزام بالقيم الاجتماعية، بينما النمط الثاني يتمثل في الالتزام بتحديد نمط الدور الذي يمارسه الفرد في مرحلة الرشد. وهذه الالتزامات تحددها أنواع التعليم المختلفة. فالتعليم الأولي يؤكد الالتزام الأول الخاص بتشرب واستدماج القيم الاجتماعية للمجتمع، أما التعليم الثانوي والجامعي فيساعد على تحديد نمط الدور التخصصي الذي يشغله الفرد في مرحلة الرشد.

ويمكن تلخيص أفكار "بارسونز" بشأن التعليم فيما يلي:

1-يقوم التعليم بوظيفة التنشئة الاجتماعية ونقل قيم المجتمع إلى الجيل الجديد، وبهذا يضمن استمرار المعايير والقيم، وكذا التوازن المستمر والسيطرة على المهارات. فالتعليم عند بارسونز" يلعب دورا حيويا في تكامل المجتمع.

2-تعمل المدارس في إطار رؤية "بارسونز" على أساس مبادئ مجتمع الجدارة التي تقوم فيها المكانة المكتسبة على أساس الجدارة والقدرات وأن تلك المبادئ التي تطبق على جميع أفراده. فتعد المدارس الصغار وتدربهم على أدوار البالغين من خلال عملها وفقا لآليات عمل المجتمع ككل. (حمدي علي أحمد، 1997، ص ص 131 132)

الصفحة:51

ويذهب "بارسونز" إلى أن الضبط الاجتماعي هو الذي يحقق اسمرار وتوازن الأنساق، وأن وسيلة الضبط تتجسد في القيم التي يتعلمها الأفراد في عملية التنشئة الاجتماعية، ومن وجهة نظرهم فإن التربية هي النسق المعني بالضبط الاجتماعي بصفة خاصة، والطلاب عليهم أن يتعلموا من خلال طرق شكلية ولا شكلية المعاني والقيم مثل النظام والاحترام والطاعة والدقة في مراعاة المواعيد والمثابرة.. (محمد حسن عمارة، 1999، ص 288)

وفي إطار هذه العملية تغرس المدارس في الأطفال القيم الأساسية للمجتمع وتنشئته وفقا لها.

يقوم النظام التعليمي بانتقاء الأفراد وتحديد أدوارهم في المجتمع في ظل نظام التدرج الطبقي، فهو يعمل على تعيين الموارد البشرية في إطار بناء الأدوار الخاص بمجتمع البالغين. فالنظام التعليمي هو الميكانزيم الذي من خلاله تحدث المنافسة والاختيار. فالمجتمع يقوم بفرز أعضائه إلى من هم قادرين أكثر، ويقوم هذا النظام بدور هام في إكساب الأفراد المهارات والاتجاهات التي يحتاجونها للقيام بدورهم في المجتمع.

يغرس النظام التعليمي بمؤسساته في المجتمع الرأسمالي قيمتين أساسيتين هما: قيمة الإنجاز اللازمة للمجتمع الصناعي، وقيمة تكافؤ الفرص وذلك من خلال تشجيع الطلاب على التنافس لتحقيق مستويات عالية من النجاح وتخصيص المكانات والحوافز لمن يحققون ذلك.

يشير "بارسونز" إلى أن النظام التعليمي في المجتمع الرأسمالي يهدف وبصفة عامة إلى انتقاء الأفراد طبقا لقدراتهم ومؤهلاتهم. حيث يفترض "بارسونز" وغيره من الوظيفيين أن هناك تطابقا تقريبيا بين الذكاء الفردي والانجاز التعليمي في المدارس، وكذا الوظيفة التي يحصل عليها. لقد أوضح "بارسونز" أن المكانة المهنية يتم وضعها في المجتمع الرأسمالي على

الصفحة:52

أساس من الانجاز باعتباره خاصية أساسية ومعيارا أساسيا في المجتمعات الرأسمالية الحديثة.

إن تأكيد "بارسونز" على التخصص المهني المرتبط بقدرات الطالب ودافعيته مسألة يتطلبها الإنتاج في المجتمع الحديث لتحقيق النمو الاقتصادي وهذا من شأنه المحافظة على استقرار واستمرار وبقاء المجتمع باعتباره أحد متطلبات النسق الصناعي الحديث.

لقد اعتبر "بارسونز" النظام التربوي مسئولا عن إعداد الموارد البشرية المؤهلة اجتماعيا ومهنيا للقيام بدورها المتوقع في المجتمع. فدور المدرسة كما يؤكد "بارسونز" يتضمن اكتشاف قدرات التلاميذ مبكرا والعمل على توجيهها، وتنمية دوافعهم للعمل والإجادة في الأداء مؤكدا أن دور المدرس في مساعدة الطالب على إدراك ومعرفة طبيعة قدراته وتوجيهه لحسن استغلالها. فالمدرسة " حسب "بارسونز" مدرسته يتم من خلالها تدريب الأفراد ليكونوا مهنيين وفنيين للقيام بأدوار الراشدين (حمدي علي أحمد، 1997، ص ص 133 134).

الصفحة:53

كنجزلي دايفز وولبرت مور

"كنجزلي دايفر" "ولبرت مور" K.Davis & W.Moor هما سوسيولوجيان أمريكيان، ويعتبر "دافز" ( 1908 (1997)، فيلسوفا اجتماعيا وديموغرافيا أمريكيا، وهو واحد من أبرز علماء الاجتماع في القرن العشرين. قاد وأجرى دراسات كبرى لمجتمعات أوربية، في أمريكا الجنوبية، في أفريقيا وآسيا.

وقد نشر مقالا هاما مع ولبرت" "مور" بعنوان بعض مبادئ الطبقية"، والذي كان له تأثير وظيفي كبير باعتبار الطبقية من أسباب اللامساواة الاجتماعية. قام "مور" و"دايفز" بتوليف أعمال كل من "دوركايم" و"بارسونز" فيما يتعلق بالضرورة الوظيفية لبعض المواقف.

(The Editors of The Encyclopædia Britannica.http://www.

Britannica.com) 

وبذلك فإن كل من "مور" و"دايفز" يكمل وجهة النظر الوظيفية في دراسة النظام التعليمي. فهما شأنهما شأن "بارسونز" ينظران للتعليم باعتباره أداة لتخصيص الدور Rôle Allocation، ولكنهما يربطان النسق التعليمي بصورة مباشرة بنسق التدرج الاجتماعي Social Stratification، ويذهبان إلى أن نظام التدرج الطبقي يقوم بوظيفة انتقاء ووضع الأفراد في أدوار ومراكز متباينة طبقا لقدراتهم، فهو وسيلة تضمن أن يشغل الأفراد الأكثر جدارة وقدرة في المجتمع للمواقع ذات الأهمية، ويعني هذا أن الأفراد سوف يتنافسون للوصول إلى شغل المراكز الهامة. وهنا يلعب النظام التعليمي دورا هاما في هذه العملية، فهو أداة لاختبار القدرة واختيارها ووضعها في مواقع مختلفة طبقا لقدراتهم. فالنظام التعليمي يقوم بتمحيص وفرز وتصنيف الأفراد ويرتبهم ويعينهم في المجتمع في ضوء مواهبهم وقدراتهم. (حمدي علي أحمد، 1997، ص (134.

الصفحة:54

أزمة النظرية البنائية الوظيفية

ظلت الأفكار الوظيفية الكلاسيكية التي مثلها كل من "دوركايم" وبارسونز" مسيطرة على الفكر الاجتماعي بصفة عامة، وتحليل النسق التعليمي بصفة خاصة، وقد ارتبط علم الاجتماع الوظيفي بنمط الهيمنة الرأسمالية واندمجت في نسيجها، حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ من تلك الهيمنة فما إن انفجرت الأزمة خلال الستينات، واهتزت أنماط الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المهيمنة، حتى ارتبك علم الاجتماع الوظيفي ووقع في أزمة عنيفة.


لقد كانت الحركات الجماهيرية والطلابية داخل المجتمعات الرأسمالية وخارجها، أهم ما فجرته أحداث وأنباء تلك الفترة حركة الحقوق المدنية التي طالبت بالمساواة وأزمة الصواريخ الكوبية والحرب الباردة، وحرب فيتنام وما أثارته من حركات طلابية وجماهيرية مناهضة للحرب والتدخل الأمريكي في فيتنام... كل هذه الأحداث وغيرها فجرت صراعا اجتماعيا عنيفا، وحتمت تغييرا واسعة في بنية النسيج السياسي والاجتماعي المهيمن في تلك البلاد. (شبل بدران / حسن البيلاوي، 2000، ص 24)

لقد هيمن الاتجاه الوظيفي على علم الاجتماع التربية بل وعلى كل مجالات النشاط الأكاديمي في التربية هيمنة راسخة خلال فترة الخمسينيات والستينيات. وقد اندمج هذا الاتجاه مع نمط الحياة السياسية والاقتصادية التي سادت تلك الفترة وكان مؤثرا فيها وفعالا، ودعم بسخاء من المنظمات والهيئات والمؤسسات في الو.م.أ ومن البنك الدولي واليونسكو، وسائر الحكومات الغربية. ويقول كاربل وهالسي" أن اتساق هذا الاتجاه الوظيفي في علم الاجتماع التربية مع الإيديولوجية اللبيرالية السائدة ومع اهتمام رجال الصناعة بالتوسع في التعليم جعل هذا الاتجاه جذابا ومقنعا لهؤلاء الذين يملكون ويتحكمون في تمويل المشروعات البحثية وذلك بصرف النظر عن مدى صحة أو عملية أو معقولية هذا الاتجاه في التربية (الراشدان عبد الله، 2008، ص 35)

الصفحة:55

وفي علم الاجتماع التربية نجد أن أزمة النظام الرأسمالي قد أثارت وعيا جديدا تجاه المشكلات الجديدة في المجال التربوي: مشكلة الفقر، البطالة، العنصرية، الاغتراب والجريمة. كما كانت فترة الخمسينيات والستينيات هي فترة التوسع والإصلاح في التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية وأروبا، انتشرت المدارس وتفاقم عدد الطلاب وتنوعت طرائق التدريس واستنبطت التجارب التربوية الجديدة. وبدأت الستينات تنقضي ولم تتحقق آمال وتطلعات الجماهير التي عقدت على مثل هذا التوسع والإصلاح التعليمي.

إن فشل التوسع والإصلاح التعليمي في تحقيق النتائج التي بشرت بها النظريات الوظيفية كان هو التحدي الحقيقي - الامبريقي لهذه النظرية التقليدية، وساهم كثير من الباحثين وعلماء الاجتماع التربية في مناقشة الأزمة في التربية. (شبل بدران حسن البيلاوي، 2000، ص ص 25 27) فظهرت العديد من النظريات التي عملت على نقد آراء البناية الوظيفية في التعليم.

الصفحة:56

ثانيا -النظرية الصراعية

الجذور الفكرية للنظرية الصراعية:

تأثر أصحاب هذه النظرية بالفكر الماركسي، وحسب رأيهم أن التاريخ الإنساني ما هو إلا تاريخ الصراع بين الطبقات، وأن الإنسانية عبر تاريخها قد مرت بمراحل معينة تميزت كل منها بنمط إنتاجي خاص بها، وهذه المراحل هي: المجتمع القديم (السادة والعبيد)، المجتمع الإقطاعي (كبار ملاك الأرض والأقنان)، المجتمع الرأسمالي (الرأسماليون والعمال الصناعيون)، وأخيرا المجتمع الشيوعي. (محمد حسن عمارة، 1999، ص 289)

والماركسية مصطلح يدخل في علم الاجتماع والاقتصاد السياسي والفلسفة. وقد سميت بالماركسية نسبة إلى منظرها الأول كارل ماركس، وهو فيلسوف ألماني وعالم اقتصاد وصحفي ثوري. أسس نظرية الشيوعية العلمية بالاشتراك مع فريدريك إنجلز". فقد كان الاثنان اشتراكيين بالتفكير، لكن مع وجود الكثير من الأحزاب الاشتراكية، تفرد ماركس و "أنجلز" بالتوصل إلى الاشتراكية كتطور حتمي للبشرية وفق المنطق الجدلي وبأدوات ثورية. فكانت مجمل أعمالهما تحت اسم واحد وهو الماركسية أو الشيوعية العالمية.

وتجدر الإشارة إلى أن الماركسية لم تشتمل تناولا كبيرا للقضايا التعليمية، بقدر ما يلاحظ أن الماركسيين الذين حملوا رسالة "ماركس" ركزوا على تفسير هذه العملية عن طريق نقدهم للاتجاهات الليبرالية الرأسمالية مستخدمين البعد التحليلي التاريخي لعملية تطور النظام التعليمي والمدرسي مع بداية القرن التاسع عشر، خاصة بعد أن منحت الطبقات الاجتماعية أو معظمها الفرصة للحصول على التعليم أو الاهتمام بالمدارس، ولكن اختلفت الصورة الواقعية بعد ذلك في الدول الغربية المتقدمة ولا سيما الولايات المتحدة حيث ظهرت الكثير من الفوارق الاجتماعية والطبقية نتيجة للالتحاق أو فرصة الدخول بالمدارس التي تؤهل إلى مراكز اجتماعية وسياسية مرموقة تمنح عموما لطبقات اجتماعية معينة دون غيرها. (عبد الله محمد عبد الرحمن، 2001، ص 65).

الصفحة:57

إن ما يركز عليه منظورا الصراع يتمثل في وجهة النظر المرتبطة بالأفراد والجماعات الهادفة التي تتصرف من أجل ضمان غاياتها. (رث والاس / أليسون وولف، 2011، ص37)

وتنطلق الرؤية الماركسية في تحليل التعليم من الافتراض الأساسي:

وجود تأثير بين نمط علاقات الإنتاج في المجتمع والبنية التحتية، على مجمل مظاهر البناء الفوقي بما يتضمنه من فكر وقيم وتعليم. وأن هذا التأثير هو المحدد الأساسي في بلورة وظيفة التعليم في مجتمع ما يهدف إلى إعادة إنتاج العلاقات الاقتصادية والاجتماعية السائدة فيه ومن ثم فإنه بناء على وضعهم الطبقي يتحدد مصيرهم وموقعهم من البناء الاجتماعي. وبالتالي فإن للتعليم وظيفة أساسية في الصراعات الاجتماعية حول المكانة

التعليم هو أداة لتصنيف الأفراد كل حسب طبقته الاجتماعية.

تنعكس الأوضاع الطبقية على النظم التعليمية ونتائجها.

أهداف النظام التعليمي في النظرية الماركسية

- يعمل النظام التعليمي على إعادة إنتاج بناء الطبقة:

ماديا: أي عدم تكافؤ الفرص في الثروة والدخل.

ثقافيا : أي من ناحية اتجاهات وقيم الأفراد في الطبقات المختلفة.

- يسعى النظام التعليمي إلى إنتاج إيديولوجية الطبقة الرأسمالية.

- التعليم هو أحد أدوات استمرار هيمنة طبقة الرأسمالية.

- السعي وراء المحافظة وكذا تعميق التفاوت الاقتصادي والاجتماعي عن طريق النظام التعليمي. (حمدي علي أحمد ، 1997، ص 148–149).

الصفحة:58

وتعكس تحليلات بعض من أنصار منظور الصراع رؤيتهم للتعليم، والنظام المدرسي أو المدرسة ودورها في المجتمع باعتبارها المؤسسة الاجتماعية التي تلعب دورا أساسيا في عمليات التنشئة الاجتماعية ولا سيما في المجتمعات الرأسمالية أو باعتبارها أداة من أدواة النظام الرأسمالي الذي يقوم على الاحتكار المنافسة، الطبقية اللامساواة، والملكية وغير ذلك من متغيرات كثيرة تؤدي إلى عملية الاغتراب Aleination في المجتمع الرأسمالي.

ومن أنصار هذا الاتجاه نجد على سبيل المثال: "موريس لفتاي" M.Levitas، "س. باولز" C.Bowles، "جانيتس" Gintis، بالإضافة إلى بعض أنصار الماركسية من الجيل الثاني لروادها مثل: "رالف "دارندوف" R.Darhrendrof، و ويلارد" "والر W.Waller وغيرهم.

ويعرض بعض المحللون المحدثون لأفكار "ماركي" والتي لها مضامين تتعلق بالتعليم أو النظام التعليمي في المجتمع الحديث، بأنها تركزت أولا على تفسير عملية التغير في المجتمعات البشرية وكيفية وأسباب حدوثها، وخاصة عندما سعت الطبقات الفقيرة إلى التعليم للحصول على المكاسب الاقتصادية والاجتماعية منذ بدأت عملية التحول من المجتمعات الإقطاعية الزراعية إلى المجتمع الصناعي. كما ظهرت عملية الحراك الاجتماعي لتظهر طبيعة العلاقة بين حراك الطبقات الاجتماعية وعملية الملكية، كما جاء الصراع الاجتماعي ليشير بوضوح إلى الصراع حول المكاسب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهذا ما يفسر عموما في ضوء صراع الطبقات. (عبد الله محمد عبد الرحمن، 2001، ص ص 64-65)

المنطلقات الفكرية الأساسية لمنظري الصراع في المجال التربوي:

ويحدد "عبد الله محمد عبد الرحمن (2001، ص، ص 65-68) الأفكار الأساسية التي ينطلق منها منظرو الصراع في المجال التربوي في الأفكار التالية:

- اعتبروا النظام المدرسي أو دور المدرسة في المجتمع الرأسمالي، بما في ذلك عمليات التدريب أو التأهيل المهني للتلاميذ أو الشباب من صغار السن تركز على عملية

الصفحة:59

إعداد هؤلاء من أجل أن يصبحوا بعد ذلك من القوة العاملة التي تختارها مؤسسات وتنظيمات النظام الرأسمالي والذي تنعم بمكاسبه الطبقة الرأسمالية من أصحاب العمل والشركات الإنتاجية. علاوة على ذلك أن العملية التعليمية بما فيها من مظاهر مختلفة لعملية التعلم والتنشئة الاجتماعية تكرس بالدرجة الأولى على تغير الوسط الاجتماعي والمناخ الثقافي للتلاميذ وليس فقط على مستوى حياتهم الدراسية اليومية، ولكن أيضا في مجتمعاتهم وبيئتهم التي ينتمون إليها بهدف توجيهها إلى داخل حلبة النظام الرأسمالي ذاته، وإلى إعدادهم النفسي والمهني والسياسي لكيفية استقلالهم بواسطة المتخصصين الأصليين من النظام الرأسمالي أو اللبرالي فقط.

 -يرون أن المدارس في المجتمعات الاشتراكية كانت أكثر نفعية وتعبيرية لآراء التلاميذ وميولهم واتجاهاتهم أكثر من مثيلتها في المجتمعات الرأسمالية في الولايات المتحدة الأمريكية.

 -كما تعتبر المدرسة وسيلة لممارسة القهر Coercion على التلاميذ، وذلك عن طريق طبيعة اليوم الدراسي وما به من مظاهر مختلفة لهذا القهر أو ممارسة السلطة بواسطة المدرسين والقواعد واللوائح المدرسية كتنظيم يقوم على الطابع التسلطي ذا الطابع الرأسمالي الغربي. كما يظهر القهر في النظام التعليمي الرأسمالي من خلال المنهج الدراسي Curriculum، وبتحليل هذا الأخير يظهر القهر والقيود المرتبطة به. خاصة وأن طبيعة المعرفة العلمية والمنهجية التي تقدم للتلاميذ تجعل كثيرا منهم في حالة اغتراب عن هذه المعرفة أو ذلك النظام.

- المدارس هي بيئة للصراع بين الإدارة المدرسية أو المدرسين الذين يمتلكون القوة كممثلين للتنظيم المدرسي يسعون إلى تغيير سلوكيات التلاميذ وإكسابهم معارف ومهارات، وبين عدد من التلاميذ الذين يقاومون هذه السيطرة أو النفوذ ولا يقبلون أن يمارسوا الدور المثالي للتلميذ، وهذا ما ينطبق كثيرا على مظاهر متعددة من عدم الامتثال والطاعة أو الخضوع التي تظهر داخل المدارس. وتشير عموما إلى طبيعة

الصفحة:60

الصراع Conflit وهذا ما يعيب المدارس عموما بأنها تنظيمات تحتوي على الصراع الظاهر بين فئاتها المختلفة وهذا ما يظهر بوضوح بين التلاميذ أو المدرسين على سبيل المثال.

- ينتقد أنصار المنظور الماركسي أو الصراع المدرسة البنائية الوظيفية من ناحية عدم تعبيرها عن مظاهر الخلل في البناءات الاجتماعية داخل تنظيمات المدرسة التعليمية كغيرها من التنظيمات الأخرى التي توجد في المجتمع الرأسمالي والتي يسودها مظاهر من التوافق والانسجام والتعاون والامتثال والطاعة وتحقيق الأهداف وغيرها من متغيرات متعددة توضح جوهر النظرية البنائية الوظيفية بصورة عامة، دون أن تأخذ في الاعتبار أهمية مفاهيم أخرى ولا سيما الصراع. وهذا ما يظهر بوضوح داخل المدارس، فهناك صراعات أو مظاهر للصراع مختلفة الأوجه، مثل الصراع بين التلاميذ أو بين المدرسين حول تحقيق الأهداف والامتثال للقواعد الرسمية وأنساق الضبط والمكانة والأدوار والقيم المدرسية والتعليمية، وغيرها.

- إن الصراع الموجود داخل المدارس إنما يعكس الصراع ذاته الموجود في المجتمع الخارجي، لاسيما أن الجماعات التي تتكون منها المدرسة من تلاميذ ومدرسين أو فئات أخرى تعليمية مساعدة، تنتمي جميعها إلى طبقات أو فئات اجتماعية متباينة المستوى الاجتماعي، الثقافي، البيئي والتعليمي بالإضافة إلى الخبرة والإعداد والتأهيل وغيرها. ومن الطبيعي أن يمارس بعض هذه الفئات أنواعا من القوة والسيطرة وإخضاع فئات أخرى من أجل اكتسابها القيم الثقافية والتعليمية العامة للتنظيمات التي يوجدون بها وهي المدرسة وهذا يوضح العلاقة بين المدرسين وإدارة المدرسة والتلاميذ على سبيل المثال.

- تناولوا قضية الحرية والديمقراطية، والتي تعكس العديد من مظاهر الصراع داخل المدرسة. وفي هذا الإطار يشير ولارد" "وللر" في كتابه "سوسيولوجيا التدريس" The Sociology of Teaching إلى البناء السياسي للمدرسة الذي يقوم على أسس

الصفحة:61

محددة للسلطة، والتي تعتبر بمثابة قيود على التلاميذ، كما تكون هي في حد ذاتها (السلطة) مهددة من قبل هؤلاء. وهذا ما يجعل المدرسة ككل مهددة لأنها مجرد نظام أو نسق تسلطي.

وفي هذا الإطار أعطى "ويللر" الأولوية إلى مسألة تحويل المعرفة وإلى نتائجها المؤثرة على عملية التفاعل الاجتماعي في داخل الصف. كما بين أن المؤسسة التربوية تمنح المعلم سلطة رسمية وذلك لكونه مسؤولا عن نقل المعلومات والمعارف إلى الطلاب.

ومن أجل حث الطلاب على التعليم فإن ذلك يتطلب وجود علاقات تربوية قوية ومؤثرة بين المعلمين والمتعلمين، وهي علاقات تتباين في جوهرها عن العلاقات البيروقراطية التي تسود في عالم المدرسة. وهذه هي المعضلة التي يواجهها المعلم والتي يحاول أن يجد لها إجابات تتجاوز التناقض القائم فيها. ومن أجل تجاوز هذه الازدواجية بين علاقة الحب والسلطة التي يجب أن تقوم بين المعلمين والمتعلمين، يترتب على الباحث دراسة العلاقات القائمة بين نظام التفاعل ووظيفة السلطة. وفي هذا الصدد يميز "ويللر" بين نوعين من السلطة في إطار الحياة المدرسية، حيث تأخذ الأولى طابعا شخصيا يتعلق بشخص المعلم، بينما يأخذ النوع الآخر طابعا مؤسساتيا. تحكمه قوانين المدرسة (علي أسعد وطفة علي جاسم الشهاب، 2004 ، ص81)

يركز منظرو الصراع في دراستهم لقضايا علم الاجتماع التربية وخاصة تحليلاتهم عن النظام الدراسي أو التعليمي والمشاكل اليومية للحياة الدراسية، وعن طريق رؤيتهم الواسعة للمفاهيم والتصورات الماركسية حول قضايا أكثر عمومية وشمولا من المدرسة ودورها في المجتمع. فالقضية الأساسية التي تظهر بوضوح وباعتبارها موضع اهتمام لمنظور الصراع في علم الاجتماع التربية تدور رحاها انطلاقا من أفكار كل من: "ماركس" Marx و"انجلز" Engels، والبناء الاجتماعي والأسرة وغيرها من الأفكار الأساسية التي تعتبر جوهر

الصفحة:62

النظرية الماركسية التي وضعت جذورها الأولى مع بداية القرن الماضي. (عبد الله محمد عبد الرحمن، 2001، ص64)

لويس الترسير: التعلم وإعادة إنتاج قوة العمل:

يعد الفيلسوف الفرنسي "التوسير" واحدا من المفكرين الذي أسهموا في فهم قضية العلاقة بين النظم التعليمي وأسلوب الإنتاج والعلاقات الاجتماعية في المجتمعات الرأسمالية. حيث قدم إطارا عاما لتحليل النظام التعليمي من وجهة النظر الماركسية باعتباره التعليم مكونا من مكونات البناء الفوقي الذي يتشكل بواسطة البناء التحتي. ومن ثم فان نظام التعليم يعكس علاقات الإنتاج بل ويخدم مصالح الطبقة الرأسمالية المسيطرة.

وينطلق "التوسير" في تحليله لنظام التعليم في المجتمع الرأسمال من فكرة مؤداه وان استمرارية الطبقة الحاكمة في مواقع السيطرة يتطلب إعادة إنتاج قوة العمل، تلك العملية التي تتضمن عمليتين فرعيتين هما:

-أ إعادة إنتاج المهارات الضرورية اللازمة لكفاءة قوة العمل.

ب - إعادة إنتاج إيديولوجية الطبقة الحاكمة وتنشئة العمال في إطارها لهذه العمليات من شانها ضمان توفير قوة العمل اللازمة وإكسابها الكفاءة التكنولوجية من ناحية، ومن ناحية أخرى خضوعها للطبقة الرأسمالية. ومن ثم، يدور النظام التعليمي في المجتمع الرأسمالي هو إعادة إنتاج قوة العمل التي تتطلبها الطبقة الرأسمالية.

واعتبر "التوسير" أن وظيفة النظام التعليمي محددة وبشكل كبير بحاجات النظام الاقتصادي للمجتمع الرأسمالي. فمثلا فان الطبقة العاملة فقيمة تنشئتهم بطريقة لقبول

الصفحة:63

إرضائهم في النظام الطبقي في المجتمع والأعمال التي تحددها لهم الطبقة المسيطرة وعين فان النظام التعليمي كما يرى "التوسير" يخدم حاجات الرأسمالية.

لقد أعطى التويسر" للجانب الإيديولوجي مكانا هاما في مبنية النظرية، إذ يرى إن الرأسمالية في سعيها للمحافظة على النظام الراهن تستخدم عناصر رئيسية ثلاثة هي (حمدي علي أحمد، 1997، ص ص 150-151)

1. إنتاج القيم التي تدعم علاقات الإنتاج.

2. استخدام كل من القوة والايدولوجيا في كل مجالات الضبط الاجتماعي. إنتاج المعرفة والمهارات اللازمة لبعض المهن والأعمال.

لقد ميز "التوسير" بين قوة الدولة وأجهزة الدولة مشيرا إلى أن أي طبقة لا تستطيع أن تستمر وتفرض سيطرتها بالاعتماد على استخدام القوة والقهر أو ما اسماه "أجهزة الدولة "القمعية والتي تشمل البوليس والمحاكمة والسجون والتي يتحدد عملها في قهر المعارضة باستخدام القوة الشرعية، وإنما يعد الضبط الإيديولوجي والسيطرة الفكرية وسائل فعالة ومؤثرة للمحافظة على استمرار وبقاء الطبقة. حيث يتقبل أعضاء الطبقات الخاضعة مواقعهم وأوضاعهم باعتبارها أمرا طبيعيا وشيئا عاديا ومحتوما لا يمكن تغييره. فإذا ما تقبل أعضاء الطبقة الدنيا وضعهم فسوف لا يقابلون يتحدى الطبقة المسيطرة.

حيث تعمل هذه الأجهزة على نقل إيديولوجية الطبقة الحاكمة وغرسها في عقول الأفراد، من خلال وعي طبقي زائف تستند إليه سيطرتها على الطبقة الخاضعة، وهكذا يلعب النظام التعليمي في المجتمع الرأسمالي دورا في هذا الخضوع. فهو من الوسائل الهامة في المحافظة وإعادة انتاج على علاقات إنتاج الرأسمالية. فدور النظام التعليمي_ إذن_ لا يتحدد في نقل الإيديولوجية العامة للطبقة المسيطرة التي يشرعها ويرتضيها النظام الرأسمالي، لكنه يقوم أيضا بإعادة إنتاج الاتجاهات والسلوك التي

الصفحة:64

تتطلبها جماعات تقسيم العمل الرأسمالي، فهو يعلم العمال كيف يتقبلون الاستغلال من ناحية، ويقوم من ناحية أخرى بتعليم المديرين ورجال السياسة كيفية ممارسة السيطرة وحكم قوة العمل باعتبار هؤلاء أداة الطبقة المسيطرة.

فالتعليم في المجتمع الرأسمالي ليس حرا ولكنه ميكانيزم من ميكانيزمات الضبط والسيطرة التي تستخدم الطبقة الحاكمة أو على حد تعبيره "خادم لآلة الدولة".

وعليه يتلخص إسهام "التوسير" في تقديم رؤية ملتزمة بوجهة النظر الماركسية في تحليل وظيفة التعليم في المجتمع الرأسمالي، وهي رؤية تتوافق مع الإطار الفلسفي العام للنظرية، والواقع أن النظرية التي قدمها التوسير" ارتبطت بشكل خاص للإنسان وعلاقة التاريخ من ناحية ومن ناحية أخرى لم يسع إلى تأكيد أفكاره بديل واقعي ودراسات ميدانية توضح وتكشف عن ديناميات عمل النظام التعليمي لتحقيق دوره في المجتمع. (حمدي علي أحمد، 1997، ص ص152-153)

انطونيو جرامشي: الجوانب البنائية للتعليم:

إذا كان "التوسير" قد ابرز لنا الرأسمالي، ومن ثم فان كل ما قدمه "ألتوسير" يمثل رؤية نظرية استندت إلى القضايا العامة للماركسية في تحليله للنظام التعليمي في المجتمع الرأسمالي الجوانب الوظيفية له والمتمثلة في دور التعليم في إعادة إنتاج قوة العمل وعلاقتها فنيا وإيديولوجيا، فان "انطونيو جرامشي" الشيوعي الايطالي_ أوضح لنا من ناحية أخرى الجانب البنائي للنظام التعليمي.

لقد أكد "جرامشي في دراسته للنظام التعليمي على المظاهر البنائية في المجتمع الطبقي من خلال إبرازه وتأكيده على الجوانب الثقافية في المجتمع. إذ يقرر "جرامشي" بان السيطرة الثقافية هي أهم سلاح للطبقة الحاكمة، أي قدرة هذه الطبقة في السيطرة على الثقافة والمعرفة، فالنظام التعليمي في رأيه، هو السبيل لهذه السيطرة، ولكنه يعتقد

الصفحة:65

أن البناء الفوقي للمجتمع بما في ذلك الإيديولوجية ليس نتيجة حتمية وثابتة للأساس الاقتصادي. إذ يرى جرامشي انه من الممكن لمن يعملون معا في المجتمع أن يتحدوا ويتلفوا الإيديولوجية السائدة. وهم بهذه الطريقة يستطيعون أن يتخذوا أولى الخطوات نحو تغيير العلاقات الاقتصادية الناتجة عن علاقات الإنتاج وتبعا لذلك، فان العمل الثوري هو تحدي لهذه السيطرة الثقافية والنظام التعليمي يساعد في تنمية الوعي الطبقي للجماهير في هذا الشأن. (حمدي علي أحمد، 1997، ص 154)

صمويل برلز وهربرت جنتز: التعليم وإعادة التقسيم الاجتماعي للعمل.

قدم كل من "صمويل بولز" وهربرت جنتز علماء الاقتصاد الأمريكان نظرية متكاملة لعلاقة التعليم بالمجتمع من خلال دراسة أجراها عن التعليم في أمريكا الرأسمالية عام 1976. انطلق كل من بولز وجنتز" في تحليل النظام التعليم في أمريكا من وجهة نظر ماركسية، ويعتقدان شانهم في ذلك شان التوسير _ أن الدور الرئيسي لنظام التعليم في المجتمع الرأسمالي هو ضمان إعادة إنتاج قوة العمل، ويؤكدان هنا بصفة خاصة على دور التعليم في هذا الشأن من خلال تكوين نمط الشخصية وغرس الاتجاهات والتصورات، ووجهات النظر التي تعمل على تكييف الأفراد على أوضاعهم الطبقية.

ويذهب كل من "بولز" وجنتز" إلى أنه لكي نعرف المردود الاقتصادي من التعليم يجب أن نربط بنائه الاجتماعي بأشكال الوعي وأنماط السلوك والشخصية التي يربى عليها الطلاب، ويتم غرسها فيهم. وعليه يقرر الباحثان بأنه لن يكون للنظام الاقتصادي استقرارا إلا إذا كان وعي الناس في الشرائح والطبقات الاجتماعية التي يحددها شكل الإنتاج. ويتطلب دوام البنية الطبقية إن يعاد التقسيم الهرمي للعمل في وعي الناس والنظام التعليمي هنا احد آليات إعادة الإنتاج من خلاله تحاول الصفوة المسيطرة تحقيق

أغراضها، وهذه هي العلاقة الحقيقية بين التعليم والاقتصاد هي المجتمع الرأسمالي.

الصفحة:66

إن الدور الاقتصادي للتعليم كما يرى بولز" وجنتز" _ ليس في إنتاج المهارات الفنية الضرورية التي يحتاجها الاقتصاد الرأسمالي، ولا في انتقاء الأفراد في صور قدراتهم لكي يقوم بادوار وظيفية معينة بل أكثر من ذلك يقوم النظام التعليمي في المجتمع الرأسمالي بما اسماه اسر الأهمية الاقتصادية للتعليم ومن ثم، يجب ربط بناءه الاجتماعي بأشكال الوعي والسلوك الشخصي للطلاب. (حمدي علي أحمد، 1997، ص 155)

ويعتقد كل من بولز وجنتز" أنه لا يمكن فهم ديناميات النظام التعليمي بمعزل عن تحليل أوضاع البناء الطبقي الذي يوجد في إطاره ويشكل الترابط الثلاثي الذي يضم كل من الأسرة والتعليم والعمل الإطار الذي تقوم عليه نظريتهما حول دور التعليم في التقسيم الاجتماعي للعمل وان العمل يعد العامل الحاسم في هذا الترابط النظامي الثلاثي.

وعليه ذهب "بولز" وجنتز" في إطار محاولتهما توضيح العلاقة بين التعليم وإعادة الإنتاج الاجتماعي إلى فحص خصائص قوة العمل التي يتطلبها النظام الرأسمالي وهو النظام الذي يقوم في الأساس على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والسعي لتحقيق الربح وتجميع الثروة عن طريق استخدام العمل المأجور واستحواذ الرأسماليين على فائض القيمة أو الربح واستغلال العمال ويتوقف استقرار مثل هذا النظام على قبول الأفراد لذلك والتسليم الشرعيته، ويعني ذلك ضرورة إضفاء الطبيعة الاستغلالية لهذا النظام، ويقوم النظام التعليمي بدور هام في هذا الشأن. (حمدي علي أحمد، 1997، ص ص 156-157)

الصفحة 67



علم الاجتماع التربية الجديد:



أولا -النظرية التفاعلية

يرتبط أصل مصطلح التفاعلية الرمزية Symbolic Interactionism باسم " هربرت بلومر" Herbert Bloumer الذي وصف هذا المصطلح بقوله: "إنه تعبير جديد غير متداول إلى حد ما، قمت بصياغته بطريقة ارتجالية في مقالة كتبت ضمن كتاب "الانسان والمجتمع". لقد انتشر المصطلح بطريقة ما، وهو الآن يحظى باستخدام عام. (رث والاس/ألسون وولف، 2011، ص321).

يتكون مصطلح التفاعل الرمزي من شقين أساسيين هما عملية التفاعل والتي هي الفعل الاجتماعي الموجه والشق الثاني هو النظام الرمزي وهو أداة التفاعل، ويقابل ذلك عملية فهم الرمز وهذا يعتمد على عملية ذهنية مرهونة بنشاط العقل ومخزونه المعرفي من المعاني والتصورات والمعتقدات، إن أول من أطلق مصطلح التفاعل الرمزي هو العالم "هيربرت بلومر" وكان يعني به ( إن الفعل الاجتماعي الموجه للحصول على استجابة من آخرين يؤدي إلى علمية التفاعل وهذا يعتمد على الخاصية الرمزية للعقل ضمن إطار عملية التفاعل والاتصال، والمتفاعلون لا يتبعون وصفات اجتماعية ثقافية ثابتة إنما يؤلون معنى العقل والرمز ولهذا لا تعتبر العمليات الاجتماعية والعلاقات ونواتجها من بناءات اجتماعية ثقافية كأشياء ثابتة إنما علميات دينامية متغيرة ومفتوحة.

وتتناول هذه النظرية إذن علاقات التفاعل بين الفرد والآخرين، فالأفراد أصحاب الثقافة الواحدة يشارك بعضهم البعض في المواقف الاجتماعية بسبب الظروف والعوامل المتشابهة التي أثرت عليهم في عمليات التطبيع الاجتماعي، وبفعل التأثير المتبادل بين الفرد والمجتمع فإن الضبط الاجتماعي ينشأ كحاجة تمليها ضرورة التكامل والنهوض الاجتماعي لكافة الأفراد. وليست القواعد الأخلاقية هنا من صنع الإنسان الفرد، ولا ينبغي أن تكون منعزلة

الصفحة:68

عن مجرى التفاعلات الاجتماعية في الواقع المحيط. (محمد حسن عمارة، 1999، ص289)

ومن ثم فإن التفاعلية الرمزية هي بصورة جوهرية منظور نفسي -اجتماعي. ومن القضايا الأولية التي يركز عليها هذا المنظور، الفرد الذي يمتلك ذاتا، والتفاعل بين الأفكار والعواطف الداخلية للشخص، وسلوكه الاجتماعي. إن معظم التحليل ضمن هذا المنظور ينصب على المستوى قصير المدى للعلاقات البين شخصانية، ويتم النظر إلى الأفراد على أنهمم بناؤون نشطون لتصرفاتهم، حيث يفسرون ويقيمون ويغرفون ويخططون فعلهم، أكثر من كونهم كائنات سلبية راضخة لقوى خارجية. كما أن التفاعلية الرمزية تشدد على العمليات التي يتخذ الفرد من خلالها قرارات ومنها يبني آراءه الخاصة. (رث والاس/ ألسون وولف، 2011، ص322)

الجذور الفكرية للتفاعلية الرمزية: (ماكس فيبر" وجورج زيمل")

George إن المساهمين الرواد في المنظور التفاعلي الرمزي هم : "جورج زيمل" Simmel و "روبرت "بارك Robert Park و "وليام إسحاق "توماس" William Isaac و "تشارلز هورتون "كولي Charles Horton Cooley و "جون ديوي" Jhon Dewey و "جورج هربرت مید" Jeorge Herbert Mead ، ولا بد كذلك من توثيق "ماكس فيبر"، لأنه ركز في تعريفه لعلم الاجتماع على أهمية الفهم التفسيري أو المعنى الذاتي. (رث والاس/ألسون وولف، 2011، ص 323).

التفاعلية الرمزية وتحليل الأنساق التربوية:

تمثل هذه النظرية Symbolic Interactionsim إحدى المحاور الأساسية التي تعتمد عليها النظرية النفسية الاجتماعية، في تحليل الأنساق الاجتماعية. وهي تبدأ بمستوى

الصفحة:69

الوحدات الصغرى منطلقة منها لفهم الوحدات الكبرى بمعنى أنها تبدأ بالأفراد وسلوكهم كمدخل لفهم النسق الاجتماعي. (فادية عمر الجولاني، بدون سنة، ص 184).

وانطلاقا من أفكار التفاعلية الرمزية يركز أنصار هذا المنظور على دراسة المدرسة باعتبارها تنظيما اجتماعيا أو بيئة رمزية Symbolic Environment لعدد من الأفراد أو الأعضاء أو الجماعات التي تشكل بناءاتها الرسمية وغير الرسمية. كما تعتبر القواعد والعلاقات الاجتماعية جزء كبيرا من عناصر تكوين هذه البيئة وتشكل أنماط السلوك والدور ورد الفعل وتوقعات الفاعلين على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم التعليمية، وخبراتهم وانتماءاتهم الطبقية والمهنية، وغيرها من المتغيرات الأخرى التي تسهم في فهم العمليات الداخلية والأنشطة المختلفة داخل البناءات المدرسية. فالمدرسة كتنظيم يكرس أنشطته من أجل التنشئة الاجتماعية والتربوية والأخلاقية، تمتلئ بالعديد من الوظائف أو المهام الرسمية   Offcial Massages التي تسهم في إعداد التلاميذ وتأهيلهم ليسلكوا أدوارا مناسبة للتلاميذ، أو ما ينبغي أن يكون عليه هذا السلوك داخل المدرسة أو خارجها.

ولكن رد فعل التلاميذ وسلوكهم وأدوارهم داخل المدرسة تختلف حسب استجاباتهم وتفاعلهم تجاه هذه الرسائل أو المهام، كما يسعى البعض لأن يسلك الأساليب الرسمية لتنفيذ هذه المهام بينما نجد البعض يسعى لتبني الأساليب غير الرسمية. كما تتحقق هذه المهام من ناحية الإدارة المدرسية سواء عن طريق الاختيار والإقناع أو استخدام الوسائل الجبرية أو القهرية وما أكثر الوسائل العقابية واختلاف أنماطها داخل العديد من المدارس. وتحليل هذه المهام أو توقعات الدور أو السلوك في المدارس سوف يساعد كل من التلاميذ والمدرسين على فهم كل منهما الآخر، وكيفية التأثير المباشر أو غير المباشر لكل فرد على الجماعات التي ينتمي إليها داخل المدرسة. كما يسهم في نفس الوقت على مساعدة التلاميذ على تحديد هويتهم الذاتية وطموحاتهم التعليمية والثقافية أو أهدافهم التربوية والعملية التي يسعون لتحقيقها خلال مراحلهم الدراسية، كما يساعد المدرسين في تكوين اتجاهاتهم نحو التلاميذ

الصفحة:70

وإشباع حاجاتهم المهنية في نفس الوقت. علاوة على ذلك يركز منظور التفاعل على معرفة كل من آراء أو وجهات نظر المدرسين والتلاميذ تجاه المدرسة التي يعملون أو يتعلمون فيها باعتبارها التنظيم الأولي لهم خلال المرحلة العملية أو التعليمية. (عبد الله عبد الرحمن، 2001، ص ص82-83)

كما تؤكد التفاعلية الرمزية بشكل واضح في تحليلها على الجوانب الرمزية للتفاعل، ولهذه النظرية أصولها الفكرية في أعمال كل من جورج هربرت مید G. Mead و"هربرت بليمر" H. Blimer " و "ارفنج جوفمان" وغيرهم، فلكل منهم مدخلاته الأساسية، وفرضياته التي يقيم عليها فهمه لعملية التفاعل في التنظيم الاجتماعي. (فادية عمر الجولاني، بدون سنة، ص 184).

ويوضح منظور التفاعل طبيعة اهتمامه بالمدرسة أو بالعملية التعليمية داخل المدارس مركزا على جميع مظاهر هذه العملية والأفراد أو الفئات المتفاعلة داخل الموقف الدراسي ونوعية الأدوار والسلوك أو الفعل الذي يقوم به كل فرد داخل التنظيم المدرسي، ورد الفعل الصادر عن الأفراد أو الفئات الأخرى التي توجد بالمدرسة سواء كانوا من التلاميذ أو الفئات العاملة من المدرسين أو المساعدين المعاونين لهم. (عبد الله عبد الرحمن، 2001، ص 80)

ويشير "شيبمان" Shipman إلى أن اهتمامات عالم الاجتماع والمتخصص في علم الاجتماع التربية، لم يعد ينظر إلى المدرسة من الخارج فقط كما يفعل أنصار البنائية الوظيفية أو الصراع، بقدر ما بدء يهتم بدراسة الموقف الداخلي الذي يساعد على فهم وتفسير العمليات العقلية التي تمارس داخل المدارس وخلال الحياة اليومية المدرسية. هذا الموقف الذي لا يمكن تحليله من الخارج فقط دون الأخذ بالاعتبار وجهات نظر الفئات والجماعات 

التي تتكون منها المدرسة. كما يعد تغيير اهتمامات المتخصصين في هذا المجال خاصة بعد أن تفاقمت المشكلات الدراسية وصعوبة التنبؤ بنتائجها أو التخطيط

الصفحة:71

لحلها دون تكوين خلفية واقعية لطبيعة أنساق التفاعل، ومكونات الفهم للأدوار الوظيفية المتبادلة داخل المدرسة، وكيفية فهمها وتفسيرها خاصة وأن العملية التدريسية والتعليمية تتضمن معان مختلفة ومتباينة سواء من قبل الفئات العاملة داخل المدرسة مثل المدرسين أو التلاميذ أنفسهم، والتي يصعب دراستها بواسطة المتخصصين في مجال التعليم أو التربية أو من ينظرون من جانب واحد إلى دراسة المدرسة وعلاقتها بالمجتمع أو تحليلها من الخارج فقط. (عبد الله عبد الرحمن، 2001، ص 81)

1- جورج ميد" والتفاعلية الرمزية:

يبدأ "ميد" بتحليل عملية الاتصال، ويصنفها إلى نوعين أساسيين: الاتصال الرمزي والاتصال غير الرمزي، وبالنسبة للنوع الأول يؤكد "ميد" بوضوح على استخدام الأفكار والمفاهيم، وبذلك تكون اللغة ذات أهمية بالغة بالنسبة لعملية الاتصال بين الناس في المواقف المختل. وذلك لأنهم بواسطتها يتمكنوا من:

- تنظيم انطباعاتهم وفهمهم للعالم الاجتماعي والطبيعي.

- نقل هذا الفهم للآخرين الذين يشاركونهم اللغة.

- تطبيق ما اكتسبوه من فهم ذهني على المواقف الجديدة.

وبذلك يذهب "جورج "ميد" إلى أنه من خلال عملية الاتصال الرمزي تلك، التي تلازم الفرد منذ ميلاده وخلال مراحل نموه المختلفة، يتولد لدى الفرد مفهوم الذات والأداء الفردي. وبذلك يقرر "ميد" أنه بدلا من أن يكون الأفراد مرتبطين بقوى المجتمع وأنماطه فإنهم يخلقون المجتمع كل يوم بواسطة أفعالهم الاجتماعية. وعليه فإن النظام نتاج فعال صنعه أعضاء المجتمع. ويشير ذلك المعنى ليس مفروضا عليهم وإنما هو موضوع خاضع للتفاوض والتداول بين الفاعلين الاجتماعيين. (فادية عمر الجولاني بدون سنة، ص ص 184-185)

الصفحة:72

2- هربرت بلومر:

حمل "بلومر" فكر "ميد" وقام بتقليده لمدة خمس وعشرين عاما في جامعة شيكاغو، ولمدة خمسة وعشرين عاما أخرى في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، حيث درس فيها لحين تقاعده.

وخلال فترة وجوده في شيكاغو انخرط "بلومر " في أنشطة متنوعة مثل اللعب الاحترافي لكرة القدم، وعمل كوسيط في خلافات العمل ومقابلة أعلام عالم الرذيلة والإجرام مثل عصابة آل كابوني ...

وتتمثل الاسهامات الأساسية ل "بلومر" في المنظور التفاعلي الرمزي بعمله حول التفسير والمقدمات المنطقية الثلاث للتفاعلية الرمزية، والبناء والعملية والمنهجية. (رث والاس / ألسون وولف، 2011، ص ص 347-348)

يسجل ل"بليمر" سعيه لتأكيد فاعليتها في عملية تحليل الأنساق الاجتماعية، متخذا من التفاعل الرمزي مدخله لتحليل تلك الأنساق، باعتبار التفاعل الرمزي السمة الخاصة والمميزة للتفاعل الذي يحدث بين الكائنات البشرية. وأن السمة الخاصة والمميزة للتفاعل الذي يحدث بين الكائنات البشرية. وأن تلك السمة الخاصة والمميزة للتفاعل تنطوي على ترجمة رموز وأحداث الأفراد، وأفعالهم المتبادلة.

وبذلك نمى "بليمر" فرضياته للتفاعلية الرمزية بالاستناد لأعمال "جورج ميد" وعليه جاءت فرضياته لتشير إلى:

أن تهيئة الناس فرديا وجماعيا يتم بناء على المعاني الأساسية للموضوعات التي يتضمنها عالمهم. وبذلك فإن السلوك يرتكز على تلك المعاني الاجتماعية المتداولة بين الأفراد حول الأشياء، ولهذه الأشياء عند "بليمر" ثلاثة أنواع تتمثل في الأشياء المحسوسة (مثل الأشجار، والأشياء الاجتماعية مثل الأدوار الاجتماعية التي يشغلها الأفراد)، ثم الأشياء المجرد (مثل المبادئ الأخلاقية).

الصفحة:73

- أن الترابطات بمثابة الوسط والعملية التي يتم خلالها تبادل الناس للإشارات المتداولة فيما بينهم، وتأويلهم لها.

- أن الكائن البشري كائن حي يعمل مع نفسه من خلال الدور الذي يشغله، ولذلك فإن الأفعال الاجتماعية تبين من خلال العملية التي يتم فيها ملاحظة الفاعلين للمواقف التي تواجههم بناء على تأويلهم لها.

- وأن الأفعال المتداخلة والمعقدة قائمة على الاعتماد المتبادل، وأنها متضمنة في التنظيم، وتقسيم العمل. وأن هذه الأفعال ذات طابع دينامي. ولذلك فإن الجماعات والمجتمعات في حالة التفاعل تتم بالدينامية. ويضيف "بليمر" لذلك أن الفعل لا ينفصل عن خلفية المشاركين فيه.

3- ارفنج جوفمان

فيما كان اهتمام "جورج" "ميد قائما على أساس الاتصال الرمزي وما ينطوي عليه من أفكار ومفاهيم - والذي يتم من خلال اللغة، وفيما تركز اهتمام "بليمر" على التأكيد على التفاعل الرمزي القائم على أساس المعاني الاجتماعية للأشياء، والمتداخلة بين الفاعلين، كان تركيز "ارفنج جوفمان" قد وجه اهتمامه لتطوير مدخل التفاعلية الرمزية، لتحليل الأنساق الاجتماعية، مؤكدا على أن التفاعل الاجتماعي وخاصة النمط المعياري والأخلاقي ما هو إلا وظيفة الانطباع الذهني الإداري الذي يتم في نطاق المواجهة، وأن هذا التفاعل مقنن بواسطة السمات المرتبطة بالدور والمواقف، وأن مركزه أنواع معينة من المعلومات، ولذلك اتخذ من التصورات الذهنية، ومصادر المعلومات لعملية التفاعل وذلك لأنه يرى أن المعلومات تسهم في تعريف الموقف، وتوضيح توقعات الدور. كما انه أكد على أن المواجهات الاجتماعية خلال عملية التفاعل تحدث بصورة منتظمة في سياق نمط الفعل المنتظم.

الصفحة:74

وانجازات الأفراد لا تنفصل عن سلوك الدور. وبذلك فإن سلوك الفريق يتم بالرجوع للقوالب الاجتماعية المرتبطة بدور معين. ونظرا لأن تحليل "بلاو" للعمليات الاجتماعية قائم على مفهوم التبادل الاجتماعي. (فادية عمر الجولاني، بدون سنة، ص ص 186 187).

الصفحة:75

4- ثانيا - النظرية الظاهراتية   Phénoménologie

هي نظرية فلسفية تنطلق من القول بأن المعرفة مبنية على الظواهر فقط، أي المظاهر والخبرة الحسية فقط وأن الأشياء ليس لها وجود مستقل أو تقول بتعيير آخر إن الظواهر هي وحدها الأشياء التي تستطيع التوصل إلى معرفتها وما عدا ذلك فهو إما غير موجود أو موجود، والعقل البشري قاصر عن إدراكه. ويمثل مذهب الظواهر مجموع الآراء التي ترى أن المعرفة الإنسانية مقصورة على ظواهر الأشياء الماثلة أمام الحواس فالمعرفة لا تتعدى الخبرة الحسية، وهكذا أنكر بعض أنصار هذا المذهب صحة الاستدلالات التي بها نبرهن على وجود أشياء تقع خارج الخبرة الحسية، فبالنسبة ل "ديفي "هيوم" لا يوجد شيء على الإطلاق وراء الظواهر الماثلة أمام الحواس. كذلك فعل جون ستيوارت ميل" وسمى مذهبه هذا بالمذهب الحسي. ويعتبر الفيلسوف "هوسرل" واضع علم الظواهر في القرن العشرين. (معن خليل عمر، 1997)

الجذور الفكرية للنظرية الظاهراتية:

ترتبط جذور علم الاجتماع الظاهراتي أساسا بالفلسفة الظاهراتية، وبشكل خاص بعمل الفيلسوف الألماني "إدموند هوسرل " Edmund Husserl (1859-1939)، الذي كان أول من استخدم مصطلح الظاهراتية. عرف "هوسرل" الظاهراتية بأنها: "الاهتمام بتلك الأشياء التي يمكن أن تدرك مباشرة بواسطة حواس المرء. هذه هي النقطة الأساسية حول الظاهراتية، إنها تنكر بأننا نستطيع أن نعرف عن الأشياء أكثر مما نشهده بالخبرة المباشرة عبر حواسنا. إن جميع معرفتنا تأتي مباشرة من تلك الظواهر الحسية وأي شيء آخر هو عبارة عن تأمل، ويجادل "هوسرل" أنه علينا تجنب حتى محاولة التأمل. (رث والاس/ ألسون وولف، 2011، ص423)

الصفحة:76

ظهرت هذه النظرية كرد فعل للنظريات الاجتماعية التقليدية وكنتيجة منطقية للتحولات الاجتماعية والفكرية والبنائية التي اجتاحت المجتمعات الغربية خلال الستينات من القرن الماضي، حيث شهدت هذه الفترة إحياء التراث الفلسفي للفينومينولوجية التقليدية وتعميق مفاهيم جديدة تلبي متطلبات الواقع الجديد من خلال نظرية اجتماعية تعطي فيها لحرية الفرد وأفعاله القصدية واللاقصدية مكانا بارزا. وتكون معبرة عن أفكار جيل الستينات في أوربا وأمريكا واتجاهاته الفكرية نحو الفلسفة. كما أن النظرية الفينومينولوجية في فهمها للواقع الاجتماعي وتأكيدها على وجود فوارق كبيرة بين الظواهر الطبيعية والظواهر الاجتماعية إنما تعكس حقيقة اتجاهها النقدي للنظرية الوضعية لعدم قدرتها على تحليل الواقع الاجتماعي بموضوعية. (ياس خضر البياتي 2002)

التحليل الفينومينولوجي لقضايا التربية:

يمكن تحديد المقصود بالتحليل الفينومينولوجي بأنه وسيلة لاستخلاص ما نلاحظه في الواقع لفهم جوهر الأشياء وتحليلها وربطها بالصور الذهنية والعقلية للأفراد بطريقة علمية مدروسة، وهذا النوع من التحليل يعتبر من المداخل الحديثة في السوسيولوجيا، والتي لاقت انتشارا ملحوظا خلال العقود الأخيرة لتركيزها على دراسة نسق المعرفة وتحليل المعاني والأفكار والتصورات ودراسة أنماط التفاعل ونوعية المواقف وعمليات الشعور والإدراك عن طريق الاعتماد على خبرات الأفراد وقدراتهم المعرفية والحياتية وتصوراتهم وانطباعاتهم حول مختلف الظواهر الاجتماعية والمعرفية. (عبد الله محمد عبد الرحمان، 1998، ص)

وقد ركز التحليل الفينومينولوجي على أهمية تحليل المؤسسات بصورة واقعية، ويعتمد على المسوح والدراسات الميدانية، خاصة وأن الاعتماد على التصور النظري وقلة الاستعانة بالشواهد الامبريقية والتاريخية من شأنه أن يضعف الإطار العام التصوري الذي تنطلق منه تحليلات الباحثين ومعالجاتهم للقضايا التربوية والمشكلات التعليمية والقضايا المرتبطة بها بصورة ملائمة، وفي نفس الوقت غياب استخدام الباحثين للمناهج والأدوات البحثية المتطورة

الصفحة:77

قد يؤثر بصورة سلبية على صحة نتائج الدراسات التي تجري على المؤسسات التربوية وتقييمها لمستويات إنجازها وكفاءتها ووظيفتها البنائية في المجتمع الحديث. ويظهر المدخل الفينومينولوجي كأحد المداخل الحديثة والتي يستخدمها جميع المتخصصين في فروع علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية المختلفة. (عبد الله محمد عبد الرحمان، 1998، ص )

مايكل يونغ

يعتبر العالم البريطاني مايكل يونغ من أهم المساهمين في تطور علم الاجتماع التربية مستخدما المنهج الفينومينولوجي (المعرفي)، إن تحليلات "يونغ" عن المعرفة وعلاقتها بالمؤسسات التربوية والصفوة الاجتماعية التي تسعى للسيطرة على كل مكونات القوة عن طريق امتلاكها لعناصر المعرفة الأعلى أو ذات الخصائص السامية، لم تقتصر على التحليل النظري لمكونات هذه العلاقات بقدر ما تطرق "يونغ" لمناقشة قضايا أخرى ترتبط بالمشكلات التعليمية في المؤسسات التربوية في بريطانيا، وخاصة عندما ناقش قضية المنهج الدراسي، والعلاقة بين المنهج والمعرفة، حيث اعتبر المدرسة كمعبر للمعرفة الثقافية وتأكيده على أهمية دور علماء الاجتماع التربية في دراستهم لأنماط هذه المعرفة ونوعية المناهج والمقررات الدراسية، ودراسة ليس فقط بمن ولماذا يدرس المنهج الدراسي في المدارس ؟ بل علاوة على ذلك أكد على أن يسعى علماء الاجتماع التربية للإجابة على تساؤلات مثل: من الذي يقرر طبيعة المناهج الدراسية كنوع من المعرفة؟ ولماذا تطرح بعض المناهج الدراسية لتحليل مكانة معرفية دون أخرى في المدارس؟ (حمدي علي أحمد، 2002، ص )

وهذا ما دعا "مايكل "يونغ Michel Yong إلى توجيه النقد لعلماء الاجتماع الذين نظروا إلى المناهج وما يتم تعليمه داخل المدرسة على أنه لا يشكل أي مشكلة تربوية، ذلك الاتجاه الذي يعكس الاعتقاد الشائع في موضوعية المعرفة المتضمنة في المناهج، وناد "يونغ" إلى اعتبار علم الاجتماع التربية مجالا للبحث لا يتميز عن علم اجتماع المعرفة

الصفحة:78

واتجاه البحوث التربوية يجب أن يتمركز حول الكشف عن الأصول الاجتماعية للمعرفة التربوية (سهيلة الفتلاوي / أحمد هلالي، 2005، ص ص 191-192).

إن منظورات التفاعلية الرمزية والظاهراتية بالكاد تكون أكثر اختلافا لأنها تختبر التفاعل الإنساني بتفصيل دقيق. إنها تناقش مثلا كيف أن سلوك بائعة المتجر يصطدم بزبون صعب المراس وأن فهم الموقف وإدراك المراد منه يعتمد على خبرات الفرد وتصوراته وكذلك على العادات والوصفات الاجتماعية المتقادمة، أو كيف يفهم المعلم والطفل (أو يفشلان في الفهم بعضهما جملة بجملة. إن المفاهيم المستخدمة من قبل تلك المنظورات السوسيولوجية قصيرة المدى لا تصنف جوانب البناء الاجتماعي، وبدلا من ذلك فإنها تتألف من مجموعة

 مفردات لغوية مطلوبة لمناقشة أفعال معينة يقوم بها الناس. (رث والاس/ أليسون وولف، 2011، ص35).

الصفحة: 79

ثالثا-نظرية رأس المال الثقافي لبيار بورديو وباسيرون

يرى "فرانسوا ديبي أن هناك اليوم ظاهرة تسمى "بورديو" يمكن الحديث عنها، ويوجد هناك على الأقل ثلاثة طرق للتعامل معها. الطريقة الأولى: سياسية بحتة وهنا يطرح التساؤل حول " يسار اليسار"، على ماذا يعبر وعما هي آفاقه. والثانية هي: أن تدرس عودة شكل من أشكال الانخراط الفكري، تقارير المعرفة والفعل، الاستراتيجيات والشبكات التي تمت تعبئتها لذلك. والسؤال الثالث يتعلق بتحليل العمل العلمي ل "بيير بورديو"، على نقاط قوتها وضعفها وأسباب نجاحها. لقد لقيت أعمال "بورديو " صدى كبيرا في إطار علم الاجتماع التربية. (François Dubet, 1998 )

يذهب "بورديو" و "باسيرون" إلى أن بنية النظام المدرسي ووظيفته يعملان على ترجمة اللامساواة في المستوى المدرسي، وليس للمدرسة من مهمة سوى تعزيز وتأكيد الطبقة الاجتماعية السائدة والعمل على إعادة إنتاج العلاقات الطبقية القائمة ثم إعطائها طابع الشرعية في آن واحد. (علي أسعد وطفة/ علي جاسم الشهاب، 2004، ص 183). فقد اعتبرت التربية المدرسية وخصوصا التعليم الجمهوري منذ فترة، مرحلة تسمح للأطفال بالعبور إلى ثقافة عالمية، وبالتالي بناء الاستقلال الشخصي. وكان يفترض أن يتم هذا التعلم في مؤسسة محايدة تنظمها قوانين خاصة، وأشكال مستقلة من الهيمنة والثقافات الاجتماعية.

يجب إدراك تأثير ونفوذ الثقافات داخل الصف الدراسي. فبدون شك الثقافة المدرسية ليست هي الثقافة البرجوازية المباشرة لكنها تتفق معها مباشرة، لاسيما عبر الرموز السلوكية، اللغوية والفكرية التي تعبر عنها. من وجهة النظر هذه وحتى تكون عملية غرس الثقافة فعالة من الأهمية بمكان أن ينسى الفاعلون ولا سيما الأساتذة، هذا الرابط أو يرفضونه. إن المطلوب هنا هو فقدان الفاعلين الأساسيين لبصرهم لعمل النظام. من خلال المدرسة الخطابية، وينظر إلى مدرسة الطبقة على أنها مدرسة عالمية ترفض الاعتراف بالاستبداد الثقافي الذي تستند إليه. ويعتبر عمل المدرسة ولا سيما العلاقة البيداغوجية تعتبر كآلة

الصفحة:80

لإعادة إنتاج اللامساواة الاجتماعية. ليس هناك مساواة في الفرص لأن المواهب والهبات توزع بشكل غير متساو، لكن لأن المدرسة تشجع المواقف والأحكام. (François Dubet, 1998)

ومعنى هذا أن هدف النظام التربوي هو إعادة الإنتاج الثقافي للمجتمع فتكون بذلك المدرسة طاحونة تعيد إنتاج ما قدم إليها فهي تستقبل أطفالا من فئات اجتماعية مختلفة لتعيد إنتاج الفئات الاجتماعية نفسها حيث أن ابن الطبقة العاملة يتخرج من المدرسة عاملا وابن الطبقة البرجوازية يتخرج منها إطارا. (عبد الكريم غريب، 2000، ص 113)

ولن يتحقق هذا الهدف إلا عن طريق طرق ووسائل ينتهجها النظام التربوي لإدامة نواحي اللامساواة، وتظهر هذه الطرق من خلال طبيعة العملية التعليمية كما أقر "بورديو" فالعلاقات التفاعلية التي تربط كلا من المعلم والمتعلم تحكمها مجموعة من القيم التي يحملها كلا الطرفين عن الآخر، والتي تتجلى في التالي:

- اعتقاد المدرسين أن الوضع الطبقي للمتعلمين من شأنه أن يؤثر على مستويات التحصيل والتفوق الدراسي.

- ميول المعلمين نحو أبناء الطبقات العليا وأسلوب حياتهم وتحصيلهم الدراسي.

- عدم عدالة التوزيع في الاهتمام بالتلاميذ، والذي يتحدد حسب الانتماءات الطبقية للمتعلمين.

- ايديولوجية الاختبارات التي تهدف إلى تقليص عدد أبناء الطبقات الفقيرة من الالتحاق بالمراحل التعليمية العليا في المجتمع الرأسمالي. (عبد الله محمد عبد الرحمن، 1998، ص233)

وبعد الورثة، تم تقديم سوسيولوجيا المدرسة المقترحة من طرف "بورديو" كنموذج حقيقي، بل هي نظرية كاملة أين كل يعرفها بطريقته، إما بالموافقة أو بالمعارضة. ويجب

الصفحة:81

الإقرار أن معظم علماء الاجتماع كانوا ومنذ فترة طويلة مقبولين، تعتبر أعمالهم كامتداد وإضافة، أو كتوضيحات لهذه النظرية في إعادة الإنتاج. ويمكن تقديم نظرية "بورديو" (كما أيضا نظرية "جان كلود باسيرون)، كانعكاس نقدي للتصاميم الكلاسيكية الخاصة بالمدرسة والتربية. (François Dubet, 1998)

رابعا -نظرية مجتمع بلا مدارس لإيفان إليتش

ركز "إليتش" في تحليله للنظام التربوي على المناهج التربوية، حيث توصل إلى أن ما يجري تعلمه في المدارس لا علاقة له بمضمون الدروس، فالمدارس تتوخى تلقين الطفل الاستهلاك السلبي أي القبول الطوعي بالنظام الاجتماعي القائم، ولا يجري تعليم هذه الدروس بصورة واعية ومعلنة، بل بصورة ضمنية من خلال تنظيم المدرسة وإجراءاتها وذلك من خلال المنهج الدراسي الخبيء، حيث يتم تعليم الأطفال أن دورهم في الحياة ينحصر في أن يعرفوا مكانهم ويلزموه، وأن يمكثوا فيه قانعين مستكنين، وبذلك تصبح هذه الأخيرة هي هدف النظام التربوي الذي يسعى إلى تحقيقه. وحتى إن كان ذلك بصورة غير واعية فهو ينطوي تحت ما يسميه "روبرت ميرتون الوظائف الكامنة " للنظام الاجتماعي.

وحسب "إليتش" فإن الوظائف الاجتماعية الموكلة إلى المدارس تتمثل في التالي:

●تقديم الرعاية التأديبية.

●توزيع الأفراد وفق أدوار مهنية مهددة.

●تعليم القيم المهنية.

●اكتساب المهارات والمهارات المقبولة اجتماعيا.

بناء على ما تقدم يدعو "إليتش" إلى لا مدرسة في المجتمع، حيث أن المدارس لا تشجع على إقامة المساواة ولا تحفز طاقات الفرد الإبداعية، (أنتوني غدنز، 2005، ص 560). وهو ما يجسده بقوله: " إن المجتمع الذي يخلو من المدرسة سيخلو من العقبات في

الصفحة:82

وجه أبناء الطبقات المضطهدة (...)، إن المدرسة الواحدة من أجل الجميع وهم خالص."

(علي أسعد وطفة علي جاسم الشهاب، 2004، ص ص 184-185)

مما سبق يتضح بأن المناهج التربوية بالنسبة "لإليتش" تحمل تصورات معينة، وهي حسبه تحمل فلسفة وإيديولوجيا الطبقة الحاكمة والتي لا بد أن تنقل للمتعلم بصورة بعيدة عن العنف، وعلى المتعلم أن يتقبلها وتصبح جزء من شخصيته، ومعنى هذا أن الطبقة الحاكمة لها القدرة على تشكيل الإنسان الذي تريد، وذلك عن طريق المناهج التربوية التي تعتبر أحد أهم ركائز العملية التعليمية.

الصفحة:83



خاتمة

بناء على ما تقدم يمكننا القول بأن علم الاجتماع التربية كتخصص علمي، استطاع فرض نفسه ضمن باقي التخصصات السوسيولوجية والتربوية الأخرى، معلنا عن ولادة علم بيني تقع اهتماماته البحثية بين تلك التخصصات علم له مفاهيمه الأساسية ومجالات دراسته الخاصة والمتنوعة، كما له نظرياته المتخصصة التي تتنوع هي الأخرى وتختلف بتنوع واختلاف إيديولوجية أصحابها ورؤيتهم وتفسيراتهم للواقع الاجتماعي الذي يعيشونه. كما أن هذه النظريات تتجدد وتتطور بتطور الواقع الاجتماعي وتغيره.

ومن هنا فعلم الاجتماع التربية يرتبط ارتباطا وثيقا بالمجتمع الذي يعمل فيه، بقضاياه ومشكلاته التربوية ويسعى لدراستها دراسة علمية تمكنه من فهمها وتقديم تفسيرات علمية لها. ومن هنا تبرز الأهمية الكبيرة لهذا التخصص والدور الفاعل الذي يجب أن يؤديه داخل المجتمع، ولعل هذا ما يفسر حجم واستمرارية البحوث والدراسات النظرية والميدانية التي تمت وتتم ضمنه.

إن المعرفة العلمية في إطار علم الاجتماع التربية هي إذن معرفة غنية متنوعة ومتجددة، خاصة في ظل التغيرات الكبيرة التي يشهدها العالم اليوم وتحديدا بفعل العوامل التكنولوجية والاتصالية، والتي انعكست تسارعا في إنتاج ونشر المعرفة الإنسانية عموما وليس في علم الاجتماع التربية فحسب، وبذلك فهي تتطلب المتابعة والإحاطة بكل ما هو جديد حتى تكون حديثة ومحينة.

الصفحة:84

المراجع:

أنظر المراجع الموجودة في الصفحة 85-86-87 في ملف pdf  أعلاه