الاضطرابات السلوكية للأطفال والمراهقين

المؤلف: آلان كازدين

التصنيف: كتب أخرى

عرض PDF

الوصف:

آلان كازذين،الاضطرابات السلوكية للأطفال والمراهقين، ترجمة عادل عبد الله محمد، دار الرشاد، الطبعة الثانية 1424ه الموافق ل 2003م.

مقدمة



  الحمد لله رب العالمين الذى خلق الإنسان وهداه النجدين، والقائل في محكم تنزيله ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها . . .. والذي ندعوه دوما أن يلهمنا رشدنا وأن يهدينا إلى سبيله القويم وطريقه المستقيم، وأن يصلح لنا في ذرياتنا إلى يوم الدين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . .

   وبعد ..

  يمثل الإضطراب السلوكي مشكلة إكلينيكية واجتماعية خطيرة، وتعد الأنماط السلوكية التي تعتبر إضطراباً سلوكيا وفى مقدمتها العدوان ذات تكرار مرتفع نسبيا، كما تعد هى المسئول الأساسي عن قدر كبير من الإحالات الإكلينيكية . ومن ناحية أخرى فإن معدلات السلوك المضاد للمجتمع تزداد وتتناقص على مدار مضمار النمو العادى، إلا أنه عندما تكون مثل هذه الأنماط السلوكية متكررة وحادة ومزمنة فإنها تثير مشكلة من نوع خاص تتمثل في أن الأطفال الذين تصدر عنهم سلوكيات مضادة للمجتمع تتسم بالحدة سوف يستمرون في الإتيان بها أثناء فترة مراهقتهم ورشدهم وإن اختلف معدلها . وعلاوة على ذلك فإن مثل هذه المشكلات لا تنتهى خلال مرحلة المراهقة أو الرشد، ولكنها بدلاً من ذلك تستمر من خلال الأبناء الذين يستمرون فى الإتيان بسلوكيات مشابهة تسبب مشكلات مشابهة أيضا، ومن ثم تستمر الدائرة وتدوم. 

ومن الجدير بالذكر أن التكاليف الشخصية أو غير المالية لمثل هذه المشكلات

الصفحة 11                                                                                                                                      

تعد تكاليف باهظة أيضاً مثل التكاليف المادية حيث تمثل كل قصة مستقلة تراجيديا شخصية يثار من جرائها التعاطف للطفل أو المراهق ذى الإضطراب السلوكي بسهولة عن طريق التعرف على تفاصيل المواقف الشخصية وتأثيرها عليه والتي تلعب دوراً أساسياً في حدوث الإضطراب السلوكي إلا أن مثل هذا التعاطف غالبا ما يتلاشى خاصة إذا ماعدنا إلى ضحايا مثل تلك الأفعال المضادة للمجتمع الذين تسوقهم ظروفهم السيئة وحظهم العاثر للإلتحام معهم فيتعرضون للضرب أو السرقة أو إحراق ممتلكاتهم وتخريبها وتحطيمها أو تدميرها، أو يعانون من جراء مثل هذه الأفعال بأى طريقة أخرى فهل نتعاطف في هذا الإطار مع من يقوم باغتصاب أنثى بريئة أم نتعاطف مع تلك المسكينة سيئة الحظ ؟

  وتزداد أهمية دراسة الإضطرابات السلوكية وخاصة فى ظل غياب الأساليب العلاجية الفعالة التي يمكن أن نلمس نتائجها وآثارها بوضوح مما يثير لدينا الرغبة الجامحة في إيجاد الحلول المناسبة لمثل هذه المشكلات عن طريق فهم طبيعة إختلال الأداء الوظيفي، وتحديد الخطوات التي ينبغى علينا أن نبدأ في تنفيذها مما يسهم في تحجيم مثل هذه الاضطرابات خلال فترة زمنية معينة.

  ويتناول هذا الكتاب الذي بين أيدينا الاضطرابات السلوكية عند الأطفال والمراهقين فيحدد أهم الملامح والسمات المميزة لتلك الاضطرابات، وكيفية ظهورها وتطورها والعوامل المساعدة على ذلك. كما يتناول أساليب التشخيص والتقييم التي يتم استخدامها فى هذا الإطار، إضافة إلى البرامج العلاجية والوقائية التي يمكن لنا أن نستخدمها للتغلب على مثل هذه الاضطرابات السلوكية وتجنب حدوثها أو التقليل منها ومن آثارها السيئة. وإلى جانب ذلك فهو يتناول آفاق المستقبل بالنسبة لدراسة الاضطرابات السلوكية وذلك من خلال تقييم الاتجاهات السائدة في تشخيص وعلاج تلك الإضطرابات وأوجه القصور التي تكتنفها وكيفية تجنبها. ومن هذا المنطلق فهو يتناول في فصله الأول أهم السمات المميزة للاضطرابات السلوكية، وأنواع الاضطرابات، وأهم الأنماط السلوكية التي يمكن أن تمثل اضطرابا. كما يعرض لجناح الأحداث، وأهم

الصفحة                                                                                                                                      12

العوامل التي يمكن أن تساعد على تطور الاضطرابات السلوكية عند الأطفال وتعمل على استمرارها خلال مرحلة المراهقة. ويتناول الفصل الثاني تشخيص وتقييم الاضطرابات السلوكية والمحكات المستخدمة في التشخيص، ومدى اختلاف السلوكيات المشكلة طبقا للعر الزمنى والجنس. كذلك فهو يتناول الأساليب البديلة التي يمكن من خلالها تحديد أنماط مثل هذه السلوكيات وأنماطها الفرعية، والاستراتيجيات التي يمكن بمقتضاها قياس مدى الاضطراب السلوكي. أما الفصل الثالث فيتناول ظهور الاضطراب السلوكى وذلك من خلال تناول العوامل المساعدة على حدوثه والعوامل التي يمكن أن نقوم من خلالها بمنع حدوثه والوقاية منه، ثم يتعرض بعد ذلك للكيفية التي يمكن بها لمثل هذه العوامل أن تؤدى إلى تطوره خلال مضمار النمو ويتناول الفصلان الرابع والخامس أساليب الوقاية والعلاج وذلك باستعراض البرامج المستخدمة في هذا المجال والتي حقق عدد منها نتائج فعالة وواعدة وبعرض هذان الفصلان أيضاً لأهم البرامج المستخدمة، والبحوث والدراسات التي أجريت في هذا الميدان والعقبات التي تحول دون التحديد الفعال للعلاجات المؤثرة. ويختتم هذا الكتاب بالفصل السادس الذى يتناول تقييماً للاتجاهات السائدة في تحديد وتشخيص وعلاج الاضطرابات السلوكية والأسئلة التي تثيرها الدراسات حول أوجه القصور المتضمنة في تلك الاتجاهات. وبالتالي يعرض هذا الفصل الأخير لنماذج جديدة مصممة للإسراع بمعدل التقدم الذى يمكن إحرازه في الحد من الاضطرابات السلوكية عند الأطفال والمراهقين.

  وأسأل الله أن أكون قد وفقت في عرضى لهذا الكتاب وظهوره بالشكل الأمثل، وأطمح أن أضيف به جديدا إلى المكتبة العربية في علم النفس والصحة النفسية عامة وفى مجال الاضطرابات السلوكية بوجه خاص. والله من وراء القصد وبالله التوفيق،

أ.د/ عادل عبد الله محمد

الصفحة                                                                                                                                      13



الفصل الأول:الإضطرابات السلوكية



طبيعة المشكلة

تتضمن السلوكيات المضادة للمجتمع مدى كبيراً من الأنشطة التي تصدر عن الأطفال والمراهقين كالأفعال العدوانية والسرقة والتخريب المتعمد للممتلكات العامة أو الخاصة وإشعال الحرائق والكذب والهروب من المنزل. وعلى الرغم من تعدد وتنوع هذه السلوكيات فإنها غالبا ما تحدث مع بعضها البعض. وعلى هذا الأساس نجد أنه من المحتمل بالنسبة للأطفال العدوانيين أن تصدر عنهم بعض هذه السلوكيات الأخرى المضادة للمجتمع إلى جانب سلوكهم العدواني. ومن المعروف أن مثل هذه السلوكيات جميعا تخرق القواعد الاجتماعية وتوقعات الآخرين ولا تمتثل لها، كما يعكس معظمها أفعالاً توجه ضد البيئة سواء المادية بما تتضمنه من ممتلكات أو الاجتماعية بما تتضمنه من أفراد. 

  وهناك العديد من المصطلحات التي تستخدم للدلالة على السلوكيات المضادة للمجتمع وتتضمن التمثيل الذى يستجيب به الفرد لإحباطاته كتنفيس لها والسلوك المنسوب لعوامل خارجية واضطراب السلوك، و مشكلات السلوك، والجنوح . ومن بين هذه المصطلحات يوجد مصطلحان نوجه إليهما اهتمامنا هنا هما السلوك المضاد للمجتمع والاضطراب السلوكي، وسوف نستخدم مصطلح السلوك المضاد للمجتمع لنشير به بشكل موسع إلى أى نمط سلوكي يمثل أو يعكس خرقًا لقاعدة اجتماعية ما، أو لأفعال معينة توجه ضد الآخرين أو كليهما معاً. ومن أمثلة هذه السلوكيات العراك أو الشجار، والكذب، وغيرهما من السلوكيات الأخرى سواء كانت تتسم بالحدة أم

الصفحة                                                                   17

لا . وتتضح هذه السلوكيات لدى المراهقين المحالين إكلينيكيا للعيادات النفسية، كما تتصح بدرجات متفاوتة لدى معظم الأطفال خلال مضمار النمو العادي أوالسوى.

  ومن ناحية أخرى فسوف يتم استخدام مصطلح الإضطراب السلوكي ليشير إلى أمثلة يوضح فيها الأطفال أو المراهقون نمطا من أنماط السلوك المضاد للمجتمع وذلك عندما يبدو عليهم اختلال دو دلالة في الأداء الوظيفي اليومي سواء في المنزل أو المدرسة، أو عندما يتم الحكم على مثل هذه السلوكيات بأنها لا تقبل الترويض وذلك من قبل الآخرين ذوى الأهمية بالنسبة للطفل. وبذلك فإن الإضطراب السلوكي يستخدم فى هذا الإطار كبديل للسلوك المضاد للمجتمع بماله دلالة إكلينيكية والذى يتجاوز بوضوح نطاق الأداء الوظيفي العادى. ويعكس الإضطراب السلوكى مستويات مرتفعة أو حادة من اختلال الأداء الوظيفي، ويشير من الناحية الإكلينيكية إلى زمرة أو زملة معينة من السلوكيات تتضح في التشخيص السيكاترى للحالة ومن المحتمل بالنسبة للسلوك المضاد للمجتمع الذي يتم تشخيصه إكلينيكيا على أنه حاد أن يؤدى بالمراهق إلى أن يظل في إحتكاك مستمر مع هيئات اجتماعية مختلفة كتلك التي تهتم بتقديم خدمات الصحة النفسية كالعيادات النفسية والمستشفيات أو تلك التي تتبع النسق الجنائي كأقسام البوليس أو المحاكم.

  ومن الجدير بالذكر أنه غالباً ما تتوفر داخل النظام التعليمي خدمات خاصة، ومعلمين، وفصول لترويض مثل هؤلاء الأفراد على أن يتم ذلك بصفة يومية . وعلى الرغم من أن المشكلات السلوكية التى تشكل الإضطراب السلوكي قد غدت مألوفة لغالبية الناس، فإنه يبقى من المهم أن نوضح مستوى حدتها والظروف المحيطة التي تميز إكلينيكيا المستويات الحادة من اختلال الأداء الوظيفي.

دراستا حالة

  وسوف نعرض خلال الصفحات القليلة التالية لدراستي من تلك التي عرضت علينا إحداهما لولد والأخرى لبنت وذلك على النحو التالي:

الصفحة                                                                   18

1 - جريج Greg

جريج هذا ولد في العاشرة من عمره يعيش في أسرة تتألف من أبيه وأمه وأخويه الأصغر منه وأخته الرضيعة. وقد تمت إحالته للعيادة النفسية بسبب عراكه المفرط، ونوبات الغضب التي تنتابه وسلوكه المزعج الذي يثير الفوضى سواء في المنزل أو المدرسة. ففى المنزل كان يجادل والدته كثيراً ويتشاجر باستمرار مع إخوته الأصغر، ويسرق النقود من والديه ودائما ما كان يهدد بإشعال النار في المنزل عندما يحاول والداه أن يفرضا عليه نوعاً من النظام. وقد قام بالفعل في ثلاث مناسبات متفرقة بإشعال النار فى السجاد وفى مفارش السرير، وفي سلة القمامة داخل المنزل. وقد أدت إحدى هذه الحرائق إلى إحداث تلف كبير بالمنزل تكلفت الأسرة من جرائه عدة آلاف من الدولارات. وعلى الجانب الآخر كان يقوم بالكذب بشكل مستمر، وقد أدى ذلك الكذب في المدرسة إلى وقوع الآخرين في العديد من المشاكل، كما كان دائم الشجار مع أقرانه، ودائما ما كان ينكر قيامه بأي فعل خطأ. 

  وقد أحضره والداه إلى العيادة لأنهما قد أحا أنه من الصعب عليهما القيام بترويضه بالمرة، وذكرا عدة أحداث تدل على خطورة ما كان يقوم به من منها على سبيل المثال محاولته القيام بخنق أخيه الأصغر الذي كان يبلغ عامين من العمر وذلك بوضع مخدة على وجهه. كذلك فكان في ذلك الوقت قد بدأ مؤخراً الخروج من المنزل ليلاً والسير فى الشوارع وكان يقوم في تلك الأثناء بتحطيم نوافذ السيارات الواقفة في الشارع. وبسبب تعامله المستمر الأكبر منه سنا في الشارع الذي كان يقطن فيه بدأ والداه يشعران بالقلق خوفا من يصبح مجرما سفاحا فكانا يقومان من جراء ذلك بعقابه من وقت لآخر بشكل قاس وذلك باستخدام لوح خشبي أو حزام أو القيام بحبسه في غرفته لمدة يومين أو ثلاثة. وكان يبدو أن هذا العقاب من جانبهما يحدث كاستجابة لإشعاله الحرائق في المنزل.

  ومن جانبنا اتضح أن العديد من السمات التي تميز الحياة الأسرية لهذا الطفل

الصفحة                                                                   19

تستحق منا جل الاهتمام فقد كان الأب والأم يعملان طوال الوقت ولذا كانا مشغولين عنه ومن ثم تركا مسئولية رعاية أطفالهما إلى جدتهم لأمهم. وفي العامين السابقين لإحضاره إلى العيادة كان والده يعمل بشكل موسمى حيث كان يقضي معظم وقته فى البيت إما نائماً أو جالساً يشاهد التليفزيون. وقد أدى فقده لعمله ودخله والمساعدة التي كان يقدمها في المنزل إلى زيادة التوتر داخل المنزل. وقال الطفل أنه لا يحتمل أن يظل مع والده لأنه - أى الوالد ـ كان يفقد أعصابه معظم الوقت لأتفه الأسباب. وكانت الأم في المقابل تعمل طوال الوقت وتحاول أن تدير شئون المنزل أيضا، ومع ذلك لم تكن تتواجد بالمنزل كثيراً. وإلى جانب ذلك فقد كانت الأم تعانى من إكتئاب شديد ومن ثم حاولت الإنتحار مرتين خلال السنوات الثلاث السابقة، ولذا كان يتم حجزها بالمستشفى في كل مرة لمدة شهرين تقريباً، وكان يبدو أن سلوك هذا الطفل خلال تلك الفترات يصبح أسوأ من المعتاد .

  أما عن الحالة الدراسية للطفل فقد كان في الصف الرابع الإبتدائي؛ وكان ذكاؤه في المدى المتوسط حيث بلغت نسبة ذكائه ستة وتسعون على النسخة المعدلة من مقياس وكسلر لذكاء الأطفال ( WISC - R) ومع ذلك فقد كان أداؤه الاكاديمى أقل من مستوى تلاميذ صفه. كذلك فقد إلحاقه بأحد الفصول الخاصة بالمدرسة وذلك بسبب سلوكه المضطرب الذى يؤدى إلى الفوضى وهو ما يتضح من تقارير معلميه حيث قرروا أنه كان مفرط الحركة والنشاط ويؤدى سلوكه إلى إحداث الفوضى داخل الفصل. وقد أبلغت إدارة المدرسة والديه بأنهما إذا لم يحاولا إرشاده نفسيا فلن يتم قبوله بالمدرسة في العام التالي وهو ما دفعهم للحضور إلينا.

  وقد تلقى هذا الطفل علاجاً عندما كان صغيراً حيث كان يتردد به والده على طبيب الأطفال عندما كان في السادسة من عمره بسبب سلوكه الذي لا يمكن السيطرة عليه سواء في المنزل أو المدرسة، وتم إعطاؤه في ذلك الوقت علاجا طبيا لضبط نشاطه الزائد إلا أن الأم قررت أن ذلك العلاج لم يجد معه مما

الصفحة                                                                   20

إضطرها إلى عدم الاستمرار في إعطائه له بعد ستة شهور من الاستمرار فيه، وتم إحضاره بعد ذلك إلى العيادة الخارجية لإعادة التشخيص والعلاج. وعندما وجدا أن سلوكه قد أصبح أكثر خطورة في كل من المنزل والمدرسة لم يعرفا إلى أين يتوجهان به مما إضطرهم بعد ذلك إلى التفكير في التخلى عنه أو إلحاقه بإحدى المدارس الداخلية الخاصة حيث قد يؤدى النظام المفروض بها إلى إعادة تشكيل شخصيته من جديد.

2 - آن Ann

  آن هذه بنت فى الثالثة عشرة من عمرها كانت إلى وقت قريب تعيش مع أمها وزوج أمها وأخيها الذي يبلغ التاسعة من العمر. وكان قد تم إيداعها في الشهور السنة السابقة إحدى المؤسسات كحجز قضائي بحكم صادر من بسبب هروبها المتكرر من المنزل. وبطبيعة الحال كان هذا الإيداع مؤقتا وذلك لحين الإنتهاء من التشخيص السيكاترى الصادر بأمر من المحكمة. ويتضح من تقرير والديها أنها كانت كثيرة الجدل والمناقشة وكثيرة المعارضة لأوامرهما، وتكذب، وتسرق كثيراً، وغالباً ما كانت تسرق الملابس والمجوهرات من منازل أقاربها وأصدقائها ومنهما أيضاً مما أدى بهما إلى إغلاق باب غرفة نومهما بمفتاح كلما خرجا منها، وإلى قفل أدراج التسريحة أيضاً حتى يحافظان على الأشياء النفيسة التي يمتلكانها. كما أنها كانت تسرق أيضا أشياء بسيطة من المحلات، ولكن ذلك كان قليلاً قياساً بما كانت تسرقه من الأشخاص.

  ومن ناحية أخرى فقد كان هروبها المستمر من المنزل يمثل مشكلة هو الآخر، فقد هربت من المنزل أربع مرات على مدار السنوات الثلاث السابقة، وكانت أسرتها تضطر في كل مرة أن تبلغ البوليس بهروبها الذي كان يرتبط في الغالب بفعل آخر سواء السرقة أو تدخين السجاير في المنزل. وحينما كانت تقوم بالسرقة أو التدخين كانت ترغمها الأسرة على البقاء داخل غرفتها ولكنها مع ذلك كانت عادة ما تهرب على الرغم من أن غرفتها كانت في الطابق الثاني بالمنزل. وفي

الصفحة                                                                   21

إحدى المرات التي هربت فيها من المنزل تم البحث عنها لمدة ثلاثة أيام حتى عثر عليها البوليس وهي تمشى فى الشارع في وقت متأخر من الليل في الجانب الآخر من المدينة وذلك لمسافة تبعد عشرة أميال عن منزلها وحينما تم العثور عليها لم تخبر البوليس من هي ولا أين تسكن ومن ثم مرت عدة ساعات حتى تم التعرف عليها وإعادتها لمنزل أسرتها .

  وباستعراض تاريخها لوحظ أنها خلال فترة وجودها بالروضة كانت تجد صعوبة بالغة فى إتباع التعليمات وفى تكوين أصدقاء وعندما بلغت الخامسة تم الطلاق بين والديها وكانت هذه الفترة كما ترى والدتها هي بداية سلوكها المضاد للمجتمع. فاستمرت بعد ذلك في إفتعال المشاكل داخل المدرسة، وإشتكى معلموها من وجود أشياء أو مشكلات تعوقها عن إتمام واجباتها المدرسية أو ما يطلبونه منها داخل المدرسة، فاضطرت والدتها إلى الانتقال لمنطقة جديدة ومن ثم انتقلت ابنتها إلى مدرسة جديدة فى تلك المنطقة. وفى هذه المدرسة الجديدة كان الأداء المدرسى للبنت مقبولاً، وكان باستطاعتها أن تساير مستوى صفها الدراسي، وهو ما حدث بالفعل إذ قرر معلموها أن مستواها بشكل عام جيد ويؤهلها كي تؤدى ما يطلب منها بشكل جيد حيث بلغت نسبة ذكائها على النسحة المعدلة من مقياس وكسلر لذكاء الأطفال مائة وخمسة، ومع ذلك فقد كان إتجاهها نحو الدراسة سلبيا ولم توجد لديها دافعية للدراسة. وعندما تمت إحالتها للعلاج كانت في الصف الثامن وكان مستواها لا بأس به وذلك في المواد التي تدرسها. 

  وعلى الرغم من ظهور العديد من المشكلات السلوكية عبر تاريخ هذه البنت، فإن حدة المشكلات وتكرارها قد تزايد على مدى السنوات الثلاث السابقة. وخلال هذه الفترة كان الخلاف حول رعايتها على أشده بين أمها ووالدها الحقيقي قيامه بطلاق أمها وذلك بعد أن كان الأب قد ابتعد عنها لمدة عام بسبب

الذي إفراطه في تعاطى الخمور إذ كان يأخذ أن وأخيها معه بين حين وآخر إلى الحانات لعدة ساعات حيث يحتسى الخمر. وحينما بدأ الخلاف يشتد بين الوالدين على رعاية الأبناء إرداد التوتر بين أعضاء الأسرة مما دفع البنت إلى أن تتهم زوج أمها

الصفحة                                                                   22

كذبا بإساءة معاملتها، وهو ما أدى إلى زيادة الجهود المبذولة من جانب والدها الحقیقی کي يكون مسئولا عنها، كما أدى أيضا إلى إجراء تحقيقات رسمية مع زوج أمها إلا أن تلك الدعوى التي تم رفعها ضده بإساءة استخدام الأطفال قد سقطت. ويبدو أن الضغوط المصاحبة والتوتر المتعلق برعاية الأبناء وإساءة الاستخدام طبقا لما يرى الوالدان قد دفع البنت إلى الهروب من المنزل بعد أن كان قد أدى إلى تزايد الجدل من جانبها وعدم قدرة والديها على السيطرة عليها وترويضها .

  وعندما دخلت البنت المستشفى تم إخضاعها لرعاية سيكاترية فائقة حتى يتم تقييم حالتها، وقد أدت فرصة حجزها بالمستشفى إلى البحث في كل من المصادر الأسرية والمشكلات الناجمة بشكل أدق وكان الهدف من هذا التقييم هو إعداد تقرير للمحكمة عن وضع البنت وذلك للكشف عن احتمالات العلاج والمساعدة في الإسراع بحل مسألة الخلاف على رعايتها. وأخيرا تم إيداع البنت في دار للرعاية وإحضارها للعيادة لعلاجها فرديًا.

تعليق عام

  توضح الحالتان السابقتان اللتان انتهينا من عرضهما حدة تلك المشكلات التي يمثلها الاضطراب السلوكي كما تؤكدان على عدد من النقاط الهامة التي يمكن عرضها على النحو التالي:

1 - يقوم الطفل في كل حالة بالعديد من السلوكيات الحادة التي تمثل في حد ذاتها مشكلات متنوعة وإن كانت لم تبتعد كلية عن الاستجابة لبعض المطالب الوالدية، ولكنها تؤدى بالوالدين إلى الدخول في مجادلات مع الأبناء، وتعرض هؤلاء الأبناء لنوبات ،مزاجية كما تؤدى إلى فشلهم في إتمام الواجبات المنزلية التي تحددها المدرسة. وعلى الرغم من أن هذه الأنواع الأخيرة من السلوكيات تظهر لدى كل حالة فإنها ذلك لا تمثل أساساً أوليا للبحث عن الاهتمام المهني المطلوب.

الصفحة                                                                   23

2 - يشعر الوالدان مع كل حالة بأن الطفل لا يمكن ترويضه أو السيطرة عليه، وأنهما قد استنفدا مصادرهما لمواجهة المشكلة. وقد قامت المدرسة في إحدى هاتين الحالتين اللتين عرضنا لهما بالمساعدة في العلاج وذلك بإحالة الطفل إلى العيادة .

3 - يعاني الوالدان من مشاكلهما الخاصة ومصادر الضغوط والتوتر التي تتضمن الإنفصال أو الطلاق وتاريخ مرضى ينم عن اختلال في الأداء الوظيفي السيكاترى والبطالة. وقد وجدنا في إحدى هاتين الحالتين أن هناك ثلاثة أخوة آخرين فى المنزل يضيفون إلى تلك المشكلات الناجمة عن الطفل المشكل نفسه .

4 - تعكس هاتان الحالتان وجود عدد من المؤسسات المجتمعية التي تعمل لصالح الطفل تتضمن المدرسة والمحكمة والعيادة النفسية ومراكز رعاية الأحداث. وغالباً ما نجد أن الأطفال والمراهقين ذوى

الإضطرابات السلوكية يكونوا على إتصال مباشر بمثل هذه المؤسسات وما تقدمه من خدمات إجتماعية متعددة .

المغزى الإجتماعي والإكلينيكي للمشكلة

   يوضح وصف الحالات السابقة على المستوى الشخصى بعض المشكلات التي يمثلها الإضطراب السلوكى والظروف غير الملائمة التي قد ترتبط بها. وبمضاعفة تلك الحالات عدد من المرات وازدياد تنوعها بما يزيد عن مجرد الحالتين اللتين قمنا بعرضهما للتو فإن ذلك يمكن أن يعكس ويوضح تعدد النتائج والعواقب سواء على المستوى الشخصى أو على المستوى الاجتماعي. ويمكن أن نؤكد على أهمية أو مغزى الإضطراب السلوكي إذا ما قمنا بتسليط الضوء على السمات الأساسية المميزة لتلك المشكلة، وهو ما نعرض له في النقطة التالية .

السمات المميزة للإضطرابات السلوكية

  هناك العديد من السمات التي تميز الإضطراب السلوكي والتي يمكن في ضوئها

الصفحة                                                            24 

تصوير وتحديد تلك المشكلة. ويمكن تناول مثل هذه السمات على النحو التالي:

1 - مدى الانتشار

  عند فحص مدى إنتشار الإضطراب السلوكى أو نسبة أولئك الذين يعانون من إختلال في الأداء الوظيفي في عدد من الدراسات وذلك باستخدام محكات تشخيصية مقننة وأساليب مختلفة للتقييم تراوحت قيم معدلات إنتشار الإضطراب السلوكي بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين أربع سنوات إلى ثماني عشرة سنة بين %2 - %6 تقريبا وذلك وفقا للإحصائيات التي أصدرها المعهد الصحي بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1989 وهذا يعنى : أن ما بين 1,3 - 3,8 ملیون طفلاً يظهرون اضطرابات سلوكية .

  وعندما تم فحص أنماط سلوكية معينة تشكل في مجملها إضطرابا سلوكيا وذلك باستخدام التقارير الواردة عن المراهقين أنفسهم حول سلوكياتهم كانت معدلات انتشار الإضطراب السلوكى مرتفعة بشكل غير عادي حيث اتضح على سبيل المثال أنه بالنسبة للمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 - 18 سنة قرر أكثر من %50 منهم أنهم يسرقون و %35 منهم أنهم يقومون بالهجوم على الغير وإغتصاب ما بحوزتهم و %45 منهم أنهم يقومون بتدمير الممتلكات، وقرر %60 منهم أنهم يشاركون في أكثر من نمط واحد من أنماط السلوك المضاد للمجتمع كالعدوان، وإساءة استخدام العقاقير، وإحراق المبانى والممتلكات عمداً ، والتخريب المتعمد للممتلكات Feldman et al., 1983) Vandalism) . فمن الصعب أن نحدد عدد الأطفال الذين يمكن تصنيفهم على أن لديهم إضطرابات سلوكية في سن معينة .

2 - الإحالة إلى العيادات النفسية

  یری کازدین وآخرون (Kazdin et al., (1990 ، وروبنز (1981) Robins أن نسبة إحالات الأطفال والمراهقين إلى العيادات النفسية بسبب السلوك العدواني، والمشكلات السلوكية والسلوك المضاد للمجتمع تتراوح بين ثلث إلى نصف 

الصفحة                                                            25                                                                                                                          

عددهم. وعلى ذلك فإن هذا الإضطراب يعد أحد أهم أسباب الإحالة إلى العيادة النفسية .

3 - ثبات المشكلة

  یری روبنز (1987) Robins أن الإضطراب السلوكي من بين مشكلات الأطفال يميل إلى أن يكون ثابتا عبر الزمن ولا ينطبق هذا الثبات على العديد الأشكال الأخرى من إختلال الأداء الوظيفي التي يتم الشفاء منها على مدار من مضمار النمو. وبذلك فعندما يبدى الأطفال عطا ثابتا أنماط السلوك المضاد من كالأفعال العداونية الموجهة تجاه الآخرين على سبيل المثال يكون من غير للمجتمع المحتمل أن يتخلص هؤلاء الأطفال منها ببساطة .

4 - المال 

  وإذا ما كان السلوك ثاننا يصبح إحتمال التنبؤ بأي تغير يمكن أن يحدث ضعيفاً. وفى الواقع بلاحظ أن حدوث المشكلات السلوكية من جانب الأطفال والمراهقين تنبئ بحدوث مشكلات تالية في مرحلة الرشد تشمل السلوك الإجرامي وتعاطى ،الكحوليات والشخصية المضادة للمجتمع أى أنها تنبئ باستمرار حدوث الإضطراب السلوكي. كما أنها تنبى أيضاً بغير ذلك من الإضطرابات السيكاترية، ورداءة مستوى أداء العمل، ومستوى التوافق الزواجي والمهني.

5 - الإنتقال عبر الأجيال

  لا يعد السلوك المضاد للمجتمع ثابتا عبر الزمن فحسب بالنسبة للأفراد، ولكنه يكون ثابتا أيضا بالنسبة للأسر حيث يمكن أن ينبئ خلال مرحلة الطفولة بأنماط سلوكية مشابهة لدى أبناء الفرد وبعد مثل هذا الاستمرار واضحاً عبر الأجيال حيث وجد جلوك وجلوك luck & luck منذ أواخر الستينيات أنه من الأكثر إحتمالاً بالنسة للأحفاد أن يبدون أنماطاً سلوكية مضادة للمجتمع إذا كان لأجدادهم تاريخ يضم مثل هذه السلوكيات ومن ناحية أخرى يرى

الصفحة                                                            26                                                                                                                          

هويسمان وآخرون (1984) Huesmann et. al. أن مدى عدوانية الأب عندما كان في نفس عمر طفله تعد من أفضل العوامل التي يمكننا من خلالها التنبؤ بما يمكن أن يكون عليه الطفل العدواني في طفولته .

6 ـ ما يتكلفه المجتمع من جرائها

  يعد السلوك المضاد للمجتمع أحد أكثر الإضطرابات النفسية تكلفة للمجتمع. ويرجع السبب في ذلك إلى أن المراهقين الذين تصدر عنهم سلوكيات مضادة للمجتمع يظلون دائما في حالة إتصال مستمر بمؤسسات الصحة النفسية والمؤسسات القضائية وذلك إلى أن يبلغوا مرحلة الرشد . وتتضمن مثل هذه التكلفة العلاج النفسى والخدمة الاجتماعية للأسرة والأحكام القضائية الخاصة بالأحداث وحبسهم، والبرامج التربوية الخاصة التي يتم إعدادها لهم، وغير أشكال الإتصال بالمؤسسات الإجتماعية التي يصعب حصرها، وهو الأمر الذي يعد باهظ التكاليف بما لا يدع محالاً للشك .

7 - عدم وجود العلاجات الفعالة

  یری بیبلر وروبن (1991)Pepler & Rubin   أن مغزى الإضطرابات السلوكية يزادد بسبب عدم وجود التدخلات العلاجية التي تتسم بفاعليتها الواضحة. ويرى دوماس (1989) Dumas وبراندت وزلوتنيك (1988) Brandt & Zlotnic ، وكازدین (1985) Kazdin أننا نستخدم فى هذا الإطار أنماطا متعددة من هذه العلاجات سواء كانت علاجات فردية أو علاجات جماعية، أو العلاج السلوكي، أو علاج لأولئك الذين يتم حجزهم بالمستشفى، أو عن طريق حجزهم في مؤسسات خاصة بهم، أو العلاج بالعقاقير، أو الجراحة النفسية إضافة إلى استخدام مجموعة من العلاجات الحديثة التي تتخذ من المجتمع المحلى أو البعد المجتمعي أساساً لها. ومع كل هذا فلا يوجد حتى الوقت الراهن أى أسلوب علاجي استطاع أن يثبت فاعليته في أن يخفض من حدة الإضطراب السلوكي، أو يغير من النتائج الضئيلة الخاصة بالتنبؤ به على المدى البعيد. كذلك

الصفحة                                                            27                                                                                                                          

فمن المحتمل أن يتم استخدام العديد من العلاجات للطفل والمراهق المضطربين سلوكيا وذلك خلال مضمار النمو.

  وعادة ما يبدأ التاريخ العلاجي لمثل هؤلاء المراهقين بالمشكلات السلوكية التي تظهر مبكراً في حياتهم وذلك من جانبهم في المدرسة والتي تؤدى إلى وضعهم في فصول أو مدارس خاصة بهم وإحالتهم فى النهاية إلى العيادة النفسية لتلقى العلاج النفسى. وبعد ذلك قد يكون الفرد في وقت ما من حياته على إتصال مستمر بالنظام القضائي وذلك إعتمادا على ما يصدر عنه من أنماط سلوكية معينة مضادة للمجتمع كالسرقة وإشعال الحرائق على سبيل المثال. كذلك قد يصبح أيضا على صلة بتلك المؤسسات التي تعمل على تقديم خدمات الصحة النفسية إضافة إلى الإحالات الفردية للعلاج من الإضطراب نتيجة لعدم القدرة على ترويضه أو السيطرة عليه. ومن المحتمل في مثل هذه الحالات أن يتم تقديم أشكال الإرشاد والعلاج النفسى والعلاج الطبي للطفل، إلى جانب تقديم العلاج المساند لأسرته وفى حالات الإختلال الشديد في الأداء الوظيفي للطفل أو إذا ما كانت الأسرة لا تستطيع أن تقوم بترويضه، أو كليهما معا يمكن إحالة الطفل إلى أحد المستشفيات المتخصصة فى الرعاية النفسية ويتم حجزه به كذلك فقد يوضع بعض المراهقين المضطربين سلوكيا في مؤسسات أو دور خاصة بتقديم الرعاية لهم وذلك بشكل مؤقت أو دائم. ومن الجدير بالذكر أنه ليس من الضروري أن يمر الطفل بهذا التتابع وما يتضمنه من خبرات ذلك فمن المحتمل أن يتم تقديم تلك الرعاية للفرد خلال مضمار مختلفة . ومع العلاج المقدم له وذلك خلال سنوات طفولته ومراهقته وما بعدها، وتأخذ تلك الرعاية شكل العديد من الخدمات المختلفة فى العديد من الجوانب.

  ومن الواضح أنه حتى عندما نتناول مثل هذه المشكلة بإيجاز نلاحظ أن الإضطراب السلوكي لدى كل من الأطفال والمراهقين يمثل مشكلة إجتماعية خطيرة. كما أن مناقشة طبيعة ومجال مثل هذه المشكلة الإجتماعية يغفل ما تتضمنه من تراجيديا شخصية يعكسها السلوك المضاد للمجتمع، هذا إلى جانب ما

الصفحة                                                            28                                                                                                                          

يعانيه مثل هؤلاء الأفراد من تعاسة وسوء توافق مزمن بسبب حدة المشكلات السلوكية التي يعانون منها . وإضافة إلى ذلك فهناك العديد من الأفراد يقعون ضحايا لما يقترفه مثل هؤلاء الأفراد المضطربين سلوكيًا من أفعال مضادة للمجتمع كالقتل والاغتصاب، والسرقة بالإكراه، وإحراق المباني والممتلكات عمداً، وقيادة السيارات حال تعاطيهم المخدرات أو الكحوليات وإساءة إستخدام الطفل و القرين والتي تصدر من جانبهم بشكل يفوق بدرجة كبيرة جدا ما يصدر من جانب أشخاص آخرين وبسبب تعدد الضحايا وكثرتهم فإن السلوك المضاد للمجتمع يلعب دوراً كبيراً على عكس ما تلعبه العديد من المشكلات السيكاترية كالإكتئاب والإضطرابات الذهانية فى الاستحواذ على القدر الأكبر من البحوث والدراسات في مجال الإضطرابات النفسية.

تعريف وتحديد الأنماط السلوكية المضادة للمجتمع

  بعد تناول تلك الحالات التي عرضنا لها سابقا والأنماط السلوكية التي تتضمنها يتبقى لدينا بعض الصعوبة في تحديد الأفعال المضادة للمجتمع والأشخاص الذين يقومون بها. وفى الواقع نلاحظ أنه ليس كل السلوك المضاد للمجتمع يشغل بال الوالدين والمعلمين والمختصين الذين يؤدون عملهم داخل العديد من المؤسسات الإكلينيكية والقانونية حيث نجد أن العديد من تلك الأنماط السلوكية المضادة للمجتمع لا يتم تحديدها على أنها تستحق أن نتناولها وأن نبحث لها عن علاج مناسب إذ أن هناك العديد من الاعتبارات التي ترتبط بعملية تحديد الإضطراب السلوكي .

السلوك العادي كأساس للتقييم

  من الملاحظ أن العديد من أنماط السلوك المضاد للمجتمع تظهر بشكل أو بآخر على مدار مضمار النمو العادى. وعلى هذا فإن مدى أهمية الإضطراب السلوكي وملامحه الخاصة كمشكلة إكلينيكية يجب أن يتم الحكم عليها في ضوء السلوك العادى أو السوى كمحك أو أساس لمثل تلك العملية. وقد تناولت دراسات

الصفحة                                                            29                                                                                                                          

عديدة ظهور أنماط السلوك المضادة للمجتمع وأنماط التغير التي تعتريها خلال مضمار النمو، وأظهرت نتائج تلك الدراسات وجود معدلات انتشار عالية لمثل هذه الأنماط السلوكية بين عينات من الأطفال والمراهقين الأسوياء، حيث نلاحظ على سبيل المثال أن الأمهات قد قررن وجود بعض المشكلات السلوكية لدى أطفالهن الأسوياء منذ طفولتهم الباكرة وحتى بدايات المراهقة أي قبل بلوغ هؤلاء الأطفال الثانية من أعمارهم وحتى وصولهم من الرابعة عشرة.

  كذلك فقد كان من بين ما أظهرته تلك الدراسات من نتائج وجود معدل مرتفع سيا لأنماط سلوكية معينة مضادة للمجتمع، فاتضح على سبيل المثال من تقارير الأمهات أنهن قد قررن أن الكذب بالنسبة لأطفالهن الذكور في السادسة من أعمارهم بعد مشكلة لدى غالبيتهم حيث بلغت نسبة إنتشاره بينهم حوالي %53 في الوقت الذي انخفضت فيه هذه النسبة في الثانية عشرة من أعمارهم إلى حوالي %10 أما بالنسبة للبنات فقد وصل معدل إنتشار الكذب بينهن في سن السادسة إلى %48 تقريباً، ولم تتضمن تلك التقارير وجود أي حالة كذب بينهن في سن الحادية عشرة. كما توصل اكينباتش (1991) Achenbache في دراسته للمشكلات السلوكية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 - 16 سنة إلى وجود معدلات مرتفعة لأنماط سلوكية معينة مضادة للمجتمع كعصيان الأطفال لوالديهم و عدم طاعتهم لهم، وتحطيم مملتكات الآخرين حيث أوضحت التقارير الواردة من الآباء والأمهات أن هذين النمطين السلوكيين يعدان من أهم المشكلات التي تواجههم مع أطفالهم إذ بلغ معدل إنتشار العصيان وعدم الطاعة %50 وبلغ معدل إنتشار تحطيم ممتلكات الآخرين %20 وذلك بين الأطفال في الرابعة والخامسة من العمر. أما بالنسبة للمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 - 18

سنة فقد انخفضت مثل هذه السلوكيات إلى حوالى %35 وصفر على التوالى.

  ومن الجدير بالذكر أن مثل هذه المعدلات للسلوك المضاد للمجتمع والتي كشفت عنها تلك الدراسات لا يجب بالضرورة أن نأخذها مع. ذلك كقيم دقيقة نظراً لإختلاف تعريفات السلوك المضاد للمجتع المتضمنة فيها، إلى جانب إختلاف

الصفحة                                                            30                                                                                                                         

  أساليب القياس المستخدمة أيضاً وإضافة إلى ذلك فهناك إختلافات هامة بين الثقافات والبلدان المختلفة تجعل تلك المعدلات التي نحصل عليها في بلد ما لا يمكن القيام بتعميمها على بلد آخر، ومع ذلك فهى تتضمن نقطتين هامتين تشملان بعض التعميم هما :

1 - أن ظهور السلوك المضاد للمجتمع بعد شائعاً نسبياً في أوقات مختلفة خلال مضمار النمو العادي أو السوى.

2 - أن العديد من تلك الأنماط السلوكية تقل نسبتها بدرجة كبيرة خلال مضمار النمو أيضاً .

  ونظرا لأن العديد من الأطفال لا يظهرون إضطرابات سلوكية خلال مضمار نموهم فإن السلوك المضاد للمجتمع والذي يظهر في وقت مبكر من حياتهم لا يكون له بالضرورة مغزى إكلينيكى فى هذه الحالة. ومن ناحية أخرى نلاحظ أن المعدلات المرتفعة نسبياً للسلوك المضاد للمجتمع وإستمرار الإتيان بمثل هذا السلوك من جانب الطفل بدلاً من انخفاص معدله يمثل إنحرافا عن السلوك السوى له مغزاه الإكلينيكي.

  ومن الجدير بالذكر أن هناك إعتبارات أخرى للسلوك المضاد للمجتمع يتم النظر إليه من خلالها على أنه يمثل جانبا من النمو السوى، وهذا يتطلب منا أن نتعرض للفروق بين الجنسين فى مثل هذه السلوكيات وهناك في ذلك الصدد من هذه السلوكيات يشار إليهما على أنهما سلوكيات مستدخلة أي تنسب إلى عوامل داخلية وأخرى مبررة تنسب إلى عوامل خارجية وليس إلى الذات وكلاهما يضم أنماطاً عديدة من إختلال الأداء الوظيفي الإكلينيكي وفي حين تشير السلوكيات التي تنسب إلى عوامل خارجية وليس إلى الذات إلى تلك الأفعال التي تصطدم بالآخرين وتمثل إعتداءات عليهم وتؤدى إلى إيقاع نوع من الفوضى في البيئة المحيطة، ومن هذه الأفعال السرقة، والشجار أو العراك والهروب من المدرسة، وتدمير الممتلكات، والكذب، تشير السلوكيات المستدخلة أو التي تنسب إلى عوامل

الصفحة                                                            31                                                                                                                         

داخلية إلى تلك السمات أو الخصائص التي يزداد التركيز الداخلي عليها كالقلق والخجل، والإنسحاب والحساسية المفرطة، والشكاوى الجسمية. وبوجه عام نلاحظ أن الأولاد قياسا بالبنات يميلون إلى أن يظهروا كما يرى روتر وآخرون (1980) Rutter et. al مستويات أعلى من السلوكيات التي تنسب إلى عوامل خارجية وذلك خلال مضمار النمو، فى حين تميل البنات قياساً بالأولاد إلى أن يظهرن معدلات أكثر إرتفاعاً من أنماط سلوكية مستدخلة أو عصابية من الأعراض كالخجل والحساسية المفرطة والشكاوى الجسمية .

  وبوجه عام تلاحظ أن السلوكيات المضادة للمجتمع تعد ذات نمط ينسب إلى عوامل حارجية وأنها تعتبر أكثر إنتشارا بين البنين والمراهقين. ومع الفروق بين الجنسين في تلك السلوكيات المضادة للمجتمع والإضطرابات السلوكية تعتبر أكثر تعقيداً من ذلك كما سنوضح فيما بعد. ومن ناحية أخرى نلاحظ أن العديد من السلوكيات المضادة للمجتمع تقل مع ريادة العمر الزمني لدى العديد من الأولاد والبنات الأسوياء وأن هذه السلوكيات تعد أيضاً ثابتة نسبيا. ويشير الثبات في هذا السياق إلى الارتباط بين سلوك الأطفال كما يقاس في مناسبتين أو أكثر كان قياسه ثانية بعد مرور عدد من السنوات مثلاً. ويعكس هذا الارتباط المدى الذى يبقى عنده الأطفال على وضعهم النسبي فيما يتعلق بالأنماط السلوكية داخل جماعة الأقران الخاصة بهم. ويدل معدل الارتباط المرتفع على أن الأطفال الذين يتم تحديدهم على أنهم عدوانيون في سن معينة يعدون أيضا عدوانيين نسبياً في سن تالية. وفى هذا الصدد أوضحت العديد من الدراسات الطولية التي تناولت السلوك العدوانى فى الطفولة والمراهقة وذلك لدى أشخاص تتراوح أعمارهم بين عامين إلى ثمانية عشر عاما وجود قدر معقول من الثبات بالنسبة للسلوك العداونى حتى سن العشرين والثلاثين وحتى الأربعين (1991 ,Farrington). وبذلك تجد أنه على الرغم من أن معدلات السلوك العداوني قد تختلف خلال مضمار النمو فإن الوضع النسبي للفرد بين أقرانه يبدو أنه يظل ثابتا نسبيا .

الصفحة                                                            32                                                                                                                          

  هذا ويمكن أن نلاحظ بوجه عام أن تحديد السلوك الخطير المضاد للمجتمع يتطلب أن نضع المعايير النمائية في اعتبارنا حيث نجد أن السلوكيات المضادة للمجتمع تختلف بين الأطفال الذين لم تتم إحالتهم للعيادات النفسية أو النيابة كدالة للعمر الزمني والجنس. ولا يعد وجود أو ظهور بعض السلوكيات كالعراك أو السرقة مثلاً أو غير ذلك كافيًا كي نقرر أن هناك مشكلة إكلينيكية .

وصف الإضطراب السلوكي

  تحدد العديد من السمات المميزة للأنماط السلوكية المختلفة ما إذا كانت مستويات إكلينيكية معينة من حدة السلوك متوفرة أم لا، ومن ثم يتحدد ما إذا كان السلوك الظاهر يمتد إلى ما وراء السلوك المضاد للمجتمع كجزء من السلوك السوى أم غير ذلك. وفي هذا الإطار هناك عدد من تلك السمات المميزة للإضطراب السلوكي التي تستخدم في هذا الوصف. وتتمثل تلك السمات فيما یلی :

أ - حدة السلوك واستمراره.

ب - تكرار السلوك ومدى إزمانه .

ج - حدوث العديد من الأنماط السلوكية المضادة للمجتمع معا.

د - تعطيل الأداء الوظيفي اليومي .

  وتعد حدة السلوك واستمراره بمثابة أحد أهم تلك الملامح أو الخصائص الاساسية التي يتحدد فى ضوئها ما إذا كان الطفل يعد حالة إكلينيكية أم لا، أى أن مدى قيام الطفل بأنماط سلوكية مثل العراك والسرقة والكذب هي التي تحدد مدى إستحقاق السلوك للتركيز عليه ووضعه في الاعتبار.

  كذلك فمن الملاحظ أن معظم السلوكيات المضادة للمجتمع تعد قليلة التكرار نسبيا ولكنها في الوقت ذاته تكون شديدة الحدة، وينبع مغزاها من أهمية تلك النتائج التي تترتب عليها وليس من التكرار الفعلى لهذا السلوك أو ذاك. وتعتبر مثل هذه السلوكيات أيضاً أكثر حدة أو متطرفة قياساً بالتباينات التي يمكن للفرد

                                                                                                                          33 الصفحة                                                                                                                         

أن يلاحظها خلال مضمار النمو العادي، فنجد على سبيل المثال أن إشعال الحرائق حتى ولو تم من جانب الطفل مرة واحدة فقط أو مرتين فإنه يشغل إهتمام وفكر القائمين على العيادات الإكلينيكية والمؤسسات القانونية أو النيابة، وبنفس الطريقة نلاحظ أن السلوكيات الخطيرة التي تتضمن العدوان ضد الآخرين كمحاولة من جانب الفرد لإلحاق الأذى أو الضرر بفرد آخر سواء كان هذا الفرد الآخر صغيراً أو كبيراً باستخدام سلاح أو تعذيبه للغير بشكل قاس، أو قيامه بقتل شخص آخر يمكن أن يمثل أساساً قويا للبحث عن العلاج.

  ويساعد تكرار وإزمان السلوك على تحديد المستويات الإكلينيكية للسلوك المضاد للمجتمع. وقد لا يؤدى حدوث السلوك من جانب الطفل لمرة واحدة إلى أن يركز الآخرون انتباههم على هذا الطفل. ويعمل تكرار السلوك والتاريخ المطول لإستمرار هذا السلوك على مدار الزمن وعمر المواقف المختلفة على صغ السلوكيات الصادرة عن الطفل أو المراهق بمغزى سیکلوچى أكبر كذلك فإن السلوك المضاد للمجتمع يعكس حقيقة هامة تتمثل في أن الجهود العادية من جانب الوالدين والمعلمين والأقران والعمليات النمائية غير المحددة لا تحقق الأثر الذي ننشده منها .

  ومن ناحية أخرى تساعد الأنماط السلوكية المتعددة والمتنوعة المضادة للمجتمع كوحدة واحدة على وصف وتحديد الأفراد ذوى المستويات الإكلينيكية المختلفة من السلوك المضاد للمجتمع. هذا ويمكن النظر إلى أي فعل محدد مضاد للمجتمع يبديه الأطفال كالعراك مثلاً على أنه عرض فردی و سلوك مستهدف. ومع ذلك فإن الأنماط السلوكية المضادة للمجتمع بالنسبة للعديد من الأفراد تحدث في وحدات» أو «زمرات»، ويشار إلى هذه الوحدات أو الزمرات على أنها زملة وهو ما يدل بطبيعة الحال على أن الأنماط السلوكية العديدة المضادة للمجتمع من المحتمل أن تحدث معاً. ويتضمن الإضطراب السلوكى كزملة العديد من السمات الجوهرية مثل العراك، والسرقة، والهروب من المدرسة وتحطيم الممتلكات وتهديد الآخرين أو

الصفحة 34                                                                                                                                                                                                                                                

تحديهم، والهروب من المنزل. ومن غير المحتمل أن تحدث كل هذه الأعراض لدى الطفل الواحد، لكن الفكرة الأساسية التي تدور حولها هنا أن تلك هی الأعراض تمثل جانبا من زملة يحتمل حدوثها معا في <<زمرة».

  ويعتبر تعطيل الأداء الوظيفى اليومي بمثابة أمر حاسم في التميز بين السلوك <<العادى» المضاد للمجتمع والمستويات الإكلينيكية الحادة من السلوك فالأفراد الذين يتسمون بسوء أدائهم الوظيفي اليومى يعدون في حاجة إلى علاج أو أى نمط آخر من أنماط التدخل. وهناك عدد من الدلائل نستطيع بموجبها الدلالة على تعطيل الأداء الوظيفي اليومي، منها

ما يلي:

 1 - تكرار المشاكل من جانب الطفل في المدرسة، وهو الأمر الذي يؤدى إلى استعاده أو فصله منها لبعض الوقت، كما قد يؤدى أحيانًا إلى فصله منها نهائيا .

2 - عدم القدرة على السيطرة على الطفل في المنزل حيث لا يستطيع الوالدان ترويضه بشكل فعال .

3 - صدور افعال خطيرة من جانب الطفل تؤثر على الآخرين كالأخوة والأقران على سبيل المثال .

  ومن الجدير بالذكر أن أيا من هذه السمات الأربع السابقة تؤدى حال توفرها لدى الطفل إلى أن يتم تحديده على أن لديه إضطراباً سلوكيا، كذلك فإنه يتم اللجوء إلى هذه السمات عند التحديد الإكلينيكي لمستويات حدة السلوك المضاد للمجتمع. أما في الحالات المتطرفة فيمكن أن نلاحظ أن الأطفال الذين تصدر عنهم سلوكيات مضادة للمجتمع تظهر عليهم كل هذه السمات التي انتهينا من عرضها للتو وهي: الاستمرار والحدة والإزمان والتكرار، والتنوع في السلوكيات المضادة للمجتمع، وتعطيل الأداء الوظيفى اليومي. وعلى الرغم من أهمية توفر هذه الخصائص أو السمات في السلوك كي يصبح مضادا للمجتمع،

الصفحة 35                                                                                                                          

فإنها في حد ذاتها لا تعد كافية لإحالة الطفل إلى العيادة النفسية. وإذا كان الأطفال لا يقومون بإحالة أنفسهم للعلاج من الإضطراب السلوكي، وكذلك الحال بالنسبة للكبار وخصوصاً الوالدين على الرغم من معرفتهما أن الطفل يحتاج إلى العلاج حيث لا يشترك الوالدان ولا غيرهما من الكبار في مجموعة التعريفات أو المحكات التي يقررون بموجبها أنه قد تم الوصول إلى تلك النقطة أن التي يجب يتم عندها تحويل الطفل للعلاج أم أنه لم يتم الوصول إليها بعد فإن إحالة الطفل للمساعدة الإكلينيكية تعتمد على عدد من العوامل مثل : 

أ - الأحكام التي تتعلق بمدى خطورة الأنماط السلوكية التي تصدر عن الطفل، وتصدر هذه الأحكام بطبيعة الحال من جانب الكبار.

ب - الأحكام التي تتعلق بمستوى الأداء الوظيفي للطفل أو المراهق.

ج ــ معدل الضغوط التي تقع على الأطفال والمراهقين الذين تصدر عنهم مثل هذه السلوكيات وذلك من جانب الآخرين كالمدرسة مثلاً. وهو ما يحدد إمكانية حدوث التدخل العلاجي.

د - مدى توفر المصادر الأخرى كمساعدة الأقارب على سبيل المثال وذلك في رعاية الطفل والاهتمام به .

هـ - العجز الفعلى أو المدرك للوالدين عن ترويض الطفل .

  وبناء على هذه العوامل يتم كما ذكرنا سلفا تحديد ما إذا كان سيتم إحالة الطفل إلى العيادة النفسية للحصول على العلاج أم لا .

الاضطراب السلوكي والجنوح

  من الجدير بالذكر أن المراهقين الذين ينغمسون في أنماط سلوكية تدل على وجود إضطرابات سلوكية لديهم قد تتم إحالتهم إلى إحدى عيادات الصحة النفسية حيث يتم التشخيص السيكاترى لهم، ويتم تصنيفهم في هذه الحالة على أنهم مضطربون سلوكيا، أو تتم إحالتهم إلى محاكم الأحداث ويتم بالتالي

الصفحة 36                                                                                                                                                                                                                                                  

تصنيفهم فى تلك الحالة على أنهم منحرفون أو جانحون. ومن ثم يحدث نوع من التداخل بين هذه التصنيفات لهؤلاء المراهقين الذين تصدر عنهم سلوكيات حادة مضادة للمجتمع، وإن كان الجنوح يعتمد بشكل أساسي على الإحالة الرسمية إلى المحكمة .

  وتتضمن السلوكيات التي يشار إليها على أنها منحرفة أو جانحة تلك الجنح والمخالفات التي تعد إجرامية لو تم إرتكابها من جانب شخص راشد، بالإضافة إلى مجموعة من الأنماط السلوكية غير القانونية. ويعتمد ذلك على العمر الزمني لهؤلاء المراهقين وإلا كان الأمر غير ذلك لو أن شخصا راشداً هو الذي ارتكب تلك الأفعال ويشار إلى النوع الأول من هذه السلوكيات على أنها مخالفات إجرامية وتتضمن أفعالاً مثل القتل والسطو، في حين يشار إلى النوع الثاني وهو الأنماط السلوكية غير القانونية على أنه مخالفات غير إجرامية. ويتضمن هذا النوع سلوكيات مثل تعاطى الكحوليات، وقيادة سيارة بدون رخصة نظراً لصغر السن، والتأخر ليلاً خارج المنزل، وعدم الحضور بانتظام إلى المدرسة وغير ذلك من السلوكيات التي لا تعد جرائم لو ارتكبها شخص آخر . ومن المعروف أن بعض هذه السلوكيات المتضمنة في كلا النوعين من الجنح كإحراق الممتلكات ،وإتلافها والهروب من المدرسة مثلاً يتم تضمنها في تشخيص الإضطراب السلوكي، في حين أن بعضها الآخر مثل الإتجار في العقاقير، والدعارة، وقيادة سيارة بدون رخصة نظراً لصغر السن لا تعد كذلك.

  ويتطلب الإضطراب السلوكى استمرار حدوث نمط من السلوكيات المتعددة من جانب الفرد خلال فترة زمنية معينة كأن تكون سنة مثلاً على الأقل، في حين يختلف الانحراف أو الجنوح عن ذلك من حيث أن فعلاً منفصلاً واحدا أو اثنين من جانب الفرد يمكن أن يؤدى إلى القبض عليه فسرقة سيارة على سبيل المثال تعد أمراً كافيا لإلقاء القبض على الشخص الذي قام بسرقتها وليس لتشخيصه سيكاترياً على أنه مضطرب سلوكيا، فالمراهقون المضطربون سلوكيا قد يقومون أو لا يقومون بأنماط سلوكية تشخص على أنها إنحراف أو جنوح بمعنى أنها قد يكون

الصفحة 37                                                                                                                                                                                                                                                  

وقد لا يكون لها علاقة بكل من البوليس والمحاكم ومن غير المحتمل في هذا الصدد أن يحدث الإتصال الرسمى بالبوليس من جانب الأطفال أو يتم إحتجازهم بأقسام الشرطة أو تدوين أسمائهم فى السجلات الخاصة بذلك حيث يتم التعامل الأفعال المنحرفة من جانب الأطفال فى مرحلة الطفولة المبكرة أو المتوسطة بشكل غير رسمي. ومن ناحية أخرى فإن تحديد الإضطراب السلوكي والتركيز عليه ووضعه في الاعتبار قد يتم في وقت مبكر من حياة الطفل وذلك عندما يصطدم سلوكه اليومى مع توقعات الوالدين والمعلمين .

  وتعكس حصائص التحديد السيكاترى والقانونى للسلوك العديد من مصادر الغموض وعدم الدقة تستحق أن نوليها اهتمامنا ويمكن أن نوردها هنا على النحو التالي:

1 - يختلف تحديد السلوك فى هذا الصدد باختلاف الإتجاهين السيكاتري والقانوني، فبالنسبة للإتجاه السيكاترى هناك محكات معينة للتشخيص منها على سبيل المثال عدد الأعراض التي تبدو على الفرد والمدة الزمنية التي يستمر خلالها الإضطراب، وقد خضعت تلك المحكات للتمحيص والمراجعة في مناسبات عديدة (1991 ,Robins). ومن الناحية القانونية نلاحظ أن الإنحراف أو الجنوح لا يعد تعريفا معياريًا محددا نظرا لأن العديد من الأفعال التي يتم النظر إليها على أنها غير قانونية تختلف من حالة إلى أخرى داخل الدولة الواحدة، كما تختلف أيضا من دولة إلى أخرى.

2 - يعد كلا التعريفين أو التحديدين السيكاترى والقانونى للسلوك بمثابة تعريفات عامة حيث أنه إذا ما علمنا أن شخصاً ما تنطبق عليه محكات الإضطراب السلوكي أو أنه يعتبر جارحا أو منحرفًا فإننا قد لا نعلم بالضرورة ما الذي فعله هذا الشخص على وجه التحديد. كما أن هناك العديد من الأساليب التي يتم اللجوء إليها في هذا الصدد كظهور عدة أعراض معا أو القيام بالعديد من الأفعال غير القانونية على سبيل المثال، وهو الأمر الذي نستطيع بموجبه أن نتناول أحد هذه التعريفات .

الصفحة 38                                                                                                                                                                                                                                                  

  ولا تعد هذه الأمور التي تتعلق بالتعريفات أو المصطلحات أمراً هينا نظرا لأن ما نعرفه عن إضطراب السلوك أتى من دراستنا للمراهقين الذين نصفهم بأحد هذين المصطلحين أو التعريفين السيكاترى أو القانوني أو من خلال دراستنا لأولئك الذين يتواجدون في مواقف معينة كالعيادات النفسية أو يتم احتجازهم في أقسام البوليس والذين ينطبق عليهم فيها هذا التعريف أو ذاك. وهنا نلاحظ أن العديد من سلوكيات المراهقين الجانحين أو من ذوى الإضطرابات السلوكية تتداخل ومن ثم فإن مصطلح الإضطراب السلوكي» يشير إلى أولئك الذين ينغمسون في أنماط سلوكية خطيرة مضادة للمجتمع سواء تم تشخيصهم إكلينيكيا على أنهم مصطربون سلوكيا ويعانون بالتالى من اضطراب سلوكي معين، أو تم تشخيصهم من الناحية القانونية على أنهم جانحون أو لم تتم إحالتهم بالمرة إلى إحدى العيادات النفسية .

المراهقون المضطربون سلوكيا وأسرهم

  من المحتمل بالنسبة للسلوكيات المضادة للمجتمع والتي تحدث خلال مضمار النمو العادى أن تكون منفصلة وقصيرة المدى وأن تكون ذات حدة متوسطة نسبيا. أما عندما تكون مثل هذه السلوكيات متطرفة فإنه لا يمكن أن تخف حدتها خلال مضمار النمو، كما تؤثر على الأداء الوظيفى اليومى للطفل، وتترك العديد من الإنطباعات الهامة لدى الآخرين كالآباء والمعلمين والأقران مثلاً، وأنها غالباً ما تؤدى بالطفل أن يلجأ إلى طلب الرعاية الطبية النفسية. وبذلك تعد هذه السلوكيات المضادة للمجتمع إنحرافا عن السلوك السوى له دلالته ومعزاه، وأن مثل هؤلاء الأطفال الذين تصدر عنهم تلك السلوكيات ينتهي بهم الحال إلى العيادات النفسية أو إلى المحاكم.

المتلازمات والخصائص المرتبطة بالإضطرابات السلوكية

  من الجدير بالذكر أن الأنماط السلوكية التى يتحدد الإضطراب السلوكي في ضوئها أو التي تعد ضرورية أو أساسية للإضطراب السلوكي ومنها العراك.

الصفحة 39                                                                                                                        

والسرقة، والهروب من المدرسة أو المنزل والكذب وإشعال الحرائق على سبيل المثال، وغيرها من السلوكيات لا تعد هي الخصائص الوحيدة لمثل هؤلاء المراهقين حيث توجد هناك خصائص أخرى تؤثر على الجوانب المختلفة لأدائهم الوظيفي يشار إليها على أنها متلازمات او خصائص مرتبطة. ومن تلك الأعراض البديلة المرتبطة بالإضطراب السلوكى نجد تلك الأعراض التي ترتبط بالنشاط الزائد والتي تتضمن الإفراط في النشاط الحركي، والإستياء والإندفاعية وعدم الانتباه أو الغفلة وزيادة النشاط بشكل عام. وفي حقيقة الأمر نلاحظ أن التلازم بين النشاط الزائد وإضطراب السلوك قد جعل من تناول هذا الموضوع وقياسه أو تقييمه أمراً يستحق البحث والدراسة. كذلك فهناك العديد من السلوكيات الأخرى التى ينظر إليها على أنها سلوكيات مشكلة تنتشر بين المراهقين الذين تصدر عنهم سلوكيات مضادة للمجتمع منها الإسترسال فى المرح الصاخب واستعراض القوة أو ما يعرف بالفتونة، وتوجيه اللوم للآخرين. ويبدو أن العديد من تلك الأفعال تعد بمثابة أنماط من السلوك الجامح صعب المراس قياساً بالعدوان أو السرقة أو التخريب المتعمد للممتلكات سواء العامة أو الخاصة أو غير ذلك من الأفعال التي تؤدى إلى إلحاق الأذى سواء بالأشخاص أو الممتلكات.

  ومن جانب آخر نجد أنه من المحتمل بالنسبة للأطفال والمراهقين الذين تصدر عنهم أنماط سلوكية تنم عن اضطراب سلوكي أن يظهروا قصوراً أكاديميا كما تعكسه مستويات تحصيلهم ودرجاتهم في المدرسة ومهاراتهم في مجالات معينة وخاصة القراءة كما يرى كل من ليدنجهام وسكوارتزمان (1984) Ledingham & Schwartzman، ستورج (1982)Sturge . ويرى معلمو مثل هؤلاء الأطفال أنهم لا يبدون إهتماماً بالمدرسة ولا يبدون حماسا يحقق لهم التقدم الأكاديمى، وأنهم يهملون عملهم وواجباتهم ودروسهم ولا يبالون بها. وكما هو متوقع في حالة وجود مثل هذه الخصائص فإنه من الأكثر إحتمالاً بالنسبة للأطفال الذين يبدون إضطرابات سلوكية كما يرى باتشمان وآخرون

الصفحة 40                                                                                                                                                                                                                                                  

(1978) Bachman et.al أن يتخلفوا فى نفس الصف الدراسي ويبقون به أكثر من عام، وأن يبدون مستويات أقل من التحصيل وأن ينهون حياتهم المدرسية أسرع من أقرانهم المتجانسين معهم في العمر الزمنى، والمستوى الاقتصادي الاجتماعي وغير ذلك من المتغيرات الديموجرافية الأخرى .

  ویری کارلسون وآخرون (1984) Carlson et al أنه من المحتمل أن ترتبط العلاقات السيئة بين الشخصية بالسلوك المضاد للمجتمع حيث غالباً ما نجد أن الأطفال العدوانيين أو الذين تصدر عنهم أى أنماط أخرى من السلوكيات المضادة للمجتمع منبودون من ،أقرانهم كما يظهرون مستويات أدنى من المهارات الاجتماعية والتي تتسم فى الغالب بأنها أكثر سوءاً. كذلك فإن مثل هؤلاء الأطفال أو المراهقين يعدون غير مؤثرين اجتماعياً فى تفاعلاتهم مع أي جماعات من الكبار كالوالدين أو المعلمين أو أى أعضاء في المجتمع حيث ينغمون في أنماط سلوكية تعزز النتائج بين الشخصية الضارة بالنسبة لهم .

  ومن ناحية أخرى نلاحظ أن متلازمات السلوك المضاد للمجتمع لا تتضمن السلوك الظاهر فحسب، بل تتضمن أيضا كما يرى كريك ودودج (1994) Crick & Dodge العديد من العمليات المعرفية وعمليات العزو حيث أوضح المراهقون الذين تصدر عنهم سلوكيات مضادة للمجتمع قصوراً في مهارات حل المشكلات المعرفية التى تشكل الأساس للتفاعلات الاجتماعية. وفي هذا الإطار بجد على سبيل المثال أنه من الأكثر إحتمالاً بالنسبة لمثل هؤلاء الأفراد قياساً بأقرانهم أن يفسروا الإشارات التي تصدر عن الآخرين على أنها عدوانيه، وأن يكونوا غير قادرين على تعيين حلول للمواقف التى تتضمن مشكلات بين شخصية، أو أن يضعوا أنفسهم مكان الآخرين وينظرون إلى الأمور المختلفة من هذا المنطلق .

  ومن المعروف أن مثل هذه الأعراض والتي تعرف بالسلوكيات المتلازمة وغيرها من جوانب اختلال الأداء الوظيفي تشير إلى مشكلات متلازمة يحتمل ظهورها

الصفحة 41                                                                                                                                                                                                                                                  

في سلوك الأطفال الذين يتم تشخيصهم إكلينيكيا على أنهم يعانون من اضطرابات سلوكية. وبذلك نلاحظ أن هناك عددا من الخصائص تستمر في الظهور لدى هؤلاء الأطفال مع مرور الوقت كما سنوضح فيما بعد.

 الخصائص الوالدية والأسرية للأطفال والمراهقين المضطربين سلوكيا 

  یری کاردین (1993) Kazdin أن معظم خصائص أسر وآباء الأطفال والمراهقين الذين يعانون من إضطرابات السلوك ترتبط بمفهوم إختلال الأداء الوظيفي لأبنائهم المصطربين سلوكيا، إضافة إلى التقييم المتعلق بهؤلاء الأبناء والتدخلات العلاجية المختلفة الموجهة إليهم. ويأتي في مقدمة هذه الخصائص الهامة سيكوباثولوجيا الوالدين وسوء توافقهما إذ يعانى الوالدان من معدلات مرتفعة من اختلال الأداء الوظيفى. ومن ناحية أخرى نجد أن السلوك الإجرامي وتعاطي الكحوليات وخاصة من جانب الأب يمثلان اثنتين من الخصائص المرتبطة بالوالدين والتي غالبًا ما ترتبط بالإضطراب السلوكي للأبناء. كما أن أساليب و ممارسات والدية معينة تتعلق بالنظام، إضافة إلى الإتجاهات ترتبط أيضاً بالإضطراب السلوكي للأبناء إد من المحتمل بالنسبة للوالدين أن يتبعا أساليب وممارسات معينة تتسم بالقسوة، أو عدم الصرامة، أو الخطأ والشذوذ، أو التناقض. كما أن العلاقات الأسرية المختلة تجعل الوالدين أقل تقبلاً لأطفالهما بمعنى أن يكونا أقل ،دف وأقل عاطفة، وأقل في مساندتهما الإنفعالية لهم، كما يقل التعلق أيضا في مثل هذه الأسر قياسا بآباء الأطفال والمراهقين الأسوياء. وفيما يتعلق بمستوى العلاقات الأسرية نلاحظ أن التواصل أو العلاقات بين أعضاء الأسرة تتسم بانخفاض مستوى المساندة وزيادة الجانب الدفاعي فيها، وإنخفاض مستوى المشاركة في الأنشطة بين أعضاء الأسرة، والسيادة أو الهيمنة الزائدة والواضحة من جانب عضو واحد من أعضاء الأسرة وهي ما تمثل جميعاً سمات تميز مثل هذه الأسر. وإضافة إلى ذلك فإن العلاقة بين الوالدين داخل أسر الأطفال الذين تصدر عنهم أنماط سلوكية مضادة للمجتمع تتسم بالعلاقات

الصفحة 42                                                                                                                                                                                                                                                  

الزوجية غير السعيدة وغير السارة والصراع بين الشخصي، والعدوان. وبالتالي فهي تعد خصائص سالبة تميز العلاقات الوالدية.

الظروف البيئية

  ترتبط العديد من الظروف التي يعيش فيها الأطفال والمراهقون بكل من مفهوم إختلال الأداء الوظيفى والتدخلات العلاجية المختلفة. ومن أمثلة العوامل المرتبطة بدلك الحجم الكبير للأسرة، والزحام الشديد داخل المنزل، والظروف السيئة للسكنى والمستوى المتردى للإشراف الوالدى على الأسرة، وإرتفاع معدل الجريمة بين الجيران والموقع المعوق للمدرسة الذي يفتقر إلى الخدمات المختلفة. كما تساهم العديد من المواقف الصعبة التي تعيش فيها مثل هذه الأسر في وضع وفرض المزيد من الضغوط على الوالد أو تقلل من قدرته على مواجهة الضغوط اليومية المختلفة. ومن الممكن أن يتضح أثر ذلك فى العلاقة بين الوالد والطفل والتي يقوم الوالدان فيها عن غير قصد أو بتغافل منهما بإتباع أنماط معينة من التفاعلات تدعم السلوكيات العدوانية والمضادة للمجتمع أو تسرع بها. كما أن بعض العوامل البيئية كسوء الأحوال المعيشية على سبيل المثال تسبب تأثيرات سلبية هي الأخرى كإنضمام الطفل مثلاً إلى جماعات أقران عدوانية ومنحرفة، أو تردى مستوى إشراف الوالدين على الطفل بما لذلك من آثار سيئة عليه، وكنتيحة لذلك نجد أن البعض منهم قد يحمل معه سكينًا أو حتى مسدسا في بعض الأحيان حيث يعتبر أن حمل السلاح في مثل هذه الحالة يعد أمرا ضروريًا بالنسبة له حتى لا يتمكن الآخرون من التنمر عليه. ويعد قبول مثل هذ التفسير مشكلة في حد ذاته حيث من المعروف أن المسافة التي تفصل بين حمل سلاح وبين استخدام هذا السلاح لا تعد كبيرة.

ثلاث صور موجزة للسياقات التى يظهر فيها الإضطراب السلوكي

  يلقى كل من الطفل والوالد والأسرة والخصائص البيئية إهتماماً زائداً، ويتم تركيز الإنتباه عليهم حتى يتم وضع الإضطراب في منظور أعم. وفي نفس

الصفحة 43                                                                                                                                                                                                                                                  

الوقت لا تقدم لنا المناقشة الحالية نتائج دراسة الحالات التي تم تقديمها للعلاج، ولكننا بدلاً من ذلك سوف تركز على ثلاث صور موجزة تعبر بصدق عن تلك السياقات والمواقف التى ينشأ فيها الإضطراب اللوكي. وقد نقلنا هذه الصور من دراسة حالات إضطرابات سلوكية للأطفال الذى تتراوح أعمارهم بين الثالثة حتى الثالثة عشرة.

1 - القيم السائدة في الأسرة

  أنت أم إلى العيادة ومعها تحويل من مدرسة إبنها بسبب إرتفاع معدل عراكه مع الأطفال الآخرين وقيام إدارة المدرسة من جراء ذلك بحرمانه المتكرر من الذهاب للمدرسة حرمانا مؤقتا في كل مرة. فاتصلت الأم تليفونيا بالعيادة وتم : تحديد موعد يمكنها خلاله إصطحاب طفلها إلى العيادة إلا أن الأم لم تأت في الموعد المحدد ولم تتصل لتلغى الموعد أو تطلب موعداً آخر. ولم يحدث أي إتصال بيننا خلال ذلك الوقت. وبعد أربعة شهور اتصلت الأم بالعيادة مرة أخرى وأخذت موعدا آخر ثم أنت بعد عدة أيام ومعها إبنها الذى يبلغ عشرة أعوام، وأكملت الأوراق المطلوبة والتي تضمنت أداء الإبن على بعض المقاييس. وخلال الحوار الذي أجراه الأخصائى معها كجزء من عملية التقييم سألها عن عدم حضورها في الموعد الذي كان قد تم تحديده منذ أربعة شهور، فاعتذرت عن عدم حضورها، وقالت إنه لم يكن بمقدورها أن تأتى فى ذلك الموعد لأنها قامت بخرق قاعدة أسرية معينة مما دفع الأخصائى أن يسألها عن ذلك فردت قائلة بأنها هي وزوجها وعدداً من أقاربهما غالباً ما يتراشقون بالرصاص فيطلقونه على بعضهم البعض، ذلك فإنهم يلتزمون بقاعدة أسرية لا تجيز لهم مطلقا أن يقوم أي منهم بإطلاق الرصاص على أي فرد آخر منهم أمام عامة الناس، ولكنها اضطرت إلى خرق هذه القاعدة وعدم الإمتثال لها فقامت بإطلاق الرصاص على زوجها ورآها بعض الجيران فأبلغوا البوليس بذلك مما ترتب عليه أن تقضى ثلاثة أشهر في السجن، وبعد أن انتهت مدة السجن أصبحت جاهزة لتبدأ علاج طفلها .

الصفحة 44                                                                                                                                                                                                                                                  

2 - المصادر المتعددة للضغوط وإختلال الأداء الوظيفي

  وفي حالة أخرى من تلك الحالات التي عرضت علينا كانت أم تعيش بمفردها مع ولديها الذين كان أحدهما في الثانية من عمره وكان الثاني في الرابعة، وأنت إلينا بحثًا عن علاج لإبنها الأكبر الذي كانت تصدر عنه أنماط سلوك عدوانية حادة نسبيا ولا يمكن السيطرة عليها، وكانت تتضمن تلك السلوكيات ضرب وركل وعض أخيه الأصغر. وكانت الأم في ذات الوقت تعانى من الإكتئاب وتخضع للعلاج، وقد حاولت الانتحار من قبل، وكان يخشى عليها عند ترددها على العيادة أن تقوم بمحاولة أخرى للإنتحار وذلك طبقا للتقارير الطبية والاكلينيكية .

وكان صديقها وهو والد الطفلين يعيش بالقرب منها ويقابلها مرتين في الأسبوع وقد طلب منها أن تأتى إليه بالطفلين حتى يراهما، وأثناء تلك المقابلات كان يجبرها على ممارسة الجنس معه وهو ما أشارت إليه على أنه إغتصاب. وكان أثناء ذلك يصر على أن يبقى الطفلان معهما ويشاهدا ما يفعله بها. ومن ناحية المبدأ كان باستطاعة الأم أن ترفض تلك المقابلات ولكن صديقها قام بتهديدها بأنها إذا لم تستجب له فإنه سيتوقف عن الإنفاق عليها هي والطفلين، أو سيقوم بأخذ الطفلين منها لكفالتهما وذلك عن طريق المحكمة، أو يقتل نفسه، أو يذهب إلى منزلها ويقتلها هى والطفلين. وكان عليها أن تأخذ تلك التهديدات العنيفة مأخذ الجد حيث كان لصديقها هذا ملف لدى البوليس حيث تم القبض عليه من قبل في جرائم قتل وتهديد بالسلاح. وكانت الأم قد إمتلأت بالرعب خشية أن تفقد طفليها وذلك عندما أخبرها بأنه سوف يأخذهما منها عن طريق المحكمة لكفالتهما فقررت وكانت تتلقى علاجاً نفسياً في ذلك الوقت من الإكتئاب ومن الأفكار الإنتحارية أن تضع نهاية لكل ذلك بأن تأخذ طفليها معها في السيارة وينتحرون جميعا في تلك السيارة من أعلى صخرة ما. أما تدخلنا نحن فقد كان لعلاج الطفل الأكبر من السلوك العداوني.

3 - العنف داخل المنزل

  من الجدير بالذكر أن الأمور الأسرية يكون لها دور كبير في إحالة الطفل

الصفحة 45                                                                                                                                                                                                                                                  

للعلاج وفي تشخيصه كحالة إكلينيكية أيضاً. وكانت إحدى الحالات التي تمت إحالتها إلينا لولد في الثانية عشرة من عمره قام بطعن والده بسكين وسرق سيارته. وكان لهذا الولد تاريخ من السلوك المضاد للمجتمع وخاصة الكذب والعراك في المدرسة والسرقة، ومن ثم كان في مشاكل مستمرة مع إدارة المدرسة ومع البوليس. وقد اتضحت تفاصيل عديدة عن سبب إحالته لنا خلال المقابلة التشخيصية التي قمنا بإجرائها معه حيث اعترف خلالها بأنه قد طعن والده في رجله بسكين، إلا أن القصة قد تضمنت بعض التفاصيل الشيقة التي لم نسمع عنها من قبل والتي تضمنت أن هذا الطفل وأخوته الإثنين كانوا جميعا في غرفة نوم والديهما عندما قام أبوهم بممارسة الجنس مع أمهم عنوة وهو ما قال عنه أن الاب قام بإغتصاب الأم التي ظلت تصرح طلباً للنجدة، وكان هذا الولد في حالة من الرعب فذهب إلى المطبخ وأحضر سكينا ليطعر بها أبيه وحاول أخواه أن يمنعانه من ذلك دون جدوى فقام بطعن أبيه في سمانة رجله وتسبب له ذلك في حدوث جرح غائر كبير. وعندما حدث ذلك شعر الولد أن أباه سيقوم بضربه حيث أن الأب له تاريخ سابق طويل في إساءة الاستخدام الجسمى للأولاد، فهرب إلى بيت جده وأحذ معه مفاتيح السيارة دون إذن أو وعى، وقادها إلى أحد الحقول حيث قام بتحطيمها هناك. وعندما ألقى البوليس القبض عليه أحاله إلينا حيث أنه تحت كل الظروف قام بطعن والده بسكين وسرق السيارة.

تعليق عام

  لا تمثل تلك الصور الثلاث السابقة أمثلة متطرفة فيما يتعلق بالشئون اليومية لنا داخل العيادة التي نقوم من خلالها بتقديم العلاج والمساعدة لكل من الأطفال مضطربي السلوك وأسرهم. وتؤكد تلك الصور السابقة على نقطة رئيسية تتمثل في أن إختلال الأداء الوظيفي للطفل يتم تضمنه في سياق أكبر لا يمكن لنا أن نتجاهله سواء في إطار مضمار تطور الإضطراب السلوكي أو في التلقى الفعلي للعلاج.

ويمكن النظر إلى الإضطراب السلوكي على أنه إختلال في الأداء الوظيفي

الصفحة 46                                                                                                                                                                                                                                                  

للطفل أو المراهق. كذلك فإن الأدلة التراكمية التي تتعلق بزملة الأعراض المرتبطة به، والعوامل المساعدة على حدوثه، ومضمار تطوره من الطفولة إلى المراهقة تعد بمثابة دليل يشهد على القيمة الموجهة والمشجعة للتركيز على الأطفال كأفراد وما قد يعود على المجتمع من جراء ذلك على المدى البعيد. وفي نفس الوقت يمكن لنا أن نستفيد عند علاج الإضطراب السلوكي من السياق الجشطالتي الكلى الذي يتضمن الطفل والوالد والأسرة، والذي يتضمن أيضا العديد من المؤثرات أو العوامل ذات التأثيرات المتبادلة التي تترك أثراً واضحاً على كل من يشارك في ذلك السياق كالطفل أو الوالد مثلاً، إلى جانب الأنساق التي ينشأ فيها كل من الطفل والإضطراب كالأسرة أو المدرسة على سبيل المثال . .

الصفحة 47    



الفصل الثاني:تشخيص وتقييم الإضطرابات السلوكية



  من الطبيعى عند تناولنا للإضطرابات السلوكية أن نهتم بكيفية تشخيص الأعراض التي نحكم من خلالها على مدى وجود إضطراب سلوكي من نوع ما . كذلك يجب أن نهتم بأساليب التقييم المناسبة التي تمكننا من أن نتعرف على تلك السلوكيات التي تعد إضطراباً نظراً لأن القياس يعد أمراً ضروريا وجوهريا للبحث في هذا المجال بهدف فهم طبيعة الإضطراب السلوكي وعلاجه والوقاية منه، وهذا ما سوف نعرض له خلال هذا الفصل.

أولاً : تشخيص الإضطراب السلوكي

  تعتمد المعلومات التي تتعلق بكيفية حدوث اضطراب السلوك، وما يجب أن نقوم به في سبيل العلاج، والمضمار المحتمل طويل المدى الذي يسلكه الإضطراب على تحديد الحالات وتعيينها أي تعتمد على الأفراد الذين يظهرون إختلالاً في الأداء الوظيفي. ومن الممكن أن يتباين الأفراد بشكل كبير في كل من حدة ونمط إختلال الأداء الوظيفي لدرجة أن وجود أو عدم وجود الإضطراب السلوكى بأى شكل لا يكون دائماً واضحاً. ومع ذلك فبسبب التقدم العلمي يصبح من الضرورى تحديد وتخصيص محكات معينة يتحدد في ضوئها إختلال الأداء الوظيفي من الناحية الإكلينيكية، كما تتحدد أيضا في هذا الإطار أنماط الأعراض المختلفة. وتمثل هذه الأهداف خطوطاً متشابكة في سبيل تشخيص وتقييم الإضطراب السلوكي. ويتم النظر خلال الفصل الحالي إلى الإضطراب السلوكي على أنه يعد بمثابة تشخيص سيكاترى رسمى يتضمن أنماطاً فرعية من الإضطراب.

الصفحة 51                                                                                                                                                                                                                                                 

المحكات التشخيصية للإضطراب السلوكي

  يتمثل الهدف من تطوير محكات تشخيصية للإضطراب السلوكي في فهم أنماط إختلال الأداء الوظيفي، وكيفية ظهورها ومضمار تطورها، وكيفية علاجها والوقاية منها. وحتى يمكننا أن نحقق هذه الأهداف فإننا نأمل في تطوير أساليب يمكننا بمقتضاها تحديد تلك الأنماط حتى نتمكن من علاجها بالشكل المرغوب. وفي نفس الوقت الذي يتم فيه تناول ودراسة هذا النمط أو ذاك يتم التأكد مما إذا كانت الأساليب التي يتم بمقتضاها تحديده تعد مناسبة أو غير مناسبة، أم أنها غير كافية أو تحتاج إلى مراجعة وتمحيص، أم أنها تعتبر على أسوأ الظروف مضللة ولا تكشف عن الحالة كما هي في الواقع، وهنا تتمثل المشكلة في تحديد نمط إختلال الأداء الوظيفي قبل أن تتاح لنا كل المعلومات المتعلقة به. ويعتبر تشخيص المشكلات الإنفعالية والسلوكية أصعب من تشخيص العديد من المشكلات الجسمية على الرغم من أن المشكلات الجسمية هي الأخرى تثير العديد من الأمور المحيرة أيضاً وإن كان الأمر في النهاية يتضح من خلاله سهولة تشخيص المشكلات الجسمية قياساً بنظيراتها الإنفعالية والسلوكية حيث لا يوجد أي اختبار موضوعی بالنسبة للعديد من المشكلات الإنفعالية والسلوكية يمكن من خلاله تحديدها على غرار ما يحدث في حالة المشكلات الجسمية إذ يوجد العديد من تلك الاختبارات الموضوعية كسلاسل فحوص الدم على سبيل المثال، كما لا يوجد أيضا بالنسبة للمشكلات الإنفعالية والسلوكية أي تتابع محدد للأحداث على غرار ما يحدث حال حدوث مشكلة جسمية فعضة الكلب على سبيل المثال في حالة داء الكلب يتبعها نزول رغاوى من فم المريض ثم تحدث الوفاة. ومن ثم فمنذ بداية ذلك التتابع يظهر جليا أن هناك إضطرابا معينا .

  وتتضح المزايا التي يمكن أن نحققها من خلال التشخيص من تلك الخبرة التي نكتسبها والمعلومات التي نحصل عليها من معرفتنا بالإضطرابات المختلفة في الحياة اليومية. فنحن نعرف على سبيل المثال بالنسبة للعديد من الأعراض التي لنا خبرة عامة بها كاحتقان الحلق وارتفاع درجة الحرارة، والأوجاع والآلام المختلفة على

الصفحة 52                                                                                                                                                                                                                                                 

سبيل المثال أن التشخيص يتضمن دلالات هامة للعلاج كإعطاء المضادات الحيوية مثلاً. وفوق كل ذلك فإن فهم طبيعة إضطراب معين وجذور أو أصول ذلك الإضطراب يمكن أن يؤدى إلى الوقاية منه كأن تمتنع عن التدخين مثلاً كي نقلل من إحتمالات الإصابة بسرطان الرئة.

  ويرجع الهدف من تشخيص المشكلات الإنفعالية والسلوكية إلى تحقيق العديد من هذه المزايا على الرغم من الجدل الدائر حول ما إذا كان تشخيص مثل هذه المشكلات في الحياة اليومية يناظر ما يحدث بالنسبة للمرض الجسمى أم لا . ويرى اکينباتش( A-1994 )  Achenbach أن تشخيص الإضطرابات الإنفعالية والسلوكية يتم بشكل عام في إطار تصنيفى معين حيث هناك إتجاهان تشخيصيان في هذا الصدد، يتمثل أحدهما في الإتجاه التصنيفى الفتوى (وهو ما سوف نتناوله بالمناقشة هنا)، بينما يتمثل الآخر في الإتجاه التصنيفي البعدوى وهو الإتجاه المخصص لتحديد وتقييم درجة أو مدى ظهور سمات معينة لدى الأفراد مثل الاعراض الفردية أو أنماط الأعراض. ويعمل التشخيص التصنيفي الفتوى على تعيين وتحديد مجموعات مستقلة من الأنماط السلوكية أو الزملات. ويتوقف وجود اضطراب معين أي تشخيصه على العديد من الظروف التي تتضمن مدى ظهور أعراض مختلفة، ومدى وجود أعراض كافية تتطابق مع المحكات الخاصة بذلك الإضطراب، وكذلك مدى استمرار تلك الأعراض لفترة زمنية كافية، ومدى تعطيلها للأداء الوظيفي اليومي أو تسببها في إختلاله. ويصبح التشخيص تصنيفيا لأن الشخص تنطبق عليه أو لا تنطبق عليه المحكات الخاصة بهذا الإضطراب أو ذاك. ومع ذلك فإن الوصول إلى قرار معين في هذا الخصوص بعد مسألة درجة. وبذلك نجد أن شخصاً ما قد تنطبق عليه محكات معينة كالحزن بالنسبة للإكتئاب على سبيل المثال، ولكننا في الوقت ذاته نحتاج إلى اتخاذ قرار معين حول مدى حدة هذا المحك حتى نعتبره عرضاً، كان نتساءل مثلاً عما إذا كان يؤدى إلى إختلال الأداء الوظيفي أم لا، ومن ثم نعتبره عرضا مرضياً إذا كان كذلك. وإلى جانب ذلك فهناك العديد من المقاييس التي تساعدنا في الوصول إلى مثل هذه القرارات.

الصفحة 53                                                                                                                                                                                                                                                 

  ومن الجدير بالذكر أن هناك العديد من الأنساق التصنيفية، إلا أن أكثر نسقين يتم استخدامهما في هذا الصدد هما دليل التصنيف التشخيصي والإحصائي للأمراض والإضطرابات النفسية و العقلية والذي يعرف إختصاراً DSM والصادر عن رابطة الأطباء النفسيين الأمريكية وكانت آخر طبعة صدرت منه هي الطبعة الرابعة وذلك في عام 1994. أما النسق الثاني فيتمثل في التصنيف الدولي للأمراض والمعروف إختصاراً ICD والصادر عن منظمة الصحة العالمية WHO وكانت آخر طبعة منه قد صدرت عام 1992 وهي الطبعة العاشرة 10 - ICD . ويتشابه كلا هدير النسقين في تركيزهما على الإضطرابات المختلفة وفى تحديدهما للعديد من هذه الإضطرابات. إلا أنه مع هذا هناك فروق تظهر بينهما وذلك من خلال التطور الذي شهده كل منهما، وكذا من خلال الإختلاف في كيفية استخدامها .

  ويعتبر دليل التصنيف التشخيصي والإحصائي للأمراض والإضطرابات النفسية والعقلية أو ما يعرف DSM هو أكثر الأنساق التصنيفية استخداما على مستوى العالم، وقد تمت مراجعته عدة مرات وتمثل في معظمها طبعات جديدة إذ تعرض للتطوير عدة مرات فكانت الطبعة الثانية منه عام 1968 ، والطبعة الثالثة عام 1980 ، والطبعة الثالثة المعدلة عام 1987 ، ثم الطبعة الرابعة عام 1994 ، وتعكس كل طبعة من تلك الطبعات تغيرات يشهدها المجتمع حول التفكير في الإنحراف، وما يجب أن نطلق عليه المرض العقلي.

وفيما يلى توضيحاً للأعراض المتضمنة في الإضطراب السلوكي

اولاً : العدوان على الأفراد والحيوانات:

1 - غالباً ما يتنمر على الآخرين، ويهددهم، ويسبب الخوف والرعب لهم.

2 - يبدأ في الغالب بالعراك مع الآخرين.

3 - يستخدم سلاحاً قد يسبب صرراً جسمياً خطيراً للآخرين كان يستخدم على

الصفحة 54                                                                                                                                                                                                                                                 

سبيل المثال عصا غليظة، أو قالب طوب، أو زجاجة مكسورة، أو سكينا، أو مسدسا .

4 - يتسم بالقسوة على الآخرين من الناحية الجسدية.

5 - يقسو على الحيوانات بدنيا.

6 - يقوم عند مواجهة أحد الضحايا بمهاجمته من الخلف بقصد السلب، أو يقوم بخطف أكياس النقود، أو الإبتزاز أو السرقة تحت تهديد السلاح.

7- يقوم بإجبار الغير على ممارسة الجنس.

ثانيا : تدمير الممتلكات:

8 - يقوم عن عمد بإشعال الحرائق بنية إحداث أضرار خطيرة.

9 - يتعمد تدمير مملتكات الآخرين وذلك بطريقة أخرى غير إشعال الحرائق.

ثالثا : الخداع أو السرقة:

10 - يتسلل إلى منزل شخص آخر، أو المبنى الخاص به، أو سيارته ويقوم بالسرقة .

11 - غالباً ما يكذب حتى يحصل على الأغراض التي يبتغيها، أو يحصل على خدمات، أو حتى يتجنب تعهدات والتزامات معينة يكون قد قطعها على نفسه.

12 - يقوم بسرقة أشياء ذات قيمة دون أن يتعرض لضحية معينة كأن يقوم بسرقة المحلات ولكن دون إقتحام أو تعرض لأحد أو يقوم بالتزييف على سبيل المثال .

رابعا : عدم الامتثال للقواعد وخرقها:

13 - غالبا ما يتأخر ليلاً خارج المنزل قبل أن يصل عمره إلى ثلاث عشرة سنة على الرغم من التنبيهات المتكررة من جانب الوالدين حول ذلك .

14- يهرب من البيت أثناء الليل مرتين على الأقل، أو يهرب مرة واحدة ولا يرجع لمدة طويلة .

الصفحة 55                                                                                                                                                                                                                                                 

15 - غالباً ما يهرب من المدرسة قبل أن يصل إلى سن الثالثة عشرة.

  ويلاحظ أن هذه القائمة مأخوذة من DSM - TV وأن عدد الأعراض المطلوب كي ينطبق على المحكات اللازمة لتشخيص الإضطراب السلوكي هو ثلاثة أعراض على الأقل تحدث خلال الشهور الإثنى عشر السابقة، ويشترط أن يكون أحدها على الأقل قد حدث خلال الشهور السنة السابقة.

  ويعتبر الإضطراب السلوكي هو أهم تصنيف تشخيصي في DSM - 17 فيما يتعلق بالسلوك المضاد للمجتمع حيث يعد تحديد أو تعيين الإضطراب أحد المهام الأساسية للتشخيص إستناداً على DSM وخاصة في طبعته الرابعة (1994) DSM-17 والتي يعرض خلالها لتشخيص يعتمد على تعدد المحاور أو الأبعاد على النحو التالي :

1 - إضطرابات المحور الأول وتتضمن وجود إضطرابات إكلينيكية ترجع إلى اضطراب الإنتباه.

2 - إضطربات المحور الثاني وتتضمن إضطرابات الشخصية والتخلف العقلي .

3 - إضطرابات المحور الثالث وتتضمن تلك الإضطرابات التي ترجع إلى ظروف صحية .

4 - إضطرابات المحور الرابع وتتضمن المشكلات البيئية أو النفس إجتماعية .

5 - إضطرابات المحور الخامس وتتضمن تلك الإضطرابات التي ترجع إلى الإختلال الكلى في الأداء الوظيفي اليومي.

  وتتمثل الملامح الرئيسية لإضطراب السلوك في نمط السلوك الذي يقوم الطفل من خلاله بتجاهل حقوق الآخرين، أو لا يمتثل للمعايير والأدوار التي ترتبط بالعمر الزمنى وحتى يتم القيام بتشخيص معين لابد أن تظهر مجموعة من السلوكيات المشكلة، ويجب أيضاً أن تستمر لعدة شهور على أن يكون لها مجموعة من الأعراض المتضمنة كتلك التي عرضنا لها للتو. وطبقا لما هو وارد

الصفحة 56                                                                                                                                                                                                                                                  

في DSM - 17 يتم تشخيص الإضطراب على أنه إضطراب سلوكي في الحالات التالية :

أ - إذا ظهرت على الشخص ثلاثة أعراض على الأقل من تلك التي تتضمنها القائمة .

ب - إذا طهرت تلك الأعراض خلال الإثنى عشر شهراً السابقة.

ج - إذا كان أحد هذه الأعراض على الأقل قد ظهر خلال الشهور الستة السابقة .

  هذا وقد تتضح السمات المميزة للإضطراب السلوكي في فئات تصنيفية أخرى إذ أن هناك عدداً من هذه التشخيصات التي قد تتضح من خلالها أيضاً سلوكيات مشابهة، كما أن هناك عدداً من المتغيرات أو السمات تختلف في كل من هذه التشخيصات المرتبطة بالإضطراب السلوكي مثل عمر الطفل عند بداية الإضطراب أو مدى حدة الإضطراب ومدة دوام السلوك. ومن بين هذه التشخيصات يبرز إضطراب العناد والتحدى ويتطلب مريداً من التركيز والإهتمام نظراً لأن السلوكيات النمطية المتضمنة في تشخيصه يحتمل ظهورها في الإضطراب السلوكي، ومع ذلك فإن الأطفال الذين يتم تشخيصهم على أنهم يعانون من ذلك الإضطراب لا يتضح لديهم بصفة أساسية عدم الإمتثال للقانون أو القواعد، ولا يبدون تلك السلوكيات الخطيرة المضادة للمجتمع والتي تعد جلية أو تظهر بوضوح تام لدى أولئك الذين يتم تشخيصهم على أن لديهم إضطراب سلوكي.

 وهناك بعض الفئات التشخيصية غير الإضطراب السلوكي تتضمن السلوكيات المضادة للمجتمع منها :

- أولاً: إضطراب العناد والتحدى:

  وهو نمط من السلوك السلبي، والمنحرف والمتمرد والعدواني تجاه الأشخاص الممثلين للسلطة. ويتضح في العديد من الأنماط السلوكية مثل النوبات المزاجية

الصفحة 57                                                                                                                                                                                                                                                  

و الولع بالجدل و رفض الإدمان للمطالب المختلفة، وتعمد مضايقة الآخرين وإزعاجهم. وعادة ما نجد أن العدوان الموجه نحو الآخرين، وتدمير المملتكات، والسلوكيات الأكثر حدة المتضمنة في الإضطراب السلوكي لا تتضح في هذا الإضطراب. وتكون بداية هذا الإضطراب عادة قبل وصول الطفل إلى الثامنة من عمره.

- ثانيا : إضطراب التوافق المصحوب بإضطراب السلوك:

  وعادة ما تبدو على الطفل أعراض سلوكية وإنفعالية ذات دلالة كاستجابة لبعض الضغوط المعينة مثل الطلاق أو فقد قريب أو عزيز على سبيل المثال. وتتطور الأعراض خلال ثلاثة شهور من بداية هذا الظرف الضاغط، ويبدو أنه يعتبر رد فعل مباشر لذلك الحدث. وينطبق هذا التشخيص على تلك الظروف التي تتضمن الأعراض فيها أعراض الإضطراب السلوكي مثل العراك، وتحطيم الممتلكات العامة أو الخاصة وتخريبها، والهروب من المدرسة.

- ثالثا: إضطراب الشخصية المضادة للمجتمع

  هو نمط يشيع فيه تجاهل حقوق الآخرين أو عدم إحترام وتقدير تلك الحقوق. ويتضمن ذلك أفعالاً مثل الهجوم على الآخرين والإعتداء عليهم، والاغتصاب وتحطيم الممتلكات والعدوان المستمر على الغير، والسرقة والنشاط غير القانوني سواء تم إكتشافه أم لم يتم ذلك، وقيادة السيارة تحت تأثير المخدر، وما يرتبط بذلك من أنشطة. ويتضمن هذا التشخيص نمطاً مستمراً من السلوك المضاد للمجتمع. وحتى يتم هذا التشخيص يجب أن يبلغ الفرد من العمر ثمانية عشر عاما على الأقل، كما يجب أن يكون لديه تاريخ سابق من الإضطراب السلوكي قبل أن يصل الخامسة عشرة من عمره.

الصفحة 58                                                                                                                                                                                                                                                  

- رابعاً : حالات أخرى قد تنال التركيز والاهتمام الإكلينيكي:

  ومن هذه الحالات السلوكيات المنعزلة أو المستقلة المضادة للمجتمع في مرحلة الطفولة أو المراهقة والتي لا تشخص على أنها نمط السلوك المضاد للمجتمع الذي يفترض توفر مدة أطول من الإضطراب النفسى وتنطبق هذه الفئة على تلك الأفعال المنعزلة أو المستقلة عندما لا تتوفر المحكات التشخيصية الأخرى.

تعليق على المحكات التشخيصية وما قد يكتنفها من غموض

  بری روبنز (1991) Robins أن دليل التصنيف التشخيصي والإحصائي للأمراض والإضطرابات النفسية والعقلية DSM يعرض محكات واضحة تم تطويرها لتسمح بدراسة العديد من الإضطرابات حتى يحدث التطور في فهم وتعيين تلك الإضطرابات في حد ذاتها. ومن الأهمية بمكان أن نضع ذلك في إعتبارنا بسبب ما يكتنفه من صعوبة حيث لا توجد مجموعة دفاعية متكاملة من محكات التحديد يمكن أن يقال عنها أنها تحدد الإضطراب السلوكي بشكل واقعي. وقد حدثت تغيرات عديدة لتلك المحكات على مدى العديد من التعديلات التي تعرض لها هذا النسق. ومن الجدير بالذكر أن التعديلات التي تمت في وقت مبكر لم تتناول الإضطراب السلوكي على أنه إضطراب مستقل، بينما نلاحظ حدوث تغير للعديد من المحكات في التعديلات التي تمت في وقت لاحق، ولم تكن تلك المحكات وحدها هي التي تعرضت للتغير بل تغيرت بعض الأنماط الفرعية للإضطرابات بناء على ذلك. ومع هذا فمن الملاحظ أن هناك إتفاقا في مجال الإضطراب السلوكي - أى مستويات السلوك المضاد للمجتمع الأكثر حدة من الناحية الإكلينيكية - على أنه يمثل مشكلة محددة خلال مرحلتي الطفولة والمراهقة. إلا أن هناك الكثير من الجدل والنقاش الدائر حول التشخيص المعاصر فيما يتعلق بالمحكات التي يتم من خلالها تحديد مثل هؤلاء الأفراد. وتمثل هذه النقطة مع غيرها أموراً أساسية لها أهميتها التي تدفعنا إلى تركيز الإنتباه عليها والإهتمام بها حيث تمثل تحديات عديدة في هذا المجال يمكن تناولها على النحو التالي :

الصفحة 59                                                                                                                                                                                                                                                  

-  أولاً: أن المحكات التي يمكن بمقتضاها الوصول إلى تشخيص للإضطراب السلوكي تدور حولها بعض التساؤلات كأن نسأل مثلاً:

-لماذا تعد ثلاثة أعراض هي الحد الأدنى المطلوب حتى ينطبق التشخيص على الفرد وذلك بدلاً من أربعة أو خمسة أعراض مثلاً؟

-ولماذا تعد فترة الإثنى عشر شهراً المحددة بالدليل هي المطلوبة حتى تعد الأعراض موجودة لدى الفرد وليست مثلاً فترة زمنية أطول أو أقصر من ذلك ؟

ومن الجدير بالذكر أن مثل هذه الأسئلة لا تعد من قبيل الأمور التافهة التي تهدف إلى المراوغة نظراً لأنها تهدف إلى تحديد ما يمكن أن يتضمنه البحث في الإضطراب السلوكي، وبالتالي نتمكن من أن نحدد بدقة ما نعتبره خصائص أو سمات ثابتة لمثل هؤلاء الأفراد.

-  ثانيا: يثير تداخل الإضطرابات المرتبطة بالإضطراب السلوكي العديد من الأسئلة الجوهرية حول كيفية تصنيف المشكلات الإنفعالية والسلوكية.

  فعلى سبيل المثال نلاحظ أن الإضطراب السلوكي غالبا ما يحدث مع إضطراب العناد والتحدى أى أنه يوجد نوع من التلازم المرضى بينهما. ويرى كل من هنشو وآخرون (1993) Hinshaw et al أنه من بين المراهقين الذين تمت إحالتهم إكلينيكيا إلى العيادة النفسية والذين تنطبق عليهم محكات الإضطراب السلوكي كان ما بين %84 - %96 منهم تنطبق عليهم محكات إضطراب العناد والتحدى. وعلى نفس المنوال فقد كشفت الدراسات التي أجريت على عينات مرضية کدراسات فرجون و آخرین (1991) Fergusson et al، وأوفرد وآخرين (1991) Offord et al أن نسبة كبيرة من المراهقين الذين تم تشخيصهم على أن لديهم إضطرابا سلوكيا أو إضطراب عجز أو قصور الإنتباه المصحوب بالنشاط تنطبق عليهم أيضا المحكات الزائد الخاصة بالإضطرابات الأخرى. ويثير مثل هذا التداخل العديد من الأسئلة حول فئات التصنيف نفسها، وحول أفضل وأنسب الأساليب لتحديد أنماط السلوك المحدث للفوضى .

الصفحة 60                                                                                                                                                                                                                                                  

-  ثالثا: يتم تعيين الأعراض بطريقة محددة وثابتة لدرجة أنها تنطبق بشكل يكاد

يتساوى لدى الأفراد خلال مرحلتى الطفولة والمراهقة. ومع ذلك فربما نجد أن الأعراض المطلوب أن تنطبق على الفرد حتى يتم تشخيصه على أنه مضطرب سلوكيا تختلف مع زيادة العمر الزمني. فليس من المحتمل مثلاً أن يقوم طفل في الرابعة من عمره بالسرقة، أو مواجهة ضحية أو فريسة له، أو يمارس الجنس بالقوة مع شخص آخر. وهذا في حدا ذاته يثير تساؤلاً آخر إذ هل يعنى ذلك أن الإضطراب السلوكي لا يظهر قبل سن الرابعة أم أنه يجب أن تكون هناك محكات مختلفة تتناسب مع طفل الرابعة؟

هذا وسوف نعرض خلال الفصل الحالي لتباين المشكلات السلوكية واختلافها كدالة للجنس والعمر الزمنى للفرد، ومن ثم العمل على فحص وتمحيص هذا الجانب، وهو ما ستتناوله في النقطة التالية .

التباين بين الأطفال والمراهقين في الإضطراب السلوكي

هناك عدد من الأسئلة الهامة التي تجذب الإنتباه إليها وتدفعنا بالتالي إلى التركيز عليها في محاولة من جانبنا لنصل إلى إجابات دقيقة عليها. ومن أمثلة هذه الأسئلة ما يلى:

-هل ينتشر الإضطراب السلوكي بسب تتساوى بين الأطفال والمراهقين أو بين البنين والبنات؟

-هل يجب بالضرورة أن يبدأ الإضطراب السلوكي مع الفرد منذ مرحلة الطفولة؟ 

-ما مغزى إختلاف السن التي يحدث عندها الإضطراب السلوكي؟

وسوف نتناول ذلك بالتفصيل على النحو التالي:

1 - الفروق بين الجنسين

  تبلغ نسبة إنتشار الإضطراب السلوكي بين المراهقين العاديين ما بين 2 - 6. ویری زوكوللو (1993) Zoccolillo أن إحدى النتائج المتكرر التي كشفت عنها

الصفحة 61                                                                                                                                                                                                                                                  

مثل هذه الدراسات هي إرتفاع معدلات الإضطراب السلوكي بين الأولاد قياساً بالبنات إذ من الملاحظ بوجه عام أن الإضطراب السلوكي بين البنين يتضاعف من ثلاث إلى أربع مرات قياساً بالبنات، ومع ذلك فإن النسبة الدقيقة التي يمكن أن تعود إلى جنس الفرد لا يزال من الصعب تحديدها بسبب تباين المحكات المستخدمة، إلى جانب تباين مقاييس الإضطراب السلوكي التي يتم إستخدامها في هذا الجانب، إضافة إلى تباين الأعمار الزمنية التي يتم خلالها قياس مثل هذه الإضطرابات السلوكية بين المراهقين. ومن الجدير بالذكر أنه قد تم التوصل إلى وجود فروق بين الجنسين وذلك بالنسبة للعينات المرضية وعينات المراهقين العاديين والتي استخدم معها العديد من المقاييس مثل تقارير الوالدين، وتقارير المراهق حول سلوكه المضاد للمجتمع.

  ویری اکینباتش (1991) Achenbach و ماكوبي (1986) Maccoby أن الفروق بين الجنسين تخضع للعديد من التفسيرات المتباينة التي قد تتضمن نوعاً من الإنحياز بالشكل الذي يتم من خلاله تحديد الإضطراب السلوكي. وسوف نعرض بإيجار لبعض هذه الأمور. بداية نلاحظ أن كلا الجنسين يختلفان خلال مضمار النمو العادي في مجموعة من السلوكيات منها على سبيل المثال القيام باللعب الخشن والعنيف والألعاب البهلوانية والتنمر على من هم أضعف منه وتخويفهم، وعدم طاعة الأوامر أو الامتثال لها، والقيام بالمشاجرات. كذلك ترتفع المعدلات القاعدية بالنسبة لهذه السلوكيات لدى البنين. ويعنى إرتفاع مثل هذه المعدلات القاعدية بالنسبة لتلك السلوكيات وغيرها لدى البنين أن العديد من الأمثلة الإنحرافية تحتاج إلى توضيح حتى يتم تحديدها وتصبح ذات أهمية من الناحية الإكلينيكية. ومن المحتمل أن تنخفض معدلات انتشار مثل هذه السلوكيات بين البنات وذلك بالنسبة للعينات التي تمت إحالتها إكلينيكيا إلى العيادة أو بالنسبة للعينات العادية. وربما عندما تظهر بعض الأمثلة البسيطة والقليلة من أنماط السلوك المضاد للمجتمع لدى البنات فإنها تصبح ذات درجة أكبر من الأهمية من الناحية الإكلينيكية. وإذا أخذنا مثلاً المشاجرات كأحد هذه الأمثلة

الصفحة 62                                                                                                                                                                                                                                                  

فإننا نلاحظ أن دخول البنت في مشاجرة أو اثنتين يختلف عن دخول الولد في مثل تلك المشاجرات وذلك في ضوء التوقعات الثقافية والمعدلات القاعدية المختلفة. فدخول البنت قياساً بقريناتها من البنات فى مشاجرة أو اثنتين يعد أمراً أكثر تطرفا من نفس الأفعال من جانب الولد. ويمكن تفسير ذلك في ضوء التحيز الثقافي والتوقعات المختلفة، وما إلى ذلك. والحقيقة أن لدينا معدلات قاعدية تختلف بالنسبة لمثل هذه السلوكيات، وأن إختلاف تلك المعدلات القاعدية يضفى عليها دلالات مختلفة فيما يتعلق بظهور تلك السلوكيات. وبوجه عام يتضح عند تشخيص الإضطراب السلوكي كما يرى زوكوللو (1993) Zoccolillo أن الأعراض التي يتم تحديدها تكون في جانب البنين أو تعمل على التحيز لهم لأنها تركز على الأفعال العنيفة وتلك التي تتضمن التحدى والمجابهة والتي يزداد إحتمال حدوثها بين البنين وليس البنات.

  وتشير الدلائل المختلفة ونتائج الدراسات التي تم إجراؤها في هذا الإطار وذلك بشكل متزايد إلى وجود فروق بين الجنسين في جوانب عديدة من تلك الجوانب المتضمنة في الإضطراب السلوكي. كما أن العوامل التي يمكن من خلالها التنبؤ ببداية أو ظهور الإضطراب السلوكي عند البنين تختلف عن مثيلاتها بالنسبة للبنات. وعندما يظهر الإضطراب السلوكي لدى الفرد يميل النمو هو الآخر لان يأخذ عطا مختلفا. كذلك فمن الأكثر إحتمالاً بالنسبة للإضطراب السلوكي أن يحدث في مرحلة الطفولة بالنسبة للبنين في حين يحتمل حدوثه في مرحلة المراهقة بالنسبة للبنات. هذا إلى جانب حدوث إختلاف في الآثار قصيرة المدى وتلك الآثار طويلة المدى حيث يرى روبنز و روتر (1990)Robins & Rutter أن البنين مضطربي السلوك يزداد إحتمال مشاركتهم في سلوك إجرامي عندما يصبحون مراهقين وذلك قياساً بالبنات مضطربات السلوك، ومن ثم يصبحمن الأكثر إحتمالاً بالنسبة للبنين أن يتم إلقاء القبض عليهم نتيجة لذلك. ومع الوصول إلى مرحلة الرشد يصبح من الأكثر إحتمالا بالنسبة للبنين الذين لديهم تاريخ من الإضطراب السلوكي أن يستمروا في القيام بالسلوك المضاد للمجتمع

الصفحة 63                                                                                                                                                                                                                                                  

في حين يكون من الأكثر إحتمالاً بالنسبة للبنات اللائي لديهن تاريخ من الإضطراب السلوكي أن تبدو عليهن بدلاً من ذلك حالات من الإكتئاب والقلق عند وصولهن إلى سن الرشد.

  1. - الفروق المرتبطة بالعمر الزمني

  يتم تعريف الإصطراب السلوكي على أنه إضطراب يحدث خلال مرحلة الطفولة. ومن المفيد من المنظور النمائي أن نلاحظ أن نمط السلوك العدواني والسلوك المضاد للمجتمع، والسلوك الفوضوى يمكن أن يظهر في أي وقت على مدار حياة الفرد. وترجع الصعوبة في تحديد مثل هذه الأنماط إلى تغير الأساليب التي تنتهجها مثل هذه السلوكيات وتظهر من خلالها مع نمو الفرد. فعلى سبيل المثال نلاحظ أن قيام الفرد بالسرقة من الآخرين، أو بالسطو على أحد المحلات أو ممارسة الجنس بالقوة مع شخص آخر يمكن أن يحدث من جانب الأفراد في العمر الزمنى من 7 - 12سنة ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحدث قبل هذا السن. وهنا يثار سؤال يمثل بؤرة الاهتمام عند هذه النقطة مؤداه كالتالي:

 -ما هي الأنواع الأخرى من مثل هذه السلوكيات التي تتوقع حدوثها في سن أقل ومن ثم نبحث عنها في هذا السن وعلى وجه الخصوص في السن المبكر جدا أي منذ العام الأول من العمر إن جاز ذلك؟

  ومن المؤكد علميا أن إختلاف العمر الزمنى يرتبط بظهور أنماط سلوكية متباينة، فنلاحظ بوجه عام أن معدلات الإضطراب السلوكي تميل إلى الارتفاع بالنسبة للمراهقين فتصل نسبتها تقريباً إلى حوالي % وذلك بالنسبة للأفراد الذين تتراوحأعمارهم بين 12 - 16 سنة قياساً بالأطفال إذ تصل تلك النسبة إلى حوالي 4% وذلك بالنسبة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 - 11 سنة، وهي النتيجة التي يؤكدها أو فورد وآخرون (1991) Offord et al ويبدو أن البنات المراهقات اللاتي يشتركن في أشكال غير عدوانية من السلوك المضاد للمجتمع كالهروب من المدرسة أو الهروب من المنزل على سبيل المثال يعتبرن مسئولات إلى حد كبير عن هذه الزيادة في النسبة .

الصفحة 64                                                                                                                                                                                                                                                  

  ومن الجدير بالذكر أن الفروق بين الجنسين تبدو جلية في السن التي يبدأ عندها الإختلال في الأداء الوظيفي، إذ وجد روبنز (1966) Robins أن متوسط العمر الذي يبدأ عنده الإختلال في الأداء الوظيفي بالنسبة للأطفال الذين تمت إحالتهم إلى العيادة النفسية بسبب سلوكهم المضاد للمجتمع كان يتراوح مداه بين ثماني إلى عشر سنوات. وكان قد بدأ الإختلال في الأداء الوظيفي لدى غالبية البنين (%58) قبل بلوغهم سن العاشرة وكان متوسطهم العمري يقدر بسبع سنوات. أما بالنسبة للبنات فقد تركزت بداية سلوكهن المضاد للمجتمع في المدى العمري من 14 - 16 سنة، وكان متوسطهن العمرى يقدر بثلاث عشرة سنة. ومن ناحية أخرى اختلفت أنماط الأعراض هى الأخرى لدى كل منهما، فكان من الأكثر إحتمالاً بالنسبة لكل من السرقة والعدوان أن يكونا هما الأساس الذي يتم في ضوئه تحويل الطفل إلى العيادة النفسية وذلك بين البنين الذين تصدر عنهم سلوكيات مضادة للمجتمع، في حين كان من الأكثر إحتمالاً أن يتضمن السلوك المضاد للمجتمع من جانب البنات سوء سلوك جنسي .

  وقد كشفت نتائج الدراسات التي أجريت خلال عقد التسعينيات أن السن الذي يبدأ عنده الإضطراب السلوكى له دلالته ومغزاه إذا أردنا أن نربطه بالجانب الإكلينيكي حيث اتضح على سبيل المثال أن ظهور أعراض الإضطراب السلوكي في مرحلة الطفولة يجعل من المحتمل أن تكون أنماط هذا الإضطراب هي العدوان، أما إذا ظهرت تلك الأعراض خلال مرحلة المراهقة فيكون من الأكثر احتمالاً بالنسبة لها أن ترتبط بالسرقة. كما أن ظهور أعراض الإضطراب السلوكي خلال مرحلة الطفولة يقلل نسبياً من إمكانية التنبؤ بها، في حين يميل ظهورها خلال مرحلة المراهقة إلى أن يجعل التوقع أو التنبؤ بها أفضل. وتتضحهذه الفروق خلال مناقشتنا التالية للأنماط الفرعية التي يتضمنها الإضطراب السلوكي .

الأنماط الفرعية للإضطراب السلوكي

  من الممكن بالنسبة للأطفال الذين يتم تشخيصهم على أن لديهم إضطرابا

الصفحة 65                                                                                                                                                                                                                                                  

سلوكيا أن يختلفوا بدرجة كبيرة فيما يتعلق بالأعراض الخاصة بكل نمط من أنماط الإضطراب إضافة إلى ما يرتبط بها من سمات مثل تردى الأداء الأكاديمي وسبب إختلال الأداء الوظيفي على سبيل المثال. ويتمثل السؤال الرئيسي الذي يثار هنا في السؤال عن تلك الأساليب ذات الأهمية التي يمكن استخدامها في سبيل تقسيم تلك الفئة إلى مجموعات فرعية. وقد ركزت دراسات عديدة في هذا الإطار على تحديد الكيفية التي يتم بها الإضطراب السلوكي، والمظاهر المختلفة الخاصة به والأساليب التي يتخذها. ومن منطلق التشخيص ترمى المحاولات المبذولة في هذا المجال أيضاً إلى تحديد الأنماط الفرعية من المراهقين الذين تتباين الديهم بشكل منتظم تلك السمات، وبداية ظهور الإضطراب، ومضماره، واستجابتهم للعلاج، وما إلى ذلك. وفيما يلى أهم هذه الأنماط الفرعية.

1 - الأنماط العدوانية والجانحة

  يمثل تحديد وتعيين الأنماط العدوانية والجانحة أحد الأساليب الهامة التي تمت دراستها وذلك في سبيل تصنيف وتحديد الأنماط الفرعية من الإضطرابات السلوكية. وقد ظهرت الأنماط المختلفة للإضطرابات كنتيجة لتلك المحاولات المبذولة في سبيل تحديد أنماط الأعراض التي ترتبط ببعضها البعض وبمجموعة الأعراض ككل. هذا ويمكن استخدام الأساليب الإحصائية كالتحليل العاملي على سبيل المثال في تحديد مجموعات الأعراض التي ترتبط ببعضها البعض والتي قد تستخدم فيه عبارات من المقياس المستخدم على سبيل المثال. ويمكننا من خلال هذه المجموعات من الأعراض أن نقوم بتحديد أو تعيين مدى وجود أنماط معينة بين الأفراد كما يرى أكينباتشAchenbach (A-1993)  من خلال تحليل الزمرات. وتظهر من خلال مثل هذه التحليلات الأنماط العدوانية والجانحة من الأعراض. ومن المحتمل بالنسبة للمراهقين ذوى الإضطراب السلوكي العدواني أن يقوموا بالعراك، وتحطيم الممتلكات، وأن يظهروا القسوة في تعاملاتهم سواء مع الأفراد الآخرين أو مع الحيوانات، أما المراهقون الجانحون فيقومون بالسرقة والهروب من المنزل، والكذب، وإشعال

الصفحة 66                                                                                                                                                                                                                                                  

الحرائق، والهروب من المدرسة. ومن الجدير بالذكر أنه كان يتم النظر إلى هذين النمطين العدواني والجانح من بعد آخر كما يرى أكينباتشAchenbach (B-1993)  وهو ذلك البعد الذي يرتبط بما إذا كان مثل هؤلاء المراهقون يأتون بالسلوك المشكل بشكل فردى أو جماعي. ومع ذلك فإن تقسيم السلوك بحسب الفردية أو الجماعية في الأداء لم ينل نفس التأييد القوى الذي ناله الشكل الذي نحن بصدد الحديث عنه الآن حول تقسيم الإضطراب السلوكي.

  ومن جانب آخر فقد أيدت نتائج الدراسات تقسيم الإضطراب السلوكي إلى النمط العدواني في مقابل النمط الجانح. وقد نال النمط الفرعي الأول وهو النمط العدواني تأييداً قوياً قياساً بالنمط الفرعى الثانى وهو النمط الجانح. كما أن النمط الفرعى العدواني من الإضطراب السلوكي يبدو أكثر ثباتا في ظهوره خلال مضمار النمو. كذلك فإن كلا النمطين لا يتم استبعادهما بالتبادل. وعلى الرغم من أن العديد من المراهقين قد لا يبدون سوى واحداً فقط من هذين النمطين فإن نسبة قليلة منهم قد يبدون كلا النمطين معا.

2 - العدوانيون واللصوص

  هناك جهود أخرى تبذل في سبيل تطوير أنماط فرعية جديدة للإضطرابات السلوكية ولكنها تتداخل بطبيعة الحال مع الأنماط الفرعية القائمة وخاصة النمطين العدواني والجانح إلا أنها مع ذلك تتضمن بعض الإختلاف الذي يستحق الملاحظة. وتتمثل إحدى صور التقسيم في تلك التي ترتكز على الأعراض الهامة أو الأساسية، وتميز بالتالي بين المراهقين الذين يتمثل العرض الأساسي عندهم في العدوان (العدوانيين) وبين أولئك الذين يتمثل العرض الأساسي عندهم في السرقة اللصوص). ويرى باترسون (1972) patterson أن لهؤلاء العدوانيين بطبيعة الحال تاريخ من العراك والإشتراك في السلوك العدواني القائم على مهاجمة الغير، وربما الاغتصاب، في حين نجد أن اللصوص لديهم تاريخ طويل من السرقة المتكررة، والإتصال الدائم بالمحكمة نتيجة إلقاء القبض عليهم

الصفحة 67                                                                                                                                                                                                                                                  

وتحويلهم إليها. وعلى الرغم من ظهور مثل هذه السمات او الخصائص معا فإن الجماعات الفرعية الخالصة التي تضم العدوانيين فقط أو اللصوص فقط يمكن تحديدها بشكل جيد. ومن جانب آخر نجد أن الأطفال العدوانيين ينغمسون في أنماط سلوكية منفرة وقسرية وذلك في تفاعلاتهم داخل المنزل، وأنهم يعدون أقل إزعانًا لمطالب الوالدين وأوامرهما قياساً بالأطفال الذين يقومون بالسرقة، ويبدى آباء الأطفال اللصوص قدراً أكبر من التنافر الإنفعالي في علاقتهم بأطفالهم كان يكونوا قليلي الاستجابة لهم، كما يبدون قدراً أقل من الرفض والاستهجان ومن المطالب أو الأوامر قياساً بآباء الأطفال العدوانيين. ويرى مور وآخرون (1989) Moore et al أن التنبؤ بالأطفال الذين يصدر عنهم السلوك المضاد للمجتمع قد يختلف كدالة لتحديدهم على أنهم عدوانيون أو لصوص، إذ أن الإحتكاك المستمر بالمحاكم بعد بضع سنوات يكون هو الأمر الأكثر إحتمالاً بالنسبة للأطفال اللصوص وذلك قياساً بأقرانهم العدوانيين .

  ومن ناحية أخرى هناك بعض الأطفال الذي يجمعون بين هاتين الفئتين الفرعيتين بمعنى أنهم يكونوا عدوانيين ولصوص في نفس الوقت، إلا أن هؤلاء الأطفال كمجموعة فرعية لم ينالوا القدر الكافي من الدراسة.

3 - السلوك الظاهر وغير الظاهر المضاد للمجتمع

  يرى لوبر وآخرون (1991) Loeber et al أن التركيز على العدوانيين واللصوص قد اتسع نطاقه ليشمل بعدا أعم وثنائي القطب هو السلوك الظاهر والسلوك غير الظاهر . وتتألف السلوكيات الظاهرة في هذا الصدد من تلك الأفعال المضادة للمجتمع والتي تتضمن المجابهة والتحدى كالعراك والولع بالجدل والنوبات المزاجية على سبيل المثال، في حين تتألف السلوكيات غير الظاهرة من جانب آخر من تلك الأفعال التي تعتمد على الإخفاء والكتمان مثل السرقة، والهروب من المدرسة، والكذب، وإساءة استخدام المواد، وإشعال الحرائق. ومن هنا يتضح أن العدوانيين واللصوص من الأطفال

الصفحة 68                                                                                                                                                                                                                                                  

والمراهقين يمكن أن يتم تمثيلهم باستخدام هذا البعد الذي يقسم السلوك إلى ما هو ظاهر أو علنى وما هو غير ظاهر أو خفى، وذلك على الرغم من أن هذا الإتجاه قد يجذب الإنتباه إلى جانب يختلف نوعا ما يخص المراهقين .

  ومن الجدير بالذكر أن هذا الإتجاه قد نال تأييداً قوياً كما يرى كل من لوبر وشمالنج (1975) Loeber & Schmaling وذلك من تحليل عدد كبير من الدراسات التي تناولت السلوك المضاد للمجتمع لدى الأطفال في سن المدرسة الإبتدائية. وتؤيد التحليلات الإحصائية تصنيف الانماط السلوكية المضادة للمجتمع إلى مجموعات أو فئات وفقا لبعد السلوك الظاهر وغير الظاهر، إذ يظهر لدينا في هذا الصدد مجموعة تضم السلوكيات الظاهرة وأخرى تضم السلوكيات غير الظاهرة. وعلى ذلك فإن ظهور نمط سلوكي واحد في المجموعة يعنى إحتمال حدوث الأنماط السلوكية الأخرى التي تتضمنها المجموعة. ومع ذلك فإن بعض السلوكيات مثل عدم الطاعة أو الإزعان والإزدراء تميل إلى التواجد مع كلا المجموعتين من السلوك المصاد للمجتمع .

  ويعتمد الفصل بين السلوك إلى ظاهر وغير ظاهر بدرجة كبيرة على تلك الأدلة والنتائج التي تتعلق بالعدوانيين واللصوص والتي تعرضنا لها من قبل. وهناك دراسات أخرى كشفت عن أن مشكلات السلوك الظاهر وغير الظاهر ترتبط بالسمات المختلفة لكل من الطفل والأسرة، فيرى کاردین (1992-1) Kazdin على سبيل المثال أن الأطفال الذين يحصلون على درجات أعلى في مشكلات السلوك الظاهر يعدون أكثر قابلية للإثارة، وأكثر سلبية، وأكثر إمتعاضاً واستياء وذلك في ردود أفعالهم للمواقف العدوانية، كما أنهم يخبرون صراعات والدية بدرجة أكبر . أما الأطفال الذين يحصلون على درجات أعلى في السلوك غير الظاهر المضاد للمجتمع فيعدون أقل اجتماعية، وأكثر قلقا، ويصورون الآخرين بكثير من التشكك أى الشك والريبة، كما أنهم ينحدرون من أسر ينخفض بينها التماسك الأسرى.

  وإذا ما وضعنا في اعتبارنا تعقد وتشعب أو تنوع الانماط السلوكية المضادة

الصفحة 69                                                                                                                                                                                                                                                  

للمجتمع فإننا قد نتوقع أنه من المحتمل بالنسبة لبعض الأطفال أن يأتوا بكلا النمطين السلوكيين الظاهر وغير الظاهر أى يعكسون مجموعة مختلطة من السلوكيات. كما أنه من الممكن بالنسبة لنا أن نقوم بالتمييز بين الأنماط المختلطة من الأطفال أى الذين يأتون بمجموعة مختلطة من السلوكيات وبين أقرانهم الذين يأتون بمجموعة خالصة من تلك السلوكيات أى ليست مختلطة بمعنى أنها إما أن تكون ظاهرة أو غير ظاهرة وذلك من خلال عدد من العوامل منها الإختلال الشديد في الأداء الوظيفي الأسرى، والتوقع طويل المدى الذي يتسم بالضعف والذي يتضح في الاحتكاك أو الاتصال المستمر بالبوليس وفي تطور سلوكهم المضاد للمجتمع. وبذلك فإن الأطفال الذين تتسم سلوكياتهم المضادة للمجتمع بأنها متنوعة أو مختلطة أي تجمع بين ما هو ظاهر وما هو غير ظاهر من السلوك يصبحون كما يرى روبنز (1978) Robins أكثر عرضة لإختلال الأداء الوظيفي على المدى البعيد.

  ویری لوبر وآخرون (1993) Loeber et al أن الأنماط المختلطة من السلوكيات المضادة للمجتمع تتضمن إتحاداً أو إئتلافا متعدداً بين السلوك الظاهر والسلوك غير الظاهر فقط، أو بين السلوك الظاهر والسلوك غير الظاهر مقترنا بسمات أخرى من إختلال الأداء الوظيفي كالصراع مع السلطة على سبيل المثال.

4 - بداية الإضطراب السلوكي

  شهد العقد الماضى والسنوات القليلة السابقة له تركيزاً للإنتباه على الفترة الزمنية التي تشهد بداية ظهور الإضطراب السلوكي، وتم إجراء العديد من الدراسات في هذا الصدد منها دراسات هنشو و آخرين (1993) Hinshaw et al، وموفيتMoffitt (A-1993) ، وباترسون و آخرین (1979) Patterson et. al وكان من جراء استخدام مثل هذه الطريقة في تصنيف الأنماط الفرعية للإضطراب السلوكي أن تم الأخذ بها في الطبعة الرابعة من دليل التصنيف التشخيصي والإحصائي للأمراض والإضطرابات النفسية والعقلية DSM - 18 كأنماط مختلفة للسلوك المضاد للمجتمع، فتم تحديد نمطين للإضطراب السلوكي إعتماداً على ظهور أعراضه سواء في مرحلة الطفولة أو في مرحلة المراهقة .

الصفحة 70                                                                                                                                                                                                                                                  

أ - بداية الإضطراب السلوكي في مرحلة الطفولة:

  ويضم هذا النمط المراهقين الذين بدأ لديهم إختلال الأداء الوظيفي في وقت مبكر من طفولتهم بداية من إضطراب العناد والتحدى أو إضطراب النشاط الزائد المصحوب بقصور الإنتباه وتبدأ الأعراض في التطور إلى أعراض الإضطراب السلوكى وذلك على الرغم من أن العديد من المراهقين يبقون على مثل هذه الأعراض بمعزل عن أي إضطراب آخر. وتعد بداية الإضطراب السلوكي في مرحلة الطفولة هي الشكل الأكثر حدة من أشكال الإضطراب السلوكي. ومن الأكثر إحتمالاً بالنسبة للمراهقين الذين يعانون من مثل هذا الشكل من أشكال الإضطراب أن يأتوا بأنماط سلوك عدوانية وإجرامية، كما أنه من المحتمل بالنسبة لهم أن يستمر الإختلال في أدائهم الوظيفي خلال مرحلة الرشد.

ب - بداية الإضطراب السلوكي في مرحلة المراهقة:

  وبعد هذا النمط أكثر عمومية من النمط السابق إذ يأتي العديد من المراهقين خلال مرحلة المراهقة بالسلوك الإجرامي. وفي حين تحدث العديد من هذه الأفعال من جانب الكثير من المراهقين بشكل منعزل مجدها بالنسبة لبعضهم الآخر ينطبق عليها محكات الإضطراب السلوكي. ومن ناحية أخرى تلاحظ أن الأفراد الذين مروا ببداية الإضطراب السلوكي خلال مرحلتي الطفولة والمراهقة يأتون بأفعال غير قانونية خلال مرحلة المراهقة، فإننا مع ذلك نجد أن أولئك الذين بدأ الإصطراب السلوكي لديهم خلال مرحلة الطفولة يصبح من الأكثر إحتمالا بالنسبة لهم أن يأتوا بأفعال عدوانية، كما يصبح أيضاً من الأكثر إحتمالاً بأن يكونوا من البنين وليسوا من البنات في حين نجد أن النمط الثاني والذي يبدأ فيه الإضطراب السلوكي خلال مرحلة المراهقة يتوزع بشكل يميل إلى التساوى بين البنين والبنات وهذا يعنى من جانب آخر أنه من الأكثر إحتمالاً أن تكون بداية الإضطراب السلوكي بين البنات خلال مرحلة المراهقة والتي يلعب الأقران خلالها دوراً أساسياً في طهوره.

الصفحة 71                                                                                                                                                                                                                                                  

  ويعطى مكجى وآخرون (1992) McGee et al ، وباترسون (1992) patterson أدلة تؤيد زيادة حدوث الإضطراب السلوكي القائم على السلوكيات غير العدوانية في حوالي الخامسة عشرة من العمر دون أن يصاحبها ريادة مماثلة في الإضطراب السلوكي القائم على السلوكيات العدوانية. وهذا يؤيد الفكرة التي ترى أن الإضطراب في مثل هذه الحالة قد شهد بدايته خلال مرحلة المراهقة . ويرى كل من هنشو وآخرين (1993) Hinshaw et al، وموفيتMoffitt (A-1993)  أن هناك فروقا ترتبط بهذين النمطين الفرعيين تتعلق بالأداء الوظيفي النفس عصبي وبالأداء الوظيفي الخاص بالجهاز العصبي السمبثاوي وما يتعلق كذلك بالأداء الوظيفي الغدى العصبي وخاصة ما يرتبط بوظائف الغدد الصماء.

  ویری باترسون وآخرون (1991) patterson et al أن هناك من الأدلة والنتائج ما يؤيد أن أساليب المعاملة الوالدية قد تسهم هي الأخرى في بداية الإضطراب السلوكي خلال مرحلة المراهقة وذلك بالعمل عن غير قصد أو إنتباه على تعزيز سلوك بغيض لدى الطفل. كما أن التعزيز السلبي للسلوك المنحرف وعدم الإلتفات إلى السلوك الإيجابي أو تجاهله، وإغفال أو تجاهل السلوك الإجتماعي، والتفاعل القسرى أو الجبرى بين الوالد والطفل يؤدى إلى زيادة حدة السلوك العدواني لدى الطفل، وهو ما يؤدى بدوره إلى أنماط ثابتة من العدوانية لدى الطفل يترتب عليها العديد من النتائج أو العواقب الأخرى مثل ضعف أو فتور العلاقة بين الأقران، وزيادة التماسك بين الأقران المنحرفين والفشل في المدرسة، وهو ما يؤكد على الدور السلبي للأساليب الوالدية غير المناسبة في هذا الصدد.

5 - أنماط أخرى

  يقترح دودج (1991) Dodge أساليب أخرى لتصنيف الأنماط الفرعية للإضطراب السلوكي عند الأطفال، ويركز في تصنيفه الذي يقدمه على السلوك

الصفحة 72                                                                                                                                                                                                                                                  

العدواني ويرى أن هناك نمطين أساسيين للعدوان في ضوء ذلك هما العدوان التفاعلي أي الذي يحدث كاستجابة للآخرين أو ما يفعله هؤلاء الآخرون، أما النمط الثاني فيتمثل في العدوان الوسيلي الموجه لتحقيق هدف ما أى الذى يتم إتخاذه كأسلوب أساسي أو أولى لتحقيق هدف معين. ویری دای و آخرون (1992) Day et al أن الأطفال الذين يصدر عنهم العدوان من النمط الثاني (الوسيلي) يتخذون من العدوان وسيلة لتحقيق أهداف معينة وذلك بالسيطرة على الآخرين وإجبارهم على فعل ما يريدونه منهم، أما الأطفال الذين يصدر عنهم العدوان من النمط الأول (التفاعلي) فيكون من السهل إثارتهم، ويتم ذلك جزئياً بإدراك أن للآخرين نوايا عدوانية، ومن ثم تتسم الاستجابة لهم بشكل عدواني. وقد كشفت نتائج الدراسة التي أجراها داى وآخرون (1992) Day et al أن الأقران والمعلمين يدركون المراهقين العدوانيين سواء من النمط الأول أى التفاعلي أو من النمط الثاني أى الوسيلي، أو كليهما شكل مختلف ويرون أيضاً أنهم كمجموعات ثلاث مستقلة يختلفون في قدرتهم على حل المشكلات بين الشخصية المختلفة. وهو ما يؤيد فكرة وجود هذين النمطين وهي تلك الفكرة التي طرحها دودج (1991) Dodge

  ومن ناحية أخرى يرى شاتمارى وآخرون (1989) Szatmari et al أن هناك إضطرابات مركبة إذ نلاحظ على سبيل المثال أن الإضطراب السلوكي غالبا ما يوجد مع إضطراب النشاط الزائد المصحوب بقصور الإنتباه، وفي مثل هذه الحالة مجد أن الإضطراب السلوكي تصبح له طبيعة معينة وسمات خاصة تختلف عن طبيعته هو وسماته هو إذا ما قارناه في هذه الحالة بنفس الإضطراب مستقلاً أو إذا ما قارناء بالإضطراب الآخر أى إذا ما قمنا بإجراء المقارنة بينه وبين إضطراب النشاط الزائد المصحوب بقصور الإنتباه مستقلاً أو منعزلاً. وهذا يؤكد بطبيعة الحال أن ذلك الإقتران قد يشكل نمطا مستقلاً من إختلال الأداء الوظيفي. ويؤكد زوكوللو (1992) Zoccolillo أن هذا الإقتران بالشكل السابق يمثل مجرد حالة واحدة فقط من تلك الحالات التي يمكن أن تحدث إضطرابات مركبة حيث يمكن

الصفحة 73                                                                                                                                                                                                                                                  

للإضطراب السلوكي أن يرتبط بالعديد من الحالات الأخرى ويشكل معها إضطرابا جديدا له طبيعته الخاصة وسماته الفريدة. وكما يتضح من دليل التشخيص الدولى للأمراض الصادر عن منظمة الصحة العالمية في طبعته العاشرة التي صدرت عام 1992 (10 - ICD) فإنه يمكن عن طريق التلازم أو الإقتران المرضى التوصل إلى أنماط فرعية جديدة من الإضطراب السلوكي، وهو الأمر الذي يجعل فحص المجموعات المترابطة من الإضطراب أمراً مهماً في حد ذاته، إلا أن ذلك يختلف عن تلك المحاولات التي تبذل في سبيل تحديد الأنماط المختلفة التي تتضمنها فئة الأعراض الخاصة بالإضطراب السلوكي.

  ويعد بذل الجهود المتضافرة في سبيل تحديد أنماط فرعية مختلفة للإضطراب السلوكي أمراً في غاية الأهمية حيث تعتبر الجهود الفردية بمثابة الأساس الذي ينبني عليه تطور الإختبارات الإمبيريقية التي تتناول السمات الأخرى المميزة للإضطراب كتاريخه ومضماره على المدى الطويل على سبيل المثال. ويمكن النظر إلى تعدد الأنماط الفرعية المقترحة على أنها تعد بمثابة مؤشر لحدوث بلبلة مفاهيمية بين المهتمين به، وأنه لا يعى هذا الأمر بدقة سوى القليل فقط، أو أن نماذج متعددة مختلفة وقابلة للإختبار أو التحقق منها قد تم بالفعل تطويرها لتعمل كمنطلق وأساس لتطورات أخرى. ومع هذا يظل من المهم أن نميز بين نمط عدوانی كالعراك مثلاً ونمط جانح كالسلوك الإجرامي، أو الهروب من المنزل، أو الكدب مثلاً، وعلى ذلك يصبح تحديد السمات المميزة لكل منها، والتنبؤ به وتوقع حدوثه، وتطور كل منهما كنمطين فرعيين للسلوكيات المضادة للمجتمع أمراً في غاية الأهمية .

  ویری جيسور وآخرون (1991) Jessor et al ، والبوت وآخرون (1977) Elliott et al أن البحث في أنماط فرعية معينة من السلوك المضاد للمجتمع لا يعد هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن بمقتضاها توجيه الإهتمام إلى الإضطراب السلوكي حيث يوجد أمر آخر يحتاج إلى أن نوجه إليه الاهتمام أيضاً

الصفحة 74                                                                                                                                                                                                                                                  

ويتمثل هذا الأمر في تقييم السلوك المضاد للمجتمع وذلك نظراً لأن السلوكيات المشكلة غالباً ما تحدث معا وذلك بالدرجة التي يصبح عندها من المحتمل بالنسبة للفرد الذي يبدى سلوكاً واحداً كالأفعال الجانحة على سبيل المثال أن يبدى أيضاً سلوكيات أخرى كالنشاط الجنسي المبكر، أو إساءة استخدام العقاقير على سبيل المثال .

  ومن الجدير بالذكر أن النموذج الذي يتعلق بذلك والمعروف بنظرية السلوك المشكل والتي قدمها جيور وجيسور (1977) Jessor & Jessor تقترح أن السلوكيات المشكلة تتجمع معا لأنها تؤدى وظائف متشابهة فيما يتعلق بالنمو. ويعتبر الإستقلال عن الوالدين والإرتباط بالأقران بمثابة وظيفتين يمكن لتلك السلوكيات أن تؤدياهما. وهناك العديد من الأدلة التي تؤيد فكرة تجمع أو تعتقد السلوك المضاد للمجتمع وذلك في كل من العينات المرضية والعينات العادية. وفي هذا الإطار يرى مكجى ونيو كمب (1992) McGee & Newcomb أن أحد الإتجاهات التي تتناول مفهوم الإضطراب السلوكي يتمثل في تناول فئة عريضة أوزملة إنحرافية عامة تتضمن مجموعة من السلوكيات المنحرفة تمثل مشكلات سلوكية تحدث معا وتتمايز خلال مضمار النمو .

  وفيما يتعلق بتطور نمط شدة أو حدة أعراض الإضطراب السلوكي خلال مضمار النمو يرى كل من لاهی و آخرین (1992) Lahey et al ولوبر وآخرين (1993) Loeber et al أن هناك ثلاثة مستويات للإضطراب السلوكي تبدأ باعراض العناد كالجموح والنوبات المزاجية، يليها المشكلات السلوكية معتدلة أو متوسطة الحدة كالعراك والكذب والسرقة على سبيل المثال، وأخيراً المشكلات السلوكية الأكثر خطورة مثل إقتحام المنازل والمحلات والسطو عليها والسرقة تحت تهديد السلاح. وبذلك نلاحظ وجود تطور للأعراض من الأقل حدة إلى الأكثر حدة، وظهور كل منها وذلك خلال مضمار النمو وما يتبعها من إختلال في الأداء الوظيفي واستمرار هذا الإختلال. إلا أنه لا يجب بالضرورة أن يحدث

الصفحة 75                                                                                                                                                                                                                                                  

نفس هذا التطور لدى كل فرد بحيث يكون من المستويات الأدنى إلى المستويات الأعلى إذ من المحتمل أن يكون إختلال الأداء الوظيفي أمراً تراكميا كما يرى باترسون (1992) patterson وأن الأعراض الأكثر حدة قد تتبعها أعراض أقل حدة.

  وغنى عن البيان أن الأساليب المختلفة لتحديد الأنماط الفرعية أو السمات المميزة للإضطراب السلوكي لا يتم استبعادها بالتبادل حيث نلاحظ وجود العديد من النتائج والأدلة المؤيدة لكل أسلوب من تلك الأساليب بالدرجة التي تجعلنا غير قادرين على استبعاده.

ثانيا: تقييم السلوك المضاد للمجتمع

  يشير التشخيص إلى مختلف أساليب تصنيف وتحديد الإضطرابات. وتعتمد الأساليب التشخيصية على نوع ما من القياس. ومع ذلك فإن هدف القياس يمتد إلى أبعد من التشخيص حيث قد يستخدم القياس بغرض تحقيق أهداف متعددة مثل ربط أنماط معية للأعراض بسمات أخرى كالاداء الدراسي، أو أساليب المعاملة الوالدية على سبيل المثال، أو يهدف إلى تقييم آثار البرامج العلاجية أو البرامج الوقائية. أما التقييم فيمكن أن يستند على مجموعة من أساليب وأعاط القياس، ومن ثم فهذا يدفعنا إلى تناول ومناقشة مختلف أساليب التقييم، ونمط البيانات التي قد تحصل عليها من خلال تلك الأساليب. وهذا ما سنفعله هنا من خلال تناول الأساليب المختلفة لقياس الإضطرابات السلوكية.

أساليب التقييم

  هناك العديد من أساليب التقييم التي تستخدم في مجال الإضطرابات السلوكية بوجه عام، والسلوك المضاد للمجتمع بصفة خاصة والتي نعرض لها خلال الصفحات التالية. ومن أهم هذه الأساليب ما يلى:

1 - مقاييس التقرير الذاتي 

 تعد مقاييس التقرير الذاتي من أكثر المقاييس المستخدمة شيوعاً بين عينات

الصفحة 76                                                                                                                                                                                                                                                  

المراهقين من المرضى وذلك للتعرف على الأعراض المرضية المختلفة. ومع ذلك فنادراً ما يقرر الأطفال والمراهقون أنهم يعانون من مشكلة معينة أو أنهم في حاجة إلى علاج من نوع معين. وبذلك فليس من الضروري أن نتوقع وجود إختلال في الأداء الوظيفي لدى أى من الأطفال أو المراهقين يتم تقريره ذاتيا كما يحدث مع الراشدين مثلاً. ومن جانب آخر نجد أن قدرة الأطفال على أن يقرروا أن هناك إختلالاً في أدائهم الوظيفي تعد أقل وضوحاً مما هي عليه لدى المراهقين أو الراشدين. ولهذه الأسباب نجد أن التقرير الذاتي كأسلوب من أساليب التقييم لم ينل كثيراً من الإهتمام في تقييم إضطرابات الطفولة قياسا بما يحدث في مرحلتي المراهقة والرشد حيث نجد مثلاً أنه من الأكثر إحتمالاً بالنسبة للمراهقين قياساً بالأطفال أن نطبق عليهم مقاييس التقرير الذاتي إذ من الأكثر إحتمالا بالنسبة لهم أن يدركوا ما نسألهم عنه، كما يمكنهم أيضا أن يقوموا بتكملة تلك المقاييس التي نستخدم فيها الورقة والقلم مع قليل من المساعدة من جانبنا أوحتى في حالة عدم تقديمنا لأى مساعدة لهم. وهناك سبب آخر يجعل من الأكثر احتمالاً بالنسبة للمراهقين أن نستخدم معهم مقاييس التقرير الذاتي يرجع إلى توفر أدوات القياس التي يمكن استخدامها حيث نجد أن المقاييس التي يتم إعدادها بغرض استخدامها مع الراشدين غالبا ما نستخدمها كما هي مع المراهقين دون الحاجة إلى استخدام نسحة معدلة منها تنطبق عليهم كما هو الحال بالنسبة للأطفال .

  وعلى الرغم من أن التقرير الذاتى لا يستخدم عادة كأسلوب قياس أساسي لتقييم إختلال الاداء الوظيفي في مرحلة الطفولة، فإنه يمكننا من خلاله مع ذلك أن نحصل على معلومات لها أهمية كبيرة في هذا الصدد، حيث من الممكن بالنسبة للأطفال أن يقرروا وجود أعراض معينة لديهم، وأن يحددوا جوانب معينة من المشكلة قد لا يفصحون عنها لوالديهم أو قد لا تكون ظاهرة أو لا تبدو جلية للوالدين. وإلى جانب ذلك فمن المتوقع أن ينكر الأطفال وجود أي مشكلة سلوكية، ومن ثم لا يبدون من المعلومات ذات الأهمية سوى القليل الذي قد لا يجدى وذلك على مقاييس التقرير الذاتى للسلوك المضاد للمجتمع.

الصفحة 77                                                                                                                                                                                                                                                  

ومع هذا فإن التقييم الذاتي قد يكون له قيمته وأهميته الخاصة في قياس المشكلات السلوكية التي يحتمل أن يتم إخفاؤها أو حجبها عن الوالدين. ويرى إليوت و آخرون (1975) Elliott et al أنه من الأكثر إحتمالاً بالنسبة للمعلومات والبيانات التي تتعلق بمثل هذه السلوكيات غير الظاهرة التي يتم إخفاؤها كإتلاف الممتلكات والسرقة، وإساءة استخدام العقاقير على سبيل المثال أن يقررها الأطفال والمراهقون بإرادتهم قياساً بغيرهم، أو أن تتم معرفتها بالرجوع إلى تلك السجلات الموجودة في مؤسسات معينة وبوجه عام فقد أوضحت الدراسات التي أجريت في هذا الميدان أن الأطفال يمكنهم استخدام التقارير الداتية لإبداء معلومات تتعلق بسلوكهم المضاد للمجتمع، كما أنهم قد يفعلون ذلك بمحض إرادتهم. ومن ناحية أخرى توجد إرتباطات دالة بين العمر الزمني، ونوع الأداة المستخدمة في القياس والأساليب التي يتم بمقتضاها البحث عن المعلومات من جانب، وبين ما يمكن أن نحصل عليه من خلال التقرير الذاتي من جانب آخر .

  ومع هذا فإن التباين بين تلك الأبعاد لم تتم دراسته بالشكل المناسب أو لم ينل القدر الكافي من الاهتمام في الدراسات المختلفة. وإلى جانب ذلك فقد إهتمت دراسات عديدة مثل دراسات باتشمان و آخرین (1977) .Bachman et al، وفارنجتون (1984) Farrington بالتحقق من مدى صدق الأنماط السلوكية التي تعد بمثابة إضطرابات أو مشكلات سلوكية والتي كشفت عنها مقاييس التقرير الذاتي حيث أوضحت تلك الدراسات أن مثل هذه السلوكيات يمكن أن تنبئ بشكل جيد بما يمكن أن يحدث فيما بعد من جانب أفراد العينة من حيث المخالفات المرتكبة وإمكانية إلقاء القبض عليهم، إضافة إلى أنها تنبئ أيضا بتوافقهم الدراسي والمهني والزواجي.

2 - تقارير الآخرين ذوى الأهمية

  تعد تقارير الآخرين ذوى الأهمية النسبة للفرد كالوالدين والمعلمين والمعالجين على سبيل المثال من أكثر المقاييس شيوعاً عند تناول إضطرابات الأطفال. ولهذه

الصفحة 78                                                                                                                                                                                                                                                  

المقاييس وضعها الفريد في تحديد إختلال الأداء الوظيفي للطفل ومدى التغير الذي ينتابه مع مرور الوقت.

  ويعتبر الوالدان أهم المصادر التي يتم الإستناد إليها باستمرار في الحصول على المعلومات. وعلاوة على ذلك فقد أوضحت الدراسات مرارا أن تقييم الوالدين للطفل يرتبط بالتشخيص الإكلينيكي المتعلق باضطراب الأداء الوظيفي للطفل.

وتعد المقاييس التي يتم الرجوع فيها إلى الآخرين ذوى الأهمية بالنسبة للطفل كأحد الأساليب المستخدمة في التقييم على درجة كبيرة من الأهمية حيث تعتبر ذات مزايا عديدة. ومن ناحية أخرى يوجد العديد من مقاييس التقدير من هذا القبيل والتي تغطى مدى متسعاً من الأعراض المرضية والمشكلات المختلفة. ومع ذلك فقد يكون هناك تحيز جزئي في أنماط السلوكيات المضادة للمجتمع والتي يمكن أن تقيسها مثل هذه المقاييس، إذ من المحتمل أن يكون من الصعب تقييم بعض الأنماط السلوكية مثل إغاظة الآخرين ومضايقتهم، والعراك، والصراخ وإحداث الضجيج، والولع المستمر بالجدل، وغيرها من الأفعال غير الظاهرة أو الخفية كالسرقة، وإشعال الحرائق، وإساءة استخدام المواد، والسلوك المرتبط بالشلة أو العصابة كتكوين العصابات ومهاجمة الغير على سبيل المثال. ووفقا للطبيعة الخفية أو السرية لتلك الأفعال فإنها تكون أكثر حجباً عن مدى بصر ورؤية أو فهم وإدراك الراشدين.

3 - تقديرات الأقران

  على الرغم من أنه دائما ما يتم النظر إلى الأقران على أنهم من بين الآخرين ذوى الأهمية، فإن تقديراتهم تستحق بما لا يدع مجالاً للشك أن تتميز عن غيرها. كذلك فإن مقاييس الآخرين ذوى الأهمية عادة ما تعكس طريقة أو أسلوبا للقياس يختلف عن مقاييس التقييم التي يتم استخدامها أو إعدادها للاستخدام من قبل الوالدين والمعلمين وعادة ما تتألف تلك المقاييس التي تعتمد على الأقران من أساليب مختلفة تحدد وصف الأقران ومعاييرهم لأشخاص

الصفحة 79                                                                                                                                                                                                                                                  

يبدون سمات معينة كالعدوانية على سبيل المثال. ومن المحتمل أن يعكس تكوين جماعة الرفاق ثباتًا في الأداء من جانب الفرد إلى جانب سمات ثابتة تميزه عن غيره. وفي الغالب نلاحظ كما يرى كوای و آخرون (1992) Coie et al وهو يسمان وآخرون (1974) Huesmann et al أن تقديرات الأقران في المدرسة الإبتدائية - كاستجاباتهم على مقاييس الكره، أو الرفض، أو السلوك العدواني مثلاً - يمكن من خلالها التنبؤ بالمشكلات السلوكية التي قد تحدث من جانب الفرد بعد ذلك بعدد من السنوات .

  وعادة ما تتألف مقاييس الأقران من تقديرات سوسيومترية لتحديد سمات معينة مثل الشعبية، والقبول والمرغوبية والرفض، ومدى حب الآخرين للفرد والكفاءة الإجتماعية. ويبدو أن مثل هذه السمات ترتبط ببعضها البعض، وتتأثر ببعضها البعض إذا حدثت أى مشكلات من جانب الأطفال الذين يصدر عنهم السلوك المضاد للمجتمع وذلك في أي من تلك الجوانب التي تمثلها هذه السمات. كما ترتبط أيضا تقديرات الأقران للأبعاد الاجتماعية بالتقدير المستقل للتوافق. وعلاوة على ذلك فإن تقديرات الأقران غالبا ما يكون لها حساسيتها في التنبؤ بالتوافق قياساً بتقديرات المعلمين والمعالجين.-

4 -الملاحظة المباشرة

  يری مكماهون وفورهاند (1977) McMahon & Forehand أن سلوكيات ای مراهق سواء في المنزل أو المدرسة أو المجتمع المحلى يمكن أن تتم ملاحظتها بشكل مباشر، ويتمثل الأساس لمكونات الملاحظة المباشرة في تحديد السلوك بدقة، وفى تحديد المواقف التي سوف تتم فيها ملاحظة السلوك، وفي إرسال الملاحظين لتسجيل الأنماط السلوكية المختلفة، وفى التأكد من أن السلوك تتم ملاحظته بدقة وبشكل ثابت .

  وتختلف متطلبات الملاحظة المباشرة كدالة لمدى تعقد إجراءات القياس، حيث من المعروف أنه غالبا ما تتم ملاحظة سلوكيات متعددة في البحث الإكلينيكي

الصفحة 80                                                                                                                                                                                                                                                  

خلال فترة زمنية قصيرة أو وجيزة وذلك أثناء تفاعل الطفل مع أسرته في المنزل كما فعل باترسون (1972) patterson. وفى مثل هذه الحالات نجد أنفسنا في حاجة إلى ملاحظين على درجة عالية من التدريب والكفاءة وذلك لملاحظة السلوكيات المختلفة. وعلى الطرف الآخر نجد أنه من الممكن أن نقوم بتقييم نمط سلوكي معين أو إثنين كالسرقة، أو العراك، أو الانتظام في المدرسة على سبيل المثال وذلك في المنزل أو في المدرسة. ومع استخدام إجراءات بسيطة نسبياً للملاحظة باستخدام نظام التشفير يمكن أن يحل الوالدان أو المعلمون محل الملاحظين المدربين .

  وهناك العديد من المزايا التي تميز الملاحظة المباشرة من أهمها أنها تزودنا بمجموعة من التكرارات الواقعية أو الفعلية لسلوكيات معينة سواء كانت اجتماعية أو مضادة للمجتمع. وبذلك يتميز هذا الأسلوب عن أسلوب التقارير الذاتية، أو أسلوب التقارير من جانب الآخرين ذوى الأهمية بالنسبة للفرد حيث قد يتأثر هذا الأسلوب الأخير كثيراً بالأحكام والإنطباعات من جانب هؤلاء الآخرين. إلا أن هناك العديد من العوائق التي قد تصادف الملاحظة المباشرة وتعترضها بين حين وآخر حيث نجد أن العديد من السلوكيات وخصوصاً الأفعال غير الظاهرة أو الخفية كالسرقة، وإساءة استخدام العقاقير والإتصالات الجنسية غير الشرعية على سبيل المثال لا تتم ملاحظتها بشكل مباشر. كذلك فعندما تتم ملاحظة السلوكيات المختلفة يمكن للملاحظة في حد ذاتها أن تؤثر على الأداء. ومع هذا فإن الملاحظة يمكنها أن تضيف لنا العديد من المعلومات الفريدة التي لا تتاح إلا بواسطتها وذلك عن طريق إختبار سلوكيات معينة بشكل مباشر .

5 - السجلات الخاصة بالمؤسسات الاجتماعية

  يستند تقييم المراهقين الذين تصدر عنهم سلوكيات مضادة للمجتمع على السجلات الخاصة بالمؤسسات الاجتماعية وذلك بشكل مستمر. ومن الأمثلة العديدة لتلك السجلات سجلات الشرطة التي توضح مدى الإحتكاك والإتصال

الصفحة 81                                                                                                                                                                                                                                                  

بالبوليس، والسجلات الخاصة بإلقاء القبض على الأشخاص، والسجلات المدرسية سواء تلك السجلات الخاصة بمدى الإنتظام في المدرسة، أو بالدرجات التي يحصل عليها الطالب أو سجلات التخرج من المدرسة، إلى جانب السجلات القضائية سواء سجلات الإيقاف للأحكام، أو سجلات تنفيذ الأحكام، والإيداع بالسجون.

  وتعد السجلات الخاصة بالمؤسسات الإجتماعية على درجة كبيرة من الأهمية لأنها تعتبر بمثابة مقاييس حول آثار المشكلة وتأثيراتها المختلفة، ومن ثم تعد ذات دلالة اجتماعية كبيرة وتعكس العديد من الهيئات الحكومية على مستوى البلد الواحد أو على المستوى القومى تلك المواقف والأحداث مثل عدد الجانحين الأحداث الذين يتم القبض عليهم، أو عدد القضايا التي يتم عرضها على محكمة الأحداث على سبيل المثال. ويمكن أن تشكل مثل هذه المعلومات اتجاهات اجتماعية وتسهل من عملية إتخاذ القرار حول تخصيص المصادر والخدمات اللازمة لمواجهة مشكلة معينة .

  وهناك العديد من المشكلات يمكن تناولها من خلال السجلات الخاصة بالمؤسسات الاجتماعية المختلفة والتي يمكن إتخاذها كمقياس للسلوك المصاد للمجتمع. إلا أننا في واقع الأمر نلاحظ أن غالبية الأفعال المضادة للمجتمع أو الأفعال المنحرفة لاتتم ملاحظتها أو تسجيلها أى لا يتم وضعها في سجلات معينة خاصة بها. وتوضح البحوث والدراسات التي أجريت في هذا المجال كما يرى إمبي (1982) Empey أن تسعة من بين كل عشرة أفعال غير قانونية لا يتم إكتشافها، أو إذا تم إكتشافها أو إكتشاف بعضها فلا يتم التعامل معها بالشكل الرسمي، وهو ما تؤيده نتائج الدراسات التي تعتمد على توجيه الأسئلة للأطفال والمراهقين ليقرروا ويعلقوا على سلوكياتهم المختلفة المنحرفة والمضادة للمجتمع کدراسات إليوت وآخرين (1985) Elliott et al، ووليامز وحولد (1972) Williams & Gold . ومن ثم فإن السجلات الرسمية تقلل بدرجة كبيرة من حدوث السلوكيات المضادة للمجتمع وذلك بسبب نسبة التفويت أو

الصفحة 82                                                                                                                                                                                                                                                  

الفارق بين نسبة حدوث السلوك المضاد للمجتمع وتسجيل مثل هذه الأفعال في أحد السجلات التي يتم الاحتفاظ بها في الأرشيف. فعلى سبيل المثال نجد أن القبض على الأفراد وتقديرات الإتهام والإدانة الموجهة إليهم تعد أموراً هامة ولكنها في الوقت ذاته لا تعتبر مقاييس حساسة للسلوك المنحرف حيث يرى إمبي (1972) Empey أن هناك العديد من الجرائم لا يتم إكتشافها كتلك الجرائم التي لا تؤدى إلا نادراً إلى القبض على مرتكبها، أو تلك التي تؤدى بالفعل إلى القبض على مرتكبها ولكن لا تتم إحالته إلى المحكمة، أو تلك التي يتم فيها إحالة مرتكبها إلى المحكمة ولا تؤدى بالضرورة إلى توجيه الاتهام إليه أو إدانته .

  وعلى الرغم من أوجه القصور تلك فإن السجلات الخاصة بالمؤسسات الاجتماعية تعد مع ذلك مقاييس لها فاعليتها وأهميتها في تقييم السلوك المضاد للمجتمع، ذلك السلوك الذي يترك بطبيعة الحال وفقا لطبيعته بصماته الواضحة على المجتمع كتحطيم الممتلكات العامة أو الخاصة، وإشعال الحرائق، وإرتكاب الجرائم على سبيل المثال. وغالبا ما يتم استخدام مثل هذه السجلات في قياس وتقييم السلوك الصادر عن الأحداث الجانحين، وفى تقييم التدخلات العلاجية التي تهدف إلى خفض نسبة الإضطراب السلوكي كما سنرى فيما بعد.

تعليق عام على أساليب التقييم

  من الجدير بالذكر أن لكل أسلوب من تلك الأساليب التي تمت مناقشتها نقاط قوته ونقاط ضعفه المنهجية، ومصادره التي تؤدى إلى حدوث تحيز في التقييم. فنجد على سبيل المثال أن تقييم الوالدين لسلوك الطفل المنحرف يعطى منظوراً فريداً وهاما حيث يكون الوالدان في موقع ممتاز بالنسبة للطفل يمكنهما من التعليق على أدائه الوظيفي، ومع ذلك فإن تقييمهما هذا يتأثر بما يقع عليهما أو ما يتعرضان له من ضغوط وقلق، أو ما يعانيان منه من أمراض وإضطرابات نفسية حيث نجد أنهما غالباً ما يفشلان في إكتشاف المشكلات التي يحددها الطفل في تقريره الذاتي، أو التي يمكن تحديدها عن طريق الملاحظة المباشرة. وبنفس الطريقة نجد أن الملاحظة المباشرة تعكس أداء سلوك معين بعيداً عن أحكام وذاكرة

الصفحة 83                                                                                                                                                                                                                                                  

الوالدين والمعلمين. ومع هذا فإن السلوكيات موضع الإهتمام قد تكون قليلة في تكرارها أو قد يتم القيام بها عندما لا يكون الملاحظون موجودين في المكان.

ومن ثم فإن الملاحظة المباشرة قد تبتعد عن العديد من السلوكيات موضع الإهتمام، ومع ذلك يرى كاردين (1992-B) Kazdin أن الإهتمام بأى أسلوب معين للتقييم يمكن أن يتضاعف .

  ومن الجدير بالذكر أنه إذا تم تحديد أهداف التقييم يصبح أسلوب معين للتقييم هو المناسب في تلك الحالة إلا أنه من الممكن في العديد من الحالات أن نستخدم بطارية للتقييم تتضمن أساليباً متعددة للتقييم. ويرجع السبب في ذلك إلى أن المعلومات التي يمكن الحصول عليها، والنتائج التي يمكن التوصل إليها حول مدى حدة أو نمط إختلال الأداء الوظيفي وعلاقة الأعراض المرضية بالمقاييس الأخرى، والتغيرات التي تحدث مع مرور الوقت سوف تتغير كدالة الإختلاف المقاييس.

أمثلة لبعض مقاييس الإضطراب السلوكي

  سوف نعرض خلال الصفحات التالية الأمثلة مختارة من تلك المقاييس التي يتم استخدامها في تقييم الإضطرابات السلوكية. وقد آثرنا أن تكون مجرد أمثلة لذلك حيث لا يسعها المقام هنا .. وتعد تلك المقاييس هي الأكثر شيوعاً في استخدامها. ومن هذه المقاييس ما يلى :

1 - مقاييس السلوك المضاد للمجتمع

  هناك العديد من المقاييس التي تستخدم لهذا الغرض منها مقاييس التقرير الذاتي، إلا أنه لا يوجد أى مقياس منها بعد هو الأوسع إنتشاراً. ويستخدم مقياس التقرير الذاتي للجنوح مع الأطفال والمراهقين في الأعمار بين 11 - 18 سنة، ومع ذلك فقد تم استخدامه فيما بعد هذا المدى العمري. ومن خلال هذا المقياس يتم توجيه السؤال مباشرة للمفحوص حول مدى حدوث أفعال إنحرافية جانحة من جانبه في المنزل أو في المدرسة أو في المجتمع المحلى وتشمل عبارات المقياس سلوكيات السرقة،

الصفحة 84                                                                                                                                                                                                                                                  

وإتلاف الممتلكات والأفعال غير القانونية مثل بيع الأدوية بالتجول والإضطراب الاجتماعي العام كالإتصالات التليفونية التي تتضمن ألفاظا نابية، أو القيام بالمخالفات غير الإجرامية كالهروب من المنزل، أو القيام بالمخالفات الإحرامية كالقتل أو الإغتصاب. وأحيانًا يتم حذف عبارات مختارة من المقياس كاستخدام التعنيف بشكل غير قانوني، وتهديد الآخرين في سبيل ممارسة الجنس على سبيل المثال وذلك إذا لم ترتبط تلك العبارات بالأطفال الأصغر سنا ولم تكن مناسبة لهم. ويتم تصحيح عبارات هذا المقياس وفقا لمقياس متدرج من أربع نقاط طبقا لتكرار حدوث الفعل، فإذا كان الفعل قد حدث مرة واحدة فقط تحصل على درجة واحدة، وتتدرح حتى تحصل على أربع درجات إذا كان الفعل قد حدث خمس مرات أو أكثر خلال السنة السابقة. وتعكس الدرجة الكلية للإنحراف مدى حدة السلوك المنحرف. كذلك يمكن الحصول على درجة كلية للمقاييس الفرعية للأنواع المختلفة من الأنشطة غير القانونية محور الإهتمام أيضا .

  أما بالنسبة للمقاييس التي تطبق على الآخرين ذوى الأهمية بالنسبة للفرد فقد نالت إهتماماً أكبر من مقاييس التقرير الذاتي. ومن أكثر هذه المقاييس شيوعاً على الإطلاق مقياس أيبرج لسلوك الطفل والذي يكتب إختصاراً (ECBI)  (Eyberg & Robinson, 1983; Eyberg et. al, 1980). و يستخدم هذا المقياس لتقييم المشكلات السلوكية للطفل في المنزل كما يقررها الوالدان. ومن بين العبارات التي يتضمنها هذا المقياس تلك التي تتضمن الشجار اللفظى مع أصدقاء في نفس عمر الطفل، ورفض الطفل القيام بالعمل النظامي الروتيني اليومى فى المنزل عندما يطلب منه القيام بذلك، وإنخفاض مستوى آداب المائدة لدى الطفل، والصراخ أو الزعيق وتعكس معظم العبارات سلوك الرفض والمعارضة التي تعد مقلقة أو مزعجة للوالدين وذلك بدلاً من الأفعال الخطيرة المضادة للمجتمع. ومع ذلك فهناك بعض الإستثناءات حيث نلاحظ وجود بعض العبارات التي تتناول السرقة، وتحطيم الأشياء على سبيل المثال. ويتم تقييم كل

الصفحة 85                                                                                                                                                                                                                                                  

عبارة من جانب الوالد على أنها تمثل مشكلة أم لا وذلك بوضع علامة تحت (نعم) أمام العبارة إذ كانت تمثل مشكلة أو وضعها تحت (لا) إذا كانت لا تمثل مشكلة. كما يقرر عدد مرات حدوثها، ومن ثم تتراوح درجة العبارة بذلك بين درجة واحدة (لا تحدث إطلاقا) إلى سبع درجات (تحدث دائما). ويعطى هذا المقياس بذلك درجتين تعكسان عدد المشكلات ومدى حدة أو شدة تلك المشكلات، تتمثل الأولى وهى عدد المشكلات في تلك العبارات التي يتم إقرارها بالإيجاب، بينما تتمثل الثانية وهى مدى حدة أو شدة تلك المشكلات في الدرجة الكلية للمقياس بعد جمع درجة كل العبارات .

  وفيما يتعلق بأساليب الملاحظة المباشرة نجد أن مقياس نسق التفاعلات الأسرية الذى يكتب إختصاراً (FICS) والذي أعده ريد وآخرون (1977) Reid et al يأتي في المقدمة ويستحق أن توليه إهتمامنا حيث يستخدم لتسجيل السلوكيات المضادة للمجتمع التي تصدر عن الأطفال أثناء تفاعلاتهم مع الوالدين والأخوة في المنزل. وقد تم تصميم هذه الأداة بشكل خاص لقياس السلوكيات العدوانية وما يرتبط بها من مقدمات ونتائج أي العلاقات الأسرية. ويتميز هذا المقياس بأنه يعد مقياساً دقيقاً نسبياً ويتم من خلاله تسجيل تسعة وعشرين سلوكا مختلفا عن طريق الملاحظين على أن كلاً من تلك السلوكيات موجود أو غير موجود في كل الفترات الزمنية الوجيزة والمتعددة التي تتم فيها الملاحظة والتي قد تستغرق ثلاثين ثانية مثلاً وذلك على مدى فترة زمنية تمتد إلى حوالى ساعة واحدة تقريباً. وتتضمن تلك السلوكيات التي تتم ملاحظتها سلوكيات اجتماعية وأخرى منحرفة يأتى بها الطفل كالإذعان للمطالب، والهجوم على شخص ما، والصراخ على سبيل المثال، إلى جانب سلوكيات والدية كالإستجابة للطفل، واللعب معه، وإذلاله أو إحتقاره على سبيل المثال .

  ويتطلب مقياس نسق التفاعلات الأسرية عددًا من المطالب الهامة والأساسية يمكن إيجازها فيما يلي :

الصفحة 86                                                                                                                                                                                                                                                  

1 - يجب أن يكون الملاحظون الذين نعهد إليهم بتسجيل الملاحظات قد تم تدريبهم بعناية، وأن يعملوا على تصوير السلوكيات التي يلاحظونها بشكل دقيق حتى يتأكدوا أن الدرجات التي يقدرونها لما يتم تدوينه من خلال التشفير تتم بطريقة ثابتة .

2 - يجب أن تتم السيطرة الجزئية على تلك المواقف التي يعمل الملاحظون على ملاحظتها وتقييمها وذلك بغرض تقليل احتمال حدوث تقلب أو تغير في الموقف. فعندما نستخدم هذا المقياس في المنزل على سبيل المثال يتم إصدار التعليمات الأعضاء الأسرة بالبقاء في حجرات محددة خلال الفترة التي تجرى فيها عملية الملاحظة. وقد لا يقوم أعضاء الأسرة في تلك الأثناء بمشاهدة التليفزيون أو القيام بالإتصالات التليفونية وذلك تنفيذا لما يصدر إليهم من تعليمات من جانب الملاحظين.

  ومن الجدير بالذكر أن مثل هذه القيود تعمل على مساعدة الملاحظين في إعطاء الدرجات للتفاعلات التي تحدث بين الطفل ووالديه. ويرى مكماهون وفورهاند (1977) McMahon & Forehand أنه يتم إستخدام هذا المقياس وغيره من المقاييس الأقل تعقيداً التي تعتمد على تشفير الملاحظة المباشرة بشكل مستمر وذلك في تقييم السلوكيات المضادة للمجتمع سواء في المنزل أو في المدرسة.

  ومع ذلك فإن عدداً قليلاً نسبياً من المقاييس التي تم إعدادها لقياس أو تقييم السلوك المضاد للمجتمع بين الأطفال أو المراهقين هو الذي يستخدم على نطاق واسع . كذلك فقد تم تصميم واستخدام مقاييس معينة لأغراض خاصة كجزء من هذا فلا توجد بيانات كافية توضح المستويات المعيارية مشروعات بحثية، ومع للسلوك المضاد للمجتمع على المقياس وذلك خلال مضمار النمو .

3 - مقاييس عامة للإضطرابات النفسية

  تستند معظم الدراسات التي تتناول السلوك المضاد للمجتمع إلى مقاييس تعمل

الصفحة 87                                                                                                                                                                                                                                                  

على تقييم جوانب مختلفة من الإضطرابات النفسية (السيكوباثولوجية) والأداء الوظيفي. وتعد الأسباب التي تكمن خلف ذلك متعددة حيث تزودنا مثل هذه المقاييس بمعلومات عن المجال موضع الاهتمام والعديد من المجالات الأخرى أيضاً. وتعتبر هذه الخاصية دات أهمية كبيرة نظراً لأن الأطفال الذين يصدر عنهم السلوك المضاد للمجتمع قد يبدون إلى جانب ذلك إختلالاً في أدائهم الوظيفي في مجالات أخرى كان يبدو عليهم النشاط الزائد والقلق على سبيل المثال. وبالإضافة إلى ذلك فإن مثل هذه المقاييس العامة للإضطرابات النفسية تزودنا بعدد من مقاييس التقدير الخاصة بالوالدين والمعلمين التي نالت قسطاً كبيراً من البحث وتم التأكد من صدقها .

  وهناك أنواع عديدة من هذه المقاييس تستخدم في قياس مدى متسع من الأعراض المرضية والسلوكيات. فتستخدم المقابلات التشخيصية - على سبيل المثال في تقييم إختلال الأداء الوظيفي للأطفال والمراهقين. وفي مثل هذه المقابلات تتم مقابلة الوالد والطفل كل على حدة وذلك بغرض تقييم مدى وجود الأعراض المرضية، أو مدى حدتها، أو كليهما معا أي وجود تلك الأعراض ومدى حدتها. ويكمن الهدف خلفها في السماح لمن يجرى تلك المقابلة بالتوصل إلى تشخيص للحالة في ضوء نسق تشخيصي معين، وعادة ما يكون هذا النسق التشخيصي هو الطبعة الثالثة المعدلة من دليل التصنيف التشخيصي والإحصائي للأمراض والاضطرابات النفسية والعقلية DSM - 3 - R الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسى APA عام 1978 أو الطبعة الرابعة من نفس الدليل DSM - 17 الصادرة عام 1994 . كذلك هناك العديد من المقابلات التشخيصية التي يمكن استخدامها لنفس الغرض منها على سبيل المثال :

 کما پری هودجز وزیمان (1993) Hodges & Zeman 

دليل المقابلة التشخيصية للأطفال

الصفحة 88                                                                                                                                                                                                                                                  

-دليل الإضطرابات الإنفعالية (الوجدانية) والفصام للأطفال في سن المدرسة 

-دليل تقييم الطفل .

  وتعد المقاييس التقديرية للوالدين والمعلمين أفضل المقاييس التي تم تصميمها لتقدير جوانب أو مجالات متعددة من إختلال الأداء الوظيفي للطفل والمراهق وتتضمن مثل هذه المقاييس عدداً كبيراً من العبارات التي يقوم كل من الوالد والمعلم بتقديرها أو تقييمها في ضوء وجود أو عدم وجود إختلال في الأداء الوظيفي أو مدى حدته. وتعد قائمة السلوك للأطفال التي تكتب إختصاراً (CBCL) والتي أعدها اکينباتش (1991) Achenbach بمثابة أداة يقوم الوالدان بتقييم العبارات المتضمنة فيها والتي تصف مجموعة من السمات قد تنطبق على أطفالهم. ويتضمن هذا المقياس 117 عبارة تشير إلى مشكلات سلوكية يتم تقييمها على مقياس متدرج من ثلاث نقاط تتراوح بين صفر (لا تنطبق) إلى اثنين تنطبق تماما). ومن أمثلة هذه العبارات ما يلى :

1 - القسوة على الآخرين، أو التنمر بهم والإستئساد عليهم، أو الخسة والدناءة معهم .

2 - كثرة الجدل والنزاع .

3  - إشعال الحرائق .

  ويتضمن هذا المقياس عوامل عديدة تمثل مجموعة من الأعراض المرضية تضم العدوان والجنوح والنشاط الزائد والقلق والإكتئاب، والتحفظ وعدم الإتصال بالآخرين والفصام، وغير ذلك من الأعراض المرضية. ويتم تقييم الإستجابات على هذا المقياس بشكل منفصل ومستقل بالنسبة للمفحوصين في المستويات العمرية المختلفة مثل أولئك الذين تتراوح أعمارهم

الصفحة 89                                                                                                                                                                                                                                                  

بين 4 - 11 سنة أو بين 12 - 18 سنة على سبيل المثال، وكذلك بالنسبة للعينات المرضية التي تمت إحالتها للمستشفى أو تلك العينات التي لم تتم إحالتها .

وبذلك نجد أنه باستخدام قائمة السلوك للأطفال CBCL يمكننا تقييم وضع الطفل بمفرده على مختلف مقاييس الأعراض أو العوامل قياسا بأقرانه من نفس سنه وجنسه الذين لم تتم إحالتهم للعلاج.

  كذلك فهناك العديد من مقاييس التقدير وقوائم السلوك يتم تطبيقها على الوالدين. ومن أكثر أمثلتها شيوعا كما يرى باركلي (1977)  Barkley، ومكونوفی McConaughy (1992) 

-قائمة المشكلات السلوكية .

-إستبيان الأعراض المرضية من وجهة نظر الوالدين.

-قائمة لويسفيل للسلوك.

-قائمة السلوك التي أعدها معهد بحوث الجانحين.

-مقياس الشخصية للأطفال

  ومن ناحية أخرى يلعب تقييم المعلم هو الآخر لسلوك الطفل دوراً هاما في تحديد إختلال الأداء الوظيفي خلال مرحلة الطفولة، إذ يقوم المعلم بملاحظة الأطفال لفترات طويلة وخلال مدى كبير من المواقف كالأنشطة اللامنهجية، والمواقف الأكاديمية والاجتماعية والترفيهية على سبيل المثال. وعلاوة على ذلك يمكن للمعلم أن يقوم بتقييم الأطفال في ضوء مستويات أقرانهم، ومن ثم فإن درجة إنحراف طفل معين عن أقرانه كما يلاحظها المعلم تعد بمثابة منظور أو وجهة نظر لا تتوفر للوالدين. وعادة لا تختلف أدوات القياس التي يتم إعدادها للمعلمين والوالدين في بنيتها أو شكلها، كما نجد في الواقع أن العديد من هذه المقايس مثل قائمة المشكلات السلوكية يتم

الصفحة 90                                                                                                                                                                                                                                                 

تطبيقها على الوالدين والمعلمين وغيرهم من الراشدين كالمعالجين على سبيل المثال. أما بالنسبة للمقاييس الأخرى فيوجد منها نسخ متكافئة للمعلمين وأخرى للوالدين. ومن أمثلة هذه المقاييس ما يلى:

-استمارة تقرير المعلم على مقياس قائمة السلوك للأطفال .

-إستبيان كونرز للمعلمين .

-قائمة السلوك المدرسي.

ومن الملاحظ أن جميع هذه المقاييس تكافئ النسخ التي ذكرناها سلفا والتي يتم تطبيقها على الوالدين.

  وتعتبر مقاييس التقدير للوالدين والمعلمين كأحد الأساليب المتبعة في التقييم من بين المقاييس التي يتم استخدامها على نطاق واسع، وتشتق قيمتها من تمثيلها لمدى متسع من الأعراض المرضية في الجوانب المختلفة، ومن سهولة تطبيقها. كذلك فإنه يتم من خلال استخدام تلك المقاييس الحصول على بيانات على قدر معقول من الأهمية، كما أنها ذات خصائص سيكومترية تدفع إلى استخدامها حيث تتسم بقدر معقول من الصدق والثبات. ومن ناحية أخرى توجد بيانات معيارية بالنسبة للعديد من المقاييس تسمح بإجراء المقارنات بين عينات مرضية وأخرى من الأسوياء أو العاديين وبين مختلف الأعراض المرضية في الجوانب المختلفة كدالة للعمر الزمنى والجنس والطبقة الاجتماعية، وغيرها من المتغيرات الديموجرافية الأخرى.

  وسوف نعرض خلال الصفحات التالية لأهم المقاييس المستخدمة للأطفال والمراهقين وذلك لتقدير وقياس السلوكيات المضادة للمجتمع بشيء من التفصيل على النحو التالي :

اولا : التقارير الذاتية: 

-مقياس الميل للسلوك عند الأطفال

الصفحة 91                                                                                                                                                                                                                                                  

أعد هذا المقياس ديلوتي (1979) Deluty، ويتألف من ثلاثين عباره ذات إختيار محدود يختار الطفل من بينها ما يفعله في المواقف الاجتماعية. ويتم تطبيقه على المفحوصين في المدى العمرى 6 - 15 سنة، وتعطى الدرجات للأبعاد المتضمنة في المقياس والتي تضم العدوانية، والتوكيدية، والخنوع.

-قائمة السلوك المضاد للمجتمع كتقرير ذاتي للمراهقين:

وقد أعدها كوليك وآخرون (1968) Kuli et al، وتتألف من اثنتين وخمسين عبارة على مقياس متدرج من خمس نقاط تتراوح بين (أبدا) إلى (كثيرا جدا) يختار المفحوص أحدها. ويتم تطبيقه على المراهقين أي خلال المدى الزمني المرحلة المراهقة. ويتضمن المقياس مدى متسعاً من السلوكيات تتراوح بين سوء السلوك ذى المستوى المتوسط إلى الأفعال الخطيرة المضادة للمجتمع. وتتشبع عبارات هذا المقياس على أربعة عوامل هي :

أ - الجنوح وإنتهاك القانون.

ب - إساءة استخدام العقاقير .

ج - تحدى السلطة الوالدية .

د - التهجم على الآخرين والإنقضاض عليهم واغتصاب حقوقهم.

-مقياس التقرير الذاتي للجنوح: وقد أعده إليوت وآخرون (1978) Elliott et al ، ويتألف من سبع وأربعين عبارة تقيس الجنوح وإنتهاك القانون الذي يقوم الفرد بمقتضاه بإرتكاب مختلف الجنح. وتشير إستجابات المفحوصين على المقياس إلى مدى تكرار مثل هذا السلوك من جانبهم خلال السنة السابقة للتطبيق. ويتم تطبيق هذا المقياس على المفحوصين في المدى العمري 11 - 21 سنة. وقد تم تصميم المقاييس الفرعية المتضمنة في المقياس كجزء من مسح قومي أجرى على الشباب بالولايات المتحدة الأمريكية تم بمقتضاه

الصفحة 92                                                                                                                                                                                                                                                  

إجراء دراسة طولية تتناول السلوك الجانح وتعاطى الكحوليات، وإساءة استخدام العقاقير، والمشكلات السلوكية المرتبطة بهؤلاء الشباب .

-إختار مينسوتا للشخصية المتعدد الأوجه :

وأعده ليفكاوتز وآخرون (1967) Lefkowitz et.al، وقد اشتقت عباراته التي تقوم الاستجابة عليها على تحديد المفحوص لما إذا كانت العبارة تنطبق عليه أم لا وذلك من مقاييس الأنوثة، والإنحراف السيكوباتي، والهوس. ويتم جمع درجات المفحوص في كل منها لتعطى درجة كلية عن العدوانية والجنوح. وبعد هذا المقياس جزءاً من مقياس أكثر شيوعاً يقيس جوانب متعددة من الإضطرابات النفسية (السيكوباثولوجية). ويتم تطبيق هذا المقياس على المفحوصين في مرحلة المراهقة .

-مقابلة العدوان :

وهي تلك المقابلة التي أعدها كاردين وإسفلدت - داوسون (1976) Esveldt – Dawson & Kazdin ، والتي تتألف من ثلاثين عبارة تقيس العدوان من جانب الطفل كالدخول في عراك مع الآخرين مثلاً أو البدء بالنزاع. وهناك مقياس متدرج من خمس نقاط لتقدير مدى حدة العدوان، وآخر من ثلاث نقاط لتقدير مدة دوام هذا العدوان. ومن ثم يعطى هذا المقياس درجة الحدة العدوان ودرجة أخرى لمدة دوامه ودرجة كلية (تضم كلاً من حدة العدوان ومدته). كما أنه يقيس السلوكيات الظاهرة وغير الظاهرة، ويتم تطبيقه على المفحوصين في المدى العمرى من 6 - 13 سنة. وتوجد نسختان من هذا المقياس، إحداهما تطبق على الأطفال وهي التي عرضنا لها هنا، أما الثانية فتطبق على الوالدين لتقدير السلوك العدواني للطفل.

مقياس العدوانية للأطفال :

وقد أعده كاردين وآخرون (1978) Kazdin et al، ويتألف من ثمان

الصفحة 93                                                                                                                                                                                                                                                  

وثلاثين عبارة تقيس جوانب مختلفة من العدوان والعدوانية لدى الأطفال يختار المفحوص منها بين تنطبق) و لا تنطبق). وقد تم إشتقاق هذا المقياس في الأصل من مقياس بوس دوركي للشعور بالذنب المرتبط بالعدوانية . وتمثل المقاييس الفرعية لهذا المقياس عوامل ترتبط بالأفعال الظاهرة كالعدوان والأفكار والمشاعر العدائية. ويطبق هذا المقياس على المفحوصين في المدى العمرى 6 - 13 سنة، وتوجد منه نسختان إحداهما للأطفال وهى تلك التي عرضا لها هنا، أما الأخرى فتطبق على الوالدين لتقدير السلوك العدواني لطفلهما .

ثانيا : تقارير الآخرين ذوى الأهمية للطفل:

ومن أهم المقاييس المستخدمة فيها ما يلى:

-مقياس أيبرح السلوك الطفل:

وأعده آيبرج وروبنسون (1973) Eyberg & Robinson، ويتكون من ست وثلاثين عبارة على مقياس متدرج من سبع نقاط لتقدير مدى تكرار السلوك ومعرفة ما إذا كان ذلك السلوك يمثل مشكلة أم لا. ويطبق هذا المقياس على المفحوصين من من سنتين وحتى سبع عشرة سنة. ومن الجدير بالذكر أنه قد تم تصميم هذا المقياس في الأساس لقياس وتقدير مدى كبير من المشكلات السلوكية في المنزل.

-مقياس سوتر - آيبرج السلوك التلاميذ :

وقد أعده كل من فوندربونك وآيبرج (1979) Funderbunk & Eyberg لقياس مدى من الأنماط السلوكية التي تعد بمثابة مشكلات في المدرسة ويطبق على المفحوصين من من عامين وحتى السابعة عشرة من العمر. ويتألف المقياس من ست وثلاثين عبارة تتشابه في تكوينها مع عبارات مقياس ايبرج لسلوك الطفل وإن كانت تختلف عنها في المحتوى.

الصفحة 94                                                                                                                                                                                                                                                  

-مقياس تقدير الأقران للعدوان:

وأعده ليفكاوتز وآخرون (1988) Lefkowitz et al، ويضم عبارات تطلب من الأطفال أن يقوموا بتقييم الآخرين الذين يبدون سمات معينة كأولئك الذين يبدأون بالعراك أو الشجار دون سبب ويطبق على المفحوصين منذ الصف الثالث وحتى الصف الثالث عشر. وتعكس تلك العبارات سمعة الطفل بين أقرانه فيما يتعلق بالسمة المقصودة وهي العدوان. وهناك عدة نسخ متكافئة من تقييم الأقران يتم إستخدامها في هذا الصدد.

ثالثا : الملاحظة المباشرة:

ومن أهم المقاييس المستخدمة فيها ما يلى:

-قائمة سلوك المراهقين المضاد للمجتمع

وأعدها كورتس وآخرون (1983) Curiss et al، وتضم سبعاً وخمسين عبارة لتقدير وقياس السلوك المضاد للمجتمع أثناء الإقامة في المستشفى. ويتم تقدير السلوك من جانب المعالجين بالمستشفى على أنه يتكرر من النزيل أم لا . ويطبق هذا المقياس على المراهقين، ويمكن إعطاء الدرجات للعارات المتضمنة باستخدام مجموعة مختلفة من المقاييس الفرعية. وتركز إحدى هذه المجموعات على نمط المشكلة كان تعمل على إلحاق الأذى الجسمى في مقابل الأذى اللفظى على سبيل المثال، في حين تركز مجموعة أخرى على موضوعات العدوان كان يكون موجها ضد الذات، أو الآخرين، أو الممتلكات على سبيل المثال. وهناك عدة نسخ من هذا المقياس يمكن استخدامها ولكنها تختلف في طريقة تقدير الدرجات .

الصفحة 95                                                                                                                                                                                                                                                  

-مقياس نسق التفاعلات الأسرية

وقد أعده ريد (1987) Reid ويعد بمثابة نسق لتقدير مدى حدوث أو عدم حدوث تسعة وعشرين نمطا سلوكيا معينا من التفاعلات بين الوالد والطفل ويقوم هذا النسق على الملاحظة المباشرة ويتم تقدير درجة لكل نمط سلوكي خلال فترات زمنية قصيرة تستمر كل منها لمدة ساعة واحدة يوميا (ملاحظة) وذلك لعدة أيام. ويتم تطبيق هذا المقياس على الأطفال من سن الثالثة وحتى الثانية عشرة من العمر. ومن الجدير بالذكر أنه تتم ملاحظة كل غمط سلوكي من الأنماط المتضمنة بشكل مستقل، وعادة ما يتم إعطاء صورة عن هذا النمط السلوكي أو ذاك وذلك بإعطاء درجة كلية للمفحوص فيه، مع إعطاء درجة كلية للسلوك البغيض. ويمكن إتباع هذا الإجراء العام مع بعض أو كل الأنماط السلوكية المتضمنة في المقياس .

-مقياس التقرير اليومي للوالدين

وأعده تشامبرلین ورید (1987) Chamberlain & Reid، ويقوم خلاله الوالدان بتحديد أعراض السلوك المضاد للمجتمع. وبعد تحديد الأعراض يتم الإتصال بالوالد على مدى عدة أيام ويطلب منه في كل مرة أن يحدد ما إذا كان كل غمط سلوكي قام هو بتحديده من قبل قد حدث أم لا خلال الأربع والعشرين ساعة السابقة. ويطبق هذا المقياس على الأطفال من سن الثالثة وحتى الثانية عشرة من العمر. إلا أن هذا المقياس لا يعكس مجموعة معيارية من العبارات ولكنها تشير بدلاً من ذلك إلى اتجاه تقييمي لجمع البيانات عن سلوكيات الطفل في المنزل .

بعض القضايا الهامة في دراسات الإضطراب السلوكي وأوجه القصور بها

وهناك عدد من تلك القضايا الأساسية وأوجه القصور تحتاج إلى مزيد من الإنتباه إليها، ومن بينها ما يلي :

الصفحة 96                                                                                                                                                                                                                                                  

1 - تحديد الإضطراب السلوكي

  شهد تشخيص الإضطراب السلوكي بصفة خاصة وغيره من الإضطرابات بشكل عام العديد من التطورات. فنجد على سبيل المثال في الطبعة الرابعة من دليل التصنيف التشخيصي والإحصائي للأمراض والإضطرابات النفسية والعقلية DSM - 17 أنه قد تم تحديد محكات التشخيص بشكل أفضل مما هي عليه في الطبعات السابقة. ومع ذلك فلا يزال هناك نقص في المحكات الإجرائية لتحديد إستراتيجيات قياس معينة، والدرجات الفاصلة لتحديد المجموعات التشخيصية. وبذلك لم يتحدد بشكل دقيق كيف نقيس الإضطراب السلوكي إذ أنه على الرغم من استخدام المقابلات التشخيصية بغرض الوصول إلى تشخيصات رسمية محددة فإن النقطة التي يتم عندها تحديد المشكلة السلوكية على أنها تمثل عرضا مرضياً لم يتم التثبت منها جيداً باستخدام محكات معينة .

  ومن ناحية أخرى نلاحظ في البحوث المعاصرة أن تحديد الإضطراب السلوكي يعد أمراً متضارباً ويتعارض أحيانًا مع ما يعلن من آراء، إذ نجد على سبيل المثال أن الدرجات المرتفعة نسبيا على مقاييس تقديرية معينة يتم تطبيقها على الآباء مثل نسخة قائمة السلوك للأطفال CBCL المعدة للوالدين والتشخيص الإكلينيكي الذي يتم التوصل إليه بشكل غير رسمى أثر تطبيق مقابلة منظمة أو من مراجعة السجلات الخاصة بالمؤسسات الاجتماعية والإحالات التي تتم من جانب المعلمين للأطفال الذين يعد سلوكهم مشكلاً، والإستجابات الوالدية للإعلانات التي تتعلق بإجراء المقابلات على أطفالهم غير القابلين للترويض نجد أن كل هذه الإجراءات أو الوسائل تستخدم في تحديد الأطفال ذوى الإضطرابات السلوكية. ومن المحتمل أن تنطبق على بعض الأطفال الذين يتم إختيارهم في ضوء أي من هذه الإجراءات المحكات التشخيصية للإضطراب السلوكي كتلك المحكات الواردة في دليل التصنيف التشخيصي والإحصائي للأمراض والإضطرابات النفسية والعقلية في طبعته الرابعة DSM - 17.

الصفحة 97                                                                                                                                                                                                                                                  

ومن ناحية أخرى فإنه حتى لو انطبقت المحكات التشخيصية للإضطراب السلوكي على كل الأطفال الذين يمثلون عينة معينة فإن هذا في حد ذاته لا يعنى أن مثل هذه العينة تعتبر متجانسة. ويرجع ذلك إلى أن تشخيص الحالة على أنها مضطربة سلوكيا يتطلب توفر عدد قليل فقط من الأعراض المرضية حيث يتطلب توفر ثلاثة أعراض فقط من بين مجموعة أكبر من الأعراض. وقد يختلف الأفراد المضطربون سلوكيا في الأعراض التي تبدو عليهم مما يؤدى إلى أنه في الوقت الذي قد يتم فيه تشخيص حالة أو اثنتين من تلك الحالات بنفس التشخيص فإنه قد تبدو عليهما مجموعتان غير متداخلتين من الأعراض. ومن ثم فإذا كان التشخيص بعد أمراً ضرورياً حتى تبدأ عملية البحث ونتناول مثل هذه الأمور سالفة الذكر فإنه تظل هناك أسئلة جوهرية تحتاج إلى التناول والمعالجة.

  كذلك فقد ذكرنا من قبل أن هناك تداخلاً في التشخيص بين الإضطراب السلوكي وإضطراب العناد والتحدى وإضطراب النشاط الزائد المصحوب بقصور الإنتباه، وهذا بطبيعة الحال يؤكد بدرجة أكبر على الحاجة إلى النظر للنسق المستخدم والشائع على أنه غير نهائي. ومن الجدير بالذكر أن أهمية القياس الدقيق للأفراد والمدى الكامل لسماتهم الإنفعالية والسلوكية تتأكد من خلال مشكلات التشخيص. ويوفر القياس الدقيق الأساس لتطوير الأسلوب أو الطريقة الأكثر فائدة لتحديد الأنماط المختلفة للأعراض المرضية. إلا أنه في غالبية الدراسات التي تناولت السلوك المضاد للمجتمع لم تسمح إجراءات القياس المستخدمة بالتحديد الدقيق للعينة نظراً للتداخل في التشخيص الذي أشرنا إليه سلما. ومن ثم لم يكن من السهل تحديد ما إذا كانت السلوكيات المضادة للمجتمع كمشكلة قائمة بالفعل متوسطة، أو حادة، أو أولية، أو تحديد ما إذا كان أفراد العينة من الأطفال رائدى النشاط يمثلون إزعاجا للمعلمين أو للوالدين أو لكليهما. ويعمل مثل هذا التحديد الغامض والمتضارب للعينات المستخدمة في البحث الإكلينيكي على أن يصبح من الصعب معرفة السمات الخاصة بعينة معينة، كما يجعل مقارنة العينات المستخدمة في الدراسات المختلفة أمراً صعبا أيضا.

الصفحة 98                                                                                                                                                                                                                                                  

  وعلى هذا يبدو من المهم أن نقوم بتطوير محكات إضافية يمكن استخدامها في تعريف وتحديد الإضطراب السلوكي وتحديد الطريقة التي يمكن بمقتضاها تقييم مثل هذه المحكات. ولتحقيق المزيد من التطور فإن الحاجة يجب ألا تقتصر فقط على الإتفاق على العديد من الأسئلة المعقدة كالأنماط الفرعية للإضطراب السلوكي، وتنظيم أنماط الأعراض المرضية على سبيل المثال، ولكن يمكن بدلاً من ذلك الاستفادة بمثل هذه الأسئلة بشكل أفضل عن طريق محاولات استخدام مقاييس معيارية ومحكات واضحة وأكثر تحديداً لاختيار العينات في البحوث المستقبلية .

2 - مدى الارتباط بين المقاييس المختلفة 

  يری کاردین (1994) Kazdin ، وأكيبانش وآخرون (1978) .Achenbach et al أنا نلاحظ بصفة عامة أن العديد من المقاييس التي تتناول سلوك الطفل كتلك التي يتم تطبيقها على المعلمين أو الوالدين، أو مقاييس التقرير الذاتي، أو الملاحظة المباشرة قد لا يبدو بينها أي ارتباط على الإطلاق، أو قد يبدو لنا وجود قدر ضئيل فقط من الارتباط. فعلى سبيل المثال يوجد قدر ضئيل من الإتفاق أو قد لا يوجد إتفاق على الإطلاق بين تقارير الوالدين وتقارير الأطفال أنفسهم عندما نطبق على كل منهما مقياساً مشابها لتقييم سلوك الطفل المضاد للمجتمع أو غير ذلك من اختلالات الأداء الوظيفي. ومن غير المحتمل أن يدرك الأطفال العديد من السلوكيات وخاصة السلوكيات المصادة للمجتمع كإشعال الحرائق، والسرقة، والهروب من المنزل، وعدم الإلتزام بالقواعد المدرسية، ومحاولة قتل شخص ما على سبيل المثال على أنها مشكلة وذلك على العكس من إدراك والديهم لها. وبوجه عام نجد أن هناك إنخفاض في نسبة الإتفاق بين المصادر المختلفة للمعلومات كالأم أو الأب أو الطفل على سبيل المثال، ووجهات النظر المختلفة كوجهات نظر الوالدين أو المعلمين أو العاملين في مجال الصحة النفسية، وأغاط السلوك كأن يكون السلوك ذاتيا في مقابل الإشارات العلنية الظاهرة .

الصفحة 99                                                                                                                                                                                                                                                   

  ویری کاردین (1994) Kazdin أن الأساليب المختلفة للتقييم والقياس تتأثر بالعديد من العوامل عند استخدامها لقياس السلوكيات موضع الاهتمام مما يجعل القياس يتم بشكل غير تام فنلاحظ على سبيل المثال أن النتائج التي يتم التوصل إليها من تقارير الوالدين عن سلوك طفلهما المنحرف تعتمد على حالة التوتر والضغوط التي يعيشها الوالد والأعراض السيكوباثولوجية التي يعاني منها (وخاصة الإكتئاب والقلق)، ومدى التوافق الزواجي وتوقعاته عن سلوك الطفل، وتقدير الوالد لذاته ومدى الضغوط والتوترات في المنزل كما يقرر الوالد. ومن الملاحظ أن التوتر والضغوط الزائدة للوالد وإختلال أدائه الوظيفي يرتبطان بتقديره للطفل على أنه أكثر إنحرافا. وبالتالي فإن الدرجات التي يعكسها مقياس التقدير الذى يتم تطبيقه على الوالدين يقيس جزئياً إختلال الأداء الوظيفي لديهما بالإضافة إلى اختلال الأداء الوظيفي لطفلهما. وهذا بطبيعة الحال لا يخالف أو يناقض القيمة التنبؤية للمقاييس والقيمة الدالة على الإتفاق الخاصة بها، ولكنه في الوقت ذاته يقوى التفسير الذي تعكسه ويدعمه .

  ولا يوجد في الوقت الحالي أسلوب بسيط لتحديد أى المقاييس هو الذي يعكس الأداء الحقيقى للطفل. كما أن نقص المحكات الموضوعية التي يمكن بمقتضاها تقييم مختلف المقاييس يجعل من الصعب تقييم أسلوب معين للقياس. هذا وقد جرت بعض المحاولات للتحقق من صدق مقاييس مختلفة في مقابل الملاحظة المباشرة للسلوك الظاهري، إلا أن التناقضات بين تقارير الوالدين أو المعلمين ومقاييس السلوك الظاهرى تعتبر شائعة. ومع ذلك فإن الملاحظة المباشرة تثير العديد من المشكلات في هذا الصدد حيث لا يتم دائماً عمل تصنيف على نطاق واسع للسلوكيات أو المواقف، كما أن نظام التشفير المطبق في تلك المقاييس لا يعكس مدى أهمية أو مغزى العرض المرضى، فإذا ما نظرنا إلى بعض السلوكيات كإشعال الحرائق أو السرقة على سبيل المثال نلاحظ أن معدل تكرارها يكون منخفضاً في حين ترتفع درجة أهمية أو مغزى مثل هذا السلوك. وعلى الرغم من أن الملاحظة المباشرة قد تمدنا بمحكات واضحة وملموسة في إطار تحديد

الصفحة 100                                                                                                                                                                                                                                                 

درجات معينة للسلوك فإنه لا يوجد أى مقياس أو أسلوب للقياس يمدنا بمحك لا عيب أو نقص فيه يمكن بمقتضاه التأكد من صدق غيره من المقاييس وذلك عن طريق استخدامه كمحك خارجي لغيره من تلك المقاييس. ونتيجة لذلك يتم استخدام مقاييس متعددة لتحديد أوجه مختلفة ووجهات نظر متعددة في التقييم الإكلينيكي وفي البحث في الإضطراب السلوكي.

تعليق عام

  من الجدير بالذكر أن هناك قدراً كبيراً من الغموض يتضح في كل من تشخيص وتقييم الإضطراب السلوكي. ويعد التداخل بين تشخيصات عدة مثل الإضطراب السلوكي وإضطراب النشاط الزائد المصحوب بقصور الإنتباه، إضافة إلى النقص الكبير في المحكات الإجرائية من الأمور ذات الأهمية التي يجب أن نضعها في إعتبارنا عند تناولنا للإضطراب السلوكي. كذلك فإن استخدام أساليب متعددة للتقييم وما يمكن أن تكشف عنه من نتائج مختلفة فيما يتعلق بالسمات الخاصة بطفل معين تثير هي الأخرى الكثير من الغموض ومن ناحية أخرى تعمل التقديرات التي نحصل عليها من المصادر المختلفة كالطفل، والوالدين، والمعلمين على سبيل المثال على تزويدنا بمعلومات صادقة قياساً بمحكات أخرى. ومع ذلك يوجد قدر ضئيل من الارتباط بين كل مصدر من هذه المصادر وغيره منها . ولا يوجد في الوقت الراهن أى مقياس موضوعى للإضطراب السلوكي يخلو من بعض مصادر التحيز، أو التصنع أو الحكم. ويعد استخدام العديد من المقاييس المختلفة أمراً ضرورياً للتغلب على أوجه القصور الخاصة بأى أسلوب للقياس أو أي مقياس معين .

  ومع أننا قد ركزنا خلال هذا الفصل إضافة إلى الإضطراب السلوكي على تقييم السلوك المضاد للمجتمع والمقاييس المتعددة التي يمكن استخدامها لهذا الغرض فإن الإضطراب السلوكي للأطفال والمراهقين يرتبط بمدى كبير من السمات الأخرى التي يمكن أن تكون موضع اهتمام وذلك لتحقيق أغراض معينة ترتبط

الصفحة 101                                                                                                                                                                                                                                                 

بالتقييم، فنجد على سبيل المثال أن مقاييس العمليات المعرفية، والقدرات الاجتماعية والأداء الأكاديمي لعينات من الأفراد ذوى المشكلات السلوكية تكشف عن جوانب أو مجالات واضحة للإضطراب تتبادر إلى الذهن. وقد يكون سلوك الطفل في تلك الجوانب أو المجالات وفي غيرها من المجالات التي ترتبط بها على نفس درجة الأهمية وعلى نفس درجة اختلال الأداء الوظيفي كالسلوك المضاد للمجتمع والذي يكون هو الأساس الذي يتم بمقتضاه تحويل الطفل للعلاج. وبنفس الطريقة نجد أنه بسبب الإرتباط القوى للمتغيرات الأسرية بالسلوك المضاد للمجتمع خلال مرحلة الطفولة فإن مقاييس التوافق الزواجي وسيكوباثولوجيا الوالدين، وأحداث الحياة ترتبط هي الأخرى بالإضطراب. وبسبب عمومية إختلال الأداء الوظيفي لكل من الطفل والوالدين والأسرة في الحالات الشديدة من السلوك المضاد للمجتمع يصبح من الصعب علينا أن نحدد المقاييس التي يمكن أن ترتبط بهذا السلوك في إطار مجموعة محددة من المقاييس.

ملخص واستنتاجات

  يتناول الفصل الحالي المحكات المستخدمة في تشخيص الإضطراب السلوكي كتلك المحكات التي تتضمنها الطبعة الرابعة من دليل التصنيف التشخيصي والإحصائي للأمراض والإضطرابات النفسية والعقلية DSM - 17 الصادرة عام 1994 ، إضافة إلى إضطرابات أخرى تظهر فيها السلوكيات المضادة للمجتمع کا عراض مرضية. ومن الممكن بالنسبة لتلك المحكات كنسق محدد أن تتغير مع مرور الزمن وأن تخضع للمراجعة المستمرة وهو ما حدث بالفعل مع الأنساق المستخدمة في هذا الصدد. ومن ناحية أخرى تختلف هذه المحكات من نسق إلى آخر كأنساق مستقلة تستخدم في ذات الوقت أي في نفس الفترة الزمنية كما هو الحال بالنسبة للطبعة الرابعة من دليل التصنيف التشخيصي والإحصائي للأمراض والإضطرابات النفسية والعقلية DSM - 17 في مقابل التصنيف الدولي العاشر للأمراض 10 - ICD وهو ما يعنى ضرورة النظر إلى مثل هذه المحكات على أنها

الصفحة 102                                                                                                                                                                                                                                                 

غير نهائية. كذلك فقد تعرضنا أيضاً في هذا الفصل إلى أنماط من المشكلات السلوكية حيث تختلف تلك الأنماط وتتغير كدالة للجنس البيولوجي للفرد وعمره الزمني.

  وتمثل البحوث التي يتم إجراؤها لتحديد أنماط فرعية للمشكلات السلوكية وسيلة لوضع أنساق معينة للأفراد غير المتجانسين بدرجة كبيرة والذين يرتكبون مثل هذه السلوكيات أو المشكلات السلوكية. وتفترض الخطوط الأساسية في هذه البحوث وجود أنماط فرعية تبنى على السلوك العدواني والسلوك الجانح، وأخرى على العدوانيين واللصوص، وثالثة على السلوك الظاهر وغير الظاهر، ورابعة على بداية ظهور الأعراض المرضية على الطفل والمراهق. وربما يكن أفضل تصنيف مقترح هو ذلك التصنيف الذي يميز بين الأنماط العدوانية والأنماط الحائحة. ومع ذلك فكما رأينا ربما تتضمن مثل هذه الأنماط أنماطا أحرى أيضا إذ نجد على سبيل المثال أن النمط العدواني يتضمن مشكلات سلوك ظاهرة من الأكثر إحتمالا أن تكون بداية حدوثها قد تمت خلال مرحلة الطفولة. ومن الواضح أن التجانس التام بين تلك الأنماط الفرعية لا يزال غير متوفر بالقدر الكافي مما يدل على أن البحث في هذا المجال لا يزال في مرحلة مبكرة وهو ما يستوجب إجراء المزيد من الدراسات والتحقق من صدق تلك النتائج.

  ويعتمد تقييم السلوك المضاد للمجتمع على عدد من المقاييس تتضمن المقابلات والتقارير الداتية وتقديرات الوالدين أو المعلمين أو الأقران والملاحظة المباشرة، والسجلات الخاصة بالمؤسسات الحكومية. وقد تم بشكل مقتضب تحديد أنواع البيانات والمعلومات التي يمكن أن تزودنا بها مثل هذه المقاييس، وكذا المشكلات التي يمكن أن تثار من جراء تفسير تلك المعلومات وما يتم التوصل إليه في ضوئها من نتائج.

  ويعتبر التشخيص والتقييم من الأمور الجوهرية في البحث والتي تم تصميمها وتطويرها حتى نتمكن من فهم طبيعة السلوك المضاد للمجتمع، وأسبابه

الصفحة 103                                                                                                                                                                                                                                                 

والمتلازمات المرتبطة به ومضماره الإكلينيكي. وقد نالت المقاييس التي يتم تطبيقها على مختلف الإضطرابات في مرحلتى الطفولة والمراهقة قسطا كبيراً من الاهتمام علما بأن مثل هذه المقاييس قد تم تصميمها بشكل جيد. وفي المقابل تبقى هناك حاجة لتصميم وتطوير مقاييس تركز على مدى واسع من السلوكيات المضادة للمجتمع بحيث يمكن لها أن تمحص تلك الأنماط السلوكية. وربما يؤدى ذلك بنا إلى تعيين أنماط فرعية للسلوك المضاد للمجتمع تكون لها دلالاتها الهامة التي تساعدنا في الكشف المبكر عن هذا السلوك، وفى الوقاية منه، وفي تطوير العلاج المناسب له ...

الصفحة 104               



الفصل الثالث:اختلال الأداء الوظيفي



العوامل المساعدة.البداية.مضمار التطور

  من الجدير بالذكر أن الإضطراب السلوكى لا يظهر من تلقاء نفسه ولا يكون طهوره عشوائيا فى أى عينة عير مختارة من الأفراد في أي مجتمع. ومن ثم يغدو هناك سؤال يجدبنا إليه في الحال يتمثل فيما يلى :

ما هو سبب الإضطراب السلوكي ؟

  وفي الواقع مجد أن هذا السؤال يحمل في طياته نمطا بسيطا بعض الشيء من التفكير حول تلك المشكلة، فالبحوث الراهنة لم تجر بغرض البحث عن سبب بسيط أو سب وحيد للإضطراب السلوكي إذ أن مدى تعقد السلوك الإنساني وإتساع نطاق التأثير عليه حيث يتأثر بالعديد من الجوانب منها على سبيل المثال الجانب البيولوجي والجانب النفسي والجانب الاجتماعي، وإختلاف الأنماط السلوكية التي يشملها الإضطراب السلوكي يحول دون تقديم إجابات بسيطة لتلك المشكلة .

  وتميل تلك البحوث الراهنة إلى التركيز على العوامل التي تؤثر على إحتمال الوصول إلى نتيجة معينة قد تتمثل في الإضطراب السلوكي على سبيل المثال. وبدلاً من أن تؤدى هذه العوامل إلى نتيجة معينة بأسلوب معين فإنها تعمل على زيادة أو نقص إحتمال حدوث هذه النتيجة. وفى ضوء هذه النظرة نلاحظ أنه لا يمكن أن يؤدى حدث وحيد إلى حدوث ذلك الإضطراب السلوكي، بل إن هناك طرقا وأساليباً متعددة ومؤثرات عديدة أيضاً هي التي يمكنها أن تؤدى إلى

الصفحة 107                                                                                                                       

حدوث تلك النتيجة. وفى هذا الإطار توجد بعض المفاهيم التي تستحق الذكر والدراسة حيث تعكس كيفية التأثير على النتائج التي من بينها الإضطراب السلوكي.

  وتتمثل العوامل المساعدة على حدوث الإضطراب السلوكي في السمات، والأحداث، والعمليات التي تزيد من إحتمال بداية المشكلة أو إختلال التوازن الذي يتمثل في الإضطراب السلوكي. ونحن بالفعل على علم ودراية بالعوامل المساعدة بوجه عام لأننا قد تناولناها بالمناقشة مع الوسائل والوسائط المتعددة والمختلفة في مختلف السياقات والتي قد تؤدى إلى الإضطراب. فنحن تعلم على سبيل المثال أن إرتفاع نسبة الكلوسترول في الدم، ونمط الحياة الذي يعتمد على الجلوس معظم الوقت والتدخين وزيادة التعرض للضغوط تزيد من إحتمال حدوث أمراض القلب. وهناك فكرة ترتبط بمثل هذه العوامل المساعدة هی سرعة التأثر والقابلية للإصابة أو الحساسية لنتائج معينة . فمهما تعمل العوامل تعمل المساعدة إلى جانب ذلك فإنها تجعل الفرد أكثر قابلية للتعرض للإضطراب وأكثر حساسية لتلك العوامل. فسرعة التأثر أو القابلية تستتبع كنتيجة حتمية إنخفاض القدرة على تجنب المؤثرات الأخرى.

  وتشير العوامل الوقائية إلى السمات والأحداث والعمليات التي تقلل من أثر العوامل المساعدة. فربما يتعرض الأفراد المجموعة من العوامل المساعدة بينما قد تخفف أو تقلل مؤثرات أخرى من تأثير تلك العوامل المساعدة. وسوف تتركز مناقشة العوامل المساعدة على مفهوم المرونة أو القدرة على الرجوع للحالة الأصلية والتي تمثل المفهوم المضاد لسرعة التأثر بتلك العوامل أو قابلية الإصابة. وتشير المرونة أو القدرة على الرجوع للحالة الأصلية إلى القدرة على التكيف بشكل إيجابي في مواجهة المؤثرات الخطيرة. وتركز المحاولات المبذولة لفهم تطور إختلال التوازن على العوامل المساعدة على حدوثه والعوامل التي تساعد على الوقاية منه، وهو الأمر الذي نال جل الإهتمام فيما يتعلق باختلال الأداء الوظيفي بوجه عام لكل من الطفل والمراهق.

الصفحة 108                                                                                                                       

العوامل المساعدة على حدوث الإضطراب السلوكي

  خضعت العوامل التي تؤدى إلى تعرض الأطفال والمراهقين للإضطرابات السلوكية إلى الدراسة بشكل موسع في سياق الإحالات الإكلينيكية والجانحين الأحداث الذين صدر بحقهم حكم قضائي. وهناك دراسات عديدة في هذا المجال منها على سبيل المثال دراسات هينجلر (1989) Henggeler، وروبنز وروتر (1990) Robins & Rutter وباترسون وآخرين (1992). Patterson et. al. وهناك قائمة طويلة تضم مثل هذه العوامل، إلا أن الفئات الأساسية في تلك

القائمة تضم ما يلى:

أ - عوامل ترجع إلى الطفل.

ب - عوامل ترجع إلى الوالدين والأسرة.

ج - عوامل ترجع إلى المدرسة.

وسوف نتناول هذه العوامل على النحو التالي :

أولاً : عوامل ترجع إلى الطفل

 وهناك العديد من هذه العوامل والتي يمكن أن نعرض لها في تلك النقاط التالية :

1 - الحالة المزاجية للطفل

  يشير المزاج إلى الجوانب السائدة في الشخصية والتي تظهر بعض الثبات أو الإتساق عبر المواقف المختلفة وعبر الزمن. وبعد أساس تلك السمات وراثيا أو بنيويا، وهي فكرة ترجع جزئياً إلى حقيقة أن الفروق يمكن تحديدها بين الأطفال في وقت مبكر من حياتهم. وغالبا ما ترتكز الفروق بين الأطفال في المزاج على بعض السمات مثل مستويات النشاط والإستجابات الإنفعالية، ونوعية الطباع ، والقابلية للتكيف الاجتماعي. فعلى سبيل المثال يرى بلومين (1983) Plomin أن أحد أبعاد المزاج والذي يستخدم في التمييز بين الأطفال هو

الصفحة 109                                                                                                                       

بعد السلامة والصعوبة في التعامل . فالأطفال الذين يتسمون بالسلاسة يتسمون بالطبع الإيجابي، والتوجه نحو المثيرات الجديدة، وقابلية التكيف للتغير، وإنخفاض مستوى الحدة في ردود أفعالهم للمثيرات الجديدة في حين نجد أن الأطفال الذين يتسمون بصعوبة التعامل معهم يبدون أنماطا عكسية لتلك السمات التي ذكرناها، ويكون من المحتمل بالنسبة لهم أن يظهروا مشكلات سلوكية بشكل متزامن أو أن تتطور لديهم هذه المشكلات فيما بعد كما يرى ريتما - ستريت وآخرون (1985) Reitsma - Street et. al . ومن الأكثر إحتمالا بالنسبة لمثل هؤلاء الأطفال أيضا أن تتم إحالتهم للعلاج من السلوك العدواني ونوبات الغضب .

2 - المشكلات وأوجه القصور النفس عصبية

  تشير المشكلات وأوجه القصور النفس عصبية إلى الجوانب المختلفة من الأداء الوظيفي التي تعكس الأداء الوظيفي للجهاز العصبي المركزي وتؤثر على مجموعة من مجالات الأداء الخاصة وتشمل هذه المجالات القدرات المختلفة مثل العمليات المعرفية واللغة والكلام والتآزر الحركي والإندفاعية، والإنتباه والقدرات العقلية أى الذكاء وتعكس مثل هذه العمليات من المنظور النفس عصبي الأداء الوظيفي للمخ، كما تعكس نمو المخ أيضا.

  وتؤكد نتائج الدراسات التي تم إجراؤها في هذا المجال أن المشكلات وأوجه القصور العصبية التي تحدث مبكراً في حياة الفرد تضعه كما يرى موفیت (1993-B , A ) Moffiu في مأزق وتعتبر بمثابة عامل مساعد بالنسبة له في حدوث مشكلات سلوكية تالية وحدوث الجنوح وعدم التقيد أو الإلتزام بالقانون. ومن الجدير بالذكر أن تحديد العديد من هذه المشكلات وأوجه القصور يتم باستخدام مقاييس نفس عصبية مقننة. فعلى سبيل المثال نجد أن أوجه القصور في الوظائف المختلفة المرتبطة باللغة مثل التعلم اللفظي، والطلاقة اللغوية ونسبة الدكاء اللفظى، أو أوجه القصور المرتبطة بالذاكرة، والتآزر الحركي

الصفحة 110                                                                                                                       

وتكامل الإشارات السمعية والبصرية والوظائف الإجرائية التنفيذية مثل التفكير المجرد، وتكوين المفاهيم والتخطيط والتحكم في الإنتباه تعد من العوامل التي يمكن من خلالها التنبؤ بالإضطراب السلوكي اللاحق. وتعتبر هذه العوامل وما يرتبط بها من إختلال في الأداء الوظيفي موضع إهتمام لأن العديد من المقاييس تعكس الأداء الوظيفي لأبنية معينة من المخ، ومن ثم تعكس الدعامات العصبية المحتملة للإضطراب السلوكي. كذلك فإن أى إختلال عصبي قد يعكس ومن ثم يفسر جزئيا - الأثر الذي تسببه المؤثرات الأخرى على سلوك الطفل كالتعرض على سبيل المثال قبل الولادة أو بعدها لمواد سامة ناتجة مثلاً عن إساءة استخدام العقاقير من جانب الأم، والتغذية غير الجيدة للأم، والتعرض لرابع إيثيل الرصاص. وتتمثل أهم الأمور التي يجب أن نلاحظها ونضعها في الإعتبار في أن إختلال الأداء الوظيفي النفس عصبي الذي يحدث في وقت مبكر من الحياة يمكن من خلاله التنبؤ بالإضطراب السلوكي اللاحق أي الذي يحدث في مرحلتي المراهقة والرشد.

3 - المستويات دون الإكلينيكية للإضطراب السلوكي

  يشير الإضطراب السلوكي دون الإكلينيكي إلى اللاسواء إلى حد ما، كما يعكس حالة من الإضطراب الذي يتعذر إكتشافه بالفحوص الإكلينيكية المألوفة. وقد أوضحت العديد من الدراسات كما يرى فارنجتون (1991) - Far rington ، ولوبر (1991) Loeber أن مستويات الإضطراب السلوكي دون الإكلينيكى يمكنها التنبؤ بالإضطراب السلوكي اللاحق . كذلك يمكن لتلك المقاييس التي يتم تطبيقها على المعلمين والأقران والتي يمكن من خلالها قياس العدوانية وعدم قابلية الطفل للترويض وذلك في وقت مبكر أو متأخر من سنوات الدراسة بالمدرسة يمكنها أيضا التنبؤ بالإضطراب السلوكي اللاحق. ويطلق على مثل هذه السلوكيات مستويات دون إكلينيكية لأنها ليست في حدة تلك السلوكيات التي تؤدى إلى الإحالات الطبية للطفل إلى العيادة النفسية. وعلى الرغم من استمرار السلوك المشكل شكل واضح فإن هذا لا يعنى أن كل

الصفحة 111                                                                                                                       

المراهقين أو حتى معظمهم من ذوى السلوك الجامع يتم تحديدهم فيما بعد على أنهم يصدر عنهم سلوك مضاد للمجتمع، ومن ثم يصبحون هم أنفسهم مضادين للمجتمع. ومع ذلك فإن السلوك الذي يحدث في وقت مبكر من حياة الطفل يعد واحداً من تلك العوامل التي يمكن من خلالها التنبؤ بالإضطراب السلوكي اللاحق.

  وفي الواقع نجد أن مجرد ظهور سلوك غير قابل للترويض من جانب الطفل لا يعد عاملاً مساعداً على حدوث الإضطراب السلوكي بل يحتاج الأمر إلى أكثر من ذلك حتى يمكن إعتباره عامل مساعد. ويرى لوبر (1990) Loeber أن عمر الطفل عند بداية الإضطراب السلوكي، وعدد الأنماط المختلفة من السلوكيات المضادة للمجتمع التي تصدر عنه، وعدد المواقف التي تحدث فيها السلوكيات المضادة للمجتمع كان تحدث في المنزل أو المدرسة أو المجتمع المحلى على سبيل المثال تعد عوامل مرتبطة هي الأخرى بحدوث الإضطراب. ومن ثم فإنه كلما كانت بداية الإضطراب في وقت مبكر من حياة الطفل، وكانت المشكلات التي تصدر عن الطفل أكثر حدة كان من الأكثر إحتمالاً بالنسبة للطفل أن يتعرض لمثل هذه الإضطراب السلوكي.

4 - الأداء الأكاديمي للطفل ومستوى ذكانه

  يرتبط القصور الأكاديمي وإنخفاض مستوى الأداء الوظيفي للذكاء بالإضطراب السلوكي. ومن الجدير بالذكر أن هذه العلاقة تتضح من خلال تطبيق مقاييس عديدة للذكاء والأداء المدرسي مثل إختبارات الذكاء اللفظية وغير اللفظية والدرجات التي يحصل عليها الطفل في المدرسة، وإختبارات التحصيل، وكذلك من خلال تطبيق مقاييس الإضطراب السلوكى مثل التقرير الذاتي للمراهقين وتقارير المعلمين والسجلات الرسمية للجنوح. إلا أن مثل هذا الإرتباط لا يعنى بالضرورة أن إختلال الأداء الأكاديمي يمثل عاملاً مساعداً على حدوث الإضطراب السلوكي. كذلك فانخفاض معدل الوقت الذي يقضيه الطفل بالمدرسة نتيجة هروبه من المدرسة أو وقف قيده، إلى جانب نقص الانتباه من جانب

الصفحة 112                                                                                                                       

المعلمين قد يؤدى إلى انخفاض معدل التحصيل الأكاديمي. ومع ذلك يرى فارنجتون (1991) Farrington، وموفيت (1993 -A ) Moffitt أن أوجه القصور الأكاديمي وإنخفاض نسبة الذكاء غالبا ما يمكن من خلالهما التنبؤ بالإضطراب السلوكي اللاحق.

  ومن المعروف أن الأداء الأكاديمي ومستوى الدكاء يرتبطان بمتغيرات أخرى مثل المستوى الإقتصادى الاجتماعي وحجم الأسرة. ولكننا نلاحظ مع ذلك كما يرى وست (1982) West أنه حتى عندما يتم تثبيت مثل هذه المتغيرات فإنه يمكن أيضا من خلال الأداء الأكاديمي ومستوى الذكاء التنبؤ بالإضطراب السلوكي. وبالرغم من أن إختلال الأداء الوظيفي الأكاديمي بعد عاملاً مساعداً على حدوث الإضطراب السلوكي التالي أو اللاحق فإن العلاقة بينهما ليست مجرد علاقة أحادية الإتجاه إذ يرى كل من ليدنجهام و سكوارتزمان (1984) Schwartzman & Ledingham وباتشمان وآخرين (1978) Bachman et. al أنه يمكن من خلال الإضطراب السلوكي التنؤ بالفشل التالي أو اللاحق في المدرسة وإنخفاض مستوى التحصيل الدراسي.

ثانيا : عوامل ترجع إلى الوالدين والأسرة

  وهناك عدد من العوامل التي تساعد على حدوث الإضطراب السلوكي للأطفال والمراهقين وإن كانت ترجع في أساسها إلى الوالدين والأسرة وليس إلى الطفل نفسه. ومن هذه العوامل ما يلى :

1 - الوراثة

  یری دیلالا وجوتسمان (1989) Dilalla & Gottesman أن نتائج العديد من الدراسات توضح أن العوامل الوراثية تلعب دوراً هاما في تعرض الأفراد للإضطرابات السلوكية. وفى هذا الإطار غالباً ما يتم استخدام دراسات التوائم لتوضيح دور المؤثرات الوراثية لأن التوائم المتشابهة يعدون في الواقع أكثر شبها من الناحية الوراثية قياساً بالتوائم غير المتشابهة أو حتى بالأخوة العاديين.

الصفحة 113                                                                                                                       

وتوضح دراسات التوائم وجود معدلات إتفاق أكثر ارتفاعا بين التوائم المتشابهة في مقابل التوائم غير المتشابهة حيث يزداد مثلاً احتمال تعرض التوأم الآخر في حالة التوائم المتشابهة لنفس الإضطراب إذا ما تعرض له التوأم الأول. وتكون مثل هذه المعدلات أكثر ثباتًا في حدوثها وإرتفاعها مع حدوث الإنتقال الجيني أو الوراثي. وقد كشفت مثل هذه الدراسات عن حدوث معدلات كبيرة من الإتفاق في حدوث الجنوح والجريمة، والإضطرابات السلوكية بين التوائم المتشابهة قياساً بالتوائم غير المتشابهة. وتوضح نتائج دراسات الجريمة بين الراشدين والمراهقين أن العامل الوراثي يعد هو الأقوى في هذا الإطار حيث يرى جو تسمان و آخرون (1983) Gottesman et. al أن معدل الإتفاق كان أكثر من الضعف بين التوائم المتشابهة قياساً بالتوائم غير المتشابهة . وأوضحت من جانب آخر الدراسات التي أجريت على المراهقين كدراسة بلومين (1991) Plomin أن معدلات الإتفاق في حالة الجنوح قد بلغت %87 بين التوائم المتشابهة، وبلغت %72 بين التوائم غير المتشابهة. وهذا بطبيعة الحال يوضح وجود تأثير للعامل الوراثي لدى المراهقين ولكنه ليس تأثيراً قوياً نظراً لأن هذا المعدل يرتفع كما نرى قليلاً فقط في حالة التوائم غير المتشابهة .

  ويثير عزو الفروق في الإتفاق بين التوائم المتشابهة والتوائم غير المتشابهة إلى عوامل وراثية فكرة تساوى أو توازن البيئتين للنمطين المختلفين من التوائم ومع ذلك فإن العوامل البيئية تعد أكثر تشابها بالنسبة للتوائم المتشابهة قياساً بالتوائم غير المتشابهة نظراً لان والدى التوائم المتشابهة قد يعاملاتهم بشكل أكثر تشابه . و تميز دراسات التبنى بشكل أفضل بين التأثيرات الوراثية والتأثيرات البيئية لأن الطفل عادة ما يكون قد تم إنفصاله عن والده البيولوجي عند الميلاد. ومع حدوث التبنى في وقت مبكر جداً من حياة الطفل لا يمكن عرو التشابه التالي أو اللاحق بين سلوك الوالد والطفل إلى تلك الاساليب التي يتبعها الأب البيولوجي في تربية الطفل وتنشئته وما يرتبط بذلك من مؤثرات بين شخصية .

وتوضح نتائج دراسات التبنى كدراسات کادوریت (1978) Cadoret، وكراو

الصفحة 114                                                                                                                       

(1974) Crowe أن الإضطراب السلوكي للأبناء وإرتكابهم للجرائم المختلفة يجد الفرصة سانحة أمامه كي يزداد معدل إحتمال حدوثه خاصة إذا ما أظهر أحد الأقارب السيولوجيين للطفل مثل هذه السلوكيات. وبطبيعة الحال تدعم هذه النتيجة دور الوراثة في الإسهام في ظهور الإضطراب السلوكي. ومع ذلك فإن العوامل الوراثية بمفردها لا تعد هي المسئولة عن النتائج التي كشفت عنها تلك الدراسات. ومن ناحية أخرى يرى کادوریت و کاین (1981) Cadoret & Cain ان نتائج دراسات التبنى تؤكد أيضا على تأثير العوامل البيئية التي تعمل كعوامل معاكسة أو غير ملائمة في المنزل كالخلافات الزوجية وإختلال الأداء الوظيفي السيكاترى للوالدين أو أحدهما، إلى جانب تعرض الطفل العناية متقطعة من جانب الأم قبل أن يستقر في وضع التبنى كوضع نهائي، وعمر الطفل عندما تم التبنى. ومن ثم فإن مثل هذه النتائج تؤكد على وجود دور مشترك لكل من العوامل البيئية والوراثية. ويرى برینان و آخرون (1991) Brennan et. al أن مثل هذا الإسهام المزدوج للمؤثرات الوراثية والبيئية يتضح بشكل جلي في الدراسات التي أوضحت أن الإضطراب السلوكي لدى كل من الاب البيولوجي أو الأب بالتبنى يزيد من احتمال ظهور إضطرابات سلوكية لدى الطفل، وذلك على الرغم من أن تأثير الأب البيولوجي بعد هو الأقوى. ومع ذلك فإن إحتمال إظهار الطفل للإضطراب السلوكي يزداد بدرجة كبيرة كما يرى کادوریت و آخرون (1983) Cadoret et. al عندما تتوفر كل من المؤثرات الوراثية والبيئية .

  وبوجه عام يبدو أن تأثير الوراثة يكون هو الأقوى والأكبر على الإضطرابات السلوكية في مرحلة الرشد قياماً بما يمكن أن يكون عليه بالنسبة لكل من الأطفال والمراهقين. ومع ذلك يرى كل من فريك وجاكسون (1993) Fnck & Jackson أن الدراسات التي تم إجراؤها في هذا المجال لا تعد كافية كي نقرر بموجبها أن تأثير الوراثة يكون بالضرورة هو الأقل بالنسبة للأطفال قياسا بالراشدين. فرما يكون التأثير الوراثي في مرحلة المراهقة أقل مما هو عليه في مرحلتي الطفولة والرشد إذ أنه خلال مرحلة المراهقة يأتى العديد من المراهقين بأنماط سلوكية تنم

الصفحة 115                                                                                                                       

عن الإضطراب السلوكي، ولكنهم مع ذلك لا يستمرون في الإتيان بتلك السلوكيات خلال مرحلة الرشد. وقد تقل زيادة مثل هذه الأنماط السلوكية بالنسبة لنمط سلوكي معين ويقل بالتالى عزوها إلى التأثيرات الوراثية باستثناء المجموعة الفرعية من المراهقين الذين يستمرون في الإتيان بهذا النمط السلوكي خلال مرحلة الرشد أى لا تقل لديهم زيادة الأنماط السلوكية المنحرفة ولكنها تستمر بما هي عليه حتى خلال مرحلة الرشد.

2 - المرض النفسي والسلوك الإجرامي في الأسرة

  يرى فيرنر وسميت (1992) Werner & Smith، وروتر و آخرون (1970) Rutter et. al أن إصابة الوالدين أو أحدهما بمرض نفسي يزيد من إحتمال تعرض الطفل لإختلال الأداء الوظيفي النفسى بوجه عام وبعد في الوقت ذاته من العوامل المساعدة على ذلك. وكما هو متوقع فإن إحتمال حدوث الإضطراب السلوكي للطفل يرتبط بدرجة أكبر بوجود إختلال في الأداء الوظيفي لدى أي من الوالدين. ومن ناحية أخرى يرى وست وبرينز (1987)  Prinz &West ، وروتر وجيلر (1983) Rutter & Giller أن قيام أحد الوالدين بالسلوك الإجرامي، أو تعرضه لاضطراب الشخصية المضادة للمجتمع، أو تعاطيه للكحوليات يزيد من احتمال تعرض الطفل للإضطراب السلوكي. فالأطفال الذين يتعاطى والدوهم الكحوليات على سبيل المثال تزداد إحتمالات إحتكاكهم بالبوليس، ويصبحون أكثر إساءة لاستخدام المواد، وتزداد معدلات هروبهم من المدرسة وتربهم منها .

  وتركز معظم الدراسات التي تتناول إختلال الأداء الوظيفي الوالدي على والدي الطفل الذى يعانى من الإضطراب السلوكي. وتوضح نتائج تلك الدراسات أنه من الأكثر احتمالاً بالنسبة لأجداد كل من الأطفال والمراهقين الذين تصدر عنهم سلوكيات مضادة للمجتمع - أجدادهم لآبائهم وأمهاتهم - أن يبدون إضطرابات سلوكية كالسلوك الإجرامي، وتعاطى الكحوليات على سبيل المثال

الصفحة 116                                                                                                                       

وذلك قياساً بأجداد أقرانهم من الأطفال والمراهقين الذين لا تصدر عنهم مثل هذه السلوكيات المضادة للمجتمع. كذلك فقد أوضحت الدراسات الطولية أن السلوك العدواني يكون ثابتا عبر الأجيال في الأسرة الواحدة. ويرى هو يسمان وآخرون (1984) Huesmann et. al أن مستوى العدوانية لدى الوالد عندما كان في نفس العمر الزمنى لطفله فى الوقت الراهن يعد هو أفضل مؤشر أو منبئ لمدى عدوانية ذلك الطفل. وتوجه عام نرى أن وجود تاريخ للسلوك العدواني أو المضاد للمجتمع في أسرة الطفل يزيد من احتمال قيامه بمثل هذه السلوكيات وبعد بالتالي من العوامل المساعدة على حدوث ذلك .

3 - التفاعل بين الطفل ووالديه

  تعتبر العديد من السمات التي تتعلق بالتفاعل بين الوالدين وأطفالهما من العوامل المساعدة على حدوث الإضطرابات السلوكية لهؤلاء الأطفال. وقد نالت أساليب المعاملة الوالدية واتجاهات الوالدين على وجه الخصوص القسط الأكبر من تلك الدراسات إذ كان من المعروف لبعض الوقت أن درجة عدوانية الطفل وذلك في العينات غير المرضية ترتبط بمدى حدة ما يناله من عقاب في المنزل. ویشیر کازدین (1985) Kazdin ، وفارنجتون (1978) Farrington أن أساليب العقاب في الأسر التي ينحدر منها الافراد ذوو الإضطرابات السلوكية غالبا ما تكون متطرفة. ويميل مثل هؤلاء الآباء والأمهات في الواقع إلى تبنى إتجاهات جافة حيال أطفالهم إلى جانب أساليب معاملة قاسية لهم. ويرى وندوم (1989) Windom أنه من الأكثر إحتمالاً بالنسبة للأفراد المضطربين سلوكيا قياساً بأقرانهم غير المحالين إكلينيكيا للعلاج دون أن يكون لديهم إضطرابات سلوكية أن يكونوا ضحايا الإساءة استخدام الأطفال وأن ينحدروا من أسر يسود فيها إساءة استخدام القرين.

  وبعيداً عن العقاب القاسي فقد أوضحت الدراسات أن التساهل الزائد من جانب أحد الوالدين أو كليهما، والأساليب الغريبة وغير الثابتة أو غير المتسقة من

الصفحة 117                                                                                                                       

جانب أحدهما أو كليهما ترتبط بجنوح الأبناء. فعلى سبيل المثال نلاحظ أن قسوة العقاب من جانب الأب والتساهل مع الأطفال من جانب الأم يعد من العوامل المسئولة عن السلوك الجانح الذي يحدث فيما بعد أو متأخراً من جانب الأبناء، بينما يقل إحتمال تعرض الأطفال للجنوح حينما يكون هناك إتساق في أساليب المعاملة الوالدية من جانب كلا الوالدين حتى وإن كانا يتمان بالعقاب الشديد للأطفال. وعلى الرغم من أن قسوة العقاب والإتاق فيه يعد مسئولاً عن السلوك العدواني كما يرى باترسون وآخرون (1992) .Patterson et. al فإن هناك من الأدلة كما يرى إيرون وآخرون (1991) Eron et. al ما يؤكد على أن العقاب من جانب أحد الوالدين قد يكون استجابة لعدوان الطفل أكثر من كونه يسبق هذا العدوان ويؤدى إليه حيث من المحتمل أن يستجيب الوالدان للسلوك المزعج والمنحرف من جانب الطفل، ويؤديان في هذا الإطار بتجاهلهما وإهمالهما له إلى تفاقم السلوك المنحرف من جانبه ومن ثم سلوكه العدواني. ويبدو من المحتمل أن العلاقة بين إنحراف الطفل والعقاب من جانب الوالدين تتمثل في أن كلاً منهما يسبب الآخر ويعززه أو يدعمه، ومن ثم يصبح كلاهما أكثر تطرفا .

  وبعيدا عن أساليب العقاب فقد أكدت نتائج الدراسات التي أجريت في هذا المجال أن الأساليب الأخرى المتبعة للسيطرة على سلوك الطفل تعد في حد ذاتها من المصادر التي تثير العديد من المشكلات بين والدى المراهقين الذين تصدر عنهم سلوكيات مضادة للمجتمع. ويرى باترسون وآخرون (1992) Patterson et. al أنه من الأكثر إحتمالاً بالنسبة لوالدى الأطفال الذين تصدر عنهم سلوكيات مضادة للمجتمع أن يصدرا العديد من الأوامر لأطفالهما وأن يقوما بعقاب الطفل على سلوكه المنحرف وذلك بشكل مباشر من خلال لفت إنتباهه وجعله يطيع الأوامر التي يصدرانها له، ولكنهما في ذات الوقت يتجاهلان ما يصدر عنه من سلوك اجتماعي مما يعمل على تعزيز النتائج المعاكسة لمثل هذا السلوك. وتوضح التحليلات الدقيقة للتفاعلات التي تحدث بين كل من الوالدين والأطفال أن السلوك المضاد للمجتمع - وخاصة العدوان - يتم التدريب عليه بشكل منظم في

الصفحة 118                                                                                                                       

منازل الأطفال الذين تصدر عنهم سلوكيات مضادة للمجتمع وإن كان مثل هذا التدريب لا يحدث عن عمد.

  كذلك فإن عملية الإشراف على الطفل كجانب آخر من جوانب العلاقة بين الوالدين والطفل تنعكس هى الأخرى بشكل مستمر في الإضطراب السلوكي إذ أنه من الأقل إحتمالاً بالنسبة لوالدى الأطفال الجانحين أو الذين تصدر عنهم سلوكيات مضادة للمجتمع أن يقوموا بمراقبة الأماكن التي يتواجد فيها أطفالهم أو أن يقوموا بعمل الترتيبات اللازمة للعناية بأطفالهم وتوفير الرعاية لهم حينما يغيبون عن المنزل مؤقتا. وهناك عوامل أخرى تعكس الإشراف غير الجيد من جانب الوالدين على أطفالهما، ومن ثم تمثل عوامل مساعدة للإضطراب السلوكي تتضمن عدم وجود قواعد في المنزل تحدد تلك الأماكن التي يمكن للأطفال أن يذهبوا إليها، والوقت الذى يجب أن يعودوا فيه للمنزل، وسماح الوالدين للأطفال بالتجول في الشوارع والقيام كذلك بالعديد من الأنشطة المستقلة والتي لا يتم فيها الإشراف عليهم .

  وإضافة إلى ذلك فإن الخصائص التي تعكس نوعية العلاقة بين الوالدين والأطفال والتي تعكس نوعية العلاقات الأسرية أيضاً تعد هي الأخرى بمثابة عوامل مساعدة لحدوث الإضطراب السلوكي فوالدو المراهقين الذين تصدر عنهم سلوكيات مضادة للمجتمع قياساً بوالدى أقرانهم غير المحالين للعلاج يعدون كما يرى هنجار (1989) Henggeler أقل تقبلاً لأطفالهم، ويبدون لهم قدراً أقل من الدفء الوالدى والعاطفة، والمساندة الإنفعالية، كما يبدون إلى جانب ذلك قدراً أقل من التعلق وعلى مستوى العلاقات الأسرية نلاحظ أن مثل هذه العلاقات تعكس قدراً أقل من المساندة وقدراً أكبر من الدفاع عن الذات بين أعضاء الأسرة، كما أنهم كأعضاء في الأسرة يعدون أقل مشاركة في الأنشطة ومن ثم فإن الأسرة كوحدة تعد هي الأخرى أقل مشاركة في الأنشطة، وتتسم بوجود قدر رائد من السيطرة أو الهيمنة الواضحة لعضو واحد من أعضاء الأسرة

الصفحة 119                                                                                                                       

على باقي الأعضاء. ومن ناحية أخرى فإن مثل هذه العلاقات أيضا تميز أسر المراهقين ذوى الإضطرابات السلوكية.

 4- الإنفصال بين الوالدين والطلاق والخلافات الزوجية

  قد يرجع الإنفصال من جانب أحد الوالدين أو كليهما إلى عدد من العوامل مثل الوفاة أو الإيداع في إحدى المؤسسات أو الطلاق. وبوجه عام نلاحظ أن حدوث هذا الإنفصال خلال طفولة الفرد يزيد من خطر تعرضه لخلل سیکاتری من خلال إصابته أو تعرضه للعديد من إضطرابات الطفولة. وفيما يتعلق بالإضطرابات السلوكية فإن نتائج الدراسات التي أجريت في هذا المجال تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن العلاقات الزوجية السيئة والصراعات بين الشخصية والعدوان تميز العلاقات الوالدية للأطفال الجانحين وأولئك الذين تصدر عنهم سلوكيات مضادة للمجتمع. وسواء حدث الإنفصال بين الوالدين أو لم يحدث فإن مدى الخلافات الزوجية والصراع الظاهر هو الذي يرتبط بمخاطر تعرض الطفل للإضطرابات السلوكية وإختلال الأداء الوظيفي خلال مرحلة الطفولة وبعد بالتالي من العوامل المساعدة على ذلك. ويرى جافيه وآخرون (1990) Jaffe et. al أن تطرف الصراع بين الوالدين وزيادة حدته وعلانيته ينم عن إساءة الاستخدام الجسمى بينهما ويؤدى إليه، وأن رؤية الأطفال لمثل هذا العنف يزيد من احتمال أن يظهر هؤلاء الأطفال أنفسهم العنف في تعاملاتهم.

5 - الترتيب الميلادي وحجم الأسرة

  يرى إيرون وآخرون (1991) Eron et. al أن الترتيب الميلادي للطفل يرتبط ببداية حدوث الإضطراب السلوكي لديه حيث تزداد الإضطرابات السلوكية بين الأطفال ذوى الترتيب الميلادى المتوسط قياماً بالطفل الوحيد أو الأطفال ذوى الترتيب الميلادى الأول أو أقرانهم ذوى الترتيب الميلادي الأخير على الرغم من وجود بعض الإستثناءات. وتعد مثل هذه العوامل وما يترتب عليها من آثار بمثابة عوامل معقدة، كما أنها قد تختلف وخاصة في حالة الجنوح

الصفحة 120                                                                                                                       

كدالة لنمط الجنحة المرتكبة، والمدة التي يبقى فيها الطفل الوحيد وحيداً أي طول الفترة الزمنية المنقضية قبل أن يولد أخ له. ومع ذلك نلاحظ بوجه عام أنه كلما طالت المدة الزمنية التي يبقى فيها الطفل الوحيد وحيدا أو الطفل الأصغر هو الأصغر قبل أن يولد أخ له تقلل من مخاطر تعرضه للجنوح.

  ومن ناحية أخرى يزيد الحجم الأكبر للأسرة أى تضمنها لعدد كبير من الأطفال من مخاطر تعرض الأطفال للجنوح. ويرتبط حجم الأسرة بوضوح بتلك النتائج التي تم التوصل إليها فيما يتعلق بالترتيب الميلادي وأثره في هذا المجال. وقد تمت بالفعل محاولات عديدة لفصل أو عزل هذه العوامل والتأكد من مدى تأثيرها، فخضع كل من حجم الأسرة، والترتيب الميلادي للدراسة واتضح أنه من الأكثر إحتمالاً بالنسبة للأطفال الذين لهم أخوة أكبر منهم سنا أن يكونوا جانحين، وكلما إزداد الفاصل الزمني بين مثل هؤلاء الأفراد وأخوتهم الأكبر منهم سنا إزداد بالتالي إحتمال تعرضهم للجنوح. كذلك فإن إحتمال مخاطر التعرض للإضطرابات السلوكية يرتبط بعدد الأخوة الذكور في الأسرة كما يرى أو فورد (1982) Offord وليس بعدد الأخوات الإناث. كذلك إذا كان هناك من الأخوة الذكور من تصدر عنه سلوكيات مضادة للمجتمع يزداد بالتالي احتمال مخاطر تعرض الأخوة الآخرين للإضطرابات السلوكية.

6 - تدنى المستوى الاقتصادي الاجتماعي

  يشير هاوكنز وآخرون (1992) Hawkins et. al إلى أن الفقر، والإزدحام الزائد بالمنزل والبطالة، والعيش على المعونات الاجتماعية، والظروف المنزلية السيئة تعد من أهم العوامل التي تنم عن سوء المستوى الاقتصادي الاجتماعي للأسرة والتي تزيد من مخاطر تعرض الأبناء للإضطرابات السلوكية والجنوح. ويبدو أن الآثار التي تخلفها مثل هذه العوامل تكون مستمرة إذ نجد على سبيل المثال أن إنخفاض دخل الأسرة أثناء طفولة الإبن يمكن من خلاله كما يرى كلوفين وآخرون (1988) Klovin et. al التنبؤ بالسلوك الإجرامي من جانب الراشدين بعد ذلك بثلاثين عاما. ومن ناحية أخرى فإن تفسير أثر إنخفاض

الصفحة 121                                                                                                                       

الدخل وما يرتبط به من مؤشرات لسوء المستوى الاقتصادي الاجتماعي يزداد تعقيداً من جراء إرتباطه بالطبقة الاجتماعية وبغيرها من العوامل العديدة الأخرى التي تعد عوامل مساعدة على حدوث الإضطراب السلوكي وتريد من إحتمال تعرض الأطفال له كالحجم الكبير للأسرة والازدحام الزائد للمنزل بالأفراد، والإشراف غير الجيد على الطفل، وغير ذلك من عوامل. إلا أنه عندما يتم تثبيت أثر مثل هذه العوامل فإن سوء المستوى الاجتماعي في حد ذاته لا يرتبط دائماً بالإضطراب السلوكي.

  كذلك فمن المحتمل أن يؤدى سوء المستوى الاقتصادى الاجتماعي إلى تفاقم أثر العوامل الأخرى فنجد على سبيل المثال أن المصادر المالية المحدودة للأسرة تقلل من إحتمالات الإشراف الجيد على الطفل والرقابة الجيدة عليه ورعايته خصوصاً أثناء غياب الوالدين عن المنزل، كما تزيد أيضاً من الضغوط الواقعة على الأسرة فلا تستطيع مثلاً أن تقوم بإصلاح أي شيء في المنزل يحتاج إلى إصلاح. ومن ثم يعد سوء المستوى الاقتصادي الاجتماعي من بين تلك العوامل التي تزيد من إحتمال تعرص الأطفال للإصطرابات السلوكية. ومع ذلك فعندما يتم تثبيت أثر العوامل الأخرى ذات الصلة فإن الدور المحدد الذي تلعبه الأمور الاقتصادية لا يتم دوماً تقييم أثره.

ثالثا: عوامل ترجع إلى المدرسة

  هناك عوامل أخرى ترتبط بالمدرسة وتمثل مجموعة مستقلة من تلك العوامل التي تساعد على حدوث الإضطرابات السلوكية للألفال والمراهقين. ومن أهم هذه العوامل ما يلى :

-خصائص الوضع المدرسي

  تمت دراسة خصائص الوضع المدرسي كأحد المصادر التي تزيد من احتمال مخاطر تعرض الطفل للإضطرابات السلوكية. ويمكن في هذا الإطار تحديد وصف مناسب للمدارس في ضوء عدة أساليب تتضمن التنظيم، والموقع أو

الصفحة 122                                                                                                                       

المكان، ونسبة المعلمين إلى الطلاب، وغيرها من الخصائص. ومع ذلك يصعب عزل العديد من هذه الخصائص عن بعضها وعن سمات التلاميذ والأسر التي تقدم لهم المدرسة خدماتها. فعلى سبيل المثال نجد أن المدارس الموجودة في بعض مناطق من المدينة قد تضم نسبة أعلى من الأسر الفقيرة، والتي تستخدم أساليب جافة وقاسية في تربية الأطفال وتنشئتهم، ويكون إشرافهم على أطفالهم ورعايتهم غير جيد. وفي مثل هذه الحالة قد تكون تلك العوامل الأخيرة وليست الظروف المدرسية هي المسئولة عن القدر الأكبر من المخاطر التي تحدق بالتلاميذ وتعد من العوامل المسئولة عن حدوث الإضطرابات السلوكية. وحتى مع وجود مثل هذه التعقيدات يبدو أن خصائص المدرسة هي الأخرى تعد عاملاً مساعداً يزيد من مخاطر تعرص الأطفال للإضطرابات السلوكية

  هذا و قد قام روتر Rutter وزملاؤه(1979)   Ouston& Rutter, Maughan, Mortimore بدراسة خصائص إثنتى عشرة مدرسة ثانوية مختلفة ومدى إرتباطها بما يتضح في سلوك الطلاب ويشمل الإنتظام في الحضور للمدرسة، والإستمرار في الدراسة ومعدلات الجنوح، والأداء الأكاديمي واتضح أن العديد من الخصائص المرتبطة بالمدرسة لها تأثير كبير على النتائج التي تم التوصل إليها كما يعكسها سلوك الطلاب. كما تضمنت هذه الخصائص تأكيداً على العمل الاكاديمي، والوقت الذى يستغرقه المعلم في شرح الدروس، واستخدامه للمدحوالثناء، ومدى تقبله واستحسانه للعمل المدرسي والتأكيد على المسئولية الفردية للطلاب والظروف الجيدة للعمل المتاحة أمامهم كالفصول النظيفة والأثاث الجيد على سبيل المثال، ومدى استفادة الطلاب من المعلم ومحاحه في التعامل مع مشكلاتهم، وإنساق توقعاته. وتوضح النتائج الكلية وجود فروق ثابتة بين تلك المدارس على مقاييس السلوك المستخدمة والتي لا يمكن أن يتم تفسيرها ببساطة عن طريق العروق بين تلك المدارس في الخصائص الفيزيقية كالحجم والفراغ المتاح، أو عن طريق الأنماط المختلفة من الأطفال والأسر ذات الصلة بتلك المدارس. وعلاوة على ذلك فقد أوضحت النتائج أن الإرتباط بين العديد من

الصفحة 123                                                                                                                       

هذه العوامل - وليس أى متغير بمفرده - يسهم في الوصول بالطالب إلى النتيجة التي يعكسها سلوكه. وعلى أي حال فإن خصائص المدرسة قد تسهم في حدوث الإضطرابات السلوكية وتزيد من احتمال مخاطر التعرض لها.

رابعا : عوامل أخرى

  يرى يوشيكاوا (1993) Yoshikawa ، ولوبر (1990) Loeber وروتر وجيلر (1983) Rutter & Giller أن العوامل التي ترتبط بالطفل، ومثيلاتها التي ترتبط بالوالدين والأسرة، أو المدرسة والتي انتهينا للتو من مناقشتها واستعراضها تعد بوجه عام هي أهم المؤشرات التي يمكن من خلالها التنبؤ بالإضطربات السلوكية. ومع ذلك فإن قائمة العوامل تلك لا تعد كاملة في ضوء هذا الإطار حيث توجد هناك عوامل أخرى تهم في زيادة إحتمال مخاطر التعرض للإضطرابات السلوكية ومن ثم تعتبر عوامل مساعدة في هذا الصدد. ومن بين مثل هذه العوامل هناك عوامل إضافية ترتبط بالوالدين وبالأسرة مثل التخلف العقلى لأحد الوالدين أو كليهما، والحمل أثناء مرحلة المراهقة، والزواج المبكر للوالدين، ونقص إهتمام الوالدين بالاداء المدرسي للطفل، ونقص مشاركة الأسرة أو إنخفاض مستوى مشاركة الأسرة في القيام بالأنشطة الدينية والترفيهية .

  كذلك هناك عوامل أخرى تمثل مجالات إضافية تشمل على سبيل المثال تلك التعقيدات التي تحدث قبل الميلاد وقرب الميلاد كإصابة الأم بمرض معد، والولادة المبتسرة وإنخفاض وزن الوليد، وحدوث خلل في التنفس عند الميلاد، والإصابات البسيطة التي قد يتعرض لها الطفل عند ميلاده وهو ما يزيد من احتمال مخاطر قيام الطفل بالسلوك المضاد للمجتمع والسلوك الجانح. ويضيف مرازيك وهاجرتى (1994) Mrazek & Haggerty إلى ذلك المرض المزمن خلال مرحلة الطفولة، والتلف الذي قد يصيب الجهاز العصى المركزي وهو ما قد يحدث أثناء الولادة. ومن ناحية ثانية هناك عوامل أخرى مؤثرة كمشاهدة أفلام العنف والعدوان في التليفزيون خلال مرحلة الطفولة والتي

الصفحة 124                                                                                                                       

يمكن أن تؤدى هى الأخرى كما يرى ليفكاونز وآخرون (1977) al .Lefkowitz et له إلى زيادة إحتمال مخاطر القيام بالسلوك العدواني خلال مرحلتي المراهقة والرشد. وإلى جانب الدور الذي يمكن أن تلعبه أفلام العنف التي تعرض على شاشات التليفزيون فقد أوضحت الدراسات التي تناولت وسائل أخرى من وسائل الإعلام تعرض للعنف كالسينما وألعاب الفيديو أنها لا تقل في تأثيرها عن التليفزيون إذ يرى ستراسبورجر (1995) Strasburger أنها تزيد هي الأخرى من إحتمالات حدوث مشكلات سلوكية.

  وإذا كانت نتائج البحوث التي أجريت في هذا المجال تؤكد على وجود مصفوفة كبيرة من العوامل المساعدة على حدوث الإضطرابات السلوكية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا يجب أن يتمثل فيما يلى :

أي من هذه العوامل يعد هو الأكثر أهمية، وكيف تعمل مثل هذه العوامل وتؤدى دورها المتوقع؟

  ویری پوشيكاوا (1994) Yoshikawa ، وروتر وجيلر (1983)  Giller& Rutter  أن تراكم هذه العوامل يزيد من احتمال مخاطر التعرض لإختلال الأداء الوظيفي الإكلينيكي. أما الأسلوب الذى يتم به تراكم هذه العوامل ويجعلها تؤثر بالتالي على حدوث النتائج أى تؤدى إلى حدوث الإضطرابات السلوكية فلا يزال يحتاج إلى تعليق، إذ أن مجرد وجود عامل واحد فقط من هذه العوامل قد لا يؤدى إلى زيادة احتمال مخاطر حدوث الإضطراب في كل الأحوال أو على الأقل في أغلبها. وعندما يتواجد عدد قليل فقط من هذه العوامل يحدث إسراع وزيادة في معدل إحتمال حدوث الإضطرابات حيث يؤدى إضافة المزيد من العوامل إلى زيادة في هذا المعدل وتكون هذه الزيادة كبيرة وربما تكون مضاعفة أو أكثر من ذلك. وباختصار عندما تبدأ تلك العوامل في التراكم لا يكون معدل الخطر هنا خطياً ولكنه يرتفع بشكل حاد. ولتوضيح ذلك نرى أن المراهق الذي يتعرض لأربعة من هذه العوامل المساعدة لا تتضاعف لديه المخاطر التي يتعرض

الصفحة 125                                                                                                                       

لها قرينه الذي يتعرض لعاملين منها فقط، ولكن كليهما يكون أمام مخاطر أكبر الحدوث الإضطرابات السلوكية. وقد أوضح المراهقون الذي تضمنتهم العينات الإكلينيكية المرضية) العديد من هذه العوامل المساعدة حيث أقروا بوجود ما بين ثمانية إلى عشرة عوامل. وعلى الرغم من أن عدد هذه العوامل بشكل عام يقبل الجدل والمناقشة فإن بعضها يسهم في حدوث الإضطرابات السلوكية بشكل يفوق غيره من العوامل ومن الجدير بالذكر أن إصابة أحد الوالدين أو كليهما بإضطرابات سيكاترية، إضافة إلى أساليب المعاملة الوالدية، وسوء الحالة الإقتصادية تعد من أهم هذه العوامل. ومع ذلك فإن التعقيدات التي تواجهنا عند تقييم مثل هذه العوامل تجعل من الصعب تحديد أهم مجموعة فرعية من هذه العوامل في إحداث الإضطرابات السلوكية.

مشكلات تقييم العوامل المساعدة

  من المفيد أن تعدد هذه العوامل بطريقة فردية لتتحقق من علاقتها ببداية حدوث الإضطراب السلوكي، ونحدد الأساليب البديلة التي يتم بواسطتها تحديد تلك العوامل بمفردها ونقوم بدراستها إلا أنه في الوقت ذاته يظل هناك العديد من التعقيدات والمشكلات أو الصعوبات التي تترك بصماتها على تفسيرنا للنتائج التي يتم التوصل إليها، وفهمنا للإضطراب وتحديد الأطفال الذين يحتمل تعرضهم لهذا الإضطراب حتى نتمكن من التدخل كى نقيهم ذلك. ومن أهم تلك المشكلات والتعقيدات ما يلي :

1 - العلاقة بين العوامل المساعدة

  تتمثل إحدى التعقيدات التي تصادفنا عند تقييم تلك العوامل المساعدة في وجود علاقة بين هذه العوامل، حيث أنه على الرغم من إمكانية تحديد أي من هذه العوامل بمفرده فإنها مع ذلك تميل إلى أن تأتى في زمرات . وبذلك نلاحظ في فترة زمنية معينة أن العديد من هذه العوامل مثل إنخفاض الدخل، وكبر حجم الأسرة والإزدحام الزائد في المنزل، والظروف المنزلية

الصفحة 126                                                                                                                       

السيئة، والإشراف الوالدى غير الملائم على الأطفال، وقيام الوالدين أو أحدهما بارتكاب الجرائم، والخلافات الزوجية كلها قد تتوفر ومن ثم تترك آثارها السلبية على الطفل. هذا التزامن بين تلك العوامل يجعل من الصعب إلى حد ما تعيين مدى الإسهام النسبي الذي يقوم به كل عامل من هذه العوامل على حدة.

  وإذا لم تتواجد هذه العوامل على شكل زمرة في وقت معين فإنها قد تتراكم معا. ومع مرور الوقت قد تتشابك العديد من هذه العوامل مع بعضها البعض لأن وجود أحدها يثير ويؤدى إلى تراكم غيره من العوامل معه. فنجد على سبيل المثال أن إختلال الأداء الوظيفي الأكاديمي المبكر قد يؤدى إلى الهرب من المدرسة أو التسرب منها، وقد تعمل هذه العوامل على زيادة احتمال حدوث الإضطراب السلوكي. ويعنى تراكم العوامل المساعدة أن الدور المحدد المناط بعامل معين من تلك العوامل يؤدى من جراء التتابع السبى إلى الإضطراب السلوكي الذي يكون من الصعب إدراكه وتمييزه.

  ويرى بويلي وأوفورد (1990) Boyle & Offord أنه بمعزل عن تزامن حدوث هذه العوامل فإن أيا منها بمفرده قد يتفاعل مع غيره من المتغيرات، كما أن تلك العوامل قد تتفاعل مع بعضها البعض. ويعنى التفاعل أن عاملاً معينا من هذه العوامل يتأثر بمتغير آخر فتتم إثارته من جراء ذلك أو يزداد أثره. ولتوضيحذلك نسوق هذا المثال البسيط ومؤداه أنه من المعروف أن الحجم الكبير للأسرة يعد أحد تلك العوامل المساعدة على حدوث الإضطراب السلوكي، ومع ذلك فإن أهمية حجم الأسرة كمؤشر أو عامل منبئ بالإضطراب السلوكي يتوقف على تفاعله مع دخل الأسرة أو تأثره بذلك. فإذا ما كان حجم الأسرة والتجهيزات المعيشية الموجودة فيها مناسبة يقل إحتمال أن يكون حجم الأسرة عاملاً مساعداً على حدوث الإضطراب السلوكي. ومن ثم يصبح لحجم الأسرة كما يرى وست (1982) West تأثير أكبر على حدوث الإضطراب السلوكي في الأسر ذات الدخل المنخفض حيث توجد أيضا مشكلات أو عوامل أخرى مثل زيادة الإزدحام وغيره.

الصفحة 127                                                                                                                       

2 - السن والجنس

  لا يزال تفاعل العوامل المساعدة مع السن والجنس في حاجة إلى تعليق ومناقشة. هذا إلى جانب أنه قد تختلف نوعية العوامل المساعدة وقوة الإرتباط بين تلك العوامل التي يمكنها أن تنبئ ببداية حدوث إختلال الأداء الوظيفي عند النقطة أو المرحلة التي يتم تقييمها فيها كأن يكون الطفل في مرحلة المهد أو الطفولة المبكرة أو المتوسطة على سبيل المثال. ويرى و ادزویرز (1979) Wadsworth أن الخلافات الزوجية أو الإنفصال بين الوالدين يعد بمثابة عامل مساعد على حدوث الإضطراب السلوكي إذا ما حدث في وقت مبكر من حياة الطفل أى خلال السنوات الأربع أو الخمس الأولى من عمره. وبالإضافة إلى ذلك فإن العوامل المساعدة تتباين في الوقت الذي يمكن أن تظهر فيه، فبعضها يتضح مبكراً في حياة الطفل ويستمر خلال مرحلة الطفولة كالفقر والأحوال المعيشية السيئة على سبيل المثال، وبعضها الآخر يظهر في أوقات معينة كالأداء المدرسي مثلاً. وهذا يعنى أن العوامل التي يمكن استخدامها أو اللجوء إليها لتعيين الأطفال الذين يحتمل تعرضهم لإضطرابات سلوكية والوزن النسبي المحدد لهذه العوامل يتباين وفقا للعمر الزمني للطفل .

  ویری فارنجتون و هاوكنز (1991) Farrington & Hawkins أن العمر الزمني كعامل يزيد من احتمال التعرض للإضطراب السلوكي ويعمل بطريقة أخرى حيث يصبح من الممكن التنبؤ بالسلوك في أوقات زمنية مختلفة مثل البداية المبكرة في مقابل البداية المتأخرة للإضطراب السلوكي أى ما بين سن 10 – 13  سنة مقابل ما بين سن 14 - 20 سنة، إضافة إلى استمرار الإضطراب السلوكي أي خلال العمر من سن 11 - 32 سنة وذلك من جراء مختلف العوامل المساعدة. فالفقر على سبيل المثال يعتبر كما يرى أو فورد و آخرون (1991) Offord et. al ، وروتر (1981) Rutter يعتبر بمثابة أحد العوامل المساعدة على بداية حدوث الإضطراب السلوكي بالنسبة للطفل وليس بالنسبة للمراهق. وبذلك بعد تحديد العمر الزمني

الصفحة 128                                                                                                                       

الذي يحدث فيه السلوك الذى يتم تقييمه ذى تأثير على العوامل المساعدة التي يتم استخدامها في التعيين المبكر للإضطراب السلوكي.

  ومن ناحية أخرى تتباين العوامل المساعدة على حدوث الإضطراب السلوكي كدالة الجنس الطفل. ففى بعض الحالات نجد أن كلا الجنسين يتأثران بعامل واحد على الرغم من أن قوة الإرتباط قد تختلف بين الجنسين. وفي حالات أخرى قد يكون التأثير عاملاً مساعداً لأحد الجنسين فقط دون الآخر. فنجد على سبيل المثال أن تقديرات المعلمين للعدوان في الصف الأول تنبئ بالجنوح بعد ذلك بعدة سنوات بالنسبة للبنين وليس للبنات كما يرى ترمبلای و آخرون (1992) Tremblay et. al . وبشكل عام قد يتباين بروفيل العوامل المساعدة بشكل ملحوظ بين كل من البنين والبنات كما توضحه نتائج الدراسات التي تناولت أثر العوامل البيئية والوراثية. كذلك فقد أوضحت الدراسات التي تناولت الأطفال بالتبني أنه إذا كان أحد أقارب الطفل البيولوجيين مدمنا للكحوليات، وكانت الظروف في المنزل الذي يعيش فيه حال التبنى معاكسة، وعانى من الرعاية المتقطعة للأم فإنه يمكن من خلال هذه العوامل كما يرى كادوريت وكاین (1980، 1981) Cadoret & Cain التنبؤ بالإضطرابات السلوكية بين البنين المراهقين. ومع ذلك فإن الوضع يختلف بالنسبة للبنات المراهقات حيث كان التخلف العقلي للأب البيولوجي أو قيامه بسلوكيات مضادة للمجتمع هو العامل الوحيد الذي يمكن من خلاله التنبؤ بالإضطرابات السلوكية لديهن. كما كانت العوامل البيئية كالظروف المنزلية وأساليب الرعاية الوالدية بمثابة مؤشرات يمكن من خلالها أيضا التنبؤ بالإضطراب السلوكية لدى البنين فقط حيث أوضحوا تأثراً كبيراً بمثل هذه العوامل. وقد توصلت دراسات أخرى إلى وجود فروق بين الجنسين في مدى الحساسية للعوامل البيئية التي قد تزيد من احتمال تعرض الطفل للإضطرابات السلوكية وتصبح بالتالي عوامل مساعدة لذلك، ومن هذه العوامل الطلاق أو الحجر بإحدى المؤسسات. ومع ذلك يرى كل من كلوننجر وآخرين (1978) Cloninger et. al ، وروتر (1973) Rutter أن العديد من هذه التأثيرات تعد مسألة درجة فقط وبالتالي فهي لا تعد ظاهرة.

الصفحة 129                                                                                                                       

تعليق عام على صعوبات تقييم العوامل المساعدة

  من العرض السابق تتضح لنا أهم التعقيدات والمشكلات التي تصادفنا عند تناولنا للعوامل المساعدة في علاقتها ببداية حدوث الإضطرابات السلوكية. إلا أن هناك إثنين من هذه التعقيدات تحتاج إلى بعض التوضيح والمناقشة نعرض لهما

على النحو التالي :

1 - تزيد العوامل المساعدة من إحتمال حدوث الإضطراب السلوكي، ولكنها في الوقت ذاته لا تضمن حدوثه. ويجب مع ذلك أن نلم بالفوائد وأوجه القصور المتعلقة بوجود تلك العوامل. ويرى ريتشرر ومارتنيز (1993) Richters & Martinez أنه حتى في ظل الظروف المعاكسة ووجود العديد من هذه العوامل فإن العديد من الأفراد يمكنهم مع ذلك التكيف مع تلك الظروف ولا يصدر عنهم سلوكاً معاكساً. وبذلك فإن العوامل المساعدة لا تحدد ولا تودى بالضرورة إلى إضطراب سلوكي معين .

2 - أن مثل هذه العوامل المساعدة لا تحدد كيف يحدث اختلال الأداء الوظيفي. وبذلك فإن هناك حاجة ملحة إلى إجراء بحوث ودراسات تركز على كيفية قيام تلك العوامل بدورها، وكيفية ترابطها أو اتحادها معا، ولماذا تؤثر على بعض الأفراد دون سواهم. ومن الجدير بالذكر أنه بدون إجراء مثل هذه الدراسات سيظل فهمنا لأثر تلك العوامل محدوداً للغاية. كذلك فإن تعيين ماهية تلك العوامل المساعدة، وكيفية تفاعلها مع بعضها البعض، والأساليب التي يمكن بمقتضاها أن تؤدى دورها تعد كلها مسائل هامة لتطوير الأساليب والوسائل التي يمكننا بموجبها تحقيق الوقاية من الإضطرابات السلوكية.

العوامل الوقائية

  من الواضح أنه لن يبدى كل الأطفال الذين يخشى عليهم من إحتمال تعرضهم للإضطراب السلوكي إختلالاً في الأداء الوظيفي فيما بعد إذ من الممكن أن يعد ذلك نتيجة لعدم دقة القياس أو التقييم والذي يتضمن تقدير المخاطر (أي

الصفحة 130                                                                                                                       

المؤشرات) وتقييم الإضطراب (أى المحك) وتقييم التغير في مدى الخطورة أي الوضع المساعد لحدوث الإضطراب وذلك بالنسبة لعامل معين مع مرور الزمن.

وهناك مجموعة من العوامل يمكن أن تؤثر على ظهور الإضطراب يشار إليها على أنها عوامل وقائية. وتشير مثل تلك العوامل إلى التأثيرات التي يمكن أن تلغى أو تضعف من أثر عوامل مساعدة معينة، وأن تعمل بطريقة ما على زيادة القدرة على المرونة أو التكيف وفقا للتغير الحادث. وكما ذكرنا سلفا فإن العوامل الوقائية لم تنل حظها من الدراسة مثلما نالته العوامل المساعدة على حدوث الإضطراب السلوكي، ومع ذلك يرى سيشيتى و جارمزی (1993) Cicchette & Garmezy أنه قد حدث تطور هام في دراسة تلك العوامل خلال السنوات القليلة الماضية .

التأثيرات الهامة للعوامل الوقائية

  من الجدير بالذكر أن تحديد العوامل الوقائية قد تم من جانب العديد من الباحثين بطريقتين على النحو التالي :

أولاً: عن طريق دراسة الأفراد الذين يحتمل إظهارهم لإضطرابات سلوكية بسبب توفر العديد من العوامل المساعدة على ذلك من نوع تلك العوامل التي تمت مناقشتها سلفا .

ثانيا: عن طريق تحديد المجموعات الفرعية لأولئك الذين يظهرون إضطرابات سلوكية فيما بعد في مقابل أقرانهم الذين لا يظهرون مثل تلك الإضطرابات .

  وفي هذا الإطار وجد كل من فيرنر وسميت (1992) Werner & Smith في دراسة طولية إستمرت منذ ميلاد أفراد العينة وحتى بلوغهم بداية مرحلة الرشد كان يتم خلالها تحديد الأفراد الذين يحتمل أن يأتوا بسلوكيات جانحة بناء على توفر عدد من العوامل المساعدة لذلك. ومع هذا فلم يحدث أن أصبح كل الأفراد الذين كان يحتمل بناء على ذلك أن يكونوا جانحين أن أصبحوا جانحين. وكان من الأكثر إحتمالاً بالنسبة لأولئك الأفراد الذين لم ينزلقوا إلى براثن الجنوح

الصفحة 131                                                                                                                       

خلال مرحلة المراهقة أن يكونوا من ذوى الترتيب الميلادى الأول، وان يتم إدراكهم من جانب أمهاتهم على أنهم ودودون، وأن يكون لديهم تقدير مرتفع لذواتهم، وأن يكون لديهم بدلاء عن الوالدين يقومون برعايتهم والإهتمام بشئونهم في الأسرة، إلى جانب وجود نموذج مساند للدور الجنسى من نفس الجنس البيولوجي يلعب دوراً هاماً في نموهم. ويری رای جرانت و آخرون (1989) Rae Grant et. al أن هناك عوامل أخرى تقلل أو تضعف من أثر تعرضهم للعوامل المساعدة على حدوث الإضطرابات السلوكية تضم من بينها مستوى ذكاء فوق المتوسط، وكفاءة في الجوانب المختلفة للمهارات، وقدرة على مسايرة الأقران والتوافق معهم، ووجود جود العديد من الأصدقاء.

  وفي العديد من الأحيان تتمثل العوامل الوقائية في غياب العوامل المساعدة للإنحراف أو للإضطرابات السلوكية، أو في وجود عوامل عكس تلك العوامل المساعدة. وبالتالي فإن لين الجانب والنجاح الأكاديمي والعلاقات الطيبة مع الوالدين تقلل من احتمال التعرض لمخاطر الإنزلاق في الإضطرابات السلوكية، إضافة إلى عامل آخر غالبا ما يتمثل في إقامة علاقة طيبة مع شخص راشد يتسم بالإستجابية الإنفعالية ويقوم على رعاية الطفل والإهتمام بشئونه سواء كان هذا الشخص هو أحد الوالدين أو أي شخص آخر غيرهما .

  ومن ناحية أخرى فإن تحديد العوامل التي يمكن أن تقوم بوظيفة وقائية كل منها على حدة قد يحمل في طياته إما نمط التأثيرات الأكثر عمومية أو كيفية ظهور تلك العوامل وقيامها بأداء عملها خلال مضمار النمو. ويرى كل من فيرنر وسميت (1992) Werner & Smith ، و جارمزی (1985) Garmezy أنه يمكن في سبيل تنظيم النتائج التي كشفت عنها الدراسات التي أجريت في هذا المجال تصنيف تلك العوامل الوقائية في ثلاث فئات عامة كالتالي :

1 - مجموعة العوامل التي تتعلق بالسمات الشخصية للفرد والتي تبدأ منذ مرحلة المهد وتستمر خلال مضمار النمو. وتضم هذه المجموعة عدداً من العوامل

الصفحة 132                                                                                                                       

  مثل لين الجانب، وحب الاختلاط بالآخرين والتعامل معهم، والشعور بالكفاءة في المجالات المدرسية المختلفة والتقدير المرتفع للذات.

2 - مجموعة العوامل التي تتعلق بالأسرة، وتضم أنماط الرعاية الوالدية، و مستوى تعليم الوالدين والكفاءة الاجتماعية للوالدين.

-مجموعة العوامل التي تتعلق بالمساندة أو الدعم الخارجي، وتضم الصداقة والعلاقات مع الأقران والمساندة التي يحصل عليها الطفل من شخص راشد له أهمية كبيرة بالنسبة لذلك الطفل.

  وتمثل هذه التصنيفات أساليب هامة في تحديد العوامل الوقائية الرئيسية، إلا أنها مع ذلك وبما لا يدع مجالاً للشك تشوه من الكيفية التي تعمل بها تلك العوامل. ويرجع السبب في ذلك إلى أن هذه العوامل تميل إلى الاعتمادية المتبادلة والتبادل، فنجد على سبيل المثال أن تعلق الطفل بأحد الوالدين له أهميته كعامل وقائي، ومن المحتمل أن يعكس في الوقت ذاته سمات شخصية للطفل في ارتباطه بسمات الوالد. إلا أن وضع مثل هذه العوامل الوقائية في قائمة بهذا الشكل يجب الا يشوه أو يفسد طبيعتها الدينامية والمتبادلة. وفي هذا الإطار من المهم أن ندرك ونحدد العديد من هذه العوامل كجزء من التفاعلات التي تحدث بين الطفل والبيئة .

تعليق عام على العوامل الوقائية

  بعد كل ما تم تناوله نلاحظ أننا لا نعرف الكثير عن العوامل الوقائية قياسا بالعوامل المساعدة وذلك في علاقتها بالإضطرابات السلوكية. وعلاوة على ذلك فإن تفسير هذه العوامل والوسائل أو الأساليب التي تقوم بمقتصاها بعملها ليست أمراً واضحاً حتى الوقت الراهن. ومع ذلك يری مکورد و ترمبلای (1992) McCord & Tremblay أن العوامل المساعدة تعد هي بؤرة الاهتمام التي تنصب عليها غالبية الجهود التي تهدف إلى تحقيق الوقاية وريادة القدرة على المرونة والتكيف من جانب الأفراد الذين يحتمل أن ينزلقوا إلى الإضطرابات السلوكية. وتركز مثل هذه الجهود والتي سوف نتعرض لها فيما بعد على المهارات

الصفحة 133                                                                                                                       

التي تعمل على الوقاية من التأثيرات السلبية أو المعاكسة التي يمكن أن تؤدى إلى سوء التوافق. ومن المعلوم أن البناء النفسى العام الذى يعتمد على الكفاءة قد يمنع أو يقى من الإضطراب السلوكي وبصورة تبادلية يمكن للتعقيدات التي تعترض العوامل الوقائية أن تجعل منها عوامل يصعب حلها تماما مثل العوامل المساعدة على حدوث الإضطرابات السلوكية. أى أنه يمكن أن يكون هناك العديد من العوامل المختلفة التي يمكن أن تقى من العوامل المساعدة أو تقف أمامها . ويمكن أن تختلف مثل هذه العوامل وتتباين وفقا لعمر الطفل، وجنسه البيولوجي، وتأثير العوامل الوقائية الأخرى. ويحتاج تقييم العوامل الوقائية إلى إجراء العديد من الدراسات والبحوث لأن تطوير مثل هذه العوامل يمثل إتجاها حيويا في مواجهة الإضطرابات السلوكية ومنع حدوثها والوقاية منها.

الميكانيزمات والعوامل المؤدية إلى الإضطراب السلوكي

  تمثل العوامل المساعدة على حدوث الإضطرابات السلوكية والعوامل الوقائية أطرا أولية تتعلق بما يتم تضمنه في بداية ظهور الإضطراب السلوكي واستمراره. ومن الضرورى بالنسبة لنا أن نفهم وندرك أوجه القصور التي تتعلق بها. ويرجع إهتمامنا بمثل هذه العوامل المساعدة والعوامل الوقائية إلى محاولتنا فهم الكيفية التي يتطور بها الإضطراب حتى نتمكن من منع حدوثه، وأن نوفر له العلاج الملائم إذا ما حدث ذلك الإضطراب وليس من الضروري أن يتضمن تعيين أحد العوامل المساعدة فهما متعمقا له حتى وإن كان ذلك يمثل خطوة أولية هامة في هذا الإطار. ويشير الفهم في هذا السياق إلى الكيفية التي يتضح من خلالها تأثير هذا العامل أو إلى العملية التي يؤدى ذلك العامل من خلالها إلى السلوك الإنحرافي من جانب الطفل، كان ندرك على سبيل المثال كيف تؤدى الصراعات الزوجية أو سوء الإشراف على الطفل إلى العراك أو الشجار من جانبه، والسرقة والهروب من المدرسة، وإشعال الحرائق ومن ذلك يتضح أن ما نود أن ندركه ونفهمه في هذا السياق هو تلك العملية التي تكمن خلف العوامل المساعدة. وبدون هذا الفهم وذلك الإدراك سوف تذهب الجهود التي نبذلها في

الصفحة 134                                                                                                                       

سبيل العلاج أدراج الرياح إذ لن تكون بذلك في مكانها المناسب. وكتوضيحلذلك نذكر أن كون الفرد قصيراً وذكراً وأصلع الرأس قد يجعله عرضة للإصابة بأمراض القلب. وقد يكون من المحتمل في هذا الصدد أن نتدخل بالعلاج الواحد أو أكثر من تلك العوامل وذلك باستخدام خصلة من شعر مستعار تعلو قمة الرأس أو بتوفير حذاء مرتفع يزيد من طوله بعض الشيء على سبيل المثال. ومع ذلك فإن مثل هذه التدخلات العلاجية يحتمل أن تعكس سوء فهم للأسباب والكيفية التي تساعد تلك العوامل بمقتضاها الفرد في أن يصاب بالمرض أو تعرضه الخطر الإصابة .

  ومن الجدير بالذكر أن البحث في تلك الميكانيزمات أو العمليات التي قد تعمل من خلالها مثل هذه العوامل المساعدة قد تطور كثيراً في الآونة الأخيرة، فوجدنا على سبيل المثال أن الإختلال النفس عصبى قد يعرض المراهقين للإتيان بالسلوك العدواني، ولكن كيف يتم ذلك؟ وللإجابة عن هذا السؤال نرى أن ميكانيزما معينا يحتمل أن يكمن خلف تلك العملية وقد يتمثل في أن الاختلال النفس عصبي يغير من عتبة ردود فعل الطفل أو المراهق للبيئة إذ ينتج عنه حالة مزاجية أكثر تطرفا، وهذا قد يغير بالتالي من تلك الإستجابات التي قد يثيرها الطفل من الآخرين فتؤدى إلى ردود فعل سلبية من جانب الوالد تتضمن أساليب قاسية وجافة للمعاملة الوالدية. وبهذه الطريقة يبدأ تتابع العمليات والنتائج التي تربط بين العوامل المساعدة في توضيح الكيفية التي يتطور بها الإضطراب السلوكي.

  هذا ويمكن تفسير السمات التي تميز المراهقين الذين تصدر عنهم إضطرابات سلوكية وأقرانهم الذين لا تصدر عنهم مثل هذه الإضطرابات وذلك من خلال إتجاهات بحثية معينة يمكن أن تعمل على إيضاح الكيفية التي تؤدى بها مثل هذه السمات إلى حدوث الإضطراب أو مدى إسهامها في حدوثه. وسوف نتناول بإختصار في هذا الصدد ثلاثة إتجاهات عامة تعمل على تعيين الأسس المحتملة للإضطراب السلوكي والكيفية التي تعمل بها، وذلك على النحو التالي:

الصفحة 135                                                                                                                       

أولاً: يتمثل الإتجاه الأول في الفروق السيكوبيولوجية التي يحتمل أن تؤدى إلى الإضطراب السلوكي إما من خلال تأثيرها المباشر أو بطريقة غير مباشرة وذلك من خلال زيادة قابلية التعرض للمؤثرات غير المباشرة. وتعد الفروق بين المراهقين في الجانب التشريحي للمخ كما يرى کوای (1993) Quay من بين العوامل التي تفسر السلوك العدواني بين هؤلاء المراهقين. كذلك تؤكد نتائج الدراسات التي أجريت في هذا الصدد أن الأنساق المخية المتعلقة بالكف السلوكي والإثابة تؤثر على استجابات الفرد، إضافة إلى الفشل في التعلم من البيئة بطرق أو أساليب حاسمة كالفشل في الاستجابة بشكل جيد لخبرات العقاب التي تؤدى إلى منع حدوث الإستجابة. ومن المفترض أن أي نقص في كف السيطرة على السلوك العدواني وأي زيادة أو إفراط في إثابة السيطرة على السلوك العدواني يعد أمراً غاية في الأهمية. وتتضمن إختبارات صحة هذه الفروض تقييما أوليا للموصلات العصبية والنشاط البيوكيميائي للمخ كهرمونات النور ادرنالین والسيروتونين والذي يعكس حدوث إختلال في الكف والإثارة وعلاقة هذا الإختلال بمقاييس أخرى للعدوان مثل تقديرات المعلمين والوالدين أو المقابلات الشخصية كما يرى كل من لاهی و آخرین (1993) Lahey et. al و کوای (1993) Quay وروجينيس و آخرين (1992) Rogeness et. al وهناك من الأدلة ما يؤيد ذلك فيما يتعلق بتشخيص الإضطراب السلوكي في مقابل مجموعات تشخيصية أخرى، إضافة إلى ما أظهرته الدراسات التي كشفت عن أن الفروق البيوكيميائية عند الأطفال كتلك التي تتعلق بالتغيرات الكيميائية في هرمون السيروتونين يمكن من خلالها كا بری کروزی و آخرون (1992,1990) Kruesi et. al التنبؤ بمستويات العدوان حتى بعد ذلك بعامين.

ثانيا: يتمثل ثانى الإتجاهات البحثية البيولوجية التي تركز على الميكانيزمات في الأنساق العصبية. وقد تناول روتر وجيلر (1983) Rutter

الصفحة 136                                                                                                                       

الأسس البيوكيميائية للعدوان، ووجدا على سبيل المثال أن بلازما التستوستيرون وهو هرمون تفرزه الخصية يعرف بهرمون الذكورة أو مكوناته تزداد بشكل كبير بين الجانحين الذين يتسمون بالعنف قياساً بمجموعة ضابطة من أقرانهم العاديين، كما يرتبط إيجاباً بإنخفاض معدل مواجهة الإحباط وبالتقارير الذاتية للعدوان اللفظي والجسمى بين العينات غير المرضية خاصة كإستجابة للإستفزاز والتهديد. وربما يلعب التستوستيرون دوراً رئيسياً في حدوث العدوان قياساً بالدور الذي يلعبه في حدوث الإضطراب السلوكي بشكل عام نظراً لأنه لم يتضح بعد أنه يرتبط بالسلوكيات المضادة للمجتمع كالسرقة والهروب من المنزل أو المدرسة وتحطيم الممتلكات. ومع ذلك فإن علاقة التستوستيرون بالعدوان لا تكون موجودة بشكل دائم وبناء على ذلك يرى كونستاتينو و آخرون (1993) Constatino et. al أن كلاً من الأسئلة المحورية في هذا الصدد والدور المحتمل للوسائط الأساسية التي تؤثر في هذه العلاقة لا تزال في حاجة إلى التحقق منها .

ثالثا: من الجدير بالذكر أن الإتجاه الثالث في هذا الصدد يتناول تلك الميكانيزمات التي يعترض أن تركز على العوامل بين الشخصية التي تؤدى إلى ظهور الإضطراب السلوكي ويرى باترسون وآخرون (1992) Patterson et. al أن أبرز هذه العوامل تتمثل في العلاقة بين الطفل ووالديه، كما يرون أن السلوك العدواني يولد لدى الطفل بمقتضى هذه العلاقة حيث نجد من وجهة النظر التي تتناول التفاعلات الاجتماعية أن الأسلوب بين الشخصي للطفل يتم تعلمه داخل الأسرة ويمتد إلى الآخرين خارج نطاق الأسرة كالأقران والمعلمين على سبيل المثال. ويتضمن نمط التفاعلات الأسرية في مثل هذه الحالة أساليب المعالة الوالدية غير الملائمة والتغيرات القسرية التي تؤدى إلى زيادة حدة العدوان من جانب الطفل. وقد أوضحت نتائج العديد من الدراسات أن آباء الأطفال العدوانيين يقومون بشكل غير متعمد بتعزيز ذلك

الصفحة 137                                                                                                                       

السلوك العدواني وذلك من خلال مهاراتهم الوالدية الضعيفة. وبالمقارنة بآباء الأطفال العاديين كان آباء الأطفال العدوانيين يعاقبونهم بشكل غير ثابت وغير متسق ولكنه في الوقت ذاته كان عقابا يتسم بالكثرة والشدة وعدم الفاعلية، فكانوا يولون إهتماماً كبيراً للسلوك غير الملائم من جانب الطفل ويثيبونه عليه، كما كانوا يقومون بتعزيز السلوكيات القرية والبغيضة التي يأتى بها الطفل كالصراخ والصياح على سبيل المثال.

  ويعد استخدام العقاب القاسي في المنزل حدثا سابقا للسلوك العدواني من جانب الطفل ويرتبط به. ومن المحتمل أن تكون هناك آثار جانبية لإستخدام العقاب البدني تتضمن العدوان الموجه ضد الآخرين. ومن ثم فليس من الغريب أن يكون من الأكثر احتمالاً بالنسبة للأطفال الذين يتم عقابهم بشكل قاس أن يصبحوا عدوانيين وعلى أي حال فإن نتائج الانماط التفاعلية المبكرة يبدو أنها تمتد إلى جوانب أخرى. ومن الجدير بالذكر أن السلوكيات المنحرفة من جانب الطفل خلال مرحلة الطفولة المتوسطة تقريباً تؤدى إلى رفض الأقران غير المنحرفين لذلك الطفل، وإلى فشله دراسيا وكلاهما يؤدي بالتالي خلال مرحلتي الطفولة المتأخرة والمراهقة المبكرة إلى التفاعل مع الأقران المنحرفين ثم إلى الإضطراب السلوكي والجنوح. وقد لقى هذا التتابع المحتمل تأييداً من تلك النتائج التي كشفت عنها الدراسات الطولية حيث توضح مثل هذه الدراسات الكيفية التي يتطور بها السلوك المنحرف والتأثير المحتمل الذي يمكن أن يتعرض له من قبل العديد من العوامل المختلفة كما يرى باترسون وآخرون (1992,1991) Patterson et. al وذلك على إمتداد مضمار التطور هذا.

  هذا وقد أوضحت دراسات أخرى حول الميكانيزمات أو العمليات المؤدية إلى الإضطراب السلوكي كتلك التي أجراها كريك ودودج (1994) Crick&Dodge ودودج (1985) Dodge دمجاً للنتائج التي تتعلق بتجهيز المعلومات الاجتماعية. ويمثل المكون الذي يتضمن إنحيازاً في عملية العزو بين الأطفال والمراهقين العدوانيين مكوناً أساسياً من تلك المكونات الهامة المتضمنة في هذا

الصفحة 138                                                                                                                       

الجانب إذ يميل المراهقون العدوانيون إلى التركيز على المواقف الغامضة كتلك التي لا تتسم نوايا الآخرين فيها بالوضوح الذي يمكننا من تصنيفها على أنها مواقف عدوانية أو عدائية. ويساعد عزو العدائية إلى الآخرين على التعجيل بحدوث الأفعال العدوانية والإندفاع في القيام بها إذ أنها تعد في هذا الصدد بمثابة أعمال ثأرية أو إنتقامية وذلك من وجهة نظر الطفل العدواني. ومع ذلك فلا يبدو أن هناك ما يبرر مثل هذه الأفعال وذلك من وجهة نظر أقران هذا الطفل، ومن ثم فإن رفض الأقران للطفل العدواني وما يبدر منه من سلوكيات عدوانية يمثل أمراً يلى قيام الطفل بمثل تلك السلوكيات. إلا أن ردود فعل هؤلاء الأقران تجاه الطفل العدواني وكراهيتهم له وعزلتهم عنه تعطيه إشارات ودلائل إضافية على أن البيئة تعتبر عدائية بالنسبة له. وبذلك يتم تعزيز تلك الحلقة المفرغة من السلوك العدواني وردود الفعل المعاكسة من جانب الأقران.

  ويساعد التركيز على سمات معينة كأساليب تنشئة الطفل وتربيته، وعمليات العزو على تمحيص تلك الأساليب التي يمكن أن تعمل بها المتلازمات والعوامل المساعدة. وفي كل حالة من تلك الحالات نلاحظ أن هناك بنية أو بناء أساسيا يعد بمثابة نقطة الإنطلاق لتعيين العلاقات بين المظاهر الحالية والتالية للإضطراب السلوكي. وتعد فكرة نقطة الإنطلاق هذه فكرة أساسية وذات أهمية نظراً لأن فهم الميكانيزمات التي لها تأثير معين تؤدى إلى طرح فروض معينة وإلى التحقق من الكيفية التي يمكن أن تعمل بها مؤثرات أخرى. وهنا نلاحظ وجود تفاعل بين المؤثرات البيولوجية والاجتماعية، وأن فهم أحدهما يمكن أن يخبر عن الآخر إذ نجد على سبيل المثال أن العقاب القاسي يمكن أن يزيد من خطر التعرض للإضطراب السلوكي. وهذا بطبيعة الحال يمكن أن يعمل من خلال التعلم الاجتماعى كنمذجة السلوك العدواني، ونقل أو إزاحة العدوان على سبيل المثال، إضافة إلى أنه أيضاً يمكن أن يعمل من خلال العمليات الفسيولوجية داخل الفرد كزيادة إفراز الهرمونات مثلاً أو إستجابة الموصلات العصبية للتوتر والذي يمكن أن يزيد كما يرى لويس (1992) Lewis من احتمال حدوث

الصفحة 139                                                                                                                       

السلوك المشكل أو زيادة القابلية للتأثر بمؤثرات أخرى. ومن ثم تتمثل المهمة الأساسية للبحوث والدراسات المختلفة في هذا الصدد في تعيين الكيفية التي تعمل بها مؤثرات معينة والكيفية التي ترتبط بها بمؤثرات أخرى، وتتأثر بها، وتتفاعل معها وذلك فيما يتعلق بحدوث الإضطراب السلوكي.

الإضطراب السلوكي على امتداد الحياة

  لقد ركزنا في الجزء السابق على تلك العوامل المساعدة على حدوث الإضطراب السلوكى، لكن لا تزال مع ذلك هناك بعض الاسئلة العامة موضع الاهتمام والتي تتضمن أسئلة من قبيل :

-ما الذي يحدث للأفراد دوى الإضطرابات السلوكية عند بلوغهم سن الرشد؟

-ما هي السمات التي تميز الإضطراب السلوكي على امتداد الحياة بكليتها أو منذ الميلاد وحتى الوصول إلى سن الرشد؟

وسوف نحاول على امتداد الصفحات التالية أن نجيب عن مثل هذه الأسئلة.

استمرار الإضطراب السلوكي خلال مرحلة الرشد

  تناولت دراسات عديدة نواتج الإضطراب السلوكي الذي يحدث في مرحلة الطفولة، وأوضحت الدراسات الطولية بشكل متسق وثابت أن الإضطراب السلوكي الذي يحدث في مرحلة الطفولة أو المراهقة ينبئ باستمرار مضمار اختلال الأداء الوظيفي الاجتماعي والسلوك المشكل والتوافق السيئ للمدرسة أو سوء التوافق المهنى وذلك كما يرى فارنجتون (1991) Farrington. وتمثل الدراسة الكلاسيكية التي أجراها روبنز(1966)  Robins أفضل الأمثلة التي توضح التكهن طويل المدى بمال الأطفال المحالين إكلينيكيا للعلاج والذي عمد فيها إلى تقييم وضعهم بعد ذلك بثلاثين عاماً. وأوضحت نتائج تلك الدراسة أن السلوك الذي يصدر عن الطفل ذى السلوك المضاد للمجتمع يمكن من خلاله التنبؤ بالعديد من المشكلات التي يمكن أن يواجهها هذا الطفل عندما يصل إلى

الصفحة 140                                                                                                                       

مرحلة الرشد. كما أن الراشدين الذي تمت إحالتهم للعلاج من قبل بسبب الإضطرابات السلوكية قياساً بأقرانهم الذين تمت إحالتهم للعلاج من جراء مشكلات إكلينيكية أخرى أو بأقرانه العاديين الذين لم تتم إحالتهم للعلاج والذين يمثلون المجموعة الضابطة كانوا يعانون كراشدين من أعراض سيكاترية ومن السلوك الإجرامي، وإختلالات في الأداء الوظيفي تتعلق بالصحة الجسمية وسوء التوافق الاجتماعي. أما في الوقت الراهن فتوجد دراسات عديدة تتناول إختلال الأداء الوظيفي للأطفال أو المراهقين ذوى الإضطرابات السلوكية مع تقدمهم في مضمار النمو ووصولهم إلى مرحلة الرشد. وتوضح مثل هذه الدراسات أن الدلائل المبكرة عن الإضطراب السلوكي سواء تم تحديدها من خلال تقديرات الوالدين أو المعلمين أو الأقران يمكن من خلالها التنبؤ بالإضطراب السلوكي اللاحق والذي قد يمتد إلى عشر سنوات أو عشرين سنة وحتى ثلاثين سنة بعد ذلك (Farrington,1991).

  ويوضح العرض التالى السمات التي يحتمل أن يتصف بها الأفراد المضطربون سلوكيا عندما يصلون إلى مرحلة الرشد وأهم الأعراض التي تبدو عليهم.

1 - الحالة الميكاترية:

  و تتميز بوجود خلل سیکاتری واضح يتضمن الشخصية المضادة للمجتمع، وإساءة استخدام العقاقير والكحوليات. إلى جانب أعراض مستقلة كالقلق والشكاوى الجسمية المختلفة، إضافة إلى تاريخ مرضى للحجز في المستشفى وذلك من جراء الإضطرابات السيكاترية .

2 - السلوك الإجرامي:

  توجد معدلات مرتفعة لقيادة السيارات تحت تأثير المخدر، وإرتكاب الجرائم وإلقاء القبض على الفرد من جانب البوليس والإدانة في جرائم مختلفة وقضاء فترات زمنية داخل السجن، مع وجود قدر كبير من الخطورة للأفعال الإجرامية التي يرتكبها .

الصفحة 141                                                                                                                       

3 - التوافق المهني:

  هناك إحتمال ضعيف في أن ينجح الفرد في الإلتحاق بوظيفة معينة، إلى جانب وجود تاريخ قصير للإستمرار في عمل معين، وأداء أو الإلتحاق بوظائف ذات وضع منخفض، وعدم الإستمرار فى أى وظيفة أو عمل لفترة طويلة، والحصول على أجر منحفض والإعتماد الدائم على الإعانات المالية التي توفرها الدولة، بالإضافة إلى التهرب من أداء الخدمة العسكرية، وإن التحق بها الفرد لا يكون أداؤه خلال الفترة التي يمكنها فيها على ما يرام .

4 - المجال الأكاديمي:

  ويتميز هؤلاء الأفراد في هذا الجانب بإرتفاع معدلات تسربهم من المدرسة وانخفاص معدلات الإنجاز أو التحصيل بشكل عام وذلك قياسا بأقرانهم الذين يبقون بالمدرسة .

5 - الحالة الاجتماعية:

  وتتميز بارتفاع معدلات الطلاق، إلى جانب إرتفاع معدلات الزواج مرة ثانية أو ثالثة أى الزواج من جديد، إضافة إلى ارتفاع معدلات الإنفصال .

6 - المشاركة الاجتماعية:

  ويميزها إنخفاض معدلات التواصل مع الأقارب والأصدقاء، والجيران، مع إنخفاض معدلات المشاركة في المنظمات أو المؤسسات المجتمعية المختلفة.

7 - الصحة الجسمية:

  وتتسم بارتفاع معدلات الوفيات، وارتفاع معدل الحجز بالمستشفيات من جراء العديد من المشكلات أو الإضطرابات الجسمية المختلفة أو من جراء الإضطرابات السيكاترية .

  ويرى كل من فارنجتون (1991) Farrington ولوبر (1990) Loeber وروتر وجيلر (1983) Rutter & Giller وروبنز (1978) Robins أن هذه السمات والأعراض قد تم تحديدها إستناداً إلى المقارنة بين المحالين إكلينيكيا للعلاج بسبب

الصفحة 142                                                                                                                       

الإضطرابات السلوكية مقارنة بمجموعة ضابطة من المحالين إكلينيكيا للعلاج بسبب إضطرابات أخرى، أو مقارنة بمجموعة ضابطة أخرى من الأفراد العاديين، إلى جانب الإستناد إلى المقارنة بين الجانحين وغير الجانحين.

  وعلى الرغم من أنه يمكننا من خلال الإضطراب السلوكي خلال مرحلة الطفولة التنبؤ بعدد من المشكلات الهامة الأخرى خلال مرحلة الرشد، فإنه ليس كل الأطفال الذين تصدر عنهم سلوكيات مضادة للمجتمع يعانون من خلل أو إختلال في الأداء الوظيفي خلال مرحلة الرشد حيث وجد روبنز (1978) Robins من بين العديد من العينات المختلفة التي قام بدراستها أن أقل من ٥٠٪ من الأطفال ذوى السلوك العنيف المضاد للمجتمع يظلون على سلوكهم هذا المضاد للمجتمع خلال مرحلة الرشد وتوضح بعض الأدلة الأخرى وجود فروق هامة تتعلق بالجنس كما يتضح من نتائج دراسة كوينتون وآخرين (1990) Quinton et. al لها أثرها في استمرار الإضطراب السلوكي خلال مرحلة الرشد حيث من الأكثر إحتمالاً بالنسبة للبنين أن يستمروا في الإضطراب السلوكي خلال مرحلة الرشد وذلك على هيئة إضطراب الشخصية المضادة للمجتمع. وعلى النقيض من ذلك يكون من الأكثر إحتمالاً بالنسبة للبنات أن ينتقلن إلى أنماط مستدخلة أو داخلية من الإضطراب كالإكتئاب والقلق وذلك خلال مرحلة الرشد.

  وعلاوة على ذلك فإننا نلاحظ فيما يتعلق بعينات الذكور والإناث أن أقل من نصف الأفراد قد استمر معهم الإضطراب السلوكي خلال مرحلة الرشد. وإذا ما وضعنا في اعتبارنا التشخيصات المختلفة وليس مجرد استمرار الإضطراب السلوكي فحسب فإننا نلاحظ أن صور الخلل خلال مرحلة الرشد تعد أكثر سوءاً حيث نجد أن من بين الأطفال المحالين للعلاج من جراء الإضطراب السلوكي كان %84 منهم عند وصولهم لمرحلة الرشد قد تم تشخيصهم على أنهم يعانون من إضطراب سيكاترى خلال مرحلة الرشد. وعلى الرغم من أن مثل هذه التشخيصات تتباين في درجة الخلل كالعصاب والذهان على سبيل المثال فإن النتائج التي تم التوصل إليها توضح أن غالبية الأطفال الذين يعانون من

الصفحة 143                                                                                                                       

الإضطراب السلوكي يعانون في الوقت ذاته من الخلل في الأداء الوظيفي بدرجة لها دلالتها ومغزاها. وبذلك يعد التكهن بالنتائج فيما يتعلق فقط بالخلل السيكاترى اللاحق غير ملائم نسبياً وذلك إلى حد ما. ومن المحتمل أن يرتبط مثل هذا الخلل بالأداء في المجالات الأخرى كما يتضح من العرض السابق للسمات والأعراض التي يحتمل أن تميز الأفراد المضطربين سلوكيا عندما يصلون إلى مرحلة الرشد.

  وكما لاحظنا سلفا فإنه ليس كل الأطفال الذين يعانون من الإضطراب السلوكي يستمرون في هذا النمط من إختلال الأداء الوظيفي مع تقدمهم في النمو إلى مرحلة الرشد وكما هو الحال بالنسبة لبداية حدوث الإضطراب السلوكي فإنه قد تم تعيين العديد من العوامل المساعدة على استمرار حدوث مثل هذه السلوكيات المضطربة. وسوف نعرض بعد قليل للعوامل الأساسية التي تؤثر في إحتمال إستمرار الإضطراب السلوكي خلال مرحلة الرشد. ومن الجدير بالذكر أن هذه العوامل تماثل تلك العوامل التي ترتبط ببداية ظهور الإضطراب السلوكي ولا يتضح من مجرد ذكر العوامل المساعدة كل على حدة مدى تعقد عملية التكهن بالنتائج إذ نجد على سبيل المثال أن إحتمال إستمرار الإضطراب السلوكي على المدى الطويل ووصوله إلى مرحلة الرشد يتزايد عندما يكون للأب تاريخ في الإضطراب السلوكي وتعاطى الكحوليات، أما إذا كان كلا الوالدين يصدر عنهما سلوكيات مضادة للمجتمع، وكان كلاهما من متعاطي الكحوليات فإن مثل هذا الإحتمال يتزايد بدرجة أكبر. ومع ذلك فإنه عندما تكون الأم فقط هي التي تفعل ذلك فإن إحتمال أن يصبح الطفل شخصية مضادة للمجتمع لا يتزايد بنفس القدر. وبذلك نجد أنه فيما يتعلق بمتغير واحد معين، أو بعدد من المتغيرات البديلة فإن العلاقات التي يحتمل حدوثها قد تكون معقدة نسبيا. وكذلك من المحتمل أن تكون بعض العوامل المساعدة أكثر أهمية من غيرها. وفي هذا الصدد نجد على سبيل المثال أن الدلائل المبكرة للإضطراب السلوكي أي التي تظهر في وقت مبكر من حياة الطفل تعد من بين العوامل الأساسية التي يمكن

الصفحة 144                                                                                                                       

من خلالها التنبؤ باستمرار الإضطراب السلوكي خلال مرحلة الرشد. كذلك فإن عدد العوامل المساعدة بعد ذو أهمية هو الآخر، ومن ثم فإن تراكم أو تجمع عدد أكبر من هذه العوامل يزيد من احتمال المخاطر في هذا الصدد.

  أما فيما يتعلق بالسمات أو العوامل التي يمكن من خلالها التنبؤ باستمرار حدوث الإضطراب السلوكي خلال مرحلة الرشد فيمكننا أن نعرض لها على النحو التالي :

1 - العمر عند بداية حدوث الإضطراب:

  عندما يكون الإضطراب السلوكي قد بدأ في سن مبكرة أي قبل العاشرة أو الثانية عشرة من عمر الفرد ترتبط تلك البداية المبكرة للإضطراب أيضا بمعدل ومستوى خطورة الإضطراب السلوكي الذي يحدث بعد ذلك .

2 - مدى الانحراف:

  يوجد عدد ضخم من الأنماط المختلفة للسلوكيات المضادة للمجتمع ومجموعة كبيرة من المواقف التي يظهر فيها السلوك المضاد للمجتمع كالمواقف المنزلية أو المدرسية، إلى جانب وجود مدى كبير من الأفراد أو المنظمات التي يتم توجيه هذه السلوكيات ضدها .

3 - تكرار السلوك المضاد للمجتمع:

  يوجد عدد كبير من الأحداث المختلفة المضادة للمجتمع بغض النظر عن تضمنها لعدد من السلوكيات المختلفة.

4 - مدى خطورة السلوك:

  يحدث سلوك مضاد للمجتع خطير نسبيا في مرحلة الطفولة وخاصة إذا ما كان هذا السلوك يمثل الأسس أو الدعائم التي يرتكز عليها إصدار حكم قضائي .

5 - نمط الأعراض:

  تتكرر سلوكيات معينة مضادة للمجتمع كالكدب والإندفاعية، والهروب من

الصفحة 145                                                                                                                       

المنزل أو المدرسة، والسرقة، والتأخر ليلاً خارج المنزل. كما يمكن أن تظهر من خلالها أيضاً أعراض ليست مضادة للمجتمع كالقذارة سواء تعلقت بالجسم أو الملبس، والتبول اللاإرادي وذلك بعد سن السادسة.

6 - السمات الوالدية:

  يتعرض الوالدان أو أحدهما لبعض الأمراض النفسية وخاصة ما يتعلق منها بالإضطراب السلوكي. كما يوجد سجل للقبض على الوالد من جانب الشرطة والبطالة، وتعاطى الكحوليات، وسوء الإشراف الوالدى على الطفل كالصرامة الظاهرة أو التسيب أو عدم الإنساق والثبات في استخدام أساليب المعاملة الوالدية .

7 - الأسرة:

  يوجد عدد كبير من المضطربين سلوكيا ينحدرون من أسر يسود فيها الإنفصال بين الوالدين، ومن أسر ذات حجم كبير .

  ومن الجدير بالذكر أن هذه السمات أو العوامل ترتكز كما يرى كل من باترسون و آخرین (1992) Patterson et. al وفارنجتون (1991) Farrington وهنجلر (1989) Henggeler و کازدین (1985) Kazdin على تلك المقارنات التي أجريت بين الأطفال المحالين إكلينيكيا للعلاج بسبب إضطرابهم سلوكيا و مجموعة ضابطة من أقرانهم المحالين إكلينيكيا للعلاج لأسباب غير الإضطراب السلوكي أو مجموعة ضابطة من الأقران العاديين، أو ترتكز على المقارنات التي أجريت بين الجانحين وأقرانهم غير الجانحين.

منظور حياتي ( مدى الحياة ) للإضطراب

  وبما أن الإضطراب السلوكي يستمر حتى خلال مرحلة الرشد وذلك بالنسبة للعديد من الأفراد فإن ذلك يعنى أنه يعد بمثابة إختلال خطير في الأداء الوظيفي يستمر مدى الحياة. ويكمن الهدف من النظرية والبحث في هذا المجال في فهم الدلائل والأعراض ومضمار الإضطراب السلوكي على مدى الحياة بأكملها وذلك

الصفحة 146                                                                                                                       

بالتحديد أو على وجه الخصوص منذ الميلاد وحتى خلال مرحلة الرشد وتزودنا البحوث التي تم إجراؤها على المراهقين في المدارس والتي تتناول الإضطرابات السلوكية والجنوح بقدر كبير من النتائج والأدلة التي تتعلق باختلال الأداء الوظيفي في هذا المدى العمري.

  كذلك فمن المحتمل بالنسبة للعديد من الأعراض التي تميز الإضطراب السلوكي وتعد في الوقت ذاته بمثابة تشخيص له أن تظهر على الأطفال في مرحلة الطفولة المتأخرة وعلى المراهقين خلال المراهقة المبكرة أى من سن السابعة وحتى الثانية عشرة من العمر. إلا أننا نأمل أن نلم بالإضطراب السلوكي ونفهمه جيدا وذلك على مدى مضمار النمو بكليته، وذلك من خلال الإجابة الوافية عن العديد من الأسئلة منها على سبيل المثال ما يلى:

1 - متى يبدأ الإضطراب السلوكي؟

2 - ماذا يشبه هذا الإضطراب في مخزون الأفراد على مدى مضمار نموهم؟

3 - كيف يتطور ذلك الإضطراب؟

  ومن الجدير بالذكر أنه من المحتمل بالنسبة للسمات التي تميز الإضطراب السلوكي أن تبدو مختلفة جدا بالنسبة لشخص معين على مدار مضمار نموه بأكمله. وهناك فكرة هامة لتناول هذه الفروق قدمها كاجان (1969) Kagan يطلق عليها الإستمرار العروى أو النصفى ويدل هذا المفهوم على أن دلائل معينة للسلوك كالإضطراب السلوكي مثلاً يحتمل أن تتغير خلال مضمار النمو. ومع ذلك فهناك إستمرار في الصفة أو السمة الظاهرة التي تميز هذا السلوك المعين كان نجد على سبيل المثال أن الأطفال ذوى المشكلات السلوكية قد يكونوا عنيدين ويقومون بكسر لعب الأطفال الآخرين، ويأخذون أشياء تخص أصدقائهم. ومع ذلك فإن العناد، وتكسير الأشياء، وأخذ الأشياء من الأطفال الآخرين وذلك بين الأطفال الأصغر سنا الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث وأربع سنوات قد لا يمكن من خلالها التنبؤ بنفس هذا السلوكيات بعد ذلك بعشر سنوات. ومع هذا فإن مثل هذه السلوكيات التي تظهر في وقت مبكر من

الصفحة 147                                                                                                                       

حياة الطفل قد يمكن من خلالها التنبؤ بالسلوكيات التي ترتبط بها أو تنتمى إلى نفس الفئة العامة من السلوكيات كالسرقة من المحلات مثلاً ومجابهة الغرباء أو الهجوم عليهم مستخدما سلاح.

  ویری جیسور و آخرون (1991) al..Jessor et وأن وجهة النظر التي تتعلق بالسلوك المشكل التي ذكرناها سلفا تعد بمثابة أحد الأساليب التي يتم بمقتضاها اللجوء إلى سمة رئيسية ثابتة لإتحاد أو إتساق الأنماط المختلفة من السلوك المضطرب خلال مضمار النمو. وتسلم وجهة النظر تلك بأن السلوكيات المنحرفة المتعددة كإساءة استخدام العقاقير والنشاط الجنسي المبكر على سبيل المثال قد تحدث معا، وأن هذه الأنماط السلوكية قد تم إتحادها أو إتساقها من قبل نظراً لأنها تعد أساليب بديلة للقيام بوظائف معينة كتحقيق الإستقلال عن الوالدين مثلاً . ویری نيو كمب ومكجى (1992) McGee & Newcomb أن هناك وسيلة أخرى للإشارة إلى وجهة النظر هذه في علاقتها بالمناقشة الراهنة تتمثل في أن نضع في إعتبارنا إحتمالاً بأن هناك زملة إنحرافية عامة تضم مجموعة من السلوكيات المنحرفة أو المشاكل السلوكية. وفى الواقع تؤكد الأدلة التي تم الحصول عليها على وجود سمات عديدة تحدث معا كزمرة مثل تعاطي الكحوليات وإساءة استخدام العقاقير والسلوك الإجرامي، والإنغماس في النشاط الجنسي، ونقص في درجة الإمتثال للمجتمع بعاداته وتقاليده وقوانينه، وأن زمرة السلوكيات المنحرفة والتي لا يجب بالضرورة أن تكون هى نفس السلوكيات تستمر خلال مضمار النمو من الطفولة إلى المراهقة فالرشد. وطبقاً لوجهة النظر الخاصة بوجود زملة إنحرافية عامة قد يكون من المهم تعيين الأفراد الذين تصدر عنهم مثل هذه السلوكيات إعتماداً على هذا النمط الأساسي. وقد يكون من المهم أيضاً أن ننظر من خلال هذا النمط العام إلى إستمرارية تلك السلوكيات خلال مضمار النمو. وإضافة إلى ذلك فإنه قد يكون هناك أنماط فرعية يمكن إكتشافها بشكل ثابت .

  وتركز معظم الدراسات التي تتناول الإضطراب السلوكي على مسارات تطورية معينة وانتقالات أو تحولات وتحورات تحدث خلال مضمار النمو. وتتمثل المهمة

الصفحة 148                                                                                                                       

الرئيسية في ضوء هذه البحوث كما يرى بيترز وآخرون (1992) Peters et. al في تعيين السمات والإشارات أو الدلائل الخاصة باختلال الأداء الوظيفي خلال مضمار النمو، وفى تحديد الوقت والكيفية التي تنتقل بها هذه المظاهر أو تتحور. وقد تم في هذا الإطار إجراء دراسات طولية تمت من خلالها دراسة مجموعة من الأفراد خلال عدة سنوات تراوحت بين عدد معين من السنين تغطى مرحلة نمائية معينة أو أكثر إلى دراستهم على مدى مضمار النمو بأكمله أي منذ الميلاد مروراً بالمراهقة حتى مرحلة الرشد (Farrington, 1991; Werner & Smith, 1992). وقد عملت تلك الدراسات التي أجريت على هؤلاء الأفراد خلال مضمار النمو باكمله على تقسيمهم وتصنيفهم إلى عينات في أوقات متعددة أي كل بضع سنوات حتى يمكن تعيين العوامل التي يمكن من خلالها التنبؤ في وقت مبكر من عمر الفرد بالسلوك الذي يمكن أن يحدث فيما بعد، كأن نتعرف على سبيل المثال على ما كان عليه المراهقون الجانحون عندما كانوا في طفولتهم المبكرة وما بعدها .

  ومن المحتمل أن تظهر المارات المحتملة لتطور الإضطراب السلوكي من خلال مثل هذه الدراسات. وقد ذكرنا بعضا مما كشفت عنه هذه الدراسات من نتائج من قبل، ومنها على سبيل المثال أن بداية حدوث الإضطراب السلوكي عند الطفل والمراهق تعتمد على الدراسات التي تفترض وجود نمطين لذلك لكل منهما ظروفه التي تسبقه والسمات التي تميزه والنواتج التي تحدث بناء عليه. وبالنسبة للإضطراب السلوكي نلاحظ بشكل عام أنه توجد مسارات عديدة له حيث نجد على سبيل المثال أن العناد وعدم الطاعة، والتحدى الذى يحدث في وقت مبكر من مرحلة الطفولة يميل كما يرى لاهي وآخرون (1992) Lahey et al إلى أن يسبق الإضطراب السلوكي، وهو ما يؤيده لوبر وآخرون (1993), Loeber . Keenan et. al

  أما فيما يتعلق بالتشخيص فیری باترسون (1992) Patterson أن إضطراب العناد والتحدى يميز النمط الأول، وقد يسبق تشخيص هذا الإضطراب لدى العديد من الراشدين تشخيص الإضطراب

الصفحة 149                                                                                                                       

السلوكي لديهم أى يحدث لديهم قبل أن يحدث الإضطراب السلوكي. ومع ذلك فإن العديد من الراشدين من ذوى إضطراب العناد والتحدى لا يتطور لديهم الأمر إلى حدوث الإضطراب السلوكي، كما أن العديد من الراشدين من ذوى الإضطرابات السلوكية ليس لديهم تاريخ مرضى سابق يتعلق بإضطراب العناد والتحدى. ومع ذلك فإن الأدلة والنتائج التي كشفت عنها الدراسات في هذا المجال تشير إلى وجود قدر كبير من الثبات خلال مضمار النمو يتعلق بحدوث وتطور الإضطرابات السلوكية، فالسلوكيات التي تحدث في وقت مبكر من عمر الفرد مثل عدم الطاعة ونوبات الغضب على سبيل المثال من المحتمل أن تعد مقدمة أو تمهيد لسلوكيات أخرى مثل العدوان البدني وبالتالي تبدأ هذه السلوكيات في التشعب بشكل عام إلى سلوكيات أخرى في مجالات عديدة كالعلاقة مع الأقران مثلاً أو الأداء المدرسي. ويرى بيترز و آخرون (1992) peters et. al أن البحوث والدراسات في هذا المجال قد بدأت في تصوير مثل هذه التطورات ليس خلال مرحلة نمائية بعينها فحسب، ولكن خلال مضمار النمو بأكمله أي منذ ميلاد الفرد وحتى وصوله إلى مرحلة الرشد.

ملخص واستنتاجات

  هناك العديد من العوامل التي تعد بمثابة عوامل مساعدة على حدوث الإضطراب السلوكي لدى الأطفال فتجعلهم بالتالى عرضة لحدوث الإضطراب. وتعتبر الدلائل المبكرة للسلوك المشكل سواء في المنزل أو المدرسة بمثابة عوامل أساسية يمكن من خلالها التنبؤ بحدوث الإضطراب السلوكي. وإضافة إلى ذلك فهناك مجموعة من العوامل التي تتعلق بالوالدين والأسرة قد تم تعيينها على أنها عوامل مساعدة على حدوث الإضطرابات السلوكية للأطفال حيث تجعلهم أكثر عرضة لمثل هذه الإضطرابات. ومن أمثلة تلك العوامل نجد العوامل الوراثية والسلوك الإجرامي في الأسرة والإضطرابات السلوكية لكلا الوالدين أو أحدهما، وتعاطى الكحوليات والخلافات الزوجية والإنفصال بين الوالدين وأساليب المعاملة الوالدية الصارمة وغير المنسقة أو غير الثابتة .

الصفحة 150                                                                                                                       

  ومع قلة أو ندرة الدراسات التي تناولت العوامل الوقائية فقد تم تحديد عدد من هذه العوامل يمكن من خلالها تقديم العون والمساعدة للأطفال وتجنيبهم إياها. ومن ناحية أخرى فإن الدراسات التي تناولت الميكانيزمات والوسائل التي تعمل من خلالها العوامل المساعدة توضح تلك العمليات التي تؤدى إلى حدوث الإضطرابات السلوكية. ويمكن من خلال النتائج التي كشفت عنها مثل هذه الدراسات بالإضافة إلى العوامل الوقائية أن نحدد الكيفية التي يمكننا بها أن نتدخل للعلاج. ومن بين التحديات التي تواجه إجراء البحوث في هذا المجال ضرورة تعيين الكيفية التي تعمل بها مختلف المؤثرات منفردة أو مجتمعة والكيفية التي تعمل بها خلال المراحل النمائية المختلفة، إضافة إلى الكيفية التي تعمل بها بين الأفراد وفقا للجنس والسلالة والأنماط الفرعية للمشكلات السلوكية .

  وتكشف الدراسات التي تتناول العوامل المساعدة وبداية حدوث الإضطراب والتدخل الإكلينيكي عن وجود قدر كبير من الثبات والإتساق في الإضطراب السلوكي ليس فقط من الطفولة إلى المراهقة فالرشد، بل أيضاً في إستمراره عبر الأجيال. وتساهم دراسات التبنى والدراسات التي تناولت إختلال الأداء الوظيفي لوالدي وأجداد الراشدين ذوى الإضطرابات السلوكية في دراسة إستمرارية الإضطرابات السلوكية عبر الأجيال. وعلى الرغم من أن الأسس الدقيقة لهذه الإستمرارية مثل مدى تأثير جينات معينة، وأثر العوامل الاجتماعية البيئية لم يتم إدراكها وفهمها كما ينبغى، فإن حقيقة حدوث إستمرار للإضطراب السلوكي تعد بمثابة نقطة هامة تستحق البحث والدراسة. ومن الجدير بالذكر أن ثبات وإستمرار الإضطراب السلوكي يعنى أن التدخل العلاجي بهدف تخفيف حدة تلك السلوكيات يعد أمراً على درجة كبيرة من الأهمية ...

الصفحة 151                                                                                                                                                                                                                                               



علاج الإضطرابات السلوكية



 التخلص منها. وفي ضوء ما تمت مناقشته من قبل تصبح المهمة الأساسية للعلاجات المختلفة التي تستخدم مع الإضطرابات السلوكية عظيمة وكبيرة إذ من المحتمل بالنسبة للأفراد الذين تصدر عنهم تلك الإضطرابات أن يخبروا مدى كبيراً من الإختلالات في الأداء الوظيفي كأعراض السلوك المشكل أو التقصير الكبير فيما يتعلق بالسلوك الاجتماعي والسلوك الأكاديمي على سبيل المثال. وعلاوة على ذلك فإن والديهم وأسرهم قد يظهرون هم أيضا بعض المشكلات التى تؤثر على أولئك الأطفال وتتأثر بهم، ومنها مثلاً إصابة أحد الوالد   أو كليهما بمرض نفسى أو عقلي، أو حدوث الإنفصال بين الوالدين                                                                     . 


ويمكن استخدام مجموعة كبيرة من التدخلات العلاجية مع الأفراد الذين تصدر عنهم إضطرابات سلوكية منها على سبيل المثال العلاج النفسيPsychothrapy  والعلاج الطبيMedication  والبرامج      العلاجية الأسرية والمدرسية والمجتمعية             Home School and community _based 

.

العلاج أثناء الإقامة داخل المستشفى أو المصحة Risendial and Hospialوالخدمات الإجتماعية  Social Treatment Serviceإلا أن عدداً قليلاً فقط من هذه الأساليب العلاجية هو الذى أثبت فعالية فى خفض حدة الإضطرابات السلوكية لدى الأطفال والمراهقين وسوف نتناول خلال الفصل الحالى تلك الأنواع الفعالة من الأساليب العلاجية التي تستخدم في علاج الإضطرابات السلوكية. 




155

تحديد الأساليب العلاجية ذات الفاعلية

سوف تتركز مناقشتنا خلال الفصل الراهن على العلاجات النفسية أو أنماط العلاج النفسى التى تستخدم على نطاق واسع حيث تم إجراء العديد من الدراسات والبحوث فى ضوئها، ومن ثم ترتكر عليها الدراسات التي تجرى في هذا الميدان كما أنها تعد أساليب علاجية فعالة وواعدة وذلك في ضوء النتائج التي كشفت عنها تلك الدراسات                                                                                    .

وسوف نعرض خلال الصفحات التالية للفئات الأساسية للعلاج النفسى والتركيز العلاجى لكل منها أو ما يتم التركيز عليه أثناء العلاج. وتعد هذه الفئات أو الأساليب العلاجية بمثابة طريقة هامة لتحديد الفروق بين تلك الأساليب العلاجية المستخدمة. ومع ذلك يمكن تحديد العديد من الفروق والتباينات في أي                                                              

عط علاجي معين، إذ نجد على سبيل المثال أن العلاج النفسي الفرديIndividual psychotherapy يضم العلاج السيكودينامي psychodynamic therapy والعلاج غير الموجه nondirective therapy والعلاج باللعب play therapy  وغيره من الأساليب العلاجية الأخرى. وبنفس الطريقة يتضمن العلاج السلوكي behavior therapy العديد من الفنيات مثل التدريب على المهارات الاجتماعية Social skills training وإدارة الإحتمالات أو الطوارئ contingency management والاقتصاد الرمزي token economies وعند مستوى فنيات معينة غير تلك التي تتعلق بالجنس بدرجة كبيرة فإن عدد الإجراءات سيكون كبيراً. ويرى كازدین (۱۹۸۸) Kazdin أنه يمكننا في الواقع أن نحدد أكثر من مائتى فنية علاجية مختلفة تستخدم في الممارسات الإكلينيكية. ويمكن إستخدام العلاجات ككل بشكل جيد، كما يمكن أن تأتي بنتائج طيبة، إلا أن بعضها فقط هو الذى تكون نتائجه معقوله. كما أن العديد منها يحتكم إلى الفطرة السليمة أو الحكم على الأمور بصورة صائبة إذ نجد على سبيل المثال أن الأفراد ذوى المشكلات السلوكية يتسمون بالغضب ويحتاجون إلى التحدث عن مشاعرهم. وأنها لحقيقة مؤكدة أنه لا توجد نتائج أو أدلة كافية تؤكد فاعلية معظم أنواع العلاجات المستخدمة. وبذلك نلاحظ أن السؤال الأساسى الذى يتعلق بذلك الكم الهائل من العلاجات المتاحة يتمثل في   

156

كيفية تحديد أى نوع من هذه العلاجات على أنه هو الذي سيعطى النتائج المرجوة.


ومن الجدير بالذكر أنه يمكننا وفقا للتركيز العلاجى والعمليات المتضمنة في الأساليب العلاجية الأساسية للسلوك المضاد للمجتمع أن نصنفها إلى فئات متعددة على النحو التالي:

child-Focused treatmentsأولاً: الأساليب العلاجية المتمركزة حول الطفل 

 

1-العلاج النفسى الفردى           individual psychotherapy                  

أ - التركيز

يركز هذا الأسلوب العلاجي على الأسس النفسية الداخلية للسلوك المضاد للمجتمع وخاصة الصراعات والعمليات النفسية التي تتأثر سلبا خلال مضمار النمو.

العمليات الأساسية - ب

تمثل العلاقة مع المعالج الوسيلة الأولية التي يتم التغير من خلالها. ويوفر العلاج خبرة انفعالية تصحيحية أو تعديلية من خلال الإستبصار وإكتشاف أساليب جديدة للسلوك.

2 -العلاج النفسي الجمعي                     Group psychotherapy:  

ا - التركيز

يتناول هذا الأسلوب العلاجي عمليات العلاج الفردى كما لاحظناها من قبل. ويتم التركيز خلاله على عمليات إضافية إلى جانب التغذية الرجعية، والمكاسب البديلة التي يحققها الأقران كما يتم التركيز أيضاً على العمليات الجماعية كالتماسك، والقيادة على سبيل المثال                                                                   .

ب - العمليات الأساسية

تمثل العلاقة بين المعالج والأقران كجزء من الجماعة إحدى هذه العمليات و تزود العمليات الجماعية

157

الأطفال بخبرات ومشاعر الآخرين التي تعد أساسية فى هذا الجانب، كما أنها فى الوقت داته توفر لهم الفرص اللازمة لإختبار وجهات نظرهم وأنماطهم السلوكية     .

                                            

3ـ العلاج السلوكي  behavior therapy                                    

أ – التركيز                                                                  

يتم التدريب خلال هذا الأسلوب العلاجي على مواجهة السلوكيات المشكلة التي تعرض على أنها أعراض مستهدفة، أو التدريب على السلوكيات التى تستهدف مخالفة أو مناقضة تلك الأعراض كالتدريب على السلوكيات الاجتماعية مثلاً                  .

ب - العمليات الأساسية:

يهدف هذا الأسلوب العلاجي إلى تعلم سلوكيات جديدة من خلال التدريب المباشر وذلك عن طريق النمذجة والتعزيز، والممارسة، ولعب الدور. وكذلك التدريب في المواقف التى يحدث فيها السلوك المشكل كتلك المواقف التي تحدث بالمنزل أو المدرسة أو المجتمع المحلى.                                                                      

4 ـ العلاج المعرفي Cognitive therapy                                       

أ – التركيز                                                                  

يركز هذا الأسلوب العلاجي على العمليات المعرفية المختلفة، وعلى المهارات المعرفية اللازمة لحل المشكلات بين الشخصية التي تركز على                        السلوك الاجتماعي                                                                       .

ب - العمليات الأساسية                                                      

يهدف هذا النمط العلاجى إلى تعليم الأطفال مهارات حل المشكلات باستخدام أسلوب التعرض خطوة خطوة للمواقف بين الشخصية. كما يعتمد أيضا على إستخدام النمذجة والممارسة، والإعادة والتجربة، ولعب الدور وذلك بغرض تنمية المهارات. ويعمل كذلك على تنمية الحوار                                                


158

الداخلى أو الحديث الخاص الذي يقوم على استخدام عمليات تعيين أو تحديد تلك الحلول الإجتماعية للمشكلات المختلفة التي قد يتعرض لها الفرد                      .

                                       Pharmacotherapy5 - العلاج بالعقاقير

أ – التركيز                                                                                             

يركز العلاج بالعقاقير على التأثير على المواد البيولوجية التي لها تأثير على السلوك، ومن أمثلتها في ضوء النتائج التي كشفت عنها الدراسات المعملية التأثير على الأخلاط العصبية neurohumors التي تعد بمثابة عوامل كيماوية تتوسط فى النشاط المستحث بتنبيه الأعصاب، أو على سلسلة التغيرات الدورية، أو المتلازمات الفسيولوجية الأخرى للسلوك العدواني والإنفعالي.                                                

 ب - العمليات الأساسية                                      :

يهدف هذا الأسلوب العلاجي إلى تطبيق العوامل النفسية والمتعلقة بالعقاقير للسيطرة على السلوك المضاد للمجتمع. وتستخدم كربونات الليثيوم Lithium Carbonate والهالوبيريدول Haloperidol في هذا الإطار وذلك بسبب تأثيرها المضاد للعدوانية.                                                                                             

 residential treatments٦ ـ العلاج أثناء الحجز داخل المستشفى أو المصحة

أ - التركيز

يتم التركيز من خلال هذا الأسلوب العلاجي على إتباع أساليب تطبيق فنيات عديدة في العلاج اليومى أو المكان المحجوز به الفرد. ويتم التركيز في هذا الإطار على تطبيق الفنيات المستخدمة في بعض الأساليب العلاجية الأخرى                       .

العمليات الأساسية : ب 

يعمل هذا النمط العلاجي على تطبيق العمليات المستخدمة في العديد من الفنيات العلاجية الأخرى. ويتم خلاله عزل الطفل عن الوالدين أو إبعاده                      



159

عن المنزل وهو الأمر الذى قد يساعد في خفض حدة العمليات المعاكسة أو أزمات التي تسهم في

حدوث المشكلة الإكلينيكية.

ثانيا : الأساليب العلاجية المتمركزة حول الأسرة

  العلاج الاسري-1

أ - التركيز 

يركز هذا الأسلوب العلاجي على الأسرة كنسق للأداء الوظيفي بدلاً من التركيز على المريض. كما يتم أيضاً التركيز على العلاقات بين الشخصية، والتنظيم، والأدوار، وديناميات الأسرة                                                               ب - العمليات الأساسية :

ويعتمد هذا النمط العلاجي في ذلك على عمليات غاية في الأهمية هي الإتصال والتواصل والعلاقات وتركيب الأسرة والعمليات التي تحدث بداخلها كالإستقلال وحل المشكلات، والمبادرة                                                               

Parent management trainingتدريب الوالد على إدارة الأسرة -2

أ - التركيز

يركز على التفاعلات التي تحدث داخل المنزل وخاصة تلك التفاعلات التي تتضمن التغيير القسرى أو الجبري للسلوك                                                               

ب - العمليات الأساسية :

يتم استخدام التدريب المباشر للآباء على تنمية السلوك الاجتماعي لأطفالهم. كما يتم الإستخدام الصريح لفنيات التعلم الإجتماعي وذلك للتأثير على الطفل                  

ثالثا: الأساليب العلاجية المتمركزة حول المجتمع المحلى

ومن أهم هذه الأساليب

 Community-based treatments تدخلات العلاجية على مستوى المجتمع المحلى



160

أ - التركيز

يتم التركيز على الأنشطة والبرامج المجتمعية لتنمية الكفاءة والعلاقات مع الأقران 

ب - العمليات الأساسية 

ويعمل هذا الأسلوب العلاجي على تنمية السلوك الإجتماعي والعلاقات الأقران ويتم النظر إلى الأنشطة المختلفة على أنها تدعم السلوك الإجتماعى وتتعارض أو تتنافر مع السلوك المضاد للمجتمع                                                               

ولكى يتم هذا العدد الضخم من الأساليب العلاجية من المفيد أن نحتكم إلى محكات معينة يتم فى ضوئها تحديد أى من هذه الأساليب العلاجية يمكن أن يأتي بالنتائج المرجوة، ومن ثم تعد أساليب واعدة وفعالة في هذا المجال. وفي هذا الإطار يتم الإحتكام إلى العديد من المحكات لتعيين أو تحديد ومن ثم إختيار تلك الأساليب العلاجية ومن هذه المحكات ما يلى                                                      :

المحك المفاهيمي -1

ويحتكم إلى إطار نظرى يتعلق بالميكانيزم أو الميكانيزمات التي تسهم من الناحية الإكلينيكية فى حدوث إختلال الأداء الوظيفي كالميكانيزمات النفسية الداخلية أو تلك التي توجد داخل الأسرة                                                                     

2- محك البحوث والدراسات 

ويعتمد على وجود نتائج وأدلة تؤكد أن هذا الميكانيزم أو ذاك يمكن قیاسه كما يمكن ربطه باختلال الأداء الوظيفي وذلك بمعزل عن نتائج العلاج التي كشفت عنها الدراسات                                                                                           







161

محك الأدلة التي تستند إلى النتائج التمهيدية 

وتوضح الأدلة في البحوث المماثلة أو تلك التي تكشف عنها الدراسات الإكلينيكية أن هذا الإتجاه يؤدى إلى حدوث تغيرات على المقاييس المرتبطة من الناحية الإكلينيكية                                                                                           

محك العلاقة بين العملية المتضمنة والنتيجة

وتوضح الأدلة التي كشفت عنها الدراسات التي تناولت النتائج التي تم التوصل إليها من قبل في هذا الصدد وجود علاقة بين التغير الذي يحدث نتيجة للعمليات المتضمنة فى هذا الأسلوب العلاجي أو ذاك والتي يعد لها دوراً أساسيا في هذا التغير وبين النتائج الإكلينيكية التي يتم التوصل إليها . وبنظرة سريعة على هذا المحكات نجد أن المحك الأول يتطلب أن يكون للعلاج منطق نظری معین بستند عليه ويحدد من خلاله كيف يحدث إختلال الأداء الوظيفى والذى يتمثل هنا فى الإضطراب السلوكي، وكيف يتناول الأسلوب العلاجى هذا الإختلال فى الأداء الوظيفي وهنا نجد الميكانيزمات التي تؤدى إلى الإضطراب السلوكى وتلك التى تؤدى إلى التغير الناتج عن العلاج تعد مطلوبة وذات أهمية في ضوء هذا المحك    .

أما المحك الثاني فينظر إلى ما إذا كانت هناك أي بحوث أو دراسات أساسية تؤيد الأساس المفاهيمي. وتشير البحوث الأساسية فى هذا السياق إلى تلك الدراسات التى تقوم بفحص المشكلات السلوكية والعوامل التي تؤدى إلى ظهور هذه المشكلات وبدايتها أو إستمرارها أو تفاقمها أو تحسن الحالة أو التخفيف من حدة هذه المشكلات أو القضاء عليها. ومن أمثلة هذه الدراسات تلك التى تتناول الأسرة والتى تؤكد أن أنماطاً معينة للعلاقة بين الوالدين والأطفال تؤدى إلى تفاقم أو ريادة العدوان داخل المنزل. وتقدم مثل هذه الدراسات وجهة نظر معاهيمية توضح أهمية ومغزى تلك الأنماط مفاهيميا ونظريا لتطوير أساليب علاجية يتم توجيهها إلى أنماط العلاقات تلك                                                                                       

أساسا





162

ويتناول المحك الثالث ما إذا كان هناك أي دليل قائم على نتيجة يبرهن على أن هذا الأسلوب العلاجي أو ذاك يمكن أن يؤدى إلى حدوث تغير من أي نوع. ومن الواضح أن المحاولات الإكلينيكية العشوائية يفضل أن يتم إجراؤها في هذا الإطار. ومع ذلك فإنه نظراً لأن معظم الأساليب العلاجية التي تم استخدامها مع الأطفال والمراهقين لم يتم إختبارها في دراسات محكمة يصبح من المهم ألا نتشدد في تطبيق هذا المحك. وإذا ما وجدت هناك أى نتائج حول تطبيق فنية علاجية معينة تدل على أن استخدام مثل هذه الفية يمكن أن يؤدى إلى حدوث تغير، فإن مثل هذه المعلومات يجب أن تعمل على عزل هذا الأسلوب العلاجي الذي استخدمت فيه تلك الفنية عن غيره من الأساليب العلاجية الأخرى التي لم تتوفر عنها بيانات أو نتائج                                                                       وأخيراً فإن المحك الرابع والأخير في قائمة المحكات تلك يعرض للأدلة التي توضح أن العمليات الحاسمة تتغير من جراء الأسلوب العلاجي المستخدم، وأن هذه العمليات ترتبط بالنتائج التى يتم التوصل إليها. ويدل ذلك في ضوء هذا المحك على أن هذا الأسلوب العلاجي أو ذاك يعد واعداً وفعالا في الواقع. فقد نجد في هذا الإطار على سبيل المثال أن أسلوباً علاجيا معينا قد يفترض أن التغيرات في المعارف Cognitions تعد من الأمور المطلوبة حتى يتم حدوث تغير في المشكلات السلوكية. وتوضح دراسة هذا الأسلوب العلاجي أن التغيرات في هذه العمليات تحدث وترتبط بالتغيرات في نتائج العلاج (كالسلوك المنحرف في المدرسة مثلا) ويؤدى ذلك إلى حدوث تقدم لدى الحالة يرجع إلى هذا الأسلوب العلاجي. إلا أن هذا المحك يعد صارماً أو متشدداً، ومن ثم يجب وضعه فقط في الإعتبار عند الحكم على أي أسلوب علاجي. ومن الجدير بالذكر أنه لا يوجد أى أسلوب علاجي من بين تلك الأساليب تنطبق عليه هذه المحكات تمام الإنطباق. ومع ذلك فقد تم تحديد عدد من الأساليب العلاجية التى تأتى بنتائج طيبة عند استخدامها في علاج الإضطرابات السلوكية، ومن ثم تعد واعدة وفعالة فى هذا الإطار وتنطبق المحكات السابقة                                                                                          على هذه الأساليب إلى حد كبير، وتتضمن تلك الأساليب التدريب على المهارات المعرفية لحل المشكلات وتدريب الوالد على إدارة الأسرة، والعلاج الأسرى الوظيفي، والعلاج متعدد الأنساق.                    



163

الأساليب العلاجية الواعدة ذات الفاعلية

أولاً: التدريب على المهارات المعرفية لحل المشكلات

Cognitive Problem Solving Skills training

ا الخلفية والأساس المنطقي

تشير العمليات المعرفية إلى فئات عديدة من الأبنية تتعلق بالأسلوب الذي يمكن للفرد من خلاله أن يدرك، ويشفّر ويخبر العالم. وقد اتضح أن الأفراد الذين تصدر عنهم سلوكيات تدل على الإضطراب السلوكي وخاصة العدوان لديهم تشويهات وقصور في عمليات معرفية متعددة ولا تعد أوجه القصور هذه بمثابة إنعكاسات للأداء الوظيفى العقلى فحسب وعلى الرغم من أن عمليات عقلية منتقاة مثل الإسترجاع وتجهيز المعلومات ترتبط بالأداء الوظيفي العقلي، فإن في حدوث التوافق السلوك أثرها قد تم تحديده منفصلاً والسلوك الاجتماعي واتضح أنه ليهة هذا وقد تمت دراسة مجموعة من العمليات المعرفية تتضمن القدرة على تعميم الحلول البديلة على المشكلات بين الشخصية (مثل الأساليب المختلفة لتناول المواقف الاجتماعية والقدرة على تحديد الوسائل اللازمة لتحقيق غايات معينة (مثل تكوين الصداقات)، أو تحديد نتائج الأفعال ( مثل ما الذي يمكن أن يحدث بعد القيام بسلوك معين، أو القدرة على أن ينسب الفرد للآخرين دافعية القيام بأفعالهم، وأن يدرك كيف يشعر الآخرون، وأن يتوقع الآثار التي يمكن أن تنجم عن تلك الأفعال التي يقوم بها شخص ما ويرى لوتشمان ودودج 1994  وروبن وآخرون1991  Rubin et al أن أوجه التشويه بين هذه العمليات وكذا أوجه القصور ترتبط بتقديرات المعلم للسلوك  الفوضوى أو المستهجن وتقديرات الأقران، والقياس المباشر للسلوك العلني أو الصريح. 

164

وإذا ما أردنا أن نسوق مثالاً لتوضيح ذلك فإننا نرى أن العدوان لا تتم إثارته فقط عن طريق الأحداث البيئية، ولكنه يثار أيضا عن طريق الأسلوب الذي يتم به إدراك هذه الأحداث وتجهيزها ويشير مصطلح التجهيز Processing إلى تقييم الطفل للموقف وردود الفعل المتوقعة من جانب الآخرين والتقارير الذاتية للطفل في إستجابته لأحداث معينة. فعلى سبيل المثال نجد أن عزو النية للآخرين يمثل تنظيماً أو ميلاً معرفياً أساسياً له أهميته الكبيرة في فهم السلوك العدواني. وكما ذكرنا سلقا فإن المراهقين العدوانيين يميلون إلى عزو النية العدائية للآخرين وخاصة فى المواقف الإجتماعية كما يرى(1994) التي غالبا ما تكون فيها  كريك ودودج الإشارات الدالة على النية الفعلية غامضة. ومن المعروف أنه عندما يتم إدراك المواقف على أنها عدائية يصبح من الأكثر إحتمالاً بالنسبة للمراهقين أن يسلكوا بطريقة عدوانية                                                وعلى الرغم من أن العديد من الدراسات قد كشفت عن أن المراهقين المضطربين سلوكيًا يخبرون العديد من أوجه النقص والتشويهات المعرفية فإنه لا يزال هناك العديد من الأسئلة الجوهرية تحتاج إلى حلول مناسبة لها. ومن بين تلك الأسئلة ما يتعلق بتعيين أوجه النقص المعرفية بين المجموعات التي يتم تشخيصها على أن ما تتضمنه من أعضاء يعانون من الإضطراب السلوكي، وأن المراهقين المضطربين سلوكيا الذين تتضمنهم تلك المجموعات هم في الأصل من أعمار مختلفة فى مرحلة المراهقة وأن العمليات المعرفية التي تصدر عنهم تعد أكثر مركزية أو جوهرية عن غيرها. كذلك فمن هذه الأسئلة أيضا ما يتعلق بالكيفية التي تتطور بها تلك العمليات من الناحية النمائية. ومع ذلك فإن البحوث التي تم إجراؤها عن العمليات المعرفية بين الأطفال العدوانيين لا تزال تعمل كأساس موجه لإدراك وتحديد الأسلوب العلاجي الملائم من ناحية ولتطوير استراتيجيات علاجية معينة من ناحية أخرى.                                                    


165

ب أهم السمات المميزة

يعمل أسلوب التدريب على مهارات حل المشكلات PSST على تطوير المهارات الشخصية لحل المشكلات. وعلى الرغم من تطبيق العديد من النسخ المعرفية بين الخاصة بهذا الأسلوب على الأطفال المضطربين سلوكيًا فإن هناك العديد من                                       السمات التي تعد مشتركة بين تلك النسخ، ونذكر منها ما يلى :    أولاً: تركز مثل هذه النسخ على الكيفية التي يتناول بها الأطفال تلك المواقف وذلك على الرغم من أنه من الواضح أن الأطفال ينتقون الوسائل الملائمة للسلوك في الحياة اليومية ويكون التركيز في الأساس على عمليات التفكير                                              

بدلاً من النتائج أو الأفعال السلوكية المعينة التي تنتج من جراء ذلك.              ثانيا: يتعلم الأطفال تناول تلك المواقف بأسلوب الخطوة خطوة وذلك لحل المشكلات بين الشخصية. ومن ثم يقررون لأنفسهم أن التركيز المباشر على جوانب معينة من المشكلة أو المهام يؤدى إلى التوصل لحلول فعالة .                     ثالثا: يستخدم هذا الأسلوب العلاجى مهاماً منظمة تتضمن العابا، وأنشطة أكاديمية، وقصص وعلى إمتداد مضمار العلاج يتزايد تطبيق المهارات                         المعرفية لحل المشكلات وذلك على مواقف الحياة الفعلية  .                                    

رابعا: عادة ما يلعب المعالجون دوراً مباشراً وفعالاً فى العلاج فيقومون بنمذجة العمليات المعرفية وذلك بتقديم تقارير ذاتية لفظية، كما يقومون بتطبيق مبدأ تتابع الحالات على مشكلة معينة ويعملون على توفير الإشارات اللازمة لإثارة استخدام المهارات ويولدون منها تغذية رجعية، ويمتدحون الأطفال عند الضرورة وذلك لتطوير الإستخدام الصحيح.                                                                                                                               

خامسا: عادة ما يضم العلاج العديد من الإجراءات التي تتضمن النمذجة، والممارسة ولعب الدور والتعزيز، والعقاب المعتدل أو المعقول                                                                      .                   mild كفقد النقاط أو العلامات على سبيل المثل             





166

ج - نظرة عامة على الأدلة المتاحة

يرى باير ونتزيل (1991) Baer & Nietzel ودورلاك وآخرون (1991) Durlak et. al أنه قد تم إجراء العديد من الدراسات التي اهتمت بالعواقب التي يتعرض لها الأطفال والمراهقون المندفعون والعدوانيون والمضطربون سلوكيا. وقد أوضحت نتائج مثل هذه الدراسات أن العلاج الذي يستند على أساس معرفي قد أدى إلى خفض السلوك العدواني والسلوك المضاد للمجتمع سواء في المنزل أو المدرسة أو المجتمع المحلى وذلك بدرجة دالة، وأن هذه المكاسب التي تحققت قد استمرت لمدة عام بعد العلاج. ویری کاردین (1993) Kazdin وكندول (1991) Kendall وبيبلر وروبن (1991) Pepler & Rubin أن العديد من الدراسات المبكرة في هذا المجال والتى تم إجراؤها في السبعينيات والثمانينيات قد ركزت على الأطفال الذين يتسمون بالإندفاعية وعلى عينات الأطفال غير المرضى. ومنذ هذا الوقت أوضحت نتائج العديد من الدراسات وجود آثار لهذا العلاج على المراهقين المحالين إكلينيكيا للعلاج. ويضيف دورلاك وآخرون (1991) Durla et al أن الأطفال الأكبر سنا يستفيدون من العلاج بدرجة تفوق ما يستفيد به أقرانهم الأصغر منهم . سنا، وربما يرجع ذلك إلى تقدمهم عليهم في النمو المعرفى. ومع ذلك فلم يتم إختبار أو التحقق من صحة الأساس الذي تستند عليه الإستجابة الفارقة للعلاج كدالة للعمر الزمني أو مدى حدة الأعراض المرضية التي تبدو على الأطفال.                                         

ویری کاردین (1995) Kazdin أن الأطفال المضطربين سلوكيا الذين ينحدرون من أسر ذات مستويات مرتفعة من الإختلال كإصابة أحد الوالدين أو كليهما بمرض نفسى أو عقلي أو الإنعصاب أو إختلال الأداء الوظيفي الأسرى على سبيل المثال نقل إستفادتهم من العلاج قياساً بأقرانهم الذين ينحدرون من أسر تقل فيها مستويات الإختلال. ومع ذلك فلم يتم التحقق مما إذا كانت تلك العوامل تختص فقط بالتدريب على مهارات حل المشكلات أو ما إذا كانت تؤثر              

167


على مدى فاعلية الأساليب العلاجية عامة والتي يتم ا استخدامها الاطفال والمراهقين

المضطربين.

د - تقييم شامل

في حقيقة الأمر توجد ملامح أو سمات عديدة في أسلوب التدريب على مهارات حل المشكلات تجعل منه إتجاهاً علاجيا واعداً وفعالاً للغاية. وقد يرجع ذلك إلى عدة أسباب منها :                                             أولاً: أن العديد من النتائج التي كشفت عنها الدراسات المحكمة والتي تم إجراؤها على عينات مرضية قد أوضحت أن العلاج الذي يستند على أسس معرفية يؤدى إلى حدوث تغير علاجي في الإتجاه المنشود          ثانيا: لا تزال البحوث الأساسية في علم نفس النمو تمحص العمليات المعرفية الدالة على سوء التكيف بين الأطفال والمراهقين إلى جانب مشكلات السلوك التي تعمل كأسس أو دعائم للعلاج.                                

وآخرون(1992) Shure (1993) Finch et al وشور فينش ثالثا: يرى أنه على  المستوى التطبيقى نلاحظ أن العديد من التغيرات التي تحدث من جراء استخدام هذا الأسلوب العلاجي متاحة الآن على شكل كتيب يسهل من عملية التدريب  عليها. ومن هذا المنطلق يمكن أن يتم تقييم العلاج سواء تم ذلك في دراسات أو من خلال التطبيق الإكلينيكي. ومع ذلك فلا تزال هناك أسئلة جوهرية حول هذا الأسلوب العلاجي تحتاج إلى حلول وفي مقدمتها الدور الذي تلعبه العمليات المعرفية فى حدوث إختلال الأداء الوظيفي الإكلينيكي وكيفية استخدام العلاج في مثل هذه الحالة، وهو الأمر الذي لا يزال يحتاج إلى تقييم. كذلك فإن الأدلة التى توضح أن نمطا معينًا من العمليات المعرفية التي تميز المراهقين ذوى المشكلات السلوكية وليس مشكلات التوافق بشكل عام ليست أدلة قاطعة أو واضحة بجلاء تام كما أنه وبالرغم من أن الأدلة 

168

التي توضح أن التغير الذى يحدث في العمليات المعرفية من جراء العلاج لم تقرر أن التغير في مثل هذه العمليات يرتبط بالتحسن الذي يحدث بسبب العلاج، وهو ما يترك أسس التغير الذى يرجع إلى استخدام العلاج غير واضحة ومن ناحية أخرى فإن الأبنية النمائية، والسمات التي تميز الأطفال وأسرهم، ومحددات العلاج بشكل عام لم يتم تناولها فيما يتعلق بعلاقتها بالنتائج التي تترتب على العلاج.      رابعا: مع أنه قد تم التوصل إلى التغيرات الثابتة التي تحدث من جراء العلاج فإن مقدار أو أهمية هذا التغير لا تزال تثير التساؤلات حيث نجد أن العديد من المراهقين يتحسنون إلا أنهم مع ذلك يظلون بعيداً عن الأداء الوظيفي الطبيعي قياساً بأقرانهم من نفس العمر Tomas)الزمني والجنس كما یری کازدین وزملاؤه  ,Siegel,Thomas,kazdin & Bass) (1992 ;1989) وعلى الرغم من أن هذه التساؤلات الأساسية حول هذا الأسلوب العلاجي لا تزال في حاجة إلى حلول لها فإنه مع ذلك يعد أسلوباً علاجيا واعدًا وفعالاً بدرجة كبيرة وذلك لأن الآثار العلاجية المترتبة عليه قد تضاعفت في العديد من الدراسات المحكمة التي تناولت الإضطرابات السلوكية للأطفال والمراهقين.                  Parent management training ثانيا: تدريب الوالد على إدارة الأسرة 

يشير تدريب الوالد على إدارة الأسرة PMT إلى تلك الإجرات التي يتدرب عليها الوالدان حتى يتسنى لهما تغيير سلوك طفلهما في المنزل. ويتقابل الوالدان مع المعالج أو المدرب الذي يقوم بتعليمهما إستخدام إجراءات معينة حتى يقوما بتغيير تفاعلاتهما مع طفلهما، ويقومان بتدعيم أو تعزيز سلوكه الإجتماعي، ومن ثم يقللان من سلوكه المنحرف ويعتمد التدريب هنا على فكرة عامة مؤداها أن السلوك المشكل أو المضطرب يتطور ويعزز فى المنزل بشكل غير متعمد وذلك من                                                                   


169

خلال التفاعلات اللاتوافقية بين الوالدين والطفل، إذ أن هناك أوجه أو مظاهر متعددة للتفاعل بين الوالدين والطفل تدعم وتعزز السلوك العدواني والسلوك المضاد للمجتمع من جانب الطفل، وتتضمن مثل هذه الأنماط التعزيز المباشر للسلوك المنحرف والاستخدام المستمر وغير الفعال للأوامر، والعقاب القاسي. وقد يكون الأمر غير حقيقى ومضللاً والفشل في العناية بالسلوك الملائم والإهتمام به إذا قلنا أن الوالد هو المسئول الوحيد عن نتائج التفاعلات التى تحدث بينه وبين الطفل وهو الذى يوجدها إذ أن مثل هذه المؤثرات تعد ثنائية الإتجاه كما يرى لايتون (1990) Lytton حيث يؤثر الطفل هو الآخر على الوالد أيضاً تماماً مثلما يؤثر الوالد عليه. ويبدو في بعض الحالات أن الأطفال ينغمسون في السلوك المنحرف حتى يعملوا على استمرار التفاعل مع الوالدين وتعزيزه فنحد على سبيل المثال أنه عندما يتصرف الوالدان بطريقة غير ثابتة وبشكل لا يمكن التنبؤ به كأن لا يهتما بالطفل بالطرق العادية مثلاً نجد أن الطفل قد يأتي بسلوك منحرف كالإنتحاب والأنين مثلاً أو إلقاء بعض الأشياء على الأرضوتكون النتيجة بطبيعة الحال هي جعل الوالد يستجيب بطريقة يمكن   التنبؤ بها إلى حد كبير وبعد السلوك غير الثابت الذي يصدر عن الوالد والذى لا يمكن التنبؤ به بمثابة ظرف معاكس للطفل إذ أن السلوك المنحرف من جانب الطفل يتم تعزيزه سلبيا بانقضاء هذا الموقف. ومع هذا تكون النتيجة إلى جانب ذلك هي زيادة عقاب الوالد للطفل . أنماط التفاعل العديدة بين الوالدين والطفل حظت تلك الأنماط التي ومن بين تتضمن القسر أو الإجبار بالإهتمام الأكبر. ويشير القسر أو الإجبار cionإلى سلوك منحرف من جانب شخص معين هو الطفل يتم مكافأته جانب شخص آخر هو الوالد. فالأطفال العدوانيون على سبيل المثال تتم مكافأتهم بشكل غير متعمد على تفاعلاتهم العدوانية، وعلى زيادتهم وتصعيدهم لحدة سلوكياتهم ..القرية. أما الدور الحاسم لأساليب المعاملة الوالدية للطفل في السلوك المضاد للمجتمع من جانب الطفل فهو لا يعد بمثابة نموذج معقول أو مقبول ظاهريًا على المستوى النظرى فحسب، بل على              

170


المستوى التطبيقى أيضا إذ أيدت نتائج الدراسات الإرتباطية ذلك حيث ربطت أساليب معاملة معينة بالسلوك المضاد للمجتمع، كما أيدت الدراسات التجريبية هى الأخرى ذلك كما يرى ديشيون وآخرون (1992) Dishion et al حيث أوضحت أن تغيير مثل هذه الأساليب بشكل مباشر يقلل من كم السلوك المضاد للمجتمع من جانب الطفل                               .

ويتمثل الهدف العام لهذا الأسلوب العلاجي في تغيير نمط التفاعلات بين الوالد والطفل حتى يتسنى تعزيز السلوك الإجتماعي للطفل - وليس سلوكه القسري - بشكل مباشر وتدعيمه داخل الأسرة. وهذا يتطلب تطوير العديد من السلوكيات الوالدية المختلفة كوضع القواعد للطفل على سبيل المثال حتى يتبعها، والتعزيز الإيجابي للسلوك الملائم الذى يأتى به، وإتباع أشكال معتدلة من العقاب لقمع السلوكيات غير الملائمة التي تصدر عنه والمبادرة بتقديم الحلول الوسط، وغير ذلك من إجراءات ومن ثم يصبح لأساليب المعاملة الوالدية غير الملائمة والتفاعلات القسرية     دلالتها المباشرة على التدخل العلاجي .                                                          

ب - أهم السمات المميزة

على الرغم من وجود العديد من الأشكال التي تنتمى إلى هذا الأسلوب العلاجي فإنه يمكن تحديد العديد من السمات العامة أو المشتركة التي تميزه ومنها :                                                                   

أولاً : أن العلاج يجرى في الأساس مع الوالد أو الوالدين الذين يقومان بتنفيذ العديد من الإجراءات في المنزل. ويتقابل الوالدان مع المعالج الذي يقوم بدوره بتعليمهما استخدام إجراءات معينة يتسنى لهما بمقتضاها تغيير الكثير من تفاعلاتهما مع طفلهما، وأن يعزرا من سلوكه الإجتماعي، وأن يقللا من سلوكه المنحرف. ولا يوجد في الواقع أى تدخل مباشر من جانب المعالج مع الطفل، وإن وجد مثل هذا التدخل فإنه يكون بقدر ضئيل جدا .                                                                                                            

ثانيا: يتم تدريب الوالدين على تعيين السلوكيات المشكلة من جانب طفلهما،                                                                          

171

وتحديدها، وملاحظتها وذلك بأساليب جديدة. ويعد التحديد الدقيق للمشكلة أمراً في غاية الأهمية حتى يتم التعزيز أو العقاب على ما يترتب عليها من نتائج، وحتى يتسنى لهما تقييم ما إذا كان البرنامج قد حقق الأهداف المحددة له والمرجوة من تنفيذه أم لا.                  

ثالثًا: تغطى الجلسات العلاجية مبادئ وأساسيات التعلم الإجتماعي والإجراءات التي تنتج عنها أو تصبح بمقتضاها ضرورية. وتتضمن مثل هذه الإجراءات التعزيز الإيجابي كاستخدام الثناء الإجتماعي وبونات التعزيز (فيشات) للسلوك الإجتماعي على سبيل المثال، كما تتضمن الإجراءات أيضاً استخدام القدر المعتدل من العقاب كاستخدام أسلوب الإبعاد أو الحرمان لبعض الوقت، وفقد الإمتيازات على سبيل المثال. إلى جانب إجراءات أخرى كالتفاوض أو المناقشة، والتقليص الطارئ    .                                                                

رابعا: توفر تلك الجلسات الفرص أمام الوالدين ليتمكنا من ملاحظة كيفية استخدام الفنيات المختلفة التى يتم اللجوء إليها وأن يراجعا أو يستعرضا برامج التغير السلوكي فى المنزل. وبذلك فإن الهدف المباشر للبرنامج يتمثل في تنمية مهارات معينة لدى الوالدين ومع استيعاب الوالدين لذلك وإحرازهما تقدما في هذا الصدد يمكن للبرنامج أن يتناول السلوكيات المشكلة الأكثر حدة التي تصدر عن الطفل، وأن يمتد ليغطى جوانب أخرى من المشكلة كالسلوك المدرسي على سبيل المثال.                                              وبنظرة عامة على تلك الأدلة المتاحة من خلال إستقرائنا للتراث نجد أنه طبقا لما يراه كازدین (1993) Kazdin و باترسون وآخرون (1993) Patterson et al وميلر وبرينز Prince فإنه من المحتمل أن تدريب الوالد على إدارة الأسرة يعد هو أكثر الفنيات العلاجية التي نالت قسطا كبيرا من البحث والدراسة وذلك في علاج الأطفال والمراهقين ذوى الإضطرابات السلوكية .                          

172

الذين يختلفون في العمر الزمنى وفي مدى حدة أو شدة إختلال الأداء الوظيفي كاضطراب العناد والتحدى والإضطراب السلوكي،      والجنوح على سبيل المثال. وقد اتضحت فاعلية العلاج في التحسن الذي طرأ على سلوك الطفل وذلك من خلال ما يعكسه عدد كبير من المقاييس المستخدمة والتي تتضمن تقارير الوالدين والمعلمين عن السلوك المنحرف للطفل، والملاحظة المباشرة لسلوكيات الطفل في المنزل والمدرسة والعديد من السجلات المجتمعية كتلك التي تتناول القبض على الطفل أو المراهق من جانب الشرطة مثلاً. ومن ناحية أخرى فإن آثار العلاج تتضح أيضاً في جعل السلوكيات المشكلة للأطفال الذين يتلقون هذا العلاج تنحصر في المستويات المعيارية لأقرانهم العاديين أو الذين لم يتعرضوا لإختلال الأداء الوظيفي كما أوضحت نتائج المتابعة أن آثار هذا العلاج يمكن أن تأتي بثمارها في غضون فترة تتراوح بين سنة واحدة إلى ثلاث سنوات بعد العلاج. أما المتابعات التي تستمر لمدة زمنية أطول فنادراً ما يتم اللجوء إليها وذلك على الرغم من أن أحد البرامج التي تم استخدامها قد تحققت نتائجه كما يرى لونج Long وزملاؤه (1998، 1988) بعد إنتهاء البرنامج العلاجي بمدة زمنية تتراوح بين عشر سنوات وأربع عشرة سنة. 

ويعتبر أثر هذا الأسلوب العلاجي كبير نسبيا ويغطى جانبا كبيرا من سلوكيات الطفل حيث تظهر مثل هذه الآثار على السلوكيات التي تصدر عن الطفل والتي لم يتم تدريب الوالدين عليها بشكل مباشر. كما أن أخوة مثل هؤلاء الأطفال المحالين للعلاج يبدون تحسنًا أيضاً حتى عندما لم يتعرضوا للعلاج بشكل مباشر . ومن ثم فإن مثل هذا الأثر يعد على درجة كبيرة من الأهمية نظراً لأن أخوة الأطفال المضطربين سلوكيا يعدون معرضون للإتيان بسلوك مضاد للمجتمع بشكل حاد وإضافة إلى ذلك فإن إصابة الأم بأحد الإضطرابات أو الأمراض النفسية وخاصة الإكتئاب يقلل كما يرى كازدین (1985) من فرص إتباع.                                                                   

173

هذا الأسلوب العلاجي. وبذلك يتضح أن استخدام أسلوب تدريب الوالد على إدارة الأسرة يؤدى إلى تغيير مظاهر متعددة تتعلق بالأسر التي يظهر فيها إختلال الأداء الوظيفي.                                 

وتسهم العديد من السمات التي تميز هذا الأسلوب العلاجي في حدوث النتائج المرجوة منه . ومن هذه الملامح أو السمات ما يلى:         

أولاً: تؤثر المدة الزمنية التي يستغرقها العلاج على النتائج التي يمكن الحصول عليها إذ أن البرامج العلاجية القصيرة أو ذات المدة الزمنية المحدودة أى التي تقل عن عشر ساعات يقل معها كما يرى كازدین 1985 Kazdin إحتمال أن تأتي بنتائج إيجابية مع العينات المرضية. أما البرامج العلاجية التي تستمر لفترة طويلة والتي تمتد إلى خمسين أو ستين ساعة علاجية فتكون آثارها كبيرة وقوية .


ثانيا : تسهم مكونات معينة من تلك التي تدخل في التدريب كتزويد الوالدين بمعلومات عميقة عن دعائم وأساسيات التعلم الإجتماعي وإستخدام أسلوب الحرمان لبعض الوقت time out من التعزيز في المنزل تسهم بدور فاعل في تحقيق النتائج المرجوة من العلاج.

ثالثا: تؤكد نتائج بعض الدراسات أن تدريب المعالج ومهارته يرتبطان بمقدار التغيرات العلاجية وقدرتها على الإستمرار وذلك على الرغم من الحاجة إلى التحقق من صدق مثل هذه النتائج.

رابعا: تميل النتائج العلاجية الإيجابية في الأسر التي تتسم بوجود العديد من العوامل المساعدة التي ترتبط باختلال الأداء الوظيفى خلال مرحلة الطفولة كانخفاض المستوى الإقتصادى الإجتماعي والإنفصال الزواجي، وإصابة الوالدين أو أحدهما بإضطرابات أو أمراض نفسية وتدنى مستوى المساندة الإجتماعية تميل كما يرى  إلى أن تكون أقل وأن يكون استمرار مثل هذه النتائج لفترة زمنية أقل        

174

قياساً بالأسر التي لا تتوفر فيها مثل هذه العوامل المساعدة. وقد أدت بعض المحاولات والجهود التي بذلت في سبيل تناول إختلال الأداء الوظيفي للوالدين وللأسر أثناء إتباع تدريب الوالد على إدارة الأسرة إلى تحسن نتائج العلاج بالنسبة للطفل. ومع ذلك فلا يزال هذا الأمر يحتاج إلى إجراء المزيد من الدراسات . یری باترسون وآخرون (1992) 

یری باترسون  أن العمليات المتضمنة في التفاعل بين الوالدين والطفل تتطور، وكذلك الحال بالنسبة للعمليات الداخلة في الإضطراب السلوكي . كما أن البحوث الحديثة حول العمليات المتضمنة في العلاج تمثل تقدماً هاماً يرتبط بذلك، حيث أوضحت سلسلة من الدراسات تم إجراؤها حول التفاعل بين المعالج والوالدين في إطار جلسات تدريب الوالد على إدارة الأسرة PMT وجود بعض العوامل التي تسهم فى المقاومة التي يبديها الوالد كان يقول مثلاً أننى لا يمكنني القيام بذلك، أو لن أفعل ذلك. وتكمن أهمية الدراسات كما يرى باترسون و تشامبرلي1992                                      في توضيح أن ردود فعل الوالد في توضيح أن ردود فعل الوالد خلال العلاج ترتبط بأساليب المعاملة الوالدية التي تتم ممارستها في المنزل، وأن التغيرات التي تطرأ على تلك المقاومة التي يبديها الوالد خلال العلاج تنبئ بالتغير في سلوكه، كما أن حيلاً معينة يتبعها المعالج كإعادة التشكيل والمواجهة Confronting reframing  على سبيل المثال يمكنها أن تساعد في التغلب على مثل هذه المقاومة أو أنها يمكن أن تسهم في ذلك . ويؤدى هذا المنحى البحثى إلى توسيع فهمنا لهذا الأسلوب العلاجي بدرجة كبيرة وذلك من خلال ربط التفاعلات التي تحدث خلال الجلسات بين المعالج والوالدين باختلال الأداء الوظيفي من جانب الطفل وبنتائج العلاج.               

تقییم شامل ربما تكون النقطة الأكثر أهمية فى هذا الصدد أنه لا يوجد أي أسلوب علاجي آخر أو أى فنية علاجية أخرى من تلك التى يتم من خلالها تناول الإضطرابات                                              

175

السلوكية قد نالت هذا القسط من الدراسة مثل تدريب الوالد على إدارة الأسرة. ومن ثم فإن نتائج مثل هذه الدراسات تجعل من هذا الأسلوب العلاجي واحدًا من أكثر الأساليب العلاجية المبشرة أو الواعدة والفعالة في هذا المضمار. وقد أجريت مثل هذه الدراسات في الأساس على أنماط التفاعل الأسري والمؤثرات الموجودة خارج المنزل والتي يمكن أن تؤثر على نتائج العلاج. وليس من المحتمل فقط بالنسبة لمثل هذه الدراسات أن تسهم بشكل مباشر في تحسين نتائج العلاج، بل من الممكن أن تنمي أيضًا فهمنا لظهور السلوك المضاد للمجتمع .                                       

ورى ساندرز ودادز (1992) أن من الزوايا الأساسية لهذا الأسلوب العلاجي وجود كتيبات عن العلاج، والأدوات المستخدمة في التدريب بالنسبة للوالدين والمعالجين المتخصصين. ومن الجدير بالذكر أيضًا أن هناك شرائط فيديو عن إجراءات العلاج طبقة ثانية. وفي سلسلة من الدراسات المرجعية على الأطفال الذين تصدر عنهم مشكلات سلوكية وتتراوح أعمارهم بين ثلاث إلى ثماني سنوات قامت وبستر - ستراتون وزملاؤها (1994، 1998) بتطوير وتقويم مواد مصورة على شرائط فيديو تتقدم إجراءات هذا الأسلوب العلاجي للوالدين على شكل تطبيق ذاتي فردي أو جماعي يلحق بمناقشة حول هذا الإطار. وأوضحت هذه الدراسات حدوث تغيرات لها دلالتها الإكلينيكية في القياسين المبدئي والتتبعي وذلك باستخدام العديد من الفئات العلاجية المحلة على شرائط الفيديو. وتظل هذه الخاصة أي تقديم فئات علاجية مسجلة على شرائط الفيديو سمة فريدة في علاج الإضطرابات السلوكية للأطفال.                                                                          

إلا أنه مع ذلك توجد العديد من أوجه القصور التي تتعلق بهذا الأسلوب العلاجي والتي يمكننا عددها على الوجه التالي:

أولًا: قد لا تستجيب بعض الأسر للعلاج حيث يفترض هذا الأسلوب العلاجي العديد من الطلب على الوالدين مثل فهم وإعادة استخدام الوسائل التعليمية أو المساعدة التي تنقل الأسر والدعامات الرئيسية للبرنامج  .     


176

والملاحظة المنظمة للسلوك المنحرف الذي يصدر عن الطفل، وتطبيق إجراءات معينة فى المنزل، وحضور جلسات أسبوعية، والرد على التليفونات المتكررة من المعالج. وتعد مثل هذه المطالب بالنسبة لبعض الأسر كثيرة جدا ومزعجة مما لا يمكنهم من الإستمرار في العلاج .

ثانيا: وإضافة إلى ذلك فإن هذا الأسلوب العلاجي قد تم تطبيقه في الأساس على آباء الأطفال الأصغر سنًا وآباء الأطفال فى مرحلة ما قبل المراهقة ونادرا ما تم استخدامه آباء المراهقين. وعلى الرغم من أن هذا مع الأسلوب العلاجي له فاعليته مع المراهقين كما يرى بانك تعد أكثر فاعلية الأطفال الأصغر سنًا. مع ذلك إلى أن آباء المراهقين قد يكونوا أقل قابلية لتغيير أساليب وربما يرجع معاملتهم الوالدية مع أبنائهم المراهقين كما تزداد بالتالي معدلات تسربهم من حضور جلسات العلاج. ومن المهم أن نلاحظ أن برامج قليلة تتعلق بهذا الأسلوب العلاجي هي التي تم تطويرها خصيصا للإستخدام مع المراهقين .


ذلك يعد هذا الأسلوب العلاجي - تدريب الوالد على إدارة الأسرة - من ومع الأساليب العلاجية الواعدة والفعالة، ولم ينل أى أسلوب علاجي آخر يتناول الإضطرابات السلوكية مثل هذا القسط من الدراسة الذى ناله تدريب الوالد على إدارة الأسرة.

ثالثا: العلاج الأسرى الوظيفي أ الخلفية والأساس المنطقى                    يعكس العلاج الأسرى الوظيفي FFT كما يرى إلكسندر وآخرون (1994) -Alex ander et al إتجاها متكاملاً في العلاج يستند على أنساق وآراء سلوكية ومعرفية حول إختلال الأداء الوظيفي. ويتم من خلاله إدراك المشكلات الإكلينيكية وتناولها من وجهة نظر تتعلق بالوظائف التي تؤديها فى الأسرة كنسق، إضافة إلى                                                                                 

177

أعضاء الأسرة فرادى. ومن مسلمات هذا الاتجاه العلاجي أن السلوك المشكل الذي يصدر عن الطفل يعد هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن بواسطتها الوفاء ببعض الوظائف بين الشخصية كالألفة، والنفور أو البرود، والمساندة بين أعضاء الأسرة. وتعتبر العمليات التوافقية داخل الأسرة هي التي تعرف تحقيق الإشباع لتلك الوظائف.                      

ويتمثل الهدف الرئيسي من العلاج في تغيير أنماط التفاعل والتواصل بهذه الطريقة وذلك لرعاية نمط من الأداء الوظيفي أكثر توافقًا. ويستند هذا العلاج أيضًا على نظرية التعلم، ويركز على مثيرات معينة واستجابات معينة يمكن استخدامها في أحداث التغير. ويتم استخدام عدد من المفاهيم والإجراءات السلوكية التي يتم بواسطتها أحداث التغير في سلوكيات معينة وتعزيز أساليب توافقية جديدة للاستجابة. كما يتم إمبريقيًا من خلال تلك الإجراءات المعيبة ملاحظة وتقييم التغير الحادث في السلوك. وتنتشر العمليات المعرفية إلى عمليات العزو التي تتعلق بالأسرة، والإهتمامات، والملامات، والصدمات، والانتقادات الأسرية. ويمكن لأعضاء الأسرة أن يبادروا العلاج بعمليات العزو التي تركز على لوم الآخرين أو لوم أنفسهم، إلا أن الأمر يحتاج إلى وجهات نظر جديدة تعمل كأساس لتطوير أساليب جديدة للسلوك.

ويركز الأساس النظري لهذا الأسلوب العلاجي على إحياء اتساق الأسرة، وإذا كانت بعض الإستراتيجيات العلاجية تستمد من النتائج التي تتعلق بتدريب الوالد والطفل والتي تم تناولها في النقطة السابقة، فإن العلاج الأسري الوظيفي ينظر إلى أنماط التفاعل نظرة أوسع تتعلق بالإنسان، وتركز أيضًا على أنماط التواصل ومعناها ومعاييرها. وكتوضيح للأسس الهامة لهذا الأسلوب العلاجي كشفت الدراسات التي تناولت العلاج الأسري الوظيفي كما يرى ألكسندر وبارسونز Alexander & Parsons (1982) أن أسر الجانحين قد أظهرت معدلات أكثر ارتفاعًا للدفاعية defensiveness في تواصلاتهم، وذلك على مستوى التفاعل بين الوالد والطفل أو بين الوالد والوالد الآخر، ومعدلات أكبر ارتفاعًا من اللوم والعزو السلبي، ومعدلات أكثر انخفاضًا من المساندة المباشرة قياسًا بأسر أخرى.



178

ب- أهم السمات المميزة

يتطلب هذا الأسلوب العلاجي من الأسر أن تنظر إلى المشكلة الإكلينيكية من منطلق الوظائف المرتبطة بإدارتها داخل الأسرة. ويشير المعالج إلى الاعتمادية المتبادلة والأمور العارضة بين أعضاء الأسرة في انتمائهم الوظيفي، حيث يرى مع إشارة خاصة إلى المشكلة التي تعمل في هذا الإطار كأساس للبحث عن العلاج. وبمجرد أن تنظر الأسرة إلى أساليب بديلة لرؤية المشكلة، يزداد الحافز للتفاعل فيما بين أعضائها بشكل أكثر بنائية.

وتتمثل الأهداف الأساسية للعلاج في زيادة التبادلية والتعزيز الإيجابي بين أعضاء الأسرة لإقامة تواصل واضح فيما بينهم لا لبس فيه، وفي المساعدة على تحديد السلوكيات التي يرغبها أعضاء الأسرة من بعضهم البعض، وأن يتم التفاوض والنقاش فيما بينهم بشكل بنائي، وفي المساعدة على تعيين حلول لمشكلاتهم بين الشخصية. ويقوم أعضاء الأسرة أثناء العلاج بتحديد السلوكيات التي يرغبون أن يأتي بها الآخرون. وتدريج الاستجابات في نسق تعزيز يتم استخدامه في المنزل لدعم السلوك التكيفي في مقابل الحصول على بعض الامتيازات. ومع ذلك يظل التركيز الأساسي منصبًا على جلسات العلاج التي تتم خلالها أنماط التواصل الأسري بشكل مباشر. ويقدم المعالج أثناء الجلسات تعزيزًا اجتماعيًا، كالنظرة أو غير اللفظي مثلاً، وذلك لتحقيق التواصل الذي يعمل على تقديم الحلول للمشكلات المختلفة، أو الذي يعمل على تمهيد تلك المشكلات، أو الذي يقدم تغذية راجعة لأعضاء آخرين من الأسرة.

ج- نظرة عامة على الأدلة المتاحة

يرى ألكسندر وآخرون Alexander et al (1994) أنه قد تم إجراء تقييم الدراسات الفعلية التي تناولت هذا الأسلوب العلاجي. ومع ذلك، فالدراسات

 179

المتاحة تركز على العينات التي يصعب التعامل معها كالمراهقين الجانحين الذين صدر ضدهم حكم قضائي، أو المراهقين متعددى الجنح على سبيل المثال. وقد كشفت مثل هذه الدراسات عن آثار واضحة نسبيا. كما كشفت نتائج المقارنات في الدراسات التي إستخدمت مجموعات ضابطة أن استخدام هذا الأسلوب العلاجي قد أدى إلى حدوث قدر أكبر من التغير قياسا بما كشف عنه استخدام فنيتين علاجيتين أخريين هما المجموعات الأسرية المتمركزة حول العميل Client - Centered Family groups والعلاج الأسرى السيكودينامي الموجه . Psychodynamically oriented وقد انعكست نتائج العلاج في تحسين التواصل الأسرى والتفاعلات الأسرية، وإنخفاض معدلات الإحالة للعلاج، وإنخفاض معدل تقديم هؤلاء المراهقين للمحاكمة. وعلاوة على ذلك فإن نتائج العلاج تظل واضحة حتى عامين ونصف بعد العلاج وهذا ما أوضحته نتائج الدراسات التي إستخدمت هذا الأسلوب العلاجي.

ویری نیوبری وآخرون 1991 Newberry Metal أن البحوث التي أجريت في هذا المجال قد تناولت العمليات المتضمنة في العلاج وذلك لتحديد سلوكيات المعالج خلال الجلسات وكيف تؤثر على استجابة أعضاء الأسرة. فعلى سبيل المثال نجد أن توفير المساندة والتنظيم بالإضافة إلى إعادة التشكيل reframing أي إعادة صياغة العزو وأسس المشكلة يمكن لها أن تؤثر على إستجابة أعضاء الأسرة ولومهم للآخرين ومن ناحية أخرى فإن العلاقة بين مثل هذه المتغيرات تعد معقدة ويمكن أن تتغير كدالة لجنس المعالج وعضو الأسرة. وتعد الأدلة على حدوث تغيير في العمليات بمثابة أمر حاسم للعلاج الأسرى الوظيفي حيث يحدث تحسن في التواصل أثناء العلاج، وتحدث المناقشة بشكل أكثر تلقائية. كما أنها من جانب آخر تدعم الأساس النظرى للعلاج.

هناك العديد من النقاط التي يمكن أن نلاحظها على هذا الأسلوب العلاجي نعرض لها على النحو التالي:

180

أولاً: توضح نتائج الدراسات أن هذا الأسلوب العلاجي يمكن أن يحدث تغييراً وتعديلاً فى المشكلات السلوكية بين المراهقين الجانحين. وقد أظهرت دراسات عديدة آثار ثابتة له .

 ثانيا: يمثل تقييم العمليات الداخلة في العلاج والتي تسهم في حدوث إستجابة عضو الأسرة خلال الجلسات إضافة إلى حدوث النتيجة يمثل منحى معينا الأطفال وآخرين هذا في البحث نادراً ما نلاحظه بين فنيات العلاج المستخدمة مع والمراهقين. وقد تناولت بعض الدراسات العملية كدراسة (موريس 1991 (Morris et al مثل هذه العمليات حتى يتم التحقق بدقة من كيف يمكن لأنماط معينة من تلك الفنيات التي يستخدمها المعالج مثل إعادة التشكيل أو الصياغة على سبيل المثال أن تقلل اللوم بين أعضاء الأسرة.

 ثالثا: توجد الإجراءات العلاجية لهذا الأسلوب العلاجي في كتيب مثله في ذلك كغيره من الأساليب العلاجية الأخرى. ومن ثم يمكن ان يتسع الأسلوب العلاجي ليتناول أو يضم العلاج بواسطة الآخرين. كما يمكن أن يستخدم لتحديد ما يحدث من تقدم آخر في هذا الإطار خلال العلاج، وهو ما توضحه البحوث والدراسات التي تناولته. وقد استخدمت بعض الدراسات هذا الأسلوب العلاجي مع الأطفال والعينات المرضية، ولم تكتف باستخدامه مع المراهقين الجانحين فقط كما كان متبعا. كذلك فقد تم إستخدامه أيضاً في دراسات برامجية مع الأطفال، والوالدين، والأسرة وهو ما يعد خطوة منطقية في البحث في هذا الصدد.


Multisystemic therapy رابعا : العلاج متعدد الأنساق

الخلفية والأساس المنطقى یری هنجلر وبوردوین Henggeler & Bordin (1990) أن العلاج متعدد الأنساق MST يعد بمثابة إتجاه علاجي يستند إلى الأنساق الأسرية. وترى الإتجاهات الأسرية أن المشكلات الإكلينيكية للطفل تظهر في السياق الأسرى، ومن ثم يتم التركيز على العلاج في هذا المستوى. إلا أن العلاج متعدد الأنساق                                                                           

181

يتوسع على هذا الرأى باعتبار أن الأسرة كلها لا تمثل سوى نسق واحد له أهميته القصوى. ويطمر الطفل فى عدد من الأنساق تتضمن الأسرة (سواء أعضاء الأسرة الممتدة أو المباشرة أى الصغيرة والأقران والمدرسة، والجيران، وما إلى ذلك. فنجد على سبيل المثال أنه قد يحدث في السياق الأسرى تحالف أو إتحاد ضمنى بين أحد الوالدين والطفل مما قد يسهم في حدوث خلاف ونزاع على النظام فيما يتعلق بالطفل. وفى مثل هذه الحالة يجب أن يمتد العلاج ليشمل التحالف ومصادر النزاع كمحاولة لتغيير سلوك الطفل. ومن ناحية أخرى قد يتضمن الأداء الوظيفى للطفل فى المدرسة علاقات محدودة وغير جيدة مع الأقران، ومن ثم يجب أن يتناول العلاج تلك الجوانب أيضا. وأخيراً فإن إتجاه الأساق يركز على السلوك الخاص بالفرد كما يؤثر فى الجوانب المختلفة للنسق، ولذلك يجب أن يتضمن البرنامج العلاجي المستخدم العلاج الفردي للطفل أو للوالدين .

 ونظراً لأن التأثيرات المتعددة تحدث بالتركيز عليها خلال العلاج فإنه يتم استخدام العديد من الفنيات العلاجية المختلفة. وبذلك فإن العلاج متعدد الأنساق يمكن أن ننظر إليه على أنه زمرة أو مجموعة من التدخلات العلاجية التي تستخدم في ذات الوقت مع الأطفال وأسرهم. أما إجراءات العلاج فيتم إستخدامها على أساس الحاجة إليها أى كلما دعت الحاجة إليها، وتوجه نحو تناول أمور أو موضوعات تتعلق بالفرد أو الأسرة أو النسق قد تسهم في حدوث السلوك المشكل. ويمثل الأساس النظرى والمفاهيمي لهذا الأسلوب العلاجي والذي يركز على أنساق متعددة ومدى تأثيرها على الفرد أساساً لاختيار إجراءات علاجية متعددة ومختلفة تماماً أو بدرجة كبيرة .

 ب -أهم السمات المميزة                                                   

 ويرتبط بهذا الأسلوب العلاجي إتجاه علاجي آخر هو الإتجاه المتمركز حول الأسرة. ويتم خلال العلاج متعدد الأنساق إستخدام العديد من فنيات العلاج الأسرى مثل الحفاظ على الترابط، وإعادة التشكيل أو الصياغة، والتشريع أو من القوانين والتناقض، وتحديد مهام معينة وذلك حتى يتسنى تحديد                                          

182

المشكلات، وزيادة التواصل وإيجاد التواصل الأسرى وتغيير الكيفية التي يتفاعل بها أعضاء الأسرة مع بعضهم البعض. ومن بين الأهداف التي يسعى هذا الأسلوب العلاجي لتحقيقها مساعدة الوالدين على تطوير سلوكيات المراهق وتنميتها والتغلب على المشكلات الزواجية التي قد تعوق قيام الوالدين بأدائهما الوظيفي كوالدين وتقليل التفاعلات السلبية بين الوالد والمراهق، وتحقيق وتطوير التماسك الأسرى والدفء العاطفى بين أعضاء الأسرة.

ويعتمد العلاج متعدد الأنساق أيضا على العديد من الفنيات الأخرى حسب الحاجة إليها وذلك لتناول المشكلات على مستوى الفرد والأسرة، وخارج نطاق الأسرة. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك ما يحدث من اللجوء أحيانًا إلى العديد من الأساليب العلاجية الأخرى كالتدريب على مهارات حل المشكلات، وتدريب الوالد على إدارة الأسرة والعلاج الزواجي marital therapy ويتم بالتالي استخدامها في العلاج لتعديل مخزون إستجابات المراهق والتفاعلات بين الوالد والطفل في المنزل، والتواصل الزواجي على التوالى. وفى بعض الحالات يتألف العلاج من مساعدة الوالدين على تناول أحد المجالات الهامة من خلال النصيحة العملية والتوجيه كمساعدة المراهق على الإنغماس في الأنشطة الإجتماعية للأقران بالمدرسة، أو الحد من أنشطة معينة مع جماعة أقران منحرفة على سبيل المثال. وعلى الرغم من أن العلاج متعدد الأنساق يتضمن فنيات علاجية متميزة تتم الإستعانة بها من جانب الإتجاهات العلاجية الأخرى فإنه لا يعد بمثابة الفنيات معا. ويكون التركيز العلاجى هنا على الأنساق المترابطة وكيف تؤثر في بعضها البعض. كذلك فقد يتم تناول مجالات متعددة من خلال العلاج كالمشكلات التي يتعرض لها الوالد أو الوالدين مثلاً لأنها تثير أموراً معينة في واحد أو أكثر من تلك الأنساق كالتوتر الوالدى وزيادة تعاطى الوالد للكحوليات على سبيل المثال، وهو ما يؤثر على كيف الأداء الوظيفي للطفل نتيجة للصراعات الزواجية التي قد تحدث بين الوالدين وأساليب المعاملة الوالدية للطفل. وبذلك نجد أنه على الرغم من تعدد الفنيات العلاجية في هذا الأسلوب العلاجي فله حدوده في الإختيار من بينها إذ أنه ليس إنتقاء بلاحدود.

183

ج - نظرة عامة على الأدلة المتاحة

يتضح من خلال إستقرائنا للتراث أن هناك عددا قليلاً من الدراسات هي التي قامت بتقييم العلاج متعدد الأنساق عند إستخدامه مع الجانحين من المراهقين الذين لديهم تاريخ فى القبض عليهم وإيداعهم السجن، ويتضمن هذا التاريخ إرتكابهم الجرائم بشعة مثل القتل والهجوم الشرس على الآخرين بنية القتل. وبذلك يمثل هؤلاء المراهقون مجموعة من المفحوصين ذوى السلوك المتطرف المضاد للمجتمع والعدوان وتوضح نتائج تلك الدراسات أن العلاج متعدد الأنساق يعد هو الأسلوب العلاجي الأفضل في التقليل من الجنوح وخفض حدته وفي التقليل من المشكلات الإنفعالية والسلوكية، وفي تحسين الأداء الوظيفى الأسرى قياساً بإجراءات أخرى تتضمن الخدمات العامة» التي يتم تقديمها لهؤلاء المراهقين كالإعاشة، والأنشطة التي تنظمها المحكمة كالسماح لهم بحضور المدرسة مثلاً، إلى جانب إجراءات أخرى كالإرشاد الفردي، والعلاج الإنتقائي eclectic  المتمركز حول المجتمع المحلى أى الذى يقوم على إنتقاء فنيات علاجية متعددة من أساليب علاجية أخرى كما يرى هنجلر وآخرون (1992,1986) Henggeler et al . ويضيف هنجار  أن الدراسات التتبعية والتي استمرت لمدة عامين أو أربعة أعوام أو خمسة بعد العلاج وذلك على عينات مختلفة قد أوضحت أن المراهقين الذين تلقوا العلاج متعدد الأنساق كانوا هم الأقل في معدلات إلقاء القبض عليهم قياسا بأقرانهم الذين تلقوا خدمات أخرى.

ويرى مان وآخرون (Mann et al1990) أن نتائج الدراسات أوضحت أيضا أن هذا الأسلوب العلاجي يؤثر على العمليات الحاسمة التي يفترض أن تسهم في حدوث السلوك المنحرف، حيث أوضح الوالدون والمراهقون إنخفاضا في معدلات الإندماج إذ قلت أنشطتهم اللفظية وصراعاتهم، وعدائيتهم. كما أوضحت تلك النتائج من ناحية أخرى حدوث زيادة في المساندة، كما أوضح الآباء زيادة في التواصل اللفظى ونقصا في الصراع. وعلاوة على ذلك فقد            

184

إرتبط النقص في الأعراض التي بدت على المراهقين إيجابا بالزيادة في المساندة وبالنقص في الصراع بين الأم والأب. وبذلك فإن مثل هذه الدراسات تمثل رابطا بین الأسس النظرية للعلاج وآثار هذا العلاج كما تعكسها النتائج .

د - تقييم شامل

تتفق الدراسات العديدة التي إستخدمت هذا الأسلوب العلاجي على أن هذا العلاج يؤدى إلى حدوث تغير لدى المراهقين وأنه يتم تعزيز هذا التغير مما يؤدى إلى استمراره وبقائه ربما لوقت طويل. ومما يعطى قوة لمثل هذه الدراسات أن العديد من المراهقين الذين خضعوا للعلاج من خلالها كانوا يعانون من خلل حاد في الأداء الوظيفى إذ أنهم كانوا من المراهقين الجانحين الذين كان لهم تاريخ في إلقاء القبض عليهم. وهناك نقطة أخرى تعطى قوى لتلك الدراسات تتمثل في إدراك المشكلات السلوكية في مستويات متعددة ؛ أى كخلل في الأداء الوظيفي فيما يتعلق بالنسق الخاص بالفرد والنسق الأسرى والنسق خارج الأسرى، والتفاعل بين مثل هذه الأنساق. وفى الواقع نجد أن المراهقين ذوى الإضطرابات السلوكية يخبرون إختلال الأداء الوظيفي في مستويات متعددة فيخبرونه على مستوى الأقران والمدرسة والعمل بين المراهقين فى مرحلة المراهقة المتأخرة. وتقوم الأساليب العلاجية البديلة باختيار أحد هذه المستويات وتجعله الهدف الأساسى للعلاج والذى يقوم بالتركيز عليه، أما العلاج متعدد الأنساق فيبدأ من منطلق أنه قد يكون من المحتمل بالنسبة للمجالات المختلفة أن تترابط فيما بينها، ومن ثم يقوم بتقييم مثل هذه المجالات ثم يتناولها بالعلاج.

أما الصعوبة التي تواجهنا عند إستخدام هذا الإتجاه فتتمثل في تحديد أي الأساليب العلاجية هى التى يجب أن نستخدمها حالة معينة وذلك من بين تلك التدخلات العلاجية التي يشملها العلاج متعدد الأنساق. ويرى هنجار ( (Henggler 1994 أنه على الرغم من وجود العديد من الموجهات التي يمكن بمقتضاها توجيه المعالج فإنها لا تزال عامة إلى حد ما، إذ أنها تركز على تطوير  

185

التتابعات الإيجابية للسلوك بين الأنساق المختلفة كالوالد والمراهق، وتقييم التدخلات أثناء العلاج حتى يمكن أن يحدث التغيير أو التعديل.

وإذا ما كانت التدخلات التي تستدعيها الحاجة تعد مسألة صعبة جدا دون وجود أسلوب ثابت لتقييم ما نحتاجه وذلك إذا ما وضعنا في إعتبارنا الحدود الملازمة لإتخاذ القرار والإدراك حتى بين المختصين المدربين. ومع ذلك فهناك زيادة في إستخدام العلاج متعدد الأنساق أبعد من البرامج الأصلية المستخدمة في البحوث والدراسات مما يوضح أن هذا الأسلوب العلاجي يمكن إستخدامه في العديد من المواقف وبذلك فالعلاج متعدد الأنساق يعد مبشراً وواعدا وفعالاً إلى حد كبير إذا ما نظرنا إلى كم وكيف الأدلة المتاحة وثبات النتائج التي تم التوصل إليها. ويأتى كونه واعداً وفعالاً من فكرة أنه يتناول مجالات أو أنساقا متعددة ومدى ما تسهم به في إختلال الأداء الوظيفي والعمليات التي تدخل في العلاج وعلاقتها بالنتائج التي يتم التوصل إليها. كذلك فالتراث السيكلوجي يعج بالدراسات التي تتناول العلاج متعدد الأنساق بما يضمه من فنيات علاجية متعددة مأخوذة من أساليب علاجية أخرى كالتدريب على مهارات حل المشكلات، وتدريب الوالد على إدارة الأسرة، وجميعها يندمج بطبيعة الحال في أسلوب العلاج متعدد الأنساق أو في الإطار النظرى الذى يتعلق به، وهو ما يزيد بطبيعة الحال من إمكانية الإستفادة منه .

Other treatments خامسا: الأساليب العلاجية الأخرى

من الجدير بالذكر أن الأساليب العلاجية الأربعة التي انتهينا من مناقشتها للتو قد تم إختيارها في ضوء عدد من المحكات ذكرناها فى بداية هذا الفصل. كذلك فبالنسبة لكل أسلوب علاجي فإن نتائج العلاج التي كشفت عنها الدراسات وذلك فيما يتعلق بالمراهقين المضطربين سلوكيا قد تم إثباتها في دراسات إكلينيكية تضم عينات عشوائية، وكذلك الحال لما تم في دراسات متعددة، وهو ما يمثل تطوراً هاماً لعلاج الإضطرابات السلوكية وخاصة للأطفال والمراهقين بشكل عام كذلك                                                                         

186

فقد أوردنا هنا دراسات أخرى تناولت علاج الإضطرابات السلوكية بسبب إسهاماتها الفردية ونتائجها الواعدة على الرغم من أن مثل هذه الدراسات لم تنطبق عليها المحكات التي ذكرناها من قبل. ومن الملاحظ أن هناك غزارة في هذه الدراسات تمتد إلى أبعد من تلك الأساليب العلاجية التي عرضنا لها نتائج سلقا .

وقد قام (فيلدمان وآخرون 1983 (Feldman et al بإجراء برنامج على نطاق واسع يندمج مع الأنشطة التي يقدمها مركز المجتمع والذي كان يحضره المراهقون خارج المدرسة. وقد ضمت عينة تلك الدراسة سبعمائة مراهقا تتراوح أعمارهم بين ثماني سنوات إلى سبع عشرة سنة تمت إحالتهم لهذا المركز للعلاج بسبب سلوكهم المضاد للمجتمع، كما كان بعضهم ممن يحضرون بصفة عادية برامج الأنشطة المنتظمة التي يقدمها المركز ولكنهم لم يكونوا من المحالين للمركز للعلاج أى أنهم كانوا من العاديين. وقد هدفت هذه الدراسة إلى تقييم آثار ثلاثة أنماط علاجية ومستويين من الخبرة بالنسبة للمعالجين، وثلاثة أساليب مختلفة لتكوين الجماعات. وقد تمثلت الأساليب العلاجية الثلاثة في هذه الدراسة فيما يلى:

    traditional social work group: الخدمة الإجتماعية والأسلوب التقليدى   أ-    وهو ما يركز على عمليات الجماعة، والتنظيم الاجتماعي، والمعايير السائدة في                                               الجماعة .                                                                                     

ب - تعديل السلوك behavior modification:  

 أساليب التعزيز، والتركيز على السلوك الإجتماعي ويقوم هذا الأسلوب على إستخدام.

minimal treatment: ج ـ أسلوب الحد الأدنى من العلاج 

يوجد خلاله الخطة علاجية منظمة، أو تفاعلات تلقائية ولا تطبيق صريح بین أعضاء الجماعة.

هذا وقد تم تشكيل جماعات النشاط داخل المركز وتقييمها في ضوء واحد من هذه الأساليب العلاجية الثلاثة وتولى مدربون أمر هذه الجماعات، وكان                                                                  

187

بعضهم من ذوى الخبرة حيث كانوا من خريجى الخدمة الإجتماعية ولديهم خبرة سابقة، في حين لم يكن بعضهم الآخر من ذوى الخبرة حيث كانوا في ذلك الوقت لا يزالون طلاباً بالجامعة ولم يتخرجوا بعد وإضافة إلى ذلك فقد تم تكوين جماعات النشاط مجموعات الدراسة فى ضوء واحد من ثلاثة أساليب على النحو التالي:

أ - كان كل أعضاء المجموعة من المراهقين المحالين للعلاج بسبب سلوكهم المضاد للمجتمع.

ب - كان كل أعضاء المجموعة من المراهقين العاديين أى ممن لم يتم تحويلهم للعلاج.

ج- كان أعضاء المجموعة عبارة عن خليط من المراهقين المحالين للعلاج وغير المحالين.

هذا وقد تم تنفيذ البرنامج على مدى عام حضر خلاله هؤلاء المراهقون جلسات العلاج وشاركوا في كم كبير من الأنشطة سواء الرياضية، أو الفنية، أو الحرفية، أو الإقتصادية، أو المناقشات وتم تحديد الأسلوب العلاجي المستخدم فى ضوء التركيب العادى للنشاط في المركز، وتراوح عدد الجلسات بين 8 - 29 جلسة بمتوسط 22,2 جلسة إستمرت كل منها ما بين ساعتين إلى ثلاث ساعات.


وأوضحت النتائج أن كلاً من نمط العلاج، وخبرة المدرب، وتكوين الجماعة أو تركيبها له تأثيره على السلوك المضاد للمجتمع حيث أوضح المراهقون نقصاً كبيراً في السلوك المضاد للمجتمع عندما كان يقوم بالإشراف عليهم مدرب دو خبرة وذلك قياسا بالمدرب الذى لم تكن لديه خبرة. كذلك أوضح المراهقون المحالون للعلاج أى الذين كانت تصدر عنهم سلوكيات مضادة للمجتمع وذلك في الجماعات المختلطة أي التي كانت تضم إلى جانبهم أطفالاً ومراهقين لم تتم إحالتهم للعلاج تحسناً كبيراً قياساً بأقرانهم في المجموعة التي ضمت فقط أقرانهم ذوى الإضطرابات السلوكية ومن ناحية أخرى اختلف أثر نمط العلاج على                                                               

188

تعديل السلوك إذ كانت المجموعة التي تلقت العلاج الجماعي التقليدي هي أقل المجموعات التي أبدت إنخفاضا في معدل السلوك المضاد للمجتمع علما بأن العلاج التقليدى قد أدى إلى حدوث بعض النقص في ذلك السلوك قياسا بما أبدته المجموعة التي تلقت الحد الأدنى من الإتصال minimal Contactومع ذلك فلم تكن الفروق الناجمة عن نمط العلاج كبيرة وذلك فيما يتعلق بنتائجها . وعلاوة على ذلك فقد إستفاد هؤلاء المراهقون والأطفال من البرنامج المقدم إليهم وخاصة فى ظل توفر أفضل الظروف العلاجية في ذلك البرنامج والتي تمثلت في أولئك الذين قام بالإشراف عليهم مدرب ذو خبرة، وتلقوا أسلوب تعديل السلوك، وكانوا من أعضاء المجموعة المختلطة التي ضمت أطفالاً ومراهقين تمت إحالتهم للعلاج إلى جانب أقران لهم من العاديين.

هذا وقد تمت متابعة نسبة قليلة من أعضاء العينة تقل عن في دراسة تتبعية استمرت لمدة عام ومن ثم لم يكن من الممكن في ضوء ذلك الحكم على مدى إستمرارية آثار العلاج أو معرفة كيف صارت أحوال الغالبية العظمى من هؤلاء الأطفال والمراهقين الذين شملتهم عينة هذه الدراسة. وربما تتمثل أكثر النتائج حسماً خلال تلك الدراسة في أن نمط الأقران المتضمن في العلاج الجماعي يؤثر على النتائج إذ لم يبد المراهقون ذوو الإضطرابات السلوكية تقدماً ملحوظا وخاصة إذا كانوا في مجموعة تضم أقرانا لهم ذوى إضطرابات سلوكية أيضاً، فى حين أبدى المراهقون ذوو الإضطرابات السلوكية الذين صمت مجموعتهم أقرانًا لهم غير مضطربين سلوكيا تحسنا ملحوظا. ويمكن تفسير ذلك بأنه من المحتمل أن يؤدى الإرتباط بأقران لا تصدر عنهم أي سلوكيات مضادة للمجتمع إلى حدوث تحسن في سلوك أولئك الذين يبدون سلوكيات مضادة للمجتمع إذا اشتركوا معا في أنماط مختلفة من السلوك المعياري، فى حين يدعم الإرتباط بجماعة منحرفة السلوك ويعززه. وتعد هذه النتيجة ذات أهمية ومغزى كبير نظراً لأن العديد من الأساليب العلاجية السائدة             

189

والتي يتم تقديمها لذوى الإضطرابات السلوكية فى العديد من المواقف كالمستشفيات والمدارس ومراكز الإصلاح والتأهيل، والعيادات الخارجية بالمستشفيات تقدم في شكل علاج جماعي يأتى خلاله العديد من ذوى المشكلات السلوكية معا ليتحدثوا عن مشكلاتهم ويناقشونها ويحاولون إيجاد الحلول المناسبة لها، أو يخرجود سويًا بعيداً عن ذلك المكان لإكتساب خبرات جديدة تساعدهم على حل تلك المشكلات.

وتؤكد النتائج التى توصل إليها (فيلدمان 1992( Feldman أن وضع العديد من المراهقين ذوى الإضطرابات السلوكية معا من المحتمل أن يؤدى إلى إعاقة حدوث التغيير أو التعديل المنتظر فى السلوك والذى يرجى من حراء استخدام الأساليب العلاجية المختلفة. وتستند أهمية الأقران فى حدوث النتائج العلاجية المرجوة خلال هذه الدراسة على تلك النتيجة التي تقرر أن أفضل متغير للتنبؤ بحدوث التغير المنتظر فى السلوك وذلك داخل المجموعات المختلفة هو خبرة التغير السلوكي السابق للأقران داخل المجموعة. وعلى الرغم من ذلك فإن هذا المشروع البحثى يوضح أن التدخلات العلاجية المختلفة يمكن استخدامها على نطاق كبير نسبيا، ويمكن مع ذلك أن تحقق نتائج جيدة للمراهقين ذوى الإضطرابات السلوكية وأقرانهم العاديين وذلك في مواقف وأماكن مجتمعية مختلفة .


تعليق عام

من الجدير بالذكر أن الأساليب والفنيات العلاجية التى تمت مناقشتها خلال هذا الفصل لا تقدم لنا أو لا تعبر عن كل البدائل المتاحة في هذا الصدد حيث لا يزال هناك فنيات وأساليب علاجية أخرى متعددة مثل العلاج النفسى الفردى، والعلاج النفسى الجماعي والعلاج بالعقاقير والعلاج السلوكي، والعلاج عن طريق إستبقاء الفرد وحجزه في أماكن معينة كالمستشفيات أو غيرها على سبيل المثال، وغيرها الكثير . إلا أنه لا يوجد للآن سوى القليل من الأدلة هی التي                 

190

تؤكد فاعلية تلك الفنيات والأساليب العلاجية في تعديل أو إحداث التغيير في مثل هذه الإضطرابات السلوكية لدى الأطفال والمراهقين. وعلى الرغم من قلة النتائج التي تتعلق بأثر تلك الأساليب العلاجية على الإضطرابات السلوكية فسوف يكون من الخطأ أن نحدد وضع كل الأساليب العلاجية المستخدمة بنفس هذه الطريقة.

ومن ناحية أخرى هناك القليل من العموميات التى يتأكد من خلالها أن نتائج الدراسات التى أجريت فى هذا المجال واستعراضها يدعم أنماطاً علاجية معينة، إذ نجد على سبيل المثال أن العلاج النفسى الفردي والجماعي لم تتم دراستهما في هذا المجال بشكل جيد، وأن العلاجات الأسرية مع إستبعاد نمط العلاج الأسرى الوظيفى الذى تناولناه في الفصل الراهن لم تتم دراستها إلا نادراً في دراسات محكمة يكون فيها المريض من ذوى السلوك المضاد للمجتمع. وفي المقابل يوجد قدر كبير من التراث السيكولوجي حول أساليب العلاج السلوكي يوضح أن الفنيات المختلفة كبرامج التعزيز، والتدريب على المهارات الاجتماعية مثلاً يمكن أن يؤدى إلى تعديل السلوكيات العدوانية والسلوكيات المضادة للمجتمع. ومع ذلك فلا يزال التركيز فى هذا الجانب يميل إلى السلوكيات المنفردة بدلا من التركيز على مجموعة من الأعراض. وكذلك فإن التغيرات المستمرة أو التي تدوم لمدة طويلة من جراء إستخدام تلك الأساليب العلاجية بين العينات المرصية لم تظهر سوى نادراً .

 ويمثل العلاج بالعقاقير Pharmacotherapy منحى للبحث والعلاج ينال بعض الاهتمام حيث نجد على سبيل المثال أن عقاراً مثل methylphenidate  يتم إستخدامه عادة مع الأطفال الذين يتم تشخيصهم على أنهم يعانون من إضطراب النشاط الزائد المصحوب بقصور الإنتباه. ويرجع ذلك كما يرى هنشو وآخرون (1992) إلى سبب أساسي يتمثل في أن لهذا العقار تأثيراً فعالاً على السلوك العدواني والسلوكيات المضادة للمجتمع. ويرجع الاهتمام بذلك جزئياً إلى أن مثل هؤلاء الأطفال غالبا ما                                                                     

191

يتلازم لديهم تشخيص الإضطراب السلوكي أي يكون متلازماً مع نشاطهم الزائد وقصور الإنتباه. ومع ذلك فلا يزال الدليل القوى على أن مثل هذا العلاج الطبي يمكنه تعديل أو تغيير زملة الأعراض المصاحبة تلك كالشجار والسرقة على سبيل المثال والتي ترتبط بالإضطراب السلوكي غير موجود للآن . يرى ستيورات وآخرون 1990 Stewart et alأن مسحا وإستعراضاً حديثا للعلاجات الطبية (العقاقير) المختلفة التى تستخدم لعلاج العدوان لدى الأطفال والمراهقين قد أثار عددا من الأدلة المحتملة فى هذا الصدد، ولكن يتبقى أن يتم إجراء دراسات محكمة حول علاج السلوك العدواني على وجه الخصوص والإضطراب السلوكى عامة وذلك باستخدام هذا المنحى وحتى مع ذلك فإن كل الأدلة التي تجمعت لدينا تستحق أن نوليها جل الإهتمام وأن نتناولها بكل دقة لأنه لم يتوفر لدينا للآن من إجابات حول أثر هذا الأسلوب العلاجي سوى القليل. وهناك نوع من التدخل العلاجي في هذا الصدد يستحق الذكر، إلا أنه لم يتم تقييمه للآن على نفس المستوى الذى تم به تقييم أساليب علاجية أخرى كالعديد من العلاجات النفسية والعلاجات الطبية (العقاقير). ويرتكز هذا الأسلوب العلاجي في الأساس على إرسال المراهقين المضطربين سلوكيا إلى أحد المعسكرات في الريف حيث يتعلمون كيف يشذبون الأرض، أو يعتنون بالجياد أو يخبرون نظاماً عسكريًا يتلقون فيه تدريبات أساسية إلا أن الأسس النظرية المثل هذه العلاجات والبحوث التي تحدد العمليات المتضمنة في بداية ظهور الإضطرابات السلوكية وما يرتبط بها من ،محكات وهو ما تناولناه في بداية هذا الفصل نادرا ما تقترب من هذا النمط العلاجي وتنطبق عليه. ومن ثم فلم تتعرض مثل هذه البرامج للتقييم الإمبيريقي، وقد يرجع ذلك إلى عدة أسباب حيث نجد من ناحية أن تطوير أساليب علاجية مثل هذا الأسلوب يظهر خارج نطاق العلاجات المعروفة فى الصحة النفسية ويجب أن يتم تشجيعه لأن العلاجات التقليدية لم تقدم حلولا قاطعة للمشكلة . ومن ناحية أخرى يميل هذا النوع من العلاج إلى تجنب التقييم مع أن التقييم يعد هو المفتاح الأساسي لأى برنامج                                   

192

حيث تتكلف بعض البرامج كثيراً كما يرى( ويز وآخرون 1990 (Weisz et al ومع ذلك لا يكون لها تأثير على المراهقين الذين يتم تقديمها لهم، وإن ظهر لها تأثير يكون هذا التأثير ضيئلاً. وعلاوة على ذلك فإن بعض التدخلات العلاجية قد تؤدى كما سنرى في الفصل السادس إلى زيادة السلوكيات المضادة للمجتمع. بعض الأمور الهامة في الدراسات العلاجية هناك العديد من الأمور الجوهرية التي يكون من المهم أن نلاحظها ونراعيها عند تطوير أساليب علاجية فعالة لعلاج المراهقين المضطربين سلوكيا. وتتعلق مثل هذه الأمور بنمط الأسلوب العلاجى الذى نقوم بتطويره، وبؤر إهتمامنا، وكيفية تقييم أثر البرنامج. وسوف نتناول بعضاً من هذه الأمور الهامة والجوهرية على النحو التالي:

ا - مقدار التغير الحادث نتيجة للعلاج

من الجدير بالذكر أن الأساليب العلاجية الواعدة والفعالة التي تناولناها سلفا تحدث التغير في سلوك العميل، ولكن هل يعد التغير أو التعديل الحادث في سلوك هذا العميل نتيجة للعلاج كافيًا كى يحدث تأثيراً واضحا في حياة ذلك العميل وغيره من العملاء الذين يتلقون ذلك العلاج ومن ثم يحدث فرقا ظاهراً في حياتهم اليومية؟                    

ومن الملاحظ في هذا الإطار أن فكرة المغزى الإكلينيكى للتغير الحادث تشير كما يرى كازدین (1992) - (Kazdin )إلى القيمة العملية لذلك أو أهمية الأثر الذي يحدثه هذا الأسلوب العلاجى المستخدم، بمعنى أنه يؤدى إلى حدوث إختلاف وفرق حقيقى لدى هؤلاء العملاء أو الآخرين أم لا، ويمكن بالتالي قياسه بالعديد من الأساليب. وهناك طريقة لتقييم المغزى الإكلينيكي للتغير تتمثل في مقارنة المدى الذى يقوم فيه المراهقون الذين يتلقون العلاج بأدائهم الوظيفي قياسا بالمستويات                                                         



193

المعيارية. وتشير المستويات المعيارية هنا إلى مستويات الافران في نفس العمر الزمني ومن نفس الجنس والذين يعد أداؤهم الوظيفي في الحياة اليومية جيدا أو معقولاً. فلو قلنا على سبيل المثال أننا نود من الأفراد الذين يخضعون للعلاج أن يعودوا مثلاً إلى الإنتظام في المدرسة وألا يدخلوا في شجار مع بعضهم البعض أو يكثروا الجدل، وأن يحاولوا ألا يودعوا مرة أخرى بالحجز أو السجن، وأن تكون مستوياتهم في أداء مثل هذه السلوكيات شبيهة بأقرانهم الذين يتسم أداؤهم الوظيفي في الحياة اليومية بأنه جيد ومن الجانب الإيجابي نريد أيضا من الأفراد الذين يخضعون للعلاج أن يصلوا إلى المستويات المعيارية في أدائهم الوظيفي الإجتماعى أى في سلوكهم الإجتماعي كما ينعكس في قيامهم بالأنشطة الآخرين. إلا أن نتائج الدراسات التي أجريت في هذا الصدد توضح أنه يمكن من خلال استخدام مثل هذه الأساليب العلاجية أن تعود بالأفراد الذين يتلقون العلاج إلى المستويات المعيارية ولكن هذا لا يكون بالضرورة حقيقيًا لمعظم هؤلاء الأفراد الذين يتلقون العلاج كما يرى( کاردین1993  azdin  وباترسون وآخرون( Patterson et al حتى مع استخدام افضل هذه الأساليب العلاجية.

ومع ذلك فإن حدوث التغيرات الواضحة في حد ذاته قد لا يكون كافيا في العلاج، حيث لاحظنا على سبيل المثال في إحدى الحالات التي عرضت علينا أن العلاج قد أدى إلى تقليل عدد المرات التي يقوم فيها ولد يبلغ إثنتى عشرة سنة من العمر بالتحرش الجنسى بالبنات داخل المستشفى علماً بأن ذلك الولد كان تحت الملاحظة طوال الوقت ولكنه ذلك كان يتمكن من الهرب لفترات وجيزة. مع وقد أدى العلاج إلى تقليل عدد مرات التحرش الجنسى من حوالي ثلاثين مرة شهريًا إلى مرتين فقط . ذلك فقد كان آخر ما قام به هو مراقبة إحدى ومع المريضات ومداعبتها ومحاولة إغتصابها في المرحاض. وإذا ما إفترضنا أن العلاج المسئول عن تقليل عدد مرات التحرش الجنسى التي كان يقوم بها هذا كان الولد، وأن التقييم الذي قمنا به كان ثابتاً، فإننا مع ذلك نريد أن يحدث تغير أو                                      تعديل في السلوك اكثر من يكون هذا الأسلوب العلاجي مؤثراً              

194

ذلك وذا فاعلية.

وهناك حالة أخرى أدى العلاج الذي تلقته إلى خفض المدى الذي كان فيه ولد فى العاشرة من عمره يصطدم مع إدارة المدرسة، ومع ذلك كان لا يزال يتسم بالعدوانية اللفظية المفرطة التى كان من عواقبها فصله من المدرسة من جراء ما وجهه لمدير المدرسة من سباب والطريقة السيئة التى كان يكلمه بها. ومن الجدير بالذكر أن الموضوع هنا يتعلق بأهداف العلاج، ومن ثم يصبح السؤال الذي يطرح نفسه هو : ما الذى يمكن أن نحققه من إستخدامنا للأساليب العلاجية الشائعة الأهداف الملائمة التي نبغى تحقيقها من جراء ذلك؟ وهنا قد ندخل في جدال حول أبسط الأهداف التي نريد أن نحققها فإذا ما إفترضنا مثلاً أننا لو تركنا بعض المراهقين بدون تدخل علاجى سوف تزداد أحوالهم سوءا، فسوف أمامنا في هذه الحالة هدف هام وأثر علاجى له أهميته في حالة هؤلاء وما هي يصبح الأفراد يتمثل في أن نمنعهم من أن تصبح أحوالهم أكثر سوءا.

وبشكل عام نلاحظ أن مقدار أو كم التغير الحادث نتيجة للتدخل العلاجي بعد أمراً ذا أهمية كبيرة في تقييم الأسلوب العلاجي المستخدم. فنحن لا نريد أن نحقق مثل هذا التعديل أو التغير فحسب بل نريد أيضا أن نحقق أو نحرز مكاسب تجعل هناك فرقا وإختلافا فى حياة مثل هؤلاء الأفراد الذين يتلقون العلاج، ولأولئك الذين يتصل بهم مثل هؤلاء الأفراد وللمجتمع ككل. ونظراً لأن العديد من الدراسات العلاجية لم تتحقق مما إذا كان مثل هؤلاء الأفراد قد تغيروا بالشكل الذى يضعهم في المدى المعياري للأداء الوظيفي يصبح من الصعب علينا فى الوقت الراهن أن نتناول مثل هذا السؤال.

الإبقاء على التغير وإستمراره -2

عند تناول الآثار بعيدة المدى لأى أسلوب علاجي نلاحظ أننا نحتاج إلى الكثير والكثير من المعلومات في الوقت الذى لم تكشف فيه معظم الدراسات عن نتائج                                                               

195

للمتابعة توضح مدى التحسن في الأداء الوظيفي لهؤلاء الأفراد بعد إنتهاء العلاج بفترة طويلة. وتعد دراسة(كازدين وآخرين 1990 (Kazdin et al من بين الدراسات التي تضمنت متابعة وتقييم للأفراد الذين كانوا يتلقون العلاج وذلك بعد إنتهاء البرنامج العلاجى بفترة تتراوح بين خمسة إلى ستة شهور. ويرى (کاردین 1988(Kazdin أن التقيم التبعى يكتسب أهمية بالغة نظرا لأنه قد لا تحدث تغيرات بعد العلاج مباشرة. وعند مقارنة أسلوبين علاجيين أو أكثر على سبيل المثال فإننا نلاحظ أن الأسلوب العلاجي الذي يكون هو الأكثر فاعلية بعد العلاج مباشرة قد لا يكون دائما هو الأفضل أو الأكثر فاعلية على المدى الطويل. وبناء على ذلك قد تكون النتائج التى تتعلق بالأسلوب العلاجي المستخدم مختلفة تماماً إعتمادا على الوقت الذي تم فيه تقييم النتائج. وبغض تلك النتائج المترتبة على الأسلوب العلاجي فإن الدراسة التتبعية قد النظر عن تمدنا بمعلومات هامة تسمح بالتمايز بين المراهقين. ومع مرور الوقت نلاحظ إختلاف الأفراد الذين استفادوا من البرنامج العلاجي في العديد من الجوانب الهامة قياساً بأقرانهم الذين لم يستفيدوا منه. ومن ثم تصبح معرفتنا بمن يمكن أن يستجيب للعلاج، ومن يستجيب بشكل أفضل أو أقل لأسلوب علاجي معين يمكن أن تفيدنا بدرجة كبيرة في فهم الإضطراب السلوكي، وعلاجه، والوقاية منه ومن الواضح أن دراسة الآثار بعيدة المدى للعلاج تعد أمراً صعباً إذ أن أسر الأفراد المضطربين سلوكيًا يتسمون بإرتفاع معدلات تسربهم خلال العلاج وخلال فترة التقييم التتبعى بعد إنتهاء البرنامج العلاجي. ومع تقلص حجم العينة مع مرور الوقت يصبح من الصعب تصور النتائج المتعلقة بأثر العلاج. ومع ذلك فإن تقييم الآثار بعيدة المدى للعلاج لا تزال تمثل أولوية كبيرة في البحوث والدراسات.

امور اخرى بعد أن تناولنا في النقطتين السابقتين بعضا من الأمور التي تتعلق بالدراسات العلاجية والتي تكتسب أهمية كبيرة فى هذا الصدد يتبقى لدينا العديد من الأمور الأخرى يأتي في مقدمتها تلك المحكات التي تستخدم فى تقييم العلاج وهو ما قد يثير العديد من            

196

التساؤلات إذ يرى كازدين وآخرون (1990) أنه إذا كان التركيز العادى على الأعراض التي تظهر على الطفل له أهمية كبيرة في هذا الصدد فإن معظم الدراسات لم تستطع تقييم أو علاج مجالات أخرى مثل السلوك الاجتماعي والأداء الأكاديمى وهو الأمر الذى يتعلق بالتوافق المتزامن أو التوافق على المدى الطويل. ولذا يصبح من المهم أن يتضمن العلاج مدى من الأداء الوظيفي للطفل أكبر من مجرد ظهور أعراض معينة فقط .

ومن الملاحظ أن الأداء الوظيفي للوالد أو الأداء الوظيفي للأسرة قد يكون مرتبطا هو الآخر بهذا الأمر، إذ أن والدى الأفراد المضطربين سلوكيا وأعضاء أسرهم أيضا غالبًا ما يخبرون إختلالاً في أدائهم الوظيفي كالإضطرابات أو الأمراض النفسية والخلافات الزوجية. ومن ثم يصبح الأداء الوظيفي للوالد. والأداء الوظيفى الأسرى، وكيف الحياة التي يحياها أعضاء الأسرة بمثابة متغيرات وثيقة الصلة باختلال الأداء الوظيفي لمثل هؤلاء الأفراد كما قد تتأثر مثل هذه المتغيرات بالعلاج وبذلك تصبح بمثابة أهداف ملائمة تتحقق من خلال العلاج. وعلاوة على ذلك قد يكون من الضرورى أن نركز على الأداء الوظيفي الوالدي والأسرى حتى نستطيع أن نقوم بتعزيز وتدعيم ما نقدمه للطفل من علاج والنتائج التي يمكن أن تتحقق من خلال هذا العلاج. وبوجه عام هناك العديد من المتغيرات ذات الأهمية في تقييم العلاج. فنحن نعرف من خلال البحوث القائمة أن النتائج التي تم التوصل إليها فيما يتعلق بأسلوب علاجي معين يمكن أن تختلف إعتمادا على المحكات التي تم استخدامها أو الإحتكام إليها. كذلك فقد نلاحظ في دراسة معينة أن مجموعة معينة من المقاييس كتلك التي تتناول الأداء الوظيفي للطفل على سبيل المثال قد لا توضح فروقا بين أسلوبين ،علاجيين، في حين يمكن لمقياس آخر كمقياس الأداء                        

197

الوظيفي الأسرى على سبيل المثال أن يظهر أن أحد هذين الأسلوبين العلاجيين يعد أفضل من الآخر كما يرى (شابوزنيك وآخرون 1989)( Szapocznik et al وكازدين وآخرون 1992 Kazdin (وبذلك نلاحظ أنه عند التحقق من النتائج ذات الأهمية يجب أن نكون مؤهلين لتقبل حدوث نتائج مختلفة أو مغايرة تنجم عن الأسلوب العلاجي المستخدم.

ملخص وخاتمة

على الرغم من استخدام العديد من الأنماط العلاجية المختلفة مع المراهقين ذوى الإضطرابات السلوكية فإنه لا يوجد سوى القليل من الأدلة التي تتعلق بمعظم هذه الأساليب وما يستخدم فيها من فنيات علاجية مختلفة .

وقد قمنا خلال الفصل الراهن بمناقشة أربعة أساليب علاجية واعدة وفعالة مع ما كشفت عنه الدراسات التي استخدمتها من نتائج ومن المعروف أن مثل هذه الأساليب تعد هى الأكثر شيوعاً واستخداماً وتتمثل تلك الأساليب العلاجية في الأساليب التالية :

التدريب على مهارات حل المشكلات. -1

 تدريب الوالد على إدارة الأسرة.-2

-3 العلاج الأسرى الوظيفي .

- 4العلاج متعدد الأنساق .

ومن الجدير بالذكر أن أول هذه الأساليب وهو التدريب على المهارات المعرفية لحل المشكلات يركز على تلك العمليات المعرفية التي تقبع خلف السلوك الاجتماعى. أما الأسلوب الثانى والذى يتمثل في تدريب الوالد على إدارة الأسرة فيتم توجيهه لتغيير أو تعديل التفاعلات التي تحدث بين الوالد والطفل في المنزل وخاصة تلك التفاعلات التى تتعلق بأساليب تنشئة الطفل والتفاعلات القرية التي تعتمد على إجبار الطفل على أن يقوم بأشياء معينة. في حين يستخدم الأسلوب الثالث المتمثل فى العلاج الأسرى الوظيفي أساسيات نظرية         

198

بین الأنساق وتعديل السلوك كأساس لتعديل التفاعلات والتواصل، وحل المشكلات أعضاء الأسرة. بينما يركز الأسلوب العلاجي الرابع والذي يمثله العلاج متعدد الأنساق على النسق الفردى والنسق الأسرى والنسق خارج الأسرى، والتفاعل بين هذه الأنساق معا وذلك بغرض تطوير وتحسين السلوك الاجتماعي للفرد. هذا ومن الممكن استخدام فنيات متعددة لتناول تلك المجالات التي قد تسهم فى حدوث السلوك المضاد للمجتمع. كذلك قد تمت خلال هذا الفصل أيضا مراجعة وإستعراض الأدلة والنتائج المتعلقة بهذه التدخلات العلاجية وذلك من خلال الدراسات التي تناولتها كأساليب علاجية أو التي تناولت بعض الفنيات التي يتم استخدامها خلالها.


وإلى جانب ذلك فقد تمت مراجعة بعض الأمور التي قد تسهم في الإسراع بحدوث التقدم فى المجال الذى يتم علاجه ومنها مقدار التغير الحادث نتيجة للعلاج، والإبقاء على آثار هذا العلاج وإستمراره وذلك من خلال التعرض لمدة دوام آثار ذلك العلاج وكيفية تقييمه. ومع هذا فإنه لا يمكننا أن نقرر أنه يمكن باستخدام أسلوب علاجى واحد معين أن نتخلص من الإضطراب السلوكي أو نتغلب على حقيقة تواضع المآل المتعلق به على المدى القريب. ومن ناحية أخرى فإن إمتداد إختلال الأداء الوظيفى ليشمل المضطربين سلوكيا وأسرهم يصعب من مهمة تطوير أساليب علاجية فعالة إلا أن هناك أسلوبًا آخر بديلاً يمكننا من خلاله القضاء على مثل هذه الإضطرابات يستوجب التدخل المبكر قبل أن تتبلور الأعراض أو يتبلور الإضطراب كاملاً . 




199

الوقاية من الإضطرابات السلوكية

تهدف البرامج الوقائية إلى تفادى مشكلات معينة حتى نتجنب حدوثها. وبعد تفادى مشكلة الإضطراب السلوكى من الأمور ذات الأهمية الكبيرة والتي تلفت نظر الكثيرين نظراً لأنها تؤثر على العديد من الأفراد مما يؤدى إلى حدوث بعض الصعوبة في علاجها حيث تتضمن بذلك العديد من المشكلات منها ما يتعلق بالطفل نفسه، ومنها ما يتعلق بالوالدين ومنها ما يتعلق بالأسرة، وهو الأمر الذي يكلف المجتمع تكاليف باهظة. ويرى (مكورد و تریمبلای 1992 (McCord & Tremblay أنه كما يحدث في حالة العلاج يتم تطبيق العديد من أنماط التدخل (البرامج) بغرض الوقاية حتى يمكننا تجنب حدوث الإضطراب السلوكي. وهناك عدة برامج منتقاة تؤدى إلى نتائج لها دلالتها ومغزاها على المدى الطويل، إلا أن هناك العديد من التعقيدات التي تفرضها ظروف الوقاية، إلى جانب وجود بعض الفروق الطفيفة التى تبدو كنتيجة لتلك التعقيدات وهو الأمر الذى يجعل المهمة ليست بالبسيطة كما كنا نتوقع. وسوف نتناول في هذا الفصل أنماطاً عدة من البرامج الوقائية كى نوضح ما تم إنجازه في هذا الصدد حتى الوقت الراهن .


نظرة عامة على البرامج الوقائية

1 - الأساس المنطقى

تمثل أوجه القصور التي يمكن أن تظهر فى البرامج العلاجية حافزاً أساسياً لتطوير البرامج الوقائية. وتعد الأساليب العلاجية التي يمكن بمقتضاها التصدي للإضطرابات السلوكية وغيرها من مشكلات الصحة النفسية للأطفال والمراهقين والتي يمكن أن تأخذ شكل العلاج النفسى أو الحجز فى المستشفى وتقديم العلاج الطبي، أو الإيداع في السجن مكلفة وغير كافية ومن الأكثر إحتمالاً بالنسبة للعديد من المراهقين المضطربين سلوكيا أن نستخدم العديد من                         

203

التدخلات كالعلاج أو التربية الخاصة أو السجن وذلك على إمتداد حياتهم. كذلك فنظرا لإستخدام العديد من التدخلات العلاجية كالعلاج النفسى على سبيل المثال بشكل فردى فإنه فقط . لا يتسنى تقديم العلاج سوى لنسبة قليلة منهم .

ويوضح تقرير (الكونجرس الأمريكي 1991( U. S. Congress أن حوالي ثلثي الأطفال والمراهقين فقط الذين يحتاجون لمثل هذا العلاج في الولايات المتحدة الأمريكية لا يتلقون الخدمات التى يجب أن يتلقونها في الواقع. ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم القدرة على إيجاد واستغلال مثل هذه الخدمات، إلى جانب نقص التأمين الذى يغطى تلك الخدمات. كذلك فلو أن كل المراهقين الذين يحتاجون إلى مثل هذه الخدمات بحثوا فعلاً عن العلاج فإن عدد الأخصائيين النفسيين الذين يقومون بتقديم تلك الخدمات سوف لا يكون كافيا لذلك باي حال من الأحوال .


ويرى (ويسبرح وآخرون 1991( Weissberg et al أن مهمة العلاج لا تعد بالأمر اليسير إذ أنه في الوقت الذى تكون فيه مشكلات الصحة النفسية أو الصحة الجسمية كإساءة استخدام العقاقير أو الإضطرابات السلوكية على سبيل المثال حادة بدرجة تعوق العلاج الفعال قد يصبح من الصعب علاج مثل هذه المشكلات. كما أنها قد تؤدى أيضا إلى التأثير سلبًا على الأداء الوظيفي للفرد وتجعل بالتالى مهمة التدخل العلاجي أكثر صعوبة. ولهذه الأسباب فإن التركيز على مسألة العلاج يثير العديد من العقبات التي يمكن التغلب عليها باستخدام البرامج الوقائية ذات الفاعلية.


هذا وتمتد أسس ودعائم الوقاية إلى أبعد من مجرد الاهتمام بتكاليف وحدود العلاج حيث أنه إذا كان النموذج العلاجي يركز على المشكلات فإن النموذج                                                          


204

الوقائي يركز بدرجة كبيرة على الكفاءة أو المقدرة الاجتماعية وعلى المرونة وسهولة التكيف وذلك كأسلوب لتدعيم الأداء الوظيفي التواؤمي. وأحيانا يتحدد الفرق بين النموذجين بشكل آخر يتمثل في أن العلاج يميل إلى التركيز على المرض النفسى فى حين تركز الوقاية على الصحة النفسية. وفى ضوء ذلك يتم توجيه العلاج نحو خفض إختلال الأداء الوظيفي أو التخلص منه في حين يتم توجيه الوقاية نحو تطوير أداء اجتماعي إيجابي تواؤمي.

وإذا ما اعتبرنا هذا الفرق بمثابة نقطة الإنطلاق فإنه يصبح ذا درجة أكبر من الأهمية، ولكنه مع ذلك يعد بسيطا للغاية نظراً للإرتباط بين الصحة النفسية والمرض النفسي، وبساطة مصطلحى الصحة والمرض والآثار الكبيرة التي قد تترتب أحيانًا على كل من البرامج العلاجية والبرامج الوقائية. ومع ذلك تعد هذه النقطة حاسمة لأن العديد من البرامج الوقائية قد تم إعدادها بغرض تطوير الكفاءة أو المقدرة الاجتماعية والتي سوف تساعد بالتالي في منع أو خفض تلك الآثار المترتبة على العديد من المشكلات وذلك بدلاً من التدخل الجراحي لمجرد تجنب الإضطراب السلوكي أو أى مشكلة أخرى. ومن ثم فالوقاية توفر فرصاً عديدة وخاصة لا يوفرها العلاج ويتضمن ذلك إمكانية الوصول بها إلى عدد كبير من الأفراد، والتدخل المبكر لخفض أو تقليل عدد الحالات الجديدة التي يمكن أن تضطرب سلوكيا، وتدعيم الأداء الوظيفى التواؤمى للإسهام في تجنب حدوث العديد من المشكلات.

نطاق البرامج الوقائية -2

نطاق البرامج الوقائية التى يتم إعدادها بغرض تحسين الصحة النفسية يتسع ومنع حدوث إختلال فى الأداء الوظيفى للأطفال والمراهقين وذلك في ضوء السمات أو الملامح الرئيسية المميزة لمثل هذه البرامج والأهداف التي تسعى أو ترمى إلى تحقيقها والتى يمكن تناولها على النحو التالي:

أولاً: يمكن تمييز العديد من الأهداف الخاصة بمثل هذه البرامج الوقائية، ومن ثم


205

يختلف نوع الوقاية طبقا للهدف أو مجموعة الأهداف التي يرمى إلى تحقيقها. وفى هذا الإطار يمكن تقديم ثلاثة أنواع من البرامج الوقائية ما بين الوقاية الأولية والوقاية الثانوية والوقاية الثالثة . ومن هذا المنطلق تتضمن الوقاية الأولية primary prevention تلك البرامج التي يتم إعدادها خصيصاً بغرض منع تطور الإضطراب النفسي، ولتدعيم سعادة ورفاهية الأفراد الذين لم يتأثروا بعد بإختلال أدائهم الوظيفى. وفى ضوء ذلك تقدم تلك البرامج الوقائية إلى تلك المجموعات من الأفراد الذين لم يخبروا مشكلات التوافق. أما الوقاية الثانوية Secondary prevention فتركز على أولئك الأفراد الذين تبدو عليهم بالفعل دلائل مبكرة لإختلال الأداء الوظيفى سواء كانت بسيطة أو متوسطة أو يتم تقديمها لأولئك الذين يعدون في خطر يجعلهم عرضة للمشكلات الإكلينيكية. ويتم إعداد البرامج الوقائية في هذا الصدد بغرض وقف تطور إختلال الأداء الوظيفي حتى لا يصل الأمر إلى ما هو أسوأ. وغالبًا ما يكون الفرق بين هذين النوعين من البرامج غير واضح نظراً لأن أيا منهما قد يتم تقديمه إلى مجموعات من الأطفال والمراهقين تتضمن أولئك الذين لا يزال أداؤهم الوظيفي جيدا و من هم معرضين بدرجة كبيرة للإضطراب مع أن البرامج التي تقدم للأطفال المتوافقين يجب أن يتم توجيهها نحو الوقاية الأولية، في حين يتم تلك البرامج التي تقدم للأطفال غير المتوافقين أى المعرضين بدرجة كبيرة للإضطراب صوب الوقاية الثانوية. كذلك فهناك نوع : ثالث البرامج يعرف بالوقاية الثالثة tertiary prevention وهو المصطلح الذي يستخدم أحيانًا للإشارة إلى تلك البرامج التي يتم تطبيقها على الأفراد الذين يعانون بالفعل من المشكلة على الرغم من أن الهدف الذي تسعى مثل هذه البرامج إلى تحقيقه قد يتمثل في منع تطور تلك المشكلة لدى هؤلاء الأفراد إلى الأسوأ. إلا أن هذا المصطلح لا يستخدم على نطاق واسع في التراث السيكولوجي والطبي الخاص بالبرامج الوقائية لأن هذا يساوى أو يعادل تقديم من هذه                                                                  

206

العلاج أو التدخل لصالح أولئك الذين يعانون بالفعل من مشكلة معينة ومع ذلك يعد هذا المصطلح ذا همية نظراً لأنه يضع كلاً من الوقاية والعلاج على متصل Continuum النقاط التي تتعلق بالتدخل .

ثانيا: تختلف تلك البرامج في محور تركيزها أو بؤرة إهتمامها الأساسي، ففى حين تهدف بعض البرامج إلى تطوير الكفاءة أو المقدرة الاجتماعية أو الأداء الوظيفي التواؤمي، تركز برامج أخرى على تأخير بداية حدوث إختلال الأداء الوظيفي أو منع حدوث مشكلة معينة كإساة إستخدام المواد أو الإنتحار على سبيل المثال. وبوجه عام نلاحظ أن مثل هذه البرامج تميل إلى التركيز على التقليل من أثر العوامل المساعدة على حدوث الإضطراب السلوكي كإنخفاض نسبة ذكاء الطفل وأساليب الرعاية الوالدية الفظة أو غير المناسبة مثلاً، كما تعمل على تطوير عوامل حماية وعوامل تواؤمية مثل التعلق القوى للأم بطفلها، إلى جانب تقوية علاقة الطفل بالأسرة والمدرسة. ومن ثم نلاحظ أن بؤر الإهتمام ومحاور التركيز هذه لا تعد عشوائية ولكنها تستند إلى وجهات نظر حول العمليات التي تتوسط إختلال الأداء الوظيفي أو تؤدى إليه .

ثالثا: تختلف تلك البرامج وتتمايز عن بعضها فى الكيفية التي يتم تقديمها بها والأفراد الذين تقدم لهم. فما يسمى بالبرامج العامة يتم تطبيقها على العدد الكلى للأفراد أو تطبق على عينات غير مختارة من الأطفال والمراهقين بدلاً من تقديمها أو تطبيقها فقط على أولئك الذين يعدون في خطر ويخشى عليهم من التعرض للإضطراب. وبذلك نجد من هذا المنطلق أن مثل هذه البرامج الوقائية العامة يتم تقديمها إلى جميع الطلاب المقيدين في مدرسة معينة أو الذين يقطنون حيا سكنيا معينا، أو الذين يعيشون في مدينة معينة ثم يتم التقييم بعد ذلك حتى يتم تحديد أثر مثل هذه البرامج. أما البرامج المختارة أو المنتقاة فتتمثل في تلك البرامج التي يتم توجيهها إلى الأفراد الذين يتم تصنيفهم على أنهم في خطر شديد                                               


207

يعرضهم للإضطراب السلوكي. ويختلف هذان النوعان من البرامج العامة والخاصة) فى المزايا وذلك من حيث التكلفة والأفراد الذين يتم تقديمها إليهم، ولكن فى الوقت ذاته يعد كلاهما على درجة كبيرة من الأهمية.

رابعا: تعتمد تلك البرامج على ظروف وأوضاع وأماكن مختلفة، ومن ثم تعتمد على المصادر والتدخلات التي يتم استغلالها لتحقيق تلك الأهداف. فعلى سبيل المثال نجد أن البرامج التي يتم تقديمها في المدرسة، أو المنزل، أو في مراكز الرعاية النهارية، أو فى مراكز الأنشطة سواء تم تقديمها بمفردها أو مع غيرها من البرامج تعمل جميعاً كأساس للوقاية . في حين نجد هناك برامجاً أخرى لا يتم تطبيقها في ظروف أو أماكن معينة بالطريقة المعتادة ولكنها تعتمد بدلاً من ذلك على الحملات الإعلامية كالحملات المضادة للتدخين، أو لإساءة استخدام العقاقير أو الحملات الخاصة بالوقاية من الأمراض التي تنتقل عن طريق الإتصال الجنسي. وتؤدى مثل هذه السمات إلى توفر قدر كبير من البرامج الوقائية وتوفر في الوقت ذاته إختيارات متعددة لتحسين التوافق وتحول دون حدوث سوء التوافق.

ویری(جولد ستون وآخرون 1990 Goldston et al وبرايس وآخرون( (1988)( Price et al وريكل وآلان ( Rickel & Allen أنه قد تم إثبات فاعلية البرامج الوقائية فى العديد من مجالات الأداء الوظيفي وذلك بالنسبة لكل الأطفال والمراهقين. ويضيف مکورد وترمبلای igler أن الإضطرابات السلوكية والجنوح تعد من هذه الجوانب التي ثبتت فيها فاعلية البرامج الوقائية. هذا وقد إتضح أن البرامج الوقائية التي يتم تقديمها في وقت مبكر من الحياة كالإرشاد الذي يقدم للأم قبل وبعد الولادة والإتصال المستمر بالأسرة والطفل في السنوات القليلة الأولى من عمر الطفل، بالإضافة إلى الإرشاد خلال مرحلتي الطفولة والمراهقة له آثاره الفعالة في خفض احتمالات قيام الطفل بالسلوكيات اللاتواؤمية (مثل التسرب من المدرسة، والسلوك المضاد للمجتمع)، وإختلال الأداء الوظيفي الإكلينيكي.



208

ومع ذلك فإن النتائج التي تتعلق بالبرامج الوقائية لا تزال في حاجة إلى درجة أكبر من التركيز على الدقة حتى يتم التعيين والتحديد الدقيق للفروق الطفيفة التي يمكن أن تظهر، وتحديد التحديات التي تواجهها وأوجه القصور التي تعتريها بدرجة أكبر من الدقة وأن يتم استخدام أنماط متعددة من البرامج طبقا لما يتم التركيز عليه فى البرنامج الوقائى المقدم. وسوف نستعرض فيما يلى أنماطا منتقاة من البرامج الوقائية الواعدة والفاعلة.


بعض أنماط البرامج الوقائية الفاعلة

أولا : البرامج الوالدية والأسرية الباكرة

ربما يعتبر أهم التساؤلات التى تواجهنا في إطار الوقاية من الإضطرابات السلوكية هو متى نتدخل لهذا الغرض. وتعد الإجابة على هذا التساؤل واضحة أيضا حيث يجب أن يبدأ مثل هذا التدخل قبل أن يولد الطفل. ويرجع السبب في ذلك إلى أن العوامل المساعدة على حدوث الإضطراب السلوكي مثل سمات الوالدين والأسرة كوجود تاريخ أسرى للإضطراب السلوكي، وزيادة حجم الأسرة، وإنخفاض المستوى الاقتصادى الاجتماعي وزيادة الضغوط والتوترات يمكن تحديدها قبل أن يولد الطفل. كذلك فهناك عوامل مساعدة أخرى مثل حمل الأم وهى لا تزال في مرحلة المراهقة ومشكلات ما قبل الولادة وأثناء الولادة لا يمكن الإنتظار بها حتى يتم التدخل فيها عندما يولد الطفل. وعلى ذلك يرى (ميسلز وشونكوف 1990( Meisels & Shonkoff أن العديد من البرامج الوقائية تبدأ قبل أن يولد الطفل وتستمر خلال السنوات القليلة الأولى من حياته .

وقد ركزت دراسات عديدة على تقليل أثر العوامل المساعدة التي يمكن أن تؤدى إلى حدوث إختلال فى الأداء الوظيفى لكل من الطفل والأسرة، ومن بينها الإضطرابات السلوكية للطفل. ولم يكن الهدف في العديد من تلك الدراسات هو منع حدوث الإضطراب السلوكي للأطفال، كما لم يتم استخدام                                                    

209

أي مقاييس للإضطراب السلوكي فى تقييم نتائج البرنامج المستخدم وأثره. ومع ذلك كانت العلاقة بين تقليل أثر العوامل المساعدة وبين الإضطراب السلوكي واضحة في العديد من هذه الدراسات وهو ما يؤكد على الصلة الوثيقة التي تربط بينهما .

ويرى( أولدز 1988( Olds أن برنامج الوقاية الأولية الجيد يجب ان تصميمه بغرض تحسين العادات الصحية فى فترة ما قبل الولادة بالنسبة للأمهات ومستوى رعايتهن لأطفالهن الرضع والمساندة الاجتماعية لهن، واستغلال الخدمات التي يقدمها المجتمع، ومستوى الأداء في التعليم أو المهنة ومن ثم يمكنهن الإقلال من إعتمادهن على الخدمات الاجتماعية المنظمة التي تقدمها الدولة لتحسين أحوالهن الاقتصادية والاجتماعية ومن ناحية أخرى من المتوقع أن يكون للتركيز على صحة الأم وتقليل معدل حدوث إضطرابات الطفولة كالولادة المبتسرة ونقص وزن الطفل عند الميلاد آثار كبيرة قد تعكسها المشكلات السلوكية للأطفال وإساءة استخدام الأطفال من جانب الأب. وعلى الرغم من أن الأهداف المحددة لمثل هذا البرنامج لا تتضمن منع حدوث الإضطرابات السلوكية للأطفال فإن التركيز على وزن الطفل عند الميلاد، ورعاية الأم له، وأساليب المعاملة الوالدية تعد أموراً كافية فيما يتعلق بالتعامل مع مجال العوامل المساعدة على حدوث الإضطرابات السلوكية .

ويضيف أولدز Olds                                                                 أنه قد قام في دراسته هذه والتي أ الغرض بالتركيز على الأمهات اللائى كن في خطر واللائي تم تحديدهن بأنهن كن صغيرات نسبياً في السن إذ كانت تقل أعمارهن عن تسع عشرة سنة، وكن غير متزوجات، إضافة إلى أنهن كن تنتمين إلى مستويات اقتصادية واجتماعية منخفضة. وقد عمل على إختيار النساء اللائى تتوفر لديهن إحدى هذه السمات على الأقل وذلك من منطقة شبه ريفية وتم توزيعهن على إحدى المجموعتين اللتين تضمنتهما الدراسة حيث تلقت أولى المجموعتين برنامجا إرشاديًا في حين تلقت الثانية ما يعرف بالحد الأدنى من التدخل الإرشادي. وقد تضمنت إجراءات                                                               

210

الدراسة قيام ممرضات بزيارات منزلية مستمرة للمجموعة التي تلقت البرنامج الإرشادي وذلك منذ أن أصبحت النساء عضوات تلك المجموعة حوامل أى إبتداء من بداية حملهن ولمدة عامين. وكان البرنامج المستخدم يختلف وتختلف بالتالي معه أهدافه وذلك في فترات زمنية معينة. فأثناء فترة الحمل مثلاً تم تعليم هؤلاء الأمهات كيف يعملن على تحسين وجباتهن الغذائية وأن يقللن من تعاطى الكحوليات والعقاقير وتدخين السجاير، وأن يحافظن على صحتهن الشخصية، وأن يقمن بأداء التمرينات الرياضية المناسبة. أما بعد الولادة فكان يتم التركيز خلال الزيارات المنزلية على تفهم الأب لمزاج الطفل، والنمو المعرفي للطفل، والمظاهر المختلفة للأداء الوظيفي الذي يرتبط بسعادة ورفاهية كل من الأم والطفل. أما النساء في المجموعة الثانية اللاثى تلقين ما يعرف بالحد الأدنى من التدخل الإرشادي فقد تلقت خدمات عديدة مثل أجرة الإنتقال، والخدمات المرتبطة بالعناية الجيدة بالطفل، إلا أنهن لم يتلقين برنامج الزيارات المنزلية الذى تلقته المجموعة الأولى. وانتهى البرنامج مع بلوغ الطفل الثانية من عمره، ومع هذا فقد تمت متابعة أولئك الأطفال لمدة عامين بعد ذلك.

وعند المقارنة بين الأمهات في المجموعتين لوحظ أن الأمهات اللائي تلقين البرنامج الإرشادي قد أقللن من تدخين السجاير وكان وزن أطفالهن عند الولادة يزيد بكثير عن أطفال قريناتهن بالمجموعة الثانية، كما قلت بينهن إساءة استخدام الطفل وإهماله وقل معدل ذهابهن بأطفالهن إلى غرفة الطوارئ بالمستشفى. وفيما يتعلق بالحياة الشخصية للأم فقد إزدادت معدلات التوظيف بين الأمهات اللائي تلقين البرنامج الإرشادى، وقلت مرات الحمل قياسا بقريناتهن اللائي تلقين ما يعرف بالحد الأدنى من التدخل الإرشادي .

وتؤكد هذه النتائج إجمالاً على أن العوامل المساعدة على حدوث الإضطراب السلوكي والموجودة بالأسرة كالتعقيدات والصعوبات المرتبطة بولادة الطفل، وإساءة استخدام الطفل، وإنخفاض المستوى الاقتصادى الاجتماعي، وكبر حجم الأسرة يمكننا التأثير عليها والحد من أترها السلبي وذلك بالتدخل الإرشادي الموجه للأمهات الشابات.

211

وفي مشروع بحثى آخر يستهدف نفس الغرض قام به (بروفينس ونايلور(1983) provence & Naylor )تلقى الوالدون الشباب من ذوى المستوى الاقتصادى المنخفض برنامجا إرشاديًا يهدف إلى تدعيم نمو أطفالهم بشكل سليم وتحسين حياتهم الأسرية وكان الأساس المنطقى وراء ذلك يتمثل في أن أي خلل أو ضغوط يتعرض لها الوالدان تعوق الأداء الوظيفى الأسرى وتزيد من احتمال حدوث إختلال في الأداء الوظيفي للطفل. أما عن عينة الدراسة فقد تطوع أعضاؤها للإشتراك في تلك الدراسة، وقد تألفت من مجموعتين إحداهما ضابطة والأخرى تجريبية تمت المجانسة بينهما في العديد من المتغيرات هي مستوى الدخل، ومعدل تواجد الوالدين بالمنزل، والعرق أو السلالة. أما البرنامج الإرشادي في حد ذاته والذي تم تطبيقه على المجموعة التجريبية فقد تألف من الخدمات التي كان يتم تقديمها للأمهات على مدى عامين ونصف مجموعة من بعد الولادة. وقد تضمنت تلك الخدمات الزيارات المنزلية من جانب أخصائي اجتماعي يعمل على تلبية مختلف الحاجات لهن كالأمان والحصول على المساعدات المالية والمنزلية المناسبة، إلى جانب زيارات متكررة للطفل أثناء النهار للتأكد من رعايته في ضوء البرنامج المستخدم، وإجراء الفحوص النمائية والطبية المختلفة عليه. وكانت الخدمات المقدمة للأسرة تحدد بدقة وفق إحتياجات كل أسرة على حدة وذلك في ضوء محتوى البرنامج وبنيته والإتصال بالعاملين فيه.

وفي دراسة تتبعية استمرت عشر سنوات وجد سيتز وآخرون (1985) Seitz et al عند مقارنة مجموعة ضابطة من الأمهات بمجموعة تجريبية تلقت الأمهات فيها برنامجا إرشاديًا بغرض الوقاية أنه كان من الأكثر إحتمالاً بالنسبة للأمهات في المجموعة التجريبية أن يحصلن على عمل وأن يكون عندهن عدد أقل من الأطفال، وأن يكون هناك فترات زمنية طويلة بين كل ولادة وأخرى. ومن الملاحظ أنه يتم من خلال معدل المواليد والتباعد بين كل ولادة والأخرى أى كثافة الأسرة أو حجمها التعامل مع العوامل المساعدة على حدوث الإضطراب السلوكي والتي تم تناولها من قبل. كذلك فقد أوضح أطفال أعضاء للمجموعة 

212

التجريبية معدلات أعلى من الحضور بانتظام للمدرسة ولم يحتاجوا سوى لقدر أقل من الخدمات الخاصة، وتم تقييمهم من جانب معلميهم على أنهم أكثر إيجابية. وإلى جانب ذلك فقد عكست تقديرات المعلمين الخاصة بهم معدلاً أقل من العدوانية، ومعدلاً أقل من السلوكيات المضادة للمجتمع والتي تستدعى وضع الطفل في الفصول الخاصة ومعدلاً أقل من الإبعاد المؤقت من المدرسة. في كانت تقارير الأمهات في المجموعة الضابطة تدل على حدوث السلوكيات حين المضادة للمجتمع كالبقاء خارج المنزل طوال الليل دون علم الأم، والقسوة على الحيوانات، والسلوك العدواني تجاه الوالدين والأخوة وذلك من جانب أطفالهن بمعدل أكبر. ومن ثم فإن هذه الدراسة تحظى بأهمية كبيرة ولها مغزى هام في البرهنة على حدوث تغيرات مباشرة في العوامل المساعدة على حدوث الإضطراب السلوكي، وفي الإقلال من السلوك المضاد للمجتمع، وفي حدوث نتائج طويلة المدى للتدخل المبكر .


كذلك فقد قام لالى وآخرون (1988) Lally et al بتقديم برنامج للتدخل المبكر للأمهات ذوات المستوى الاقتصادي المنخفض واللائى تطوعن للإشتراك في ذلك البرنامج وذلك خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل. وتضمن البرنامج الإتصال المستمر المختصين الذين قاموا بتقديم خدمات عديدة تتعلق بالأم ورعاية الطفل كالتغذية ونمو الطفل، وتحسين العلاقة بين الوالد والطفل، وغير ذلك. وكانت تتم زيارات أسبوعية للمنزل حتى يتسنى توضيح أمور معينة مثل تربية الطفل والعلاقات الأسرية والتوظيف والأداء الوظيفي للمجتمع ككل. وعلى الرغم من أنه قد تم النظر إلى الإتصال بالوالد على أنه تدخل أولى فقد كان الجزء الأساسى من البرنامج هو تقديم الرعاية اليومية للطفل. وقد عمل المختصون على التأكد من توفير ذلك للأطفال حتى حوالي الخامسة من أعمارهم تقريباً. هذا وقد تمت مجانسة المجموعتين الضابطة والتجريبية في عدد من المتغيرات الديموجرافية والشخصية وذلك قبل البدء في البرنامج، أما عند نهايته، فقد تمت المقارنة بين أسر المجموعتين.

213

وبعد نهاية البرنامج بعشر سنوات كان هناك تقييم آخر حيث استمرت متابعة تلك الأسر وأطفالها خلال هذه الفترة، وكان سن الأطفال في ذلك الوقت يتراوح بين 16 سنة. وأسفرت النتائج عن حدوث العديد من التغيرات، إلا أن التغيرات التي ترتبط بالإضطرابات السلوكية قد حظت على الجانب الأكبر من الإهتمام، إذ أوضح المراهقون من أبناء الأسر التي تضمتها المجموعة التجريبية حالات أقل من المخالفات السلوكية، وكانت الجنح التي ارتكبوها أقل حدة، كما كانت تتسم بدرجة أقل من الإزمان ومن ثم كانت التكلفة التي تسببوا فيها من جراء ذلك مثل تكلفة المحاكم والمخالفات السلوكية، والإيداع في فصول ،حاصة، والحبس وغيرها من التكاليف التي ترتبط بذلك تعد تكاليف أقل وذلك قياسا بأقرانهم من أبناء الأسر التي تضمنتها المجموعة الضابطة. وبذلك يتضح أن التدخل المبكر له أثره المباشر والفعال على الإضطرابات السلوكية من جانب الأبناء حيث يقلل منها بدرجة كبيرة.


الأمثلة الأخرى لبرامج التدخل المبكر ذلك البرنامج الذي قدمه جونسون (1988) Johnson بغرض الإقلال من معدلات إنخفاض المستوى الدراسي للأطفال الأمريكيين من أصل مكسيكى وتجنب حدوث مشكلات سلوكية من جانبهم وتضمنت العينة أطفالاً يبلغون عاماً واحداً من العمر، ومن ثم لم تكن تبد منهم أي مشكلات سلوكية بعد وكان الفقر والإنتماء إلى الأقليات من العوامل المساعدة على حدوث الإضطرابات السلوكية والتى تمت دراستها، كما كانت الأسر تتطوع سنويًا للإشتراك في الدراسة وذلك على مدى ثماني سنوات، وتم تقسيم تلك الأسر عشوائياً إلى مجموعتين كانت إحداهما تجريبية تلقى أعضاؤها برنامج التدخل المبكر الذى تم إستخدامه في تلك الدراسة، بينما كانت الثانية ضابطة لم يتلق أعضاؤها ذلك البرنامج .

هذا وقد بدأ البرنامج مع بلوغ الأطفال عامهم الأول من العمر وانتهى مع بلوغهم الثالثة. وتضمن زيارات منزلية ومقابلات مع الأمهات لزيادة فهمهن لكيفية الرعاية الجيدة للطفل ونموه والإرشاد الشخصى والإشتراك في أنشطة

214

أسرية أسبوعية تتعلق بالورش أو الأحداث الاجتماعية المختلفة، إلى جانب الإشتراك فى تلك الأنشطة التي يقدمها المركز المسئول عن البرنامج حيث كان الأطفال يودعون هناك في حضانة تابعة له، كذلك فقد تم عقد جلسات للأمهات يتم من خلالها تبصيرهن بكيفية التعامل مع المهام المدرسية والدراسية للطفل، والسلوك المشكل من جانبه، والأمور المرتبطة بإدارة المنزل مثل الميزانية وكيفية تصريفها. وتم خلال هذا البرنامج بذل جهود مضنية حتى يتم إلحاق الأسرة بأكملها في البرنامج، ولمناقشة العديد من الأمور المتعلقة بتربية الطفل ونموه، والإستجابة للإهتمامات المتنوعة للوالدين وتلبيتها وذلك مثل التدريب على قيادة الأسرة وإدارتها والتربية الجنسية والتخطيط الأسرى.


ومن ناحية أخرى تم إجراء القياس التتبعى بعد الإنتهاء من البرنامج بفترة تتراوح بين خمس إلى ثماني سنوات وكان الأطفال في ذلك الوقت قد وصلوا إلى الصفين الثانى والثالث، وأوضحت النتائج فيما يتعلق بالسلوكيات المضادة للمجتمع التي تستدعي الإيداع في فصول خاصة أنها كانت تحدث دوما في الفصل من جانب أطفال الأسر التي تضمنتها المجموعة الضابطة وذلك بشكل أكثر شيوعا وفى دلالة إحصائية قياساً بأقرانهم الذين ينحدرون من تلك الأسر التي تضمنتها المجموعة التجريبية التي تلقى أعضاؤها البرنامج المستخدم. كذلك فقد بلغت نسبة الإحالة لتقديم خدمات خاصة بين أطفال أسر المجموعة الضابطة أربعة أضعاف مثيلاتها بين أطفال أسر أقرانهم بالمجموعة التجريبية. ومن جانب آخر كان أداء أطفال أسر المجموعة التجريبية على العديد من المقاييس المعرفية ومقاييس المهارات والقدرات العقلية أفضل من أداء أقرانهم الذين ينتمون إلى تلك الأسر التي تضمنتها المجموعة الضابطة .

ثانيا: البرامج المدرسية

تركز البرامج المبكرة التي ترتكز على الأسرة والوالدين على رعاية الأم للطفل وعلى نمو الطفل خلال تلك الفترة المبكرة من حياته. وتتضمن تلك البرامج أيضاً

 215

الرعاية اليومية للأطفال وخبراتهم المبكرة المرتبطة بالمدرسة. وهناك العديد من البرامج المرتبطة بالإضطرابات السلوكية والتي تركز في الأساس على تلك التدخلات التي ترتكز على المدرسة، وغالبًا ما يكمل مثل هذه البرامج إتصالات إضافية بالوالدين.

ویری شوینهارت وويكارت ،(1992 , 1988 , 1987) Schweinhart Weikart أن من بين البرامج التي نالت إهتماما كبيرا في هذا المجال ذلك البرنامج الذى تم تصميمه لمساعدة الأطفال الذين يعدون في خطر يعرضهم للفشل المدرسي. وقد استند خطر التعرض للفشل المدرسي في هذا البرنامج على إنخفاض المستوى التعليمى للوالدين، وإنخفاض دخل الأسرة، والبيئة الضاغطة. وبدأت الدراسة على مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين ثلاث وأربع سنوات تم تقسيمهم عشوائيا إلى مجموعتين إحداهما تجريبية يطبق عليها البرنامج، والأخرى ضابطة وتضمن هذا التدخل الوقائي برنامجا يقدم في الفصل وذلك على مدى سنتين بواقع خمس جلسات أسبوعية صباحية لمدة سبعة شهور في كل سنة، مع زيارات أسبوعية من جانب المعلم لمنازل الأطفال خلال تلك الفترة. وقد تم تصميم محتوى البرنامج والأنشطة التي تجمع بين المعلم والطفل لتلبية الحاجات المتنوعة للتلاميذ والتي تتضمن الحاجات العقلية والاجتماعية والجسمية وذلك في ضوء آراء بياجيه حول نمو القدرة على إتخاذ القرارات وغيرها من العمليات المعرفية الأخرى .


وقد انتهى البرنامج عندما كانت أعمار أولئك الأطفال تتراوح بين خمس وست سنوات، في حين استمرت القياسات التتبعية على مدى سنوات عدة. وكشف القياس التتبعى الذى تم إجراؤه عندما بلغ أفراد العينة التاسعة عشرة من أعمارهم عن نتائج لها أهميتها ومغزاها منها أن المراهقين الذين إشتركوا في هذا البرنامج قبل المدرسي عندما كانوا أطفالاً قد أبدوا مستويات أقل من التأخر العقلي، ومعدلات أقل للتسرب من المدرسة، إضافة إلى مستويات أقل من الإعتماد على المساعدات التي تقدمها الحكومة لرفع المستوى المعيشي قياساً

216

بأقرانهم من المجموعة الضابطة. كما أظهروا أيضا مستويات أعلى من ومن التوظف ومن الإلتحاق بالكليات أو المدارس الفنية Vocational Schools والحضور إليها بانتظام. كما كشفت النتائج أيضا عن أن أمهات أفراد المجموعة التجريبية في هذا السن عند ذلك القياس التبعي لم يخبرن الحمل والولادة سوى عدد من المرات أقل من أمهات أفراد المجموعة الضابطة. وبذلك فإن هذا البرنامج قد أدى إلى التقليل بدرجة كبيرة من أثر العديد من العوامل المساعدة على حدوث الإضطراب السلوكي لدى هؤلاء الأفراد مثل حجم الأسرة، ومستوى التعليم والطبقة الاجتماعية نتيجة للتوظف مما قد يفيد أولادهم فيما بعد. وفيما يتعلق بالنتائج الخاصة بالإضطرابات السلوكية أوضحت مقاييس التقرير الذاتي وتقارير الشرطة أن الأفراد الذين تلقوا هذا البرنامج قد أبدوا معدلات أكثر إنخفاضاً من السلوك المضاد للمجتمع، كذلك فقد أوضحت تقارير مؤسسات الأحداث وملفات البوليس أن نسبة قليلة منهم قد تمت إدانتهم في سلوكيات مضادة للمجتمع وذلك قياساً بأقرانهم الذين لم يتلقوا البرنامج .

وفي برنامج آخر مشابه رکز ها وکنز Hawkins وزملاؤه (1992، 1988) بصفة خاصة على كبح أو ضبط الإضطرابات السلوكية. وعلى هذا تم التركيز خلال البرنامج على ريادة الفرص الملائمة لذلك أمام التلاميذ، إلى جانب التركيز على المهارات والمكافآت وذلك في محاولة لتطوير الترابط الاجتماعي لهؤلاء الأطفال بالمؤسسات الاجتماعية التقليدية كالاسرة والمدرسة وجماعات الرفاق إضافة إلى تنمية القيم لديهم وتضمن البرنامج العديد من المكونات منها ما يتعلق بالفصل ،والمدرسة ومنها ما يتعلق بالأسرة، إضافة إلى مكونات أخرى. وركزت مكونات الفصل والمدرسة فى هذا الإطار على إدارة الفصل وتناولت أساليب الإبعاد أو الحرمان من المدرسة، وأساليب التدريس التفاعلي والتعلم التعاونى أى الذى يتضمن الأقران وتم توجيه تلك الأساليب لزيادة معدل إنغماس الأطفال فى الفصل وتعلقهم بمعلميهم وبأقرانهم غير المنحرفين. وقد عملت البرامج التي تقدم في الفصل على تغيير البيئة حتى يتم تدعيم السلوك

217

الملائم، والمهارات الدراسية أو الأكاديمية والتعلق بين الشخصى بالآخرين. أما المكون الأسرى كتدريب الوالد على إدارة الأسرة على سبيل المثال فقد تم تصميمه بغرض تحسين مهارات إدارة الأسرة والمساعدة في إيجاد حل للصراع فيما يتعلق بسوء السلوك في المنزل وفى المدرسة. في حين تضمنت المكونات الأخرى التدريب على المهارات الاجتماعية للأقران والتدخلات المجتمعية التي ترتكز في الأساس على التربية المهنية والإرشاد المهنى .


هذا وقد تم تطوير البرنامج مع مجموعات من التلاميذ مقيدين بالمدرسة ودلك في أوقات مختلفة، وتم تقسيمها عشوائياً ومن ثم إخضاعها لظروف التدخل الإرشادى مقابل عدم التدخل. وتوضح النتائج التي تم التوصل إليها في نهاية السنة الأولى من البرنامج أن أفراد العينة الذين تلقوا البرنامج قد أبدوا معدلات للفصل المؤقت أو النهائي من المدرسة أقل من أقرانهم الذين لم يتلقوا البرنامج . وأوضحت التقييمات التالية إنخفاض معدلات الجنوح كالهروب من المدرسة أو السرقة على سبيل المثال كما كشفت عنه التقارير الذاتية لأفراد العينة، وكذلك الحال بالنسبة لتعاطى الكحوليات من جانب تلاميذ الصف الخامس الذين تم تعريضهم لبرنامج شامل خلال الصفوف من الأول إلى الرابع. وعلاوة على ذلك فقد أوضحت التحليلات التي تم إجراؤها أن العمليات التي تتوسط آثار مثل هذه التدخلات كالإرتباط بالأسرة والمدرسة على سبيل المثال تتغير خلال مضمار ذلك التدخل الوقائي.

ومن ناحية أخرى عمل فيلتر وأدان (1988) Felner & Adan في برنامج قدماه للتلاميذ يركز على مساعدتهم في تحقيق التكيف عند الإنتقال من مدرسة إلى أخرى. وقد إرتكز البرنامج في الأصل على تلك النتائج التي تكشف عن أن الإنتقال من مدرسة إلى أخرى يرتبط بانخفاض مستوى الأداء الأكاديمي، وبزيادة معدلات الفصل من المدرسة وريادة الأعراض النفسية، ويتضمن ذلك بطبيعة الحال الإضطرابات السلوكية حيث قد يزيد الإنتقال من مدرسة إلى أخرى من إحتمالات التعرض لإختلال الأداء الوظيفى بسبب الضغوط التي يثيرها، وبسبب تباين مهارات الأفراد في مواجهة مثل هذه الضغوط.


218

هذا وقد قام الباحثان في تلك الدراسة بتصميم ذلك البرنامج المسمى برنامج تغيير البيئة المدرسية (School Transitional (Environmental program STEP والذي يهدف إلى مساعدة الطلاب على التكيف لعملية الإنتقال إلى بيئة مدرسية جديدة والذى يتم من خلال الإنتقال من مدرسة إلى أخرى. ويشير مصطلح تغيير البيئة المدرسية أو الإنتقال من مدرسة إلى أخرى إلى تلك العملية العادية للإلتحاق بمدرسة جديدة مثل الإنتقال من المدرسة الإعدادية أو المتوسطة إلى المدرسة الثانوية أو العليا ويهدف هذا البرنامج إلى التقليل من صعوبة عملية الإنتقال هذه، وإلى زيادة إستجابات المسايرة والمواجهة. ويتميز هذا البرنامج بوجود مكونين أساسيين هما:

أولاً: إعادة تنظيم النسق الاجتماعي للمدرسة الجديدة حتى يتمكن الطلاب من الإنضمام إلى جماعة أقران .ثابتة. إضافة إلى مزايا أخرى تعمل على إيجاد بيئة أكثر ثباتاً قياساً بما لو ترك الوضع على طبيعته كان تكون هناك مثلاً جماعة أقران مشتركة من تلك الفصول، أو يحدث نوع من التقارب الشديد بين الطلاب بتلك الفصول المتضمنة بالمدرسة مع بعضهم البعض.

 ثانيا: إعادة تحديد دور المعلم على أنه ليس فقط معلماً يقوم بشرح الدروس لهم فحسب، بل على أنه مرشداً لهم أيضاً. كذلك فعليه أن يتعامل مع الصغار فرادى، وأن يعمل كمرجع في الشئون الأسرية والمدرسية، ويقدم جلسات الإرشاد الخاص خلال الفترات المحددة لذلك في فصل أعد لهذا الغرض.

وفي إحدى مرات تقييم البرنامج كان يتم التركيز على مدرسة ثانوية كبيرة في إحدى المناطق الريفية وكان التلاميذ الذين يخضعون للبرنامج ملتحقين بالصف التاسع وينحدرون من أسر ذات مستويات اقتصادية اجتماعية منخفضة وينتمون إلى الأقليات وتم تقسيم الطلاب إلى مجموعتين كانت إحداهما تجريبية تلقى

219

أعضاؤها البرنامج المستخدم STEP وكانت الثانية ضابطة، وتمت مجانسة الطلاب في العديد من المتغيرات. وأوضحت النتائج أنه قد قلت معدلات الأداء الأكاديمي لطلاب المجموعة الضابطة وازدادت معدلات غيابهم قياسا بأقرانهم في المجموعة التجريبية. وأوضحت نتائج القياس التتبعى أن الطلاب بالمجموعة التجريبية قد انخفضت معدلات تسربهم من المدرسة وقلت معدلات وضع برامج بديلة للطلاب الراسبين منهم. كما إزدادت خلال العامين الأول والثاني من المدرسة الثانوية الدرجات التي حصل عليها أعضاء المجموعة التجريبية في المواد الدراسية المختلفة، وقل غيابهم قياساً بأقرانهم فى المجموعة الضابطة. أما خلال العامين الثالث والرابع من المدرسة فكانت الفروق بين أفراد المجموعتين ذلك جزئياً إلى إرتفاع معدلات تسرب أعضاء المجموعة أقل وضوحاً .

كذلك فقد قام الباحثان بعمل نسخ مطابقة من نفس البرنامج مستخدمين المقاييس. وتم تطبيقها في العديد من المدارس، وفي مناطق ريفية، وفي الأحياء التي تقع بالضواحي. وأوضحت نتائج القياس التتبعى بعد سنة وسنتين على مجموعات مختلفة من الطلاب أثر ذلك البرنامج على أدائهم الأكاديمي، وعلى إختلال الأداء الوظيفي الإنفعالى والسلوكي، فتأثرت إساءة استخدام المواد والسلوك الجانح من قبل أعضاء المجموعة التجريبية بالبرنامج قياسا بأقرانهم في المجموعة الضابطة. ومن ناحية أخرى أثبت التقييم المستمر لهذا البرنامج الحصول على نتائج محددة وطويلة المدى لها أهميتها ومغزاها في ذلك الوقت، كما كانت له آثاره المباشرة على الإضطرابات السلوكية .

ومن البرامج المدرسية الجديدة في هذا الصدد ذلك البرنامج الذي أعده أولويوس (1991) Olweus والذى تم تطبيقه في النرويج كجزء من تدخل إرشادي على مستوى القطر يهدف إلى الحد من السلوك العدواني في المدارس والذي يتمثل في التنمر من جانب بعض التلاميذ على من هم أضعف منهم.

220

ويشير التنمر على الآخرين bullying إلى الإحتيال المتكرر على الآخرين والإساءة إليهم والحاق الأذى بهم، ومن أمثلته العدوان اللفظى أو البدنى من جانب أحد الأقران الذى يتمتع بقوة فارقة أو مختلفة من نوع ما كأن يتمتع بفرق في القوة البدنية أو السن أو المكانة وتم تطبيق هذا البرنامج على التلاميذ من الصف الأول وحتى الصف                             التاسع. وقد ضم البرنامج الوالدين والمعلمين والطلاب، وتم توفير المواد المكتوبة      وغيرها من مصادر المعلومات كشرائط الفيديو وتقديمها للمعلمين والوالدين كما تم بذل العديد من المحاولات والجهود التي تهدف إلى زيادة المعرفة والإلمام بمشكلة التنمر بالآخرين. أما داخل المدرسة فقد تم سن القوانين ووضع القواعد التي تتعلق بهذه المشكلة، إضافة إلى جهود أخرى مقصودة تهدف إلى مساندة الضحايا وحمايتهم ومن نقاط القوة التي يتفرد بها هذا البرنامج وتميزه عن غيره من البرامج فى هذا المجال بذل الجهود على مستوى واسع النطاق وإنتقال التأثير إلى أطر أو مناطق                                     عديدة على المستويات المصغرة والكبيرة أى واسعة النطاق أيضاً .                                                    

هذا وقد تم تقييم أثر البرنامج من خلال تصميم شبه تجريبي يتضمن مجموعات منفصلة من الطلاب. وبعد عامين من البرنامج كان سلوك التنمر بالآخرين قد قل بين الطلاب بنسبة ٥٠٪ أو أكثر وذلك بين الطلاب بكل الصفوف الدراسية. وكانت النتائج واضحة لكل من البنين والبنات. وإضافة إلى ذلك فقد قلت أيضا العديد من السلوكيات المضادة للمجتمع والتي لم يركز عليها البرنامج بشكل مباشر مثل السرقة والهروب من المدرسة وتدمير الممتلكات العامة أو الخاصة. ومما يضيف إلى أهمية مثل هذا البرنامج أنه ينقل تلك الجهود التي يتم بذلها في هذا الصدد إلى المستوى الرسمى داخل المؤسسات الاجتماعية والتي تتمثل في المدرسة في هذه الحالة ويجعلها هي المسئولة عن مثل ذلك التدخل الإرشادي. كما أنه إلى جانب ذلك يضم كلا من المعلمين والوالدين والطلاب وذلك بإسلوب ثابت ومركز يتحدد من خلاله الدور المناط بكل طرف.

221

ثالثا: البرامج المجتمعية

تعمل البرامج المجتمعية على استغلال الخدمات الموجودة بالفعل في المجتمع مثل المراكز الترفيهية والمتنزهات، ويتم تقديم مثل هذه البرامج للأفراد في سياق حياتهم اليومية. كما أنها تتميز باستخدامها لمصادر البيئة التي يمكن من خلالها تدعيم سلوك الأفراد الاجتماعي. وعلى ذلك فغالبًا ما يتم تقديم مثل هذه البرامج فى المراكز الترفيهية المحلية أو في مراكز الشباب حيث يتم تنفيذ برامج الأنشطة بالفعل في هذه المراكز، وتستمر تلك الأنشطة في مجراها الطبيعي ولا تتوقف على أثر استخدام مثل هذه البرامج.

ومن ناحية أخرى يعمل التكامل بين البرامج التي تقدم في المجتمع المحلى على تعزيز وتدعيم نقل السلوك الاجتماعى إلى المواقف اليومية وصبغها به وذلك لأن التدخل الإرشادي يتم فى هذه المواقف وليس فى أماكن خاصة أو أكثر تقييدا كالمستشفيات النفسية، أو مؤسسات وإصلاحيات الأحداث على سبيل المثال.

ومن أمثلة هذه البرامج تلك البرامج التي استخدمها كل من فو وأودونيل (1975) O'Donnell وأودونيل وآخرين (1979) O'Donnell et al وأودونيل (1992) O'Donnell وقاموا بتطبيقها على عينات من المراهقين تتراوح أعمارهم بين 11 - 17 سنة تم تحويلهم للعلاج من قبل عدد من الهيئات كالمدارس العامة والمحاكم، وهيئة الرعاية الاجتماعية وذلك بسبب مشكلاتهم السلوكية والأكاديمية. ونظراً لأن بعض هؤلاء المراهقين كان لديهم تاريخ سابق للقبض عليهم، في حين لم يكن لدى البعض الآخر أى تاريخ سابق من هذا القبيل كان لابد للبرنامج المستخدم أن يتضمن جانباً علاجيا يتمثل في تقديم العلاج المناسب للمراهقين الذين صدرت ضدهم أحكام قضائية، إلى جانب شق آخر وقائي يتم تقديمه للذين يعدون معرضين لخطر الجنوح.

هذا وقد تطوع بعض الراشدين للعمل كمعالجين ولتطبيق برامج تعديل السلوك فرديًا على هؤلاء المراهقين أعضاء العينة. فقاموا بالتالي بمقابلة هؤلاء                                                            

222

المفحوصين الذين تضمنتهم العينة واشتركوا معهم في مجموعة من الانشطة مثل الفنون والحرف والصيد والمعسكرات، كما قاموا أيضا بتطبيق وتقييم برنامج تعديل السلوك. كذلك فقد عملت برامج الإثابة الفردية على التركيز على سلوكيات معينة مثل الهروب من المدرسة، والعراك أو الشجار، والقيام بالأعمال النظامية أو الروتينية اليومية بالمنزل، وأداء الواجبات المنزلية .

وكشفت الدراسة عن معدلات مختلفة ومرتفعة من الهروب من المدرسة، والعراك أو الشجار، والتأخر ليلاً خارج المنزل، وغير ذلك من السلوكيات المشكلة التي كانت تصدر من جانب المراهقين من أعضاء المجموعة الضابطة الذين لم يتلقوا البرنامج المستخدم في الدراسة بشقيه العلاجي والوقائي. كذلك فعلى مدى عامين من التتبع لهؤلاء المراهقين وهي المدة التي استغرقتها الدراسة التتبعية كشفت سجلات الشرطة فيما يتعلق بالقبض على غير المنضبطين عن حدوث تحسن للمراهقين الذين تلقوا الشق العلاجي من البرنامج (المجموعة التجريبية) وذلك قياساً بأقرانهم في المجموعة الضابطة. ومع ذلك فقد اختلفت آثار البرنامج كدالة لوجود سجل سابق من الجنح لهؤلاء الأفراد عندما كانوا أطفالاً أم لا إذ اتضح أن المراهقين الذين أكملوا البرنامج ولم يكن لديهم سجل سابق للقبض عليهم قد أصبحوا أسوأ مما كانوا عليه سابقا كما تعكسه زيادة معدلات إرتكابهم للجنح والمخالفات، وهو ما أرجعه أودونيل (1992) O'Donnell إلى زيادة العلاقات والصداقات بين المراهقين الأقل إنحرافا وأقرانهم ما حدث بالفعل خلال فترة تطبيق البرنامج نتيجة لإتاحة الأكثر إنحرافا وهو العديد من الفرص أمامهم للتواصل وإقامة العلاقات الاجتماعية . ذلك فقد كان البرنامج ذا أثر فعال في الإقلال من السلوك المضاد للمجتمع بين أولئك المراهقين الذين كان لهم سجل حافل بالقبض عليهم من قبل.                                                                                                                                                

ويعد البرنامج الذي قدمه دافيدسون و زملاؤه (1988)من البرامج التي تنتمى إلى التدخلات المجتمعية أي التي تستند في الأساس على المجتمع المحلى وما يقدمه من خدمات، والتي تهدف كبرامج إلى الحد من حدوث                                                            

223

إنتكاسة تتمثل في الإرتداد إلى الإجرام مرة أخرى من جانب المراهقين. وقد تم تطبيق هذا البرنامج المصمم خصيصاً للمراهقين على المراهقين الجانحين الذين تتراوح أعمارهم بين 12 - 16 سنة والذين تمت إحالتهم إلى محاكم الأحداث ولم يصدر ضدهم حكم قضائي رسمي بعد. وكانت قد تمت إحالة معظم هؤلاء المراهقين للمحكمة بسبب إرتكابهم جنح ومخالفات تتعلق بالممتلكات كاقتحام المنازل أو المحلات والسرقة، وسرقة السيارات.

هذا وقد تضمن البرنامج إتصالاً وثيقا بين كل مراهق من هؤلاء بصفة فردية وأحد الطلاب الجامعيين المتطوعين للعمل في تنفيد البرنامج والذين تم تدريبهم والإشراف عليهم من قبل متخصصين تم الإشراف عليهم هم أنفسهم من قبل الجامعة. واستمر هذا الإتصال الوثيق بينهما ما بين ست إلى ثماني ساعات أسبوعيًا لمدة ثمانية عشر أسبوعًا. كذلك فقد تضمن البرنامج العمل على تقليص السلوكيات المشكلة من جانب المراهق ومساعدته على الإستفادة من مصادر للمجتمع، ومساعدته أيضا على الإندماج في المجتمع. وكان الإتصال بين المراهق والطالب المتطوع لتنفيذ البرنامج يتم في منزل المراهق، أو في أماكن ترفيهية، أو غيرها من الأماكن المناسبة. وأوضح التقييم الدقيق للبرنامج أنه قد أدى إلى تقليل حدوث إنتكاسة تتمثل في الإرتداد للإجرام بين المراهقين الذين تم تطبيق البرنامج عليهم، وهو ما أكدته سجلات الشرطة لمدة عامين بعد البرنامج. ومن الملاحظ أن هناك العديد من السمات المميزة لهذا البرنامج تتضمن مضاعفة الآثار المترتبة على الكثير من البرامج كما كشفت عنها تلك الدراسات التي استخدمتها إلى جانب مقارنة المجموعة التجريبية بأكثر من مجموعة ضابطة، ومقارنتها بالظروف البديلة المحيطة بالبرنامج كالإجراءات التقليدية بالمحكمة. كذلك فقد عمد البرنامج إلى تقييم الأنماط البديلة للأماكن والمتطوعين (كطلاب الجامعة وأعضاء عاديين في المجتمع والمختصين كالأخصائيين الاجتماعيين. وتؤكد النتائج التي تم الحصول عليها على أن لهذا البرنامج آثار مضاعفة على                                                     خفض حدة إختلال الأداء الوظيفي للمراهقين المعروفين بارتكابهم للجنح والمخالفات .

224


تقييم أثر البرامج الوقائية المختلفة      


تدل نتائج الدراسات التي عرضنا لها سلفا بالإضافة إلى غيرها مما صوف نعرض له بعد ذلك، ومن أمثلتها دراسات مکورد و تر مبلای (1992) McCord Tremblay & وزيجلر وآخرين (1992) Ziger et al ويوشيكاوا (1994) Yoshikawa على أن البرامج التي تمثل تلك التدخلات الوقائية قد أدت إلى التقليل من حدوث الإضطرابات السلوكية. كما تضمنت نتائجها أيضا حدوث نقص في معدلات العدوان تجاه الوالدين ،والأخوة والهروب من المدرسة، والفصل المؤقت أو النهائى من المدرسة والقسوة وإساءة استخدام المواد، والجنوح كما يقاس بمقاييس التقرير الذاتي وسجلات الشرطة. كذلك فإن مثل هذه النتائج توضح أن التدخل المبكر يمكن أن يؤدى إلى تقليل أثر العوامل المتعددة التي تؤدى بالأفراد إلى الإضطراب السلوكى وتساعد على حدوثه. وتتضمن مثل هذه العوامل مشكلات الولادة التي قد تتعرض لها الأمهات، ومعدل المواليد ومن ثم حجم الأسرة، وأساليب رعاية الطفل التي تعمل على إساءة استخدامه، وإعتماد الأسرة على تلك المعونات التي تحصل عليها من الحكومة، وإنخفاض أو تدنى مستوى الأداء الأكاديمي، والمستوى التعليمي للأطفال وأمهاتهم.

وكما لاحظنا من قبل في معظم الدراسات التي عرضنا لها لم يكن الهدف هو إثبات أن التغيرات التي تحدث في تلك العوامل تقلل من حدوث الإضطرابات السلوكية. ومع ذلك فهناك من   الأدلة ما يؤكد على أن هذه العوامل تؤدى إلى زيادة خطر أو إحتمال حدوث الإضطرابات السلوكية، وأن تقليل خطر مثل هذه العوامل قد أدى فى بعض الدراسات إلى تقليل معدلات حدوث السلوك المضاد للمجتمع، وهو ما يدعم أهمية تقليل أثر تلك العوامل كوسيلة للوقاية من الإضطراب السلوكي وتجنب حدوثه .

225

هذا وقد تضمنت تلك الدراسات محددات يمكنها أن تؤدى إلى أهمية النتائج التي تم التوصل إليها، ومنها:

أولاً: أنه لم تتم دراسة التأثير طويل المدى للبرامج الوقائية بشكل جيد حيث ركزت العديد من الدراسات في هذا الصدد على تلك التغيرات التي تحدث خلال الوقت الذي يظهر فيه أثر البرنامج أى ما بين عام إلى عامين من إنتهاء البرنامج. وبذلك فإنه لا يمكن بهذا الشكل تحديد النتائج الحاسمة التي تتعلق بأثر مثل هذه البرامج حتى عشر سنوات بعد إنتهاء البرامج على سبيل المثال.

ثانيا: أن عددا قليلاً من الدراسات هو الذي ركز بشكل مباشر على الإضطراب اللوكي كنتيجة ويعنى عدم التركيز المباشر في دراسات عديدة أنه لم يتم استخدام سوى مقاييس قليلة ترتبط بالإضطراب السلوكي. كذلك فقد كان النقص الحادث في معدلات حدوث سوء السلوك في الفصل أو نقص حدوث الأفعال الجانحة كما تعكسها التقارير الذاتية على درجة كبيرة من الأهمية. ومع ذلك فإن تقييم مدى كفاءة البرنامج يتطلب تقييم مقاييس عديدة للإضطراب السلوكي حتى تشمل الأداء في مواقف مختلفة كالمنزل والمدرسة والمجتمع المحلى، وتشمل مصادر مختلفة للمعلومات كالذات والوالدين والمعلمين، وتشمل أيضا أساليب مختلفة للقياس والتقييم كمقاييس التقرير الذاتي والسجلات الخاصة بالمؤسسات المجتمعية المختلفة. ومع عدم وجود تقييم شامل تصبح معرفتنا بأثر البرامج الوقائية الخاصة بالإضطرابات السلوكية محدودة بعدد قليل من البرامج. ومن ثم فإن هذه النقطة ترتبط بالنقطة السابقة.

ثالثا: من المعروف أننا لا نعرف سوى القليل عن المكونات الحاسمة التي تؤدى إلى حدوث التغير حيث عملت الدراسات التي أجريت في هذا المجال على إجراء المقارنات بين مجموعات تجريبية وأخرى ضابطة تلقت الأولى تلك

226

البرامج التى تم استخدامها في هذه الدراسات في حين لم تتلق الثانية أى برامج على الإطلاق. ومن الجدير بالذكر أن ما يفهم من خلال هذا الإجراء أننا نريد أن نتعرف على أثر البرنامج المستخدم، وأن نثبت من مدى فاعليته في تحقيق الهدف المحدد له سلفا. وفى نفس الوقت فإننا لا نزال نحتاج عند إجراء هذه المقارنات إلى أن نقوم من خلالها بتحليل مكونات ومحددات العلاج وتحديد أثرها كذلك فإن الاعتماد بدرجة كبيرة على المقارنة بين مجموعات تجريبية تلقت تلك البرامج وأخرى ضابطة لم يتم تطبيق تلك البرامج عليها يثير أموراً أخرى إذ أن الإشتراك في برنامج وقائي خاص بمعزل عن محتوى هذا البرنامج يكون له آثاره المحتملة التي يجب أن نتداركها ونحددها ومن ناحية أخرى فإن الترتيبات الخاصة التي تتخذ في المدرسة وتحديد المكان الذى سيتم تطبيق البرنامج فيه يعنى أن المجموعة التجريبية التي سيتم تطبيقه عليها لها متطلبات خاصة يمكن أن تسهم في حدوث النتائج. كما أن تقييم مثل هذه النتائج على نطاق ضيق كجزء من المحاولات الوقائية قد يتطلب اللجوء إلى شروط الضبط التي تستخدم في أسلوب الإنتباه الوهمى attention - placebo أو التباين في البرامج الفعالة كما يرى كل من بيرسون (1988) person ودافيدسون وآخرين (1987) Davidson et al وبين و برای (1980) Bien & Br وسوف يعمل تقييم الوضع الخاص للمجموعات التي تتلقى مثل هذه البرمج وما إذا كان ذلك يمكن أن يسهم فى حدوث التغير أم لا على المساهمة في التمكن من تنمية فهمنا لأسس مثل هذا التغير .

رابعا: أننا لا نعلم سوى القليل عن الوقت الأمثل الذي يجب أن نقوم فيه بتقديم البرنامج الوقائي. ومن خلال البرامج التى تم إستعراضها هنا نجد أن تلك البرامج التي ترتبط بالتدخل المبكر مع الوالدين والأسرة، والبرامج المدرسية المنتقاة أى التي ترتكز على التدخل مع المدرسة قد أدت إلى حدوث نتائج إيجابية فيما يتعلق بتقليل معدلات حدوث الإضطراب                                                        

227

السلوكي. وسوف يدفعنا ذلك إلى مراجعة ما تركز عليه تلك البرامج ومدى الحاجة إلى التدخل بأسلوب معين كالتدخل على نطاق المجتمع المحلى بأسره. ومن الجدير بالذكر أن التراث السيكولوجي لم يقدم لنا ما يساعدنا على أن نقرر ما هو المكان الأفضل للتدخل أو ما هى المزايا التي يمكن أن نحصل عليها إذا ما قمنا باستخدام برامج بديلة وقد يكون من الأكثر فائدة أن ننظر إلى مثل هذه البرامج فى سياق نمائى أو تطورى تتضح فيه العوامل المساعدة على حدوث الإضطرابات السلوكية والوقت الذي يمكن أن نتدخل فيه وذلك في مختلف الأعمار سواء تمثل ذلك في مرحلة المهد أو المراهقة مثلاً. كما يجب أيضا أن نعى أن فرص التدخل الوقائي أو العلاجي لم تنته بالضرورة حتى وإن لم نتدخل في سن مبكرة من عمر الطفل.


وعلى الرغم من هذه المحددات فقد أثبتت نتائج العديد من الدراسات في هذا المجال وجود آثار ثابتة للحد من أثر تلك العوامل المساعدة على حدوث الإضطراب السلوكي وعلى حدوث السلوكيات التي يتضمنها هذا الإضطراب أي التي تمثله. فنحن نعلم على سبيل المثال أن التدخل المبكر مع الأسرة كالرعاية الوالدية، والتثقيف الخاص بالوالدين والمساعدة المباشرة يمكن أن يكون لها أثر عندما تستمر لعدد من السنوات كأن تستمر مثلاً خلال سنوات ما قبل واضح هذا القدر من السنوات وذلك بالنسبة للطفل على أن يكون المدرسة أو أكثر من التركيز خلالها منصبا على مجالات متعددة وعوامل مساعدة متعددة أيضاً كالتغذية، والتفاعل بين الوالد والطفل، والنمو المعرفى للطفل. إضافة إلى حدوث مثل هذا التدخل في أماكن ومواقف مختلفة كالمنزل والمدرسة ومراكز الرعاية النهارية أو اليومية على سبيل المثال، إلى جانب العمل مع عينات تعتبر معرضة لدرجة أكبر من الخطورة مما يزيد من إحتمال حدوث الإضطرابات السلوكية بين أعضائها كان تنتمى تلك العينات على سبيل المثال إلى مستويات اقتصادية اجتماعية منخفضة.

228

ومع ذلك يتبقى لدينا العديد من الأسئلة التي لا تزال تحتاج إلى إجابات حاسمة، إلا أن الإجابة المبدئية للسؤال الأساسى والأهم من بين تلك الأسئلة والذي يتمثل في ما إذا كان من الممكن أن يؤدى أى تدخل إلى منع حدوث الإضطراب السلوكي هي الإجابة بالإيجاب ومن الجدير بالذكر أن تنوع البرامج التي يمكن أن نستخدمها في هذا الصدد وتعدد الآثار المترتبة على مثل هذه البرامج فرادى يدعم الأدلة التي تؤكد أن استخدام المقاييس الإيجابية يمكن أن يؤدى إلى التقليل من معدلات حدوث الإضطراب السلوكي بين الأسر والمراهقين الذين يعدون في خطر ويحتمل تعرضهم لإختلال الأداء الوظيفي.



بعض القضايا الأساسية والعقبات المرتبطة ببرامج الوقاية


إذا ما علمنا أن البرامج الوقائية يمكن أن تؤتى بثمارها المرجوة فلماذا إذن لا نتوسع فى مجال البرامج القائمة لتغطى المجتمع بأسره؟

وعند الإجابة عن هذا السؤال سوف يتبادر العديد من العوائق إلى الدهر. وفي مقدمتها التكلفة التي يتطلبها تطبيق مثل هذه البرامج على نطاق واسع. والصعوبات التي تتعلق بانتهاك الحقوق الفردية إستناداً على تلك الكيفية التي يتم بها تنفيذ هذه البرامج وموضوع الإختيارات الفردية المتاحة عند التطبيق والتي تتعلق بالمشاركة في تلك البرامج ومع ذلك فقبل أن نتناول تلك الأمور فإننا ننوه إلى أن هناك أموراً جوهرية يجب أن نضعها في إعتبارنا وأن نوليها الإهتمام الذى يتناسب معها. ومن هذه الأمور ما يلى:

1- التحديد المبكر للافراد المعرضين للخطر

من الواضح أن هناك نقطة إنطلاق رئيسية وحاسمة بالنسبة للبرامج الوقائية تتمثل في تحديد الأطفال المعرضين للخطر والذين يحتمل بالتالي تعرضهم للإضطرابات السلوكية. ولا يبدو أن مثل هذه المهمة تعد بالصعوبة التي نتصورها وذلك لأن البحوث والدراسات التي أجريت حول العوامل المساعدة على حدوث الإضطرابات السلوكية وهى تلك العوامل التى تناولناها سلفا تكشف عن العوامل

229

المتعلقة بالطفل، والوالدين ،والأسرة، وغيرها من العوامل كتلك التي تتعلق بالمدرسة مثلاً والتي ترتبط ببداية حدوث الإضطرابات السلوكية. ومع ذلك فهناك قصور في استخدام مثل هذه المعلومات في تحديد أطفال معينين على أنهم معرضين لخطر الإضطرابات السلوكية حيث نجد على سبيل المثال أن الدلائل المبكرة للإضطراب السلوكي وعدم القابلية للترويض من جانب الطفل تعد هي أحد العوامل التي يمكن من خلالها التنبؤ بحدوث إختلال لاحق في الأداء الوظيفي بين البنين ومع ذلك فقد أوضحت الدراسات الطولية ودراسات النمو المستعرضة أن تلك السلوكيات التي تسبب الفوضى والسلوكيات المشكلة والسلوكيات المضادة للمجتمع تعد جميعاً ذات معدلات إنتشار عالية نسبيا خلال مرحلة الطفولة المبكرة، ومن ثم يمكن أن نرى مثل هذه السلوكيات في وقت مبكر من حياة الأطفال المتوافقين الذين لا يحتمل أن يتضمن مضمار غوهم على المدى الطويل أى إضطرابات سلوكية. كما يسود بين الأطفال العاديين الذين يقل خطر تعرضهم للإضطرابات السلوكية ميل إلى أن تأخذ مثل هذه السلوكيات طريقها إلى الزوال على مدار مضمار ،نموهم وبالتالي فإن المحاولات والجهود التي تبذل في سبيل إختيار أطفال معرضين بدرجة كبيرة لخطر الإضطرابات السلوكية قد يؤدى بشكل غير متعمد إلى إختيار عدد كبير من الحالات التي لا تؤدى مثل هذه السلوكيات بالنسبة لهم إلى إختلال لاحق في أدائهم الوظيفي.           

وبنفس الطريقة نجد أنه عندما نستخدم العديد من العوامل المساعدة معا حتى فإنها قد لا تساعدنا في إختيار كل أو حتى معظم الأطفال الذين قد يبدون إضطرابات سلوكية فيما بعد وفى محاولة لتقييم أنساق مختلفة لدمج العوامل المساعدة معا بغرض التنبؤ بمن يمكن أن يصبح جانحاً قام فارنجتون (1985) بمقارنة أساليب بديلة لدمج المتغيرات المرتبطة بالطفل، والمتغيرات المرتبطة بالوالدين، وتلك المتغيرات المرتبطة بالأسرة معا بغرض تحقيق نفس الهدف وهو التنبؤ بمن يمكن أن يصبح جانحاً. وتعد هذه الدراسة إحدى الدراسات الطولية التي تم فيها تحديد الأطفال في حوالي الثامنة من العمر وتمت                                                                               

230

متابعتهم حتى خلال المراهقة المبكرة. وأوضحت النتائج أنه حتى في أفضل حالات دمج تلك العوامل البينة فإنه لم يتم تحديد سوى 50٪ تقريبًا فقط من المراهقين الجانحين تحديدًا دقيقًا. وعلى هذا الأساس، تمثل إحدى المشكلات الأساسية التي تواجه البرامج الوقائية في هذا المجال في انخفاض المعدلات التالية التي تساعد في التوصل إلى تحديد حقيقي لما يعرف بالحالات الإيجابية الحقيقية true positives، وذلك فيما يتعلق بتحديد ما إذا كان أولئك الأفراد الذين تزداد لديهم العوامل المساعدة على حدوث الاضطراب السلوكي وذلك في وقت مبكر من حياتهم والذين تظهر لديهم المشكلة في النهاية بمعنى أنهم يظهرون الاضطرابات السلوكية فعلاً بعد ذلك. وهناك مقياس يرتبط بذلك الأمر تتمثل في الواقع في تلك المقاييس التي تعكس مشكلات الاختبار أو الانتقاء، حيث يمكن أن نلاحظ في هذا الصدد وجود ما يعرف بالحالات الإيجابية غير الحقيقية False positives والتي تتمثل في أولئك الأفراد الذين تزداد لديهم العوامل المساعدة على حدوث الاضطراب السلوكي يتم تحديدهم على أنهم من المحتمل أن يبدأوا اضطرابات سلوكية فيما بعد، ولكنهم مع ذلك لا يبدون أي اضطرابات سلوكية.

هذا إلى جانب وجود حالات أخرى تعرف بالحالات السلبية غير الحقيقية False negatives تتمثل في أولئك الأفراد الذين تمنعهم ظروفهم عن أي اختبار تعرضهم للاضطرابات السلوكية ومع ذلك فإنهم يعانون من هذه المشكلة في النهاية ويبدون اضطرابات سلوكية فيما بعد. أضف إلى ذلك مجموعة رابعة تعرف بالحالات السلبية الحقيقية true negatives تتمثل في أولئك الأطفال الذين يبدون في خطر تعرضهم للاضطرابات السلوكية ولا يظهرون بالفعل تلك الاضطرابات فيما بعد.وفي هذا الإطار، يرى كل من بويل وأوفورد (1990) وفارنجتون (1985) ولويبر ودشين (1983) Loeber & Dishion وFarrington أن عند هذه النقطة يصبح التنبؤ بسوء يبدى من الناحية الإكلينيكية سلوكًا حادًا ضارًا للمجتمع نهاية غاية في التعقيد. كذلك فإن العوامل المساعدة.

231

والتي يمكن أن تعد هي أفضل مجموعة من العوامل التي يمكن من خلالها التنبؤ بالإضطرابات السلوكية تختلف كدالة لعدد من المتغيرات كالتالي :

أ ـ العمر الزمني الذي يتم فيه تقييم الطفل كان يتم ذلك في الطفولة المبكرة أو المتوسطة على سبيل المثال .

ب ـ المحكات التي تستخدم في التنبؤ بذلك كالإتصال المستمر بالشرطة والمحكمة، والإدانة وثبوت التهمة والتقارير الذاتية المتعلقة بالأفعال الجانحة . 

ج - خصائص العينة وسماتها المميزة كمستوى دخل أفراد العينة وهو ما يحدد أي هذه العوامل تبدو عوامل مساعدة وأيها لا يبدو كذلك.

وفي أفضل الظروف فإن تحديد الأطفال الذين يزداد معدل خطر تعرضهم للإضطربات السلوكية على أساس وجود مجموعات عديدة من المتغيرات التي ترتبط ببداية حدوث إختلال الأداء الوظيفي يحتمل أيضا أن يؤدى إلى إختيار مجموعات من الأفراد لا يتعرضون مطلقا للإضطرابات السلوكية أي الحالات الإيجابية غير الحقيقية، وأن يؤدى إلى عدم إختيار أو تجاهل مجموعات أخرى من الأفراد يتعرضون بالفعل فيما بعد لتلك الإضطرابات أى الحالات السلبية غير الحقيقية .

ومن المحتمل أن تبدى نسبة كبيرة من الأطفال الذين يزداد معدل خطر تعرضهم للإضطرابات السلوكية إضطرابا في مرحلتي المراهقة والرشد. ومع ذلك فلا تزال هناك نسبة منهم لا تبدى مثل هذا الإضطراب. وعلاوة على ذلك فمن المحتمل كما يرى فينار (1982) wenar أن يبدى العديد من الأطفال الذين لا يعدون في خطر يعرضهم للإضطرابات السلوكية العديد من المشكلات السلوكية لاحقا ولكن نظراً لأنهم لم يبدو أيا من هذه المشكلات عند بداية تطبيق البرنامج الوقائي فإنهم لا يتلقون ذلك البرنامج. وتؤدى حقيقة نمو الأطفال بمعزل عن تلك المشكلات أو حتى عوهم ومعهم تلك المشكلات إلى الإقلال من فاعلية وكفاءة البرامج الوقائية في التصدى لمشكلة معينة والحد منها أو حتى في القضاء عليها. وغالبا ما يتضمن نموذج الوقاية تطبيق البرنامج المستخدم على نطاق واسع بدلاً

232

المتعلقة بالطفل، والوالدين ،والأسرة، وغيرها من العوامل كتلك التي تتعلق بالمدرسة مثلاً والتي ترتبط ببداية حدوث الإضطرابات السلوكية. ومع ذلك فهناك قصور في استخدام مثل هذه المعلومات في تحديد أطفال معينين على أنهم معرضين لخطر الإضطرابات السلوكية حيث نجد على سبيل المثال أن الدلائل المبكرة للإضطراب السلوكي وعدم القابلية للترويض من جانب الطفل تعد هي أحد العوامل التي يمكن من خلالها التنبؤ بحدوث إختلال لاحق في الأداء الوظيفي بين البنين ومع ذلك فقد أوضحت الدراسات الطولية ودراسات النمو المستعرضة أن تلك السلوكيات التي تسبب الفوضى والسلوكيات المشكلة والسلوكيات المضادة للمجتمع تعد جميعاً ذات معدلات إنتشار عالية نسبيا خلال مرحلة الطفولة المبكرة، ومن ثم يمكن أن نرى مثل هذه السلوكيات في وقت مبكر من حياة الأطفال المتوافقين الذين لا يحتمل أن يتضمن مضمار غوهم على المدى الطويل أى إضطرابات سلوكية. كما يسود بين الأطفال العاديين الذين يقل خطر تعرضهم للإضطرابات السلوكية ميل إلى أن تأخذ مثل هذه السلوكيات طريقها إلى الزوال على مدار مضمار ،نموهم وبالتالي فإن المحاولات والجهود التي تبذل في سبيل إختيار أطفال معرضين بدرجة كبيرة لخطر الإضطرابات السلوكية قد يؤدى بشكل غير متعمد إلى إختيار عدد كبير من الحالات التي

لا تؤدى مثل هذه السلوكيات بالنسبة لهم إلى إختلال لاحق في أدائهم الوظيفي. وبنفس الطريقة نجد أنه عندما نستخدم العديد من العوامل المساعدة معا حتى فإنها قد لا تساعدنا في إختيار كل أو حتى معظم الأطفال الذين قد يبدون إضطرابات سلوكية فيما بعد وفى محاولة لتقييم أنساق مختلفة لدمج العوامل المساعدة معا بغرض التنبؤ بمن يمكن أن يصبح جانحاً قام فارنجتون (1985) Farrington بمقارنة أساليب بديلة لدمج المتغيرات المرتبطة بالطفل، والمتغيرات المرتبطة بالوالدين، وتلك المتغيرات المرتبطة بالأسرة معا بغرض تحقيق نفس الهدف وهو التنبؤ بمن يمكن أن يصبح جانحاً. وتعد هذه الدراسة إحدى الدراسات الطولية التي تم فيها تحديد الأطفال في حوالي الثامنة من العمر وتمت

233

فنلاحظ على سبيل المثال في البرنامج الذي عرضنا له من قبل والذي تم تطبيقه على الأطفال بمرحلة ما قبل المدرسة وذلك في الدراسة التي أجراها كل من ويكارت وشوينهارت (1992) weikart & Schweinhart أن القياس التتبعي لأفراد العينة قد تم بعد إنتهاء البرنامج بالعديد من السنوات وذلك عندما كانت أعمار هؤلاء الأفراد تتراوح بين 15 - 19 سنة. ومن الملاحظ أن درجات الأطفال بمرحلة ما قبل المدرسة الذين تم تطبيق البرنامج عليهم في العديد من المقاييس كانت أعلى بشكل ذى دلالة إحصائية من درجات أقرانهم الذين لم يتلقوا ذلك البرنامج، فكانت نسبتهم على المقياس الخاص بإلقاء القبض عليهم قد وصلت 31 مقابل %51 للمجموعة الضابطة، وبلغ متوسط عدد مرات القبض عليهم 1,3 مقابل 2٫3 لأقرانهم بالمجموعة الضابطة. كذلك كانت الفروق دالة لصالح أعضاء المجموعة التجريبية فيما يتعلق بإنهاء مرحلة الدراسة بالمدرسة العليا (الثانوية)، والإعتماد على المعونات الاجتماعية.

ومن الواضح أن البرنامج قد أثر تأثيراً فعالاً على حياة العديد من الأفراد، ومع ذلك فإنه لم يقض كلية على حالات القبض عليهم أو إعتمادهم على المعونات الإجتماعية. ويعتبر الرد على ذلك بسيطا حيث يتمثل في أن البرامج التي تتسم بزيادة فاعليتها يمكن أن تترك بعض الأفراد يعانون من المشكلة كأن يتم إلقاء القبض عليهم في المثال الراهن، بمعنى أنها لا يجب بالضرورة أن تؤثر على جميع الأفراد بنفس الدرجة .

كذلك فلا يجب بالضرورة لمثل هذه البرامج ذات الفاعلية أن تجنب جميع الأفراد - الذين يعدون في خطر يعرضهم للإضطرابات السلوكية - تلك المشكلة، ولا يجب بالضرورة أن تجنب الغالبية العظمى من هؤلاء الأفراد هذه المشكلة أيضا. ولا يعد ذلك نقطة ضعف في هذه البرامج إذ أن التأثير في عدد كبير من الأطفال يعد أمراً ضروريًا وغاية في الأهمية. وإلى جانب ذلك فإن التأثير الاجتماعي للبرامج متوسطة الفاعلية يمكن أن يكون كبيراً هو الآخر وذلك                                                                        

234

بسبب إتساق مجال أو نطاق التأثير بين هؤلاء الأفراد الذين حدث تحسن لهم كما تعكسه سجلات القبض عليهم من قبل الشرطة والاعتماد على المعونات الاجتماعية، والتخرج من المدرسة العليا (الثانوية)، والانتظام في الدراسة بالجامعة على سبيل المثال. هذا ويمكن أن يكون لتلك المقاييس نتائج قد تستمر مدى الحياة وذلك بالنسبة لهؤلاء الأفراد أنفسهم إضافة إلى أبنائهم بعد ذلك.

وهناك نقطة أخيرة تتمثل في أن العديد من الأفراد الذين يعدون في خطر يعرضهم للإضطرابات السلوكية قد لا يبدون أى تحسن عندما يتم تطبيق البرنامج المستخدم عليهم، وهو ما يعنى أن البرنامج الوقائي الفعال لا يجب بالضرورة أن يقضى على المشكلة التي يستهدفها وذلك لدى كل الأفراد الذين يتلقونه .

3- عدم مساهمة تلك البرامج في حدوث الضرر

هناك أمر آخر يرتبط بالآثار المحتملة للبرامج الوقائية غير تلك الأهداف التي نتوقع من أى برنامج أن يحققها، إذ أن هناك إفتراضا مؤداه أنه إذا لم يثبت البرنامج الوقائي المستخدم فعالية في تحقيق ما تم تحديده له من أهداف، فإنه يجب على الأقل ألا يسهم في إحداث أي ضرر، حيث أن مثل هذه البرامج قد تؤدى أحيانًا إلى آثار خطيرة وضارة. ومن الأمثلة المشهورة في هذا الصدد ذلك البرنامج الذي قدمه باورز وويتمر (1951) Powers & Witmer والمعروف باسم كامبردج - سومرفيل Cambridge - Somerville والذي تم تطبيقه على خمسمائة من البنين في مرحلة المراهقة المبكرة بغرض تجنب تعرضهم للجنوح ووقايتهم منه. وكان من بين أفراد العينة أولئك الذين اعتبروا في خطر يعرضهم للجنوحوتم تقسيمهم إلى مجموعتين إحداهما ضابطة لم تتلق البرنامج المستخدم في حين كانت الأخرى تجريبية تلقت برنامجا إرشاديًا يستند على أسس عريضة لم يتم التخطيط لها بعناية. وقد تضمنت تلك الأسس الرعاية الصحية والسيكاترية والمساعدات الأكاديمية والإتصال المستمر بأحد المرشدين، والبرامج المجتمعية.

وقد أظهرت نتائج الدراسة التتبعية بعد ثلاثين سنة تقريباً من إنتهاء البرنامج                                                                         

235

(1978 ,McCord) أن أفراد المجموعة التجريبية الذين تلقوا البرنامج الإرشادي قد أظهروا معدلات مرتفعة من السلوك الإجرامي، وتعاطى الكحوليات، والمعاناة من الأمراض الخطيرة، وأعراض التوتر والإنعصاب، ومعدلات منخفضة من التوظف والرضا، إلى جانب الوفاة في سن مبكرة. وقد لفتت مثل هذه النتائج العكسية الأنظار إلى إحتمال أن يساهم التدخل الوقائي في إحداث الضرر للأفراد الذين تلقوا ذلك البرنامج.

وإلى جانب ذلك هناك أدلة أخرى قد أثبتت ودعمت خطورة الآثار الضارة الناجمة عن التدخلات البوامجية الوقائية، إذ نجد على سبيل المثال أن بعض البرامج قد عملت على تعريض الجانحين لبعض الراشدين المسجونين الذين شرعوا في وصف الحياة داخل السجن لهم ونقلوا لهم أيضا خبراتهم في الحياة، وعملوا على تخويف هؤلاء الجانحين من مغبة الإستمرار في السلوك الإجرامي. ويرى كل من (بوكتر وتشزنی - لند (1983) - Buckner & Chesney Lind وفينكينور 1982( Finckenauer أن النسخ المختلفة من هذه البرامج مثل تلك النسخ المسماة الإستقامة خوفا أو أن تبقى مستقيما» توضح وجود آثار ضارة وخطيرة لتلك البرامج حيث أظهر الأفراد الذين تلقوا هذه البرامج زيادة في معدلات القبض عليهم لاحقا وذلك قياساً بأقرانهم في المجموعة الضابطة. وعلى الرغم من أن السبب في ذلك غير معروف للآن، فإن وجهة النظر السائدة حول ذلك ترى أن مثل هذه البرامج تعمل على إتصال الجانحين ببعضهم كجزء من البرنامج مما يؤدى إلى تكوين صداقات فيما بينهم تستمر خارج نطاق البرنامج. ومن المعروف أن مصادقة الأقران المنحرفين والإرتباط بهم له آثار ضارة وخطيرة ولها دلالتها على السلوك المنحرف .

ومن ناحية أخرى فإن التدخلات البرامجية الوقائية في مجالات أخرى مثل إساءة استخدام الأدوية، والإقدام على الإنتحار قد أدت أيضا إلى نتائج دالة وخطيرة حيث أصبحت المجموعات التي تلقت تلك البرامج أكثر سوءا مما كانت عليه من قبل أو قياساً بالمجموعات الضابطة التي لم تتلق أيا من هذه البرامج                                                        

236

ومع حدوث آثار غير مرغوب فيها في ظل استخدام مثل هذه البرامج وهي نتائج لا نحصل عليها بشكل مستمر فإن ذلك يجب ألا يثبط من تلك الجهود المبذولة لتقديم برامج وقائية جيدة. وتزيد مثل هذه الآثار المتباينة التي نحصل عليها من الحاجة إلى تقييم النتائج التي تسفر عنها تلك البرامج بعد إنتهاء البرنامج مباشرة، وخلال الفترة التي تستغرقها الدراسة التتبعية، إضافة إلى فهم الكيفية التي تعمل بها مثل هذه التدخلات البرامجية وتأتي بآثارها وهو ما یعنى فهم تلك العمليات التي يحدث التغير من خلالها .


إجراء البحوث في مجال الوقاية

هناك العديد من العقبات التي تعترض إجراء الدراسات التي تهدف إلى الوقاية والتي عادة ما تجعل من الصعب إجراء مثل هذه البحوث والدراسات. وفي البداية يجب أن نذكر أن المهمة الأساسية لأى مشروع بحثى يتم إجراؤه في مجال الوقاية تتمثل عادة في الوصول إلى الحالة التي يتطلبها التدخل البرامجي الوقائي.

وعادة ما يتم تفسير عدم ظهور أي أعراض مرضية على الفرد بأن ذلك الفرد لا يعاني من أي مشكلة، وهو الأمر الذى لا يشجع على حدوث أي تدخل يشترك فيه هذا الفرد. ويتطلب تقرير مدى الحاجة إلى التدخل إقناع أولئك الأفراد الذين يعدون في خطر بالعلاقة التي تنشأ بين وجود العوامل المساعدة وظهور المشكلة بجوانبها المختلفة، وهي القضية التي تتضح بجلاء تام بالنسبة لبعض المشكلات الأخرى كتلك العلاقة القائمة بين إرتفاع ضغط الدم hypertension وحدوث نوبة قلبية. إلا أنه قد يكون من الصعب إيضاح مثل هذه العلاقة بالنسبة للمشكلات النفسية والسيكاترية والسلوكية .

وبمجرد توضيح هذه القضية وإقناع الأفراد بها تصبح هناك حاجة إلى التدخل الوقائي، لكن يظل إقناع أعضاء المجموعة الضابطة بمدى الحاجة للتدخل الوقائي أمراً صعباً. ومن الجدير بالذكر أن الدراسات التي تتناول الوقاية يجب أن تكون دراسات طولية، وبالتالي يصبح الإختبار الحقيقى للتدخل البرامجي الوقائي هو                                                            

237

إجراء المقارنات بين المجموعة التجريبية التي تم تطبيق البرنامج على أعضائها وأقرانهم من المجموعة الضابطة الذين لم يتلقوا ذلك البرنامج حتى نستطيع أن نحدد هل ستنخفض معدلات الإضطراب السلوكي والإحالات الإكلينيكية للعلاج والجنوح، وغيرها في غضون بضع السنوات التالية لتطبيق البرنامج المستخدم أم لا. وعادة ما يحتاج أعضاء المجموعة الضابطة إلى الوصول للمعدلات القاعدية base rates للتغير على مدار مضمار النمو. ومع ذلك يظل من غير الواضح لماذا يظل المشاركون في مثل هذه المجموعة على عضويتهم فيها إذا ما اعتقدوا أن أطفالهم كانوا حقيقة في خطر يعرضهم للمشكلات ومن ثم يجعلهم في حاجة إلى برنامج من نفس ذلك النوع.


وثمة عقبة أخرى تتمثل فيما تؤكده تلك النتائج غير المثيرة من أن البرامج الوقائية الناجحة تعد في الحقيقة برامجاً واعدة (1983,Glidewell) حيث أنه إذا ما كان التدخل البرامجي ناجحاً فإنه سوف يؤدى بالضرورة إلى عدم ظهور مشکلات معينة أو يؤدى بشكل عام إلى تحسين التوافق. ومن ثم يمكننا القول أنه قد لا تظهر المشكلة بأى شكل من الأشكال وذلك بالنسبة لأى طفل معين وبالتالي لن يكون أثر مثل هذا التدخل واضحاً. وعلى النقيض من ذلك قد يؤدى التدخل الوقائي في أى شكل آخر إلى تحقيق آثار مثيرة للإهتمام كما يعكسها الإختفاء التام للأعراض. وتعد الفروق بين القياسين القبلي والبعدي في التقييم الخاص بأى فرد تعرض لأحد برامج الوقاية بشكل ناجح أمراً مغريا وباعثا على الاهتمام لما يمكن أن نجنيه من مثل هذه البرامج. ومن هنا يتضح أن نظير البرنامج الوقائي الناجح يتمثل في الوصف الدقيق لنتائج القياسين القبلي والبعدى والذى يتضح من خلاله أنه لم تكن هناك مشكلة في الأساس حتى نهتم بالبدأ في علاجها، وأنها لم تظهر بعد ذلك أو لاحقا.


وهناك بعض الأمور الأخرى التي ترتبط بذلك أيضاً حيث قد نلاحظ مثلاً أن تعيين أو تحديد الأطفال الذين سوف نقوم بتطبيق البرنامج الوقائي عليهم يمكن                                                                       

238

أن يؤدى بشكل معاكس وغير مقصود إلى أن نطلق عليهم أنهم مشكلين أو في خطر، لكن عند الرجوع إلى النتائج التنبؤية نلاحظ أن معظم هؤلاء الأطفال قد لا يبدون فى النهاية أي إضطرابات سلوكية. ومن ثم فإن تحديدهم في وقت مبكر على أنهم مشكلين أو في خطر يمثل الأساس لوصمهم بذلك إستناداً على تفاعلاتهم مع معلميهم وأقرانهم. كما أنهم في الوقت ذاته يتعرضون لخطر آخر يتمثل في أن مثل هذا التحديد وتلك التسمية قد يصبح بإمكانها تقليص الإنجاز الشخصى الخاص بهم والتنبؤ به أيضاً. ومن الجدير بالذكر أن مثل هذا التحديد وتلك التسمية قد يحدثان في حالة الدراسات العلاجية أيضا، ومع ذلك فإن المشكلة الإكلينيكية في تلك الحالة تكون محددة ويترتب عليها أن أهمية المشكلة بالنسبة للوالد عادة ما تتفوق على أى مخاطر ترتبط بتلك التسمية إذ أن ما يهم الوالد في مثل هذه الحالة هو العلاج. أما في الدراسات الوقائية فإن الأمر يختلف حيث يمثل الإهتمام بالأطفال الذين وصمناهم بذلك أو أطلقنا عليهم تلك التسمية إضافة إلى الإهتمام بأسرهم أحد الأسباب التي تؤدى إلى استخدام التدخلات البرامجية الوقائية على مستوى المجتمع المحلى وذلك حتى لا تبقى هناك أى فئة نوعية من أولئك الأطفال الذين تم تحديدهم على أنهم في خطر دون أن نقدم لهم مثل هذه البرامج .

وباختصار هناك مشكلات من أنواع مختلفة تتعلق بأولئك الأفراد الذين يتطوعون للإشتراك في الدراسة، والإبقاء على تقديم البرامج الملائمة لهم، وتقييم المشاركين في البرامج الوقائية. وقد كشفت برامج عديدة عن مثل هذه المشكلات إذ أوضحت على سبيل المثال أن أولئك الذين وافقوا على الإشتراك في البرنامج غالباً ما كانوا ممن يتميز أداؤهم الوظيفي بأنه في مستوى أفضل أي أنهم كانوا من هذا المنطلق أقل تعرضاً للخطر وذلك قياسا بمن لم يوافقوا على الإشتراك في البرنامج وهو ما أوضحه أما تر تاين (1992) Levenstein ليفينشتاين (1992) Levenstein . أما تر مبلای و آخرون فيرون أن هناك أيضاً حالات متطرفة في حدة الإضطراب كانوا غالبا ما يوافقون على الإشتراك في البرنامج المستخدم.     

239

ليكونوا من أعضاء المجموعة التجريبية وذلك قياساً بأقرانهم الذين كانوا ضمن أعضاء المجموعة الضابطة والذين لم تصل حالاتهم إلى مثل تلك الحدة في الإضطراب. وعلى هذا الأساس يرى هاوكنز و آخرون )1991( Hawkins أن المجموعات المستخدمة في بداية البرنامج الوقائي لم تكن في الغالب متساوية في حدة الخلل. ويضيف بوث وآخرون 1992Booth أنه كانت هناك حالات أكثر حدة تميل غالبا إلى التسرب من البرنامج وذلك بدرجة كبيرة .

ومن الجدير بالذكر أن مثل هذه العقبات لا تعد بسيطة أو بلا قيمة وذلك لأنها تمثل إنعكاسات تستخدم في تقييم مدى فاعلية البرنامج المستخدم وفي تحديد إمكانية تطبيق مثل هذه البرامج على نطاق واسع .


تعليق عام


قمنا في الفصل السابق وهو الفصل الخاص بعلاج الإضطرابات السلوكية بتحديد العديد من العقبات والصعوبات التي قد تحول دون إجراء البحوث الجيدة في هذا الصدد، ومن ثم غالباً ما تصبح المهام المناطة بإجراء البحوث الوقائية أكثر صعوبة. وقد تم فى العديد من الدراسات التي تم إجراؤها في هذا الإطار والتي عرضنا لها خلال الفصل الراهن استخدام متخصصین كمدربين وكانوا من أولئك الذين سبق لهم تطبيق برامج متعددة الجوانب وذلك في أماكن متعددة كالمنزل والمدرسة على سبيل المثال، وقد قاموا بتطبيق مثل هذه البرامج في الغالب في بحث واحد، كما أنهم قد قاموا أيضا بإجراء قياسات متكررة على مدى فترات مطولة .


ومن ناحية أخرى كانت العقبات المرتبطة بتدريب المعالجين، والإبقاء على تكامل العلاج، وتنسيق التدخلات عبر المواقف أكثر حدة وذلك بالنسبة لتلك الدراسات التي تناولت الوقاية. ويرجع السبب في ذلك إلى أن البرامج الوقائية تميل إلى أن يتم تطبيقها على نطاق واسع بحيث تشمل في هذا الإطار العديد من                                                               

240

أنه Lam ويوتفين وآخرون  1990 Botvin et al وها وكنز ولام 1987 Hawkins مع زيادة نطاق البرنامج تزداد صعوبة تحقيق جودة ذلك البرنامج وتطبيقه بالشكل الذى يرضى عنه القائمون عليه حيث نجد على سبيل المثال في العديد من البرامج الوقائية الجيدة أن بعض الباحثين يقررون أنه قد تم تطبيق البرنامج بشكل جيد في بعض الفصول دون غيرها أو من جانب البعض فقط من أولئك القائمين عليه دون غيرهم أيضاً.

الفصول، والمدارس والمدن ويرى الان وآخرون 1990  Allen ویری کازدین (1992) -  Kazdin أن الإختلافات الكبيرة في تطبيق البرنامج المستخدم تؤدى إلى حدوث العديد من المشكلات التي تتعلق بتقييم ما يترتب عليه من آثار. ومن المحتمل أن يكون الأمر الأكبر أهمية في هذا الصدد هو الإهتمام الأكبر بما يمكن أن يحدث في حالة استخدام وتطبيق مثل هذه البرامج الوقائية على نطاق واسع، وإذا ما كان يمكن أن نتوقع لها آثار واسعة النطاق أم لا وذلك بسبب وجود صعوبات قد تحول دون الإبقاء على تكامل الإجراءات العلاجية .

وعلى الرغم من هذه الإعتبارات فقد حققت البرامج الوقائية في مجال الإضطرابات السلوكية آثاراً دالة وذات مغزى حيث أوضحت حدوث نقص في العديد من أنماط السلوك المضاد للمجتمع بين الأطفال والمراهقين وذلك بمعدلات ثابتة. وقد أدى ذلك بالعديد من المؤلفين والباحثين كما يرى زيجلر وآخرون 1992 Zigler وأولويوس 1991 Olweus إلى ملاحظة وإدراك أننا الآن قد أصبحنا نعلم الكثير عن مثل هذه الإضطرابات وتلك البرامج، وهو الأمر الذي يمكننا من خلاله أن تؤثر على مسار المشكلة.


ملخص وخاتمة

من الجدير بالذكر أنه قد أصبح هناك العديد من البرامج الوقائية وخاصة للأطفال الذين يتم تحديدهم على أنهم في خطر يعرضهم لسوء التوافق اللاحق. وقد كشفت العديد من نتائج الدراسات التي استخدمت العديد من هذه البرامج                                                                     

241

عن حدوث تغيرات إيجابية في الأداء الوظيفى للأطفال الذين تلقوا تلك البرامج وذلك بعد عدة سنوات من إنتهاء هذه البرامج. ومما يميز هذه البرامج أنه يمكن في الغالب تطبيقها في المدارس أو المجتمعات المحلية وعلى نطاق واسع نسبيا.

كذلك فقد تعددت أيضاً أساليب تطبيق وتقييم مثل هذه البرامج. ولكن لا تزال هناك بعض الصعوبات والعقبات التي قد تحول دون التطبيق الجيد لهذه البرامج .

ومن الصعوبات التي يعج بها التراث البرامجي الوقائي مسألة الأهداف العامة والتي تتمثل في تقليل معدلات خطورة التعرض لإختلال الأداء الوظيفي وتحسين الحالة النفسية للأفراد، وتحسين التوافق على الرغم من أن مثل هذه الأهداف تعد أهدافًا على درجة كبيرة من الأهمية. ومع ذلك ففى حالة الإهتمام الخاص أو المعين بجانب ما أو في حالة التعامل مع مجال مشكل كالإضطراب السلوكي على سبيل المثال فإن النتائج التي ينتظر أن نحصل عليها تعد محدودة. وكما هو الحال بالنسبة للعلاج هناك العديد من الإستراتيجيات الوقائية الواعدة والفاعلة، كما أن هناك برامجاً عدة تعتبر بمثابة مرجع خاص للوقاية من الإضطرابات السلوكية والجنوح .

كذلك فمن الجدير بالذكر أن الوقاية من الإضطراب السلوكي تعد هدفا يراودنا الأمل في تحقيقه. ومع ذلك فهناك عقبات أساسية تعد متأصلة في هذا الموضوع تجعل من الصعب تحديد أو تعيين وكذا تطبيق برامج فعالة في هذا الصدد. كما أن تعيين وعلاج الأطفال أو الأسر ذوى المعدلات المرتفعة من خطورة التعرض للإضطرابات والمشكلات يثير مشكلات خاصة أخرى أمام مثل هذه البرامج والأهداف التي نسعى إلى تحقيقها من خلالها. إلا أن تلك المشكلات لا تعد من ذلك النوع الذي لا يقهر بل إنه من الممكن التغلب عليها. هذا ويتضح مجال أو نطاق البرامج التي نحتاجها من خلال دراسات منتقاة، إلا أن وجه القصور الأساسي في مثل تلك الدراسات يتمثل في عدم تركيزها على السلوك المضاد للمجتمع أو على قياسه ولكنه لا يتمثل في الواقع في تلك المقاييس الأكثر عمومية للتوافق ..

242


آفاق جديدة للبحث فى الإضطرابات السلوكية


شهدت دراسة الإضطرابات السلوكية قدراً كبيراً من التطور في الآونة الأخيرة. وقد أضاف التطور والتحسن الذي طرأ على أساليب قياس الأداء الوظيفي للأطفال والمراهقين، وأساليب كشف وتحليل العلاقات بين العوامل المؤثرة على تلك الإضطرابات الكثير إلى مثل هذه التطورات. ومن المحتمل أن تؤدى الدراسات والبحوث التي يتم إجراؤها بالطريقة المعتادة بما لا يدع مجالاً للشك إلى المزيد من التطور. وفى الوقت ذاته فسوف يتم سبرغور مجالات أو جوانب إضافية عن طريق إجراء مزيد من الدراسات في تلك الجوانب وذلك بغرض توسيع مجال وتركيز البحث، وحتى يتم أيضاً التغلب على أوجه النقص في الدراسات البرامجية الراهنة كي نتمكن من فهم المشكلات السلوكية بشكل جيد، وحتى نتمكن أيضاً من تحديد الإتجاهات والأساليب المختلفة التي يمكن بمقتضاها التأثير على جوانب المشكلة ومعالجتها. وسوف نعرض خلال الفصل الحالي للإتجاهات الحديثة التي تنبثق من تلك التطورات التي يشهدها هذا المجال في الوقت الراهن.


تشخيص وتقييم الإضطرابات السلوكية

شهد مجال تشخيص وتقييم الإضطرابات السلوكية العديد من التطورات التي تستحق أن نركز عليها الاهتمام وأن نحاول الإستفادة منها بقدر الإمكان في دراستنا المقبلة وفي تصميم العديد من البرامج التي يمكن أن تثمر كثيراً في هذا الإطار. ويمكن تناول ذلك على النحو الذي تعرض له في النقاط التالية :


245

1- تزايد الخصوصية في دراسة المشكلات السلوكية


يشير الإضطراب السلوكي حسب ما هو وارد فى أى دليل تشخیصی کالدليل التشخيصي والإحصائي للإضطرابات والأمراض النفسية والعقلية الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسى APA في طبعته الرابعة 1994 والمعروف إختصاراً DSM - IV إلى فئة متغايرة الخواص أو العناصر أو غير متجانسة من السلوكيات المضادة للمجتمع. وهناك بعض التساؤلات التي يمكن أن تثار فيما يتعلق بالتشخيص والتي تستخدم على المستوى العام لكل من :

أ - البحوث والدراسات ويدور التساؤل فيها حول تحديد العوامل المساعدة على حدوث الإضطرابات السلوكية .

ب - السياسات المتبعة في هذا الصدد ويدور التساؤل فيها حول التعامل مع الأطفال وإدارتهم في إطار المواقف المدرسية .

ومع ذلك يمكن أن يثار عدد من التساؤلات حتى نصل إلى درجة أكبر من الخصوصية يمكننا بمقتضاها فهم الإضطرابات السلوكية. ويمكن أن نورد ذلك على النحو التالي :

أولاً: يؤدى فحص الفئات العامة غير المتجانسة من الأطفال والمراهقين إلى حدوث نوع من الخلط وعدم الدقة في تعيين أو تحديد الأنماط الفرعية التي ينتمون إليها، ومن ثم في تحديد الإستراتيجيات الفعالة لإدارتهم وعلاجهم . فقد نجد على سبيل المثال أن الأطفال قد يختلفون بشكل كبير في مدى إزمان المشكلة وهو ما يجيب عن تساؤل هام مؤداه هل يعد هذا الإختلال مزمنا أم لا، ومنذ متى بدأ، وكيف؟، والعمر الزمني، وأنماط إختلال الأداء الوظيفي. ومن ثم فإن التدخلات البرامجية المناسبة لعينات فرعية منتقاة قد لا يكون لها آثار عامة عندما يتم تطبيقها على فئة غير متجانسة كأولئك الذين يبدون الإضطرابات السلوكية.

ثانيا: يكشف فحص العينات أو المجموعات الفرعية من الأطفال الذين تصدر                                                                

246

عنهم سلوكيات مضادة للمجتمع عن مشكلات إصطلاحية أساسية في تحديد الحالات التي تعانى من إختلال الأداء الوظيفي وتقييمها. فعلى سبيل المثال نجد أن الهروب من المدرسة والغياب المتواصل أو المستمر عن المدرسة يعتبر أحد أعراض الإضطراب السلوكي. وبعد تحديد حالات الهروب من المدرسة دقيقاً لأنه يمكن إختيار الأطفال الممثلين لهذه الحالات باللجوء إلى سجلات المدرسة، كما يمكن سؤال الوالدين عن تلك الأسباب التي أدت إلى غياب الطفل عن المدرسة. وعلاوة على ذلك فنظراً لأن الحضور إلى المدرسة يعد أمراً إجباريا فسوف يكون من السهل إكتشاف مثل هذه الحالات. ومع ذلك فإنه عند تحديد الأطفال في مثل هذه الحالة فسوف تقابلنا عدة مشكلات أخرى تتمثل في التمييز بين حالات الغياب عن المدرسة سواء كان ذلك غياباً بعذر أو بدون عذر، إضافة إلى تلك المشكلات التي تتعلق بالتمييز بين حالات الغياب بدون عذر والتي يجهلها الوالدان وحالات الغياب بسبب فوبيا المدرسة أو رفض المدرسة، إلى جانب المشكلات التي تتعلق بالتغلب على تحيز الأخصائيين في استخدام مصطلح هارب من المدرسة مع هؤلاء الأطفال بسبب ما يترتب على ذلك قانونا للوالدين كفرض الغرامات أو فقد الوصاية على سبيل المثال (1985) Galloway). ومع أن القضايا الخاصة بمثل هذه التعريفات definitional issues ليست أكاديمية، إلا أنها ذلك تمثل محور فهمنا للمشكلة الإكلينيكية، ومدى إنتشارها، مع والخصائص المميزة لها، والأمور المحتملة التي تتعلق بالوقاية الفعالة. هذا وقد نتجت مشكلات تحديد الهروب من المدرسة وغيرها من الحالات المرتبطة والإجرامية من الدراسة المتعمقة للمشكلة وليس من خلال تقسيم الأفراد إلى مجموعات في فئة غير متجانسة من الإضطراب السلوكي.

ويعد إشعال الحرائق مثالاً آخر يمثل أحد أعراض الإضطراب السلوكي ويعتبر في الوقت ذاته من الأعراض سهلة التحديد وذلك بسبب الطبيعة المتميزة لمثل هذا السلوك. ومع ذلك فإن المشكلات الأساسية التي تتعلق به                                                          

247

تظهر على المستوى الإصطلاحي (التعريفي) أيضاً والذي يترتب عليه أمور حاسمة تتعلق بفهم المشكلة. ولكن ما الذي يحدد الشخص الذي يقوم بإشعال الحرائق؟ هناك العديد من البدائل التي تميز مثل هذا الشخص تتضمن اللعب بالكبريت وإشعال الحرائق البسيطة التي لا يترتب عليها أي عواقب، وإحراق المباني أو الممتلكات عمداً arson والتي تتضمن كما كبيراً من التلف والخسارة. ويعتمد تقييم إشعال الحرائق على تقارير الطفل أو الوالدين. ويرى كولكو و كازدین 1992 Kolko & kazdin أن معدل إتفاق كل من الوالدين والطفل على حدوث إشعال الحرائق يعد محدوداً ولا يزيد عن المتوسط فقط. وربما يكون من الممكن بالنسبة لنا أن نتوقع حدوث معدل محدود من الإتفاق بين تقارير الوالدين والطفل فيما يتعلق بالحرائق التي يتم إشعالها من جانب الطفل خارج المنزل. وفي مثل هذه الحالات قد يكون الطفل هو الشخص الوحيد في الأسرة الذي يعلم بذلك الحريق، وقد يختار ألا يخبر أحداً عنه أو يضمنه في تقريره .

ويقلل مثل هذا الغموض الذي يحيط بتعريف وتحديد الأعراض التي تشكل الإضطراب السلوكى كالهروب من المدرسة وإشعال الحرائق على سبيل المثال من أهمية التركيز على مجال مشكل معين. وقد يرجع السبب في ذلك إلى أن تحديد الإضطراب السلوكي على أنه يتضمن العديد من المجالات المشكلة كالهروب من المدرسة، وإشعال الحرائق، وغير ذلك من الجوانب الأخرى يزيد أو يضاعف من ذلك الغموض الذي يتسم به ذلك الشخص الذى نقوم بدراسته، والسمات التي تسمح له بأن يكون من أعضاء العينة التي نقوم بدراستها، وما إلى ذلك. ولهذا فإن الفئة العريضة للأطفال المضطربين سلوكيا تتضمن كما كبيراً من الخطأ أو تحدث كما كبيرا من الجدل حولها .

وقد أوضحت البحوث والدراسات التي أجريت في هذا المجال أنه حتى مع وجود مثل هذا الكم من عدم الدقة فإنه يمكن تعيين الفروق المنتظمة بين الأطفال المضطربين سلوكيا وبين غيرهم من الأطفال ذوى التشخيصات الإكلينيكية الأخرى على سبيل المثال. ومع هذا ستظل العديد من السمات الثابتة                                           

248

المميزة لعينات فرعية مختلفة من الأطفال المضطربين سلوكياً غامضة وغير واضحة المعالم. أما عندما يتم تعيين تلك العينات الفرعية بدقة فإننا سنجد عند هذه النقطة فقط أن العوامل المؤدية إلى ذلك قد تتكشف بجلاء.

وبوجه عام فإن الأمر يحتاج إلى مزيد من الاهتمام بإجراء تحليلات أكثر دقة الجوانب المشكلة، وسوف تؤدى مثل هذه التحليلات إلى توفير عدد ضخم من الأفراد يفوق ما تتناوله الدراسات الراهنة. وسوف نجد أيضا على سبيل المثال أن دراسة كل الأطفال الذين يهربون من المدرسة، أو الذين يقومون بإشعال الحرائق ولكن لا تنطبق عليهم في الوقت ذاته محكات الإضطراب السلوكي سيؤدي حتماً إلى فحص طبيعة المشكلة بأسلوب مختلف.

وبالنسبة للباحثين الذين يعملون في هذا المجال فإن دراسة الأنماط الفرعية للإضطرابات السلوكية قد تتطرق إلى التوصيات إذ نجد على سبيل المثال أن الجهود الراهنة في دراسة الإضطراب السلوكي والتي تهدف إلى تعيين الأنماط الفرعية للإضطراب تمثل نقلة بإتجاه تحقيق قدر أكبر من الخصوصية، وهو ما يمثل خطا أو إطاراً للعمل يرى أن الإضطراب السلوكي قد يبدأ في مرحلة الطفولة أو في مرحلة المراهقة، وأن المراهقين يختلفون فيما بينهم بدرجة كبيرة إعتماداً على هذا النمط للبداية. ولا تعمل التوصيات الحالية على تغيير مثل هذا الخط أو الإطار ولكنها تعمل على تدعيمه بأطر أخرى للبحث أكثر خصوصية، إذ تمثل بداية حدوث الإضطراب سواء كانت في مرحلة الطفولة أو في مرحلة المراهقة إستمراراً لذلك التصنيف إلى مجموعات الذي يستخدم على نطاق واسع وعالمي. كما أن التحليلات الدقيقة يجب أن تعمل على تدعيم تلك الإهتمامات الكبيرة في دراسة المشكلات السلوكية .

ومن المزايا الأخرى للبحث عن الخصوصية المتزايدة في التركيز على المشكلات السلوكية ما يتمثل في إتاحة الفرصة لظهور نظريات مصغرة mini - theories حول جانب ما مشكل من السلوك. وتعمل النظرية المصغرة على تفسير مظاهر أو أوجه معينة للإضطراب السلوكي بدلاً من محاولة تقديم تفسير شامل عن كيفية ظهور

249

مدى كبير من إختلال الأداء الوظيفي. فعلى سبيل المثال قام باترسون (1982) Patterson بتطوير نظرية عن القر أو الإجبار Coercion theory يفسر من خلالها تطور السلوك العدواني في منازل المراهقين الذين تصدر عنهم سلوكيات مضادة للمجتمع والنظرية في حد ذاتها لا تفسر سلوك السرقة، أو إشعال الحرائق، أو الهروب من المدرسة، أو غير ذلك من جوانب الإضطراب السلوكي. ومع ذلك فإن العمليات التي تؤدى إلى العدوان قد تمت دراستها إمبيريقيا بأساليب أكثر تطوراً. وحتى في سياق السلوك العدواني فإنه قد يتم توجيه بعض النقد إلى تلك النظرية لأنها :

أ - قد تركت هناك بعض التساؤلات دون إجابة، مثل لماذا يصبح طفل معين عدوانيا بدلاً من أن يصبح أخا لغيره ويتصرف من هذا المنطلق .

ب - قد تجاهلت أن تقوم بتجسيد مؤثرات هامة على السلوك العدواني كالمؤثرات الوراثية، والعنف الذى يعرضه التليفزيون .

ومع ذلك يرى باترسون وآخرون (1992) Patterson أن مثل هذا النقد يفشل في التسليم بصحة تلك البحوث المميزة التي يتم إجراؤها وتطبيقها في إطار هذا النموذج .

ومن ناحية أخرى يساهم هذا التركيز المحدود للنظرية في تصور المدى الكلى للسلوكيات المضادة للمجتمع عن طريق كشف النقاب عن المجموعات الفرعية كالعدوانيين والسارقين مثلاً التي تعد العوامل الخاصة أقل إنطباقا عليها. وعلى الرغم من أن النظريات المصغرة لم يتم تطويرها أو إختبار مدى صدقها فإنها قد ظهرت في البداية كما يرى جالواى (1985) Galloway لتفسير الهروب من المدرسة، ويضيف كولكو وكاردين (1986) Kolko & Kazdin إلى ذلك تفسير إشعال الحرائق وتبعث مثل هذه الجهود الأمل في التوصل إلى تحليلات أكثر دقة لمثل هذه المجموعات الفرعية من الأطفال الذين تصدر عنهم سلوكيات مضادة للمجتمع .

250

وعلى الرغم من إستمرار حدوث التقدم في التشخيص بغرض فهم الإضطراب السلوكي والسلوك المضاد للمجتمع على مستوى أكثر عمومية فإن البحث الذي يركز بدرجة أكبر على الجوانب المشكلة بعد ضروريًا هو الآخر. كما أننا نلاحظ في هذا الإطار أن الحاجة المتزايدة إلى الخصوصية في دراسة السلوك المضاد للمجتمع لا تتعارض مع أهداف التشخيص، وأن التركيز على عينات ذات أنماط معينة من المشكلات لا يعنى إنكاراً لتلك النتائج التي تم التوصل إليها من قبل والتي تؤكد على أن أعراض المشكلة السلوكية تميل إلى أن تحدث معا، وأن دراسة الأنماط الأكثر خصوصية أو الأعراض الأساسية للمشكلة قد تسمح باستخدام أساليب أفضل بغرض تصنيف الأطفال وتعزيز تلك البحوث القائمة التي تعتمد على الأدلة التشخيصية الأوسع إنتشاراً.

2- إتساع نطاق التشخيص

يشير التشخيص إلى تعيين أو تحديد المشكلات أو الأعراض لدى الطفل. وقد إشتقت فكرة التشخيص واستخدامه من دراسة المرض طبيا وذلك من خلال تعيين أو تحديد ذلك المرض والذي يستند في الأساس على التعرف على الأعراض وتحديدها. وفيما يتعلق بالإضطراب السلوكى نلاحظ أنه سوف يكون من المفيد أن ننظر إلى التشخيص من منظور أوسع حيث هناك العديد من المجالات ذات الأهمية في تعيين وتحديد تلك الأساليب التي تؤدى إلى الإضطراب والإستجابات المختلفة للعلاج، والمضمار طويل المدى الذى يسلكه الإضطراب في تطوره. فنجد على سبيل المثال أن السمات المميزة للطفل غير تلك الأعراض التي تبدو عليه بطبيعة الحال كالأداء الوظيفي الاجتماعي ومستوى الذكاء ترتبط بالمضمار الإكلينيكي للإضطراب والتوافق على المدى الطويل، وهو ما تعرضنا له من قبل في هذا الكتاب. وإضافة إلى ذلك هناك مجالات أخرى وثيقة الصلة ترتبط بتلك السياقات التي يسلكها الإضطراب السلوكي.

ولتوضيح هذه النقطة نسوق مثالاً لطفلين يتشابهان فى مجموعة من الأعراض                                                                            

251

التي تبدو عليهما، وفي مستويات الحدة التي تميز أعراض الإضطراب السلوكي لديهما. ومع ذلك فإن أحدهما ينحدر من أسرة لها تاريخ في الإضطراب السلوكي ويعيش مع أحد والديه فقط الذي يسيئ استخدام العقاقير، ويشترك في شبكة من الأقران الجانحين. في حين نجد أن الطفل الثاني ينحدر من أسرة ليس لها تاريخ فى الأمراض والإضطرابات النفسية أو السلوك الإجرامي، ويتسم أداؤه في المدرسة بأنه جيد. وإذا ما قررنا أن كلا الطفلين تنطبق عليهما محكات الإضطراب فإننا نجد أنهما يختلفان بشكل كبير في الظروف المحيطة والسمات المرتبطة بالإضطراب. ومع ذلك فإن لهذا الوضع دوراً ضئيلاً في فهم الفروق المتسقة والمنتظمة في مجالات مثل الأسرة سواء بالنسبة للبحث أو بالنسبة للعمل الإكلينيكي مع تلك الحالات. أما ما نحتاجه فهو تطوير أساليب للقياس وتصنيف للسياقات حتى يمكن دراستها بشكل أكثر إنساقا وانتظاما .

ويمكن لأى جدول تشخيصي موسع أى يقدم تقييما للمراهقين في العديد من المجالات أن يعطى تقييماً للأفراد في مجموعة من المجالات كالأداء الوظيفي الأسرى والوالدى والعلاقات مع الأقران، والعلاقات مع الجيران على سبيل المثال. ويمكن أن نقوم من خلال تلك المعلومات التي يتم الحصول عليها بعمل عدة بروفيلات لكل حالة وذلك على إمتداد المجالات المتعددة التي تتضمنها الحياة. وتشير كلمة بروفيل Profile إلى تقييم منظم للعديد من الأبعاد وتنوع درجات الأفراد واختلافها على امتداد تلك الأبعاد. فكل فرد يمكن أن يحصل على درجة في كل بعد على حدة، ومن ثم يمكن أن تتم بالتالي دراسة أنماط الأوضاع النسبية لتلك الأبعاد المتضمنة.

وتعد فكرة استخدام بروفيل للأداء الوظيفي من الأفكار المألوفة أو الشائعة إذ قد تم تطوير أنماط البروفيلات ودراستها في ضوء أساليب تقدير مقننة كما هو الحال في إختبار مينسوتا للشخصية المتعدد الأوجه  وفي دراسات الأطفال التي تعتمد على تطوير وتقنين نسخ عديدة من قائمة                       MMPI - 2 Graham(1990)  

252

السلوك للأطفال Achenbach 1991 CBC وهي ما تعطى معلومات عن مجالات مختلفة للأداء الوظيفي للأطفال. ويمكن من خلال مثل هذه البروفيلات فحص أنماط السمات وليس مجرد دراسة الدرجات التي تم الحصول عليها في سمات معينة. ويسمح أى نمط من تلك الأنماط بالتوصل إلى نماذج شخصية إمبيريقيا يمكن دراستها بمفردها . كذلك فيمكن لنا أن نستفيد في البحوث من بروفيل الحياة الطفل بأساليب تغطى سمات متعددة للطفل والوالدين والأسرة والسياقات التي يعيش فيها ذلك الطفل. وباستخدام بروفيل أكبر يمكننا أن نبدأ في وصف مصفوفات العوامل التي ينمو الطفل فى ضوئها. كما يمكننا أن نبدأ في استخدام مثل هذه المصفوفات كأسلوب لتطوير نماذج المعاملة الوالدية وغيرها من نماذج الإختبارات .

وترتبط الأساليب الحالية المستخدمة فى تقدير الأداء الوظيفي للطفل سواء كانت أدوات تشخيصية، أو الوالد، أو المعلم، أو مقاييس مندرجة Rating scales للأطفال بإتجاه فينومونولوچي وصفى ويتمثل الهدف من استخدام تلك الأساليب في وصف نطاق الأداء الوظيفي. ويقبع خلف هذا الإتجاه إفتراض بأن إختلال الأداء الوظيفي للطفل يجب أن يمثل بؤرة الاهتمام الأساسية أو الوحيدة للتقييم. ويمكن أن نستفيد في فهمنا للإضطراب السلوكي من تصور أشمل للمواقف والسياق الذي يتضمن الأداء الوظيفي للطفل. ولكن في الوقت الراهن لا يمكن أن نقوم بعملية تقدير أو تقييم منظمة لتلك المواقف والسياقات، كما لا يمكننا فحصها بطريقة جيدة. ولكى يتم التشخيص لابد من وجود الأنساق التي تسمح به والقيام بتصنيف للمجالات المختلفة وتقسيمها بحسب الأبعاد المتضمنة فيها مما يسهل من دراستها. ولكى يتم تقييم المجالات الأكثر شمولاً وإتساعا فإننا نحتاج إلى تقديرات منظمة. ومن المعلوم أن أنواع البروفيلات تتضمن أنماطاً للسمات التي تتسق معا فيما يتعلق بالطفل، والوالدين، والأسرة، والسياق الذي يعيش فيه. كما أنها إلى جانب ذلك توفر الفرص لحدوث مستويات جديدة وأفضل من فهم الإضطراب .


253

تعليق عام

تشير التعليقات السابقة إلى مستويين من التحليل أكثر دقة، يرتبط الأول منهما بدراسة مجالات المشكلة الفردية. ويبدو من المهم فيه أن نستعين ببعض الأسئلة حول الإضطراب السلوكي مثل :

من هم الذين يعانون من هذا الإضطراب السلوكي؟

كيف وصلوا إلى هذه الدرجة؟

ما هي السمات الوالدية والأسرية المختلفة التي ترتبط بذلك؟

ويمكن توجيه نفس هذه الأسئلة إلى عينات محددة بشكل أكثر دقة مثل أولئك الذين يقومون بإشعال الحرائق على سبيل المثال، فنسأل عن الذين يعانون من مثل ذلك الإضطراب (إشعال الحرائق)، وكيف وصلوا إلى مثل هذه الدرجة من الإضطراب. أما العينات التي تتحدد في ضوء مشكلات أساسية كالشجار والسرقة، والكذب على سبيل المثال فسوف يكون عندهم بما لا يدع مجالاً للشك أعراض أخرى تختلف عن غيرهم. ومع ذلك فمن المحتمل بالنسبة للمعلومات التي يتم الحصول عليها أن تختلف تماما عن تلك التي تشتق من مجموعة أخرى تعانى من إضطراب سلوكي آخر .

أما المستوى الثاني فيرتبط بالدراسة المنظمة لمدى كبير من تلك السمات التي يتضمنها الإضطراب السلوكي. وهناك العديد من الأساليب لتصنيف الإضطرابات والأفراد، ولكن لا توجد في الوقت ذاته أساليب مشابهة لتصنيف السياقات الأسرية، والجيران ومجموعات الأقران، وما إلى ذلك. وفي هذا الإطار فإننا نحتاج إلى تقدير أو تقييم للطفل على إمتداد هذا المدى من المجالات وذلك بأساليب منظمة كي نتمكن من دراسة العلاقات الأكثر تعقيداً بين مشكلات الطفل وعلاقتها بالمجالات الأخرى.

بعض الأمور والقضايا المرتبطة باختيار العينات

يتخذ إختيار العينة العديد من المعانى، ولكنها غالباً ما تثار في سياق إختيار                                                                             

254

الحالات التي تتضمنها الدراسة. وقد تمت إثارة هذا الموضوع هنا نظرا لان عينات المراهقين الذين يتم إختيارهم للدراسة، والعينات الفرعية الأخرى التي يتم تجاهلها، والعينات المختارة من العوامل المساعدة على حدوث الإضطراب السلوكي يمكن أن تحد بدرجة كبيرة من فهمنا للإضطراب السلوكي.

1 - نطاق إختلال الأداء الوظيفي

من الجدير بالذكر أن عينات المراهقين ذوى الإضطرابات السلوكية التي تتضمنها الدراسة تحتاج في الغالب إلى أن نتوسع فيها وذلك لأغراض مزدوجة تتمثل في فهم طبيعة وتطور المشكلات، إضافة إلى تحديد أسلوب مناسب للتدخل. وهاك أمور عديدة منفصلة تحمل في طياتها أهمية التوسع في العينات التي نجرى الدراسة عليها. وتتحدد في البحوث الراهنة نقطة معينة يعتبر عندها المراهق ممن يعانون من إختلال الأداء الوظيفي إذ تنطبق عليه المحكات الخاصة بالإضطراب السلوكي، أو يتم تحديده بشكل آخر على أنه جانحاً. وبعد ذلك بطبيعة الحال من القضايا الأساسية التي ترتبط بالتشخيص. وفي هذا الإطار يعرض الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض والإضطرابات النفسية والعقلية في طبعته الرابعة (1992) DSM - IV تشخيصاً لذلك يعتبر فيه أن وجود ثلاثة أعراض على الأقل لمدة لا تقل عن إثنى عشر شهراً يعد أمراً ضرورياً حتى تنطبق محكات الإضطراب على الطفل أو المراهق. وفي الأساس يعتبر من الضروري تحديد المحكات بهذا الشكل حتى يتم التوصل إلى تشخيص يتسم بالثبات ويمكن الإعتداد به وحتى يتمكن الباحثون بالتالي من إجراء دراساتهم على مثل تلك العينات. ومع ذلك فإن المحكات في حد ذاتها لا يمكن الدفاع عنها بالحجة بشكل جيد، إذ أن تحديد نقطة فاصلة يتحدد في ضوئها إختلال الأداء الوظيفي كأن تتحدد ثلاثة أعراض فقط وليس أربعة أو ثمانية، وألا تقل المدة عن إثنى عشر شهراً وليس ثمانية عشر أو أربعة وعشرين شهراً أو أكثر من المحتمل أن يؤدى إلى نتائج متضاربة أو مختلفة فيما يتعلق بالعوامل المساعدة على حدوث الإضطراب أو الوقاية، والإستجابة للعلاج، والمال، وما إلى ذلك.

255

ومن ناحية أخرى فإن المحكات التي يتم فى ضوئها تحديد وجود الإضطراب في مقابل عدم وجوده لا يمكن النظر إليها على أنها تبرير قوى لذلك حيث يتضح أنه من المحتمل بالنسبة للمراهقين الذين تنطبق عليهم مثل هذه المحكات أن يتعطل أو يختل أداؤهم الوظيفى اليومى، وهو ما يعد أمراً على جانب كبير من الأهمية ويجب أن نعلمه جيداً حتى نتمكن من مواجهة الأسباب المختلفة لذلك كتحويل الحالة للعلاج، وتوفير الخدمات المناسبة مثلاً. ومع ذلك فلكي نفهم طبيعة الإضطراب السلوكي بشكل أكثر دقة علينا أن نتوسع بالبحث ليشمل كل نطاق حدة الخلل أو ما يعرف بإختلال الأداء الوظيفي. فعلى سبيل المثال نلاحظ أنه قد تتم دراسة الشجار أو العراك كإختلال في الأداء الوظيفي بالنسبة لكل المراهقين الذين تتراوح أعمارهم في مدى عمرى معين وليس فقط على مستوى الحدة والتكرار التي تنطبق عليها المحكات التي يتم في ضوئها تحديد الإضطراب السلوكي. ومن الملاحظ في هذا الصدد أن المراهقين الذين تبدو عليهم أعراض الإضطراب السلوكي ولكنهم يعتبرون في الوقت ذاته عند بداية التشخيص أو الحد الفاصل له، أو أعلى من ذلك أو أقل أي لديهم أقل من ثلاثة أعراض، أو يكون لديهم ما بين ثلاثة إلى أربعة أعراض، أو يكون لديهم أكثر من أربعة أعراض وذلك كأسلوب إجرائي لتعيين بداية التشخيص أو الحد الفاصل له يعدون من الحالات ذات الأهمية التي ينبغى دراستها. وترجع أهمية وميزة دراسة ذلك المدى الكبير لإختلال الأداء الوظيفي إلى أنه يسمح لنا بتقييم العوامل التي يمكن من خلالها التنبؤ بالأداء الوظيفي للفرد عبر نطاق الحدة والتكرار، بالإضافة إلى تلك العوامل التي يمكن فقط من خلالها التنبؤ بذلك عند نقاط مختلفة أى بين المراهقين فقط الذين يتشاجرون غالبا، أو بين الأقران أو الراشدين .

وهناك أهمية أو ميزة ثانية لدراسة المدى الكامل للأداء الوظيفي وهي ربما تبدو أكثر أهمية في هذا المجال وتتمثل في تحديد الموضع الذي يجب أن تكون عنده النقطة الفاصلة والتي يعتبر عندها المراهقون المضطربون سلوكيا وأقرانهم غير                                   

256

المضطربين سلوكيا بمثابة حالات متطرفة. ومن ثم فإن فئة الإضطراب السلوكي لا تزال تعتبر غامضة وغير محددة بوضوح إلى الحد الذي يعتبر عنده بعض الأفراد عند كل طرف أو نهاية أى إما أن يكونوا مضطربين سلوكيا بشكل واضح أو غير مضطربين سلوكياً بشكل واضح. ومع ذلك يرى كازدين وكاجان (1994) Kazdin & Kagan أنه لا تزال هناك بعض الفروق الدقيقة في الوسط .

وتعد دراسة نطاق حدة الإضطراب السلوكي أو حدة نمط مجال مشكل معين ذات أهمية إذ أنها تساعد في تحديد نقاط فاصلة ذات مغزى. ومن المحتمل والمفترض أن هناك بعض النقاط على المتصل تعمل على تحديد السمات الإكلينيكية مثل السوء النسبي للمآل أو الفشل في الاستجابة للعلاج. وبذلك يحتاج المدى الكلى للإختلال إلى المزيد من الإنتباه والتركيز حتى يمكننا أن نفهم الموضع الذي يجب أن تتحدد فيه تلك النقاط حتى يمكن الإستفادة منها في العلاج .

اختيار العينة من بين الحالات التي تتسم بخصائص معينة-2

غالبا ما تنحصر دراسات الإضطراب السلوكي على عينات مختارة وهو الأمر الذي يمكن أن يحدد النتائج التي ينتظر الحصول عليها أى يجعلها محددة، كما أنه يؤثر فيها أيضاً. ومن منظور التصميم البحثى غالباً ما يلجأ الباحثون إلى عينات متجانسة، ومن ثم لا يختارون أفراداً مختلفين. ويرجع السبب في ذلك إلى التقليل من مصادر الخطأ التي يمكن أن تعتم العلاقات التي يتم البحث عنها خلال الدراسة ويجعلها غير واضحة. أما التطبيق العملى العام للبحث أو إجراء الأبحاث عامة في حد ذاته فلم يكن موضع تساؤل حيث أن العديد من الدراسات التي تناولت الإضطرابات السلوكية قد تضمنت عينات محددة ومحصورة أو مقيدة وذلك بشكل منظم وبأساليب من المحتمل أن تغير ما تم إستخلاصه عن الإضطراب السلوكي وبداية حدوثه والسمات المميزة له، والنتائج المترتبة عليه. إلا أن هناك إثنين من العوامل التي تعد بمثابة قيود تؤثر على تلك                                    

257

الدراسات وما تكشف عنه من نتائج، ونظراً لأهميتهما فإنهما يحتاجان بوجه خاص إلى أن نوليهما مزيداً من الإهتمام، وهما :

أولاً : يوجد هناك تحيز من جانب الباحثين في دراسة الإضطراب السلوكي يرتبط بالجنس حيث يركز عدد من البرامج البحثية بشكل مكثف وموسع على البنين وبالطبع هناك أساس منطقى إمبيريقى لمثل هذا التركيز يوضحويكشف عن وجود معدلات من الإضطراب بين البنين أعلى من مثيلاتها لدى البنات. ومن الجدير بالذكر أن مثل هذه المعدلات المرتفعة تجعل من الأسهل بالنسبة للباحثين أن يقوموا بإجراء الدراسات المختلفة على البنين مما قد ينتج عنه تحسن بعض الحالات، وتحديد سمات أخرى يمكن من خلالها خفض المعدل القاعدى للنتائج التي يمكن أن نحصل عليها. ومع ذلك فإن الميل إلى تجاهل البنات في تلك الدراسات التي تتناول الإضطرابات السلوكية وعدم الإقدام على دراسة كلا الجنسين يحد بطبيعة الحال من فهمنا للإضطراب السلوكي. ونحن نعرف بطبيعة الحال أن هناك فروقا هامة بين الجنسين في هذا الصدد وذلك من خلال تلك الدراسات التي تم فيها تقييم الفروق بين الجنسين. فنجد على سبيل المثال كما يرى كل من ترمبلاي و آخرين (1992) Tremblay وإيرون وآخرين الأولاد أن (1991) Eron وأولويوس (1991) Olweus ت والبنات سواء كانوا يمثلون عينات من العاديين أو عينات مرضية فإنهم يختلفون في المدى الذي نعتبرهم عنده مجرمين أو ضحايا للعدوان، كما أنهم يختلفون أيضاً في مجموعة العوامل المرتبطة بمراحل النمو المبكرة والتي يمكنها أن تتنبأ ببداية حدوث السلوك العدواني والسلوك المضاد للمجتمع ومضمارهما الذي يتطوران خلاله على المدى الطويل. وإذا ما كانت العوامل التي تؤثر في بداية ظهور أو حدوث السلوك المضاد للمجتمع تختلف من البنين إلى البنات فإن البرامج الوقائية والعلاجية الفعالة التي يمكن أن تقدم لكليهما قد تختلف هي                                                      

258

الأخرى. ولكننا بطبيعة الحال لا نريد أن نقوم فقط بإجراء الدراسة على البنات بشكل مستمر، ولكننا نريد بدلاً من ذلك أن نتأكد من أن نفس الدراسة تتضمن كلا الجنسين. ويرجع السبب في ذلك إلى التأكد من إجراء الدراسة على المراهقين من الجنسين بنفس الأسلوب والطريقة، ومن استخدام نفس المقاييس والإجراءات، ونفس العوامل المنبثة. كما أن تفسير ما يمكن أن تسفر عنه الدراسة من فروق بين الجنسين في نفس الدراسة يعتبر أفضل من تفسيرها بين الدراسات التي تختلف في إجراءتها، والمقاييس المستخدمة فيها، وغير ذلك من العوامل التي يمكن أن تلعب دوراً في التقييم .

ثانيا: تعد الفروق العرقية والعنصرية عاملاً آخر له أهميته ويحتاج إلى تقييم فيما يتعلق بمدى علاقته بالإختلال في الأداء الوظيفي إذ من المحتمل أن تختلف الفروق بين المجموعات العرقية بدرجة كبيرة وذلك فيما يتعلق بالعوامل التي تسهم في حدوث الإضطرابات السلوكية، وفى تلك العوامل التي تسهم في الوقاية منها. ومن هذا المنطلق توجد فروق لها مغزاها ودلالتها بين الأطفال الأمريكيين من ذوى الأصل الأوربي، وأقرانهم من ذوى الأصل الأفريقي وأقرانهم من ذوى الأصل اللاتيني على سبيل المثال في معدل إنتشار الإضطرابات السلوكية بينهم، وعمرهم الزمنى عند بداية حدوث الإضطراب والمضمار الذي يسلكه ذلك الإضطراب في تطوره، وفى مجموعة العوامل الخاصة التي ترتبط بحدوث الإختلال في الأداء الوظيفي. فنجد على سبيل المثال كما يرى كتالانو وآخرون (1993) Catalano و ماداهيان وآخرون (1988) Maddahian أن متغير العرق أو السلالة بين أولئك الذين يعانون من إساءة استخدام المواد يرتبط بالمادة التي يساء استخدامها، ودرجة الرقابة الأسرية على الأبناء والضبط الأسرى لهم، والعوامل المساعدة، وكم التعرض لذلك الموقف. كذلك فإن البرامج التي يتم تصميمها بغرض الوقاية من الإضطراب السلوكي تختلف في مدى فاعليتها                                                                          

259

كدالة للجماعة العرقية حيث وجد هاوكنز 1991 Hawkinse على سبيل المثال في برنامج الوقاية الذى تم استخدامه في دراستهم تلك ان ذلك البرنامج كانت له فاعليته بالنسبة للمراهقين من ذوى الأصل القوقازي، في حين لم يكن كذلك بالنسبة لأقرانهم من ذوى الأصل الأفريقي. وهذا بطبيعة الحال يجعل أساس تلك الفروق واضحا بما لا يدع مجالاً للشك .

ومن الجدير بالذكر أن الفروق بين الجنسين والفروق العرقية لا تعد هي المتغيرات الوحيدة التي يجب أن نضعها في الاعتبار. ومع ذلك فإن لهذين المتغيرين أهميتهما حيث يعملان كأساس لتحديد المشكلة التي نرغب في تحاشيها .

ومن المعروف أن البحوث والدراسات غالباً ما تهتم بتطوير نماذج أو نظريات تتعلق بإختلال الأداء الوظيفى ثم تحاول أن تختبر مدى صحتها وذلك باستخدام عينات محددة ومقيدة بدرجة كبيرة. فإن كان النموذج المحدد قد تم تطويره كي يطبق فقط على جنس معين أو سلالة معينة فإن العينة التي سيتم تطبيق ذلك النموذج عليها يجب أن تفى بمتطلبات تحقيق تلك الأهداف التي يسعى البحث إليها. ومع ذلك فإن الباحثين عادة ما يقوموا بمناقشة نماذجهم النظرية بشكل موسع وعلني إلى حد كبير كما لو كانوا يشرحون لنا الإضطراب السلوكي بوجه عام أو يفسرونه في ضوء هذا النموذج أو ذاك. إلا أن متغيرى الجنس والسلالة يعدان بمثابة نموذجين لتلك المتغيرات التي تتوسط مؤثرات عديدة، ومن ثم فإنهما يتطلبان مزيداً من الإهتمام. ونحن بطبيعة الحال لا نعرف ذلك من خلال تلك الإنعكاسات التي تتعلق بالفروق العرقية والفروق بين الجنسين ولكن من خلال نتائج الأبحاث والدراسات التي كشفت عن أن مثل هذه المتغيرات تؤدى إلى حدوث فروق في النتائج عندما تتم دراستها .

_3نطاق العوامل المساعدة على حدوث الإضطراب

هناك بعض القضايا أو الأمور الأخرى المرتبطة بإختيار العينات والتي تظهر                                                                

260

بطريقة أخرى حيث يهتم الباحثون بدراسة المتغيرات التي تؤثر على الأداء الوظيفي للطفل، وهذا غالباً ما يتم فى البحث السيكولوجي على سبيل المثال بإجراء الدراسات التي يتم فيها إختيار مجموعات الدراسة والمقارنة بينها بناء على تعريضها لموقف ما وخبرتها بذلك الموقف. ومن الأمثلة على ذلك دراسة أساليب المعاملة الوالدية التي تقوم على إساءة استخدام الأطفال والمراهقين والتي غالبا ما تتم دراستها بهذا الأسلوب. وتعمل بعض الدراسات على تحديد الأطفال الذين يتم إساءة إستخدامهم والأطفال الذين لا يتم ذلك بالنسبة لهم، كما يتم أيضاً تحديد السمات الأخرى التي قد يبدونها كالأعراض السيكوباثولوجية على سبيل المثال، والأداء المدرسي والعلاقة مع الأقران. وهنا نلاحظ وجود العديد من الأمور التي تتعلق باختيار العينة يأتي في مقدمتها أهمية إختيارها بشكل منفصل أو من خلال تحديد نقاط متعددة على إمتداد عوامل مساعدة معينة. فتحديد مجموعات متطرفة يعد نقطة إنطلاق جيدة يمكننا أن نبدأ العمل منها في هذا الإطار. ولكننا في مثل هذه الحالة يجب أن نفهم ونحدد متصل السمات المميزة لتلك المجموعات. وإذا ما أخذنا أساليب المعاملة الوالدية كمثال لذلك فإنه يهمنا أن نعرف كيف تؤثر تلك الأساليب على الأطفال بشكل عام، والنقطة التي يبدو عندها أن مثل هذه الأساليب تصبح عوامل مساعدة على حدوث الإضطراب السلوكي. وتعد إساءة استخدام الأطفال مثالاً جيداً في هذا الإطار، وغالبا ما يختار الباحثون الأطفال الذين يساء استخدامهم من بين أولئك الذين يتم تقديم الخدمات لهم. إلا أن إحدى المشكلات التي تواجههم في هذا الإطار تتمثل في أن إساءة استخدام الطفل معرفة ومحددة قانونا من خلال مثل تلك الخدمات، ومن ثم يتم إختيار الأسر التي ينطبق عليها هذا التعريف القانوني لإساءة استخدام الأطفال والذي يتضمن ضرب الطفل بأداة معينة وإحداث إصابات جسمية به أو إصابات نتيجة لمثل هذا العقاب الجدي. إلا أن القضية الأساسية هنا تتمثل في أن إساءة استخدام الطفل لا يجب بالضرورة أن تمثل مشكلة حتى عندما ينطبق عليها هذا التعريف القانوني نظراً لأن اللجوء إلى العقاب البدني يمكن تحديده                            


261

على إمتداد متصلات مختلفة كتكرار وشدة العقاب والعوامل التي تدفع إلى استخدامه أو اللجوء إليه مثل ما يفعله الطفل حتى يثير أحد أعضاء الأسرة ليقوم بعقابه بدنيا بالشكل الذي يمثل إساءة استخدام. وتتمثل النقطة ذات الأهمية هنا في أن عواقب ذلك على الطفل من الناحية النمائية والتي تتضمن أن يصبح ذلك عاملاً مساعداً على حدوث العنف أو الإضطراب السلوكي فيما بعد قد تحدث قبل أن يصل كيف العقاب إلى مستوى الشدة التي ينطبق عندها التعريف القانوني عليه .

ومن الجدير بالذكر أن دراسة المستويات المتعددة لعامل مساعد مقترح في هذا الإطار تعد أمراً مهما للكشف عن الدلالة أو العلاقة بأسلوب أكثر دقة قياساً بما يتم في حالة الأسلوب التقليدى فى البحث من مجرد دراسة مجموعتين يتم تقسيمهما بحسب وجود أو عدم وجود سمة معينة. كما أنه من المحتمل بالنسبة للعديد من المؤثرات أن تدل على نتيجة موضع إهتمام، وأن يوصح تقييم المستويات المختلفة للعامل المساعد المرتبط بذلك مثل هذه النتيجة أو تلك. فقد نجد مثلاً أن درجة محاولة الوالدين فرض سيطرتهما على أبنائهما المراهقين ترتبط كما يرى ستايس stice 1993بأعراض مجسدة تنسب إلى عوامل خارجية، إضافة إلى إرتباطها باستخدام العقاقير. ومع ذلك فإن مثل هذه العلاقة ليست خطية. ومن ناحية أخرى يرتبط الضبط الوالدي أو السيطرة الوالدية المتطرفة ارتفاعاً أو إنخفاضا - وليست السيطرة المعتدلة - باختلال الأداء الوظيفي للمراهق. ویری ماکچی و نیو کمب McGee & Newcomb ونيو كمب وبنتلر (1988) Newcomb & Bentler أن تعاطي الكحوليات من جانب المراهق يرتبط بنفس الطريقة بالاختلال السائد في الأداء الوظيفي، وبنقص في المتابعة والإنجاز الأكاديمي، وبعدم الإستقرار في الوظيفة، وبعمليات التفكير غير المنظم أو المختل بعد ذلك بعدة سنوات. ومع هذا فإن العلاقة بين تعاطى الكحوليات وكل من النتائج أو العواقب الراهنة أو التالية ليست خطية. إلا أن الإسراف في تعاطى الحكوليات ينبئ بالمشكلات اللاحقة، كما أن عدم تعاطى                                                                                  

262

الكحوليات أو غيرها من المسكرات يرتبط بسمات شخصية واجتماعية غير مرغوبة أيضا ، إذ أن هؤلاء الدين استطاعوا أن يحققوا أفضل مستوى من التوافق يتعاطون كميات قليلة من الكحوليات حيث يرتبط ذلك بالعديد من النتائج الإيجابية التي تتضمن نقصاً في معدل الوحدة أو العزلة، وتقليل معدل ما يعرف بتفسخ الذات أو الحط من قدرها وإزدرائها، وتحسن العلاقات مع الأسرة أو الآخرين، وزيادة كم المساندة الإجتماعية .. وتتمثل النقطة المهمة في هذه الأمثلة في نقل الحاجة لدراسة مستويات متعددة من العوامل المحتملة أو المعروفة بالفعل إلى زيادة الاهتمام بمخاطر التعرض لإختلال الأداء الوظيفي. وقد يكون هناك نقاط يمكن لعامل معين عندها أن يصبح مؤثراً أو مساعداً على حدوث الإضطراب، كما قد توجد نقطة أخرى لا يصبح له عندها أي تأثير، أو قد يكون هناك مستوى آخر يمكن أن يصبح لمثل هذا العامل عنده أثر وقائي .

وهناك نقطة ثانية لها أهميتها وترتبط في ذات الوقت بتلك النقطة التي إنتهينا للتو من مناقشتها وهى أنه من المحتمل بالنسبة للعوامل المساعدة على حدوث الإضطراب السلوكي أو اختلال الأداء الوظيفي أن تتفاعل مع بعضها البعض أو مع متغيرات ثالثة. وليس الأمر كما لو كان أن سوء الاستخدام سيكون له أثر ما وقتما يحدث، ولكن الآثار الضارة المترتبة عليه قد تعتمد على عوامل أخرى مثل الحالة المزاجية للطفل، والخلافات الزوجية ونسبة ذكاء الطفل.

هذا ويمكن فهم عامل مساعد معين بشكل أفضل إذا ما قمنا بتقييم مستويات هذا العامل فيما يتعلق بعامل آخر أيضاً . فعلى سبيل المثال نجد أن حجم الأسرة بعد عاملاً مساعداً على حدوث الإضطراب السلوكي، ومع ذلك فإن إختيار العينة تطبق تلك النتيحة على المجتمع الأمريكي والمجتمعات الأوربية في حين يعشر العكس هو الصحيح في مجتمعاتنا العربية (المترحم)                                                                     .. تتشابه هذه النتيجة عدنا مع تبادل السجاير على سبيل المثال في الجلسات المختلفة التي تجمع الأقران أو حتى في تلك الجلسات التي تجمع الفرد بآخرين لا يعرفهم وتستخدم فيها السجاير كوسيلة الإقامة واستمرار العلاقات الاجتماعية (المترحم)


263

من أسر ذات مستويات دخل مختلفة يكشف عن فهم أكثر دقة لكبر حجم الأسرة ليصبح بذلك هذا العامل مساعداً على حدوث الإضطرابات السلوكية في الأسر ذوات الدخل المنخفص أما بالنسبة لتلك الأسر التي لديها مصادر مادية كافية لهذا الحجم الكبير الذي تتضمنه الأسرة فإن هذا العامل بطبيعة الحال لا يعد كذلك .

تعليق عام

من الجدير بالذكر أن هناك الكثير مما نعرفة عن الإضطراب السلوكي، وأن مثل هذه المعلومات قد توفرت لدينا من مختلف الدراسات التي استخدمت تعريفات مختلفة للمشكلة وعينات مختلفة تماما ضمت أولئك المراهقين الجانحين، كما ضمت تلك العينات مراهقين من أعمار زمنية مختلفة. وقد ظهر هذا الثبات في النتائج التي تم التوصل إليها خلال العديد من الدراسات التي أكدت على عنف تلك المشكلة. وفى الوقت ذاته قد يظل مستوى الفهم الأفضل لتلك المشكلة محدوداً ما لم نضع في إعتبارنا استخدام عينات مختلفة أو وسائط مختلفة للنتائج كالجنس والجماعة العرقية. كذلك فإن إجراء دراسات أكثر دقة عن السمات المساعدة على حدوث الإضطراب السلوكي والمدى الذي يمكن أن تتوسط فيه عوامل أخرى لذلك سيكون بلا شك مهما هو الآخر . وإلى جانب ذلك فقد إتضح أن تقييم المستويات المختلفة لعامل معين فيما يتعلق بعامل آخر أو مجموعة أخرى من العوامل يساعد في أن نفهم ذلك العامل بشكل أفضل.

إتساع نطاق النماذج الخاصة بتصميم وتقييم برامج التدخل الوقائي والعلاجي

من الجدير بالذكر أن مجالي العلاج والوقاية قد شهدا تطورات واضحة . ويمكن تعريف برامج التدخل التي تقوم على أسس إمبيريقية بأنها تلك البرامج التي لها تأثير مباشر على المشكلة. ومع ذلك فإن الأساليب التي يتم بها دراسة برامج التدخل تلك وتنفيذها قد تحد كثيراً من فاعليتها. ومن ثم فإننا نحتاج إلى نماذج جديدة لتصميم وتنفيذ وتقييم مثل هذه البرامج .


264

ومن المعروف أن النموذج المعتاد للبحث القائم على برنامج للتدخل سواء كان هذا التدخل علاجيًا أو وقائيا يقوم على تطبيق برنامج معين للتدخل على عينة محددة لفترة زمنية محددة. وقد تكون تلك العينة من أولئك المراهقين الذين تمت إحالتهم للعلاج، أو المراهقين الذين يعدون في خطر يعرضهم للإضطراب ومن ثم لم تتم إحالتهم للعلاج بعد، ويتم تقييم آثار هذا البرنامج على أفراد العينة بعد الإنتهاء منه. وتمثل هذه الخطوات الملامح والسمات المميزة للنموذج التقليدي لتنفيذ وتقييم برامج التدخل وتستمر برامج التدخل في الدراسات العلاجية غالباً لمدة وجيزة جداً إذ قد تستمر من ثمانية إلى عشرة أسابيع مثلاً، في حين نجد أنها غالبا ما تستمر في الدراسات الوقائية لفترة زمنية طويلة قد تستمر عدة سنوات . وغنى عن البيان أن النموذج التقليدى هذا له حدوده التي تنطبق بدرجات متفاوتة على كل من التدخلات العلاجية والوقائية. ويساعد تحديد السمات الرئيسية لبرامج التدخل التقليدية على وصف أو تحديد النماذج البديلة التي يمكن إستخدامها في البحوث .

1 - نموذج التدخل شديد القوة أو التأثير high - Strength

من الملاحظ في النموذج التقليدى أنه يهدف أن يكون للعلاج تأثير، إلا أنه نادراً ما يتم تصميم ذلك النموذج ليمثل بشكل واضح إختباراً فعالاً لذلك . أما في المقابل فإن نموذج التدخل شديد القوة أو التأثير high - Strength intervention model فيبدأ بمحاولات تعمل على وضع حد أقصى للتغير العلاجي. وقد يكون من المهم بالنسبة للمشكلات الإكلينيكية الشديدة على وجه الخصوص أن نتناول السؤال التالي :

ما هو التأثير المحتمل للبرنامج على المشكلة إذا ما قمنا باستخدام الحد الأقصى الممكن من أساليب العلاج الفعالة المتاحة ؟

ويجب على الباحث أو من يقوم باستخدام البرنامج أن يضع نصب عينيه أو أن يكون هدفه الأساسي هو أن يبحث عن النسخة الأكثر تأثيراً والأكثر ملاءمة                                                           

265

من ذلك البرنامج ليرى ما إذا كان يمكن إحداث التغيير في المشكلة أم لا . وبعد نموذج التدخل شديد القوة أو التأثير بمثابة محاولة لا تعمل فقط على وضع حد أدنى للتغير الإكلينيكي بل تعمل أيضاً على إختبار أوجه النقص أو أوجه القوة العيوب والمزايا التي تتعلق بما لدينا من معلومات وذلك عند نقطة معينة. وإذا ما استخدمنا أفضل الأساليب العلاجية المتاحة فهناك سؤال أساسي أيضاً في هذا الصدد يدور حول ما يمكننا أن نتوقعه من أقصى جرعة يمكن اللجوء إليها واستخدامها، أو من النظام السائد في العلاج، أو من التغيير .

وبالنسبة للعلاجات النفسية نجد أنه من الصعب أن نحدد مدى قوة وملاءمة العلاج على الرغم من أن المشكلة المراد علاجها تنبع جزئيا من عدم وضوحالتصورات عن العلاج أو من التصورات غير الملائمة له. وإذا ما أردنا أن نغير من قوة تأثير العلاج أو نزيدها فإنه يجب أن يكون لدينا بعض الأفكار عن الإجراءات أو العمليات التي يعزى إليها حدوث التغير العلاجي. ولكي نتصور التغير المحتمل الذي يمكن أن يعكسه نموذج التدخل العلاجي شديد القوة أو التأثير قياساً بالنموذج التقليدى فإنه يجب أن نضع في أذهاننا أحد أبعاد العلاج وهو مدة هذا العلاج أى الفترة الزمنية التي يتم خلالها تطبيق أو استخدام ذلك العلاج حيث يرى كاردین باس وآخرون (1991) Kazdin, Bass et al أن متوسط تلك الفترة الزمنية التي يستغرقها العلاج وذلك في البحوث والدراسات التي تتناول العلاجات المعاصرة للأطفال والمراهقين تتراح في الغالب بين ثمانية إلى عشرة أسابيع. وتعتبر هذه الفترة الزمنية قصيرة نسبيًا قياساً بتلك المشكلات العديدة التي يبديها الأطفال المضطربون سلوكيا والتي تحتاج إلى العلاج، والمال السيء لها على المدى الطويل. كذلك فإن المزيد من العلاج لا يعد هو الأفضل في مثل هذه الحالة. وفى الوقت ذاته تبدو الإختبارات السائدة على عمومها ضعيفة ومن ثم تعد غير ملائمة. وقد يبدو أن العلاجات التي تستمر لفترة زمنية أطول والتي قد تصل لعدة سنوات تعد مبشرة بدرجة أكبر وذلك في الوصول إلى الحد الأقصى من التأثير العلاجي. ومن المعروف أن متغير المدة الزمنية بعد أحد                                                             

266

العوامل أو المتغيرات المتعلقة بالعلاج فقط، وقد تم تناوله هنا بغرض توضيحالنموذج الذي نعرض له، ولكنه مع ذلك لا يعد أحد الأبعاد أو السمات الأساسية التي تعتمد عليها بالضرورة البرامج العلاجية شديدة القوة أو التأثير .

ويبدو أن برامج التدخل شديدة القوة أو التأثير تتكلف كثيراً كما ينعكس من تلك الأجور التي يتقاضاها المعالجون والتدريب الذى يتلقونه، وعدد الجلسات المطلوبة خلال العلاج، وعدد الساعات التي يتم فيها الإتصال بالمريض. ومع ذلك فإذا كان مثل هذا الإختبار يعد مرتفع التكاليف بدرجة كبيرة وذلك فيما يتعلق بالمصادر المهنية ورعاية المرضى والعناية بهم فإن المعلومات الناتجة عنه قد تعمل على تجنب الحاجة إلى العديد من الإختبارات الأخرى الأقل في قوتها على إحداث التغيير الناتج عن العلاج. وإذا ما أدت النسخة الأقوى أو الأكثر تأثيراً من البرنامج العلاجي إلى إحداث التغيير يصبح من المعقول أن نقوم بدراسة ما إذا كان تطبيق إجراءات مطولة، وأقل تكلفة، وأقل صعوبة يمكن أن يؤدى إلى تحقيق نتائج مشابهة أم لا . كذلك يبدو من المعقول أيضا أن نقوم بدراسة ما إذا كانت أى خسارة لأى من المكاسب التي تتحقق خلال العلاج تستحق الاقتصاد في التكلفة أو مدى السهولة في التطبيق. ومع ذلك فإن معرفة ما يمكن إنجازه تعد مهمة لإختبار المعرفة السائدة وللرعاية الإكلينيكية أيضاً.

ومن أوجه القصور الرئيسية لتطبيق العلاج شديد القوة أو التأثير ما يتعلق بما يسمح به المستفيد منه سواء كانوا هم الأطفال أو الوالدين، أو أي طرف ثالث، حيث تعد فكرة العلاج المطول والمكثف للسلوك المنحرف غير مألوفة أو من المحتمل أن يقل قبولها وذلك قياساً بفكرة العقاب المطول للسلوكيات الإجرامية كذلك فغالبا ما يكون من الصعب كما يحدث مع العلاجات السائدة أن نبقى على الحالات التي تتلقى العلاج نظراً لإرتفاع معدلات التسرب وعدم الإنتظام في العلاج. ومع ذلك فإن مثل هذه المشكلات العملية تعد من ذلك النوع الذي يمكن التغلب عليه إذ يمكن على سبيل المثال أن ندفع بعض النقود للمرضى مقابل الإنتظام في الحضور والإشتراك في البرنامج العلاجي، ولا يجب                                                              

267

بالضرورة أن ندفع لهم مبالغ باهظة وخاصة إذا ما نظرنا لتكاليف الإضطراب السلوكي الذي لم يعالج بعد أى ما نتكبده من جرائه . ومما لا شك فيه أنه يمكننا أن نتبع إستراتيجيات أخرى للإبقاء على الحالات التي تتلقى البرنامج حتى نتمكن من متابعتها. وإضافة إلى ذلك فإن العلاجات الأكثر تأثيراً لا تترجم بالضرورة إلى جلسات علاجية أطول وأكثر عدداً وذلك للأسباب التي تناولناها سلفا. كما أن هناك حاجة ملحة إلى إجراء المزيد من البحوث والدراسات التي تهدف إلى إحداث التغير في ظل استخدام الأساليب العلاجية الأشد تأثيراً وذلك بشكل يفوق ما تم بالفعل. كما أن تقييم هذا الأمر يتطلب استخدام إختبارات متطورة وذلك لقياس مدى قدرة العلاجات السائدة على إحداث التغير في الإضطراب السلوكي الشديد.

2- نموذج القابلية للعلا Amenability - to - treatment model

يتضح من إستعراضنا لمعظم البحوث والدراسات التي تقوم على برامج التدخل أن أسلوبا أو تكنيكا معينا عند إستبعاد عوامل أخرى يكون هو المسئول عن معظم التغير أو الإختلاف والفروق التي تحدث. ويمكن تفسير ذلك كما يرى کاردین باس و آخرون (1990) Kazdin Bass et al عن طريق التركيز المقتصر على العلاج والفروق العلاجية كأساس للنتائج التي كشفت عنها الدراسات العلاجية .

ويعتبر نموذج الإذعاد للعلاج أن الطفل، والوالد، والأسرة يعدون بمثابة عوامل تتوسط آثار العلاج. وقد تم تصميم هذا النموذج في الأصل بغرض تحديد التدخلات التي يحتمل أن تؤكد نجاحها مع هؤلاء الأطفال الذين يعتبرون أكثر إذعانا وقابلية للعلاج. ويمثل المراهقون مضطربو السلوك مجموعة غير متجانسة وذلك فيما يتعلق بالإختلال في الأداء الوظيفي والمهارات التكيفية والعوامل المساعدة أو المصادر كالمساندة الأسرية مثلاً. وهناك العديد من الأدلة الواضحة التي تتضمنها تلك الدراسات والبحوث التي تناولت العوامل المساعدة                                                          

268

على حدوث الإضطراب السلوكي والعوامل المتعلقة بالوقاية منه وذلك فيما يتعلق بكل من الطفل والوالد والأسرة والسياقات المختلفة التي يمكن استخدامها لتحديد المراهقين الذين يحتمل أن يختلفوا في مدى إذعانهم أو قابليتهم للتغير .

ومن هذا المنطلق نلاحظ على سبيل المثال أن الأطفال الذين أظهروا سلوكيات مضادة للمجتمع وذلك في وقت مبكر من حياتهم مثلاً يكون من الأكثر إحتمالاً بالنسبة لهم أن يستمروا في سلوكهم المضاد للمجتمع خلال فترة مراهقتهم ورشدهم. كذلك فمن الممكن أن نقوم بتحديد العديد من المتغيرات التي قد تؤثر على قابلية المراهقين الذين تتم إحالتهم إكلينيكيا للعلاج من جراء إضطراباتهم السلوكية وإذعانهم للعلاج ومدى استجابتهم له، ويأتي في مقدمة تلك المتغيرات العمر الزمنى الذى بدأ فيه الإضطراب السلوكي والعديد غيره من السمات التي ترتبط بالطفل والوالد والأسرة.

ويعتبر نموذج القابلية أو الإذعان للعلاج أن الأطفال والمراهقين المضطربين سلوكيا يختلفون في درجات قابليتهم للعلاج واستجابتهم له. وعلى ذلك فإن مسألة من أين نبدأ يمكن أن تتحدد بالضرورة في هذا النموذج. وفي الوقت نفسه نلاحظ وجود العديد من النقاط الواضحة في النموذج من بينها تلك التي تتعلق بالبدء في تقييم أثر العلاج - وذلك بأسلوب منظم - على المراهقين والأطفال الذين يعدون هم الأكثر قابلية للعلاج والأكثر إستجابة له. ونحن نعرف بطبيعة الحال من خلال الدراسات التتبعية أن سيكوباثولوجيا الوالدين والخلافات الزوجية، والضغوط وإنخفاض المستوى الاقتصادي الاجتماعي للأسرة يبدو أنه من الممكن بالنسبة لها أن تتنبأ بالحد الأدنى من الإستجابة للعلاج وذلك على النحو الذي تناولناه من قبل. ويمكننا باستخدام مثل هذه المتغيرات تعيين مجموعة فرعية من الأطفال والمراهقين الذين إذا ما تعرضوا للعلاج فإنهم يستجيبون له بشكل جيد، ومن ثم تبدو عليهم تغيرات فعالة ودائمة في السلوك .

كذلك فمن الممكن الإسراع بحدوث التطور أو التقدم خلال العلاج وذلك باختيار المجموعة الفرعية التي يمكنها أن تستجيب بفاعلية للعلاج. ولا يعنى فحص                                                                     

269

                                          

الحالات التي تستجيب للعلاج إهمال تلك الحالات التي لا تستجيب له. ومع هذا فإنه مع تراكم المعلومات سوف نكون قد حققنا إنجازاً أساسيا إذا ما قمنا بانتهاج أساليب معينة لتقسيم المفحوصين حتى يتسنى علاج أى مجموعة فرعية بفاعلية .

كذلك وبمجرد أن يتم تحديد المجموعات الفرعية من الأطفال والمراهقين الذين يمكن أن يتقبلوا العلاج بشكل فعال يتم التركيز بشكل أكبر على أولئك الأفراد الأقل إستجابة للعلاج وهم أولئك الذين لا تتوفر لهم علاجات فعالة في الوقت الراهن .

ومن الجدير بالذكر أن هناك دراسات قليلة قد حاولت بشكل منظم التعرف على القابلية الفارقة للعلاج من جانب الأطفال. فنجد على سبيل المثال في إحدى هذه الدراسات وهي التي أجراها آدمز1980 Adams أنه قد قام بشكل عشوائي بإخضاع عينة من الجانحين المودعين بمؤسسات الأحداث تضم أربعمائة جانحاً من المراهقين للأساليب العلاجية المختلفة كالإرشاد، والعلاج الجماعي. كما استخدم إلى جانب هذه المجموعة مجموعة أخرى لم يتلق أعضاؤها أي أسلوب علاجي وبذلك فإنهم يمثلون المجموعة الضابطة بطبيعة الحال. وقد أظهر المراهقون الذين خضعوا للعلاج والذين تم تصنيفهم على أن لديهم قابلية واستجابة للعلاج وكانوا هم الأكثر ذكاء، والأعلى في القدرة اللفظية أو العددية، والأكثر حرصاً على العلاج، والأكثر إستبصاراً، ووعيا بمشكلاتهم، والأكثر إهتماما بحدوث التغير أظهروا قدراً من الإنتكاسة أو الإرتداد إلى السلوك الإحرامى يقل بدرجة دالة عن أقرانهم في المجموعة الضابطة. وفي المقابل كان المراهقون الذين خضعوا للعلاج ولكن لم تكن لديهم القابلية للعلاج أو الإستجابة له أسوأ من أقرانهم بالمجموعة الضابطة. ومن ثم فقد أوضحت هذه الدراسة فوائد وأهمية تعيين المراهقين طبقا لقابليتهم المحتملة للعلاج في التنبؤ بالنتائج الفارقة لهذا العلاج .

ومن ناحية أخرى فإن الإتجاه الذي يقوم على تعيين المراهقين المضطربين سلوكيا إلى قابلين وغير قابلين للعلاج يمكن أن يتكامل مع نتائج البحوث                                                                          

270

القائمة. وبذلك نلاحظ أنه يمكن أن يتم في دراسة ما تعيين المراهقين المضطربين سلوكيا وتصنيفهم إلى من هم أكثر قابلية أو أقل قابلية لبرامج التدخل العلاجي وذلك إستناداً على سمات معينة لأفراد العينة والفروض التي تدور حول التداخل بين الأسلوب العلاجي وتلك السمات المميزة لهؤلاء الأفراد. ومن ثم يستند تحليل آثار النتائج على تلك المقارنات التي تجرى على أفراد المجموعات الفرعية في إطار تقييم مدى إستجابتهم للعلاج كدالة لإذعانهم أو قابليتهم المفترضة للعلاج .

3- برامج التدخل التي تستند على أسس عامة

بعد الإضطراب السلوكي إضطرابا متعدد الأوجه حيث يتضمن مدى كبيراً من الأعراض، ومجالات إختلال الأداء الوظيفي والمشكلات الوالدية والأسرية. وبالنسبة للكثير من تلك الحالات التي يتم تشخيصها إن لم تكن معظمها يمثل الإضطراب السلوكي إضطرابا نمائيا عاما، بمعنى أن المجالات العديدة للأداء الوظيفى تتأثر سلبا به ومن الملاحظ في التطبيقات التقليدية للعلاج أنه يتم تطبيق برنامج معين للتدخل حتى يتم تغيير واحد من تلك المظاهر الهامة كالصراع النفسي أو تقدير الذات، أو العمليات الأسرية مثلاً وذلك بالنسبة للطفل، أو للنسق الذي يقوم فيه الطفل بأدائه الوظيفي، أو لكليهما، فنجد على سبيل المثال أن العلاج الفردي قد يركز على تعبير الطفل عن الغضب أو صراعه الذي لم يتم حله بعد، وقد يركز تدريب الوالد على إدارة الأسرة على أساليب تربية الطفل كأسلوب لإحداث التغيير في حالة حدوث الإضطراب السلوكي. ونلاحظ في تلك الأساليب العلاجية وفى الكثير غيرها وجود نموذج إدراكي أو تصوري معين يركز على مجال أو مظهر ما، وغالبا ما يكون هذا المجال أساسيا في مشكلة الطفل. وفى ضوء أوجه النقص أو القصور ومدى عمومية إختلال الأداء الوظيفي التي يمثلها الإضطراب السلوكي تصبح بؤرة تركيز معظم العلاجات المستخدمة ضيقة للغاية .


271

وفي هذا الإطار يعد نموذج برنامج التدخل الذي يرتكز على العديد من الأسس العامة بمثابة محاولة لتوسيع مدى عمومية أو مجال برامج التدخل لتناول مجموعة من المجالات التي ترتبط بإختلال الأداء الوظيفي للمراهق الفرد.

ويمكن إدراك مثل هذه العلاجات بأسلوب الوحدات modular Fashion الذي توجد فيه مكونات منفصلة كعناصر أو وحدات modules منوجة في أسلوب علاجی کلی متماسك. ويتطلب تطبيق مثل هذا النموذج خطوات منفصلة.

ويبدأ النموذج بتقييم الأداء الوظيفي للطفل في مجالات مختلفة مثل المنزل أو المدرسة أو المجتمع المحلى أو الإنحراف أو السلوك بين الشخصي أو الأداء الأكاديمي. ثم يتضمن العلاج إتجاهات أو مداخل متعددة مصممة لتناول مجالات الأداء الوظيفي التي تم تحديدها على أنها مجالات مشكلة. وقد تتضمن العناصر المدمجة التي تؤلف العلاج المقبول العلاج النفسى الفردى أو العلاج الذي يرتكز على أسس معرفية (المعرفي)، أو التعزيز الذي يرتكز على المدرسة، أو العلاج الأسرى، أو أسلوب العلاج الذى يرتكز على التدريب الوالدي.

وكنظرة تمهيدية عامة تسبق التعليقات التي سوف تأتى فيما بعد نجد أن المعالجين غالبا ما يقولون أثناء الممارسات الإكلينيكية أنهم يفعلون هذا بالضبط، أي أنهم قد يقومون بتحديد مجالات إختلال الأداء الوظيفى ثم يقومون بعد ذلك بتقديم العلاج اللازم لتلك المجالات. وكلما تم ذلك بأسلوب غير منظم ومفرط الحساسية وبطريقة غير تقييمية فإنه لن يتفق مع النموذج الذي نتناوله هنا .

ومن الجدير بالذكر أن هناك علاجات متعددة يتم دمجها معا بأسلوب الوحدات في البحوث والدراسات المختلفة حتى يتسنى تناول مجالات متعددة لإختلال الأداء الوظيفي. فعلى سبيل المثال قام ساترفيلد 4 Satterfield وزملاؤه (1987) بتقييم آثار العلاج على المدى القريب وعلى المدى البعيد وذلك على الأطفال ذوى النشاط الزائد الذين تتراوح أعمارهم بين 6 - 12 سنة فتمت مقارنة أسلوب العلاج الطبى بمفرده مع أسلوب العلاج متعدد الوحدات الذي يتضمن العلاج

272

الطبي والعديد من الإتجاهات العلاجية الأخرى كالعلاج النفى الفردى، والعلاج الجماعي والعلاج الوالدى والأسرى والعلاج التربوى educational والتعديل المعرفي للسلوك في المنزل. وقد اختلفت الأساليب العلاجية إستناداً على تقييم متطور لما تم الحكم فى ضوئه على كل حالة بأنها تحتاج إليه وذلك من جانب الفريق المختص بالعلاج. وأوضحت نتائج الدراسة التتبعية والتي استمرت تقريباً لمدة تسع سنوات بعد إنتهاء البرنامج العلاجي وجود معدلات أكثر إنخفاضاً بدرجة دالة إحصائياً لإلقاء القبض على هؤلاء الأشخاص في مخالفات أو جرائم، كما إنخفضت أيضاً بشكل دال إحصائياً معدلات إيداع الأطفال الذين خضعوا لبرنامج العلاج متعدد الوحدات في مؤسسات الأحداث وذلك قياساً بأقرانهم الذين خضعوا لأسلوب العلاج الطبى فقط . ومن ثم فإن هذه الدراسة توضح أهمية استخدام أسلوب العلاج متعدد الوحدات. إلا أنه مع ذلك لم يتم بعد تخصيص أو تحديد القواعد التي تتعلق بالتعامل مع مثل هذه الوحدات أو العناصر وتدعيمها، وهو ما سوف يجعل تطبيق مثل هذه البحوث والدراسات أمراً صعبا.

وهناك أمثلة أخرى توضح حدوث الدمج بين أساليب متعددة للعلاج إستناداً على تقييم الحالة الفردية ومجالات إختلال الأداء الوظيفي. وقد ذكرنا عند استعراضنا لأساليب العلاج أحد هذه الأساليب وهو العلاج متعدد الأنساق multisystemic therapy والذي يستخدم مجموعة من الأساليب العلاجية للطفل كفرد، أو للوالد، أو للأسرة. ومن أمثلة ذلك إستخدام كل من التدريب على مهارات حل المشكلات، وتدريب الوالد على إدارة الأسرة، والعلاج الزواجي والعديد من البرامج الفردية التي يتم استخدامها في تعديل أو تغيير مجالات المشكلة كالعلاقات بين الأقران على سبيل المثال. ونلاحظ هنا أيضا وجود معالم إرشادية تساعد على تقرير متى يمكننا إستخدام أي من هذه الأساليب العلاجية، وبأني مقدار، ولاى الأفراد والأسر. ومن ثم فإن إستخدام الأساليب العلاجية متعددة الجوانب والتي تم تصميمها لتناول العديد من المجالات التي تمثل إختلالات في الأداء الوظيفي يعد تقدماً كبيراً في هذا المجال.

273

ولا تعد فكرة إستخدام العلاجات التي ترتكز على مجالات عامة أو العلاجات متعددة الجوانب بمثابة موافقة على فكرة الإنتقائية فى العلاج - أي القيام بالإنتقاء من كل الأساليب الأخرى وذلك لما يعد هو الأفضل - والتي تستخدم في ضوئها البرامج المتعددة للتدخلات لتلبى الإحتياجات الفردية المفترضة للمريض. ونادراً ما تكون هذه الحاجات المفترضة معروفة، أو يتم تقييمها بشكل منظم، أو تستخدم كأساس يتم فى ضوئه الإختيار أو الإنتقاء من بين العلاجات النفسية المتعددة والعلاجات الطبية التي يمكن إستخدامها. كذلك فإن تكتيل الفنيات العلاجية أو إستخدام مجموعة منها معا غالبا ما يتم بشكل عشوائي مع الإجراءات المتعددة التي يتم إختيارها بسبب جاذبيتها الحدسية وصدقها الظاهري أو مدى شرعيتها أى قدرتها على الوفاء بالمتطلبات وليس إستناداً إلى نظرية معينة أو بحث بعينه .

ومن الملاحظ أن حدوث إئتلاف بين الأساليب العلاجية في النموذج الذي يرتكز على مجالات عامة له فى الواقع ما يبرره وذلك على أساس تقييم مجالات معينة سابقة على العلاج، وعلى أساس المحاولات المبذولة بغرض المواءمة بين إختلال الأداء الوظيفى فى مثل هذه المجالات والتدخلات البديلة التي ترتكز على تصور وإدراك أو وجود أدلة تؤيد مثل هذه التدخلات وتبرر اللجوء إليها .

وبوجه عام بلاحظ أن الهدف من دمج برامج التدخلات معا يتمثل في تناول أوجه أو مظاهر مختلفة لمشكلة السلوك المضاد للمجتمع. كذلك فإن لمثل هذا الدمج مبرراته على أساس تلك الأدلة التي تؤكد أن مختلف المجالات أو الجوانب تتعلق بالسلوك المضاد للمجتمع، ويمكن من خلالها التنبؤ بالسلوك المستقبلى المضاد للمجتمع، إلى جانب عدم توفر العلاجات الفردية المحددة بوضوح في الوقت الراهن والتي تؤدى بشكل ثابت إلى حدوث تحسن في مجال الإضطراب السلوكي، أو على أساس أنها تناقض مضمار تطوره على المدى البعيد .

274

كذلك فإن الدمج بين برامج التدخل يتطلب التفكير بعناية في هذا الأمر، والتعامل معه، والمبررات الإدراكية أو التطورية لتفادى أن يكون الأمر مجرد جمع مجموعة من الفنيات العلاجية معاً قد يتم تطبيق كل منها بشكل مقصود في مواقف مختلفة. ومن الواضح أن العديد من الأساليب العلاجية التي تستخدم في الوقت الراهن تعانى بالفعل من قصور في الأسس النظرية التي ترتكز عليها ومن ثم فإن دمج فنيات علاجية متعددة معا دون مراعاة لما يفترض أن يتم إنجازه من خلال إستخدامها وكيف يمكن تطبيق مثل هذه الفنيات يضاعف من المشكلة التي نكون بصدد التعامل معها ويجعل منها مشكلة مركبة .

هذا ويجب أن تتجه البحوث المستقبلية نحو مدخل أكثر شمولاً يتناول تدخلات متعددة، وأن يستر شد مثل هذا المدخل أو الإتجاه بالأدلة التي تؤكد أن الفنيات التي تشكل معاً مثل هذه الوحدة تؤدى إلى حدوث بعض التغير، وأن مجال التركيز في مثل هذه الحالة ينصب بشكل أكبر على المشكلة. وقد أظهر تطبيق هذا النموذج نتائج جيدة ومبشرة حيث نجد على سبيل المثال أن أحد برامج الوقاية والذى تم بالفعل فى ضوئه تطبيق العديد من البرامج الوقائية وذلك في العديد من الدراسات التي تم إجراؤها في هذا المجال، وهو ذلك البرنامج الذي يتضمن تدريب الوالد على إدارة الأسرة، والتدريب على المهارات الإجتماعية والتدريب أو التعليم الأكاديمي، وبرنامج التدخل داخل الفصل وذلك لتجنب حدوث الإضطرابات السلوكية. ويهدف ذلك البرنامج والذي أشرف عليه بيرمان وآخرون 1992Bierman et al إلى تجنب حدوث المشكلات السلوكية أو تفاديها عن طريق تقديم برامج تدخل وقائية. وبالطبع نلاحظ أنه عند إستخدامنا للأساليب العلاجية متعددة المظاهر أو الجوانب multifaceted فإننا لا نستطيع في نهاية البرنامج أن نقوم بتحديد أى مكون أو مكونات تعد هي المسئولة عن حدوث التغير أو التعديل السلوكي الذي يحدث. ومع ذلك فبمجرد أن يؤدى أسلوب علاجي من هذا القبيل إلى حدوث تغير يصبح من المهم أن نبدأ في تحليل إسهامات العوامل أو المكونات الفردية في هذا التغير .

275

4- نموذج رعاية الحالات المزمنة Achronic - care model

يركز النموذج التقليدي في العلاج على التدخل لمدة وجيزة، ويعتمد على حدوث التحسن بالنسبة للمشكلة موضوع الدراسة من خلال برنامج محدد للتدخل وذات مدة زمنية محدودة ومحددة. ويعتمد أسلوب العلاج الطبي على التعامل مع العدوى أو الإصابة وعلاجها وذلك باستخدام مضاد حيوى لمدة معينة ولتكن عشرة أيام على سبيل المثال. وقد يكون هذا التدخل القصير أو الوجيز محدود المدة فعالاً بالنسبة للكثير من حالات العدوى أو للكثير من الإصابات .

ومع ذلك فإننا يجب أن نهتدى بنموذج مختلف عند التعامل مع الإضطرابات السلوكية، فإذا كان المرض المزمن على سبيل المثال يحتاج بطبيعته إلى عناية ورعاية طويلة المدى، وأن هناك بطبيعة الحال العديد من الأمراض المزمنة فإننا هنا في هذا المجال أيضاً يجب أن نميز بين مختلف النماذج التي يمكن إستخدامها للعلاج إستناداً على خصائصها المختلفة، والأسباب الرئيسية المؤدية للمشكلة موضوع الدراسة، والإستجابات التي يبديها أفراد العينة لمثل تلك البرامج. ويمثل البول السكرى diabetes أحد تلك الأمراض العديدة، وهو معروف نسبيا ويعد في الوقت ذاته أحد الأمراض التي تتضح فيها الأمور التي تنطبق على الإضطرابات السلوكية. ويعتبر في ذات الوقت أحد الأمراض ذات المظاهر والإختلافات المتعددة. ويتضمن هذا المرض ببساطة شديدة إفراز الأنسولين بكميات غير كافية، ويتم النظر إليه على أنه حالة مزمنة. ويستند العلاج في هذه الحالة على أساس أن الشخص يعانى من حالة تتطلب عناية مستمرة وترويض وعلاج. ومن غير المتوقع من علاج فعال كالأنسولين يتم إستخدامه لمدة محددة أن يؤدى بعد إنتهاء تلك المدة إلى تخفيف حدة المشكلة.

وتؤكد البحوث والدراسات في مجال الإضطرابات السلوكية أن الإضطراب السلوكي يشبه بدرجة كبيرة جداً الحالة المزمنة وذلك فيما يتعلق بتطوره، والمضمار الذي يسلكه في هذا التطور. كما أن إختلال الأداء الوظيفي له أثر كبير خلال مرحلتي الطفولة والمراهقة حيث يؤثر على السلوك في المنزل والمدرسة، وفي                                           

276

المجال بين الشخصي والأكاديمي والمعرفي، كذلك فإن له أثره أيضا خلال مرحلة الرشد وذلك فيما يتعلق بالتوافق النفسي والاجتماعي والمهني. وقد يكون من المفيد بدرجة كبيرة أن ننظر إلى الإضطراب السلوكي على أنه حالة مزمنة تتطلب إستخدام برنامج للتدخل إلى جانب التوجيه المستمر، والتقييم وذلك على مدى حياة الفرد.

وعندما تتم إحالة الطفل إلى المستشفى أو العيادة النفسية يتم تقديم العلاج له والذي إما أن يكون بالأسلوب العادى (النموذج التقليدي) أو يستند إلى نماذج أخرى كنموذج التدخل شديد القوة أو التأثير، أو نموذج التدخل الذي يستند إلى أسس عامة والتي تمت الإشارة لهما من قبل. ومن المعروف أنه وفقا لنموذج رعاية الحالات المزمنة وبعد أن يتم التحسن يتم التوقف عن العلاج مؤقتاً بدلاً من الإستمرار فيه حتى نهايته. وعند هذه النقطة تبدأ مراقبة الطفل أو المراهق بشكل منظم وذلك باستخدام مقاييس مقننة، وبشكل مستمر أيضاً أي كل ثلاثة شهور مثلاً. ويتم تقديم العلاج إستناداً على تقييم البيانات أو إستنادا على الأمور الطارئة التي تثيرها الأسرة أو المعلمون أو الآخرون. هذا ويمكن تشبيه نموذج العلاج والمراقبة أو الملاحظة بنموذج العناية بصحة الفم والأسنان وهو البرنامج الأكثر شهرة في الولايات المتحدة الأمريكية والذى يتم خلاله فحص الأفراد كل ستة أشهر، وبالتالي يتم التدخل إذا دعت الحاجة وكما تدعو الحاجة وذلك إستناداً إلى مثل هذه الفحوص الدورية .

وهناك برنامج آخر يرتبط بهذا البرنامج ولكنه في الوقت ذاته يعد برنامجا بديلاً له يعتمد على الإستمرار في العلاج بعد إنتهاء فترة العلاج الأولية. ويعمل العلاج الأولى على تقويم الأزمات والأداء الوظيفي المشكل. وبدلاً من إنهاء العلاج أو اللجوء إلى المراقبة المنظمة فقط يتم الإبقاء على الأطفال في برنامج علاج مستمر يقوم على جداول متباينة للجرعات. ومن ثم تستمر الحالات بشكل أساسي طبقا لذلك فى العلاج ولكن على أساس غير مكثف أو أقل في مدى                                    

277

التكثيف العلاجي. ويرى كوبفر و آخرون (1992) Kupfer et al أن هذا النموذج قد أثبت فعالية كبيرة في علاج الإكتئاب الدوري (المتكرر دوريا) بين الراشدين .

ومن الواضح أن إستخدام العلاج المتطور أو المتقدم باستمرار لا يتناسب مع الحالات التي تؤكد الأدلة المختلفة أن العلاج قصير المدى يعد فعالاً معها. وفي الواقع يعد العلاج قصير المدى متناسباً مع أسلوب علاج الأمراض الأكثر إزمانًا.

ويتطلب ذلك النموذج ملاحظة الأطفال الذين يحتمل أن يستمر لديهم إختلال الأداء الوظيفي حتى نتمكن من إعادة تقديم العلاج لهم كما تتطلب الحالة. ويعد ذلك تصوراً مختلفاً جداً لما تدعو الحاجة إليه فيما يتعلق بالعلاج. وفي ظل الضغوط المالية الراهنة التي تتعلق بالرعاية الصحية فإن هناك إنتقالاً حتميا بإتجاه تقليل كم الرعاية والعلاج. وغالباً ما تعكس البحوث والدراسات التي تتناول فحص برامج التدخل البديلة مثل هذا الضغط، وبذلك تسهم في إستمراره. وليس هناك أي سبب يدعو إلى الاعتقاد بأن الإضطراب السلوكي يتطلب علاجا لفترة وجيزة وإلا فمن الممكن أن تؤدى الأدلة الكثيرة المتاحة في هذا الصدد بنا إلى توقع ما هو أسوأ .

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا والذى يتمثل فيما يمكن أن نكسبه على وجه الدقة من جراء إستخدام نموذج رعاية الحالات المزمنة، يعكسه الواقع بما فيه من الكثير الذي يمكن أن يتحقق في هذا الصدد والذي يمثل مكسباً لنا. ففى البداية نلاحظ أن النموذج التقليدى لم يقر أن اللجوء إلى العلاج الذي يستمر لفترة وجيزة والذي يتسم بمحدودية الفترة الزمنية يمكنه أن يسيطر على الإضطراب السلوكي، ومع ذلك فإن العديد من برامج التدخل المعرفية، والسلوكية والأسرية والمجتمعية - غير تلك البرامج التي تناولناها سلفا يمكنها كما بری کاردین (1985) Kazdin أن تؤدى فرادى إلى حدوث التغير المنشود، أي يمكن لأى منها أن يؤدى بمفرده إلى حدوث ذلك التغير. إلا أن نتائج الدراسات التتبعية للعديد من الدراسات العلاجية غير متاحة للآن، ومع                                                                     

278

ذلك قد أوضحت النتائج المتاحة أن نتائج تتبع الحالات بالنسبة لبعض الأساليب العلاجية قد كشفت عن حدوث إنتكاسة للمرضى بعد إنتهاء العلاج نتيجة لأن الفوائد والمرايا التي حصلوا عليها من العلاج قد فقدوها بعد إنتهائه. ومع ذلك فإن الأمر قد يختلف مع نموذج رعاية الحالات المزمنة حيث تعد التغيرات التي حدثت على المدى الأقصر جيدة لأن العلاج لا يزال مستمراً على أساس معين وحسب مدى الحاجة إليه. وسوف يكون الإستمرار المتقطع للعلاج معقولاً حتى يتم التوصل إلى أساليب علاجية جديدة تستغرق مدة زمنية أقل ويكون لها آثارها الجيدة على المدى الطويل .

تعليق عام

من الواضح أن البحوث والدراسات التي تتناول برامج التدخل المتعلقة بالإضطرابات السلوكية قد تم تطبيقها بأساليب تتناقض مع ما نحتاج إليه لتطوير وتحديد التدخلات الفعالة. ويؤكد كازدین باس و آخرن (1990) Kazdin, Bass et al أن هذا ما تكشف عنه الدراسات العلاجية التي أوضحت مثل أوجه القصور تلك إذ نجد على سبيل المثال في مثل هذه الدراسات العلاجية أن كم العلاج بعد محدودًا، وأن الفترة الزمنية التي يستغرقها تعتبر وجيزة نسبيا حيث يستغرق ما بين ثماني إلى عشر جلسات في مجمله ومدة الجلسة لا تتعدى ساعة واحدة. وقد لا يكون ذلك إختباراً كافيا للعلاج شديد القوة أو التأثير. كذلك فإنه نادراً ما يتم فحص السمات المتعلقة بالطفل والوالد، والأسرة، وغيرها من السمات وذلك لتحديد أى الأطفال والمراهقين يعد هو الأكثر أو الأقل قابلية للعلاج أو استجابة له. ومن جانب آخر عادة ما يتم عقد المقارنة بين الفنيات العلاجية منفردة أى بين كل منها والأخرى وذلك بدلاً من دمجها معا في محاولة الإحداث زيادة في كم التغير العلاجي.

كذلك فإن الأساليب العلاجية التي تستند على أسس عامة لا يتم عادة فحصها. وأخيراً فإن قصر مدة العلاج والتي أشرنا إليها بالفعل، وعدم وجود مراقبة مستمرة كأساس للعودة بالأفراد إلى العلاج مرة أخرى تكشف عن عدم                                                        

279

اللجوء إلى نموذج رعاية الحالات المزمنة. ولكن إذا ما تم تحديد الأساليب العلاجية الفعالة باستخدام نظام تقييم النموذج التقليدى فى العلاج فلن تمثل مثل هذه السمات أو الملامح الخاصة بالبحوث العلاجية أى مشكلة. ومع ذلك فإن نتائج تلك البحوث وشدة الإختلال ومدى إنتشاره بين العديد من المراهقين المضطربين سلوكياً يعمل كباعث على أن نبذل العديد من المحاولات لتحديد المشكلة التي تنصب عليها بؤرة إهتمامنا وتركيزنا والخطوات التي يجب أن تتخذ في سبيل تصميم نموذج علاجي يتلاءم معها.

ومن الأكثر إحتمالاً بالنسبة لتلك البحوث التي أجريت في مجال الوقاية أن تتلاءم مع تلك النماذج التي عرضنا لها من قبل. وعادة ما نجد في مثل هذه الحالة أن نماذج التدخل تكون أطول في المدة الزمنية التي تستغرقها إن غالباً ما تتراوح بين سنة وثلاث سنوات كما ترتكز على أسس عامة حيث تركز على الأداء الوظيفي للطفل، والأداء الوظيفي الوالدى والأداء الوظيفي الأسرى وعلى السلوك التكيفي للطفل، وعلى الأداء الأكاديمي للطفل أيضاً. وغالباً ما تبدأ البحوث في مجال الوقاية بالاهتمام بالعوامل المتعددة المساعدة على حدوث الإضطراب السلوكي، ومن ثم تصبح بؤرة التركيز فيها ذات أساس عام. ومع ذلك فإن البحوث في مجال الوقاية تهمل العديد من السمات المميزة للنماذج التي عرضنا لها سلفا والتي يمكن أن تحدث تقدماً ملحوظاً في هذا المجال، إذ أنه نادراً ما يتم بذل أي مجهود لتحديد مدى القابلية للعلاج والتنبؤ بمن سيكون هو الأكثر قابلية لذلك العلاج والأكثر إستجابة له. كذلك فإن مثل هذه التدخلات قد تحتاج لأن تكون أطول من تلك البرامج ذات المدة المحددة والمحدودة والتي تتضمنها الدراسات الوقائية .

وقد تعتبر مثل هذه النماذج التي تعرض لها هنا نماذج غير عملية إذ نجد على سبيل المثال أن نموذج رعاية الحالات المزمنة كمرشد للعلاج أو الوقاية قد يبدو غير عملي أو غير ملائم. وهناك بالفعل العديد من المظاهر أو الأوجه المرتبطة بمشكلات الصحة النفسية والتي يمكن النظر إليها على أنها تتشابه مع الحالة المزمنة                                          

280

أو تبدو كذلك، ومن أمثلة ذلك نموذج علاج مدمني الكحوليات مجهولي الإسم ومن المحتمل أن يتم النظر إلى Alcoholics Anonymous treatment model الإكتئاب إكلينيكياً في هذا الإطار أيضاً. ومع أن الإكتئاب الشديد يتسم بحدوثه في نوبات تتفاوت في شدتها فإن هذا النمط في حد ذاته يعد مزمنا بالنسبة للعديد من الأفراد. وإلى جانب ذلك فإن الإضطراب السلوكي يعكس حالة مزمنة وأكثر ثباتا لدى الكثيرين، وقد لا يكون توفير العلاج المتطور والمستمر والعلاج الخاص برعاية الحالة المزمنة هو الخاصية أو السمة الأكثر حسما هنا إذ تتمثل السمة الحاسمة في تلك الحالة في تقييم مدى التقدم الذي يحققه المراهق دوريا سواء كان ذلك في المنزل أو المدرسة أو المجتمع المحلى وذلك لمراقبة مدى تقدمه في تحقيق التوافق وفي استخدام المعلومات لإعادة تطبيق العلاج. وإذا كان الأساس في علاج البول السكرى يتمثل في تقييم المدى الذي يمكن فيه للمريض أن يتحكم في مستويات الجلوكوز في الدم blood glucose levels وأن زيادة أو نقص أو تغيير العلاج يعتمد بشكل واضح على التغذية الرجعية لما يتم التوصل إليه من خلال عملية التقييم تلك، فإن تقييم مدى التطور الذي يحققه الطفل أو المراهق في مجال الإضطراب السلوكي لا يثير في الواقع مشكلات جسيمة أمام تطبيق أي نموذج مشابه .



السياسة الاجتماعية في مجال الإضطرابات السلوكية وخطوات تنفيذها


سوف نعرض خلال الصفحات التالية للسياسة الاجتماعية التي يجب إتباعها في هذا الصدد وكيفية تنفيذها من خلال الخطوات المتبعة في هذا السبيل وذلك على النحو التالي :

1 - الاعتماد على المعرفة Knowledge كأساس لبرنامج التدخل

يبقى هناك من وجهة النظر العلمية العديد من الأسئلة التي تتعلق بالإضطراب السلوكي. وبعد العديد من تلك الأسئلة بمثابة تساؤلات جوهرية من بينها ما یلی:


281

ما هي أفضل السبل التي يمكن إتباعها لتحديد الإضطراب السلوكي بمعنى تشخيصه وتصنيفه؟

- كيف تعمل العوامل المساعدة وعوامل الوقاية في هذا الصدد؟

من هم الذين يجب أن نقوم بتغيير الطريق نحو الإضطراب السلوكي كلية أمامهم؟

كيف يمكن الاستفادة من النظرية والتطبيق (البحوث) في هذا المجال خاصة وأن العديد من النتائج التي كشفت عنها الدراسات والبحوث التي تم إجراؤها والتي يبدو أنها لا تقبل المناقشة قد أصبحت الآن مجالاً خصباً للنقاش ؟

ومن ناحية أخرى فإن الأساليب العلاجية البسيطة التي نرغب أن نقوم باشتقاقها من النتائج العلمية غالباً ما تبتعد أو تحيد عن تلك النتائج نفسها. ومن هنا فإنه إذا ما أردنا أن نوضح ذلك سوف يكون من المفيد أن نقرر على سبيل المثال أن الفقر، وإساءة الاستخدام الجسمى للطفل، وتعرض الوالدين أو أحدهما للإضطرابات النفسية أو العقلية وهو ما يعرف بسيكوباثولوجيا الوالدين والعلاقات السيئة بين الأقران تعد جميعاً إضافة إلى غيرها من العوامل الأخرى بمثابة عوامل مساعدة تدفع بالطفل أو المراهق إلى الإضطرابات السلوكية. إلا أن هذا النمط من البساطة لا يعد مقبولاً قياساً بطبيعة ما نعرفه في هذا الجانب.

وفي الوقت ذاته فإننا نعرف كما كبيراً عن هذه المشكلة أو نعرفه جزئيا على الأقل، وهو ما يوفر لنا الأساس المنطقى المقبول الذي ننطلق منه إلى التطبيق وهو الأمر الذي يؤدى إلى آثار اجتماعية عديدة. إلا أن هذا الأمر لا يعد بمثابة النظر إلى الكوب (قاعدة المعرفة على أن نصفه فارغ أو نصفه مملوء. وغالبا ما تكون المعرفة غير الدقيقة أو غير التامة كافية كي تترك أثراً وتؤدى إلى حدوث التطور. وفي هذا الإطار نلاحظ على سبيل المثال أنه على الرغم من أن طبيعة عمليات الذاكرة قد تم تمحيصها على المستوى العصبي البيولوچی                                         neurobiological

282

فإن الصورة الكاملة لكيفية التخزين في الذاكرة وإستعادة ما تم تخزينه فيها، وتغييره أو تعديله عند هذا المستوى لم تتضح بعد، ومن ثم فلا يزال الأمر يحتاج إلى توضيح وفى الوقت ذاته فإن هناك قدراً كافيًا يعرفه الكثيرون عند مستوى مختلف يساعدهم على تخزين المعلومات واستبقائها، وإستعادتها وذلك بشكل أفضل وهو الأمر الذي يتعلق بنمط الممارسة، وإستخدام المخططات أو الصور العقلية لتشفير المواد المختلفة . ومع ذلك فإن هناك الكثير الذي يمكننا أن نقوم به في سبيل الحد من الإضطراب السلوكي بين الأفراد وفي المجتمع بشكل عام حتى حينما يحيطه الكثير من الألغاز من نفس أصوله وعملياته.

وقد التقى فريق من الخبراء من تخصصات مختلفة إضافة إلى خبراء من هيئات حكومية على هدف تمحيص قاعدة المعرفة تلك وإعطاء توصياتهم في هذا الخصوص. وفي نفس هذا الإطار قامت رابطة علم النفس الأمريكية بتكليفهم على سبيل المثال بإجراء دراسة عن العنف بين الشباب تم نشرها عام 1993 بعد أن إستمرت لمدة عامين، وتم كتابة التقرير النهائي الخاص بها في مجلدين. وانتهت تلك الدراسة إلى أن المجتمع يمكنه أن يتدخل بفاعلية في حياة الأطفال والمراهقين لكى يحد من أو يمنع إنغماسهم في العنف. وقد تضمن التقرير أيضاً العديد من الإقتراحات التي تمت دراستها بغرض توضيح الكيفية التي يمكن أن يتم ذلك بها .

وفيما يلى ملخصاً لفئات الأفعال actions التي يمكن القيام بها في هذا الصدد علما بأنه قد تم تناول كل فئة من تلك الفئات بالتفصيل حتى تتضح علاقتها بما تم معرفته من خلال البحوث والدراسات التي تم إجراؤها في هذا المجال عن العوامل المساعدة على حدوث الإضطراب السلوكي وبداية حدوث إختلال الأداء الوظيفي وبرامج التدخل التي يمكن اللجوء إليها. كذلك فإن ذلك الملخص يتضمن عرضاً لأهم التوصيات التي يتضمنها التقرير في سبيل تجنب حدوث العنف بين الشباب، وذلك على النحو التالي :

283

1 - توجيه برامج التدخل خلال مرحلة الطفولة المبكرة إلى الوالدين، والمهتمين بشئون الطفل، والقائمين على رعايته صحياً وذلك للإسهام في بناء الأساس الحاسم للإتجاهات والمعارف والسلوك التي ترتبط جميعها بالعدوان .

2 - اللجوء إلى البرامج الوقائية التي يتم تقديمها في المدرسة وذلك لمساعدة المدرسة على توفير بيئات آمنة وبرامج فعالة تعمل على منع إنتشار العنف بين الطلاب والوقاية منه .

3- زيادة المعرفة والإلمام بالتنوع الثقافي وإنغماس أعضاء المجتمع في تخطيط وتنفيذ وتقييم برامج التدخل المختلفة.

4- ضرورة أن تأخذ وسائل الإعلام دوراً فعالاً في حل مشكلة العنف وتطويقها وتطوير ما تقدمه من برامج حتى لا تكون مجرد عامل مساعد على حدوث تلك المشكلة بين الشباب.

5 - وضع حدود وقيود لإستعمال الأسلحة النارية الصغيرة من جانب الأطفال والمراهقين، وتعليمهم كيفية تجنب العنف الذي يترتب على استخدام مثل هذه الأسلحة النارية .

6- الحد من إنغماس المراهقين فى تعاطي الكحوليات وغيرها من العقاقير التي تعمل عملها حيث تعد عاملاً مساعداً على حدوث العنف بين المراهقين وكذلك الحد من العنف الموجه نحو المراهقين من جانب الأسرة.

7- تقديم خدمات الصحة النفسية لمرتكبي الجرائم من صغار السن، وضحاياهم، و شهود العنف حتى يتم تحنب سيرهم باتجاه الإنغماس في العنف فيما بعد وذلك بشكل أكثر خطورة.

8- تقديم البرامج التربوية الملائمة education Programs بغرض الحد من إلحاق الأذى بالآخرين والإعتداء عليهم، وهى البرامج التي تتناول العوامل المؤدية إلى التنفير من الجريمة والعنف ضد الجماعات الإجتماعية المختلفة .

9- بذل الجهود وتضافرها لتعزيز قدرة البوليس وقادة المجتمع على منع العنف                                                                            

284

من جانب العصابات الإجرامية التي يشكلها الأطفال والمراهقون وذلك عن طريق التدخل المبكر والملائم.

10 - ضرورة أن يقوم علماء النفس كأفراد وذلك من خلال الهيئات المهنية ببذل الجهود في هذا المجال والتي تعمل على الحد من العنف بين المراهقين.

وفي الواقع نلاحظ أن الوقاية من الإضطراب السلوكي ومن الإختلالات في الأداء الوظيفي بين الأطفال والمراهقين والراشدين قد نالت إهتماماً خاصاً وذلك بالرجوع إلى تلك التوصيات التي يجب أن يتم وضعها موضع التنفيذ. وفي هذا الإطار وجدنا على سبيل المثال أن مجموعة من الخبراء من المعهد الصحي الأمريكي التابع للأكاديمية القومية للعلوم - Institute of Medicine of the Nation al Academy of Sciences والذين يشكلون لجنة الوقاية من الإضطرابات النفسية قد قاموا بمراجعة التراث وما يتضمنه من بحوث ودراسات تتعلق بالأمراض النفسية والعقلية ومشكلات السلوك، إلى جانب ما يتضمنه من بحوث تتعلق بالاهتمام بالصحة النفسية وذلك لصياغة توصيات تتعلق بما يجب إتباعه من سياسات وبرامج في هذا الإطار 1994 ,Marzek & Haggerty. ومن الأمثلة الأخرى على ذلك ما قام به المعهد القومى للصحة النفسية National Institute Of Mental Health من مراجعة شاملة لتلك البحوث والدراسات التي تم إجراؤها في مجال الوقاية من الأمراض النفسية والعقلية والاهتمام بالصحة النفسية وذلك في برنامج يتعلق بالأنشطة العلمية بالمعهد، وأصدر تقريرا يلخص التطور الذي شهده هذا المجال، والأهداف التي تسعى البحوث الراهنة إلى تحقيقها، والحاجات المستقبلية لإستمرار هذا التطور بل والإسراع به (1993 ,Reiss) .

وتركز هذه التقارير الحديثة بوجه عام على ما يمكن إنجازه في سبيل تحسين أحوال المجتمع وتطويره. كذلك فقد تم تخصيص قدر أكبر من الإهتمام لما يمكن أن نحتاج إليه حتى نتمكن من تطوير قاعدة المعرفة وتطبيق ما نعرفه. وتؤكد التقارير في هذا الخصوص على أهمية تطوير البنية التحتية الحكومية - Infra structure لتدعيم الجهود المبذولة في سبيل الوقاية، ومن أمثلة ذلك تناسق الجهود من جانب مختلفة الهيئات وتمركز الجهود المبذولة بغرض الوقاية على                                   

285

هيئات جديدة. كما أنها تؤكد أيضاً على الحاجة إلى زيادة فرص التدريب للمختصين حتى يتمكن عدد كاف من العلماء والمراكز البحثية من توفير تلك الفرص التي نحتاج إليها، وتؤكد من جانب آخر على المتطلبات اللازمة لتحسين وتطوير البحوث والمشاريع البحثية للوقاية من مختلف المشكلات وعلى رأسها الإضطراب السلوكي. وتؤكد التوصيات الواردة في تلك التقارير وغيرها على الحاجة إلى البحوث الأساسية التي يتم إجراؤها حول أسس التوافق وسوء التوافق على أن تجرى مثل هذه البحوث والدراسات في مختلف فروع العلم والمعرفة والتي تتضمن العلوم الاجتماعية والسلوكية والبيولوجية، والصحية.

وتتضمن بالطبع عدة مجالات وإن كانت لا تقتصر عليها مثل مجالات علم الجريمة، وعلم الأوبئة والوراثة، وعلم الأعصاب، وعلم النفس، والطب النفسى والتمريض والخدمة الاجتماعية.

ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن التوصيات والتقارير التي تصاغ في هذا الإطار لا يتم في الغالب ترجمتها إلى سلوك فعلى وذلك لأن هناك العديد من الأمور والقضايا الاجتماعية التي تحتاج إلى تدخل إلى جانب الحاجة إلى وضع أولويات يتحدد في ضوئها أي من هذه الأمور والقضايا تحتاج منا إلى التركيز والاهتمام. كذلك فإن العديد من التقارير قد تنتهى إلى أن الجهود المبذولة والمرتبطة بالمجال موضوع الدراسة سوف تتطلب المزيد من المصادر، والدعم المالي، ومساندة الهيئات المختلفة، والعديد من البرامج التدريبية، وما إلى ذلك. وتعمل التحليلات الخاصة بما نحتاج إليه من الأرصدة المقترحة لتحقيق التقدم بوضع مثل هذه الحاجات في مقابل تكاليف المشكلة وغالباً ما توضح أن زيادة التكلفة المالية في الوقت الراهن سوف يثبت في النهاية أنها أقل تكلفة على المدى الطويل. وحتى عندما يحدث ذلك فإن هذا لا يعنى دائماً أن الأرصدة المالية اللازمة متوفرة في الوقت الراهن حتى يتم تحقيق الإستثمار وذلك بغرض الوصول إلى حل أفضل في هذا الصدد على المدى الطويل وهو الأمر الذي يمثل بطبيعة الحال أهمية كبيرة في هذا المجال.

286

ب - الوقاية والعلاج والمسئولية الاجتماعية

تؤكد التوصيات التي تدور حول إمكانية تحسين حالة الأطفال والمراهقين المضطربين سلوكيا على الوقاية إستناداً على تلك التطورات التي شهدها هذا المجال. ويتضح من منظور السياسة ومن المنظور البحثى أن الوقاية والعلاج غالبا ما يتم وضعهما جنبا إلى جنب بشكل تنافسي يفترض أن يكون أحدهما من خلال ذلك هو الأسلوب الأفضل للتعامل مع الإضطراب السلوكي المتمثل في السلوك العدواني والسلوك المضاد للمجتمع. وتعد زيادة الصعوبة في التعامل مع إختلال الأداء الوظيفي الأكثر شدة والمصادر المهية المحدودة لإتمام العلاج بمثابة أسباب رئيسية للتركيز على برامج التدخلات الوقائية المبكرة أي التي تحدث في وقت مبكر من حياة الطفل .

ومن وجهة النظر الخاصة بالحد من الإضطراب السلوكي أو تقليله هناك نقطة تبرر التركيز على جانب ما من الوقاية والعلاج على حساب الآخر. وتسهم مصادر التمويل المحدودة في هذا الصدد في إستقطاب Polarization الوقاية والعلاج. ومن ثم يجب أن نعيد النظر في مثل تلك المصادر التي نحتاج إليها . كذلك فليست الوقاية ولا العلاج أو أى نوع من الإتجاهات والتدخلات في تلك المجالات التي تتمثل في الوقاية الأولية وتدعيم أو تعزيز الكفاءة الاجتماعية يمكن أن نتوقع أننا إذ ما تناولناها بمفردها سوف تحل مشكلة العدوان والسلوكيات المضادة للمجتمع بين الأطفال. فعلى سبيل المثال نجد أنه من غير المحتمل أن تكون الوقاية الأولية ناجحة بشكل واضح وجلى لكل المدى الذي يتضمن السلوكيات التي يمكن أن تؤدى إلى الإضطراب السلوكي، ولجميع الظروف التي تساعد على حدوث العدوان حتى يتم تجنب العلاج. وسوف يقترح العديد من مؤيدي الوقاية أن هذا يعد بمثابة توقع مقبول .  

وكما لاحظنا في الفصل السابق غالبا ما يوجد حتى في تلك البرامج عالية الجودة قدر مناسب من الثبات في كيفية تطبيق البرنامج بشكل جيد أو بشكل                                                                     

287

ثابت، وكذلك في مدى الأثر الذى يتركه على الأطفال والمراهقين. ومع ذلك فلا يزال يوجد الكثير من المراهقين ممن يقدم لهم البرنامج بشكل جيد وفعال ينغمسون في الأفعال المختلفة الدالة على الإضطراب السلوكي حتى وإن حدثت بمعدلات أقل مما يحدث بين أقرانهم المشاركين في المجموعة الضابطة التي لم تخضع لبرنامج التدخل. ومن الجدير بالذكر أن هناك نواحي قصور توجد في الأساس وتتضح عند الممارسة والتطبيق وتتجلى فيما يتركه البرنامج من أثر على أولئك الأطفال والمراهقين الذين يتم تطبيقه عليهم. وهذا بطبيعة الحال لا يمثل جدلاً ضد الوقاية ولكنه بدلاً من ذلك يعمل على توضيح أن الأمر لا زال يحتاج إلى جهود إضافية تتطلبها برامج الوقاية حتى تكون لها آثارها ذات الدلالة التي نرغب دوما في تحقيقها .

ومن ناحية أخرى فإن المحاولات المتعددة المرتبطة ببرامج الوقاية إضافة إلى مجموعة الإتجاهات أو المداخل التي تستخدم في هذا الإطار تعد أساسية في الحد من الإضطرابات السلوكية خلال مرحلتى الطفولة والمراهقة. وكبداية فإن برامج الرعاية الخاصة بالأمهات والتي تستخدم على نطاق واسع، وبرامج التدخل الخاصة بالأطفال والموجهة في سن مبكرة من حياة الطفل نحو العوامل المساعدة على حدوث سوء التوافق، وهى تلك البرامج التي تتضمن تغذية الأم، ورعاية الطفل الرضيع وتربية الطفل وتنشئته والتعليم المبكر يمكن أن يكون لها كما يرى زجلر وآخرون (1992) Zigler et al آثار كبيرة وعديدة على كل من الأم وأبنائها وذلك لمدة طويلة. وتركز مثل هذه البرامج على مجموعات العوامل المساعدة والتى تؤدى بطبيعة الحال إلى حدوث آثار عكسية. كذلك فإن البرامج التي يتم تقديمها لكل من الأطفال والمراهقين في المدارس وذلك على نطاق واسع لها أهميتها في تدعيم وتعزيز الكفاءة الاجتماعية الإيجابية ومقاومة الضغوط الداخلية وضغوط الأقران التي يمكن أن تؤدى إلى السلوك المضاد للمجتمع. ولا يجب بالضرورة لتلك البرامج التي تقدم على نطاق واسع أن تحل محل برامج التدخل الأكثر تركيزاً على المراهقين الذين يعتبرون معرضين للخطر                 

288

بدرجة كبيرة أو الذين يبدون دلائل مبكرة للسلوك المضاد للمجتمع. وهنا تصبحمهمتنا هي تحديد قدر مبكر من برامج التدخل والمواقف التي يمكن أن يتم تطبيقها فيها، والأعمار الزمنية التي يمكن لمثل هذه البرامج أن تكون مؤثرة وفعالة خلالها، وما إلى ذلك .

ومما لا شك فيه أن الوقاية والعلاج يعتبران في إطار هذه العملية بمثابة جزأين متممين أو مكملين لبعضهما البعض، ويقومان على الإعتمادية المتبادلة فيما بينهما، ويتحدان في إسهامهما في تنمية السلوك الإجتماعي بين الأطفال والمراهقين. أما التكلفة المالية لمثل هذه البرامج فليست بالضرورة مكلفة بالدرجة التي يراها البعض نظرا لأن الوقاية تجنبنا اللجوء إلى العلاج، ولأن فرص التدخل البرامجي على نطاق واسع تعد مطلوبة لتحقيق آثار دالة على المشكلة الاجتماعية التي يمثلها السلوك العدواني والسلوك المضاد للمجتمع من جانب الأطفال والمراهقين والتي تعتبر من المشكلات المرهقة للمجتمع ومن ثم تكبده تكاليف باهظة .

ج - ما وراء الوقاية والعلاج

تعد الجهود المبذولة في سبيل الوقاية والعلاج غاية في الأهمية، إلا أنها يجب مع ذلك أن توجه نحو تذليل العقبات التي تعج بها الحياة اليومية. ومن الواضحأن هناك فرصاً متعددة للحد من أثر العوامل التي يمكن أن تسهم في حدوث المشكلات السلوكية والعدوان بشكل عام. فنجد على سبيل المثال أن اللجوء إلى العقاب البدني في تربية الطفل وفى النظام المدرسي والعنف الذي تعرضه وسائل الإعلام وخاصة التليفزيون والسينما والممارسات الاجتماعية التي تسمحبالعنف والعدوان وتسهل حدوثهما وتتغاضى ضمناً عنهما كالسماح بحمل السلاحعلى سبيل المثال تعد جميعاً بمثابة بعض الممارسات التي ترتبط بقضية العدوان والسلوك المضاد للمجتمع. وكأمر يرتبط بالسياسة الاجتماعية فنحن نتناول بعض المعطيات التي تتمثل في مجموعة من العوامل والممارسات التي توجد بالمجتمع               

289

وتسهم بأساليب دالة في حدوث العدوان والسلوك المضاد للمجتمع. وبذلك فإن مثل هذه العوامل تتطلب أن نقوم بتفحصها في علاقتها المرتبطة بالسياسة المتعلقة بترويض الطفل ورعايته والاهتمام به .

وفي هذا الإطار نلاحظ أن اللجوء إلى العقاب الجسمى المتمثل في العدوان البدني على الطفل على سبيل المثال يتم النظر إليه على أنه يساهم في عدوان الطفل. وبعد الاستخدام الموسع للعقاب البدني بمثابة أحد المعطيات التي توجد في المجتمع - سواء فيما يتعلق بالوالدين أو بالمدرسة - والذي يجب أن نضع له حدا وأن نقننه إذا ما أردنا أن نحد من العدوان ومن السلوك المضاد للمجتمع . ویری جریفن 1992Greven أن هناك عدداً من الدول مثل النمسا والدانمرك وفنلندا والنرويج والسويد قد قامت بالفعل بمنع العقاب البدني خلال تنشئة الطفل وتعويده على النظام سواء في المنزل أو المدرسة. ومن ثم فإن الجهود الاجتماعية التي تعمل على الحد من العدوان والعنف وذلك على نطاق واسع لا تعتبر أقل أهمية من برامج التدخل التي نقوم بتصميمها وتطويرها وتطبيقها وتقييمها على نطاق ضيق وذلك في محاولات للوقاية والعلاج.

ومن هذا المنطلق يجب أن تعمل على تحجيم العوامل التي تؤثر على حدوث العنف كالسيطرة على استخدام الأسلحة، ووضع حدود لكم العنف المسموح به على شاشات التليفزيون، والإقلال من عرض أفلام العنف ونجوم مثل هذه الأفلام الذين يتسمون بالعنف، وهو الأمر الذي غالباً ما تتم مناقشته في وسائل الإعلام وفى المباحثات الخاصة بالسياسة الاجتماعية. ومع هذا فإن المحاولات التي تبذل في سبيل الحد من العدوان والعنف في الحياة اليومية عادة ما تكتنفها صعوبات خاصة لأنها غالباً ما تصطدم بحقوق دستورية معينة أو بإدراك وتفسير مثل هذه الحقوق. وهناك عقبة تعتبر هي الأكثر صعوبة عند وضع السياسة قد تنبع من تلك التفسيرات الأكثر بساطة للمؤثرات والعوامل الفردية. فقد يثار على سبيل المثال الجدل حول فرض السيطرة المحكمة على استخدام الأسلحة كأسلوب يؤثر على العدوان والعنف ويحد منهما، إلا أن الجدل المعياري المضاد في              

290

هذا الصدد يتمثل في أن وجود الأسلحة وسوء إستخدامها هو المسئول نسبيا عن بعض العنف أو أنه ليس هو السبب الوحيد أو الرئيسي الذي يؤدى إلى العدوان في المجتمع. ولكن مثل هذا المنطق يتطلب من منظور السياسة تحليلاً أكثر حسما .

ومن الجدير بالذكر أنه ليس هناك مؤثراً واحداً فقط يعد هو المسئول عن العدوان أو السلوك المضاد للمجتمع أو أنه هو الذي يؤدى إليهما. وبالتالي قد يكون من المفيد أن نتخيل أو نصور المدى الكامل للمؤثرات في ضوء نموذج العوامل المساعدة الذي يتضمن العديد من المؤثرات والعوامل التي تسهم في حدوث جانب من هذه النتيجة، وفى مثل هذه الحالة يكون الناتج هو المستوى الكلى للعدوان ونمطه في المجتمع.

ونحن في الواقع لا نبحث عن مسببات أو أسباب فردية بسيطة، ولكننا بدلاً من ذلك نهدف إلى تحديد المدى الكلى لهذه المؤثرات. ومن هذا المنطلق نجد أنه حتى العوامل ذات التأثير القليل في النتيجة أى) التي تكون قيمة بيتا الخاصة بها في معادلة الإنحدار صغيرة يمكن أن يكون لها أهميتها فيما يتعلق بالتأثير الاجتماعي. وفى ضوء نموذج العوامل المساعدة هناك مؤثرات متعددة تتحد معا لتزيد من احتمال حدوث تلك النتيجة (العدوان). كذلك فهناك بعض العوامل القليلة التي يمكن أن تتحد معا وتضيف للنتيجة بشكل دال حتى وإن كان إسهام مثل هذه العوامل فرادى ضئيل. وإلى جانب ذلك فإن المؤثرات الفردية يمكن أن تتفاعل أو تتحد بشكل تعاونى مع مؤثرات أخرى وتؤثر بذلك في النتيجة بدرجة كبيرة. وإذا كنا فى الواقع نريد أن نقلل من العوامل المساعدة أو نحد منها فإن هذا لا يرجع إلى أن مثل هذه العوامل تعد هي سبب المشكلة، أو لأنها يمكن أن تؤدى إلى التخلص من المشكلة، بل لأنه سيكون لها تأثير واضح وملموس .

ويتضح من خلال العرض السابق بطبيعة الحال أن العوامل ذات التأثير القليل لها أهميتها على الرغم من تأثيرها القليل هذا، وهو ما يؤدى بنا إلى أن نتجه                                                             

291

بالمناقشة إلى ما وراء ذلك. وفى هذا الإطار نجد أن هناك العديد من العوامل التي يتم تنحيتها جانباً لأنها ذات قدر قليل من التأثير، ومع ذلك فقد يصبح لها تأثير قوى في الواقع، وهو ما يزيد من أهمية التركيز عليها، ومن أهمية التدخل سواء كان هذا التدخل وقائيا أو علاجياً. فعلى سبيل المثال نجد أن الجهود المبذولة لقمع العنف السائد والمستمر والمعروض تفصيلياً في وسائل الإعلام يواجه بمجموعة أخرى من المجادلات التي تركز على فوائد التليفزيون مثل التعليم، وعلى مسئوليات الآخرين كالوالدين في تحديد ما يشاهده الأطفال على شاشات التليفزيون. ومع ذلك فإن أى مجموعة من هذه المجادلات لا تناقض المجموعات الأخرى إذ أن أثر وسائل الإعلام على السلوك المضاد للمجتمع والسلوك العدواني قد تم تحديده كما يرى ستراسبورجر1995 Strasburger من خلال الوثائق، وأن هذا الأثر لا يعد بسيطاً أو قليلاً. ويمكننا في هذا الإطار أن نقول أن تسمية أو تصنيف الأنواع المختلفة من الأفلام أو العروض التليفزيونية القائمة على أساس مستوى العنف المعروض من غير المحتمل أن يكون بمثابة تدخل يمكنه أن يؤثر على أثر تلك الأفلام أو العروض، أو يؤثر على المشاهدين الذين تصل إليهم تلك الأفلام والعروض ولا تعنى مهمة الحد من العنف خلال مرحلتي الطفولة والمراهقة أن هذا المستوى فقط هو الذي يمثل بؤرة الاهتمام إذ أنه من المحتمل بالنسبة لمهمة الحد من العنف في كل المستويات الأخرى مثل إساءة إستخدام القرين، ووسائل الإعلام التي يتعرض لها الراشدون أن يكون لها أثر أكبر وأعم. ومع ذلك فإن هذا النمط من المناقشة يتجاوز ما وراء المسموح به أو حتى المرغوب بالنسبة للكثيرين في مجتمع يقوم على الحرية مثل المجتمع الأمريكي على سبيل المثال .

وفيما يتعلق بالسياسة من المهم أن يكون هناك التزام تشريعي و اجتماعي للحد من العدوان والعنف في المجتمع. كما أن برامج الوقاية والعلاج من النوع الذي عرضنا له سلفا خلال هذا الكتاب تعد مهمة، إلا أن أهميتها هذه تصبح محدودة                                         

292

إذا ما نظرنا إليها في ضوء السياق الأكبر للمجتمع. وهنا نرى مع إختلاف الظروف الاجتماعية والسياق الاجتماعي أن البرنامج الذي تم تصميمه في الترويج (1991 ,Olweus) للحد من التنمر أو الإستثساد على الأقران يمثل جهداً طيبا ومحاولة جيدة في هذا الصدد. ولا تعد تفاصيل ذلك البرنامج أو إمكانية تطبيقه على أقطار أخرى هي القضية هنا حيث المهم هو أنه يمثل نموذجا متعدد العوامل على مستوى السياسة العامة للدولة ويعمل على التخفيف من حدة المشكلة أو القضاء عليها. كذلك فإن الإلتزام على المستوى الذي يمكن أن يحرك القوى الاجتماعية لتؤثر على العنف والعدوان، أو تعبر عنه، أو تعرض له وفقا لنموذج معين يمكن أن يكون له أثره الفعال على تلك المشكلة .

ومن ناحية أخرى يجب بالنسبة للمؤثرات الاجتماعية بما تتضمنه من مصفوفة العروض المجتمعية والتشجيع والموافقة الضمنية على العدوان، وبما فيها من وسائل الإعلام على كافة المستويات يجب أن تتحرك بشكل أكثر تنظيماً وإتساقا وذلك على المستوى العام للمجتمع للحد من العدوان والسلوك المضاد للمجتمع والقضاء عليهما. ومن جديد نقرر أن هذا ليس هو الحل ولا يعد في الوقت ذاته إنعكاساً على سبب العدوان في المجتمع، ولكنه يعد بمثابة أسلوب يمكن أن يكون له أثره الفعال بشكل تدريجي في هذا الصدد.

وأخيراً فقد لاحظنا من خلال عرضنا لإختلال الأداء الوظيفي للأطفال والمراهقين وأسرهم أن عدد العوامل التي يمكن أن تؤثر على ظهور الإضطراب السلوكي يعتبر عدداً كبيراً، وأن مثل هذه الكثرة لا تشير إلى تعقد المشكلة فحسب، ولكنها في ذات الوقت تشير أيضاً إلى المجالات التي يحتمل أن يحدث فيها التدخل سواء الوقائي أو العلاجي حتى يحدث التغير المنشود ...


293

انظر المراجع من الصفحة 295 إلى 326 من الكتاب