مقدمة في علم الاجتماع التربوي



المؤلف: نبيل عبد الهادي

التصنيف: كتب أخرى

عرض PDF

الوصف:

نبيل عبد الهادي، مقدمة في علم الاجتماع التربوي، دار اليازوري العلمية، للنشر والتزويع، الطبعة العربية 2009، عمان الأردن.


  مقدمة:



تعد العلوم الإنسانية من العلوم المهمة التي تدرس سلوك الأفراد والجماعات واتجاهاتهم نحو المواقف الاجتماعية المختلفة ولذلك نجد الكثير من هذه الدراسات تشير إلى أهمية الظواهر الاجتماعية بصفتها جزء لا يتجزأ من الإنسان، فالاتصال والتواصل الإنساني يؤدي في المحصلة النهائية إلى تفعيل دور الفرد ضمن المجتمع الذي ينتمي إليه، ولذلك نرى بأن علم الاجتماعي يدرس الظواهر الاجتماعية ويحاول تفسيرها وتحليلها، في حين أن التربية تصف القيم والمعتقدات الاجتماعية الثقافية وهي التي تساعد على التكيف والتفاعل بين الأفراد وبيئاتهم الاجتماعية التي ينتمون إليها كما تعد التربية عملية اجتماعية طويلة الأمد، ولذلك جاء الكتاب دمجاً بين كل من علم الاجتماع والتربية، ولهذا يتوقع له أن يحقق الأهداف الآتية:

  1. يتعرف القارئ مفهوم الاجتماع.
  2. يتعرف القارئ مفهوم التربية.
  3. يحدد القارئ أهم العوامل التي تؤدي إلى تشكيل المجتمعات.
  4. يتوصل القارئ إلى العلاقة التي تربط بين التربية والمجتمع.
  5. يحدد القارئ البناء الاجتماعي والتنظيم الاجتماعي.


الصفحة 1

  1. يتعرف القارئ مفهوم الطبقة الاجتماعية.
  2. يتعرف القارئ أهم العوامل التي تؤدي إلى التغير الاجتماعي.
  3. يتعرف القارئ عمليات التفاعل الاجتماعي.
  4. يتعرف القارئ أهم أسس الثقافة.
  5. يتعرف القارئ أهم الأسس التي تشكل القيادات.
  6. يتعرف القارئ تحليل بعض المقالات الاجتماعية.

ولهذا فقد انبثق عن هذه الأهداف ثلاث عشرة وحدة كانت على النحو الآتي:

الوحدة الأولى تحدثت عن مفهوم نشأة علم الاجتماع، أما الثانية فقد كانت عن مفهوم التربية وأنواعها ووظائفها وضرورتها وعلاقتها بالعلوم الأخرى والفلسفات التي ترتبط بها. أما الثالثة فكانت بعنوان تعريف المجتمع والظروف التي أدت إلى نشوئه، الوحدة الرابعة تحدثت عن العلاقة بين التربية والمجتمع. والخامسة ناقشت مقومات البناء الاجتماعي. تحدثت عن الطبقات الاجتماعية ومفهوم تشكيلها، والسادسة ناقشت مفهوم الطبقات الاجتماعية، والسابعة كان عنوانها التغير الاجتماعي، والثامنة كان موضوعها التفاعل الاجتماعي والعمليات الاجتماعية، والتاسعة تحدثت عن مفهوم الثقافة والشخصية،والعاشرة حللت بعض الآراء والأفكار التي تتعلق بتشكيل القيادات الاجتماعية والسياسية، الحادية عشرة تحدثت وحللت البناء الاجتماعي لدى المجتمع الأردني كنموذج يمكن تطبيقه على النظريات الاجتماعية، الثانية عشرة تحدثت

الصفحة 2

عن مفهوم المؤسسات، والثالثة عشرة حللت بعض الأفكار الاجتماعية التربوية لبعض الباحثين والمفكرين.

الصفحة 3



الوحدة الأولى: نشأة علم الاجتماع وتطوره.



تمهيد:

يُعد علم الاجتماع من فروع العلم الإنسانية الذي يدرس الظواهر الاجتماعية ويحللها ويبين الأسباب والمسببات التي أدت إلى تشكيلها، وفي هذه الوحدة سنبين تعريفاً بهذا العلم وأهم الباحثين والعلماء الذين أسهموا في ظهوره إلى حيز الوجود، كما سنتطرق إلى خصائصه والمناهج المستخدمة في دراسته، وأهم الأدوات التي لها أهمية في جمع المعلومات.

من خلال عرض ما سبق نجد بأن لهذا العلم أهمية في تحليل الظواهر الاجتماعية، كما أنه يدرس الظواهر التربوية الاجتماعية الثقافية.

جهود ابن خلدون في توضيح موضوع علم الاجتماع ومنهجه: دراسة العمران البشري وما يطرأ عليه من تغير.

يعد ابن خلدون من رواد الفكر الاجتماعي، ولقد استفاد مما قرأه عن تاريخ العالم وما تعلق منه بالعالم الإسلامي بصفة خاصة لأن هذه الدراسات التاريخية قد اتجهت به إلى نتيجة معينة تتمثل في أن ما يحدث في العالم من ظواهر اجتماعية إنما تسير وفق قوانين ثابتة لا تقل ثباتاً عن القوانين التي تخضع لها الظواهر الأخرى، وهو اتجاه علمي يحاول علماء الاجتماع أن يتحققوا منه في وقتنا الحاضر.

كان ابن خلدون من طائفة العلماء الذين فهموا علم الاجتماع بأوسع معانيه فأدخل فيه بحث العمران البشري بجميع أنواعه، وما يتعلق منه بالبادية ويدخل فيه القبائل والأمم البدائية، وما يتعلق بالعمران الحضري، وما يدخل فيه من

الصفحة 6

بحث البلدان والأمصار، وبحث الدول والخلافة والملك، وبحث الصنائع ووسائل الكسب، وبحث الحياة العقلية وما تستلزمه من اكتساب العلوم (1).

 إن دراسة الحالة الاجتماعية للإنسان معناها دراسة الحضارة. وتشتمل هذه الدراسة عند ابن خلدون على معرفة الظواهر التي تتصل بالبيئة سواء أكانت بدوية أو حضرية، وأثر حياة البداوة أو الحضارة في طباع الناس وفي عقلياتهم، ثم دراسة نظام الأسرة والقبيلة، ودراسة العوامل التي تسمح لبعض الشعوب بالتفوق على غيرها وتؤدي إلى تكوين الإمبراطوريات وقيام الأسر الحاكمة، ودراسة الاختلافات في الطبقات وفي الحرف، وتقسيم هذه الأخيرة إلى حرف تدر الربح، وحرف تكفل العيش لأصحابها، وأخيراً دراسة العلوم والفنون وجميع التغيرات التي تنتج عن طبيعة الظروف المحيطة بالمجتمع، والتي تميز المجتمع بطابع خاص. 

هذا البرنامج الكامل الذي يضم جميع المسائل التي تتصل بحياة المجتمع يدل على مقدار فهم ابن خلدون الحقيقة الدراسة الاجتماعية وموضوع علم الاجتماع (2).

1- فدراسته للعمران البشري بوجه عام تتناول تأثير البيئة، وتتصل بما نعرفه اليوم  (المورفولوجيا الاجتماعية  Morphologic Social )، أو(الايكولوجيا  الإنسانية Human Ecology).


الهوامش:

1-  عبد الهادي الجوهري ، أصول علم الاجتماع، (ص 40).

2-  عبد الهادي الجوهري ، أصول علم الاجتماع، (ص 46).

الصفحة 7

2- دراسته للعمران البدوي والعمران الحضري تتناول نشأة الظواهر الاجتماعية وتطور المجتمعات من الحالة الفطرية إلى الحالة المدنية. وهذه الدراسة تقترب مما نعرفه اليوم باسم علم الاجتماع الريفي Rural Sociology وعلم الاجتماعي الحضري Urban Sociology .

3- دراسته (للدول والخلافة والملك)تتناول النظم السياسية للمجتمعات، وتتصل بما نعرفه اليوم باسم علم الاجتماع السياسي.

4- دراسته (للصنائع والمعاش والحرف) تتناول النظم الاقتصادية وتتصل بفرع هام من علم الاجتماع الحديث هو علم الاجتماع الاقتصادي.

5- دراسته للعلوم والفنون تتناول النواحي الفكرية والثقافية وتدخل فيما يعرف اليوم بعلم الاجتماع الثقافي.

وأكد ابن خلدون كذلك أن الحياة الاجتماعية ظاهرة طبيعية، أي أن الإنسان لا يمكنه العيش من دون مجتمع، كما بين أن الحياة الاجتماعية تتأثر بظروف الوسط الجغرافي والمناخ، والإنسان في نظره هو الكائن الوحيد الذي لا يستطيع أن يعيش من دون سلطة تنظم حياته، فمن دون السلطة يعم الاضطراب والفوضى، لأن الغرائز الخبيثة تتفوق على النزعات الطيبة لدى الإنسان. والسلطة في المجتمع تنبعث في الأصل عن القوة، وهذه القوة تكون لدى الجماعات التي تتصف بالشجاعة والترابط والوحدة والصبر على الشدائد، وتتحقق هذه الصفات عند الجماعات التي تعيش على البداوة والتقشف. وقد استشهد ابن خلدون على صدق رأيه هذا بأن الغزوات الكبرى في التاريخ قد حدثت على يد جماعات تعيش على البداوة أو شبه البداوة كالعرب والتتاز إلخ...

الصفحة 8

ولكننا نستطيع اليوم أن نقول إن هذه الظاهرة ليست قاعدة ثابتة، بل أن الأمر قد تغير بعد زمن ابن خلدون مباشرة، فبمجرد أن ظهر اختراع البارود والأسلحة النارية لم يصبح التفوق السياسي للقوة والشجاعة، بل أصبح في جانب القوة المادية.


_ جهود أوجست كونت في توضيح موضوع علم الاجتماع ومنهجه :

أ_ دراسة البناء والتغير الاستاتيكا والديناميكا الاجتماعية) .

يُعد أوجست كونت العالم الفرنسي مؤسساً لعلم الاجتماع بعد ابن خلدون، والمجتمع كما عرفه عبارة عن مجموعة من الأفراد ينشأ بينهم نظام تقسيم العمل ويتعاون الجميع في سبيل تحقيق أهداف مشتركة دون إغفال السعي وراء بعض الأغراض الفردية. وهذا التعريف يجعل من المجتمع حقيقة خارجية يمكن دراستها عن طريق الملاحظة الخارجية كما يدرس أي نوع من الحيوان أو النبات.

وقد قسم كونت دراسة المجتمع إلى قسمين كبيرين : الاستاتيكا الاجتماعية أي دراسة المجتمع في حالة الاستقرار والديناميكا الاجتماعية (أي دراسة المجتمع في حالة التطور).


فكل مجتمع لا يقوم إلا بوساطة نظم وقوانين تتعاون على حفظ ودراسة هذه النظم والقوانين من حيث هي أو بحالتها الراهنة، هي ما يسمى بالاستاتيكا الاجتماعية.

ومن جهة أخرى فإن المجتمع لا يظل على حالة واحدة بل له تاريخ مثل الكائن الحي تماماً ونحن إذا درسنا هذا التطور في المجتمع ومراحله واستخلصنا قوانينه فإن دراستنا هذه تكون دراسة ديناميكية.

الصفحة 9

ب _الاستاتيكا الاجتماعية

نستطيع أن نستخلص من كتابات كونت في الاستاتيكا الحقائق الاجتماعية الآتية:

أولاً : المجتمع يتكون من أفراد. ولكن هؤلاء الأفراد لا تدعوهم إلى الاجتماع غريزة الأنانية. فالفرد يتمتع بجانب نزعاته الأنانية بشيء كثير من عواطف الإيثار وحب الغير، وهذه العواطف لها تأثير كبير في تماسك المجتمع. فالدعامة الأساسية لقيام المجتمع هي مبدأ التعاون.

الديناميكا الاجتماعية

ثانياً: بالرغم من أن المجتمع يتكون من أفراد إلا أن الفرد ليس هو الخلية الحقيقية للمجتمع بل أن خلية المجتمع الأولى هي الأسرة لأنها بطبيعة تكوينها وبما يسود فيها من مبدأ التعاون وتقسيم العمل عبارة عن مجتمع صغير. وهذه الحقيقة يجب أن تكون دائماً نصب أعين رجال السياسة. فإذا أرادوا تقوية روابط المجتمع وجب عليهم أن : يتجهوا أولاً نحو تدعيم نظام الأسرة.

ثالثاً: تتألف المجتمعات المركبة من مجموعة من الأسر تعيش على نظام تقسيم العمل وينشأ بينها نوع من التضامن كالذي ينشأ بين الأعضاء المختلفة في جسم الكائن الحي. فإن كلاً من هذه الأعضاء يعتمد على الآخر ويتعاون الجميع لغرض واحد هو الوصول بالجسم كله إلى حالة التوازن والكمال وهذه الحقائق توصلنا إلى فهم أشياء كثيرة: إذ نفهم على ضوئها السبب في قيام الحكومات في المجتمعات المركبة. فإن تقسيم العمل يؤدي بالعناصر المختلفة للمجتمع إلى التخصص كل في ناحية خاصة، فإذا ما اتجه كل فريق

الصفحة 10

وجهته الخاصة دون مراعاة ظروف المجتمع وحاجاته المتعددة نشأ عن ذلك تفكك وحدة المجتمع وانهياره. ومن هنا يكون واجب الحكومة حفظ النظم الاجتماعية وتقوية روح الوحدة وإحداث التكافؤ بين القوى المختلفة بحيث لا يطغى فريق على آخر . 

ويؤدي نظام تقسيم العمل إلى وجود الطبقات المختلفة، وهذه الطبقات تقوم من المجتمع مقام الأنسجة في جسم الإنسان ويميز كونت ثلاثة أنواع من الطبقات الاجتماعية.

          1 - طبقة العمال ورؤساء الصناعة، وهؤلاء يكونون طبقة يسميها كونت طبقة العمل المادي .

          2 - طبقة العلماء ورجال الدين والفلاسفة، وهؤلاء جميعاً يدخلون في طبقة يسميها كونت طبقة العمل العقلي.

          3 - أما الطبقة الثالثة فهي طبقة النساء والأمهات والزوجات ويعتبرها كونت طبقة العمل العاطفي والتأثير الخلقي.

ولم ينس كونت في نهاية أبحاثه في الاستاتيكا الاجتماعية أن يشير إلى حقيقة وهي أن النظم الاجتماعية والسياسية لمجتمع ما تستمد في الأصل من عاداته وتقاليده والأفكار السائدة فيه. وعلى ذلك فإن أول شرط للوجود الاجتماعي هو تحقيق نوع من الوحدة في العقائد والآمال. ويجب أن تنشأ هذه الوحدة أولاً داخل نطاق الأسرة ولا يتم ذلك إلا إذا اعترفت المرأة بأنها أقل من الرجل قوة ويجب أن تخضع له.

الصفحة 11

ج _الديناميكا الاجتماعية

لقد كان كونت شديد الاقتناع بأن علم الاجتماع يجب أن يستخدم في أبحاثه طريقة العلوم الطبيعية، وقد وصل إلى نظريته التي عرفت بقانون الحالات الثلاث، وقد حدد كونت صيغة هذا القانون في هذه العبارة بناء على طبيعة العقل الإنساني نفسها لا بد لكل فرع من فروع معرفتنا من المرور في تطوره بثلاث حالات متعاقبة : 

الحالة اللاهوتية (أو الخرافية) والحالة الميتافيزيقية أو (التجريدية)، والحالة الوضعية (أو العلمية).

أما الطور الخرافي فقد ساد في الاعتقاد بأن بعض الأشياء أو الحيوانات أو الأجرام السماوية لها روح ولها إرادة تتسلط بها على ما يحدث في حياة الإنسان وقد رأى كونت أن هذه العقيدة هي الأصل في نشأة الحضارات لأن الإنسان إذا قدس شيئاً احتفظ به وأحاطه بما يحميه من التلف.

وابتدأت ديانة تعدد الآلهة حين عدل الإنسان عن عبادة الأشياء ذاتها واستبدلها بأرواح خارجة عن الأشياء بحيث تستطيع أن تتحكم فيها. وقد ترتب على عقيدة تعدد الآلهة نشأة الروح الحربية بين الآلهة المختلفة وكان الناس ينقسمون تبعاً لذلك شيعاً وأحزاباً كل يتعصب لآلهته. وقد نشأت طبقة الكهنة ورجال الدين في ذلك العهد وكانت المعابد التي أقاموها النواة التي نشأت حولها المدن.

أما عهد وحدة الآلهة فيتميز بفصل السلطة الروحية عن السلطة الزمنية وفيه تحولت الروح الحربية إلى نوع من الاستقرار. أما العصر الميتافيزيقي(1)، فيرى كونت

الهوامش :

1- الميتافيزيقيا ما وراء الطبيعة.

الصفحة 12

أنه يبدأ بعصر النهضة وفيه بدأ تحطيم الروح الحربية لبناء الروح الصناعية على أنقاضها. وظهرت أول بوادر هذا التحطيم في النزاع الدائم بين البابا والأشراف، أي بين ممثل السلطة الروحية وممثلي السلطة الزمنية. ثم ما لبث أن ظهر الصراع داخل نطاق الدين فظهرت الحركة البروتستينية وهي في معناها الأصلي تدل على الاحتجاج على سلطة الكنيسة وتطالب بما للعقل من حق في الاقتناع بالعقيدة قبل التسليم بها. وقد ظلت هذه الروح تنمو ويغذيها المفكرون من أمثال فولتير وروسو ذوي التفكير الحر حتى انفجرت تحت ضغطها الثورة الفرنسية (1).

فالعصر الوضعي يبدأ - حسب ما يرى كونت - بالثورة الفرنسية وهو يتميز باستقلال التفكير الإنساني مما أدى به سريعاً إلى التقدم في الصناعة والفن والعلم. وقد قضت الثورة على النظم القديمة التي كانت تعوق تقدم الإنسانية فأصبح من الواجب أن تستبدل بنظم جديدة تتفق وروح العصر الوضعي.

جهود إميل دوركايم في توضيح علم الاجتماع ومنهجه :

أ_ دراسة الظواهر الاجتماعية

يعتبر إميل دوركايم من أبرز ممن ساهموا في نشأة علم الاجتماع، إذ كان له دور هام وأساسي في تحديد . موضوع العلم ووضع منهجه وطرق دراسته، وقد وضع دوركايم طريقة دراسة الظواهر الاجتماعية في كتابه {قواعد المنهج في علم الاجتماع} ويقول في مقدمة هذا الكتاب: {تهيمن على طريقتنا كلها فكرة واحدة وهي أن الظواهر الاجتماعية عبارة عن أشياء، يجب أن تدرس على أنها أشياء} (2)  و«الشيء»

الهوامش: 

1-  سناء الخولي، المدخل إلى علم الاجتماع، (ص 55).

2-  تقولا تيماشيف، نظرية علم الاجتماع طبيعتها وتطوره ترجمة محمد عودة، (ص 107).

الصفحة 13

بالمعنى الذي قصد إليه دوركايم هو ضد {الفكرة} . فهناك الفكرة وهي لا وجود لها إلا في رأس صاحبها، وهناك الشيء أي كل ما يمكن دراسته من الخارج وكل ما يمكن مشاهدته وملاحظته. يريد دوركايم ألا تكون الدراسات الاجتماعية دراسات مصدرها الفكر وحده بحيث يجلس العالم الاجتماعي أمام مكتبه ويتخيل نظاماً يحبك أطرافه في عقله ثم يقدمه بعد ذلك على أنه خلاصة أبحاثه العلمية، وإنما يجب أن تدرس الظاهرة الاجتماعية على أنها {شيء خارجي} تدرس بنفس الطريقة التي تدرس بها الظاهرة الطبيعية أو الكيميائية أو البيولوجية.

{فالشيء} إذن هو كل موضوع للمعرفة لا يصل إليه العقل إلا إذا خرج من انطوائه على نفسه وحاول فهمه عن طريق الملاحظة والتجربة وتستدعي هذه المعرفة أن يبدأ الباحث بالصفات الأكثر ظاهرية والتي تقع تحت حسه المباشر، ليتدرج منها شيئاً فشيئاً إلى الصفات الأخرى الأقل ظهوراً والأكثر عمقاً.

فدراسة الظواهر الاجتماعية على أنها أشياء لا يعني أكثر من أن نقبل على دراستها ونحن ندرك أننا نجهل حقيقتها، وأننا لا نستطيع أن نصل إلى كشف خواصها وأسبابها عن طريق التأمل بل عن طريق الدراسة الخارجية الموضوعية.

خصائص الظواهر الاجتماعية

عرف دوركايم الظواهر الاجتماعية بأنها طرق للسلوك والتفكير والشعور خارجة عن الفرد ولها من قوة التأثير ما تستطيع به أن تفرض نفسها على الفرد ونستطيع أن نستخلص من هذا التعريف صنفين أساسيين للظاهرة الاجتماعية (1).

الهوامش

1-  السيد الحسيني، مفاهيم علم الاجتماع، (ص (50).

الصفحة 14

الأولى: أنها خارجة عن الفرد، أي أنها ليست من صنع الفرد. فعندما يقوم الزوج أو المواطن بتأدية واجبات محددة تكون خارجة عن نطاق فرديته، وقد لا تكون مما لا يتفق مع طبيعة ومزاج الشخص، وهذه الواجبات قد رسمت الأفراد في حدود القانون وفي حدود العرف العام. وكثيراً ما يؤدي الفرد واجبه ويقوم بتبعات لا يعرف تفاصيل أصولها ونشأتها.

أما الصفة الثانية: فهي صفة الجبرية التي تتميز بها الظاهرة الاجتماعية، فالظاهرة الاجتماعية تفرض نفسها على الفرد سواء رغب أم لم يرغب، وقد تثبت الجبرية وجودها عندما يحاول الفرد الخروج على نظام المجتمع، وإذا ما حاول الفرد الخروج على قواعد القانون فإن القانون يصده، وأن هناك من الوسائل ما يكفل به المجتمع لنفسه إصلاح الخطأ الذي يقترفه الفرد ويكون الفرد مجبراً على التكفير بما اقترف.

أ_ المجتمع كمجموعة من الظواهر الاجتماعية:

هناك شروط يجب توافرها لتكوين المجتمع، وهي أن يسير الأفراد وفق قواعد وقوانين تنظم معيشتهم وأن تربط بينهم عادات واصطلاحات خاصة وأن يخضعوا أخيراً لقوة روحية أو مدنية هي مظهر السلطة في المجتمع. فلا يوجد مجتمع مهما كان يعيش في طور البداوة أو التوحش من دون قوانين وسلطة يخضع لها، ولا نعني بالقوانين القوانين المكتوبة إذ يكفي في ذلك «العرف»، وقد تتجلى السلطة في بعض المجتمعات البدائية في المكانة الخاصة التي يتمتع بها

الصفحة 15                                                                                                                                                                  

المسنون والشيوخ من أفراد العشائر دون أن تتخذ مظهراً رسمياً كما هي الحال في المجتمعات المتحضرة (1).

وعلى هذا الأساس يمكن القول أن المجتمع طائفة من الناس يخضعون لسلطة واحدة وتجمع بينهم تقاليد وعادات ونظم واحدة. هذه التقاليد والنظم هي ما يطلق عليه اسم الظواهر الاجتماعية فالظواهر الاجتماعية هي توافق في طرق التفكير والشعور والعادات، يؤدي إلى نظم وقواعد دينية وخلقية وتشريعية تتلاءم مع طبيعة المجتمع.

فالظاهرة الاجتماعية إذن أهم ما يميزها أنها عامة بالنسبة المجتمع معين سواء أكان هذا المجتمع صغيراً أو كبيراً. ومن السهل أن نلاحظ من مخالطتنا للطوائف المهنية أن لكل طائفة مظهراً عاماً تعرف به طريقتها في اختيار ملبسها، واللهجة الخاصة التي تتحدث بها، واستعمالها لبعض الكلمات دون غيرها، واتفاقها في الذوق ونوع الاختيار، كل ذلك يكاد يكون عاماً بالنسبة لأفراد الطائفة المهنية لا يشذ عنه إلا القليل من أفرادها.

       مناهج وأدوات البحث في علم الاجتماع

أ_ تعريف المنهج :

يعتبر مفهوم المنهج من المفاهيم التي لم يتفق على تحديد مفهومها وعلى ذلك فلا يعتبر غريباً أن نجد لها تعاريف تختلف باختلاف من يكتبون في هذا الموضوع.

الهوامش: 

1-  أحمد أبو زيد، البناء الاجتماعي، (ص 35)


الصفحة 16                                                                                                                                                                  

إن مفهوم منهج يتضمن معنيين أساسيين: أحدهما المنهج بمعناه الواسع والثاني المنهج بمعناه الضيق أما منهج البحث أو مناهج البحث بمعناها الواسع فتشمل كل ما يتعلق بعملية الدراسة العلمية في علم الاجتماع من نواح مختلفة يدخل ضمنها المنهج بمعناه أضيق كما سيتم توضيحه، أي أن المنهج بمعناه الواسع يشمل كل النواحي المتعلقة بالدراسة، مثل الطرق المختلفة للحصول على البيانات كاستخدام الملاحظة أو المقابلة الشخصية أو المقابلة البريدية وخلافها، ومثل طرق اختيار العينة المستخدمة في الدراسة وطرق اختيار وحداتها، والنواحي الأخرى التي قد يستخدمها الباحث في دراسته كالناحية . الإحصائية أو استخدام المقارنة والجداول والرسوم البيانية والخرائط والصور وإلى آخر ذلك ...

أما فيما يتعلق بمفهوم المنهج بمعناه الضيق فالمفروض في الدراسات التي يقوم بها علم الاجتماع أنها لا بد أن تقوم على أساس دراسة مجموعة من الأشخاص تعيش في مجتمع معين ضمن حدود مكانية معنية وفي مرحلة زمنية معينة، وقد يكون موقف الباحث من هؤلاء الأشخاص الذين يتضمنهم مجال بحثه وتحديده أو الإجابة على تساؤل على من منهم ستقوم الدراسة؟ هو الذي يحدد ما يعنيه المنهج بمعناه الضيق، فقد يرى الباحث أن تتضمن دراسة كل الأشخاص الذين يدخلون في مجال بحثه، ولا نعني بقولنا كل الأشخاص أننا لا بد أن ندرس بالضرورة المجموع كله، قد يحدث هذا، وقد نكتفي بدراسة كل . الأفراد عن طريق دراسة عينة منهم وكلمة عينة تعني أنها لا بد أن تكون ممثلة

الصفحة 17                                                                                                                                                                  

للمجموع وهي تعني أننا نفترض جوازاً أننا قد درسنا المجموع عن طريق دراسة العينة وهو ما يحدث في العادة في دراستنا للمجتمعات المختلفة (1) .

ب _ تعريف الأداة:

هي مجموعة من المقاييس التي يستخدمها الباحث المعرفة اتجاهات أو آراء العينة المراد دراستها. وتشمل الاستبيانات ومقاييس الاتجاهات والاختبارات الشخصية، والاختبارات المختلفة الأخرى كاختبارات القلق ومفهوم الذات. وتستخدم هذه الأدوات في الفرق الإنسانية المختلفة لتحديد ودراسة المتغيرات، وهذه الأدوات لا بد أن تعرض على محكمين مختصين في المجال الذي تبحثه حتى تتصف بالصدق والثبات والموضوعية. ويجب أن تكون الأدوات مطابقة لاتجاهات مجتمع الدراسة ومناسبة للبيئة التي تجري بها .

ومن أشهر الأدوات المستخدمة في الأبحاث الاجتماعية مقاييس الاتجاهات حول مشكلة معينة سواء أكانت اجتماعية أو سياسية أو مقاييس السيومتري لاكتشاف الأشخاص الصالحين للقيادة، والأدوار والمكانة الاجتماعية.

ج_ المناهج المستخدمة في علم الاجتماع:


الهوامش:

1- صلاح القوال، علم الاجتماع المفهوم والموضوع والمنهج، (ص 107).

الصفحة 18                                                                                                                                                                  

يمكن أن نعرف البحث الاجتماعي بأنه الطريقة المنظمة لاكتشاف حقائق جديدة أو التحقق من صحة حقائق قديمة، وآثارها والعلاقات التي تتصل بها وتفسيرها والقوانين التي تحكمها. وبذلك يهدف البحث الاجتماعي أساساً إلى فهم الحياة والوصول إلى مقاييس أوسع لضبط التصرفات الاجتماعية وتلك بعض الطرق المتبعة في إجراء البحوث الاجتماعية.

د_ المسح الاجتماعي:

بدأت حركة المسح الاجتماعي بمجهودات جون هوارد (1776-1790) الدراسة أنواع السجون والسجناء في إنجلترا وعدد من الدول الأوروبية حيث بدأ بجمع الحقائق والأرقام مباشرة من السجون والمسجونين فأحصى السجون وسجل أسماء أماكن وتواريخ وعدد المساجين ومرؤوسيهم كما أحصى طول مدة السجن وعدد المسجونين الذين تثبت براءتهم وقام بحصر شامل لأنواع الأمراض الذين أصيبوا بها نتيجة الأوضاع الصحية الرديئة كما قام بمسحالسجون المظلمة التي تحت الأرض.

ومن المسوح الاجتماعية الشهيرة الدراسة التي قام بها شارلزيوت المدينة لندن وظهر عنوانه الحياة والعمل لأهالي لندن وقد حدد يوت إطار بحثه هذا حيث وضع جميع العناصر التي تؤثر في الحياة الطبقة العاملة وعلمها وقد تضمن المعلومات التي تتعلق :

الصفحة 19                                                                                                                                                                  

بالدخل وساعات وظروف العمل الإسكان ومستويات المعيشة، وعدد الأطفال، حجم الأسرة بالنسبة لحجم ونمط السكن، نوع الأمراض وتكرار الإصابة بها، أوجه النشاط في أوقات الفراغ، وكثير من العوامل الأخرى، ولكي تكتمل صورة البحث استخدام الدراسات المقارنة في المسح الاجتماعي فقام بدراسة مقارنة للازدحام والدخل، وطول ووزن تلاميذ المدارس الذين من نفس السن في مستويات اقتصادية مختلفة، ودخل جماعات مهنية مختلفة وعادات الأسر التي تستطيع استئجار الخدم مقارنة بعادات الأسر التي لا خدم عندها وتلك التي تخدم عند غيرها .

وقد حدد كارادوج جونر ثلاث خصائص رئيسة للمسح الاجتماعي:

1 - المسح الاجتماعي تعريف وقياس فهو تعريف بمجتمع معين كما أنه قياس المستوى هذا المجتمع.

2- المسح الاجتماعي وصف عميق لمشكلة معينة - فهو ليس مجرد وصف عابر سريع وإنما هو تذوق الجوهر المشكلة ومحاولة للوصول إلى أعماقها وسبر أغوارها بصورة تكشف عن العوامل الخفية أو العميقة فيها.

3- المسح الاجتماعي تحليل لما يصور العلاقات الاجتماعية من الظروف والمسببات، فالمسح الاجتماعي ليس مجرد حصر شامل أو جرد لما هو قائم . بالفعل فحسب، بل أنه عملية تحليلية لتوضيح الطبيعة الحقيقية للظاهرة الاجتماعية عن طريق تحليلها والوقوف على الظروف المحيطة بها أو الأسباب الدافعة إلى ظهورها.


الصفحة 20                                                                                                                                                                  


أدت النتائج الباهرة التي انتهت إليها العلوم الطبيعية إلى إعادة بناء الفكر الاجتماعي وصياغته على أساس من النظرة العلمية الموضوعية، وكان من نتائجها أن يطبق علماء الاجتماع مناهج البحث في العلوم الطبيعية في دراستهم للظواهر الاجتماعية.

وتعد فلسلة أوجست كونت الوضعية أولى المحاولات في علم الاجتماع لاعتبار المعرفة السوسيولوجية من حيث المبدأ إحدى صور المعرفة العلمية الأخرى ومن ثم المناداة بأن يعتمد علماء الاجتماع التجربة العلمية أحد أساليب الدراسة الاجتماعية، وعليه فالمنهج يعتمد في البحوث الطبيعية على مبدأ هام هو إمكان عزل الظاهرة عزلاً إرادياً وصناعياً والتحكم فيها ودراستها دراسة مخبرية علمية.

إلا أنه في المجال الاجتماعي يستند أساساً على قاعدة عامة هي أن الأمور المتماثلة تحدث في ظروف متماثلة بمعنى أن على الباحث الاجتماعي أن يختار الظروف الاجتماعية المتماثلة في بيئات اجتماعية عديدة وإخضاع هذه الحالات للملاحظة العلمية الدقيقة، وبطريقة موضوعية ثم استنتاج فرص أولى يحاول إثباته ومن محذورات المنهج التجريبي في العلوم الاجتماعية :

1 - تعذر تطبيق المنهج التجريبي بكل عناصره في التحديد والضبط والتحكم.

2  من الصعب تحقيق الظروف المتماثلة في دراسة الظاهرات الاجتماعية وتكرار إجراء التجربة في ظروف متماثلة.

الصفحة 21                                                                                                                                                                  


3- إن محاولة عزل الظاهرة الاجتماعية صناعياً يفقدها جوهرها وأهم خصائصها وقد يستأصل عنصراً أساسياً من عناصرها.

ويرى مارشال جونز أن التجربة ليست حقيقتها سوى نوع من الملاحظة العلمية في ظروف يعمل القائم بالتجربة على تنظيمها بنفسه في حين لا يرى آخرون اعتبار الملاحظة العلمية المنظمة تجريباً اجتماعياً علمياً لأنه لا يمكن الوصول إلى نتائج تقنية محددة عن طريقها (1).

يستخدم المنهج التاريخي للحصول على أنواع من المعرفة عن طريق الماضي بقصد دراسة وتحليل بعض المشكلات الإنسانية والعمليات الاجتماعية الحاضرة، ذلك لأنه كثيراً ما يصعب علينا فهم حاضر الشيء دون الرجوع إلى ماضيه.

إن أهم ما يجذب الباحث الاجتماعي في التاريخ ليس مجرد الوقوف على الأحداث الإنسانية وإنما تحليل المشاكل الإنسانية تحليلاً دقيقاً وعميقاً للوقوف على العوامل التي تؤثر في تطور الجماعة أو المجتمع أو التي تطرأ على الظاهرة الاجتماعية وتساعد على معرفة العوامل المؤثرة في المشكلات الاجتماعية الراهنة (2).

وقد يتسع مجال الدراسة التاريخية فيجد الطالب نفسه وقد اندمج في عدد من العلوم الأخرى كعلم المخطوطات القديمة أو علم الآثار أو علم الجغرافيا.

الهوامش: 

1- صلاح الفوال، علم الاجتماع والمفهوم والموضوع والمنهج، (ص 65).

2-  عبد الباسط محمد أصول البحث الاجتماعي، (ص (104)

الصفحة 22                                                                                                                                                                  


.    واستخدامنا للمنهج التاريخي يدفعنا إلى استشارة كثير من المصادر لكي نحصل على ما نريد من بيانات، ومن أهم هذه       المصادر:

1 - الوثائق وقد تكون هذه الوثائق مكتوبة كالمخطوطات والرسائل والمذكرات وتواريخ الحياة وحيثيات الأحكام والاتفاقيات والقوانين والسجلات التجارية والجرائد وخلاف ذلك من بيانات مسجلة. وقد تكون هذه الوثائق شفوية كالحكم والأمثال والأساطير والأغاني الشعبية والطقوس، كما قد تكون مصورة كالنحت والرسم والصور والنقود والأدوات الفنية والآثار.

2- ما كتب في تاريخ الحضارة والتاريخ التحليلي في صورة بحوث أو آراء مما يلقي كثيراً من الضوء على الظاهرة موضوع الدراسة.


3- الأشخاص الذين لاحظوا الظاهرة بأنفسهم أو الشهود على بعض الوقائع.

وعند استخدام المنهج التاريخي لا يكون من الضروري أن نتعمق في التاريخ حتى نصل إلى أزمنة سحيقة وإنما يهمنا أن نرجع إلى الماضي بالقدر الذي يمكننا من تتبع نمو العمليات الاجتماعية ودراسة أثر ذلك على المشاكل الاجتماعية للمؤرخ وميوله، ومدى حياده وموضوعيته، كذلك يجب التأكد من طريقة جمع البيانات التي اتبعها المؤلف، لأن المعلومات التي يستقيها الباحث من مصادرها . الأولية تكون غالباً أدق من المعلومات التي جمعت عن طريق الكتب والنشرات الأخرى أي عن طريق المصادر الثانوية (1) .

الهوامش :

1- عبد الباسط محمد أصول البحث الاجتماعي، (ص (41).

الصفحة 23                                                                                                                                                                  

إن أهمية المنهج التاريخي تعود إلى:

1- أن التاريخ من عناصر التجديد والقوة في البناء الاجتماعي لأن الجانب الأكبر من الحياة الاجتماعية متطور ومتغير.

2- أن هناك علاقة سببية بين الماضي والحاضر.

3- تساعد دراسة التاريخ على الاستقراء العلمي وصياغة القوانين الاجتماعية التي هي نتاج تفاعل العلاقات الإنسانية.

4- تساعد دراسة التاريخ في الوقوف على العوامل المؤثرة في المشكلات . الاجتماعية الراهنة.

يختلف منهج دراسة الحالة عن المناهج السابقة بأنه يتميز بالعمق أكثر مما يتميز بالاتساع في دراسته للأفراد والمجتمعات والاتجاهات الفردية والاجتماعية، كما يتميز بالتركيز على الجوانب الفريدة أو المميزة، ولذلك يشيع استخدامه في الدراسات المتعلقة بالخدمة الاجتماعية وفي الدراسات النفسية.

وتتم دراسة الحالة عن طريق المقابلة الشخصية، مع الاستعانة ببعض الدراسات العملية بقصد دراسة كل دورة للحياة أو فترة معينة من هذه الدورة وذلك بالنسبة لوحدة مفردة، قد تكون شخصاً أو أسرة أو مؤسسة أو جماعة أو . مجتمعاً بأسره. وتعتبر الوثائق الشخصية من أهم المصادر التي يستعان بها في طريقة بحث الحالة، ومن أهم أشكال هذه الوثائق تاريخ الحياة كما كتبه صاحبه بنفسه، والمذكرات والخطابات والاعترافات.

الصفحة 24                                                                                                                                                                  


ولهذه الوثائق الشخصية أهمية في البحوث الاجتماعية لأنها عبارة عن سجلات تكشف عن النفس عمداً أو من دون عمد، وهي تمدنا بذلك بمعلومات مباشرة عن نشاط وعقلية كاتبها كما تكشف في الوقت نفسه عن علاقاته الاجتماعية التي يفضلها والتي تغير أو تؤثر في سلوكه واتجاهاته والقيم السائدة عنده.

وعموماً فإن دراسة الحالة بالنسبة لشخص معين تكشف عما يوجد في نفسه من صراع داخلي كما تكشف عن طريقته في الحياة والدوافع التي تدعوه إلى أن يسلك سلوكاً معيناً والعوائق التي تمنعه أو تثيره أو تتحداه لاتخاذ سلوك بعينه في وضع اجتماعي معين، وهذه الأوضاع الاجتماعية المختلفة هي التي تمدنا بالفهم العميق لأنامط الحياة ككل.

إلا أنه على الرغم مما تتميز به دراسة الحالة من عمق فإن التعميم على أساس نتائجها يعتبر أمراً مستحيلاً، هذا علاوة على أن كثيراً مما يسجل يكون عرضة الخطأ الشعور أو الذاكرة أو الحكم أو تحيز اللاشعور (1).

الهوامش :

1-  خيري مجدي الدين العلاقات الاجتماعية في بعض الأسس الأردنية، (ص 56).

الصفحة 25                                                                                                                                                                  

هناك كثير من الوسائل التي تستخدم للحصول على البيانات من الأفراد الذين يشملهم البحث، فالواقع أن هؤلاء الأفراد إذا ما وجدوا في مكان ما وتم للباحث الاتصال بهم وأمكنه استخدام أكثر من طريقة من طرق البحث الاجتماعي والنفسي للحصول على ما يتطلبه ذلك البحث من بيانات، ومن أكثر الطرق شيوعاً في علم الاجتماعي: الاستمارة (الاستبيان) والمقابلة الشخصية والملاحظة.

الاستمارة (الاستبيان)

يعتبر الاستبيان كوسيلة الجمع البيانات من أوسع الطرق انتشاراً، وهو مجموعة من الأسئلة ترسل إلى الأشخاص الذين يصعب الوصول إليهم أو مقابلهم وجهاً لوجه لاستفتائهم في موضوع معين أو مشكلة معينة. وهناك وسائل عديدة لإجراء الاستبيان مثل النشر في مجلة أو جريدة أو إذاعة الأسئلة عن طريق الراديو أو التلفاز على أن يكون الرد بوساطة البريد، أو قد توزع باليد ثم تجمع باليد أيضاً.

وتتراوح استمارة الاستبيان من مجموعة صغيرة من الأسئلة إلى كتيب صغير قد يتجاوز العشر صفحات، كما تختلف استمارة الاستبيان من حيث نوع الأسئلة فقد تكون أسئلة مقفلة أي يكون الاختيار من الإجابات المكتوبة فعلاً في الاستمارة، أو قد تكون أسئلة مفتوحة أي يترك للفرد حرية الإجابة بما يتراءى له.

وعموماً فإن طريقة الاستبيان تستخدم في التعرف على أسباب المشكلات الاجتماعية الموجودة في المجتمع مع تعذر الاتصال بعدد كبير من الناس بشأنها، وعلى ضوء نتائج مثل هذا الاستفتاء تتخذ الوسائل المناسبة لعلاج هذه المشكلة (1).

الهوامش : 

1- عبد الباسط محمد، أصول البحث الاجتماعي، (ص (50).

الصفحة 26                                                                                                                                                                  

يطلق اسم المقابلة الشخصية على طريقة التحقيق التي تتميز بالاتصال وجهاً لوجه، وتعتبر هذه الطريقة من أهم الطرق في جمع المعلومات، ويختلف الوقت اللازم لكل مقابلة شخصية باختلاف طبيعة البحث، فقد يتراوح هذا الوقت بين عدة دقائق وساعة كاملة، وهذا يتوقف على نوع البيانات المطلوب جمعها وكذلك على مقدرة الباحث في الحصول على ما يريد.

ومن أهم ما تتميز به طريقة المقابلة الشخصية ارتفاع نسبة الحالات التي يمكن الحصول عليها، وخاصة إذا كان كل من الإعداد والتنظيم دقيقاً، ويقترن استخدام طريقة المقابلة الشخصية بجداول لتسجيل البيانات يتوقف شكلها وتصميمها على نوع البيانات المطلوبة وتصميم هذه الجداول بحيث يستقل كل جدول بموضوع معين، ومن أمثلة هذه الموضوعات الناحية التعدادية كالسن والنوع وعدد أفراد الأسرة ومكان الميلاد وغيرها من بيانات لها طابع تعدادي.

وقد لا تكون البيانات المطلوبة على أساس أسئلة معينة وإنما على أساس الرواية الحرة وفي هذه الحالة لا بد أن يشجع الباحث أفراد العينة لكي يتكلموا في موضوع معين، ثم يقوم الباحث بتسجيل اتجاهاتهم وانطباعاتهم أثناء الرواية (1)

ولهذه الطريقة في البحث مزاياها وعيوبها إلا أنه توجد بعض التوجيهات يجب أن يراعيها الباحث منها أن يشعر العميل باستعداده للجلوس معه أطول

الهوامش :

1- إحسان الحسن، المدخل إلى علم الاجتماع (ص 46).

الصفحة 27                                                                                                                                                                  

مدة وأن يتحدث معه باللغة التي يجيدها وأن يكون مرحاً معه حتى يزيل شكوكه ويطمئنه على سرية المعلومات، وأن يحدد المعلومات التي يريد الحصول عليها من المقابلة، وأن توجه الأسئلة بطريقة غير مباشرة وأن يشعر الباحث العميل بثقته في نفسه وأن المعلومات التي يدلي بها سوف يستفاد منها.


تعد الملاحظة من أهم الطرق المستخدمة لجمع البيانات وإن كثيراً من أنماط السلوك يمكن دراستها عن طريق الملاحظة المباشرة كما هو الحال في ملاحظة الأطفال وتصرفاتهم عندما يجتمعون معاً، ومن ناحية دراسة المشاكل الاجتماعية فقد أوجدت الملاحظة مجالات كثيرة للدراسة وتنقسم الملاحظة كوسيلة لجمع البيانات إلى نوعين يختلفان عن بعضهما في الطرق التي تجمع بوساطتها هذه البيانات، وهذان النوعان هما الملاحظة غير الموجهة والملاحظة الموجهة. 

الملاحظة غير الموجهة:

يلجأ الباحث إلى هذه الملاحظة دون استخدام آلات ضابطة أو وسائل معينة القياس الظاهرة موضوع الدراسة، وفي هذه الحالة تترك الظروف التي تتم فيها الملاحظة، والمواد التي تسجل للباحث نفسه وإلى العوامل التي قد تؤثر عليه وقد استخدم كثير من الباحثين هذا النوع من الملاحظة للوصول إلى البيانات التي يريدونها. ومن عيوب طريقة الملاحظة غير الموجهة أنها تعطينا شعوراً بأننا نعلم عما نلاحظه أكثر مما نعلم فعلاً، وعلى هذا الأساس يتجه بنا شعورنا نحو

الصفحة 28                                                                                                                                                                  

التحيز دائماً. وقد تجبرنا كثير من الظروف على اختيار هذا النوع من الملاحظة لاستخدامه. وقد تتميز الملاحظة غير الموجهة بعدم المشاركة وذلك حينما تكون الملاحظة عن بعد ودون علم الأشخاص، كأن يمر الباحث في أحد الأحياء الملاحظة ما يفعله الناس ثم يسجل ما يراه دون علم هؤلاء الناس.

الملاحظة الموجهة:

تعد الملاحظة الموجهة امتداداً للملاحظة غير الموجهة، وتقوم الملاحظة الموجهة على أسس منظمة وخطط محددة تسبق عملية الملاحظة نفسها وتوجه هذه العملية في الوقت نفسه. وتتميز هذه الملاحظة بتعريفها الدقيق للوحدات التي ستكون موضع الملاحظة، كما تتميز أيضاً باستخدام الوسائل الآلية والاختبارات وكل ما يساعد على الدقة في الملاحظة قدر الاستطاعة.

ومن أهم الدراسات التي قامت على أساس هذا النوع من الملاحظة تلك التي قامت في ميدان الطفولة حيث استخدمت مجموعة متنوعة من الأدوات مثل أجهزة تسجيل الصوت والحركة وجداول تسجيل مراحل النمو، والتي تستخدم في العادة في مرحلة ما قبل بلوغ سن المدرسة بدلاً من اختبارات الذكاء، كما تستخدم الملاحظة في هذا المجال أيضاً عدداً من الأدوات الميكانيكية والرسوم والتي تستخدم لتسجيل ما يحدد وعي الطفل الفعلي وتصرفاته ومدى تحكمه في جسمه ورد الفعل الاجتماعي، على أن يسجل في الجدول تفصيلات ما يقوم به الطفل من جهد نحو هدف معين (1).

الهوامش : 

1- عبد الباسط محمد، أصول البحث الاجتماعي، (ص 65)

الصفحة 29                                                                                                                                                                  

علاقة علم الاجتماع بالعلوم الأخرى:

إن الدارس لعلم الاجتماع يرى بأن دراسة الظواهر الاجتماعية ضمن المجتمعات المختلفة تحتاج إلى تحليل من حيث الأسباب والمسببات التي تؤدي إلى ظهورها، حيث إن علم الاجتماع يحدد النظريات التي تدرس الظواهر الاجتماعية مثل نظريات الصراع والتوازن ولكن السؤال الذي يطرح نفسه علينا ما علاقة علم الاجتماع بالعلوم الأخرى مثل علم الأحياء وعلم النفس وعلم الإنسان وعلم الاقتصاد؟ إن هذه العلوم تدرس الإنسان وسلوكه الفيزيائي والاجتماعي بشكل عام. فعلى سبيل المثال علم الأحياء يدرس النمو الإنساني أو نمو الأحياء والوظائف التي تقوم بها أعضاء الكائن الحي وهناك تشابه بين علم الاجتماع وعلم الأحياء ولاسيما أن علم الاجتماع يدرس البناء الاجتماعي والنظم الاجتماعية داخل المجتمع الواحد وبالذات متمثل في النظريات الوظيفية في علم الاجتماع، حيث إن هذه النظريات تؤكد على أهمية البناء الاجتماعي في توازن اجتماعي وكذلك الحال بالنسبة لعلم الأحياء الذي يؤكد على التوازن في النمو الجسدي.

أما بالنسبة لعلم النفس فإنه يدرس سلوك الفرد ضمن المواقف الاجتماعية المختلفة وبالتالي يدرس سلوك الأفراد وانفعالاتهم والأمراض النفسية التي يعانون منها وبالتالي ظهر هناك فرع من فروع علم النفس وعلم الاجتماع ولاسيما أن علم النفس يدرس سلوك الأفراد بينما علم الاجتماع يدرس الإطار الاجتماعي العام الذي ينتمي إليه الأفراد

الصفحة 30                                                                                                                                                                  

أما فيما يتعلق بعلم الإنسان (Anthropology) فإنه يدرس سلوك المجتمعات البدائية من ناحية العادات والتقاليد والثقافات الجزئية (Sub Cultures) وتركيب هذه المجتمعات وعلاقة الجماعات فيما بينهم وعلاقة القرابة والنسب بين الجماعات والزواج والطقوس الدينية .. إلخ وهذا بدوره يشبه علم الاجتماع إلى حد كبير بل يعتبر جزءاً من علم الاجتماع كما يراه بعض الباحثين.

أما فيما يتعلق بعلاقة علم الاجتماع بعلم الاقتصاد. فإن هناك علاقة ولاسيما أن علم الاقتصاد يدرس توزيع الثروات ويقدم نظريات العرض والطلب وبالتالي يحدد الدخل، وهذا بدوره يؤدي إلى ظهور الطبقات الاجتماعية الاقتصادية، وقد يندرج هذا الموضوع تحت فرع ضمن علم الاجتماع يسمى بالتدرج الطبقي الاجتماعي Social Stratification وبالتالي إن الدخل له أهمية في تحديد الطبقة الاجتماعية كما يراه (ملفين وتيومان).

من خلال النظرة العامة إلى السابقة نجد أن هناك علاقة وطيدة بين علم الاجتماع والعلوم الأخرى خاصة في دراسة السلوك الإنساني حيث نجد علاقة مشتركة بين علم الاجتماع وعلم الأحياء خاصة في قضية الوراثة لهذا ظهر ضمن علم الاجتماع علم الجريمة يستند إلى الوراء من ناحية بيولوجية ويستند إلى ناحية سلوك الفرد من ناحية نفسية.

ونجد علاقة بين علم الاجتماع وعلم الإنسان، ولاسيما أن بعض العلماء يؤكدون على أهمية العلاقة ويعتبر البعض منهم أن علم الإنسان (Anthropology) يعتبر جزءاً من علم الاجتماع.

الصفحة 31                                                                                                                                                                  

أما بالنسبة لعلم الاجتماع وعلم النفس فيوجد علاقة بينها وعامل مشترك قوي ولاسيما أن علم النفس يستند إلى علم الاجتماع ولهذا ظهر فرع من علم النفس يسمى علم النفس الاجتماعي (Social Psychology) الذي يدرس سلوك الأفراد ضمن المواقف الاجتماعية المختلفة والأدوار الاجتماعية والمكانة الاجتماعية للأفراد وتأثير ذلك على السلوك.

الصفحة 32                                                                                                                                                                  

      خاتمة :

في هذه الوحدة تم استعراض نشأة علم الاجتماع وتطوره، وقد تطرقت إلى نظريات حددت هذا التفسير كنظرية ابن خلدون وأوجست كونت وإميل دوركايم والخصائص والظواهر الاجتماعية. كما تطرقت إلى مناهج وأدوات البحث في علم الاجتماع مستخدمين في ذلك مناهج البحث المختلفة كما تطرقت هذه الوحدة إلى علاقة علم الاجتماع بالعوم الأخرى، وتوضيحاً لذلك يمكن أن نضع المخطط الهيكلي الآتي:

(أضر المخطط الهيكلي الصفحة 33)

الصفحة 33                        

الوحدة الثانية : تعريف التربية



تمهيد :

تعد التربية من ضروريات الحياة الإنسانية، حيث منذ وجد الإنسان على وجه الأرض، حاول بناء العلاقات الاجتماعية مع غيره من البشر، وهذا جعل منه إنساناً متكيفاً ومنسجماً مع غيره، وبالتالي فإن هذا بدوره ساعد الإنسان على البقاء والتوافق والتكيف حيث استمر في ذلك ونقل الثقافة إلى أبنائه وحافظ على تراث آبائه وأجداده. 

ومنذ أن بدأ الناس يعيشون في جماعات، تجمعهم قيم ونظم ومعتقدات وأسلوب حياة معين، صار لكل من هذه الجماعات هدف في الإبقاء على أسلوبها ونظامها وطريقة معيشتها، ومن هنا أصبح لكل مجموعة طريقتها الخاصة في تدريب أجيالها الجديدة على الحياة، فاختلفت الآراء حول مفهوم عملية التربية أو عملية التدريب والتكيف مع الجماعة والمجتمع المحيط، بما فيه من عناصر طبيعية واجتماعية وتراث متراكم على مر الأجيال، وكان الاختلاف في مفهوم العملية التربوية وطرقها ووسائلها، اختلافاً كبيراً بين الأمم والشعوب، وكثرة المتكلمين عنه، فجاءت معاني هذا المفهوم مختلفة متنوعة ويعزى ذلك إلى اختلاف وتنوع المثقفين - المتحدثين، ونظم حياتهم وعقائدهم ومبادئهم وآمالهم وأمانيهم وأهدافهم (1).

الهوامش:

1-  إبراهيم ناصر ، مقدمة في التربية، (ص (11).

الصفحة37                                                                                                                                                                  

أولاً: تعريف التربية

للتربية معاني كثيرة متعددة وواسعة، فلكل معنى لها ذو دلالة في مجاله، حيث إذا رجعنا إلى معاجم اللغة العربية نجد لكلمة التربية ثلاثة أصول لغوية الأصل الأول ربا يربو ومعناها زاد ونما الأصل الثاني رب يرب على وزن مد يمد ومعناها أصلح ورعى الأصل الثالث ربى يُربي ومعناها نشأ وترعرع .

أما معنى التربية اصطلاحاً فهو التنشئة والتنمية، وهناك تعاريف كثيرة للتربية اختلفت باختلاف نظرة المربين وفلسفتهم في الحياة، ومعتقداتهم التي يدينون بها، وقد وجد منذ القدم وإلى أيامنا هذه، أنه من الصعب الاتفاق على نوع واحد من التربية تكون صالحة الجميع البشر، وفي جميع المجتمعات، وتحت كل الأنظمة، وفي ظل كل المؤسسات السياسية والاجتماعية، بالرغم من ذلك فإن الحديث عن التربية لا يزال قيد البحث، فقد يعني التطور والرقي الحضاري، والنمو المتكامل من ناحية أخلاقية، وقد يعني التنشئة الاجتماعية نحو الأفضل.

ولا بد لنا من عرض أهم ما جاء به الباحثون في تعريف التربية حيث يمكن تقسيم ذلك إلى عدة اتجاهات :

الاتجاه الأول : ركز على الجسم والنفس وخير مثال على ذلك أفلاطون (347-427 ق.م) كان يقول: إن التربية هي أن تضفي على الجسم والنفس كل جمال وكمال ممكن لها، وإسماعيل القباني (1898-1963م) عرف التربية بأنها مساعدة الفرد على تحقيق ذاته حتى يبلغ أقصى كمالاته المادية والروحية، في إطار المجتمع الذي يعيش فيه.

الصفحة38                                                                                                                                                                  

الاتجاه الثاني: ركز على الفضيلة والتقرب إلى الله وهذا ما جاء في تعريف أبو حامد الغزالي (1059-1111م) يرى أن صناعة التعليم، هي أشرف الصناعات التي يستطيع الإنسان أن يحترفها، وأن أهم أغراض التربية هي الفضيلة والتقرب إلى الله.

الاتجاه الثالث: ركز على الخلق والكمال فالتربية في نظر الفيلسوف الألماني أمانويل كنت (1724-1804م)، هي: ترقية لجميع أوجه الكمال التي يمكن ترقيتها في الفرد».

ويأتي رفاعة الطهطاوي (1801-1873م) ويقول: إن التربية هي التي تبني خلق الطفل على ما يليق بالمجتمع الفاضل، وأن تنمى فيه جميع الفضائل التي تصونه من الرذائل وتمكنه من مجاوزة ذاته، للتعاون مع أقرانه على فعل الخير.

الاتجاه الرابع: ركز على إعداد الحياة وهذا ما جاء به هربرت سبنسر - (1820 -(1903م) فكان يرى  أن التربية هي إعداد المرء لأن يحيا حياة كاملة.

الاتجاه الخامس: ركز على حسن الخلق ويتمثل ذلك بتعريف ساطع الحصري (1968-1881م) فيرى أن  التربية هي تنشئة الفرد قوي البدن، حسن الخلق، صحيح التفكير، محباً لوطنه، معتزاً بقوميته، مدركاً واجباته، مزوداً بالمعلومات التي يحتاج إليها في حياته.

الاتجاه السادس: ركز على ترفيه العقل، يرى محمد عبده (1845-1905)م) أن الإنسان مجبول على الخير».

الصفحة39                                                                                                                                                                  

ملخص القول، بالرغم من الاختلاف في التعريفات السابقة، لأنها جاءت في مجملها تهتم بالجنس البشري، والإنسانية، فهي تهتم بالطفل منذ طفولته ونضجه وتجعله قادراً على التكيف والانسجام، وبلوغ الهدف الذي يريد تحقيقه، ولا يتم ذلك إلا من خلال العمليات التربوية.

وتشير الدراسات التربوية إلى: أن التربية هي عملية التكيف، أو التفاعل بين الفرد وبيئته التي يعيش فيها، وعملية التكيف، أو التفاعل هذه تعني تكيفاً مع البيئة الطبيعية، والبيئة الاجتماعية ومظاهرها، وهي عملية طويلة الأمد، ولا نهاية لها إلا بانتهاء الحياة (1) .

فالتربية عملية صقل للإنسان وتشكيل له، وهي تشكل النتاج الأخلاقي الذي يحدد سلوك الفرد واتجاهاته نحو المواقف المختلفة، لذلك فإن التربية عملية تطبيع للفرد لكي يتعايش مع الجماعة التي ينتمي إليها ويتماشى مع نظمها ومعتقداتها.

من خلال عرض ما سبق يمكن تعريف التربية إجرائياً، تعني سير الفرد ضمن الأعراف والعادات والتقاليد والنظم والاتجاهات، والقيم التي ترضى عنها الجماعة ويطلبها المجتمع.

ثانياً : ضرورة التربية:

إن ضرورة التربية تكمن بأن كلاً من الأفراد والمجتمع بحاجة لها معاً فضرورتها للإنسان تكون بالمحافظة على جنسه، وتوجيه غرائزه، وتنظيم عواطفه، وتنمية ميوله، بما يتناسب وثقافة المجتمع الذي يعيش فيه، فالتربية إذن

الهوامش: 

1- إبراهيم ناصر، مقدمة في التربية

الصفحة40                                                                                                                                                                  

عملية ضرورية لمواجهة الحياة ومتطلباتها، وتنظيم السلوكات العامة في المجتمع من أجل العيش بين الجماعة عيشة ملائمة.

ويمكن إجمال ضرورة التربية بالنقاط التالية :

أ- إن الحياة البشرية كثيرة التعقيد والتبدل، وتحتاج إلى إضافة وتطوير، وهذه العملية يقوم بها الكبار، من أجل تكيف الصغار مع الحياة المحيطة، وتمشياً مع متطلبات العصور على مر الأيام.

ب - إن ثقافة المجتمع وتراثه الثقافي لا ينتقل من جيل لآخر إلا من خلال عملية التربية بما تحويه من نظم واتجاهات وقيم وأنماط سلوكية يمكن أن يكتسبها الجيل الأصغر من الأكبر.

ج - أن الأطفال بحاجة إلى أشياء كثيرة، بخاصة الرعاية والعناية منذ ولادتهم ولفترة طويلة، لأن الطفولة الإنسانية بطبيعتها طويلة، وتمتاز هذه المرحلة بكثرة الاتكال. فالتربية عملية يكتسبها الصغار من الكبار، أو الأفراد من المجتمع، فإن ضرورتها للطفل الصغير تكون ملحة ولازمة، كي يتعايش الطفل مع مجتمعه.

من خلال ما سبق يمكن توضيح ذلك بالنموذج الآتي:

                             التربية  =>  نقل التراث  =>   تهتم بتغيير الحياة   =>   تهتم بالأطفال

الصفحة41                                                                                                                                                                  

أما حاجة المجتمعات للتربية فإنها تعد من الأمور الأساسية ويعود ذلك لعدة أسباب:

1 - المحافظة على هوية المجتمع الثقافية والتراثية، حيث من خلال التربية يمكن نقل الأنماط الاجتماعية إلى الأجيال الناشئة. 2 - تصفية التراث وحفظه ونقله، بمعنى أن التربية تحفظ التراث الثقافي الإنساني الاجتماعي من انحرافات كما أنها تعمل على حفظه ونقله للآخرين.

ثالثا : أهداف التربية:

تكمن أهداف التربية بشكل عام بمجموعة القيم والاتجاهات ممثلاً ذلك بالهدف الذي يصله الإنسان عندما يتبصر في الظروف المحيطة، ويفكر في نتائج سلوكه، وينظر فيما يعينه على السير في الطريق إلى غايته المنشودة، ويفكر في نتائج هذا السلوك، سلباً وإيجاباً، ومن ثم يرسم خطته لتحقيق مقصوده، وعندما يصل إلى غايته، ويحقق هدفه.

وإن تحديد الهدف بالنسبة للفرد أو الإنسان يعتبر شيئاً سامياً، فمثلاً ذلك يوصله إلى الطريق الصحيح، ولذلك فإن الإنسان يوجه كافة أنشطته، وقدراته، ويستحث استعداداته للوصول لمبتغاه. ولهذا فإنه لا بد من تحديد الهدف الذي يقوم به الفرد ويكون ذلك وفقاً لمعايير تربوية محددة.

ومن وجهات النظر التربوية الحديثة لا بد من تحديد الأهداف بشكل أكثر دقة، خاصة لأن الأهداف تمثل ثقافة الأمة وقضاياها ولاسيما أنها تنعكس على فلسفة الأمة الاجتماعية.

الصفحة42                                                                                                                                                                  

ولهذا تقسم الأهداف إلى تربوية وتعليمية.

فالأهداف التربوية بمجموعها تدعو إلى الأفضل دوماً، ولهذا يمكن القول إن هناك مواصفات لا بد منها للأهداف التربوية كي تؤدي الغرض الذي وضعت من أجله، لهذا فإنه من الواجب أن يكون الهدف التربوي:

أ- عاماً لكل الناس على جميع مستوياتهم وثقافتهم وشرائحهم الاجتماعية.

ب - يشمل جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

ج - يؤدي إلى التوازن والانسجام والتوافق بين الجوانب المختلفة.

د- مرناً بمعنى أن يتوافق ويتغير وفقاً لتغيرات الظروف والأحوال.

هـ - صالحاً للبقاء ومستمراً ومسايراً لثقافة الآخرين.

و - قادراً على دفع عجلة التقدم في المجتمع نحو التطور والازدهار.

ز - أن يكون واقعياً سهل التطبيق.

ویرى بعض الباحثين والمربين في هذا المجال بأن الأهداف التربوية العامة تشتق من فلسفة المجتمع وتنعكس على الأفراد، ولكن نرى أن الإمام الغزالي يرى أن هدف التربية هو التقرب إلى الله، وآخرون يقولون: إن هدف التربية هو تحقيق الذات والاهتمام بالفروق الفردية، التي تميز إنساناً عن آخر بما يحصله من مكاسب فكرية وعملية. ورأي آخر يقول : إن هدف التربية إيجاد المواطن الصالح، وهذا بالتالي يعيدنا إلى فكرة التكيف مع المجتمع كالتربية الرومانية. وهناك التربية المحافظة، التي تهدف إلى نقل الأنماط السلوكية من جيل إلى جيل دون تغيير،

الصفحة43                                                                                                                                                                  

كالتربية الصينية والهندية، ورأي يقول إن هدف التربية إيجاد الإنسان الاجتماعي الذي يفنى في سبيل مبادئ جماعته، ونظمهم، وقيمهم المتضمنة في المجتمع.

وبصورة أو بأخرى لا يمكن القول بأن هذا الهدف صحيح وذاك خاطئ، ولكن لكل هدف خصوصيته الذي يتفق مع فلسفة الأمة.

فالهدف من التربية هو تحقيق النمو المتكامل للفرد وفقاً للظروف التي تحيط به، ولذلك ترى الأهداف مختلفة ولكنها جميعها تسعى إلى أن ينسجم الفرد ويتفاعل مع الآخرين أو الجماعة التي ينتمي إليها بسعادة وانسجام وتفهم. وهي بالتالي عملية يرضى عنها المجتمع ويرضاها لأفراده ومؤسساته الاجتماعية الأسرية والاجتماعية الأخرى، كما أن الأهداف تتعدد وتتغير نسبة إلى اتجاهات الفلاسفة وأفكارهم نحو الحياة والواقع.

خلاصة القول: إن الأهداف التربوية السابقة الذكر، لا يمكن أن نأخذها على انفراد، ولا يمكن أن يكون أحدها هدفاً نهائياً وعاماً للتربية في كل زمان ومكان، ولدى كل الأمم، ولكن كل واحد منها على حدة قد يصلح لأمة دون أخرى.

لهذا يمكن التأكيد بأن هذه الأهداف أو الحديث عن الأهداف بشكل عام، قد يوقع المربي في فجوة تربوية، أما الحديث عن هذا المفهوم بمعنى الغايات أو الأغراض التي تهدف التربية الوصول إليها فهو أقرب إلى العملية التربوية.

رابعاً: وظيفة التربية:

لا نجد اتفاقاً عاماً بين المربين حول تحديد وظيفة التربية الأساسية، لذلك نرى من يحصر وظيفة التربية في نقل التراث، ومنهم في تربية الفرد ولا سيما يولد الطفل - كما يرى علماء النفس - وهو مزود بالقدرة على نمط سلوكي وراثي 

الصفحة44                                                                                                                                                                  

بيولوجي، هو قدرته على الرضاعة، وإفراز الفضلات مع استعداد لتقبل التكيف بالمجتمع المحيط، ولكن ذلك الاستعداد يحتاج بالتالي لمن يوجهه ويرشده إلى معرفة الحاجات اللازمة، ليستطيع العيش مع جماعته وهنا تأتي وظيفة التربية في:

أ- نقل الأنماط الاجتماعية السلوكية وهذا يتم عن طريق عملية التنشئة الاجتماعية التربوية (Socio Education) حيث من خلال هذه العملية نقل الأنماط السلوكية.

ب - المحافظة على التراث الثقافي، حيث يتم نقله من جيل لآخر وفقاً لعملية التنشئة الاجتماعية والتدريس المتمثل بالتعليم.

ج - تصفية التراث الحضاري الاجتماعي من الشوائب وهذا يتم عن طريق تصميم المنهج المدرسي.

د - تنوير الأفكار بالمعلومات الحديثة المتطورة.

ولذلك تعد التربية أمراً ضرورياً لحياة الإنسان، ولاسيما أنه بحاجة إليها.

خامساً : طبيعة التربية:

تعد التربية علماً لاسيما أنها تدرس الظواهر التي تقوم على معرفة الحقائق المتعلقة بالظواهر الاجتماعية التربوية، وهذا بدوره يستدعي من الباحثين الاعتماد على الملاحظة والتجريب، كما أنه لا يسير وفق أصول وأسس اللامنهجية ذاتية قائمة على الميول الفردية والآراء الشخصية، لذلك فإن المنهج التربوي يكون هيكلاً منظماً بالتالي يحقق المعرفة المتكاملة، ولذلك فالباحث في

الصفحة45                                                                                                                                                                  

علم التربية عليه أن يدعم آراءه بالحجج والبراهين وهذا يتم عن طريق الدليل القاطع الذي خضع لتجربة ومن ثم تم التوصل إلى البراهين الدقيقة.

فالتربية بحد ذاتها إنتاج جديد يفيد الفرد والمجتمع خاصة إذا قامت بتنظيم العلاقة بين الإنتاج والاستهلاك، وبهذا تعد التربية صناعة ولاسيما أنها تغير الأفكار وتبني المعارف وتوفر طريق المعرفة هكذا يرى ابن خلدون في مقدمته بأن التعليم يعد صناعة من أشرف الصناعات.

كما أن التربية فن، والفن كما هو معروف هو التعبير الجمالي عن المدركات والعواطف، ونقل المعاني والمشاعر للآخرين، عن طريق العمل الذي يتميز بالمهارة، ويظهر فيه خلق لعلاقات جديدة، بين عناصر تستمده من الحياة والمجتمع والطبيعة، وهو ظاهرة اجتماعية، تدل على المهارة التي تبذل لإنتاج كل ما هو جميل. والفن يهدف إلى إيجاد شيء ذي قيمة جمالية وأخلاقية، وبصورة أعم قيمة إنسانية، تتجاوز المطالب المادية والنفعية (1).

فمن خلال عرض ما سبق يمكن القول بأن التربية هي علم من العلوم ولاسيما أنها تركز على الحقائق السيكولوجية والاجتماعية والبيولوجية، كما أنها من خلال تركيزها على هذه النواحي تحدد الأساليب والنماذج التربوية التدريسية المناسبة ويكون ذلك وفقاً لقواعد وأصول تطبق بحكمة ودراية، وخلاصة الحديث إن التربية عملية هادفة غايتها مساعدة الفرد والمتعلم للوصول إلى أفضل ما يستطيع من تعلم.

الهوامش:

1- إبراهيم ناصر، مقدمة في التربية، (ص 20).

الصفحة46                                                                                                                                                                  

سادسا : صلة التربية بالعلوم الأخرى:

علم التربية يُعد من العلوم الإنسانية التي تبحث في الإنسان وفي الذات في قضايا التعلم والبيئة مثل النواحي الفيزيائية أي البيئة التي تحيط بالفرد، والبيئة الاجتماعية التي يتم عن طريقها تكيف الفرد مع الجماعة التي ينتمي إليها، فهي تعد علماً كباقي العلوم الأخرى، ولاسيما أنه تربطها صلة وثيقة بباقي العلوم، كما أنها تبحث في الإنسان في كيفية تفاعله مع الآخرين وهذا يتم عن طريق تكيفه وانسجامه كما أن التربية تتصل بأنواع المعرفة الإنسانية.

على ضوء ما سبق يمكن أن نقدم صلة التربية بعدة علوم منها :

التربية والفلسفة

إن التربية والفلسفة لا ينشقان عن بعضهما بعضاً، ولا ينفصلان بحيث كل منهما يحمل الآخر، حتى يمكن القول بأنهما مظهران لشيء واحد.

كما أن الفلسفة والتربية علمان متصلان، فعلى سبيل المثال الفلسفة تبحث في مسألة الوجود، ومسألة المعرفة والقيم والتربية متصلة اتصالاً مباشراً بذلك.

ولذا نرى بأن التربية تعتمد على المسلمات الفلسفية، وتمتزج معها لتشكل حقيقة الوجود والمسائل الأخرى وهذا ما يطلق عليه فلسفة التربية.

كما أن الفكر التربوي ما هو إلا وجه آخر من أوجه الفلسفة ولذلك من خلاله نقوم بتحديد الغايات والأهداف التي تصلنا إلى الفكر الإنساني.

كما ترتبط التربية بالفلسفة ارتباطاً كبيراً، فالفكر التربوي هو فلسفة قبل أن يكون أي شيء آخر، وما دامت الفلسفة تلقي الضوء على الحكمة، ومحبة

الصفحة47                                                                                                                                                                  

الحكمة، وفهم الإنسان وطبيعته، وموقفه من العالم المادي والحياة، فهو بالتالي ما تبحث عنه التربية، كما أن التربية تعتمد على فلسفة نظرية عامة، فمعظم المشكلات التربوية تحتاج في حلها لنظرة فلسفية، ولا يستطيع أي تربوي أن يتحدث في التربية دون الاعتماد على قاعدة فلسفية، كما لا يمكن التحدث في أي موضوع تربوي، إلا بالرجوع إلى أصوله الفلسفية والأفكار التي قام عليها، وفلسفة الأمة التي تبغيها.

كما أن التربية تبحث في أخلاقيات الإنسان وعمله وهذا بحد ذاته يعد أمراً من أمور الفلسفة، كما أن المذاهب التربوية تستند إلى المجالات الفلسفية، كما أن التربية الصحيحة تجعل الفرد بأن يصل إلى مستوى عال من الوضوح التام كما أن التربية الصحيحة تجعل الفرد بأن يصل إلى مستوى عال من الوضوح التام كما أن الفلسفة لا تحقق أهدافها إلا من خلال التربية المتكاملة.

ولذلك ينبغي على كل معلم ومربي أن يُعرف الهدف الذي ينبغي أن يحققه وإلا أصبح العمل من الطلبة أو الأبناء لهواً وعبثاً. وهذا بحد ذاته يؤدي إلى الارتباط بين كل من التربية والفلسفة، كما أن بين الفلسفة والتربية قواسم مشتركة فيما يتعلق بالمعرفة الفلسفية من جهة والتربية من جهة أخرى، وهذا لا يتحقق إلا بمجهود تربوي متكامل وشامل.

وتأكيد على ذلك أن الفلاسفة السفسطائيين اليونانيين كانوا يدربون طلابهم على فن الخطابة والجدل وهذا بدوره يؤدي إلى اندماج الأفراد بالمجتمع، فهذا سقراط على سبيل المثال كان يعلم طلبته على طريقة الحوار التي لها أهمية ذات قيمة في تفعيل دور المتعلم.

الصفحة48                                                                                                                                                                  

من خلال عرض ما سبق نجد أن العلاقة بين التربية والفلسفة علاقة وثيقة والشكل الآتي يوضح ذلك.

(أنضر الشكل الصفحة 49)

حيث يشير الشكل إلى وجود علاقة ترابطية بين التربية والفلسفة.

التربية وعلم الإنسان

يُعد علم الإنسان (Anthropology) من العلوم الإنسانية التي تدرس طبيعة الأجناس البشرية وثقافتهم، كما أن هذا العلم يتناول ثقافتهم البدائية، فكلمة (Anthrop) مشتقة من كلمة يونانية تعني إنسان، وكلمة (Logy) تعني علم، فيندمج ذلك باسم علم الإنسان.

فهذا العلم يدرس سلوك الإنسان البدائي، كما يدرس ثقافة المجتمعات من عدة أوجه، كما يبين أوجه التشابه والاختلاف بين المجتمعات الإنسانية البدائية البسيطة.

فلا نستغرب بأن التربية ترتبط بهذا العلم ارتباطاً وثيقاً ممثلاً ذلك في دراسة العادات والتقاليد والأنظمة وطرق حياة الإنسان البدائي في المجتمعات التي ينتمي إليهما، ولذلك بوساطة التربية والتعليم يمكن للفرد أن يتكيف في المجتمع الذي ينتمي إليه فمن هذا المنطلق لا بد من أن تكون الصلة وثيقة بين علم الإنسان وعلم التربية، لأنه لا يمكن لأحدهما أن يبتعد عن الآخر.

الصفحة49                                                                                                                                                                  

كما أن علاقة التربية بعلم الإنسان بوجه عام، هو تنمية الشخصية الإنسانية تنمية متكاملة من جميع النواحي العقلية والنفسية والجسمية، والاجتماعية، إلى أقصى درجة تسمح بها إمكانات الفرد واستعداداته وقدراته، بحيث يصبح في المحصلة النهائية شخصية منتجة، ومن ثم متطورة، ومبدعة في المجتمع الذي يعيش فيه، ولهذا يمكن القول: إن موضوع التربية الأساس هو الإنسان الذي يعيش مع الجماعة، ويتفاعل مع المجتمع ضمن إطار ثقافي يؤمن به، ويحاول المحافظة عليه، ويتمسك بمحتواه، من أجل الحفاظ على التراث المتراكم على مر الأجيال. إن الصلة بين علم الإنسان والتربية، صلة قوية أو خاصة في عملية نقل الثقافة إلى الأجيال اللاحقة، كما يتعاون كل من عالم الإنسان وعالم التربية، في نقل السلوك الإنساني النابع من ثقافة الإنسان إلى النشء الجديد (1).

وتوضيحاً لذلك يمكن أن نعرض الشكل الآتي: 

(أنضر الشكل الصفحة 50)

الهوامش:

1- إبراهيم نارص، مقدمة في التربية.

الصفحة 50         

التربية وعلم الاجتماع

يعتبر علم الاجتماع (Sociology) إحدى فروع العلوم الإنسانية الذي يدرس سلوك المجتمعات المقدمة. كما أنه يُعد علماً يتناول خصائص الظواهر الاجتماعية والعلاقات المتبادلة بينها.

كما يعد من العلوم الإنسانية الهامة التي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر، التي استندت إلى مجموعة من القواعد والقوانين في تفسير الظواهر الاجتماعية سواء أكانت هذه الظواهر تشكل جماعات غير منظمة عشوائية أم مؤسسات اجتماعية إنسانية، كما يهدف هذا العلم إلى البحث في أسس نظريات الصراع والتوافق كما يدرس أنظمة المجتمع، كما أن هذا العلم يدرس الفرد ليس بمعزل عن جماعته أو الآخرين ولذلك جاءت فكرة علم النفس الاجتماعي.

كما أنه يهتم بدراسة عدة مواضيع كالجماعات الاجتماعية، والعمليات الاجتماعية والثقافية، والتغير، والشخصية فهو بذلك علم يدرس العلاقات بين الأفراد، والتفاعل بينهم وتصرفاتهم كأعضاء في جماعة، وهو بالتالي يركز على سلوك الأفراد في المجتمعات، ومن هنا كانت صلته وثيقة بالتربية، التي هي عملية تكيف الأفراد مع البيئة الاجتماعية المحيطة، وبهذه الصلة التفاعلية -يعتبر علم الاجتماع أحد الأسس الهامة للتربية.


ومن هنا جاءت فكرة علم الاجتماع التربوي الذي يدرس الأنظمة التربوية داخل المجتمعات سواء أكانت منتظمة أم عشوائية، ومن خلال هذه الدراسة  يستهدف الكشف عن العلاقات وتفاعل الأدوار التي يقوم بها الأفراد ضمن المؤسسات الاجتماعية التربوية التي ينتمون إليها .

الصفحة51                                                                                                                                                                  

التربية وعلم النفس

يُعرف علم النفس (Psychology) بأنه علم وصفي ، يصف سلوك الأفراد أثناء انفعالاتهم بمعنى آخر يدرس سلوكهم، وما يصدر من أفعال وحركات نتيجة لتعرضهم لموقف ما.

ولا تستغرب بأن التربية تتصل اتصالاً وثيقاً بعلم النفس، وهذا الاتصال متمثل في دراسة سلوك الطفل في المدرسة وما يتعرض له من صعوبات التعلم، أو الكشف عن المشاكل والصعوبات المادية والاجتماعية التي يتعرض لها الطفل مما تجعله غير متوافق ومنسجم مع الآخرين.

كما أن لعلم النفس التربوي أهمية في الكشف عن مستوى الابتكار والذكاء لدى الطفل، وهذا أمر لا يستهان به.

كما لعلم النفس العام أهمية في البحث عن مواضيع مختلفة، لها علاقات مباشرة في التربية والعملية التربوية، منها: علم نفس الطفولة والمراهقة، وعلم نفس النمو، وعلم نفس الشخصية، وعلم نفس الشواذ، وعلم نفس التعلم وعلم نفس اللعب، وعلم نفس الفروق، وعلم نفس اللغة، وهناك علم النفس التربوي وهو العلم الذي يطبق مبادئ علم النفس وقوانينه على ميدان التربية والتعليم المختلفة (1).

الهوامش:

1- إبراهيم ناصر، مقدمة في الترجمة.

الصفحة52                                                                                                                                                                  

سابعاً : أنواع التربية عبر العصور

1 - التربية البدائية:

ترتبط هذه التربية بالطبيعة وتكون بعيدة عن التعقيد والغموض وبالتالي اتسمت بالتقليد والمحاكاة وكان جوهر التربية البدائية التدريب الآلي والتدريجي أو المرحلي ولهذا لم توجد مؤسسات اجتماعية ثقافية كالمدرسة والأسرة في ذاك الوقت وتهدف التربية الأولية إلى تكيف الأفراد مع البيئة الطبيعية - البيولوجية - الاجتماعية) وتعددت أنواع التربية في ذاك العصر كالتربية العملية والتطبيقية الأساسية كالطعام والملابس وكانت القبيلة مسؤولة عن هذه الوظائف وكذلك التربية النظرية مثل إقامة الحفلات والأعراس.

2- التربية في العصر القديم

حيث كان هذا العصر مقتنعاً أكثر بالأحداث والظروف من التربية البدائية وكلما كان المجتمع بدائياً كلما زاد فيه السحر، وساد في هذا العصر انتقال الإنسان من مرحلة الصيد والرعي إلى استقرار المرحلة الزراعية، وظهرت الوظائف والتخصصات والأوسمة وأصبحت شؤون الحياة معقدة، وأصبح لدى العائلة نوع من الصعوبة للقيام بعملية التربية، وبعد ذلك وجدوا مؤسسسة أو أفراداً مختصين يتبنوهم ويعتنون بالجيل الصغير، عن طريق الخبرة والمعلومات وظهرت بعد ذلك العملية التربوية في الأماكن العامة، كرياض الأطفال وأماكن العبادة ونشأت المدارس وظهرت الكتابة وبدأ الناس يمارسون حياتهم بشكل طبيعي

الصفحة53                                                                                                                                                                  

وقانوني، وبشكل منتظم. وتلاحظ في هذا العصر أن التربية عند العرب كانت تهدف إلى تعلم الصناعة والهندسة والطب والنقوش والفنون

3_التربية في العصور الوسطى :

انقسم هذا العصر على التربية المسيحية والتربية الإسلامية وكان له تأثير مباشر على جميع مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها.

4- المجتمع المدني والصناعي والزراعي: (التربية المعاصرة):

حيث لم تحتل التربية مكاناً بارزاً ومثمراً في ذاك العهد وإنما في عصر  التحول والتقدم والتقنية العلمية، حيث تحولت من عصر الانتقال من المرحلة الصناعية إلى مرحلة الثورة العلمية، وانصب اهتمام رجال السياسة والفلسفة والعلم والفكر بالعملية التربوية ويتولون أهمية كبيرة لها لما تؤديه من خدمات ونقل الأفكار للأجيال اللاحقة.

وبالتالي ازداد الاهتمام بالعملية التربوية في العصر الحاضر ونتيجة لذلك تطورت التربية وتقدمت في هذا العصر وتميزت بعدة ميزات أهمها :

1- أن التربية عملية متقدمة على التعليم، فأصبحت الدول والأمم تهتم بعملية التكيف مع البيئة الطبيعية والاجتماعية.

2 - أصبح الطفل والإنسان محور التربية، وبالتالي يتبع الطفل عملية وضع القانون والمنهاج.

الصفحة54                                                                                                                                                                  

3- أصبحت المدارس متكيفة مع الحياة والطبيعة، وبالتالي أنشئت المدارس في وسط الحدائق والغابات والأماكن العامة.

4- اهتمت التربية بالفرد كإنسان لكي يحقق النمو الإنساني مع الحفاظ على الجانب الاجتماعي، والتكيف مع الجماعة الفردية الاجتماعية الثقافية.

5- أصبح لدى التربية تعاون مع علم النفس والتربية الحديثة أصبحت عملية ميدانية حياتية، تعتمد على المواقف والممارسات اليومية وطرحت قضية التطبيق العلمي لمواجهة الحياة المتغيرة والمخترعات والاكتشافات الحديثة.

6- أصبحت التربية عامة الجميع أفراد المجتمع .

7 - التوسع في المدرسة ويكون لها أثر المدرسة في البيت والمجتمع وأي مكان.

8- الاهتمام بالتكيف التربوي أكثر من الكم التربوي، حيث نهتم بعدد الخريجين وعدد المؤسسات التربوية.

9- الاهتمام بعالمية وواقعية التربية بهدف التوسع التربوي مع التكيف بالمجتمع المحلي على التكيف مع المجتمعات العامة والثقافة الإنسانية.

10- استخدام الأساليب الجديدة وذلك باستعمال الأدوات والأجهزة في العملية التربوية.

أ- التربية المسيحية: كان هدفها إصلاح العالم وتخليص المجتمع من الفساد ولكن الكنيسة رأت في إصلاح المجتمع عن طريق تغير الأفراد أنفسهم، بهذا كانت تتصف التربية المسيحية بالصبغة الدينية الصرفة، وتتم عن 

الصفحة55                                                                                                                                                                  

طريق الأسرة، ثم الكنيسة ومهمتها إعداد الأطفال وتعليمهم التربية الدنيوية الفروسية التي أضيفت إلى التربية المسيحية، وكانت المدارس في عهدها غير موحدة إطلاقاً وبعد ذلك أجبروا على إنشائها.

ب - التربية الإسلامية: لقد انصب اهتمام الإسلام بالتربية وبتربية الأطفال وعلموهم أساليب وطرق التعامل مع إدارة الحياة، واهتم أيضاً بالعلم والتعليم فدرسوا اللهجات التاريخية والقانون والاجتماع والفلسفة والطب والرياضيات والمنطق والتشريع واللغات والفنون، وبالنسبة للمدارس لم تكن موجودة في العصر الإسلامي وإنما كان التعليم في المساجد والحوانيت أو القصور، واتصفت هذه التربية بمجموعة من الخصائص وهي أن معظم المنهج التربوي يكون فيه مصلحة للأفراد وكذلك اهتمامها بالفرق الفردي والمواهب والقدرات، وتتسم بالاستمرارية.

5- التربية في العصر الحديث:

حيث انتشر دور الدول في اختراع الطباعة في العصر الحديث والذي أدى إلى ظهور الترجمة والتأليف ونقل السلطة من الكنيسة والدير إلى السلطة الحاكمة والدولة، وتميزت هذه الفترة بأنها استبدلت الأبحاث اللفظية الجدلية بالأبحاث الواقعية العملية واهتمامها بالصحة الجسدية والنفسية وتهدف إلى تكوين الإنسان ككل في الجسم والعقل والذوق، وقد ظهرت فلسفات تربوية ونظريات  تدعو إلى تغير إطار المدارس التقليدي وإطار الصف والمعلم وإنما تتعدى حدود ذلك أصبحت الإذاعة المدرسية والتلفزيون التربوي، والأفلام السينمائية

الصفحة56                                                                                                                                                                 

وآلات التسجيل والحاسوب وشبكة الإنترنت (شبكة المعلومات (Internet)) وبالتالي لم تصبح التربية حكراً على الأسرة والمدرسة بل أصبحت شاملة تعدت وسائل الإعلام.

ثامنا : أسس التربية

مصطلح أسس التربية نعني به مجموعة من المسلمات أو الفرضيات التي تشكل البناء الهيكلي للتربية، وهذا بدوره يشكل بنية الأساس التطوري للتربية من منظور فلسفي وتاريخي ونفسي واجتماعي وسياسي واقتصادي وديني وثقافي، والهدف من ذلك الوصول إلى نظام مفاهيمي فكري يحدد الأسس العامة للتربية.

أ- الأساس الفلسفي:

مصطلح فلسفة يعني حب الحكمة، وهو مصطلح يوناني، وتعني الفلسفة مجموعة المعارف الإنسانية التي يتلقاها الفرد من المجتمع الذي ينتمي إليه ولذلك لأي مجتمع فلسفته التي تميزه عن المجتمعات الأخرى، وقد تكون فلسفته مكتوبة، أو لا تكون ذلك، كما الفلسفة تنعكس من خلال التربية وتشكل مجموعة القيم والاتجاهات والأفكار، فمن هنا تتشكل بين الفلسفة والتربية العلاقة الوثيقة ويحدث ما يطلق فلسفة التربية، على أية حال يمكن أن تتشكل مصادر الثقافة التطبيقية التي تترجم إلى أفكار وقيم ومن ثم إلى سلوك، حيث للمعلم أن يستخلص النتائج عن طريق الحوار والجدال الذي يجري بين الطلبة وهذا ما يراه سقراط في نظرية التوليد في التربية. ولذلك تم وضع أسس العلاقة

الصفحة57                                                                                                                                                                  

بين الفلسفة والتربية. أما هربرت سبنسر بين العلاقة بين التربية والفلسفة بقوله إن التربية الجادة لا تكون إلا من خلال طريق الفلسفة، ومن اعتقد بأن التربية لا تحقق العلم فهو جاهل.

صفوة القول إن التفكير المنطقي الفلسفي يساعد العلم على التعرف على الأسس والمسلمات التي تقوم عليها المعارف التربوية، وأن المتمعن في الاتجاهات الفلسفية التربوية فإنها تقوم على ثلاثة اتجاهات

1- الاتجاه القهري التسلطي، وفي هذا الاتجاه يكون دور المعلم أو المدير أو المسؤول عن المؤسسة يأخذ القرارات من تلقاء نفسه دون الرجوع للآخرين أو قد يكون المعلم هو مركز الدائرة في عملية التعلم والتعليم.

2 - الاتجاه السائب المطلق (Laisser fair) ، وفي هذا الاتجاه يطلق العنان للموظفين أو الطلبة، ويكون لهم الحرية دون توجب، فعلى سبيل المثال في المدرسة تكون الإدارة في ناحية والمعلمون في ناحية أخرى.

3- الاتجاه الديمقراطي (Democratic) أو الشورى، ويقتضي هذا الاتجاه بأن المعلم أو المدير والتلميذ على وفاق فيما بينهم في اتخاذ القرارات في تطوير التربية والتعليم.

من خلال عرض ما سبق نجد بأن الأسس الفلسفية تركز على عدة مجالات يمكن توضيحها بالشكل الآتي:

الصفحة58                                                                                                                                                                  

(أنضر الشكل الصفحة 59)

ب - الأساس التاريخي للتربية

يعرف التاريخ بأنه مجموعة الأحداث المتعاقبة والمتسلسلة التي تمثل حقبة زمنية محددة أو معينة، ولا بد للتاريخ أن يترك إشارة على التربية والثقافة، ويتبين ذلك من خلال تأثر التربية بالتاريخ ممثلاً ذلك في تقدم أو تخلف المجتمعات والأمم، وخير مثال على ذلك ما حدث للأوروبيين في عصر النهضة.

ولدراسة الأسس التاريخية أهمية في كونها :

1 - تجعلنا نخطط للمستقبل من خلال تعلمنا ما حدث في الماضي وما حدث في الماضي وما تعد له في الحاضر.

2- يمكن من خلال دراسة التاريخ أن تحل مشكلات كثيرة ومتعددة.

3- الابتعاد عن الجهل والميل إلى الثقافة والتثقيف.

وتأكيداً على ذلك يشير إبراهيم ناصر في كتابه مقدمة في التربية بأن هدف التربية في العصور السابقة هو إكساب التلاميذ المعارف والمعلومات العقلية حيث

الصفحة59                                                                                                                                                                  

كانت تهتم بالعقل وتهمل النواحي الجسمية والنفسية والاجتماعية، فكانت تعتمد على حشو دماغ التلاميذ بالمعلومات عن طريق التلقين، وتطورت الاهتمامات وتطورت الطرق وتطورت الأساليب، فأصبحت التربية في العصور الحديثة قائمة على البحث والتجريب والملاحظة، فاهتمت التربية الحديثة في جميع جوانب النمو لدى التلميذ، كما اهتمت بميوله ورغباته وقدراته واستعداداته، وأتاحت له فرص التدريب على جميع أنواع السلوك، ليتسنى له حل مشكلاته الحياتية (1).

ولذلك ترى بأن هناك ارتباطاً وثيقاً بين التربية والتاريخ ولاسيما أنهما يحققان التخطيط لأهداف مستقبلية مستندين بذلك للخبرة في الماضي وعكسها على الواقع.

ج - الأساس النفسي:

إن علم النفس الحديث يؤكد على حاجات المتعلم وميوله ورغباته ودوافعه إلى التعلم، ولذلك نرى هذا العلم يؤكد على أهمية الطرق والأساليب الحديثة في التدريس، وهذا الأساس يهتم بخصائص متعددة للطالب ممثلاً ذلك - الاهتمام بحاجاته وميوله وقدراته ومهاراته و استعداداه وطرق تفكيره وسلوكه، كما يجب الاهتمام بالنواحي العقلية والانفعالية والاجتماعية للفرد المتعلم.

من خلال عرض ما سبق تتحصر الأسس النفسية في ثلاث نقاط وهي على النحو الآتي:

1- التعرف إلى قدرات الطالب العقلية والمعرفية، حيث يمكننا التعرف إلى حاجاته وتكوينه وقدراته وميوله وسلوكه، أي معرفة تكوينه العضوي والسلوكي، بحيث يؤدي ذلك إلى نقل عملية التعلم.

الهوامش :

1-  إبراهيم ناصر، مقدمة في التربية، (ص 21)

الصفحة60                                                                                                                                                                  

2- وضع نظريات تعلم تناسب طبيعة التعلم ومحتواه من ناحية، وقدرات الطالب العقلية وإمكاناته من ناحية أخرى.

3- التركيز على البيئة التعليمية بشقيها الاجتماعي والطبيعي، وتأثير ذلك على الطالب ومدى مناسبة موضوع التعلم وصلاحيته للبيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها الطالب.

وهكذا يتبين أن العلاقة بين التربية وعلم النفس علاقة وطيدة ولاسيما أنها تهتم بالأطفال بشكل أفضل، فأصبح من أهداف التربية تعديل السلوك الإنساني.

فالأسس النفسية إذن تساعد على تشكيل عملية التعليم كما تؤدي إلى استمراريته بشكل أفضل وتجعل المعلم أن يختار أفضل الطرق لتحقيق أهدافها.

د الأساس الاجتماعي:

ارتباط علم الاجتماع بعلم التربية، وظهور ما يسمى بعلم الاجتماع التربوي واستخدمت أساليب متعددة في حل المشكلات الاجتماعية التي تقابل العملية التربوية، فالإنسان ينمو ويتطور بدءاً بالأسرة ومروراً بالمراحل الدراسية، حيث من خلال ذلك تتشكل شخصيته، وللبيئة دور هام في تنمية شخصية المتعلم وجعله قادراً على التكيف والانسجام، وهذا لا يتم إلا وفق العمليات التربوية من خلال عرض ما تقدم يمكن وضع الأبعاد البنائية للمجتمعات.

1 - البناء الأيكولوجي ونقصد به البناء البيئي الطبيعي الذي يحيط بالفرد ممثلاً بالطبيعة كالمناخ والتضاريس.

الصفحة 61                                                                                                                                                                

2 - البناء الوظيفي المهني، ممثلاً ذلك بالمهن التي يختص بها أبناء المجتمع.

3- البناء الاجتماعي الطبقي، ويُعرف ذلك بنظام الشرائح الاجتماعية للسكان ومستوياتهم.

4- البناء المؤسسي، ونقصد به إلى أي مدى يعتمد المجتمع على المؤسسات وتنظيمها في إدارة الأمور بشكل صحيح.

5- البناء السياسي ونعني به نظام الحكم السائد في المجتمع هل هو جمهوري أو ملكي دستوري.

من خلال عرض ما تقدم نجد بأن التربية ترتبط بعلم الاجتماع خاصة في تشكيل المفاهيم القيمية التربوية للمجتمع.

هـ - الأساس السياسي:

لقد بدأت المجتمعات في مرحلة مشاعية من ناحية اجتماعية وسياسية، ولكن أخذت الأمور تتطور فأصبح نظاماً يدعى بالدولة البسيطة أو ما يطلق عليه الحكومة فأصبح لها دور هام في تنظيم أمور الناس، ولكن أصبح لكل دولة فلسفتها السياسية التي تميزها عن باقي الدول، وكانت هذه الفلسفات منذ القدم تستند إلى الفلاسفة فعلى سبيل المثال في الصين فقد انتشرت مبادئ كونفوشيوس و مانشيويس ومن هذه المبادئ الاستعانة بالفضيلة والقدوة الحسنة، وأن يدير الدولة عناصر أكفاء ويكون لديهم العلم والمعرفة ولا يديرها أناس جهلاء لأن ذلك يدمر الدولة.

الصفحة62                                                                                                                                                                 

أما الرومان فكانت تقوم على الاستبداد، وكان شيشرون يعتبر الدولة كالشركة، رئاستها للإمبراطور، وعضويتها للشعب إلى أن جاءت العصور الوسطى، حين سيطرت الكنية على الدولة والسياسة، فضعفت العملية التربوية، وقل الاهتمام بالتربية الدينية ثم جاء الإسلام بسياسته القائمة على احكام القرآن الكريم والسنة (1).

كما تأثرت التربية بالفكر السياسي، فعلى سبيل المثال الإغريق كانت دولتهم تمم إلى ما يسمى بدولة المدينة، وكان في إسبارطه فكر سياسي تربوي ممثلاً بأن. الطفل السليم بعد ابن الدولة.

حيث كانت تلقي الأطفال الضعفاء في الجبال والغابات ليموتوا، حيث هذه التربية السياسية اعتمدت على الأقوياء والأصحاء، كما التربية السياسية الإثنية تأثرت بأفلاطون وبأفكاره الفلسفية، حيث ظهرت هناك حياة ديمقراطية تأثرت بها التربية السياسية.

أما في العصور الحديثة فقد أصبح هناك تغير في الفكر التربوي السياسي حيث تحررت كثير من المجتمعات من الأفكار السياسية التربوية التقليدية وخير مثال ما جاءت به الثورة الفرنسية، حيث انعكس ذلك من خلال كتابات و ما جاء به هيجل من ألمانيا حيث كان يرى بأن هدف التربية هو غرس إرادة . الدولة من خلال إعطاء الأفراد حريتهم، وقد ساد هذا الاعتقاد في كل من ألمانيا

الهوامش:

1- إبراهيم ناصر، مقدمة في التربية، (حي (2).

الصفحة63                                                                                                                                                                  

وإيطاليا وروسيا، كما جاءت أفكار جون ديوي لتمهد الطريق أمام عملية المساواة بين الناس وإزالة الفوارق الطبيعية والتحرر من القيود، والقيام بالعمل الإيجابي للصالح العام، وإعطاء الحرية للأفراد في المشاركة والبناء الاجتماعي لكي يدعم الدولة.

مما تقدم يتضح لنا بأن هناك ثلاث تيارات سياسية تربوية:

الأول : التيار الدكتاتوري وهذا ممثلاً بما تفرضه الدولة على أفراد الشعب.

الثاني :التيار الديمقراطي: وهذا يدعو إلى مشاركة الشعب مع الدولة في بناء

الدولة ويدعو إلى الحرية بين الناس.

الثالث:  التيار التربوي الطارئ وهو نظام يفرض من قبل الدولة حسب ما يستجد من ظروف استثنائية.

ولذلك لا بد من التأكيد على أن هناك علاقة بين التربية السياسية الاجتماعية وسلوك الأفراد.

و - الأساس الاقتصادي:

تشير الدراسات في هذا المجال وبالذات دراسة ميلقين تيومان التي كانت  بعنوان التدرج الاجتماعي الاقتصادي للجماعات بأن هناك علاقة وطيدة بين مستوى الدخل الاقتصادي والسلوك الاجتماعي التربوي ويظهر ذلك بوضع النظام الاقتصادي الذي يسود الدولة أو المجتمع، ولذلك لا بد من التأكيد بأن النظام الاقتصادي الذي يشير إليه المجتمع هو الذي يحدد طرق حياة الأفراد وبالتالي يحدد الملامح الأساسية لتربيتهم.

الصفحة64                                                                                                                                                                  

فالتربية بحد ذاتها تتأثر بشكل أو بآخر بالمستوى الاقتصادي، ويتضح ذلك بأن الدولة الرأسمالية على سبيل المثال كان لها فكر تربوي يختلف عن الدول التي كانت تؤمن بالاشتراكية، وهذا بحد ذاته يشير إلى المهارات والقدرات الندى الأفراد فإن هذا الأساس بعد التقدم الاجتماعي مرتبطاً بالناحية الاقتصادية للأحداث النفسية، ولذلك فإن العلاقة بين الاقتصاد والتربية علاقة متبادلة لمستوى المعيشة يرتبط بالمستويات الثقافية والعملية التي يصل إليها الناس. فوجود أعداد كبيرة من الأميين يؤدي إلى تخلف اقتصادي، كما أن التعليم لا يمكن أن ينمو إلا ينمو اقتصادي، فكلها ارتفع المستوى الاقتصادي وزاد الدخل القومي يتطور التعليم (1).

وهكذا فإنه لم يعد ينظر إلى العملية التربوية بأنها عملية منعزلة عن بقية الجوانب الأخرى كالاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بل أصبحت عملية اقتصادية استثمارية، تؤدي في المحصلة النهائية إلى زيادة مستوى الدخل القومي كما أن هناك الكثير من الأقطار يتوقف اقتصادها على عدد المتعلمين منها.

من خلال ما سبق تتضح صلة التربية بالاقتصاد بأنها صلة وطيدة ولاسيما أن الاقتصاد يحدد المعالم الأساسية للتربية ويؤدي إلى تحديد مستوى السلوك للطبقة الاجتماعية.

الهوامش:

1-  إبراهيم ناصر، مقدمة في التربية، (ص 25).

الصفحة65                                                                                                                                                                  

ز - الأساس الديني :

يعد الدين كما يراه إميل دوركايم بأنه صمام الأمان للإنسان في حياته، وقد انعكس ذلك على أسلوب الحياة، حيث جاءت المعتقدات الدينية القديمة التي ظهرت على مر العصور فأصبحت تسيطر على معتقدات الأفراد وعلى أسلوب حياتهم، كما أصبحت تنظم حياتهم ومعتقداتهم.

كما تشير الدراسات الإنثربولوجية أن هناك عبادات مبعثها الظواهر الطبيعية فالإنسان البدائي عندما كان يقف حائراً عن التفسير العلمي الظاهرة معينة كأن يتأمل لها، ولكنها في المحصلة النهائية تصبح مصادراً للعبادة له فأصبح يقدم لها الهدايا والقرابين إرضاء لهذه القوى. وكان يعتبر أن وراء هذه الظواهر الآلهة يريد أن يتقرب إليها هذا الولاء جاء نتيجة لخوفه، كما ظهرت بعد ذلك عبادة الأشياء المادية كعبادة الأحجار والأشجار والأصنام وأصبح لدى الجماعات سلوك تربوي اجتماعي من خلاله كان الفرد يقدم للمعبود كل ما يستطيع ليتقي شره، وبعد ذلك تطورت ديانات أخرى كالديانة البراهمانية والبوذية والزرادشتية والكونفوشيوسية، فقد أخذت هذه الديانات الشكل الرمزي وسادت في كل من الصين وبلاد فارس والهند.

وفي العصور التي تلت ذلك نزلت الأديان السماوية المعروفة، معتمدة على كلام الله - عز وجل - المرسل للبشر بوساطة الوحي والكتاب. فجاءت اليهودية الشعب إسرائيل، ومن بعدها المسيحية ثم جاء الدين الإسلام للناس كافة.

الصفحة66                                                                                                                                                                  

أما في العصور الحديثة فقد سادت بعض الاتجاهات التربوية أعدت عند بعض الأمم بمثابة الدين وقد أثرت على سلوكهم واتجاهاتهم، ولكن نبقى أن نؤكد بأن علاقة بين الدين والتربية ولاسيما أن الدين يعكس المعتقدات والاتجاهات على السلوك التربوي للفرد وقد ظهرت كتابات كثيرة في علم الاجتماع الديني تمثل بأن هناك علاقة بين الدين والتربية.

ل - الأساس الثقافي:

الثقافة هي مجموعة الممارسات اليومية التي يقوم بها الأشخاص، ولقد تطورت هذه الناحية منذ وجود الإنسان البدائي في تعامله مع البيئة التي يعيش فيه، ومع الآخرين، كما أصبحت هذه الناحية من تقاليد الأمم حيث ظهرت بعض الأفكار والآراء وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة الإنسان، كما ظهرت اللغات لتعطي الإنسان، وأصبحت طريقة جديدة ليعبر الناس عن أنفسهم، وأصبحت مجموعة المعارف تشكل الثقافة، وجاءت كلمة الثقافة لتشير إلى ذلك الجانب الذي قام الإنسان بصنعه بنفسه.

من خلال عرض ما سبق لا يمكن التحدث عن الأصول الثقافية بمعزل عن مجالات الحياة ولذلك نرى أن الثقافة تعكس نفسها على الحياة من خلال ما يطلق عليه بالعموميات والخصوصيات والأبدال، وبالتالي فإن ذلك يشكل المنظومة التربوية، ولذلك فإن التربية تستمد أصولها من الثقافة ولاسيما تعد الثقافة من الأسس التربوية الهامة في بناء سلوك الأفراد واتجاهاتهم.

الصفحة67                                                                                                                                                                  

تاسعا: فلسفات التربية

إن فلسفة التربية تتصل اتصالاً مباشراً بالخبرة الإنسانية، والخبرة الإنسانية أساس للبناء الفلسفي الذي يشكل النظم التربوية والاجتماعية وإذا تحدثنا عن التربية بأنها خبرة إنسانية مضمونها نقل الخبرات البشرية إلى الجيل الجديد فإن فلسفة التربية ما هي إلا مجموعة الطرق الفلسفية التي تطبق من خلالها الخبرات الإنسانية في تفسير الواقع الإنساني ويتمثل ذلك في طرح الأسئلة ووضع الفروض حول هذه الظواهر المراد دراستها مما يسهل تطبيق بعض النظريات في ميادين التربية.

فمن هذا المنطلق يمكن أن نطرح عدة أنواع من الفلسفات المثالية (Idealism)، والواقعية (Realism) والطبيعية (Naturalism) والبرجماتية   (Programtism) والوجودية .(Existentialism).

الفلسفة امثالية (Idealism):

يعتقد أصحاب هذه الفلسفة بأنه يوجد أفكار عامة وثابتة ومطلقة لا يمكن نقاشها، حيث وجدت تلك الأفكار بطريقة معينة، وهي أعلى من مستوى العقل بشكل عام.

كما يرى ديورنت في كتابه قصة الفلسفة، بأن هذه الفلسفة تقوم على الأفكار العلوية، وعالم التجربة اليومية، كما أن العقل الإنساني غير قادر على تفسير بعض الأمور كما يمكن الوصول إلى قمة الحكمة عن طريق الانتقال إلى الأفكار العلوية.

الصفحة68                                                                                                                                                                  

كما اشتمل منهاج التربية في الفلسفة المثالية على عدة أفكار وآراء جامدة غير قابلة للتطور، والتقدم حيث مفاد ذلك أن الثقافة والأفكار أشياء مطلقة يجب عدم الخوض فيها، مما جعل هذه الفلسفة التربوية تؤمن في حشو أدمغة الأطفال بالمعلومات، والتركيز على الناحية الكمية المطلقة دون اللجوء إلى التفكير التحليلي، كما أن هذه الفلسفة تؤمن بالثواب والعقاب، كما يعد أفلاطون من مؤسسي أو رواد هذه الفلسفة (1).

الفلسفة الواقعية: (Realism)

تؤكد هذه الفلسفة على الحقائق بصفتها لا تستقى من الحدس والإلهام بل من الخبرة والتجربة والممارسة، كما أن هذا العالم الذي تنتمي إليه ونعيش فيه يخضع للتجربة والبرهان، وأشهر رواد هذه الفلسفة أرسطو ولكنها تطورت على يد جون لوك الفيلسوف الإنجليزي الذي يؤكد بأن الطفل يولد كصفحة بيضاء ولكن مجموعة التجارب تصله إلى المعرفة، كما تؤمن هذه الفلسفة باتباع المنهج العلمي والمشاهدات المنطقية، كما أن العملية التربوية تتم في أي وقت عن طريق الاستجابات المرسومة للمثيرات المحدودة، وبذلك يستجيب التلاميذ عن طريق مجموعة الخبرات التي يكتشفونها.

الفلسفة الطبيعية (Naturalism)

جاءت هذه الفلسفة كرد فعل على الفلسفات السابقة، فهي تؤمن بالطبيعة ببناء شخصية الفرد كما يرى أصحاب هذه الفلسفة أن واجب التربية أن تعمل على تهيئة الفرصة للطبيعة الإنسانية كي تنمو ممثلاً ذلك بمتابعة قوانين الطبيعة.

الهوامش:

1- ول ديورنت، قصة الفلسفة، ترجمة فتح محمد محمد المشعشع، (ص 56).

الصفحة69                                                                                                                                                                  

كما أن الطبيعة على رأي هذه الفلسفة تمنح الإنسان الصفاء والبراءة والخير كما يرى أصحاب هذه الفلسفة أنه من الواجب أن يتربى الطفل بعيداً عن المجتمع والناس، ويكون ذلك في أحضان الطبيعة، وهذا يبعده عن الضغوطات الانفعالية، وهذا بالتالي ينمي القدرات العقلية لدى الطفل ويجعله قادراً على الابتكار، وواجب التربية أن تعمل على تطور المجتمعات.

الفلسفة البراجماتية (Programtism)

تشير الدراسات في مجال الفلسفة البرجماتية بأن هذا الفرع يطلق عليه بالأدائية أو التجريبية أو العملية أو الذرائعية، كما يرى المنظرون لهذا الاتجاه بأن الطبيعة الإنسانية مرئة ووظيفية، كما أن الحقيقة يمكن معرفتها من نتائجها التجريبية عندما توضع في موقف عملي فعلي يمكن معرفتها من نتائجها التجريبية عندما توضع في موقف عملي فعلي كما يقال إن أصل هذه الفلسفة يعود إلى زمن هر قليطس اليوناني إذ كان يؤمن بفكرة التغير المستمر، كما أن الحقيقة ثابتة ومطلقة.

ومن أهم روادها بيرس (1839-1914) كما انتشرت على يد وليم جيمس (1910-1842) كما تطورت على يد جون ديوي.

ويرى أصحاب هذه الفلسفة أن التربية هي الحياة، وأن من واجب المدرسة كمؤسسة تربوية، أن تستخدم مواقف الحياة في العملية التربوية، لهذا يؤمن هؤلاء بمبدأ التعلم بوساطة العمل (Learning by Doing)، وأن الخطة التعليمية يجب أن يشارك في وضعها التلاميذ وأولياء أمورهم والمعلمون، وكل من له صلة في العملية التربوية انطلاقاً من المبدأ الديمقراطي في اتخاذ القرارات التربوية.

الصفحة70                                                                                                                                                                 

(Existentialism) الفلسفة الوجودية

أهم رواد هذه الفلسفة جان بول سارتر الفرنسي، كما يُعد أول من استخدم كلمة وجود في مضمون فلسفي، في القرن التاسع عشر.

كما أن هذه الفلسفة تنادي بنظام تربوي يطور شخصية الفرد ككل، وتعطيه مطلق الحرية في اكتشاف حقول وميادين المعرفة المختلفة، واختبارها بنفسه والمبدأ الأساسي للوجودية أنها لا تحاول إعطاء إجابات قاطعة بخصوص الحقيقة، والواقع والقيم، بل أن هدفها هو إيقاظ ميل الأفراد.

كما أن أصحاب الفلسفة الوجودية عامة يرون أن الفرد حر، وليس له الخيار في ذلك، فهو مجبر أن يكون حراً، والحرية التي يتمتع بها الفرد تجعله قادراً على أن يعتنق ما يريد، ويفعل ما يريد، على أن يتحمل مسؤولية أعماله، ومن مناهج الوجودية، أن كل شيء خاضع للمناقشة والتحليل، ومن خلال هذا الأسلوب التربوي يستطيع التلميذ أن يصل إلى جوهر المعرفة، ومن واجب التلميذ الوجودي أن يحاول معرفة كل ما يستطيع أن يصل إليه، والوجودية ترفض التربية القائمة على الحفظ والتلقين. وإنتاج الأفراد المتشابهين وكأنهم في مصنع.

الصفحة71                                                                                                                                                                  

خاتمة:

في هذه الوحدة تم استعراض مفهوم التربية وأنواعها ووظائفها، وضرورتها كما تطرقت هذه الوحدة إلى كل من الأسس الفلسفية والدينية والاجتماعية والنفسية والتاريخية والثقافية والاقتصادية، ولقد تم التطرق إلى أنوع الفلسفات التربوية المختلفة وتطرقها إلى التربية كالمثالية والواقعية والوجودية والبرجماتية وما إلى ذلك من فلسفات أخرى.

كما تم التطرق إلى علاقة التربية بالعلوم الإنسانية الأخرى كعلم الاجتماع والنفس والاقتصاد والدين والسياسة.

وتوضيحاً لذلك يمكن أن تقدم المخطط الهيكلي الآتي:

(أنضر للمخطط الهيكلي الصفحة 71)

الصفحة75                                                                                                       

الوحدة الثالثة : تعريف المجتمع

                                                           

تمهيد:

إن تشكيل وبناء المجتمعات تتطور وفقاً لمراحل متسلسلة ومترابطة عبر التاريخ الإنساني، ولذلك نجد كثيراً من الدراسات في مجال علم الاجتماع العائلي، وبالذات دراسة أصل العائلة تؤكد على أهمية تطور المجتمعات وتشكيلها عن طريق سلوك الصراع والتنافس والتعاون والتشكيل الاجتماعي ولذلك فإن تحديد هوية المجتمع تتشكل من خلال عمليات البناء الاجتماعي التي تستند إلى عملية التشكيل الاجتماعي. وتحديد الهوية الاجتماعية، ولهذا سنتطرق في هذه الوحدة إلى عدة مواضيع تعريفاً بالمجتمع، وأنواعه والنظريات التي فسرت ذلك، وكيفية تشكيل العادات والتقاليد.

أولا : تعريف المجتمع

تشير الدراسات في مجال علم الاجتماع بأن المجتمع مجموعة من الجماعات ترتبط بخصائص موحدة متمثلة باللغة والعادات والتقاليد، وبشكل عام فإن  هذا المجتمع قد يعيش على أرض تحدد سمته كأن نقول المجتمع الغربي أو المجتمع الإفريقي أو الأوروبي .... إلخ.

وتشير بعض الدراسات إلى أن المجتمع قد يحتوي على مجموعات غير متجانسة في بعض الأحيان كأن نقول بأن هناك بعض المجتمعات تحتوي على جماعات في داخلها لا تتحدث بلغة المجتمع أو حتى لا يكون لها دين بنفس ما يدين به المجتمع.

الصفحة76                                                                                                                                                                  

وللمجتمع أهمية كبيرة في العملية التربوية خاصة في عملية التنشئة الاجتماعية ولذلك لكل مجتمع ثقافته وفكره التي تحدد هويته.

فالدراسات التاريخية تؤكد بأن المجتمعات تتكون من مجموعة من الأمر الصغيرة فيما بعد تحولت إلى أسر ممتدة (Extended Families) ويعرف المجتمع بأنه عبارة عن مجموعة من الأفراد لهم غايات معينة ويسعون لتحقيقها فعلى سبيل المثال المجتمع ماء المجتمع له صفات خاصة تميزه عن المجتمعات الأخرى، وتشير دراسات كثيرة حول هذا المجال وبالذات دراسة ( ملفن تيومان) الذي يؤكد بأن المجتمعات منذ بداية تأسيسها كان لها سمات تميزها عن بعضها بعضاً فعلى سبيل المثال كان ينظر للمجتمع الأوروبي في العصور الوسطى بأنه مجتمع تسيطر عليه الكنيسة وهناك مجتمعات أيضاً أطلق عليها اقتصادية وأخرى زراعية حيث تختلف تبعاً لصفتها التي تطلق عليها (1).

أما وجهة نظر الفلاسفة المسلمين في المجتمعات فإن لها أهمية ولاسيما أنها تحترم الإنسان وتجعله قادراً على التوافق والانسجام وهذا ما دعا إليه الفارابي.

 أما ابن خلدون فيرى أن المجتمع هو الذي يشكل الحضارة والمدينة وهذا ما ذكره في مقدمته كما أن الإنسان مدني بطبيعته فهو كائن اجتماعي يشعر بالحاجة إلى سواه من الناس لكي يتعامل معهم والاختلاط بهم وإعطائهم والأخذ منهم كما يرى أن الفرد دائماً بحاجة إلى بني جنسه لإشباع حاجاته الأساسية والقانونية.

الهوامش:

1- ملفين تومان، الطبقية الاجتماعية، (ص 106).

الصفحة76                                                                                                                                                                  

المجتمع: عبارة عن مجموعة من الأفراد الذين يعيشون معاً يتعاون وتضامن ويرتبطون بتراث ثقافي محدد، كما أنهم يكونون مجموعة المؤسسات التي تؤدي لهم الخدمات اللازمة في حاضرهم، وتضمن لم مستقبلاً مشرفاً في شيخوختهم وتنظم العلاقات فيما بينهم.

من خلال عرض ما سبق يمكن القول بأن المجتمع هو جماعة من الأفراد عاشوا معاً مدة تكفي لأن ينتظموا وأن يعتبروا أنفسهم وحدة اجتماعية ذات حدود واضحة المعالم.

ما عناصر المجتمع ؟

في كتاب نيقولا تيماشيف نظريات علم الاجتماع حيث نجد أو جست كوم يؤكد بأن المجتمع يتكون من عنصرين هامين هما (1)

1- الإستاتيكيا الاجتماعية البناء.

2- الديناميكية الاجتماعية: التفاعل

الإستاتيكا الاجتماعية (البناء الاجتماعي)

يتكون من ثلاث عناصر وهي:

1- مجموعة الأفراد.

2- البيئة الاجتماعية.

3- البيئة الطبيعية.

الهوامش:

1- نقولا يتماشيف، نظرية علم الاجتماع: طبيعتها وتطورها، (211).

الصفحة77                                                                                                                                                                  

مجموعة الأفراد: هي مجموعة الناس الذين يعيشون معاً ويمكن أن نحددهم بخمس صفات وهي:

أ- عدد السكان في الجماعة المحلية المحيطة جماعة كبيرة أو صغيرة.

ب - الجنس والسن (ذكور / إناث صغار / شباب كبار).

ج -  مستوى التعليم (أميين متعلمين).

د - الأجناس والقوميات.

هـ - المستويات الاجتماعية للجماعة (فقراء / أغنياء).

البيئة الاجتماعية: ويقصد بذلك التنظيم الاجتماعي أو الدوائر الاجتماعية التي تقوم على خدمة الجماعة في المجتمع الواحد.

أ-المؤسسات ونعني بها مجموعة الدوائر التي تكون على درجة كبيرة من الاستقرار ولها قانون و دستور خاص بها مثال ذلك الأسرة والمدرسة ودور العبادة والإدارات الحكومية.. إلخ.

ب - الجماعات وهي التي تتكون من مجموعة من الأفراد ولها نظام خاص كالغرف التجارية أو مكتب الخدمات الاجتماعية أو مراكز الشبان .. إلخ.

ج - مشروعات خاصة وهي منظمات أنشئت أساساً للكسب وقد تكون مشروعاً أو مشاريع يديرها فرد واحد أو مجموعة من الأفراد وقد تدار تعاونياً أو نقابياً.

الصفحة78                                                                                                                                                                  

د التجمعات وقد تكون مؤقتة آنية وهي تجمع لمجموعة الأفراد وينشأ هذا

التجمع من أجل خدمة معينة وليس لهذه التجمعات دستور خاص أو نظام معين بل يجتمعون من أجل غرض معين ويذهب كل منهم في حال سبيله بعد انتهاء الغرض الذي تجمعوا من أجله. وخير مثال على ذلك جماعة جني المحصول الزراعي في الريف ممثلاً ذلك بالحصاد كقطف الزيتون .. إلخ.. البيئة الطبيعية ويتضمن ذلك كل ما في البيئة من أوضاع طبيعية ليس للإنسان يد في تكوينها كالمناخ، ويشمل درجات الحرارة والبرودة والرطوبة والعواصف والرياح وكمية الأمطار، ويقصد بها تخطيط الأماكن كمعرفة في تضاريس الأرض التي يقطنها المجتمع ممثلاً ذلك بسهولها وجبالها وطرق مواصلاتها وحجمها السكاني، أما التربة فتشمل نوعها رملية طينية .. إلخ ودرجة خصوبتها وسهولة استغلالها.

الديناميكية الاجتماعية ( التفاعل الاجتماعي)

تشير نظرية تشارلز كولي بأن العلاقات الاجتماعية بالمجتمع لها أهمية في تحديد سمات المجتمع فهذه العلاقات قد ترتبط ببعضها وتشكل في بعض الأحيان نوعاً من التوافق والانسجام والتكيف بين الأفراد وقد يكون بين الأفراد نوع من التنافس والصراع وعدم التعاون.

أما أوجست كونت فيرى بأن مجموعة العادات والتقاليد تشكل القيم الثقافية الاجتماعية (Social Culture) وهذا الذي يؤكده كونت بأن التفاعل الاجتماعي بين الأفراد يشكل نمطية الحياة للمجتمع.

الصفحة79                                                                                                                                                                  

وهناك كثير من النظريات منها من أكد على التوازن في العلاقات الاجتماعية كنظرية هربرت سبنسر وأوجست كونت التي أكدنا على أهمية التوازن في إيجاد مجتمع فيه نوع من الاستقرار، خير مثال على ذلك نظرية سبنسر التي أكدت على أهمية علم الحياة الاجتماعي (Social Biology) بحيث تشبه المجتمع بالكائن الحي، أي أن أعضاء الجسم كلها تقوم من أجل خدمة نسق متكامل يطلق عليه الجسم البشري، وكذلك الحال بالنسبة للمجتمع، فإن مؤسسات المجتمع سواء أكانت رسمية أو غير رسمية فإنها تقوم من أجل خدمته بحيث يؤدي في المحصلة النهائية إلى التوازن.

أما نظريات الصراع التي يمثلها دارن درندوف وماركس فقد أكدتا بأن العلاقات الاجتماعية في مجملها تقوم على الصراع والتنافس بين أفراد المجتمع لكي تشكل بالمحصلة النهائية الاستقرار وهذا ما أكده باريتو في سياق حديثه عن تكوين المجتمعات (Foundation of Societies) إن النسق الاجتماعي (المجتمع) لا يقبل أن يخرج أحد مكوناته عنه (انفصال مجموعة من المجتمع عن الدولة) فإنه في هذه الحالة تحرك ميكانزماته الدفاعية لإعادة الوضع كما كان عليه، فالتفاعل هنا يقوم على الصراع ومن ثم الاستقرار.

ثانيا : أنواع الجماعات أو المجتمعات

إن تشكيل المجتمعات وتأسيسها يكون تبعاً لظروف تتحكم بتشكيلها، فقد تكون ممثلة بالظروف الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية، ولهذا قد نقول بأن هذا الاختلاف يعزى لطبيعة الظروف السياسية، فعلى سبيل المثال يقسم الكتاب

الصفحة80                                                                                                                                                                  

السياسيون المجتمعات إلى تقسيمات تابعة لأنظمة الحكم، وينظرون بأن هناك مجتمع أميري أو جمهوري أو ملكي ديمقراطي أو سياسي.

أما التقسيم الاجتماعي فقد نقول بأن هذا المجتمع بدوي مدني ريفي أو (متجانس / غير متجانس).. إلخ.

وقد يقسم المجتمع تبعاً لطبيعة المهنة التي يقوم بها كأن نقول مجتمع زراعي أو صناعي (1).

خلاصة القول إن تقسيمات المجتمع لها أهمية في تحديد نوعه ولهذا لا تستغرب أن شينجلر وتومبي أكدا أن الحضارة الإنسانية قد تمر بمراحل عديدة ومتابعة لمجتمعات، كما أن لها أنظمة حكم تدير شؤونها، وتنظمها قوانين خاصة بها، فالتطور الذي حدث بدءاً بالمجتمعات البدائية التي كان الناس يعتمدون فيها على الالتقاط والصيد والرعي، ثم جاء بعد ذلك المرحلة الزراعية واستخدمت الأدوات الزراعية البدائية واستقر الناس حول الوديان وقرب منابع المياه وعلى ضفاف الأنهار، ثم جاءت مرحلة الزراعة المتقدمة واستخدموا الآلات الزراعية الحديثة، وبعد ذلك جاءت الثورة الصناعية باختراع الآلة البخارية البسيطة، ومن ثم انتقلت بعض الحضارات إلى المرحلة الصناعية الكاملة ويعيش في هذه المرحلة أغلب سكان العالم، كما أن مرحلة الثورة الفكرية امتازت بالتطور التكنولوجي الحديث ممثلاً بالعقول الإلكترونية كما يقيس في

الهوامش:

1- نبيل عبد الهادي، محاضرات في التربية والمجتمع، جامعة القدس، 2001

الصفحة 81