أصول التربية

المؤلف: عبد الغني محمد إسماعيل العمراني

التصنيف: علوم التربية

عرض PDF

الوصف:

عبد الغني محمد إسماعيل العمراني، أصول التربية، دار الكتاب الجامعي، الطبعة الثانية 1435ه الموافق ل 2014و، صنعاء.

مقدمة الطبعة الثانية 




  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين محمـد بـن عبـد الله وعلى آله الطاهرين، وصحابته الميامين. 

وبعد،،،

  تأتي الطبعة الثانية من كتاب "أصول التربية" بعد نفاد الكمية من طبعته الأولى التي صدرت عام 2012م، وقد قام المؤلف بإحداث تعديلات قليلـة علـى الطبعة الأولى حتّمتها عليه خبرته في تدريس هذا المقرر في جامعة العلوم والتكنولوجيا ، كما قام بمراجعة الطبعة الأولى وتصحيحها وتنقيحها.

  أسأل الله تعالى أن تظهر هذه الطبعة في ثوبها الجديد منقحة ومزيدة محققة للأهداف التي يصبو إليها.

  ويأمل المؤلف أن يجد هذا الكتاب طريقه إلى طلبة كلية التربية، وإلى العاملين في العملية التربوية ليكون عونا ومساعداً لهم في تحقيق برامجهم التعليمية، ومرجعاً للمربين لإثراء معارفهم وخبراتهم التربوية.

  ولا يسع المؤلف في هذه المقدمة إلا الاعتذار إذا ظهر في هذه الطبعة نواحي قصور ونقص، والكمال دائماً لله.

والله الموفق.

صنعاء 11 من شعبان 1435هـ ، الموافق 9 من يونيو 2014م

عبد الغني محمد إسماعيل العمراني


الصفحة10


مُقَدِّمَة


   بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصبحه ومن والاه وبعد 

         لقد برزت أهمية التربية وقيمتها في تطوير الشعوب وتنميتها الاجتماعية والاقتصادية وفي زيادة قدرتها الذاتية على مواجهة التحديات الحضارية التي تواجهها، كما أن التربية ضرورية لبناء الدولة العصرية ، وإرساء الديمقراطية الصحيحة والتماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية. إضافة إلى ذلك فالتربية عامل مهم في إحداث التغير الاجتماعي والتربية تستند إلى عدة أصول في مقدمتها الأصول التاريخية ثم الأصول الثقافية والاجتماعية والدينية والفلسفية.

  ولأهمية مقرر" أصول التربية" جعلت معظم الجامعات وبخاصـة كليـات التربيـة هـذا المقـرر مـن متطلباتها، كما هو الحال في جامعة العلوم والتكنولوجيا التي جعلت هذا المقرر من متطلبات قسم العلوم الاجتماعية في برامج رياض الأطفال، وعلم النفس، وعلم الاجتماع.

  يهدف هذا الكتاب إلى التعريف بمفهوم التربية وأهدافها ، وضرورتها ، وصلتها بالعلوم الأخرى مع إبراز دور التربية في التغيير الاجتماعي والتطور الاقتصادي. كما يهدف إلى تنمية الاتجاهات السليمة نحو مهنة التدريس. وقد جاء تقسيم هذا الكتاب إلى ثماني وحدات، وهي:

الوحدة الأولى : مفهوم التربية وأهميتها وأهدافها وعلاقتها بالعلوم الأخرى.

الوحدة الثانية : الأصول التاريخية للتربية.

الوحدة الثالثة : الأصول الاجتماعية والثقافية للتربية.

الوحدة الرابعة : الأصول الفلسفية للتربية.

الوحدة الخامسة : بعض القضايا المرتبطة بالتربية، مثل: المعرفة، والقيم، والخبرة.

الوحدة السادسة : أصول التربية الإسلامية

الوحدة السابعة : من أعلام الفكر التربوي الإسلامي، وقد تم فيها تناول بعض الشخصيات التربوية على مستوى العالم الإسلامي واليمني، منهم: ابن سينا والغزالي وابن خلدون، والشوكاني

والبيحاني.

الوحدة الثامنة : التربية الغربية في العصر الحديث.

  في الختام أمل أن يكون هذا الكتاب مفيداً لأبنائي الطلاب، إذ سيجدون فيه خلفيـة عـن أصـول التربية، تنعكس إيجاباً على حياتهم التربوية والمهنية، وأن يسهم في رفد المكتبة التربوية العربية.

والله من وراء القصد.

(د. عبد الغني محمد إسماعيل العمراني

مدينة هرجيسا / جمهورية أرض الصوما

الاثنين:23 من ذي القعدة، الموافق8 /10/2012م)

الصفحة11


مفهوم التربية وأهميتها وأهدافها وعلاقتها بالعلوم الأخرى




مفهوم التربية وأهميتها وأهدافها وعلاقتها بالعلوم الأخرى

  عزيزي الطالب، للوقوف على مفهوم أصول التربية بصورة واضحة لا لبس فيها، علينا أن نقف على مدلول كلمة أصول ثم معنى كلمة تربيـة مـن جانبين الجانب اللغوي العام لمعنى تربية، والجانب الاصطلاحي الخاص كما يراه علماء التربية على اختلاف مذاهبهم وأفكارهم ومناهجهم. 

فما المقصود بالأصول؟

مدلول كلمة أصول :

الأصل في اللغة :

  الأصل في اللغة أسفل كل شيء، وجمعه أصول. وأصول العلوم: قواعدها التي تبنى عليه الأحكام. وأصل الشيء أساسه الذي يقوم عليه ومادته التي يتكون منها أصل الموضوع " مَا قَطَعْتُم مِّن لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَابِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِئَ الْفَسِقِينَ 5" (1). وأصل الشيء منشؤه الذي ينبت منه؛ فالشجرة أصلها حبة تتكون من ريشة وجذير، الذي هو أصل وأساس الجذور التي نسميها بالجذور الأصلية(2)، والأصل أيضاً كـرم النسب، قال الشاعر :

لعمرك ما يغني الفتى طيب أصله وقد خالف الآباء في القول والفعل(3)

وأَصل فيما يُنسخ : النسخة الأُولى المعتمدة.(4)

الهوامش: 

1 ) الحشر : 5.

2 ) الطبيب، أحمد ، ( 1999) ، أصول التربية ، (د.ط) ، (الطبعة الأولى) : الإسكندرية : المكتب الجامعي

الحديث ، ص : 35

3 ) الشاعر هو صفي الدين الحلي من ديوانه الجزء:1، ص: 1167.

4) موقع " المعاني" الإلكتروني متوفر على 

http://www.almaany.com الرابط: 

 تاريخ النسخ: 2014/4/17

الصفحة14

المعنى الاصطلاحي:

  للمدلول الاصطلاحي للأصول عدة معان.   

1. ( الدليل ) يقال : أصل هذه المسألة الكتاب والسنة) أي دليلها، وأصل هذه المسألة ( الإجماع ) أي دليلها الإجماع.

2. ( الراجح أو الرجحان ) مثل : الكتاب أصل بالنسبة للقياس فالراجح هو الكتاب.

3. وكذلك بمعنى القواعد العامة، مثل: أصول الفقه أصول النحو... الخ.

  يتبين مما سبق أن أصول التربية كل ما تستند إليه التربية من مبادئ وأسس ومفاهيم وأساليب نظرية وتطبيقية تحكم العمل التربوي وتوجه الممارسات التربوية، وبذلك، تعد الأصول التربوية: القاعدة لـكـل العـلـوم التربوية. 

  وإذا كان لكل شيء أصل يستند إليه وينطلق منه، فالتربية لا تستند إلى أصل واحد، أو تنطلق من مفهوم واحد ، وإنّما تتعدد مفاهيمها وتتنوع أصولها حسب تغيرات الوقت وتطورات الزمن وثقافة المجتمعات. وبناء عليه فإن التربية تستند إلى عدة أصول في مقدمتها الأصول التاريخية ثم الأصول الثقافية والاجتماعية والدينية والفلسفية (1). وإذا كنت عزيزي القارئ مفهوم الأصول فما مفهوم التربية.

 الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه والصفحة نفسها.

الصفحة15

مفهوم التربية : 

معنى التربية لغة واصطلاحا :

 تعريف التربية لغة : 

   إذا رجعنا إلى معاجم اللغة العربية وجدنا لكلمة التربية أصولا لغوية ثلاثة(1)

الأصل الأول : ربا مضارعه يربو بمعنى زاد ونما، وفي هذا المعنى نزل قوله تعالى:( وَمَا ءَاتَيْتُم مِّن رِبَا لِيَرْبُوا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُوا عِندَ اللَّهِ وَمَا ءَانَيْتُم مِّن ذَكَوْةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَيكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ) - الروم : 39. 

 الأصل الثاني: ربي مضارعه يربي على وزن خفي يخفي، بمعنى : نشأ وترعرع . وعليه قول ابن الأعرابي"(2).

الهوامش: 

 1 ) ابن منظور، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري ،( د. ت) ، لسان العرب، (الجزء 14) ، ( الطبعة الأولى)، بيروت دار صادر ، ص : 304 والفيروز آبادي، محمد بن يعقوب، (د.ت)، القاموس المحيط (الجزء الأول) ، (د.ط)، بيروت: دار صادر، ص: 1659 . و النحلاوي، عبد الرحمن ، (1983) ، أصول التربية الإسلامية في البيت والمدرسة والمجتمع، (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الفكر المعاصر، ص: 12 . والباني، عبد الرحمن، (1983)، مدخل إلى التربية في ضوء الإسلام، (الطبعة الثانية)، بيروت المكتب الإسلامي، ص: 8. 

2) ابن الأعرابي إمام اللغة أبو عبد الله محمد بن زياد بن الأعرابي الهاشمي مولاهم الأحول النسابة، ولد بالكوفة سنة خمسين ومئة، ولم يكن في الكوفيين أشبه برواية البصريين منه، وكان يزعم أن أبا عبيدة والأصمعي لا يعرفان شيئا قال مرة في لفظة رواها الأصمعي سمعتها من ألف أعرابي بخلاف هذا قال ثعلب لزمت ابن الأعرابي تسع عشرة سنة، وكان يحضر مجلسه زهاء مئة إنسان وما رأيت بيده كتابا قط انتهى إليه علم اللغة والحفظ قال الأزهري ابن الأعرابي صالح زاهد ورع صدوق حفظ ما لم يحفظه غيره وسمع من بني أسد وبني عقيل فاستكثر وصحب الكسائي في النحو وأبوه عبد سندي قلت له مصنفات كثيرة أدبية وتاريخ القبائل، وكان صاحب سنة واتباع مات بسامرا في سنة إحدى وثلاثين ومئتين قيل كان ربيب المفضل بن محمد الضبي صاحب المفضليات فأخذ عنه وكان يقول جائز في كلام العرب أن يعاقبوا بين الضاد والظاء يقال مات في ثالث عشر شعبان، المصدر : سير أعلام النبلاء.

الصفحة16

فمن يك سائلا عني فإني             بمكة منزلي و بها ربيتُ.  

   وفي ذلك يقول تعالى على لسان فرعون الموسى عليه السلام  (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ )(الشعراء: 18).

 الأصل الثالث : ربَّ مضارعه يربّ على وزن مد يمد بمعنى أصلحه ، وتولى أمره، وساسه وقام عليه ورعاه . ومن هذا المعنى قول حسان بن ثابت كمـا أورده ابن منظور في لسان العرب: 

ولأنت أحسن إذ برزت لنا يوم الخروج بساحة القصر    

من درة بيضاء صافية مما تريب حائر البحر  

  وخلاصة ذلك أن مفهوم التربية اللغوي انحصر في معاني النمو والنشأة والإصلاح . وهي معان يكمل بعضها الآخر؛ مما يؤدي إلى المفهوم الشامل للتربية. 

تعريف التربية اصطلاحاً :

 هو ما اصطلح عليه العلماء المشتغلون بالتربية :    

فعرفها بعض علماء الغرب مثل أفلاطون بأنها إعطاء الجسم والروح كل ما يمكن من الجمال والكمال. 

  ويرى أرسطو أن التربية : إعداد العقل لكسب العلم كما تعد الأرض للنبات والزرع. 

  ويرى المفكر البريطاني سبنسر أن التربية إعداد الإنسان ليحيا حياة كاملة. ويرى جون ديوي أن التربية هي الحياة نفسها ، وليست مجرد إعداد للحياة. 

وعرفها بعض علماء المسلمين مثل ابن سينا بأنّها : عادة أي فعل الشيء الواحد مراراً.

   ويرى ابن خلدون أن التربية عملية تنشئة اجتماعية للفرد لتعويده بعض العادات والقيم السائدة في المجتمع وإكسابه المعلومات والمعارف الموجودة في المجتمع.

الصفحة17

  ويرى الغزالي أن غاية التربية هي تزكية النفس وطهارتها. في حين يرى البيضاوي أنها تبليغ الشيء إلى كماله شيئاً فشيئاً. 

  وبالنظر في التعريفات السابقة نجد أن كلا منها ينظر إلى التربية من زاوية معينة حسب تخصصه.

  وكما اختلف المفكرون التربويون السابقون في تعريف التربية، أيضا اختلف التربويون المعاصرون، فكان هناك العديد من التعاريف نختار أربعة منها وهي:

 1. التربية هي: العملية المقصودة أو غير المقصودة التي يحددها المجتمع حسب ثقافته لتنشئة الأجيال الجديدة بما يجعلهم على علم ووعي بوظائفهم في

المجتمع.

2. التربية هي: العمليات التي يتفاعل معها الإنسان المتعلم من أجل النهوض بقواه.

3.التربية هي: العقلية والفطرية والإدراكية والانفعالية والاجتماعية والحركية وإكسابه الخبرة المعرفية لمواجهة الحياة والتكيف معها.

4. التربية: هـي عملية تطبيع مع الجماعة وتعايش مع الثقافة وبذلك تكـون حياة كاملة وتحت ظروف معينة وفي ظل حكم معين وتمشي مع نظام محدد وخضوعاً لعقيدة ثابتة فهي عملية تشكيل وصقل للإنسان.

  ونجد أن التربية بمعناها الضيق هي كل ما يتصل بالتعليم والمدرسة ، أما بمعناها الواسع : فهي جميع العمليات الاجتماعية والفردية التي يمر بها الإنسان في جميع مراحل حياته ، من طفولته و نضجه إلى شبابه وهرمه.

  والتربية الصحيحة هي التي لا تفرض على الفرد فرضا ، بل هي التي تأتي نتيجة تفاعل عفوي بين المعلم والمتعلم، أو بالأحرى بين التلميذ والمربي الماهر.

    Peedagogy و قد يشار إلى التربية البيداغوجيا 

التي ترجع إلى أصلها الإغريقي الذي يعني توجيه الأولاد حيث تتكون هذه الكلمة من مقطعين الأول:  بيد و تعني طفل ، و المقطع الآخر أݣوجي و أصله أُݣُجي و تعني القيادة و التوجيه ، و البيداغوج يعني عند الإغريق المربي أو 

الصفحة18

المشرف على تربية الأولاد، والبيداغوجيا تعني توجه الأطفال وقيادتهم وتربيتهم. وفي معجم العلوم السلوكية أنَّ التربية تعني التغيرات المتتابعة التي تحدث للفرد، والتي تؤثر في معرفته واتجاهاته وسلوكه، وهي تعني نمو الفرد الناتج عن الخبرة أكثر من كونه ناتجا عن النضج.  

  فالتربية عموما تعتبر عملية شاملة، تتناول الإنسان من جميع جوانبه النفسية والعقلية والعاطفية والشخصية والسلوكية وطريقة تفكيره وأسلوبه في الحياة، وتعامله مع الآخرين، كذلك تناوله في البيت والمدرسة وفي كل مكان يكون فيه، وللتربية مفاهيم فردية، واجتماعية، ومثالية.

التربية بالمعنى الفردي: 

  هي إعداد الفرد لحياته المستقبلية، وبذلك فهي تعده لمواجهة الطبيعة، كما تكشف بذلك عن مواهب الطفل واستعداداته الفطرية، وتعمل على تنميتها وتفتحها وتغذيتها. 

أما بالمعنى الاجتماعي:

  فهي تعلم الفرد كيف يتعامل مع مجتمعه وتعلمه خبرات مجتمعه السابقة، والحفاظ على تراثه لأن التراث هو أساس بقاء المجتمعات، فالمجتمع الذي لا يحرص على بقاء تراثه مصيره الزوال، وبذلك فالتربية بالمعنى الاجتماعي تحرص على تمكين المجتمع من التقدم وتدفعه نحو التطور والازدهار.

وبالمعنى المثالي:

  فهي تعني الحفاظ على المثل العليا للمجتمع، الأخلاقية والاقتصادية والإنسانية النابعة من تاريخ الأمة ومن حضارتها وثقافتها ومن خبراتها الماضية ومن دينها، وعن طريق تعاملها وعلاقتها بالأمم الأخرى، وعلاقات الأفراد فيها وغيرها. 

  عموما فالتربيـة مـا هي إلا وسيلة للتقدم البشري في كل مكان وللعمليــة التربوية ثلاثة أطراف هي المربي والمتربي والوسط الذي تتم فيه العملية التربوي، وهي عملية هادفة لا عشوائية، أي أنها عملية نمو اجتماعي وإنساني لا تقوم على

الصفحة19

التلقين، وإنما هي مبنية على التفاعل بين طرائقها الخاصة للوصول إلى عقل المتربي ولتوجيهه وتربيته.

  أما التربية بمفهومها الحديث فتنظر إلى الطفل كنقطة انطلاق في عملية التربية التي ترتبط بالحياة سواء في بنائها كعملية تربوية أو في نتائجها المعرفية والسلوكية، فالطفل هو مركز العملية التربوية وتنميته هي هدفها. 

  ولقد أقر مجمع اللغة العربية في مصر تعريف التربية : "بأنها تبليغ الشيء إلى كماله، أو هي كما يقول المحدثون تنمية الوظائف النفسية بالتمرين حتى تبلغ كمالها شيئا فشيئا".

  وهي كذلك عملية تهذيب للسلوك، وتنمية للقدرات حتى يصبح الفرد صالحا للحياة، فهي عملية تغذية، وتنشئة، وتنمية جسدية وخلقية وعاطفية. وعندما نتكلم عن التربية، فنعني بها تلك التي تعوّد الطفل على التفكير الصحيح والحياة الصحيحة بما تزوده من معارف وتجارب، تنفع عقله، وتغذي وجدانه، وتنمي ميوله ومواهبه وتعوده العادات الحسنة، وتجنبه العادات السيئة، فينشأ قوي الجسم، حسن الخلق، سليم العقل، متزن الشخصية، قادراً على

أداء رسالته في الحياة.

تطور مفهوم التربية :

  لقد تغير مفهوم التربية تبعاً لتغيرات الزمن وتطور المجتمع  (الاجتماعية الثقافية) واتساع النظرة إلى ميدان التربية وتطورها ؛ مما أدى إلى حدوث تطورات بهذا المفهوم منها :

1. انتقال مفهوم التربية وميدانها من الجهود المبعثرة إلى الجهد المنظم، فقد كانت تربية الطفل مسؤولية الأسرة ثم أصبحت مسؤولية عدة مؤسسات.

2. انتقالها من مرحلة تعليم الصفوة إلى قيام الدولة بذلك. 

3. انتقالها من عملية تعليمية طبيعية تعنى ( بالحفظ ) إلى عمليـة ثقافيـة حضارية شاملة ( حيث أحدث هذا المفهوم تكاملاً بالأبعاد الجسمية والنفسية والانفعالية والاجتماعية. 

4. انتقالها من عملية مرحلية إلى عملية مستمرة، فقد كانت تنتهي بمرحلة تعليمية معينة، أما اليوم أصبحت مستمرة طيلة حياته..

الصفحة20

5. انتقلت من عملية مرحلية إلى عملية تحتاج إلى إعداد وتدريب.

6. كان يمارسها كل شخص، حيث كانت مهنة من لا مهنة له، أما اليوم فقد أصبحت مهنة ، إذ من يقوم بها يحتاج إلى إعداد وتدريب.

7. انتقلت من عملية تقليدية تعتمد على المعلم في تلقين المعلومات إلى عملية حديثة تعتمد على تشجيع الطالب على البحث عن المعلومات واسترجاعها، واستخدام البرمجيات الحاسوبية التعليمية، والتفاعل بين المعلم والطالب والعكس.

 8. انتقل المفهوم من كونه عادياً تقليدياً إلى مفهوم النظم التربوية، وساعد على ذلك تطور استخدام تكنولوجيا المعلومات وخاصة الحاسوب والإنترنت. 

خصائص مفهوم التربية :

  تعددت مفاهيم التربية واختلفت حسب اختلاف وجهات النظر، وحسب تطورات هذا المفهوم، والتغير الاجتماعي والثقافي الذي صاحبه وأثر فيه، ولكننا نخلص في النهاية إلى أن أقرب المفاهيم للتربية هو المفهوم الإسلامي، الذي يشمل الإنسان روحياً ومادياً، والذي اعتبر أشمل مفهـوم مــن مـفـاهـيـم التربية ، لذلك فإنّ هذا المفهوم لابد أن تبرز له خصائص وصفات منها الخصائص الآتية(1) :

1. إن التربية عملية تكاملية :

  وهذا يعني أن التربية لا تقتصر على جانب واحد من جوانب شخصية الفرد ؛ بل تتناول جميع جوانبه الجسمية والعقلية والنفسية والخلقية، وأيضاً فهي تربية لضميره، وتسخير لعواطفه في مجال الخير والبر، وتحكيم هذا الضمير فيما يجب عمله من الخير، وفيما يجب الابتعاد عنه من أعمال الشر والانحراف.

2. إنّ التربية عملية فردية اجتماعية:

  لا تقتصر العملية التربوية في مهمتها على الفرد فحسب، بل تتعداه إلى المجتمع ككل، فهي من جانب الفرد تحاول أن تصل به إلى درجة الكمال عن طريق تنمية الخلال والأخلاق الحميدة، وهي أيضاً من جانب المجتمع تحاول أن تنمي

 الهوامش:

1) الطبيب، مرجع سابق، ص: 25.

الصفحة21

أفراده، وتوجد منهم مواطنين صالحين يعملون لصالح المجتمع الذي يعيشون فيه، وبذلك فهي عملية لتطبيع اجتماعي يكتسب الفرد من خلالها صفته الإنسانية عن طريق التنشئة الاجتماعية والتفاعل والتطبيع الاجتماعي.

أنها تختلف باختلاف الزمان والمكان:.3

  التربية دائما متغيرة متطورة ، ومادام الذي يقوم بها هو العنصر البشري الذي دائماً يتصف بالتغيير حسب الظروف والمواقف فهي تختلف من عصر لعصر، ومن مجتمع لمجتمع، بل إنها تختلف في داخل المجتمع الواحد من مكان لمكان، ومن مرحلة زمنية إلى مرحلة أخرى، ولذلك فإن من صفاتها صنع التغيير، كما أن من صفات التغيير صنع التربية.

.أنها عملية إنسانية:4

  فهي تختص بالإنسان والإنسان مهنته التربية فهي تخص الإنسان لأنه هو المربي، وهي تنظر إليه على أنه خليفة الله في الأرض، والذي فضله وكرمه على ســــائر مخلوقاتــــه، قال تعالى:( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْتَهُم مِن الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفضيلا ) الإسراء : 70 ، وهي أيضاً تهيئة للإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، والامتثال لأوامر خالقه واجتناب نواهيه، وأن يعمل دائماً مع أخيه الإنسان كأسنان المشط، لا فرق بين أسود وأبيض، ولا فضل لأبيض على أسود إلا بالتقوى!

 أنها عملية مستمرة:.5

  فهي لا تنتهي بزمن معين من عمر الإنسان، بل تستمر مع الإنسان طيلة حياته، وما دام الإنسان على قيد الحياة، فهو مع التربية والتربية معه، وكل يوم تضيف له الجديد من الخبرات والمعارف، بل يستفيد من تجاربها ودروسها التي لا تنتهي، والتي هو دائماً في حاجة ماسة إليها.

أهمية التربية :

  لقد برزت أهمية التربية وقيمتها في تطوير هذه الشعوب وتنميتها الاجتماعية والاقتصادية وفي زيادة قدرتها الذاتية على مواجهة التحديات الحضارية التي تواجهها، كما أنها أصبحت إستراتيجية قومية كبرى لكل شعوب العالم، والتربية هي عامل مهم في التنمية الاقتصادية للمجتمعات، وهي عامل مهم في

الصفحة22

التنمية الاجتماعية، وضرورة للتماسك الاجتماعي والوحدة القومية والوطنية، وهي عامل مهم في إحداث الحراك الاجتماعي، ويقصد بالحراك الاجتماعي في جانبه الإيجابي، ترقي الأفراد في السلم الاجتماعي وللتربية دور هام في هذا التقدم والترقي لأنها تزيد من نوعية الفرد وترفع بقيمته ومقدار ما يحصل منها. كما أن التربية ضرورية لبناء الدولة العصرية ، وإرساء الديمقراطية الصحيحة والتماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية.كما أنها عامل مهم في إحداث التغير الاجتماعي.

الأهداف التربوية :

مفهوم الهدف :

  قبل التطرق إلى الأهداف التربوية يجدر بنا أن نتعرف على المعنى اللغوي للهدف، فما المقصود بالهدف في اللغة؟

  جاء في مختار الصحاح أنّ : "الهَدَفُ كل شيء مرتفع من بناء أو كثيب رمل أو جبل ومنه سمي الغرض هدفا"(1)، وجاء في المعجم الوسيط: " الهدف كل مرتفع، والغرض توجه إليه السهام ونحوها ، والمرمى في كرة القدم، وإصابة المرمى، والمشرف من الأرض(2) "  من هنا يتبين أنّ الهدف في اللغة العربية هو كل مرتفع، وهو الغرض أو القصد الذي نسعى لتحقيقه.

  وللأهداف بصورة عامة أهمية بالغة في حياة الأمم والشعوب، تسعى جاهدة إلى تحقيقها مستخدمة في ذلك جميع الإمكانيات المتاحة لها اقتصاديا واجتماعيا وثقافياً بل عسكريا أحيانا . كما أن للأهداف أهمية واضحة في حياة الأفراد ، تحدد مسارهم ، وتنظم أعمالهم ومواقفهم في الحياة اليومية وتشجعهم على النشاط والاجتهاد في سبيل تحقيقها.

الهوامش:

1 ) الرازي ، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر (1995) ، مختار الصحاح ، (د.ط)، بيروت: مكتبة لبنان ناشرون ، ص: 705

2) مجمع اللغة العربية ،(1980)، المعجم الوسيط ، (د.ط) ، القاهرة : مجمع اللغة العربية ، ص: 977

الصفحة23

  والتربية في طبيعتها عملية هادفة مقصودة، تقوم على منظومة متكاملة من الأهداف والغايات التربوية، التي تؤطر العملية التربوية وتحدد منطلقاتهـا وأسسها، وفي ضوء الأهداف تتحدد طبيعة التربية ووظيفتها الاجتماعية والاقتصادية ، ودورها في تكوين الأفراد وتحقيق طموحات المجتمع وآماله.

فوائد الأهداف التربوية :

عزيزي الطالب، قد تسألني ما الفائدة من وضع الأهداف التربوية؟ 

وللإجابة عن تساؤلك.

  فإنّ تحديد الأهداف التربوية يُعدُّ نقطة الارتكاز والمنطلق الأساس في العمل التربوي، وتكمن أهمية الأهداف ووظيفتها فيما يأتي: 

1. أنها تؤدي إلى تنسيق الجهود بين مؤسسات المجتمع التي تسهم في بناء الإنسان.

2. أنها تشكل الأساس والمنطلق في العملية التربوية كلها ؛ إذ هي تعني حشد الطاقات والإمكانات للوصول لهذه الأهداف.

3. أنها تمكن من اختيار المادة والطريقة المناسبة لها والوسيلة المعينة وما يترتب عليها من أنشطة وخبرات تعليمية.

4. أنها تسهم في اختيار المربين وتتحكم في ذلك؛ فالمربي الناجح هو الذي يستطيع تحقيق هذه الأهداف وتحويلها إلى واقع ملموس.

5. أنها تسهم في تحديد البرامج والوسائل التربوية، فهي إنما تقام لتحقيق هذه الأهداف.

6. أن الأهداف تزود التلميذ بتغذية راجعة لتقدمه الشخصي في عملية التعلم. 

7. أن الأهداف تساعد على تقييم مقدرة التلميذ على أداء عمل أو سلوك مرغوب نتيجة لعملية التعلم، حيث إنّ الاختبارات المتنوعة تعد محطات رئيسة على

الصفحة24

طريق التعلم ومن المفروض أن تعطي تغذية راجعة لكل من المعلم والتلميذ حول نجاحهم في تحقيق الأهداف التربوية للمادة المعطاة.

8. أنها تسهم وتتحكم في تحديد مضمون ومحتوى ما يقدم من معارف ومعلومات.

9. أنها تسهم في الاستثمار الأمثل لأوقات العاملين وجهودهم؛ فعدم وضوح الأهداف يؤدي إلى ضياع أوقات وجهود كثيرة.

10.أنها تمثل الأساس والمنطلق في تقويم العمل التربوي، فالتقويم إنما يتم بناء على مستوى ما تحقق من الأهداف.

مستويات الأهداف :

للأهداف التربوية مستويات تتحدد في إطارها درجة شموليتها و مدى عموميتها، و هي تتدرج في مستويات ثلاثة: غايات ، و أهداف عامة و أهداف تعليمية خاصة (1). و يمكن توضيحها فيما يأتي:

1. الأهداف التربوية العامة "الغايات" :

  وهي أهداف شديدة العمومية والشمولية والتجريد، واسعة النطاق، وعامة الصياغة وتشير إلى تغيرات كبرى في سلوك الأفراد، وتركز على المتعلم أكثر من تركيزها على ما يتعلم ؛ فهي أهداف طويلة المدى تمتد بمرحلة دراسية، وهي أهداف استراتيجية عامة وشاملة لجوانب التعلم المعرفية والمهارية والوجدانية، وترتبط بفلسفة الدولة ، و يتولي وضعها التربويون ، وهي صعبة القياس ويعبر عنها بجمل غير محددة الفترة الزمنية.

أمثلة للأهداف التربوية العامة :

1. إعداد المواطن الصالح.

الهوامش: 

1 ) الجلاد ، ماجد زكي ( 2004) ، تدريس التربية الإسلامية الأسس النظرية والأساليب العملية، (الطبعة الأولى)،

عمان: دار المسيرة ، ص : 121.

الصفحة25

2. ربط التعليم بمتطلبات التنمية.

3. ربط التعليم بمطالب المجتمع وتطوراته.

4. تحقيق النمو الكامل والمتكامل للفرد.

5. مساعدة التلاميذ على اكتساب معلومات علمية ووظيفية. 

6. مساعدة التلاميذ على اكتساب مهارات مناسبة وظيفية.

مساعدة التلاميذ على اكتساب قدرات التفكير العلمي..7

8.أعداد الفرد المثقف علمي.

خصائص الأهداف التربوية العامة :

لعل من أهم خصائص الأهداف التربوية العامة ، ما يأتي(1)

1.أنها تعبيرات عامة واسعة لما ينتج عن التعلم وتتسم بالمرونة في صياغتها وفي محتواها ، ولا تحمل معنى سلوكياً، حيث إنّها لا تشير إلى ما ينبغي على المتعلم أن يقوم به في نهاية التدريس. 

2. يشترك في وضعها والاتفاق عليها ممثلون لقطاعات مختلفـة مـن المجتمع والمسجد ، وأجهزة الإعلام والمدرسة والأندية.

3. تعبر هذه الأهداف عن جميع مراحل التعليم وأنواعه المختلفة.

  وعند بناء هذه الأهداف، أي الأهداف التربوية العامة يجب مراعاة ما يأتي(2)

أ. الشمول: وهو أن تشمل الأهداف المراد بناءها وظائف التربية والتعليم المختلفة، وأن تشتق من مصادر مختلفة.

ب. الواقعية: وذلك بأن تتسم الأهداف التربوية بالواقعية ، وأن تشتمل وترتبط بالواقع الاجتماعي، والواقع التربوي حتى تكون كفيلة بخدمة المجتمع في شتى مجالاته، وأن تعمل على تنميته من جميع الجوانب.

الهوامش:  

1 ) الطبيب، مرجع سابق، ص 202.

2 ) المرجع السابق نفسه ، ص:205 - 204.

الصفحة26

ج. الوضوح : وذلك بأن تصاغ الأهداف بلغة يتمكن من فهمها المخططون لها وينفذوها على السواء.

د. الإمكانية : وهي أن تصاغ الأهداف بصورة ممكنة التحقيق والابتعاد عن الصور غير الممكن تحقيقها، كما أنها يجب أن توضع وفق إمكانيات المجتمع البشرية والاقتصادية، والفنية، فإذا لم يستطع المجتمع أن يوفر هذه الشرط، أصبح الهدف التربوي عبارة عن ستار. 

ه. التكامل : ويؤكد هذا المعيار ضرورة التكامل بين عناصر الأهداف العامة ومركباتها، وعلى اعتبار العملية التعليمية نسقا يحتوي على مركبات جزئية، فلابد من إحداث التوازن بين المركبات ومن ثم التكامل بين أجزاء النسق.

2. الأهداف التعليمية: 

  وهذه الأهداف أقل تجريداً وأكثر تخصيصا من الأهداف السابقة ، ويشمل هذا المستوى من الأهداف، الأهداف التعليمية العامة والخاصة للمواد الدراسية خلال سنة أو فصل دراسي، أو وحدة من الوحدات الدراسية ، وتوجد هذه الأهداف عادة في كتب أهداف وبرامج المرحلة التعليمية، أو في كتاب دليل المعلم الذي يستنير به في تدريس مادته الدراسية، وربما توجد في مقدمات الكتب الحديثة التي توزع على الطلاب وهي أهداف يمكن قياسها وقد يشترك في وضعها المعلم.

.الأهداف السلوكية المحددة : 3

  وهي أهداف محددة تحديدا دقيقا ، قابلة للقياس المباشر، أو غير المباشر التي تصف سلوكيات أو استجابات المتعلم المعرفية ، أو المهارية ، أو الوجدانية) المتوقعة بعد انتهاء الدرس أو الوحدة، ويسترشد بها المعلّم في

الصفحة27

تدريسه اليومي، وتعينه على تقويم طلابه تقويما تكوينيا وتحقيق ما ينوي عمله في الحصة الدراسية.

  وينبغي التنويه هنا إلى أنّ هذا التقسيم هو تقسيم منهجي وحسب، ذلك أنّ هذه الجوانب متداخلة ومترابطة بسورة تامة متكاملة، يصعب الفصل بينها أو التعامل معها ككيانات منفصلة.

  ومن هنا فإنّ الهدف المعرفي لا يعني بحال من الأحوال تجرده من المجالين الوجداني والنفس حركي، وكذلك الحال بالنسبة الهدف الوجداني والنفس حركي لما بين هذه الأهداف من تداخل عميق(1)، والشكل الآتي يوضح ذلك:

(انظر الشكل الموجود في ص 28 في البدف أعلاه) 

  إن صياغة هذه الأهداف من المهمات الأساسية والضرورية للمعلّم ، لأن تحقيق هذه الأهداف من خلال الحصص الدراسية سوف يؤدي إلى تحقيق الأهداف التربوية الكبيرة في النهاية، شريطة توفر البرامج والأساليب والوسائل التعليمية المناسبة.

  وقد عرف الهدف السلوكي بأنّه : " تلك الصياغة التي تعبر بدقة ووضوح عن التغير المرجو إحداثه لدى التلميذ من خلال مروره بخبرة تعليمية معينة". كما عرّف بأنه : عبارة مصاغة بشكل دقيق وواضح لتصف التغير المتوقع حدوثه في سلوك المتعلم بعد مروره بخبرة تعليمية جديدة مع إمكانية ملاحظته وقياسه.

تصنيف الأهداف السلوكية :

 يمكن القول بأن تصنيف بلوم وزملائه أكثر تصنيفات الأهداف استخداماً و شيوعا ،و قد صنفت الأهداف بموجب هذا التصنيف إلى ثلاثة مجالات كبرى و تحت كل مجال عدد من المستويات و هذه المجالات هي : 

 الهوامش:

1 ) الجلاد ، مرجع سابق، ص:134.

الصفحة28

1. المجال المعرفي : ويطلق عليه المجال العقلي أو الإدراكي.

 2. المجال الوجداني: ويطلق عليه المجال العاطفي أو الانفعالي.

 3.المجال النفس حركي : ويطلق عليه المجال المهاري أو الحركي.

 وفيما يأتي سيتم تناول هذه المجالات الثلاثة ومستوياتها بشيء مــن التفصيل: 

أولاً : المجال المعرفي :

  يشمل الأهداف التي تتناول تذكر المعلومات، أو إدراكها ، وتطوير القدرات والمهارات الذهنية، وهذا المجال هو الأهم بالنسبة لكثير من عمليات تطوير الاختبارات الراهنة، وهو المجال الذي حصل فيه أكبر قدر من العمل على تطوير المنهاج ، والذي توجد فيه أوضح التعريفات للأهداف على أنها أوصاف لسلوك الطالب، ويتكون المجال المعرفي من ستة مستويات تتدرج من البسيط إلى المعقد ، ويوضحها الشكل المقابل.(انظر الشكل الموجود في ص: 29 في البدف أعلاه) 

وفيما يأتي عرض لهذه المستويات:

1 - المعرفة (الحفظ أو التذكر):

  تشمل أنواع السلوك ومواقف الاختبارات التي تؤكد التذكر إما عن طريق التعرف على الأفكار أو المادة أو الظواهر، وإمـا عـن طريق استدعائها. 

2- الفهم والاستيعاب:

  يشمل الأهداف أو أنواع السلوك أو الاستجابات التي تمثل فهماً للرسالة الحرفية الواردة في اتصال وتخاطب مـا ، وللوصول إلى فهم من هذا القبيل يمكن للطالب أن يغير الاتصال أو التخاطب الوارد إلى عقله، أو في استجاباته المكشوفة إلى صيغة أخرى موازية وأكثر معنى بالنسبة له، وهناك ثلاثة أنواع من السلوك الاستيعابي أولها الترجمة ، والثاني التأويل، وثالثها التقدير الاستقرائي.

الصفحة29

3- التطبيق :

  يشير إلى استعمال التجريدات (الأفكار المجردة) في مواقف جديدة محددة وملموسة. 

4- التحليل:

  يؤكد تحليل المادة إلى العناصر المكوّنة لها ، وتتبع العلاقات بين الأجزاء، والطريقة التي نظمت بها.

5- التركيب: 

  وضع العناصر والأجزاء معاً بحيث تؤلف كلاً واحداً، وهذه عملية تقوم على التعامل مع العناصر والأجزاء، وربطها بطريقة تجعلها تكوّن نمطاً أو بنية لم تكن موجودة من قبل بوضوح.

6- التقويم :

  يُعرف التقويم بأنه إصدار أحكام لغرض ما حول قيمة الأفكار والأعمال والحلول والأساليب وغيرها. 

ثانياً : المجال الوجداني :

   يشمل الأهداف التي تؤكد على نغمة المشاعر أو تضرب على وتر الانفعالات، أو درجة من التقبل أو الرفض، و تتفاوت الأهداف العاطفية بين الاهتمام المجرد البسيط بظواهر مختارة وبين صفات للخلق والضمير معقدة لكنها متناسقة داخليا وقد قسم كراثول وزملاؤه هذا المجال إلى خمسة مستويات تتدرج من البساطة إلى التعقيد، يوضحها الشكل المقابل ،(انظر الشكل الموجود في  ص: 30 في البدف أعلاه)

ويمكن تفصيلها كما يأتي: 

الصفحة30

1- الاستقبال (الانتباه):

  يشير إلى إحساس المتعلم بوجود ظواهر ومثيرات معينة، أي يصبح راغباً في تلقيها والانتباه لها. 

2- الاستجابة ( الإجابة):

  تشير إلى الاستجابات التي تتجاوز مجرد الانتباه للظاهرة فلدى الطالب من الدافعية ما يكفي ليس لمجرد جعله راغباً في الانتباه ، بل ولعل من الصحيح القول أنه منتبه بصورة نشطة فعالة.

3- التثمين (التقييم):

   يشير إلى أن المتعلم يعطي قيمة أو ثمناً لأي شيء أو لأية ظاهرة أو لأي سلوك، ويعود هذا المفهوم المجرد للقيمة إلى حد ما إلى تثمين الفرد نفسه، أو تقويمه.

4ـ التنظيم القيمي:

  يشير إلى تمثيل المتعلم للقيمة بصورة متتابعة، وتحديد العلاقات المتبادلة بينها وإقامة أو إنشاء قيم مسيطرة متغلغلة.

5- تمثل القيمة :

  يشير إلى احتلال القيم لمكانها في هرم القيم عند الفرد ، بحيـث تـصـبـح منظمة في نوع من النظام المنسق داخلياً والمسيطر على سلوك الفرد فترة من الزمن تكفي لتكييف سلوكه بهذه الطريقة.

ثالثاً : المجال النفسحركي ( المهاري ) :

  يُعنى بالأهداف المرتبطة بالمعالجة اليدوية والمهارات الحركية، والتآزر الحسي ـ الحركي ، كالكتابة والكلام والرسم والأشغال اليدوية (قص حبك ـ رسم . ..الخ). 

     وقد صنف سمبسون هذا المجال إلى سبعة مستويات، و قد جاء  تصنيفها هرمياً عاكساً مدى تعقد الأداء المهاري كلما ارتقينا في درجات الهرم، وكما يتضح من الشكل الموضح أسفل،(أنظر الشكل الموجود في ص:32 في البدف أعلاه) وسيتم عرض هذه المستويات كما يأتي: 

الصفحة31

1. مستوى الإدراك الحسي :

   يشـــــــــــــــــير إلى استعمال أعضاء الحس، للحصول على أدوات تؤدي النشاط الحركي و يتفاوت هذا المستوى من الإشارة الحسية أو الوعي بالحس، إلى اختيار أدوار أو الواجبات وثيقة الصلة ، بربط الدور بالعمل أو الأداء.

2. مستوى الميل أو الاستعداد :

   يشير إلى استعداد المتعلم للقيام بنوع معين من العمل، ويشمل ذلك كلاً من الميل الجسمي أو استعداد الجسم للعمل ، والميل العقلي أو استعداد العقل للعمل ، والميل العاطفي أو الرغبة في العمل ، ويؤثر كل نوع من أنواع الميول الثلاثة هذه في النوعين الآخرين .

مستوى الاستجابة الموجهة :.3

  يهتم بالمراحل الأولى لتعليم المهارات الصعبة، تلك المراحل التي تشمل مرحلة التقليد، مثل إعادة التلميذ لمهارة معينة قام بها المعلم .

 مستوى آلية الأداء أو التعويد :.4

  يهتم بإجراء العمل عندما تصبح الاستجابات التي تم تعلمها اعتيادية.

الصفحة32

5. مستوى الاستجابة الظاهرية المعقدة:

  يهتم بالأداء الماهر للحركات التي تتضمن أنماطاً من الحركات المختلفة والمعقدة وتقاس الكفاءة هنا بالسرعة والدقة والمهارة في الأداء، وبأقل درجة ممكنة من بذل الجهد أو الطاقة. 

6. مستوى التكيف أو التعديل:

  يهتم بالمهارات المطورة بدرجة عالية جداً، بحيث يستطيع الفرد تعديل أنماط الحركة لكي تتماشى والمتطلبات الخاصة بها ، أو تناسب وضع مشكلة معينة من المشكلات. 

مستوى الأصالة أو الإبداع:.7

  يركز على إيجاد أنماط جديدة من الحركات تناسب مشكلة خاصة أو وضعا معيناً. وتؤكد النتاجات التعليمية هنا على الإبداع المبني على المهارات المتطورة بدرجة عالية جداً.

مصادر اشتقاق الأهداف التربوية :

  تشتق الأهداف التربوية العامة من مصادر متعددة على النحو التالي :

أولا : طبيعة المجتمع وفلسفته وآماله ومشكلاته

ويتميز مجتمعنا العربي بالخصائص التالية :

أ. إنه مجتمع إسلامي يؤمن بالإسلام دينا وفلسفة وأسلوب حياة. 

ب. إنه مجتمع عربي يعتز بعروبته، ويحرص على وحدته وتضامنه ويؤمن بالميراث الثقافي الأصيل للأمة العربية .

ج. إنه مجتمع ديمقراطي يعترف بقيمة الفرد ويحترم حريته وفرديته وحقوقه وواجباته ، ويقوم على أساس التعاون والإيمان بقيمة العمل والتفكير العلمي .

د. إنه مجتمع يتبع سياسة مستقلة تقوم على أساس عدم الانحياز والانفتاح على العالم، والتعاون مع جميع الشعوب المحبة للسلام .

الصفحة33

ه.إنه مجتمع له ظروفه الخاصة من حيث طبيعة التكوين السكاني ومستوى الدخل وأوضاعه الصحية والاقتصادية والسياسية.

ثانيا : طبيعة العصر الذي نعيش فيه:

وفي مقدمة خصائص العصر ما يأتي:

أ. إنه عصر التفجر الثقافي والتطور السريع .

ب. إنه عصر العلم والتكنولوجيا.

ج. إنه عصر الاتصال السريع وما يترتب عليه من إزالة الحواجز بين المجتمعات والتأثر بالتيارات الثقافية المعاصرة ، وبالتيارات

الفكرية والسياسية الجارية.

إنه عصر المزاوجة بين العلم والعمل والنظرية والتطبيق ..د

ه. إنه عصر التغير الاجتماعي السريع .

و. إنه عصر طغيان المادة على القيم الروحية والاجتماعية والمعنوية مما يعرض البشرية للدمار . 

ز. إنه عصر الابتكار والتجديد، والتوجيه الاجتماعي للمعرفة .

ثالثا : مطالب نمو المتعلمين وخصائصهم ومستوياتهم:

  لابد أن يستند المنهج إلى دراسات علمية تحدد مطالب نمو الدارسين وخصائصهم ومستوياتهم ، مع ملاحظة أن الدراسات العالمية التي تجري على شعوب أخرى، لا تغني عما ينبغي أن يقوم به من دراسات محلية في هذا المجال فللبيئة وللعادات والتقاليد أثرها في تكوين الاتجاهات والقيم وتوجيه السلوك وبناء الشخصية.

رابعا : الاتجاهات التربوية المعاصرة

  لقد تغيرت النظرة إلى التربية من حيث فلسفتها ومبادئها ، ولا يمكن أن نسير في مناهجنا متخلفين عن الاتجاهات التربوية المعاصرة وفي مقدمتها :

الصفحة34

أ. أن التربية عمل تخصصي له دراساته ومجالاته ، ومن ثم فإنه ينبغي أن نعد له المتخصصين والباحثين والعلماء والمعلّمين .

عصر التفجر المعرفي والتطور السريع في مجال الثقافة يفرض.ب

علينا تبنّي مبدأ التعلم الذاتي، ومبدأ التعلم المستمر .

ج. أن التعلّم الناجح يعتمد على مدى ارتباط ما يتعلمه الفرد بحاجاته ومطالب نموه ، ودوافعه ومشكلاته ، كما يعتمد على إيجابية الفرد ونجاحه ومراعاة فرديته ، وصولا به إلى أقصى ما تؤهله له مواهبه واستعداداته .

د. وبذلك فإن العمل الأساسي للمعلم هو تهيئة البيئة والظروف المناسبة أمام المتعلّم لكي يقوم بالدور الأساسي في تعليم ذاته

خامساً : طبيعة المادة المتعلمة:

من حيث بنائها المعرفي من حقائق ومفاهيم ومبادئ وقوانين ونظريات

أسباب الفشل في تحقيق الأهداف التربوية : 

  هناك عدة أسباب تعيق تحقيق الأهداف التربوية، منها ما هو ذاتي ومنها ما هو موضوعي. إن فشل الطالب في تحصيل مستوى معين من المعارف بعد فترة تعليمية معينة قد يعود إلى مجموعة من الأسباب نذكر منها ما يأتي:

1. أسباب تتعلق بالطالب نفسه، وهذه تكون على ثلاثة أشكال:

 محدودية إمكانياته الذهنية.- 

 مشاكل صحية ونفسية.-

 ضعف المجهود المبذول-

أسباب تتعلق بالمعلم، وهي أيضا تكون على ثلاثة أشكال هي:.2

محدودية الإمكانيات الذهنية التي تسمح بمساعدة الطالب على -

تحقيق الأهداف المسطرة.

الصفحة35

مشاكل صحية ونفسية. -

ضعف المجهود المبذول في إعداد وتقديم دروسه. -

3. أسباب تتعلق بالتفاعل بين المعلم والتلميذ:

إن سوء التفاعل بين خصائص المعلم وتلامذته قد يؤدي إلى سوء التوافق الذي ينعكس سلبا على تحصيل التلاميذ.

4. أسباب تتعلق بالطرق والوسائل المستعملة في تحقيق هذه الأهداف. 

5. أسباب تتعلق بالأهداف نفسها كأن تكون صعبة جداً فوق مستوى التلاميذ أو غامضة أو غير واقعية.

6. أسباب تتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات التعليمية.

علاقة التربية بالعلوم الأخرى :

  إن التربية تتأثر وتؤثر في نتائج العلوم الأخرى، وسوف نقتصر على علاقة التربية بعلم النفس عامة وبعلم نفس التربوي وعلم نفس النمو خاصة، كذلك علاقة التربية بالفلسفة وعلم الإنسان والتاريخ والبيولوجيا وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد.

(1) التربية وعلم النفس :

ونبدأ طرح السؤال التالي: ما دخل التربية بالنسبة إلى علم النفس؟

يمكن القول بأن مجال اللقاء بين التربية وعلم النفس هو الميدان. كما أن علم النفس هو دراسة الخبرة النفسية، وما تطلبه من دوافع مختلفة لكي تتبلور بشكل سلوك، فنزوع ، فعادة، فشخصية.

بينما نجد التربية هي الأخرى تحاول أن تعنى بالإنسـان مـن حيـث هو ذو إمكانات فطرية نفسية جسمية وغيرها ليمكن له التكيف الأفضل مع المحيط الطبيعي، الاجتماعي... الخ ، لا يستطيع التكيف إلا على أساس المساعدة الموضوعية البيئية التي تقدم له من طرف الآخرين الراشدين لكي يجنبه الأخطاء ويشجعون قدراته العقلية والحركية ويساعدونه على الخبرة التي تتبلور فيها شخصيته، فالتربية تهتم بهذه الأمور، فهي تعد الإنسان لا ليستغل ثمرات

الصفحة36

الأجداد والآباء وكل الأجيال الإنسانية بل ليساهم هو الآخر في الجهد الإنساني في البناء الحضاري بمعناه الشامل.

والمربي لا يستطيع أن يعرف حاجات المربى إلا بمعرفته. كما نجد علم النفس يحاول أن يقدم لنا معلومات صحيحة، فما هو مقدار المعلومات التي يقدمها علم النفس؟ كما أن التربية تحتاج إلى كل العلوم الإنسانية مع اختلاف في الطريقة. والتربية تعتمد على الدين بحيث تستمد مفاهيمها ومفاهيم الإنسان من الدين، كما أنها تعتمد على الفلسفة وتستمد مفاهيمها ومفاهيم الإنسان منها.

ولقد اهتم علماء النفس التربويون بالمشكلات التربوية مثل الممارسات التربوية، كالتعلم، والدافعية، والتوجيه التربوي والتحصيل المدرسي وقياسه و تقويمه.

كما أن علم النفس التربوي هو فرع من علم النفس يهتم بتطبيق مبادئ علم النفس ونظرياته ومناهج البحث الخاصة به في مجال التربية والتدريس والتعليم والتدريب وما يظهر فيه من مشكلات وظواهر في حاجة إلى دراسة أو علاج أو حلول. ويهدف هذا الفرع من كل هذا إلى رفع كفاية العملية التربوية أو التعليمية وجعلها أكثر عائداً وأقل تكلفة وأفضل نجاحا.

( 2 ) التربية والفلسفة :

اعتمدت التربية على الفلسفة عبر العصور، فالفلسفة تبحث علم مسألة الوجود ومسألة القيم، ومسألة المعرفة، وهذه المسائل الثلاث المتصلة مباشرة مع الإنسان الذي تتوجه إليه التربية والتربية تعتمد على نتائج الفلسفة لتحديدها للقيم، وفي تحديدها لحقيقة الوجود، وفي تحديدها لقيمة المعرفة، كما أنّ فلسفة التربية ما هي إلا تطبيق للفلسفة في مجال التربية، وهذا يؤكد أهمية العلاقة بين التربية والفلسفة.(1)

الهوامش:

1 ) الشهاري، شرف أحمد ، (2010) ، المدخل إلى أصول التربية ، الطبعة الأولى ، صنعاء، مركز عبادي للطباعة

والنشر، ص:30.

الصفحة37

( 3 ) التربية والانتروبولوجيا ( علم الإنسان ) :

  إن العلاقة بينهما وثيقة من حيث إنَّ التربية تحافظ على هذا الميراث وتنقحه وتعززه وتبسطه وتنقله للأجيال اللاحقة، وتعلم الأجيال أيضا كيفية التكيف مع الثقافة. بالإضافة إلى أن الأنثربولوجيا تهدف إلى دراسة سمات الحياة الاجتماعية ومعرفة طبيعتها ومكوناتها لإعادة بناء تاريخ المجتمعات أو تاريخ الحضارة، مع تحديد معالم التركيب التاريخي والحضاري لثقافة ما ومقارنتها مع المجتمعات والثقافات الأخرى، وهنا تدخل العلاقات التربوية ودورها في مجمل هذه العمليات. 

  إن مجمل العلوم الأنثروبولوجية سواء كانت ثقافية أم اجتماعية أم فيزيقية تركز على دراسة الإنسان كائن اجتماعي أو حضاري، فتدرس أشكال الثقافة وأبنية المجتمعات البشرية، من خلال دراسة هذه المجتمعات الأولية، ومعالجة ما يسمى بأنماط الثقافة البدائية والتربية هي العوامل الأساسية التي يجب أخذها بالاعتبار عند دراسة التطور الثقافي لأي مجتمع من المجتمعات البشرية. 

  والتربية ما هي إلا العملية التي تؤمن للفرد القدرة علـى التلاؤم بـيـن دوافعـه الداخلية وظروفه الخارجية النابعة من بيئة ثقافية واجتماعية معينة (هذا ما يدرسه علم الاجتماع التربوي ، وهذا ما تركز الأنثروبولوجية على دراسة الإنسان من الناحية الثقافية والجسمية، وتهتم بسلوك هذا الإنسان ضمن إطار اجتماعي ثقافي

متراكم عبر الصور.

( 4 ) التربية والتاريخ :

التاريخ يسجل الجهود الفكرية للإنسان في محاولاته تفسير الحياة البشرية وفهـم صـلـتـهـا بـالوجود ، وهـو علـم ضروري ومهـم للـعـلـوم الإنسانية. ووجود البعـد التاريخي يساعد العملية التربوية على فهم ما ورثته من الماضـي ومـا أعـدتـه للحاضر وكيف تخطط للانطلاق إلى المستقبل، وأيضا يساعد علـى فهـم المشكلات التي مرت على البشرية في مراحل تطورها والابتعاد عما هو غير صالح لتجنبه والبحـث عـمـا هـو مـفـيـد، وكذلك الإطلاع على المفاهيم التربوية التي اتبعها الإنسان قديما وكيف تطورت إن التربية في علاقتها مع التاريخ تكون ما يسمى بتاريخ التربية الذي يدرس حركة المجتمعات البشرية وتفاعلاتها وتأثيرها في التربية.

الصفحة38

( 5 ) التربية وعلم البيولوجيا :

تعتبر البيولوجيا ذلك العلم الذي يبحث في دراسة الكائنات الحية من الناحية العضوية وتلاؤمها مع الوسط الذي تعيش فيه، والتربية تبحث في معرفة قوانين الحياة العامة والنمو والتكيف وهي وثيقة الاتصال مع ما يدرسـه علـم الأحياء (البيولوجيا) ، وهذا أدى إلى وجود اتجاه بيولوجي في التربية، وخاصة في التركيز على مفهوم التكيف المرن والمبني على وجود دافع داخلي يسعى إلى تلاؤم الكائن الحي مع مطالب البيئة المحيطة به من مختلف أوجهها والتي هي جوهر الحياة نفسها.

( 6 ) التربية وعلم الاجتماع :

العلاقة بينهما وثيقة ومما يدلُّ على أهميتها وضرورتها . وجود ما "علم الاجتماع التربوي" الذي نشأ وتطور في القرن العشرين، وهو العلم الذي يجمع ما بين علم الاجتماع وعلم التربية ويعتبر أحد فروع علم الاجتماع العامة والكثيرة، ويهدف للكشف عن العلاقات بين العمليات الاجتماعية والعمليات التربوية. ويستخدم علم الاجتماع باعتباره علم المجتمع وعلم دراسة الظواهر الاجتماعية وتفاعلاتها المختلفة لمساعدة التربية في تأدية مهامها ووظائفها وجميع الأسس الاجتماعيـة هـي أسس مهمة في العملية التربوية ذلك أن التربية لا توجد في فراغ، وإنما في مجتمـع لـه أسسه وعلاقاته الاقتصادية والثقافية والسياسية والتربوية، كما أن المجتمع محتاج إلى التربية وخاصة أن التربية تهدف في جملة ما تهدف إليه إلى تكيف الإنسان مع مجتمعه بما فيه من أنماط ثقافية وعادات مختلفة، وذلك باستفادتها من النتائج التي توصل إليها علم الاجتماع وتسعى إلى تطبيقها في الميدان.

 ( 7 ) التربية وعلم الاقتصاد :

للاقتصاد علاقة كبير بالتربية، ولقد أثر فيها كثيراً ، حتى أن البعض قال إنّ الدراسات الاقتصادية هي أم التربية، فلقد امتدت النظرة الاقتصادية إلى التربية، وأصبح ينظر إليها على أنها استثمار اقتصادي للثروة البشرية، ولها عائد، ومن أصبحت التربية تملك رصيداً هائلاً . من مصطلحات علم الاقتصاد، من العائد، والفاقد، والتكلفة، وغير ذلك بما يوضح تماماً تأثر التربية بالاقتصاد.(1)

الهوامش: 

1 ) المرجع السابق نفسه، ، ص:31.

الصفحة39


الأصول التاريخية للتربية




1- الأصول التاريخية للتربية:

مقدمة:

تلعب الأصول التاريخية دورا مهماً في توجيه التعليم، والتعمق في مفاهيمه، ومشكلاته، حيث إنّ هذه الأصول تتيح لنا دراسـة جـذور مشكلات التعليم واتجاهاته ووسائل مواجهتها في الماضي، ومدى ملاءمة هذه الوسائل لطبيعة المرحلة التي تواجه فيها التعليم مسئولياته، بمعنى يجب العودة إلى الماضي ولابد من فحصه تحقيقاً لمستقبل أفضل لحركة القوى الاجتماعية والاقتصادية وما بينهما من تناقض أو التقاء

أولاً : تربية الإنسان الأول

  إن البشرية منذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا قد عرفت منهجين للتربية لا ثالث لهما أحدهما : المنهج الإلهي الذي أنزله الله على أنبيائه ورسله ليبينوا لـلـنـاس مـا نـزل إليهم، أما الثاني فهو المنهج الأرضي على اختلاف أنواعه، وتعدد أغراضه.

  إلا أننا نلاحظ أنّ معظم من كتبوا في تأريخ التربية يبدؤون تاريخهم من الإنسان البدائي، ويتجاهلون الإنسان الأول، وهو آدم عليه السلام"(1). لقد بدأت مسيرة تعليم الإنسان في السماء منذ آدم عليه السلام ( وَعَلَّمَ ءَادَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَيكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ ) البقرة: 31.

  وظلت التربية ملازمة للإنسان ، مع بداية رحلته في الأرض ؛ ولضمان استمرارها أرسل الله - عز وجل - الرسل الكرام مبشرين ومنذرين، وكانت دعوة إبراهيم عليه السلام رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) البقرة : 129.

الهوامش:

1 ) الشهاري، مرجع سابق، ص: 32.

الصفحة42

وكان من فضل الله على الناس، أن بعث محمداً ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ وَايَنَيْهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَبَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ )

الجمعة : 2.

  وما من شك في أن التربية تسهم بقوة في بناء الإنسان، فهي التي ترتقي به، وتنمي فيه مواهبه؛ فتجعله أداة فعالة وقوة موجهة، نحو بناء المجتمع والأمة.

  إن التربية في منهج الإسلام تنطلق من النظرة الصحيحة للإنسان، فهو مخلوق كرمه الله وفضله على كثير من خلقه ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ وَحَمَلْتَهُمْ في الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) الإسراء: 70 ، جعله خليفة في الأرض بعد أن هيأه لأمانة الاستخلاف، وسخر جميع ما في الأرض ليتمكن من أداء الأمانة في عمارة الأرض ونشر الخير له فيها، والعدل بين أفراد البشرية.

والتربية نشأت منذ نشأ الإنسان الأول "آدم عليه السلام"، ومهمتها :   معالجة الكائن البشري بجميع جوانبه، جسمه، وعقله، وروحـه، فكما تعنـي بالظاهر فهي أشد عناية بالباطن، منهجها : يشتمل على شقين، الأول: تصفية النفوس من الكدورات وهو ما يسمى بالتخلية ، والثاني: تعليمها ما ينفعها في الحياة العملية وهو ما يسمى بالتحلية، وسيتم إيراد مفهوم وخصائص وأهداف التربية الإسلامية بشيء من التفصيل في الوحدة الخاصة بأصول التربية الإسلامية.

الصفحة43

ثانيا : التربية لدى الأقوام البدائية

  إن التربية في المجتمعات البدائية - التي عاشت منذ خمسة أو ستة آلاف سنة، قبل اختراع الكتابة وقبل أن تصبح للتربية (أنظر الصورة الموجودة في ص:44 في البدف أعلاه)

مدارسها ومؤسساتها الخاصة بها - تمتاز ببساطتها وبدائية وسائلها، مثلها في ذلك مثل الحياة العامة التي كانت تحياها تلك المجتمعات البدائية في فجر الحضارة الإنسانية(1). وتلك المجتمعات وإن تباينت في كثير من الأمور فإنهـا تتشابه في كثير من المميزات العامة التي من شأنها أن تلقي ضوءا على طبيعة العملية التربوية وعلى أهدافها في تلك المجتمعات. ومن بين تلك المميزات العامة نسبة الحياة إلى الجماد أثناء تفسيرهم للبيئة المحيطة بهم، فكان الرجل البدائي يعتقد أن وراء كل قوة مادية قوة أخرى غير مادية هي القوة الروحية. ومن هذه المميزات أيضا بساطة الحياة البدائية وقلـة مطالبهـا حـيـث إنّها لا تعدو إشباع حاجات الجسم من طعام وشراب وكساء ومأوى، والأمن ضد عالم الأرواح. ولما كانت عملية التربية في تلك المجتمعات لا تختلف عن عملية الحياة نفسها ، فإن أهدافها هي الأخرى كانت نفس أهداف الحياة العامة(2).

 أهداف التربية البدائية :

من أبرز الأهداف العامة للتربية البدائية :

المحافظة على الخبرة الإنسانية والتقاليد السائدة.(3) -

تحقيق المطالب التي يتوقف عليها استمرار حياة الفرد وأمنــه -

النفسي.(4)

استرضاء القوى غير المنظورة العاملة في الطبيعة.(1) -

الهوامش: 

1 ) من وجهة النظر الغربية.

2 ) عبد الله، كمال، و عبد الله قلي ، ( 2006 ) ، مدخل إلى علوم التربية (د.ط) ، (د.م): (د.ن)، ص:73.

3 ) المرجع السابق نفسه، ص:74.

4 ) المرجع السابق نفسه والصفحة نفسها.

الصفحة44

منهج التربية البدائية :

لقد تضمنت تربية الإنسان البدائي ثلاثة إجراءات هي(2) :

1. التدريب الضروري لتأمين الحاجات الجسدية.

2. التدريب على الطقوس والمراسيم الدينية لإرضاء الأرواح.

3. التدريب على العادات والتقاليد والمحرمات والحرمان الضروري للعيش بانسجام مع أفراد الجماعة.

وسائل التربية البدائية :

  إنَّ التربية لدى الأقوام البدائية ، كانت تتم عن طريق التلقين، فالعائلة . التي تلقن الإنسان البدائي التربية العملية، فالناشئ يقلد عادات مجتمعه وطراز حياته تقليدا عبوديا خاصا، فالطفل عندهم يتدرب على الأعمال التي تمارسها القبيلة كأعمال البيت، وصناعة الأدوات الضرورية، وحياكة الأقمشة، والصيد والحرب، وحمل السلاح والرعي والزراعة فهي بهذا تعتبر تدريبا آليا تدريجيا على معتقدات الأسرة الاجتماعية وعاداتها وأعمالها، غير أن تربية الجنس البشري لدى الأقوام البدائية احتلت مكان الصدارة فيها الخصائص الثلاث المتمثلة في الإله والطقوس واللغة، وأن الذي يمارس التربية بجانب الأسرة هو المجتمع بأسره، بصورة غير مباشرة تتمثل في عمليات التمثيل والرقص والتقليد التي يقوم بها الصغار محاكاة للكبار لغرض نقل حركاتهم وتصرفاتهم، إلا أن هناك طقوسا تلي الولادة مباشرة وهي مظاهر لدمج  الوليد بزمرته التي ينتمي إليها. 

طرائق التربية البدائية :

استخدمت في التربية البدائية عدة طرائق هي(3):

1. طريقة الطبيعة الأم، حيث حاكى الإنسان البدائي الطبيعة، فقد تعلم الإنسان الأول مثلا أن يكشر ويظهر أسنانه ، وتعلم آخر أن يطبق قبضة يديه، وآخــر أن يرمي حجراً، وآخر أن يرمي المقلاع، والآخر أن يتقن

الهوامش:

1 ) نجار، فريد جبرائيل ، (1980) ، تطوّر الفكر التربوي، المجلد الأول، الطبعة الأولى) ، بيروت: المركز التربوي)

للبحوث والإنماء، ص:30.

2 ) نجار، مرجع سابق، ص: 33.

3 ) المرجع السابق نفسه، ص ص:36 - 37.

الصفحة45

الصراخ أو التأشير... الخ. فأصبحت هذه الأعمال مرضية للمرء فثبتها ثم نقلها إلى أنساله وأصبحت مع الزمن مثبتة في الإرث الاجتماعي للسلالة البشرية.

 2. أما الطريقة الثانية فكانت طريقة التقليد غير الواعي، أي غير المقصود حيث أسهم الإنسان ببعث هذه الطريقة ولكنه فعل ذلك بدون وعيه أو قصده، وبدون التفكير في وضع نظرية حول هذا العمل.

3. ثم تطوّرت الأمور فنشأت طريقة التقليد الواعي أو طريقة   "المثل" فكان الكبار الذين يقلدهم الأولاد يعتبرون المثل الذي يمشون على غراره.

4. وكانت الطريقة الأخرى المتبعة في التربية البدائية هي طريقة التجربة والخطأ، وهذه الطريقة لايمكن استعمالها إلا في الحالات القليلة حين لاتتضارب مع العادات والتقاليد السائدة في القبيلة والمراسم المتبعة فيها.

5. وعندما انتظم أول صف، بعد نقل عملية التعليم إلى الكهنة، أصبحت الطريقة المتبعة في التربية هي طريقة "التلقين" واقتصر معظم التعليم على نشاطات العبادة وممارستها ، وتناولت :" ماذا يعمل الإنسان" و" كيف يعمل" ، ولا تزال هذه الطريقة " طريقة التلقين"  تمارس في مدارسنا اليوم. 

مؤسسات التعليم :

التربية البدائية لا تتم عن طريق مؤسسات تربوية مدرسية خاصة؛ وإنما تتم عن طريق المجتمع البدائي بأسره.(1)

الهوامش: 

1 ) جرادات، عزت، وهيفاء أبو غزالة، وخيري عبد اللطيف، (1987)، مدخل إلى التربية ،( الطبعة الثالثة)،

الأردن - عمان : دار الفكر للنشر والتوزيع، ص: 13.

الصفحة46

ثالثا : التربية في بعض الحضارات الشرقية القديمة

نشأت الحضارات الأولى في الوديان الخصيبة، وعلى ضفاف الأنهار والأمثلة على ذلك كثيرة كالحضارة الفرعونية، والحضارة البابليــة والآشورية، والحضارة الصينية والحضارة الهندية ومما هو جدير بالذكرأن معظم الحضارات القديمة كانت حضارات شرقية. وفيما يأتي نناقش اتجاهات التربية في بعض الحضارات الشرقية القديمة.

التربية في الحضارة الصينية القديمة :.1

رغم أن الصين من أقدم أمم العالم، إذ تعود إلى أربعة آلاف سنة خلت؛ فإنّها لم تتقدم إلا قليلاً طوال تلك المدة. بقيت حياة الشعب مجمدة في أشكال ثابتة ولم تتغير مثلهم العليا ومعتقداتهم. (انظر الخريطة الموجودة في ص: 47 في البدف أعلاه)

أ. خصائص التربية الصينية :

تعد التربية الصينية نموذجاً واضحاً

للتربية الشرقية، وتتصف بعدة خصائص منها: 

- تتصف بروح المحافظة.

- تنشئ الفرد على عادات فكرية وعملية ماضية.

- لا تقوي أية ملكة، ولا تغير أية عادة وفق مقتضيات

الظروف الجديدة.

- الحياة رتيبة.

- السكون المطلق والجمود الفكري، فكل شيء محدد

بالتقاليد الموروثة. (انظر الصورة الموجودة في ص: 47 في البدف أعلاه) 

تعد الصين من الدول المتشددة في المحافظة على القيم والتقاليد لذلك لم تتغير أغلب مفاهيمهم، (انظر الشكل الموجود في ص: 47 في البدف أعلاه)

الصفحة47

فالتراث لديهم مقدس ولا يتغير كما ان الشعب الصيني امتاز بخضوعه التام للتقاليد وجزئياتها وبتقديسه لها بصورة كلية واستمر هذا الشعب ولفترة زمنية طويلة على الخضوع للماضي وتمثل محتوياته ، فقد خضعت التربية بنظمها ومادتها وأساليبها وأهدافها خضوعا كليا للتقاليد القديمة واتصفت نتيجة لذلك بروح المحافظة ومقاومة التجدد ، وظل الأمر كذلك إلى أن جاء كونفوشيوس وأوجد مفهوما جديدا للتربية التي تهتم بدراسة الفضيلة وخدمة الأقارب وأدب اللباس وأشياء كثيرة في شؤون الفلسفة الروحية وكان ذلك يتم عن طريق المدارس التي كانت تهتم بنظام الامتحانات التي يدخلها التلميذ.

ب. أهداف التربية الصينية :

تهدف التربية عند الصينيين القدماء إلى تعريف الفرد على صراط الواجب الحاوي جميع أعمال الحياة، وعلاقة هذه الأعمال بعضها ببعض، وإخراج طبقة من الحكام.(1)

ج. نوع التربية :

كانت التربية الصينية في الدرجة الأولى تدريباً على العادات والواجبات وقوانين السلوك، أما التربية المهنية وتدبير المنزل والتربية العسكرية والتربية الوطنية... الخ، فكانت جميعها مؤمنة ولكنها تبنى علـى الأسـاس الـعـام (الأخلاق)، أما التربية البدنية فلـم يحسب لهـا حسـاب، ولذا لم يشتهر الصينيون بهذا الباب، كما أنهم لم يشتهروا بالممارسات الصحية -وأكد الصينيون دوماً على السلم أكثر مما أكدوا على الحرب، وكانوا يفضلون الفكر على القوة الجسدية.

د. منهج التربية :

إنّ أساس التربية الصينية، هو كنفوشيوس(1) وتعاليمه. والكونفوشيوسية ليست نظاماً دينياً ولا هي نظام عبادة؛ وإنما هي نـظـام فـلسـفـي يجـمـع بـيـن

الهوامش:

1 ) هندي ، صالح ذياب، وهشام عامر عليان ، و أحمد عبد الرحيم العموري، ومفيد نجيب حواشين ، (2008)، أسس التربية ، الطبعة الرابعة)، الأردن - عمان: دار الفكر ناشرون وموزعون، ص: 18.

الصفحة48

الآداب السياسية والاجتماعية وبين الأخلاق الخاصة. واستمدت الكونفوشيوسية قوتها من الديانتين البوذية والتاوية في تعاليمهمـا هـذه حيث أوجبت على الطفل تعلم التعاليم الأخلاقية والواجبات الاجتماعية باعتبارها جزءا أساسياً من المبادئ الرئيسة للسلوك.

هـ. وسائل التربية :

إن مركز التدريب لمعظم الواجبات والفلسفة التي تقوم عليها كان من الطبيعي - البيت. فمعظم العلاقات التي بحثها كونفوشيوس كانت تدور حول العائلة. وبعد أن اعتمد الصينيون المدرسة كوسيلة نظامية للتربية بقيـت العائلة الوسيلة لتربية الولد التربية العملية كما كانت عند الشعوب البدائية. فجميع الأشياء العملية والمنزلية كان التدريب عليها في العائلة.(2)

و. نظام المدارس في التربية الصينية :

اتسم هذا النظام بطابعه الخاص والمتميز الذي يهدف إلى سيادة اللغة الصينية والأدب المقدس وبث القدرة على كتابة المقالات وقد اشتمل على مراحل ثلاث خصصت المرحلة الأولى لاستذكار أشكال الرموز المختلفة وذلك بحفظ بعض النصوص التي اختيرت للطلبة وحفظ الكتب الدينية ، أما المرحلة الثانية فهي مخصصة للترجمة أي حل الرموز التي سبق أن المرحلة الأولى ، في حين خصصت المرحلة الثالثة لكتابة المقالات والموضوعات الإنسانية إلى أن يحصل التلاميذ على مهارة وقدرة كافية في هذا الفن تمكنهم وتؤهلهم لدخول الامتحانات والنجاح فيها.(انظر الشكل الموجود في البدف أعلاه ص: 49)

الهوامش:

1) من كبار مفكري العالم ، وتنسب إليه الديانة الكونفشيوسية ، وهي مجموعة من المعتقدات والمبادئ في الفلسفة الصينية ، طورت عن طريق تعاليم كونويشيوس وأتباعه، تتمحور في مجملها حول الأخلاق والآداب، طريقة إدارة الحكم والعلاقات الاجتماعية. أثرت الكونفشيوسية في منهج حياة ،الصينيين حددت لهم أنماط الحياة وسلم القيم الاجتماعية، كما وفرت المبادئ الأساسية التي قامت عليها النظريات والمؤسسات السياسية في الصين. انطلاقا من الصين، انتشرت هذه المدرسة إلى كوريا، ثم إلى اليابان وفيتنام ، أصبحت ركيزة ثابتة في ثقافة شعوب شرق آسيا. عندما تم إدخالها إلى المجتمعات الغربية جلبت الكونفشيوسية انتباه العديد من الفلاسفة الغربيين.

2 ) المرجع السابق نفسه، ص: 46.

الصفحة49

ز. نظام الامتحانات في التربية الصينية :

يعد الامتحان والتعاليم الكونفوشية التي يعتنقها الصينيون من أهم القوى والنظم التي أثرت في المجتمع الصيني ونظم الامتحانات هي الوسيلة الوحيدة التي بوساطتها تمت السيطرة على الطبقة المتعلمة وبالتالي على الحكومة، وتتكون هذه الامتحانات من ثلاثة أنواع تتدرج حسب صعوبتها، وهي كما يأتي:

أ. امتحانات الدرجة الأولى:

وتتميز بما يأتي :

- تجري مرة واحدة كل ثلاثة أعوام في عاصمة المقاطعة.

- يشرف عليها العميد الأدبي ذو النفوذ التشريعي على المقاطعة بأكملها. - مدة الامتحان ما بين ( 18 – 24 ) ساعة

- يطلب فيها من الطالب كتابة ثلاث مقالات في موضوعات مختارة من كتاب كونفوشيوس.

- نسبة النجاح فيها هي خمسة بالمئة، ويكرر الامتحان أربع أو خمس مرات لانتقاء العدد المطلوب.

- الناجحون في هذا الامتحان هم فقط من يحق لهم اداء امتحان الدرجة الثانية.

ب. امتحانات الدرجة الثانية : 

وتتميز بما يأتي:

- الغرض منها هو قياس قدرة الطالب على القراءة ومدى كفايته في كتابة الموضوعات الإنشائية.

- تجري مرة واحدة كل ثلاثة أعوام في عاصمة المديرية.

- مدة الامتحان ثلاثة أيام.

- شبيهة بامتحانات الدرجة الأولى مـن حيـث أسلوبها ونهجها إلا أنها أكثـر صعوبة واشمل.

- نسبة النجاح فيها هي واحد بالمئة وتكرر ثلاث أو أربع مرات لانتقاء العدد المطلوب.

الصفحة50

ج. امتحانات الدرجة الثالثة : وتتميز بما يأتي:

- تعقد في العاصمة بكين

- مدة الامتحان ثلاثة عشر يوما.

- تتكون قاعة الامتحان من عشرة آلاف غرفة حيث تخصص لكل طالب غرفة. - تتعلق الأسئلة بالكتابة عن كونفوشيوس والأدب والأخلاق والفلسفة.

- عدم اشتراط أي سن محدد للدخول في هذه الامتحانات

- الناجحون في هذه الامتحانات يؤمل ان يكونوا تلاميذا ضباطا في حكومة الصين.

ح. وضع المرأة في الحضارة الصينية القديمة :

لقد كانت المرأة الصينية تحتل المنزلة الدنيا في المجتمع الصيني، مجرد وجود بنت في الأسرة، يُعد بمثابة نذير شؤم لتلك الأسرة، لدرجة جعلت تلك الأُسر تتخلص من بناتها من خلال تركهن في الحقول ليقضي عليهن الصقيع، أو الحيوانات الضالة أو المفترسة، فالبنت الصينية كانت تمثل عبئا ثقيلا على أبيها ، نظراً لكونه يقوم بتربيتها ، ثم يُرسلها إلى بيت زوجها ، لتعمل فيه دون أن يناله منها شيء، فلا فلقد كانت النظرة إلى الفتاة أو البنت الصينية، يشوبها الكثير من الذل والاحتقار، لدرجة جعلت الصينيون يهمون بتقديم قطع من الطين المجفف إلى الأب الذي تُولد له بنت، وذلك في إشارة إلى أن الطين المجفف كالنساء ، لا يثبت على مر الأزمان، وسرعان ما يُستهدف لعبث الرياح. وكانت المرأة لا تحظى بالثقة، وأن ما تقوله المرأة هو ضرب من الخيال، ولهذا جاء في المثل الصيني" أنصت لزوجتك ولا تصدقها"(1).

الهوامش:

1 ) الطبيب، مرجع سابق، ص:51.

الصفحة51

التربية في الحضارة الهندية القديمة.2

يتميز المجتمع الهندي القديم بأنه مجتمع طبقـي عنصري، يستمد طبقيته من سلطة وتأثير الدين على مظاهر الحياة في الهند القديمة، فقـد حـدد الـدين القواعد ورسم الحدود ونظم العلاقات لكل طبقة بما سواها من الطبقات، حيث ينقسم المجتمع إلى خمس طبقات ثابتة لا تتغيرهي: (انظر الخريطة الموجودة في البدف أعلاه ص: 52)

1. طبقة البراهمة أو رجال الدين (رأس الإله).

2. طبقة المحاربين (ذراع الإله).

3. طبقة التجار والصناع (فخذ الإله)

4. طبقة العبيد والرقيق (قدم الإله).

5. طبقة المنبوذين وتتكون من القبائل التي لم تعترف بسمو البراهمة وأسرى الحروب ومن يقع عليه الجزاء.

و من أبرز نتائج هذه الطبقية الصارمة، وراثة الجمود الاجتماعي؛ إذ لا يمكن الانتقال من طبقة إلى أخرى، والخضوع التام لمـا تفـرضـه العـادات والتقاليد والعرف والدين على أفراد كل طبقة من وظائف اجتماعية. ويتفاوت على أساس هذا التقسيم أفراد المجتمع في المركز الاجتماعي والحرية الشخصية والسياسية.

ولقد اعتنت الحضارة الهندية بتربية الطفل تربية حسنة لأجل مستقبل زاهر وكما يقول المثل الهندي "عندما يكون الأولاد صغاراً، زودهم بجذور عميقة، فإذا كبروا امنحهم أجنحة طليقة".

الصفحة52

أ. أهداف التربية عند الهنود القدماء :

الهدف من التربية عند الهنود القدماء هو : الإعداد للحياة المستقبلية : أي الإعداد للفناء من أجل العودة لحياة أخرى لانهائية. وكذلك المحافظة على نظام الطبقات؛ فالمجتمع الهندي يتكون من طبقات(1).

ب. نوع التربية :

إن التربية الهندية هي في الدرجة الأولى دينية كما كانت أخلاقية، بحيث تلقن المرء العادات وتقاليد السلوك التي تعده لاحتلال مكانة في الحياة. أما التربية الفكرية، فقد كانت وقفاً على أعلى الطبقات، ومحرمة على باقي الطبقات، وكانت نظرية ومحصورة بمعرفة التقاليد القديمة، وينقصها التطبيق العملي لتحسين أحوال الحياة أو التقدم العلمي للجنس البشري، أما الطبقة السفلى وطبقة النساء فلم يسمح لهما بالتربية الفكرية البتة . فالمرأة ليست سوى لخدمة الرجال ولإنجاب الأولاد.

ج .منهج التربية :

كان منهج التربية البرهمية الرئيس تعليم الكتاب المقدس المكتوب باللغة السنسكريتية، وقد درس البراهمة الفيدا أي كتب الهنود المقدسة، والانكا أي الكتب العلمية والفلسفية، وكتاب الآداب والعادات التقليدية. وتضمن منهج التدريس في كليات البراهمة أنواع المعرفة التي نسميها اليوم التاريخ والنحو والشعر والقانون والرياضيات والطب.

د. المؤسسات التربوية (2):

كانت تربية الهنود تتم في معظمها بواسطة العائلة والبيت. كان لديهم بعض المدارس الابتدائية لكنها كانت بسيطة جداً. فالولد يذهب إلى المدرسة في سن السابعة، والمعلمون كانوا من البراهمة وكان بدل خدماتهم يدفع عن طريق

الهوامش:

1 ) الهندي وآخرون، مرجع سابق، ص: 18.

2 ) المرجع السابق نفسه، ص: 51 

الصفحة53

الهدايا لأنه كان من العار أن يقبل المعلم أجراً ، وكان المعلم محترماً جداً يفوق احترامه أحياناً احترام الأهل. وكانت الدارسة في الفضاء تحت الشجرة.

هـ. طرائق التربية (1):

كان الحفظ والتقليد الطريقتين الأساسيتين في التعليم عنـد الهنود، وقـد كتبت كتبهم الدينية بأسلوب غنائي بحيث يسهل حفظها، وكان الأولاد يرددون هذه الأناشيد حتى يحفظوها دون خطأ. أما الكتابة فكانـت تعلـم بتقليد المعلم أولا بالكتابة على الرمل ثم الكتابة على صفائح النخيل.

و.وضع المرأة في المجتمع الهندي القديم :

نزّلت النساء في هذا المجتمع منزلة الإماء، وكان الرجل قد يخسر امرأته في القمار، وكان في بعض الأحيان للمرأة عدة أزواج، فإذا مات زوجهـا صـارت كالموءودة لا تتزوج، وتكون هدفاً للإهانات والتجريح، وكانت أمة بيت زوجها المتوفي وخادم الأحماء، وقد تحرق نفسها على إثر وفاة زوجها تفادياً مـن عـذاب الحياة وشقاء الدنيا (2).

وهكذا كان في شريعتهم إذا مات الرجل أحرق بالنار، وأحرقت معه جميع زوجاته أحياء، وأخيراً استكثروا هذا الفضل على المرأة، وأن النـار الـطـاهـرة لا يجب أن تدنس بجسم المرأة النجس، لذلك عمدوا إلى حرق جثة الزوج، ودفن جميع زوجاته أحياء، ولهذا جاء في شرائع الهندوس، ليس الصبر المقدر والموت والجحيم والسم والأفاعي والنار أسوأ من المرأة(3).

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.

2 ) الندوي، أبو الحسن ، (1984) ، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين (الطبعة الثامنة)، بيروت: دار الكتاب

العربي، ص:51.

3 ) الطبيب، مرجع سابق، ص:46.

الصفحة54

التربية لدى قدامى المصريين.3

كان المصريون القدامى يؤمنون بالبعث بعد الموت، وبخلود الروح، والثواب والعقاب في الـدار الآخرة، وكانوا يعتقدون أن الأرواح تعود لتسكن الأجساد من جديد، ولهذا لجأوا إلى التحنيط، وبنو الأهرام، ليحفظوا فيها جثث ملوكهم.

أ. خصائص التربية لدى قدامى المصريين :

 - يعيش الطفل - في سن الرابعة - مع ألعابه.

 - التربية لم تكن لينة ، فمنذ السنة الأولى من عمر

الطفل يمشي عاري القدمين، حليق الرأس، طعامه من خبز الذرة.

 - تقدم الأم للطفل شيئا من المبادئ الدينية والخلقية. 

- الدراسة تشتمل على الدين وآداب السلوك ، القراءة و الكتابة، الحساب، السباحة، الرياضة البدنية.

(انظر الخريطة الموجودة في البدف أعلاه ص: 55)

- يتم الانتقال من المدرسة الأولية إلى المدرسة العليـا بعـد امتحان يؤديه الطالب.

- كان يغلب طابع الدراسة الفنية والمهنية في التعليم العالي. - كان الأساتذة يستعملون الضرب بالعصا، فالنظام المتبع كان قاسيا ، ومن حكمهم الشائعة "إن للطلاب صلبا وهم يفهمون الأمور فهما أفضل عندما يضربون".(انظر الشكل الموجود في البدف أعلاه ص: 55)

ب. أهداف التربية :

كانت أهداف التربية عند المصريين السعي وراء المعرفة لأجل الاستفادة منها في استثمار أرضهم واستغلالها ولإعـداد الموظفين لاحتلال وظائف الدولة. وقد درسوا الأدب وأتقنوا الكتابة ، كما أتقنوا استعمال اللغة لأجل استنساخ التعاليم والوصايا الأدبية والصحية والاجتماعية(1).(انظر الشكل الموجود في البدف أعلاه ص:55)

الهوامش: 

1 ) نجار، مرجع سابق، ص 57.

الصفحة55

ج. نوع التربية :

  أما من حيث نوع التربية ، فقد كانت التربية المصرية عملية في جميع عصورها. وهذا ما كانت تفرضه الأهداف التي كانوا يريدون تحقيقها. كان يحتم على المصري، بسبب ظروف حياته ومواجهة فيضان النيل والعمل على التسلط عليه والتقليل من ضرره وتحويله إلى منافع، أن يكون رجلا عمليا . فقد اضطر أن يتعلم شيئا من الهندسة والحساب والمساحة وفن البناء، وكان من الطبيعي له بعد أن ينال هذا المقدار من المعرفة ويتمكن بواسطتها من تحقيق أهدافه المباشرة التي يسعى لزيادة معرفته وتطوريها وبنائها على قواعد نظرية، لذلك لم ينغمس المصري في بحث الفرضيات والفلسفة ومـا بعد الطبيعة، بل ترك ذلك لليونان الذين تعلموا في وادي النيل الكثير من الرياضيات والطب(1).(انظر الشكل الموجود في البدف أعلاه ص:56)

د. من إسهامات المصريين في فن التعليم :

استخدموا طرقا حسية في تعليم العد، وكانوا يستخدمون الأشكال في تعليم الهندسة.

- هم من أنشأوا أولى المكتبات العامة الغنية بالكتب العديدة في شتى الموضوعات.

فالحضارة المصرية أولت عناية كبيرة للتربية، وقد كانت وصية أحد حكمائهم لابنه "امنح قلبك للعلم وأحبه كما تحب أمك، فلا يعلو على الثقافة شيء"، ويضيف "أذكر يا بني أن أية مهنة من المهن محكوم بسواها، إلا الرجل المثقف، فإنه يحكم نفسه بنفسه". فالمعرفة حسب المصريين القدامى وسيلة لبلوغ الثروة والمجد.(انظر الشكل الموجود في البدف أعلاه ص: 56)

هـ. الوسائل والتنظيم :

لقد قضى الولـد المـصـري السنوات الأربـع مـن حيـاتـه بـيـن ألعابه، ولا يـزال الكثير من هذه الألعاب محفوظاً في متاحف العالم الكبيرة، أما تعليم الدين فقد كان متروكاً من الناحية النظرية إلى مسؤولية الأب ولكن الواقع أن الولد كان يرسل إلى المدارس الملحقة بالبلاط(2).

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه، ص: 57.

2 ) المرجع السابق نفسه، ص: 60.

الصفحة56

  كانت المدارس مرتبطة بدوائر الحكومة، ويقوم بالتعليم فيها كبار الموظفين حيث يعين لكل أستاذ عدد من التلاميذ يتتلمذون على يديه. وكان بالإضافة إلى ذلك يوجد في بعض المعابد إلى جانب مدارس الكتبة ، معاهد تعرف بـ بيوت الحياة وكان الطب أحد التعاليم الرئيسية التي تتلقاها فيها نخبة من الطلاب وقوام هذه البيوت مكتبة كاملة، أما التدريس فيها فيتناول الحساب وتدوين حوليات الإله أو الملك المقدس، كما يتناول التعمق في العقائد الدينية(1).

و. طرائق التعليم لدى المصريين القداما :

  كانت طريقة التعليم المحببة لدى المصريين، هي طريقة الرسائل والمراسلات الأستاذ والتلاميذ، فكان الأستاذ يلقن بواسطة هذه الرسائل الحكمة والمعرفة إلى تلاميذه كما يعلمهم طريقة الكتابة الصحيحة. ولا تزال بعض هذه الرسائل محفوظة حتى يومنا هذا ويظهر هذا التصحيح الذي أجراه الأستاذ في حواشيها، كما تبدو على ظهرها إشارات إلى الأعمال التي كان يقوم بها هؤلاء التلاميذ في أثناء قيامهم بدروسهم. وهذا دليل آخر على أن التربية عند المصريين كانت عملية(2).

  أما النظام فقد كان شديداً وكثيرا ما لجأوا إلى الفلق وكان المصريون يعتقدون أنهم بالضرب والقسوة يستطيعون أن يعلموا الحيوانات فكيف بالإنسان؟ ويقولون : " للشاب ظهر فإذا ما ضربته عليه انتبه وتعلم(3).

ز. وضع المرأة في مصر الفرعونية :

  كانت المرأة في مصر القديمة تشارك الرجل في حياته الدينية و السياسية والاجتماعية كما تشاركه في حياته اليومية. طبقا للمصادر المتاحة يمكننا أن نستنتج أن وضع المرأة المصرية في هذا العصر كان أفضل بكثير من وضعها في اليونان القديمة، أو روما فيتعجب هيرودوت المؤرخ اليوناني المعروف في مذكراته التي تتعلق بزيارة مصر القديمة بحقوق المصريات في إرث زوجها. كانت ديانة المصريين القدماء تساوي بين الآلهة و الآلهات. فعبد المصريون القدماء الآلهـات كرموز للذكاء والإخلاص و الحب مثل الآلهة إيزيس وحاتحورو ساخمت.

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه، ص: 61.

2 ) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.

3 ) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.

الصفحة57

التربية اليونانية القديمة.4

  لقد قدمت اليونان إلى الحضارة الحديثة في ميدان الفن والأدب والفلسفة والعلم والسياسة أكثر من أي أمة أخرى.

  فمن المسلم به أنّ المفاهيم التربوية والمثل العليا التي أنشأها هذا الشعب الناشط المثقف كان لها الفضل الكبير في تطوير الفكر التربوي، ولأول مرة في التاريخ نجد مفهوما جديداً للتربية يعتبرها التكيف التقدمي للتربية و يسلم بضرورة تنمية شخصية الإنسان(1).

  من أهم العوامل التي ساعدت على تقدم المجتمع اليوناني ورقيه في المجالات الحياتية  كافة والمجال التربوي بشكل خاص هو ما امتازت به بلاد اليونان من جو لطيف قليل التغير يبعث النشاط في الإنسان ويساعده على التفكير والإبداع والتصور، فقد حظيت اليونان بنظام تربوي متميز اتخذت فيه شكلا منظما كان أساسا لما سارت عليه التربية في العصور اللاحقة، وامتازت هذه التربية بكونها تربية أرستقراطية محصورة بفئة قليلة من المجتمع ، وفي ضوء هذا العدد المتميز من القلة المفضلة اتسمت التربية بروح التجديد والابتكار وفسح المجال لنمو الشخصية الفردية في الجوانب السياسية والعلمية والخلقية والفنية حيث كانت غاية التربية عندهم هي وصولُ الإنسان إلى الحياة السعيدة والجميلة، وذلك عن طريق وصوله إلى الكمال الجسمي والعقلي معا . وبصورة عامة ظهر في اليونان نموذجان تربويان هما :

الهوامش:

1 ) نجار، مرجع سابق، ص: 72.

الصفحة58

أولا : التربية الاسبرطية

تمثل التربية الإسبرطية التربية اليونانية القديمة في أوضــح صــورهـا ومظاهرها إذ لم يطرأ على هذه التربية أي تغير أو

تعديل الا في حالات استثنائية نادرة حدثت عند انهيار

دولة إسبارطة.(انظر الشكل الموجود في البدف أعلاه ص: 59)

اتجاهات التربية الإسبرطية :

1. أهداف التربية الاسبرطية :

  الهدف من التربية عند الاسبرطيين هو إعداد الجندي المحارب القوي الشجاع المطيع(1).

2. أنواع التربية ومحتواها (2):

  يكاد يكون نوع التربية عند الاسبرطيين مقتصراً على الناحيتين الجسدية والعسكرية، ولما كان هذا النوع يعود بالفائدة على الفرد، ويضمن المحافظة على الدولة ، كان بالإمكان تسمية هذه التربية اجتماعية بمعناها الشامل كما يمكن تسميتها وطنية من حيث المحافظة على الوطن. وقد اتجهت كل التربية في إسبارطة خلقياً وفنياً نحو الاستعداد العسكري.(انظر الشكل الموجود في البدف أعلاه ص: 59)

  أما التربية البيتية فكانت ثانوية بالنسبة إلى الدولة والعائلة يجب أن تضحي بمصالحها في سبيل الاستعداد العسكري، وهكذا كانت تترك معظم الأشغال والواجبات البيتية إلى الإماء ، ولم يكن لدى الاسبارطيين تربية مهنية لأن الأعمال المهنية كانت تعهد إلى العبيد وهؤلاء كان عليهم أن يعدوا أنفسهم لهذه المهمة.

  أما العناية بالتربية الفكرية فكانت قليلة وكانت تقتصر على استظهار شريعة ليكورغوس وبعض الأشعار المختارة من هوميريوس.

الهوامش:

1 ) هندي وآخرون، مرجع سابق، ص: 19.

2 ) نجار، مرجع سابق، ص ص: 78-79.

الصفحة59

3. المؤسسات والتنظيمات التعليمية(1):

  لم تكن هناك أهمية للحياة الأسرية في إسبرطة لأن ليكورغوس مؤسس النظام الإسبرطي لم يثق فيها، فالحياة الأسرية في رأيه تنمي المصالح الخاصة، وتضع الروابط المشتركة وتعرض سلامة المجتمع للخطر، ولذلك آثر ليكورغوس الحياة العامة التي يشترك فيها جميع الناس ويكون كل إسبرطي فيها أباً وأخاً ومعلماً لكل طفل إسبرطي، وبالرغم من ضآلة أهمية الأسـرة باعتبارهـا مـؤسسـة تعليميـة فقـد كـانـت مـدرسـة للبنـات تناظر في أهميتها أهمية الثكنات العسكرية للأولاد.

  ففي سن السابعة يلتحق الأولاد بمدارس عامة يعيشون فيها معاً ويأكلون معاً ويلعبون معاً تنمية لقيم المساواة وإذكاء لروح الجماعة في نفوس الشباب، وفي هذه المدارس العامة اتخذت جميع الاحتياطات لتعويد الأطفال والشباب تحمل الصعاب وإعدادهم لحياة الجندية. وفي الثانية عشرة يكلف الأطفال بالتجوّل في القرى المجاورة وسرقة ما يستطيعون حمله من المأكولات تدريباً لهم على أعمال الحرب والضرب. فإذا ضبط أحدهم متلبساً بالسرقة عوقب عقاباً شديداً لا لأنه سرق وإنما لافتقاره إلى الحذق الذي ترتب عليه افتضاح أمره. ولقد درّب الشباب على الجري والقفز والمصارعة والعوم وركوب الخيل والصيد والقنص وقذف الرمح ورمي القرص وغير ذلك تقوية لأبدان الشباب وتعويدهم على الصبر والتحمل. وحينما يصل الشباب إلى سن الرجولة يقضون عامين في التدريب على أعمال الحرب من الثامنة عشرة إلى العشرين. وفي سن العشرين يُقسم الشباب يمين الولاء للدولة ويرسلون إلى موقع الجيش العامل ويشهدون المعارك الحقيقية لكي يتعودوا على رؤية الدماء وإراقتها، وفي سن الثلاثين يجبر الشباب على الزواج والاشتراك في الجمعية العمومية، ومن ثم يصبحون مواطنين كاملي الأهلية ونماذج يقتدي بها الأطفال والشباب.

الهوامش:

1 ) يونس وزميله ، مرجع سابق، ص ص: 91 - 92.

الصفحة60

. طرق التعليم وأساليبه :4

  اعتمد الإسبرطيون على أكثر من طريقة في تعليم أبنائهم مثل ممارسة النشاط تحت إشراف ممثلي الدولة وكبار الأطفال، وطريقة القدوة التي يقدم فيها المواطنون الكاملون إلى الأطفال باعتبارهم نماذج تحتذى، وطريقة التقليد وطريقة الملاحظة. كما استخدموا طريقة التلقين في تعليم الواجبات ه المسؤوليات الاجتماعية والخلقية. واستخدموا طريقة المناقشة. وقد كان  يطلب من الأطفال عند الإجابة ذكر الأسباب وإقامة البراهين في كلمات موجزة، وكل من كانت إجابته خاطئة يعض على إبهامه عقـابـا لـه. ومعنـى ذلك أن الإسبرطيين استخدموا كل ما من شأنه أن يعينهم على تحقيق أغراض دولتهم، ولم يستكفوا من استخدام العقاب البدني في تعليم أبنائهم وكانوا يشجعون الأطفال والشباب على الشجار وممارسة نوع من المصارعة الحرة التي تستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة(1).

ثانياً : التربية الأثينية :

  تبدأ التربية الأثينية من الأسرة حيث يعهد إليها بتربية الطفل حتى يبلغ السابعة من عمره فيتم إرساله إلى المدرسة ويبقى فيها حتى الخامسة عشرة أو السادسة عشرة من عمره وكان يرافق التلميذ في ذهابه إلى المدرسة وإيابه شيخ كبير يقوم بمراقبة سلوك الصبي وعاداته في الحديث ومعاملة الآخرين والمشي في الطريق كما أوكلت إليه مهمة تقويم أخلاقه ومعاقبته عنـد إخلاله بآداب اللياقة.(انظر الشكل الموجود في البدف أعلاه ص: 60)

الهوامش:

1 ) يونس وزميله ، مرجع سابق، ص: 93.

الصفحة61

العوامل المؤثرة في نظام التربية الأثينية (1):

1. النظام الطبقي:

تشكل المجتمع الأثيني من ثلاث طبقات هي:

أ. طبقة المواطنين الأحرار، وهم من أصل أثيني ويتمتعون بكافة الحقوق السياسية والمدنية ويمثلون صفوة المجتمع.

ب. طبقة الأجانب ولم يكن لهم الحق في الاشتراك بوظائف الدولة ويعمل أفرادها بالتجارة وكان مسموحاً لهم بالعمل في الجيش. 

ج .طبقة العبيد ولم يكن لأفراد هذه الطبقة حقوق مدنية وكانوا يقومون بالأعمال اليدوية التي ينظر إليها نظرة وضيعة.

2. الموقع الجغرافي:

كان موقع أثينا على ساحل البحر سببا في اتصال الأثينيين بالحضارات الشرقية والجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط حيث احتكوا بهذه الحضارات وتأثروا بها ونقلوا عنها الشيء الكثير.

الموقع المناخي:.3

ساعد المناخ المعتدل الأثينيين على التمتع بالمعيشة في الهواء الطلق، فقد جلس الأثينيون في الساحات العامة وتحت الأشجار يتجادلون في مسائل الأدب والفن والحكم والفلسفة والدين. وكانت هذه الجلسات بداية التفكير الذي نما وتطور وأخرج للعالم مفكرين عظاماً أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم.

ويمكننا أن نميز بين ثلاث مراحل لتطور التربية الأثينية نتناولها في يأتي:

الهوامش: 

1 ) يونس وزميله ، مرجع سابق، ص ص : 94 -95.

الصفحة62

1. التربية الأثينية المبكرة( 776ق.م - 479 ق . م ) :

أ . أهداف التربية الأثينية المبكرة(1) :

  أكدت أثينا في هذه المرحلة أهمية بلوغ الكمال الفردي تحقيقاً للصالح العام، وكان الكمال الفردي يعني النمو الكامل للإنسان عقلاً وبدناً وخلقاً. وقصد بالصالح العام المشاركة في جميع أمور الدولة في أوقات الحرب والسلم على حد سواء، على خلاف الصالح العام الذي قصد به في إسبرطة خدمة الدولة في أوقات الحرب، وبينما عني الأسبرطيون بالقوة عني الأثينيون بالرشاقة والجمال والاعتدال.

ب. أنواع التربية ومحتوياتها (2):

  غلبت التربية الاجتماعية على التربية الأثينية المبكرة، واستخدمت التربية البدنية من أجل تنمية الرشاقة والتآزر لا القوة العضلية. وأكدت التربية الخلقية فضائل الأبطال الهومريين وخدمة الدولة. ودرس الأثينيون الموسيقى والرقص والشعر باعتبارها وسائل للنمو العقلي والخلقي والشخصي، وخلت التربية الأثينية المبكرة من التدريب المهني والتدبير المنزلي ، لأنّ العبيد اضطلعوا بأداء تلك الأنشطة.

ج المؤسسات والتنظيمات التعليمية(3) :

  اختلفت مكانة الأسرة ووظائفها في أثنيا عنها في إسبرطة. ففي إسبرطة لم يسمح للأسرة بالقيام بوظائفها، وفي أثينا تركت أمور التربية للأسرة وكان للدولة الإشراف العام فقط، يقول إيباي واروود يبدو الفرق بين النظامين الإسبرطي والأثيني من موقفيهما من الطفل حديث الولادة. ففي إسبرطة تقرر لجنة عامة ما إذا كان الطفل يحيا بينما يقرر الأب هذا الأمر في أثينا. وفي أسبرطة كان الأطفال ملكاً للدولة تعلمهم وتربيهم وفقاً لمـا تـراه مناسبا بينما قامت الأسرة في أثينا بدورها في التربية. وكانت الأسرة الأثينية تعهد بالطفل حديث السن إلى أحد العبيد الموثوق فيهم ليقوم على أمر تربيته والإشراف على سلوكه، كما قامت المدرسة بدور كبير في تعليم الأطفال

الهوامش:

1 ) يونس وزميله ، مرجع سابق، ص: 95.

2 ) المرجع السابق نفسه، ص: 96.

3 ) يونس وزميله ، مرجع سابق، ص ص : 96-97.

الصفحة63

الأثينيين وتربيتهم، فقد تعلم الطفل الأثيني القراءة والكتابة والموسيقى في مدرسة الموسيقى وتدرب على الألعاب في مدرسة البالسترا(1) تنمية القدرات معينة، وكانت القوانين الأثينية تحتم وجود مشرف على التمارين الرياضية، وتوجب تماثل قدرات الأطفال الذين يتنافسون في لعبة معينة وكانت جميع أنشطة الحياة في أثينا ذات دور تربوي كبير فالشباب يتعلمون كثيرا من اجتماعات الجمعية العمومية حيث يستمعون إلى ما يدور من المناقشات وفي المحاكم يرون القوانين تفسر والعقوبات ،توقع، وفي المسرح يشاهدون الكوميديا والتراجيديا ، وفي مواسم الألعاب الأولمبية يتعلمون كثيرا عن الحياة في أثينا، لأن تلك المواسم كانت مناسبات للمباريات الرياضية والأدبية والعلمية والفلسفية لا تختلف عن سوق عكاظ وذي المجاز وغيرهـا عنـد العـرب، أمـا التنظيمات التعليمية فتتمثل في خضوع الأطفال لإشراف الآباء والأمهات والعبيد حتى يبلغوا سن السابعة، ومن السابعة حتى السادسة عشرة يقضون أوقاتهم في مدرستين هما مدرسة الموسيقى ومدرسة البالسترا فيتعلمون الكتابة والقراءة والحساب والشعر والموسيقى في المدرسة الأولى، ويتلقون تدريبات بدنية على مستوى رفيع في المدرسة الثانية. وفي السادسة عشرة حتى الثامنة عشرة يتحرر الشباب من الدراسات الموسيقية والأدبية ويستمرون في أداء التمرينات البدنية والفترة من الثامنة عشرة إلى العشرين تقضى في الخدمة العسكرية حيث يخضع الشباب لنظام عسكري صارم ويكلف بحراسة الحدود، وفي سن الثلاثين يكتمل تعليم الفرد ويمارس حقوق المواطنة كاملة.

د. طرائق التعليم وأساليبه (2)

فهم الأثينيون التربية باعتبارها قائدة للنمو وليست إحـداثاً له، ولذلك لم يفضلوا تدخل المربي في إحداث النمو وقصور عمله على التوجيه فقط. وكانت الحرية أهم ما يميز التربية الأثينية، فالطفل يتعلم وفقاً لرغباته وقدراتـه

الهوامش:

1)شيد الإغريق أبنية تزاول فيها المصارعة فقط وسميت البالسترا ، وكانت جزءا تابعا إلى الجمنزيوم ، وعندما ظهرت الحاجة إلى إيجاد أماكن خاصة لتدريب الفتيان والشباب الذين ترعاهم الدولة وتعدهم الإعداد البدني والعقلي أطلق عليها نفس اسم ألاماكن الخاصة بالمصارعة البالسترا، وعليه أصبحت كلمة البالسترا تطلق على أماكن متعددة منه ما يخص أماكن الأبطال، ثم البالسترا التي يتدرب فيه الفتيان وأخرى خاصة بالشباب يتدرب فيها على الملاكمة والمصارعة / الجمنزيوم.

2 ) يونس وزميله ، مرجع سابق، ص:98

الصفحة64

وإمكانياته ولا يرغم على تعلم مالا يرغب فيه باستثناء المجال الاجتماعي والخلقي. يقول بول مونرو " إنّ الدولة الأثينية لم تتطلب من الفرد سوى أن يسير بالحكمة ويؤدي الواجبات الاجتماعية الملقاة على عاتقه، ويكون حراً في كيفية قضاء وقت فراغه" ، ولذلك فقد تعلم الطفل الأثيني كثيراً عن طريق القدوة والتقليد، إذ تعلم القراءة والكتابة والموسيقى والرياضة البدنية عن طريق تقليد أساتذته وجاء معظم تدريبه عن طريق إشراكه في الأنشطة العامة للحياة الأثينية . وتعلم الطفل الأثيني القواعد الخلقية في العصور الأثينية المبكرة عن طريق التلقين والإيحاء، فالمربي يخبر الطفل أو يوحي إليه بأن هذا حسن وذاك سيئ، وهذا خير وذاك شر هذا مقبول وذاك غير مقبول، وهذا مقدس وذاك مدنس. ويعاقب الطفل على انتهاكه للقواعد الخلقية. وكان الأطفال يزودون في المدارس الابتدائية بالكتب العظيمة، والقصائد الممتازة أملا في إقتدائهم بما تدعو إليه من قيم ونصائح وإرشادات خلقية واجتماعية.

2. التربية الأثينية في عصر الازدهار( 479ق.م - 338 ق.م): 

نضجت مواهب الأثينيين في القرن الخامس قبل الميلاد، وتفتقت قرائحهم عن روائع العلوم والفنون. وكان لطبيعة الحياة الديمقراطية التي عاشها الأثينيون دخل في تلك المواهب حيث وفرت أثينا الشروط الضرورية لنمو الذكاء الإنساني. فلقد ظهر المفكرون المبدعون في كل مكان في بلاد الإغريق، وظهر الفلاسفة والعلماء والخطباء في صقلية، وظهر المؤرخون والدراميون في مختلف الدول اليونانية. ولكن أثينا وحدها هي التي وفرت المناخ المناسب والحرية، والتشجيع اللازم للتعبير عن تلك المواهب. ويعرف العصر الذي نمت فيه العبقرية اليونانية بعصر " بركليز" وهو عصر وقعت فيه تغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية وعقلية كان لها آثارها البالغة على التربية الأثينية(1).

أ. أهداف التربية الأثينية في عصر الازدهار:

تمثل هدف التربية في عصر الازدهار في البلوغ إلى الكمال الفردي ، لا من أجل الصالح العام. يقول :" وايلدز" " لقد تغير الهدف القديم الذي تمثل في 

الهوامش: 

1 ) يونس وزميله ، مرجع سابق، ص 99.

الصفحة65

الخدمة الاجتماعية والمنفعة العامة إلى فردية أنانية مبتذلة. واحتاج الشباب الآثيني إلى تدريب يحررهم من قيود النظام القديم ومعاييره، وينمي فيهم مهارات أكثر فائدة في تحقيق التقدم الشخصي والحصول على المناصب السياسية. واستطاع السفسطائيون إشباع هذه الاتجاهات وإجابة تلك المطالب، والسفسطائيون جماعة من المعلمين المتنقلين الذين وفدوا إلى أثينا من المستعمرات اليونانية بحثاً عن الثراء في أثينا والاستمتاع بثقافتها الزاهرة. وأخذ السفسطائيون يعلمون الشباب فنون الكلام والإقناع نظير أجر معلوم. ولقد وضع هؤلاء السفسطائيون معايير جديدة للسلوك حلت محل السلطات التقليدية وقوامها النسبية. ومن ثم لا توجد مبادئ عامة أو قواعد سلوكية يتفق عليهـا الجميع، بل إن على كل إنسان أن يحدد كيف يكون سلوكه تجاه الآخرين وواجبه نحو الدولة، وأكد السفسطائيون أن اللذة هي هدف جميع الناس، وأن مصلحة الفرد أهم من مصلحة الدولة، وأن السلوك التلقائي أفضل من السلوك الأخلاقي(1).

ب أنواع التربية ومحتواها :

كان التدريب الخلقي من أنواع التربية في عصر بركليز. أما السفسطائيون فقد ناقشوا المشكلة الخلقية وحسموها بطريقتهم، فكان أساس الأخلاق عندهم فردياً وعقلياً. ومن ثم علموا الناس أن الفرد هو الذي يحدد أهداف حياته ومعايير سلوكه وخدماته للدولة. وأما سقراط وأفلاطون وأرسطو فقد انبروا لمقاومة أفكار السفسطائيين وسلموا بإمكان تعليم الأخلاق، ومن ثم تحدثوا عن التربية الخلقية. وبالرغم من اختلافهم في مفهوم الفضيلة، فقد دافعوا عن الحياة الفاضلة التي ينسجم فيها الصالح الفردي والصالح الاجتماعي"(2)

ج المؤسسات التعليمية :

ظلـت مـدرسـتـا الموسيقى والبالسترا تقومـان بـدورهمـا علـى مستوى التعليم الابتدائي مع اختلاف في المعايير عن العصور السابقة. أما مدرسة الموسيقى فقد استهدفت تحقيق الإشباعات الشخصية وموافقة الأذواق الفردية وليس إثارة

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه، ص ص :100 - 101.

2 ) المرجع السابق نفسه، ص ص : 101 - 102.

الصفحة66

الحماسة وروح الفداء والعاطفة القومية. وأمـا مـدارس البالسترا فقد استهدفت الرشاقة وتناسق الأعضاء. وحدثت التغيرات الكبرى على مستوى المدرسة الثانوية. فالمدارس في العصور السابقة كانت معنية بالتدريبات البدنيـة والعسكرية. وفي عصر بركليز اهتمت بالدراسات العقلية والأدبية، وتهافت الشباب لتلقي تلك الدراسات على أيدي السفسطائيين(1).

 ولقد أنشأ السفسطائيون مقررات ومجالات معرفية جديدة أقبل الشباب على دراستها مثل مباحث اللغة والبلاغة والمنطق. ولم يكن للسفسطائيين مدرسة وإنما كانوا يعرضون أبحاثهم ودراساتهم في أماكن خاصة، أو في الملاعب والشوارع والأسواق. وكان هؤلاء السفسطائيون معلمين مهنيين بالمعني الفني للكلمة، ونظراً لأن المعلم المهني يعيش على الأجر الذي يتلقاه من التعليم؛ فإنه كان يحدد أتعابه حسب الظروف، فإذا كثر عدد الطلبة وزادت المنافسة رفع المعلم أجره، وحينما تقل المنافسة يخفض أجره ليجذب الطلبة. ولقد علم سقراط تلاميذه بنفس طرق السفسطائيين مع اختلاف واحد يتمثل في أنه لم يأخذ أجراً لأنه لم يدع معرفة شيء، ولكنه كان يجوب الأسواق يعلم الشباب الجدل والفضيلة والحكمة على قارعة الطريق وفي أي مكان يمكن أن يلتقي فيه بالشباب.

أما أفلاطون وأرسطو وأيزوقراط فكانوا أكثر استقراراً فأفلاطون علم تلاميذه في الأكاديمية، وعلم أرسطو تلاميذه في الليسيه"(2).

د التنظيمات التعليمية وطرق التعليم :

يمكن حصر التنظيمات التعليمية للتربية الآثينية في عصر الازدهار في أربعة مستويات هي(3):

التربية المنزلية حتى السابعة..1

2. التعليم الابتدائي من السابعة حتى الثالثة عشرة.

التعليم الثانوية من الثالثة عشرة حتى السادسة عشرة..3

4. التعليم العالي فيما بعد السادسة عشرة.

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه، ص: 103.

2 ) المرجع السابق نفسه، ص: 104.

3 ) المرجع السابق نفسه، ص: 104.

الصفحة67

  وفيما يتعلق بطرق التعليم ظلت الطرق المتبعة في المرحلة الابتدائية كما كانت في العصور الماضية، وفي المراحل الأعلى قدم السفسطائيون طريقتي المحاضرة والمناقشة، وتضاءلت أهمية طرق الملاحظة والممارسة والقيام بالنشاط، وقـدم سقراط طريقته المعروفة التي تستهدف حفـز الطلبـة علـى التفكير بأنفسهم بلوغاً إلى الحقيقة. ولقد اتبع سقراط هذه الطريقة في تعليم تلاميذه وما تزال تحظى باحترام المربين المحدثين، وهي تعرف الآن بالطريقة

الجدلية(1).

3. التربية في العهد الأثيني الأخير ( الدولي ) ( 338 ق.م - 529 ) :

   تميزت فترة انتقال أثينا إلى مرحلة الدولية في سنة 383 ق.م بحادثتين هما : موت ايسوقراط سنة338ق.م، ومعركة كارونيا ، وتمكن فيليب المقدوني من توحيد اليونان القديمة في الامبراطورية الهيلينية، حيث أصبحت الاسكندرية العاصمة السياسية والثقافية في مصر وليس أثينا(2).

أ. أهداف التربية في العهد الأثيني الأخير : 

  أصبح هدف التربية في العهد الأثيني الأخير، الإعداد لتقدم الشخص ونجاحه، وأصبح غرض الشباب الأثيني السعي وراء الامتياز الشخصي أي " التقدم الشخصي "، والنجاح الشخصي. فحل الصالح الفردي الأناني محل الصالح العام والخدمة الاجتماعية. وسعى الشباب الأثيني إلى التربية التي تحررهم من القيود التي وضعت عليهم، والتي كانت تمنع تقدمهم الشخصي ونجاحهم(3).

ب أنواع التربية ومحتواها :

  اهتم جميع قادة التربية خلال هذه الفترة اهتماماً بالغاً بمشكلة التربية الأخلاقية، فالسفسطائيون لم يبحثوا المسائل الأخلاقية وبحلولها من الناحية

الهوامش: 

1 ) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.

2 ) العمايرة، محمد حسن، (2010)، أصول التربية التاريخية والاجتماعية والنفسية والفلسفية، الطبعة السادسة)، عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة ، ص : 70.

3 ) نجار، مرجع سابق، ص:87.

الصفحة68

الدينية أو الاجتماعية أو المدنية؛ بل من الناحية" البراجماتية" النفعية. وكان أساس الأخلاق عندهم فردياً وعقلانياً بحيث ظهروا بنظر اليونان المحافظين وكأنهم يُعلِّمون فعلاً علوم الأخلاق(1).

  كانت التربية الفكرية في هذا العهد من أسمى ما عرفته البشرية حتى الآن، وعلى الرغم من أن تفكير السفسطائيين كان سطحياً، إلا أنه تميز بحدة ذهنية متزايدة في التميز بين الكلام، ومهارة متزايدة في مجابهة مشكلات الحياة العملية(2).

  كان هذا العهد عهد نشاط ذهني فائق، كما أدخلت في هذا العهد التربية المهنية بالإضافة إلى التربية الحرفية ( اليدوية)، فالسفسطائيون دربوا الخطباء في وقت كانت القدرة على الكلام بحجة وإقناع، الطريق إلى المراكز المفيدة(3).

  وقد خف في هذا العهد التأكيد على التدريب البدني والعسكري والمدني لخدمة الدولة، واستمروا في إهمال التربية المنزلية للمرأة ، على الرغم من أن أفلاطون ألح على ضرورة تأمين جميع أنواع التعليم للمرأة والرجـل علـى السواء بما فيه التربية الفكرية والإعداد للجيش(4).

وقد تقدمت في هذا العهد التربية الفنية، فدرسوا الأدب، ليس من أجل الناحية النحوية والصرفية والفوائد العملية، بل للمتعة التي نتجت عنه.

 ج المؤسسات التعليمية :

  ظهرت بعض المدرس الفلسفية في عصر بركليز مثل أكاديمية أفلاطون وليسية أرسطو والمدارس الأبيقورية وغيرها ، وأصبح لـهـا أمـاكن معلومـة ومكتبات فأقبل عليها الطلاب من كل مكان. وفي العصر الروماني تأسست جامعة أثينا حيث أنشأ الإمبراطور أنطونيووس كرسياً للبلاغة وكرسياً للنحو في مدينة أثينا ينفق عليها من الميزانية العامة للدولة وأنشأ الإمبراطور ماركوس كرسيا للبلاغية وثمانية كراسي للفلسفة بواقع كرسيين لكـل مـدرسـة مـن

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه، ص:88.

) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.2

3 ) المرجع السابق نفسه، ص:89.

 ) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.4

الصفحة69

الأربع المدارس الفلسفية المعروفة في ذلك العصر. وتكونت جامعة أثينا في القرن الرابع قبل الميلاد من معلمي البلاغة والقواعد والخطابة والثمانية المعلمين الذين يعلمون الفلسفة، هذا فضلا عن المدارس التي أنشأها السفسطائيون. وفي عام 423 ميلادية أصبحت النصرانية الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية فأغلقت المدارس الفلسفية  الوثنية في عهد الإمبراطور جستنيان في عام 529 ميلادية وهاجر الفلاسفة اليونانيون إلى فارس. ولقد عجلت هذه الأحداث المفجعة بذهاب الثقافة الإغريقية بعد انتشارها في أجزاء العالم القديم(1).

د. التنظيمات التعليمية وطرائق التعليم :

نظم التعليم في العهد الأثيني الأخير في أربع مراحل هي(2) :

1. مرحلة التربية البيتية وتمتد من الولادة حتى سن السابعة ويقوم بها العبيد.

2. مرحلة التربية الابتدائية وتتم في المدارس الخاصة وتمتد من السن السابعة حتى الثالثة عشرة.

3.مرحة التربية الثانوية وتتم في المدارس الخاصة أيضاً، وتمتد من السن الثالثة عشرة حتى السادسة عشرة.

4.مرحلة التعليم العالي وتتم في مدارس البلاغة والفلسفة وتبدأ في السن السادسة عشرة.

  بقيت طريقة التعليم في المدارس الابتدائية إلى حد كبير مثلما كانت عيه في العهد السابق. أما التعليم العالي فقد أدخل السفسطائيون طريقة جديدة طريقة المحاضرة ، وأهم ما تم في سبيل وضع مبادئ الطريقة، هو ما قام به سقراط، الذي يعد من أفضل المعلمين في كل العصور، وتمتاز طريقـة سقراط بأنه : كان معلما ناقداً، مشككاً، صبوراً ، عطوفاً وذا طبيعة جيدة، وكانت طريقته تحاول جعل التلميذ يفكر بنفسه ويرى الأشياء كما هي على حقيقتها. وآمن أن روح المتعلم هي التي يجب أن يحاول المعلم تنميتها. ووظيفة المعلم هي تحريك النشاط الذهني في المتعلم وذلك بتوجيهه وإعطائه

الهوامش:

1) يونس ،وزميله مرجع سابق، ص : 107

2 ) نجار ، مرجع سابق، ص:91.

الصفحة70

الاقتراحات الضرورية ، وكان هدف " طريقة سقراط " أن يمكن التلميذ من أن يرى جهله بنفسه ويتخذ موقف المتعلم الحق.

وطريقته هذه – أي طريقة المناقشة أو الاختبار - ، كما سميت طريقة الحوار هي على مرحلتين كما استعملها سقراط، وهما(1):

1. المرحلة الهدامة أو التهكمية، وخلالها ينتقل التلميذ بواسطة الاستجواب والأسئلة، من الجهل غير الواعي إلى الجهل الواعي.

2. المرحلة البناءة، وينتقل التلميذ خلالها بواسطة الأسئلة والاستجواب أيضاً من الجهل الواعي إلى الحقيقة الواضحة العقلانية.

وقد سمى سقراط المعلم محرك الفكر ومولد «الذكاء».

وضع المرأة في المجتمع اليوناني :

  كانت المرأة في المجتمع اليوناني أو عهده بالحضارة محصنة وعفيفة لا تغادر البيت، وتقوم فيه بكل ما يحتاج إليه من رعاية ، وكانت محرومة من الثقافة لا تسهم في الحياة العامة بقليل ولا كثير، وكانت محتقرة حتى سموها رجساً من عمل الشيطان، وكـان الحجـاب شــائعا في البيوتات العالية، أمـا مـن الوجهـة القانونية فقد كانت المرأة عندهم كسقط المتاع تباع وتشترى في الأسواق وهي مسلوبة الحرية والمكانة في كل ما يرجع إلى حقوقها المدنية، ولم يعطوها حقها في الميراث، وأبقوها طيلة حياتها خاضعة لسلطة رجل وكلوا إليه أمر زواجها فهو يستطيع أن يفرض عليها زوجاً(2).

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه، ص: 93.

2 ) السباعي، مصطفي ، (2010) ، المرأة بين الفقه والقانون، بيروت: دار ابن حزم، ص:17

الصفحة71

التربية الرومانية القديمة.5

  أخذ الرومان هذا الاسم نسبةً إلى مدينتهم ،روما، وقد كان الحكم في ذلك الوقت ملكياً وعندما خلع الرومان آخر ملوكهم ، في عام 509 ق.م، قرروا إرساء الجمهورية بدلاً من الملكية ووجدوا أنه من الضروري إعادة تنظيم الحياة في الدولة حتى لا تبقى السلطة في يد رجل واحد.

  في أثناء الحكم الجمهوري كان يحكم روما قنصلين(1) منتخبين ، وبعد أن تمكنت روما من توحيد إيطاليا كلها تحت حكمها توجهت إلى الخارج وبذلك بدأت روما تدخل عهدها الإمبراطوري الذي استولت فيه على كثير من أنحاء العالم القديم.

  ومنذ القرن الثالث الميلادي بدأ الضعف يدب في الإمبراطورية الرومانية حتى انتهي الأمر بانقسامها في القرن الرابع إلى قسمين : قسـم غـربـي وعاصمته روما وقسم شرقي وعاصمته القسطنطينية.

عصور التربية الرومانية :

يُقسم تاريخ التربية الرومانية إلى قسمين كبيرين هما : التربية الرومانية القديمة والتربية الرومانية الجديدة.

ويقصد بالتربية القديمة الأساليب والطرق التهذيبية في الأجيال التي سبقت دخول المدنية اليونانية وانتشارها بصورة عامة في الإمبراطورية الرومانية وأما التربية في العصر العالمي فتبحث في التربية الرومانية التي نشأت بعـد انتشار المدينة الإغريقية في روما.

التربية الرومانية القديمة ( 753 - 50 ق م ) :

وتقسم إلى عصرين فرعيين العصر القديم الذي يمتد من(753 - 250 ق م) ، وعصر الانتقال الذي يمتد من ( 250 - 50 ق م).

الهوامش:

 Roman Consul القنصل بالإنجليزية (1

أعلى المناصب في الجمهورية الرومانية ويمثل رئيس حكومة أو السلطة التنفيذية للدولة. ويوجد اثنين من القناصل كل سنة لحكم الجمهورية، لكل واحد منهما حق النقض. ويعتبر الوصول لمنصب القنصل الروماني عبر الانتخاب المباشـر مـن الشعب الروماني ومباركة وتصديق مجلس الشيوخ الروماني وان يكون عمره فوق ال 40 سنة من الطبقة الاستقراطية.وهناك قنصلين يتم انتخابهم سنويا ولهما حق النقض الفيتو ولهما صلاحيات واسعة وقت الحرب والسلم وواجبات دينية. ويعملان إلى جنب تحت مراقبة مجلس الشيوخ.

الصفحة72

العصر الأول : عصر التربية الرومانية الأولى ( 753 - 250 ق م )

لا يوجد في أوائل هذا العصر مدارس يدخلها الأطفال وإنما كان البيت هو المدرسة والمعهد التهذيبي الوحيد ، فكانت الأم تتعهد الطفل منذ صغره وتشرف على تربيته، وكان الطفل يرافق أباه للتعلم وهذا يبين دور الأسرة في المراحل المبكرة من حياة الطفل حيث كانت التربية تتصف بالبدائية، فالأسرة هي التي كانت تشرف على تربية الأولاد وتعمل على إعدادهم لحياة القبيلة بكل عاداتها وتقاليدها وقيمها كما تعمل على تدريب الأطفال منذ نعومة أظفارهم علـى احترام الآلهة والوالدين والقوانين .وظهرت في أواخـر هـذه الفترة المدارس الأولية   مدارس اللعب ) )وكانـت بـأعـداد قليلـة وغايتهـا تعليم القراءة للتمكن من حفظ الألواح ألا ثنى عشر ، ثم اهتمت بتعليم القراءة والكتابة والحساب إلى جانب حفظ الألواح.

عصر الانتقال : ( 250 - 50 ق . م )

دخلت المبادئ والأفكار والعادات اليونانية إلى رومـا تـدريجياً من أواسط القرن الثالث قبل الميلاد إلى منتصف القرن الأول قبل الميلاد. وكثرت في بداية هذا العصر المدارس الأولية (مدارس الأدب) كما تم نقل الأوديسة(1) إلى اللاتينية وأصبحت تدرس في مدارسها الأولية. ثم دخلت مدارس النحو ومدارس الخطابة اليونانية إلى روما ولكنها لم تنتشر الانتشار الكافي. وأخيرا تحولت هذه المدارس إلى مدارس لاتينية، إلا أن مجلس الشيوخ عاكسها وأمر بإغلاق المدارس وطرد المعلمين.

التربية الرومانية الجديدة ( عصر الإمبراطورية ومن ثم عصر الانحطاط ) وتقسم إلى عصرين : العصر الإمبراطوري أو الزهو والمعاهد ، والثاني عصر الانحلال والاضمحلال.

الهوامش:

 ) الأوديسة باليونانية Ovtasus) (1

 هي ملحمة شعرية وضعها هومريوس في القرن 8 قبل الميلاد وتتكون من 24 جزئا. تبدأ الملحمة من منتصف القصة، ثم تروي ما حدث بالبداية وتنتهي بوصول البطل إلى الجزيرة.

الصفحة73

العصر الإمبراطوري ( 50 ق م - 200 م ) : 

  حيث أصبح نظام المعاهد وطيد الأركان وازداد الإقبال على الثقافة اليونانية . ولكن المدارس الأولية بقيت على حالها ولم ترتق، وبقيت العلوم تدرس بها بذات الشكل البسيط . وحلت اللغة اللاتينية عوضا عن الألواح الاثنا عشر للتدريس ، وأصبحت مدارس النحو مدارس رسمية يدرس بها إما النحو اليوناني أو النحو اللاتيني ( ويشمل النحو دراسة الأدبيات والتاريخ والعلوم ) وغاية المدارس إتقان القراءة البليغة والإنشاء الحسن المتين.

  أمــا مـدارس الخطابة فكانت تماثل مـا عـرف عند اليونانيين بمـدارس السفسطائيين، وغايتها الخطابة والإلقاء لمن نوى الاشتغال بالسياسة وهي مهن محتكرة من قبل طبقة الأعيان، وبالإضافة إلى لخطابة فقد كان الشبان يدرسون الفلك والهندسة والفلسفة والموسيقى.

  ومن أهم التربويين في روما كان كون تليان، وهو يرى( بأن تشرف مرضعات فاضلات حكيمات على تربية الأطفال ويؤكد أن يكون نطقهم سليما وكلامهم موزونا وصحيحا لأن هذا الأمر يؤثر تأثيرا كبيرا علـى الطفل، فالطفل كالصوف الأبيض إذا ما صبغ فأنه لن يستعيد بياضه الأول) كما كان له رأي في الخطباء، بأنهم يجب أن يكونوا .

1. عارفين للعلوم.

2. متقنين للغة.

. محسنين لاختيار الألفاظ.3

دارسين للعواطف البشرية ، وعارفين لطرق إثارتها..4

5. والاهم أن يكون الخطيب فاضلاً شهماً حتى يكون خطيباً

مجيداً.

الصفحة 74

مناهج المدارس الرومانية ودرجاتها :

السن 7 - 12:

درجة التعليم هي التعليم الأولي وتكون الدراسة في المدارس الأولية، أما العلوم التي يتلقاها الطلبة فهي القراءة والكتابة والحساب.

السن من 12 -16:

درجة التعليم هي الثانوي، واسم المدرسة هي مدرسة النحو و العلوم التي يتلقاها الطلبة هي الصرف والنحو والأدبيات.

السن من 16 - 18 :

تكون درجة التعليم هي العالي، ومدارس هذه الدرجـة هـي مـدارس الخطابة وتدرس علوم النحو والخطابة والجدل والحقوق.

السن من 20-25:

درجة التعليم العالي وتدرس في الجامعات وعلومها الحقوق والطب وفن البناء والرياضيات والخطابة والنحو

وعندما ظهرت الديانة المسيحية وأصبحت الدين الرسمي للدولة في أواخر القرن الرابع الميلادي، ظهرت المدارس المسيحية (يلتحق بها الطلاب مـن ســـن ( 18 - 20 ) ، وفيها يتعلمون تعليما عاليا في المعتقدات واللاهوت المسيحي، وكان هذا السن في الماضي يلتحق أصحابه بالمـدارس الرياضية لدراسة التدريبات المتقدمة.

وهكذا فإن أهم آراء وأفكار الرومان هي:

1. تخريج أجيال مدربة على فنون القتال والحرب.

 2. البلاغة في الخطابة والفصاحة في البيان والإقناع. 

إعداد النشء لمعرفة واجبات حياتهم العملية وفهمها..3

 الاهتمام بالنواحي المهنية والإعداد المهني والاستعداد للحرب..4

 5. تكوين المواطن الصالح ثم الجندي الصالح.

الصفحة75

ومن أهم الفضائل التي سعت التربة الرومانية إلى غرسها لدى الناشئة هي التقوى والطاعة ، ولعل للتربية الرومانية دورا مهماً في تخليد ممارسة العقاب البدني، لأن المعلمين كانوا قساة غلاظا يمارسون أشد أنواع العقاب البدني على عكس الأثينيين الذين اعتمدوا على جذب المتعلمين وترغيبهم. 

عصر الانحطاط والتدهور ( 200 م - 529 م ) :

   اتسم هذا العصر بالفساد والانحلال، وجمعت السلطة بيد الحكومة الملكية فاستنزفت ثروات الشعب وفسد الموظفون وانتشرت الرشوة حتى بين القضاة، وفرضت الضرائب لتسليح الجيش الكبير الذي استنفد تجهيزه الخزائن وقوت الشعب، وزادت الطبقة الأرستقراطية الفاسدة، وتقلصت الطبقة الوسطى، وقل عدد المزارعين وتركت الأرض بلا استغلال وهذا كله انعكس على التربية والتعليم ، فتغلبت النواحي الشكلية؛ إذ أصبح البيان والبلاغة أهدافاً لا وسائل، وطغى المظهر على المضمون ، فكان التلاميذ يرصون الكلمات المنمقة ويتخيرون الغريب الشاذ منها على حساب المعنى، واقتصر تعلم الأخلاق على حفظ حكم ومواعظ وكتابة موضوعات إنشائية عن الأخلاق. 

  ويبدو أن المدارس الأولية قد اختفت في هذه المرحلة من تاريخ التربية الرومانية، وهذا راجع إلى حالة البؤس والذل الذين وصلت إليهما طبقة الشعب التي كانت تدخل هذه المدارس، أما مدارس النحو والخطابة فقد استمرت بصورة شكلية يتعلم فيها أبناء الطبقة العليا. وفي عهـد القياصرة سيطرت الدولة سيطرة كاملة على التربية، وبلغت هذه السيطرة مداها في عهد الإمبراطور جستنيان المسيحي عام 529م عندما أصدر أمراً بإغلاق جامعة أثينا الوثنية.  

  وقد برز عدد من المربين الرومان ومن أشهرهم كونتليان وشيشرون وسنيكا. وأبرز هؤلاء المربي الروماني كونتليان ( 35 - 95 م)، الذي ولد في أسبانيا ، ثم قدم روما ودرس فيها، فنبغ في الخطابة وتعاطى المحاماة مدة ثم تركها، وأسس مدرسة فيها تولى إدارتها بنجاح مدة عشرين سنة، ومنحه الإمبراطور فسبازيان لقب أستاذ الخطابة وكتابه الوحيد (أسس الخطابة ) أو ( المؤسسة الخطابية ) يحتوي على آرائه التربوية، وأهمها : عدم ضرب الأطفال لأن الضرب للعبيد ، وأن تكون المرضعات من خيار النساء أدباً وطهارة، وأن يكون المدرس من ذوي

الصفحة76

الاقتدار في فرعه، وأن يتعلم الطفل منذ الصغر لغة أجنبية، وأن يتعلم كذلك صور الحروف الهجائية وأسماءها في الوقت نفسه. وإرسال الأطفال إلى المدارس العامة للاحتكاك بالأطفال الآخرين، واعتبار فن الخطابة أسمى الفنون، واعترف بوجود الفروق الفردية بين الأطفال، وطالب بالتبكير في تعليم الأطفال، والاهتمام بطريقة الحفظ والتقليد في التدريس وبعكس ما كانت تؤمن به التربية القديمة الشرقية. كانت التربية عند اليونان والرومان تؤمن بالتجديد والابتكار، ونمو الفردية الإنسانية. 

أما الفرق بين التربيتين فالرومان يقولون أن اليونان وهميون وخياليون، أما اليونان فيقولون أن الرومان ماديون نفعيون.

العوامل المؤثرة في التربية :

1. العامل الديني:

اعتمدت الديانة الرومانية في أساسها على الفكرة البدائية التي تدور حول وجود بعض القوى غير المرئية، مما يترتب عليه إرضاء هذه القوى تجنباً لشرها عن طريق إقامة الطقوس الدينية، ومن أشهر الآلهة عند الرومان في الجزء الغربي من إمبراطوريتهم الإله "جوبيتر" إله السماء الصافية، وكان رمزاً يطلق على الرجولة الرومانية، أما الآلهة "جونون" زوجته فكانت رمزاً للمرأة الرومانية.

أما الجزء الشرقي من الإمبراطورية كاليونان، وآسيا الصغرى ، والشام فقد انتشرت فيها المذاهب الفلسفية كمذهب "الرواقيين" ومذهب "الأبيقوريين ".

 2. قوانين الألواح الاثنى عشر:

عندما نفي الرومان آخر ملوكهم ، قرروا تنظيم الحياة في الدولة على أسس جديدة تتمثل في إعطاء الطبقات الفقيرة حقوقاً مساوية لحقوق الطبقات الأخرى، فوضعوا هذه القوانين. وتعدُّ هذه القوانين أعظم ما قدمه الرومان لحضارة العالم.

3. احتلال الرومان لليونان:

عند غزو الرومان لليونان احضروا معهم إلى روما عدداً من المعلمين اليونانيين اللذين عملوا في التدريس، ولذلك يقال أنه في الوقت الذي غـزت فيـه رومـا أثينـا عسكرياً فإن أثينا قد غزت روما ثقافياً.

الصفحة77

النتاج العلمي :

1. أهم تراث خلفه لنا الرومان هو القانون الروماني الذي لا يزال يدرس في كليات الحقوق.

2. بناء شبكة من الطرق.

الصناعة..3

4. اشتهروا بالطب.

5. بناء المسارح وأشهرها : المدرج الروماني في عمان.

وضع المرأة في الحضارة الرومانية :

كان التعليم المدرسي مقصوراً على الأولاد دون البنات. أمـا مكـانـة المـرأة الرومانية فقد نص القانون الروماني على أن النساء ينبغي أن يخضعن دائمـاً لسلطة الآباء أو الأخوة أو الأزواج.

أما الأهلية المالية فلم يكن للبنت حق التملك، وإذا اكتسبت مالاً أضيف إلى أموال رب الأسرة ولا يؤثر في ذلك بلوغها ولا زواجها وفي العصور المتأخرة في عصر قسطنطين تقرر أن الأموال التي تحوزها البنت عن طريق ميراث أمها تتميز عن أموال أبيها ، ولكن له الحق في استعمالها واستغلالها وعند تحرير البنت سلطة رب الأسرة يحتفظ الأب بثلث أموالها كملك له ويعطيها الثلثين.

 وإذا مات رب الأسرة يتحرر الابن إذا كان بالغاً ، أما الفتاة فتنتقل الولاية عليها إلى الوصي مادامت على قيد الحياة، ثم عدل ذلك أخيراً بحيلة للتخلص من ولاية الوصي الشرعي بأن تبيع المرأة نفسها لولي تختاره، ويكون متفقاً فيما بينهما أن هذا البيع لتحررها من قيود الولاية فلا يعارضها الولي الذي اشتراها في أي تصرف تقوم به(1).

 الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه، ص ص : 19 -20.

الصفحة78



الأصول الاجتماعية و الثقافية للتربية




الأصول الاجتماعية والثقافية للتربية

مقدمة:

  إن التربية عملية اجتماعية تختلف من مجتمع لآخر وذلك حسب طبيعة المجتمع والقوى الثقافية المؤثرة فيه، بالإضافة إلى القيم الروحية، كما أنها تعني التنمية؛ ولهذا تجد أن التربية لا تمارس في فراغ بل تطبق على حقائق في مجتمع معين، حيث تبدأ مع بداية حياة الإنسان في هذا المجتمع، ومن ثم فإن أي تربية تعبر عن وجهة اجتماعية؛ لأنها تعني اختيار أنماط معينة في الأنظمة الاجتماعية، والخلق والخبرة ، ومعنى هذا أن محور الدراسة في التربية هو المجتمع فمنه نشتق أهدافه، وحول ظروف الحياة فيه تدور مناهجها ، ولهذا نجد أن المجتمع هو الذي يحتوي التربية في داخله

  ويمكن القول إنّ التربية تستند إلى أصول مستمدة من العلوم التي تفيد في فهم جوانبها المختلفة، مثل: علم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ وعلم السياسة وعلم الاقتصاد والفلسفة وعلم الحياة فالتربية لها أصولها الاجتماعية والثقافية المستمدة من علم الاجتماع وعلم الانثروبولوجيا وهي الأصول التي حولت التربية من عملية فردية إلى عملية اجتماعية ثقافية، ذلك أن المدخل إلى فهم التربية ينبغي أن يقوم على الدراسة العضوية بين الفرد وبيئته التي تعني غيره من الأفراد وما يعيشون فيه من أنظمة وعلاقات وقيم وتقاليد ومفاهيم، فالتربية لا يمكن تصورها في فراغ إذ تستمد مقوماتها من المجتمع الذي تعمل فيه، كما أنها تهدف إلى تحويل الفرد من مواطن بالقوة بحكم مولده في المجتمع، إلى مواطن بالفعل يفهم دوره الاجتماعي ومسئولياته وسط الجماعة التي ينتمي إليها، وهي تحدث بطريقة مباشـرة ، فهـي تحـدث في المدرسة وفي المنزل وفي غيرهمـا مـن المنظمات والمؤسسات وهذه ( التربية ) وسيلة لاستمرار الثقافة مهما كان الطابع العام لهذه الثقافة ودرجة تطورها، حيث إنّ الثقافة لا تولد مع الأفراد ولا تنتقل إليهم بيولوجيا ، كما هو الحال بالنسبة للون الشعر أو البشرة وإنما يكتسبونها بالتعلم والتدريب والممارسة في دوائر الحياة الاجتماعية التي يعيشون فيها منذ مولدهم.

الصفحة82

  ما دامت أصول التربية تعني جذور النظريات التربوية التي تصدرعنها ومنابعها التي تنبثق منها وما دامت هذه الجذور متعددة ومتنوعة بتعدد صلات التربية لكثير من النظم الاجتماعية وبتعدد العلوم التي تعتمد عليها كان ولابد أن تتعدد هذه الأصول وتتنوع وتختلف، ذلك لأن هذه المنابع أو الجذور يمكن إرجاعها إلى أوضاع اجتماعية أو تغيرات ثقافية، ومن ثم يمكن الحديث عن أصول اجتماعية وثقافية، كما أنها تختلف في محتواها ومضمونها باختلاف المجتمعات وباختلاف الحقب والعصور الزمنية فهي متغيرة ومتطورة بتغير الزمان والمكان.

أولا : الأصول الاجتماعية للتربية

هي تلك الأصول التي تجعل التربية تهتم بالمجتمع الذي تعيش فيه، فالتربية لا تعيش في فراغ بل تعيش في ظل مجتمع له قضاياه ومطالبه، فهناك علاقة وثيقة بين التربية والمجتمع، فالمجتمع يقدم العناية والرعاية اللازمتين للتعليم، كما يقوم التعليم بدوره بخدمة المجتمـع مـن خـلال إسهام التعليم في النهوض بـه وتطويره.

إن التربية تستمد الكثير من أهدافها ومناهجها ونظمها وأساليبها وأصولها من المجتمع ومن ثقافة المجتمع ومن قضاياه ومشكلاته، وعلى هذا الأساس فلابد أن تتفاعل المناهج والبرامج الدراسية على اعتبار أن المدرسة جزء من العملية التربوية.

إن هذا الدور الاجتماعي الذي تقوم به التربيـة قـد عمـق مـن وظيفتها وتغيرت النظرة إلى المعرفة التي تهتم بها التربية، فأصبح لها مدلول اجتماعي، ووظيفة اجتماعية، فزاد هذا من أهمية التربية وتحولت النظرة إلى التربيـة مـن كونها عملية فردية إلى عملية اجتماعية وثقافية، تشتق مقوماتها ومادتها من المجتمع وثقافته.

ويمكن فهم الأصول الاجتماعية للتربية من خلال الأوضاع الاجتماعية والأنماط السيكولوجية السائدة في التربية المجتمعية غير أن هناك ثمة جدلا

الصفحة83

سبق الإشارة إليه وهذا الجدل قائم بين علماء التربية بشأن الوظيفة الاجتماعية للتربية ، ومؤدى هذا الجدل اتجاهان

1. الاتجاه الأول:  وهذا الاتجاه يقرر بأنّ التربية عليها أن تساير الأوضاع المجتمعية كما هي، أي أن وظيفتها تنحصر في المحافظة على الأوضاع القائمة والتربية بهذا المعنى يطلق عليها تربية محافظة.

2. الاتجاه الثاني: وهذا الاتجاه يتعدى في هذه المحاولة إلى محاولة أخرى ترى بأن التربية هي أداة أساسية لخلق أوضاع اجتماعية جديدة تفضل الأوضاع القائمة وتتميز عليها وأنها الوسيلة الكبرى لإحداث تغيرات أساسية في الأبنية الاجتماعية بهدف الوصول إلى أفضل النظم والأوضاع الاجتماعية التي تحقق أهدافاً فضلى للفرد والجماعة.

والتربية بحسب هذا الرأي الأخير هي التي تقرر الصيغة الاجتماعية الأكثر صلاحية للمجتمع ؛ ومن ثم فهي خلاقة إيجابية، وليست سلبية تقف أهميتها عند مجرد المحافظة على ما هو موجود فقط.

على أنه قد ظهر اتجاه ثالث حاول التوفيق بين الاتجاهين المتعارضين السابقين وهذا الاتجاه ينظر إلى التربية نظرة شمولية.

التربية والتنشئة الاجتماعية :

مقدمة:

يتدرج كل طفل إنساني في مجتمع متكون بالفعل وينشئ علاقات إنسانية مع أفراد من هذا المجتمع لهم عاداتهم وتقاليدهم وأنماط سلوكهم وطرق قيامهم بالأعمال المختلفة ونظرتهم إلى الأمور ومشاعرهم وأحاسيسهم وقيمهم وعاداتهم ، وعلى مدى سنوات قليلة يكون قد اكتسب معظم هذه الطرق والعادات والقيم والمبادئ كمكونات لشخصيته، وذلك عن طريق التفاعل الاجتماعي بين هذا الطفل وبيئته الاجتماعية.

 تعتبر التنشئة الاجتماعية من العمليات الأساسية في حياة الإنسان، وتكمن أهميتها في أنها تقوم بتحويل الفرد من مخلوق ضعيف عاجز إلى شخصية

الصفحة84

قادرة على التفاعل في المحيط الاجتماعي الذي يحتويه كما تساعد الفرد على الانتقال من الاتكالية المطلقة والاعتماد على الآخرين والتمركز حول الذات في المراحل الأولى من عمره إلى الاستقلالية والاعتماد على النفس عبر المراحل الارتقائية من عمره.

وتعد التنشئة الاجتماعية في مرحلة الطفولة والشباب على درجة كبيرة من الأهمية سواء بالنسبة للفرد نفسه أو بالنسبة للمجتمع ففيها يتم رسم ملامح شخصية الفرد ، وتتشكل عاداته واتجاهاته وقيمه وتنمو ميوله واستعداداته وتتفتح قدرته وتتكون مهاراته وتكتسب أنماطه السلوكية وخلالها أيضاً يتحدد مسار نموه العقلي والنفسي والاجتماعي والوجداني وفقا لما تساهم بـه مؤسسات التنشئة الاجتماعية، والأسرة، والنظم التعليمية، ودور العبادة، والأندية، ووسائل الإعلام.

ومن ثم فلكل منها أهميتها الخاصة بها بيد أن النظم التعليمية تلعب أهم الأدوار وأقواها تأثيرا في حياة الأفراد لذا يحرص القائمون عليها والعاملون فيها على توسيع دائرة التفاعل الاجتماعي للفرد من جميع أفراد النظام التعليمي وخاصة المعلمين باعتبارهم القدوة له، والنموذج السلوكي فضلا عن أنه يتأثر بالمنهج الدراسي فيزداد علماً وثقافة ، بالمعايير والأدوار الاجتماعية وضبط النفس والتوفيق بين حاجاته وحاجات الغـيـر ومـن ثـم يـصـبـح فـرداً مكتمل النمو له شخصيته المميزة التي تمكنـه مـن أن يستمتع بحياته في توافق مع نفسه ومجتمعه ومن ثم تتحقق أهداف التنشئة الاجتماعية.

يكتسب الطفل من خلال عملية التنشئة الاجتماعية مع أسرته وغيرها من المؤسسات المناط بها مهمة التنشئة الاجتماعية في المجتمع ، اللغة والعادات والمعاني والمواقف والأساليب المرتبطة بإشباع الحاجات والرغبات، كما ينشأ لدى الطفل في هذه العملية القدرة على توقع ردود فعل الآخرين تجاه بعض مطالبه وسلوكه.

الصفحة85

مفهوم التنشئة الاجتماعية :

شغلت التنشئة الاجتماعية اهتمام الكثير من علماء النفس والتربية والاجتماع والأنثروبيولجيا ؛ مما أدى إلى تنوع تعريفاتها وبالرغم من تعددها فإنه يمكـن تصنيفها وفقاً لما يأتي: يمثل موضوع التنشئة الاجتماعية واحدا من الموضوعات المهمة التي أولاها علماء التربية اهتمامهم الواضح على اختلاف تخصصاتهم وقد تطلبت الدواعي والاعتبارات الأكاديمية هذا الاهتمام ومبرراته.

يشير مفهوم التنشئة الاجتماعية إلى العملية التي يتعلم بواسطتها أو من خلالها الأفراد قيم ولغة المجتمع والسلوك المتوقع منهم كأعضاء في المجتمع ويتم ذلك من خلال الأسرة أو المدرسة وحتى زملاء الرفاق.

وتعرف التنشئة الاجتماعية بأنّها عملية إدماج الطفل في الإطار الثقافي العام، عن طريق إدخال التراث الثقافي في تكوينه، وتوريثه إياه توريثاً متعمداً من خلال تعليمه نماذج السلوك المختلفة في المجتمع الذي ينتسب إليه، وتدريبه على طرق التفكير السائدة فيه، وغرس معتقداته في نفسه منذ طفولته، بحيث تصبح إحدى مكونات شخصيته(1).

كما تعرّف التنشئة الاجتماعية بأنها : التطبيع الاجتماعي للإنسان أو هي العملية التي تساعد على بناء الشخصية التي بمقتضاها يتحول الفرد ممن كائن بيولوجي عند مولده إلى كائن اجتماعي يكتسب خبراته وتجاربه ممن سبقوه إلى الحياة ويؤثر ويتأثر بالمجتمع الذي يعيش فيه. وتعرف التنشئة الاجتماعية أيضاً بأنها العملية التي يتمكن الفرد من خلالها من اكتساب المعايير الاجتماعية الخاصة بمجتمعه في أي وقت وتساعده على تنمية قدراته بدرجة كافية وتساعده على الأداء وخاصة فيما يرتبط بالنواحي الجسمية والاقتصادية والعاطفية.

وهكذا ومن خلال ما سبق يمكن القول إن التنشئة الاجتماعية عملية إنسانية أي تخص الأفراد الإنسانيين فقط، اجتماعية أي تحدث داخل الجماعات

الهوامش: 

1 ) هندي وآخرون، مرجع سابق، ص: 52.

الصفحة86

البشرية وحسب، قائمة على التفاعل بين طرفين، تتضمن تعليما موجهـا مـن الطرف الأول وهو المنشئ وتعلما واكتسابا من الطرف الآخر وهو المنشأ ، وموضوعاتها ومادتها ثقافة المجتمع بكل ما فيها من قيم وعادات وتقاليد ومعارف ومعايير ومعتقدات ،وغيرها تهدف إلى أن يتعلم الفرد من خلالها طرق وأساليب .معيشة جماعته التي ينتمي إليها ومجتمعه الذي هـو عضـو فـيـه مـمـا يمكنه من شغل مكانته أو مكاناته داخل جماعاته أو مجتمعه وما يتعلق بهذه المكانات من أدوار وفهم أدوار الآخرين الذين يشغلون معه مكانات مناظرة بنفس الجماعة، وذلك معناه أن التنشئة الاجتماعية هي: العملية التي يتم بواسطتها استدخال قيم ومعايير الجماعة في مفهوم ذات الفرد.

أهداف التنشئة الاجتماعية :

تهدف التنشئة الاجتماعية إلى تحقيق الآتي:

1. تكوين جماعات ذات أهداف مرسومة تؤمن بقيم معينة وهذا له أثره المباشر في درجة التنظيم الاجتماعي ومن ثم تقدم للمجتمع بعد ذلك.

 2. إكساب الطفل مبادئ واتجاهات المجتمع الذي يعيش فيه حتى يسهل اندماجه ويؤدي واجباته دون أي عائق .

3. تهذيب الغرائز الطبيعية لديه وتعويده العادات الصالحة في المأكل والملبس والمشرب وطرق المعاملة وإعطائه معلومات عن الحياة وعن مجتمعه.

4. تعديل وصقل الذكاء الفطري لدى الطفل وذلك باتباع الأسلوب العلمي في معاملة الطفل وتنشئته منذ بدء حياته

5. التركيز على السلوك المعقول والمهذب حيث يلقى المكافأة والتقدير والإشباع المادي والعاطفي وهذا يؤدي إلى التكامل في شخصية الطفل منذ صغره .

6. تشرب الطفل للقيم الاجتماعية الإيجابية مثل : التعاون والحرية والاستقلال والاعتزاز بالنفس والانتماء للجماعة واحترام الكبير... الخ

الصفحة87

7. الإعداد العلمي للطفل لكي يكون مرتفع الكفاءة العلمية والعمليـة مـن خلال مراحل متتالية.

8. اكتساب المعايير والقيم والمثل السائدة في المجتمع.

9. ضبط السلوك وأساليب إشباع الحاجات وفقا لما يفرضه ويحدده المجتمع مثل: اكتساب اللغة من الأسرة والعادات والتقاليد وإشباع الرغبات والحاجات الفطرية والاجتماعية والنفسية

10 . تعلم الأدوار الاجتماعية المتوقعة من الفرد بحسب جنسه ومهنته ومركزه الاجتماعي وطبقته الاجتماعية التي ينتمي إليها

11. اكتساب المعرفة والقيم والاتجاهات وكافة أنماط السلوك مثل أساليب التعامل والتفكير الخاصة بجماعة معينة أو مجتمع معين يعيش فيـه الإنسان.

12. اكتساب العناصر الثقافية للجماعة التي تصبح جزءا من تكوينه الشخصي.

13.تحويل الطفل من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي بمعنى تحول الفرد من طفل يعتمد على غيره إلى طفل يعتمد على نفسه يدرك معنى المسئولية يتضح مما سبق أن غاية التنشئة الاجتماعية تتمثل في الإبقاء على ثقافة المجتمع وتراثه الاجتماعي باعتبارها وسيلة من وسائل الإبقاء على قيم المجتمع كما تهدف إلى تكوين الفرد الصالح المتفاعل مع الجماعة والمتحكم في سلوكه بحيث يتوافق مع مجتمعه ويكون عضوا مقبولا فيه.

أهمية التنشئة الاجتماعية :

تظهر أهمية التنشئة الاجتماعية في كونها تلعب دورا أساسيا في تشكيل شخصية الفرد في المستقبل وفي تكوين الاتجاهات الاجتماعية لديه وفي إرساء دعائم شخصيته فالشخصية هي نتاج هذه الأساليب؛ وعلى ذلك فإن الدعائم الأولى للشخصية توضع في مرحلة الطفولة وطبقا لأساليب التنشئة الاجتماعية التي يمارسها الوالدان على الطفل في هذه المواقف.

الصفحة88

:وتبدو أهمية التنشئة الاجتماعية للطفل من خلال محورين

المحور الأول: أن عملية التنشئة الاجتماعية تعتبر وسيلة أساسية لتطوير شخصية الفرد وإعداده لمواجهة التغير الاجتماعي الذي يمر به المجتمع الإنساني المحيط به. 

المحور الثاني: أن عملية التنشئة الاجتماعية عملية تعلم وتعليم أي تربية تقوم على التفاعل الاجتماعي، وتهدف إلى إكساب الطفل سلوكا ومعايير أو اتجاهات مناسبة تمكنه من مسايرة جماعته والتوافق معها، وتكسبه الطابع الاجتماعي وتيسر له الاندماج في الحياة الاجتماعية؛ وعلى ذلك تكون التنشئة الاجتماعية عملية تحويل الكائن الحي البيولوجي إلى كائن اجتماعي ويتم ذلك بأخذ أسلوبين:

الأسلوب الأول : الإعداد والتوجيه والتدريب ويتدرج ذلك مع مراحل النمو تبعا لاستعدادات الطفل الجسمية والعقلية والنفسية.

الأسلوب الثاني: التقليد والمحاكاة تبعا للظروف المحيطة بالطفل وكلما كانت القدوة حسنة من تصرفات وأنماط سلوكية ، كانت النشأة سليمة.

والشكل النهائي لعملية التنشئة الاجتماعية هو مساعدة الطفل على النمو حتى يصبح فردا مزودا باستعدادات شخصية يستطيع عن طريقها معايشة مجتمعه ومزوداً بمهارات حركية ولفظية واجتماعية ومعرفية يكتسبها من البيئة الاجتماعية المحيطة به.

خصائص التنشئة الاجتماعية :

في ضوء التعريفات السابقة يمكن أن نستخلص خصائص التنشئة

الاجتماعية فيما يلي:

1. أنها عملية تعلم اجتماعي يتعلم فيها الفرد أدواره الاجتماعية والمعايير التي تحدد هذه الأدوار ويكتسب الاتجاهات النفسية والأنماط السلوكية التي توافق عليها الجماعة ويرتضيها المجتمع.

2. عملية نمو يتحولُ من خلالها الفرد من طفل يعتمد على غيره إلى فرد ناضج يدرك معنى المسئولية الاجتماعية وتحملها ومعنى القدرية والاستقلال قادر

الصفحة89

على ضبط انفعالاته والتحكم في إشباع حاجاته بمـا يتفق والمعايير

الاجتماعية .

3. أنها عملية فردية وسيكولوجية بالإضافة إلى كونها عملية اجتماعية في نفس الوقت.

4. أنها عملية مستمرة لا تقتصر فقط على الطفولة ولكنها تستمر خلال مراحل العمر المختلفة.

5. أنها عملية دينامية تتضمن التفاعل والتغير فالفرد في تفاعله مع أفراد الجماعة يأخذ ويعطي فيما يختص بالمعايير والأدوار الاجتماعية والاتجاهات النفسية.

6. أنها عملية معقدة متشبعة تستهدف مهام كبيرة وتستخدم أساليب ووسائل متعددة لتحقيق ما تهدف إليه.

خطوات عملية التنشئة الاجتماعية:

إذا نظرنا إلى التنشئة من وجهة نظر الشخص الذي يخضع لعملية التنشئة فإننا نستطيع أن نميز بين عدد من الخطوات تتعلق بالتعلم بالنمذجة أي تقليد نموذج ما وهذه الخطوات هي:

1. الملاحظة والانتباه : أي التعرف على النموذج المراد تقليده والتوحد معه، ويعتبر الانتباه والملاحظة شرطاً أساسياً لعملية التعلم بالنمذجة، وتشير الدراسات إلى أننا ننتبه ونلاحظ النماذج الرفيعة ذات الكفاية العالية؛ أي أنها ترتبط كثيرا بخصائص النموذج وبخصائص المتعلم وبدرجـة الحوافز والمدعمات المرتبطة به.

2. الاحتفاظ : أي قيام المتعلم بتمثيل وتخزين أداء النموذج الذي لاحظه في ذاكرته، وكلما استطاع الملاحظ ترميز أداء النموذج، كان احتفاظه بالسلوك الملاحظ أحسن ويؤدي ذلك إلى أن يتعلمه بصورة أحسن، وهذا

الصفحة90

يتطلب أن يركز الملاحظ في أداء النموذج ألا ينشغل بأمور أخرى، ويعتمد تخزين السلوك على التعزيز الموجب الذي يناله سلوك النموذج .

 3. مرحلة إعادة الإنتاج: حيث يقوم المعلم بتجربة أداء الدور وتمثيله في ضوء الترميز الذي تم في الذاكرة ثم يتم استدعاؤه بعد تخزينه. وتعتبر التغذية الراجعة مهمة بدرجة كبيرة قبل أن يثبت الأداء السيئ للمتعلم وتصبح الأخطاء والتدريب العقلي والسلوكي مهمة في تشكيل السلوك من خلال المحاولات الأولى والمبدئية لاكتسابه ، وهذا يتطلب مراقبة دقيقة من قبل المعلم أو النموذج.

4. التعديل: أي تغيير السلوك نتيجة التقويم وتلقى التغذية الراجعة المناسبة التي تعتبر عاملا حاسما في تعديل الأداء وتطويره.

5. الاستدخال : أي دمج النموذج واستدخاله في ذات المتعلم ويصبح جزءا من سلوكه ويتوقف ذلك بدرجة كبيرة على التدعيم الذي يلقاه.

أشكال التنشئة الاجتماعية :

للتنشئة الاجتماعية شكلان رئيسيان هما :

الشكل الأول - التنشئة الاجتماعية المقصودة: وتتم من خلال ما يأتي:

 أ. الأسرة : فهي تعلم أبناءها اللغة والسلوك وفق نظامها الثقافي ومعاييرها وتحدد لهم الطرق والأساليب والأدوات التي تتصل بتشرب هذه الثقافة.

ب المدرسة: فالتعلم المدرسي بمختلف مراحله يكون تعليما مقصودا له أهدافه وطرقه وأساليبه ونظمه ومناهجه التي تتصل بتربية الأفراد وتنشئتهم بطرق معينة.

الشكل الثاني : التنشئة الاجتماعية غير المقصودة

ويتم هذا النمط. من خلال وسائل التربية والثقافة العامة مثل: وسائل الإعلام المختلفة والمسجد وغيرها من المؤسسات التي تسهم في عملية التنشئة الاجتماعية.

الصفحة91

عناصر التنشئة الاجتماعية :

إن عملية التنشئة الاجتماعية هي التي يتدرب الطفل الناشئ من خلالها على أساليب التعبير الاجتماعي عن دوافعه المختلفة، ومن ثم إشباعها في الإطار القانوني الذي تعترف به الجماعة والذي يتمثل في اعتراف الجماعة بما يقوم به الناشئ من أساليب يعبر بها عن دوافعه وميوله، وبهذا تتضمن عملية التنشئة الاجتماعية عنصرين أساسيين هما :

1. العنصر البنائي : ويشير إلى عملية تفاعل الناشئ مع البيئة الاجتماعية الموكل إليها بهذه العملية والتي تتمثل أولا في الأسرة.

2. العنصر الثقافي : ويتضح في أن التنشئة تمثل أبرز جوانب التراث الثقافي في أي مجتمع إنساني من حيث كونها وحدة ثقافية تتضمن الأفكار التقليدية التي يثبت صلاحيتها عبر الأجيال لتشكيل الأفراد الجدد في المجتمع طبقا لقيم وعادات وتقاليد وقواعد ومحرمات هذا المجتمع.

بيد أن هذه العناصر الثقافية التقليدية التي تنتقل من جيل إلى جيل آخـر عـن طريق التنشئة الاجتماعية تختلف باختلاف المجتمعات من حيث كونها بدائية أو متحضرة فبينما يزداد حجم تلك العناصر التقليدية التي تنتقل عبر الزمن في المجتمعات البدائية فإنها على العكس في المجتمعات المتحضرة إذ تقل طبقا لسرعة التغير في تلك المجتمعات.

علاقة التربية بالتنشئة الاجتماعية :

لاريب أن عملية التنشئة الاجتماعية للأبناء تعد عملية تربوية اجتماعيـة بوصفها إحدى العمليـات الـتـي يـتـم مـن خلالها استمرار المجتمع وتطوره وقـد أسهمت العلوم الاجتماعية والانثروبلوجية وعلوم التربية في نشأة مفهوم التنشئة الاجتماعية وتبني كل منها منظورا يختلف عن الآخر إلا أنها في النهاية تحدد ماهية التنشئة الاجتماعية.

وتعتبر عملية التنشئة الاجتماعية في حقيقتها عملية تعلم؛ لأنها تعديل أو تغيير في السلوك نتيجة التعرض لخبرات وممارسات معينة.

الصفحة92

تهدف التربية إلى نقل التراث الثقافي للمجتمع واتجاهاته ومعاييره وتقاليده وأعرافه ونظمه ومعتقداته من جيل الكبار إلى جيل الصغار؛ فالأجيال الجديدة تنشأ على التراث الثقافي للمجتمع وتتعلم في ضوئه اللغة وتتلقى وتكتسب المهارات والقيم، ولا يقتصر دور التربية على نقل التراث الثقافي بل تتولى تنقيته وتجويده .

فالتربية عملية اجتماعية ثقافية تكسب جيل الصغار الصفة الاجتماعية من خلال عملية التشكيل الثقافي التي تتصف بالإلزام ومن ثم تتضمن التنشئة الاجتماعية. فالتنشئة الاجتماعية في أي مجتمع لا تنشأ من فراغ بل هي انعكاس لثقافة المجتمع التي هي جزء منه ذلك أن هناك علاقة وثيقة ومتبادلة بين أساليب التنشئة الاجتماعية والثقافية السائدة في المجتمع، ومن ثم هناك أيضا علاقة تبادلية بين التربية والتنشئة الاجتماعية، وكل منهما يمكن أن يكون مؤشرا ودليلا على نمو الآخر وتطوره، فالتنشئة الاجتماعية هي الوعاء الأول الذي يستطيع المجتمع من خلاله حفظ ثقافته من خلال المواقف الاجتماعية التي يتعرض لها الفرد. كما أن التربية في نفس الوقت تحدد أساليب التنشئة المتبعة في المجتمع . يكتسب الفرد شخصية وثقافة مجتمعه خلال العملية التربوية والتفاعل الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية عملية تربوية لكل ذي علاقة بالطفل من الآباء والأمهات والمعلمين وغيرهم حيث إنها تتضمن عملية تشكيل الفرد وبناء شخصيته على نموذج خاص يمكنه من النمو والاتزان مع ذاته والتكيف مع المجتمع وثقافته والعمل على استقراره واستمراره. إن العملية التربوية هي العمل على تفهم الشخصية وتهيئة السبل لنموها المتكامل والمنسجم مع الواقع الاجتماعي في شموليته.

والتربية هي العملية التي تشكل الفرد وتكيفه مع الواقع من خلال بناء شخصيته بما يتفق ومتطلبات ثقافته الاجتماعية وتحديد دوره الاجتماعي؛ هذه التربية بهذا المعنى ما هي إلا عملية التنشئة الاجتماعية، وتشتمل هذه العملية على فعاليات وعمليات ذات هدف تربوي مهم تختلف في طبيعتها وبساطتها من حيث تعقيد المجتمع وبساطته.

الصفحة93

ويرى البعض أن موضوع التربية هو الإنسان بعقله ووجدانه وجسمه وقيمه واتجاهاتـه ومـا لـديـه مـن مـهـارات وأفكار، وهي وظيفة المؤسسات الاجتماعية وتهدف هذه الوظيفة إلى نمو طاقات الفرد وإمكانياته علـى أسـاس احترام شخصيته وإفساح الفرص المناسبة لتنمية هذه الطاقات.

والتربية هي عملية نمو شامل للطفل جسميا وعقليا وسط جماعة اجتماعية تعمل على الوصول به إلى أقصى ما تؤهله له قدراته الطبيعية والتنشئة الاجتماعية إنما هي جزء من عملية التربية.

التربية والحراك الاجتماعي : 

تعريف الحراك الاجتماعي:

الحراك الاجتماعي هو انتقال الفرد إلى أعلى في البناء الطبقي للمجتمع، بما يتاح له من تنمية لقدراته واستعداداته وجهده الذاتي للحصول على مكانة وظيفية واجتماعية راقية داخل المجتمع، ومن ثم يصبح المجتمع المفتوح مجالا خصبا لحركة أعضائه

و الحراك الاجتماعي يكون على أساس القدرات والمواهب الذاتية، وهـذا هـو الوضع الطبيعي والعادل، بيد أن هناك حراك اجتماعي على أساس القدرة المالية والمكانة الاجتماعية، وهو الحراك غير الطبيعي وإن كان ليس سلبا كله.

عوامل تحقيق الحراك الاجتماعي:

  هناك عاملان مهمان ومؤثران في إحداث الحراك الاجتماعي وهما :

 1. الأيدولوجية السياسية: وهي الفكرة الثقافية التي يدور في إطارها النظام السياسي في المجتمع ، فثمة فرق بين النظم السياسية القائمة على العدالة الاجتماعية والحكم الشوري أو الديمقراطي، وبين النظم المركزية أو المستبدة، وكذلك مدى ما يسود المجتمع من تطبيق لمبدأ العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات ، وما يتبع ذلك من إتاحة الفرص أمام الجميع في الحصول على الوضع الذي يناسب خبرتهم واستعداداتهم، دون تحيز لفئة أو طبقة اجتماعية. فالحراك يكون سهلا ومرنا في المجتمع الذي تسوده العدالة واحترام العلم والعلماء وتقدير ذوي الخبرة، وإتاحة الفرص بالتساوي أمام الجميع، أمـا

الصفحة94

حين يسود الاستبداد والمحسوبية والطبقية، وتقديم المكانة المالية أو الاجتماعية على المكانة العلمية وما يحمله الفرد من مؤهلات وخبرات تقنية وعلمية، فإن الحراك يصبح حينئذ محصورا في فئة أو طبقة دون أخرى ، ومن ثم يسود الظلم وتتسع دائرة المحرومين داخل المجتمع وما يتبع ذلك من خلل في استقرار وأمن المجتمع.

2. التقدم التكنولوجي: وهذا عامل إيجابي لإحداث الحراك الاجتماعي من خلال ما يتوفر في المجتمع ، من وظائف ومستويات وفرص عمل، تحتاج إلى مستوى معرفي وتقني معين، ومن ثم فإنّ أمام الفرد الذي يمتلك الخبرة والتقنية أن يشغل تلك الوظائف أو أن يؤهل نفسه لشغلها ، ومن ثم يتحرك ويتطور مستوى الفرد بحسب ما توفره التكنولوجيا من وظائف جديدة وبحسب امتلاك الأفراد للخبرة التقنية المناسبة لتلك التقنيات.

التعليم وتحقيق الحراك الاجتماعي:

إن انتقال الفرد إلى أعلى في البناء الطبقي للمجتمع ، والحصول على مكانة وظيفية واجتماعية راقية فيه، مطلب مهم للفرد وللمجتمع ، فالفرد يحقق طموحه نتيجة لقدراته وتطوير مهاراته، والمجتمع يحتاج إلى هذه الحركة لإحداث التغير المطلوب للتنمية والتقدم، ومن ثم ما دور التعليم في صنع هذه العملية؟

إن من شروط تحسين الوضع الاجتماعي للفرد هو حصوله على خبرات جديدة تؤهله للمنافسة على مكانة ،أفضل والمدرسة هي البيئة الأفضل لإعطاء تلك المهارات والمتمثلة اليوم في الثورة التكنولوجية العارمة وثورة الاتصالات والتعامل مع المعلومة، وسرعة أو مهارة التكيف السريع لدى المتعلم تجاه متطلبات السوق، فالمدرسة من أجل أن تحدث التغير المرغوب فيه في المجتمع عليها أن تهيئ الطالب بالمهارة المناسبة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تعد المجتمع لقبول قيم وشروط الحراك الاجتماعي وفي مقدمتها تحقيق العدالة الاجتماعية واحترام مبدأ تكافؤ الفرص، بحيث يصبح من حق كل من يحصل على خبرة أو شهادة عليا أن يكون في المكان الذي يتناسب مع خبرته وقدرته.

الصفحة95

إن تحيق الحراك الاجتماعي في المجتمع وإيمان الجميع بقيمه وشروطه، يعني أن هناك جهوداً علمية كبيرة تبذل من الجميع، ولأن كل مجتهد لن يبخس حقه، فإن حركة الإنتاج الفكري والعلمي ستكون في أوجها، وهذا بالضبط ما يسمى بالتقدم العلمي والتكنولوجي، الذي هو أساس التغير في المجتمع المعاصر.

 ولكن هل كل تعليم قادر على القيام بمهمة تحقيق الحراك الاجتماعي ؟

 نقول لا، ليس كل تعليم يمكن أن يكون صالحا لإحداث الحراك في المجتمع ، وإنما هناك مقدمات لابد أن تتحقق في النظام التعليمي ليصبح قادرا على هذه المهمة. ومن تلك المقدمات ما يأتي:

1. أن ينفتح التعليم على بقية المؤسسات الأخرى في المجتمع. فلا خير في نظام يعيش في معزل عن الوسط الإنتاجي للمجتمع.

2. أن يعكس التعليم روح العصر بحيث يرى كل جديد من حوله رؤية عصرية تساعد على التطور وعدم الجمود.

3. أن يركز المنهج التعليمي على الأفكار الحياتية التي يحتاجها المتعلم، ومن ثم يصبح الأمر بالنسبة له أسلوب معيشة ومنهج حياة.

4. أن يتمتع بالاستقلالية أو لا مركزية القرار، وان يمنح قدر واسع من الحرية للمدرس والمتعلم، وان يكون لديها آلية علمية منظمة للمتابعة والتقويم والتطوير.

5. أن تنطلق العملية التعليمية لا من كونها مجرد خدمة استهلاكية، بل باعتبار التعليم استثمار له آثاره المباشرة وغير المباشرة في عملية التنمية بمختلف جوانبها ، الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية.

وظائف المدرسة الاجتماعية :

يرى روسني أن وظيفة المدرسة لا تقف عند حدود نقل المعارف الموجودة في بطون الكتب فحسب، وإنما هي عملية دمج هذه المعارف بالمعنيين بها.

جون ديوي ينظر إلى المدرسة بأنها مؤسسة اجتماعية تعمل على تبسيط الحياة

الاجتماعية و اختزالها في صورة أولية بسيطة.

وتكمن وظيفة المدرسة كمـا يـرى كـلـوس في أنها تحويل مجموعـة مـن الـقـيـم

الجاهزة و المتفق عليها اجتماعيا.

الصفحة96

ويرى الدكتور سعيد إسماعيل أن المدرسة التي أوجدها المجتمع كانت للقيام بواجبات معينة ألا وهي :

1.النقل الثقافي : حيث تقوم المدرسة بنقل التراث الثقافي من الأجيال السابقة إلى الأجيال اللاحقة بأساليب ووسائل جيدة تقتضيها طبيعة العصر مع مراعاة أنَّ عملية النقل هذه تستلزم تطهيره وتنقيحه من الشوائب والخرافات، بالإضافة إلى محاولة تبسيطه ليتلقاه المتعلم بشكل ميسر.

2.التكامل الاجتماعي بين الجماعات التي تنتسب للمجتمع: إذ ينتسب للمجتمع جماعات متعددة، حيث يكون للمدرسة دور كبير في القضاء على التناقضات التي قد تنشأ بين هذه الجماعات و تحقيق التكامل فيما بينها. 

3.النمو الشخصي للتلميذ : سواء كان داخل المدرسة أو داخل بيئة المجتمع الكبير.

4.تنمية أنماط اجتماعية جديدة: فالتربية وسيلة تكوين أنواع السلوك وتغييرها وتنميتها على أساس من العلم والمعرفة، لذا كان لزاما على المدرسة أن تقوم بواجبها في تنمية أنماط اجتماعية جديدة حصلت نتيجة التطورات الجديدة و الحاصلة في المجال العالمي كله لتجعل منهم مواطنين صالحين قادرين على التكيف مع جماعاتهم التي يعيشون فيها.

5. تنمية القدرات الإبداعية : المؤسسات التي تستند إلى المعرفة العلمية بحاجة إلى أفكار إبداعية والمدرسة في سعيها إلى تنمية الإبداع لا بد أن تنمي لدى الطالب الفضول المعرفي و استكشاف المجهول .

6.توفير مناخ يشجع على ممارسة القيم الديمقراطية والعلاقات الإنسانية 

وعليه كان للمدرسة الدور الكبير في تنشئة المتعلمين التنشئة السياسية وفق أنظمة وقوانين البلد المبنية على السياسة العام لذلك البلد.

الصفحة97

ثانياً : الأصول الثقافية للتربية

مفهوم الثقافة:

لعل شيوع مصطلح الثقافة يجعل من الصعب تعريفه، والثقافة من المصطلحات الشائعة فكل من يطلقها يقصد بها معنى ومصطلح الثقافة من أكثر المصطلحات استخداما في الحياة العربية المعاصرة، ومن ثم فهو من أكثر المصطلحات صعوبة على التعريف ففي حين يشير المصدر اللغوي والمفهوم المتبادر للذهن والمنتشر بين الناس إلى حالة الفرد العلمية الرفيعة المستوى، فإن استخدام هذا المصطلح كمقابل لمصطلح في اللغات الأوروبية  تجعله يقابل حالة اجتماعية شعبية أكثر منها حالة فردية، فوفق المعنى الغربي للثقافة : تكون الثقافة مجموعة العادات والقيم والتقاليد التي تعيش وفقها جماعة أو مجتمع بشري، بغض النظر عن مدى تطور العلوم لديه أو مستوى حضارته وعمرانه.

 وأصل كلمة الثقافة في اللغة العربية أساسا هي الحذق والتمكن ، والمثاقفة أي الملاعبة بالسيف، وثقف الرمح أي قومه وسواه، ويستعار بها للبشر فيكون الشخص مهذباً ومتعلماً ومتمكناً من العلوم والفنون والآداب، فالثقافة هي العلوم والمعارف والفنون التي يطلب العلم بها ، والحذق فيها(1).

الثقافة اصطلاحاً : معنى الثقافة اصطلاحاً أوسع من معناها اللغوي، لأنّ كلمة الثقافة لا تستطيع أن تستوعب مالها من دلالات ومعان. وقديما استعملت كلمة الثقافة في العهد الروماني للدلالة على العلوم الإنسانية التي تخص أمة من الأمم، كعلوم الدين، واللغة والأدب، كما استعملت للدلالة على الفنون غير العملية وغير الطبيعية، وفي عصر النهضة الأوربية أصبحت لفظة الثقافة تدل على الآداب والفنون(2).

 ومن الصعب أن نجد تعريفاً جامعاً متفقاً عليه للثقافة نتيجة لاختلاف تخصص واهتمام من يعرفون الثقافة، وكذلك اختلاف المدارس الفكرية والاتجاهات الثقافية العالمية حول تعريف الثقافة نظراً لاختلاف وجهات نظر كل واحدة منها(3).

الهوامش:

اللغة العربية مرجع سابق، ص:85.  (1

2) هندي وآخرون، مرجع سابق، ص: 70.

) المرجع السابق نفسه والصفحة نفسها.3

الصفحة98

ونتيجة لذلك اختلف المفكرون في تعريف الثقافة، فمنهم من يطلق الثقافة على الجانب الفكري من الحياة، وبعضهم الآخر يطلقها على الجانب المادي. أما علماء الاجتماع فيرون أن الثقافة ذات مفهوم شامل، ويقصدون بها جميع أساليب ومظاهر الحياة الاجتماعية في المجتمع سواء الجانب الفكري أو الجانب المادي.

وعليه فالثقافة أو التراث الثقافي هي طريقة الحياة الكلية للمجتمع بجوانبها الفكرية والمادية. وهي تشمل مجموعة الأفكار، والقيم والمعتقدات والتقاليد ، والعادات، والأخلاق، والنظم والمهارات، وطرق التفكير، وأسلوب الحياة، والعرف والفن والنحت والتصوير، والرقص الشعبي، والأدب، والرواية، والأساطير ووسائل الاتصال والانتقال، وكل ما توارثه الإنسان وأضافه إلى تراثه نتيجة عيشه في مجتمع معين(1).

ومن هذا التعريف الجامع للثقافة، نجد أنّ الثقافة تختلف من مجتمع لآخر، وعن طريقها يحاول كل مجتمع أن يحافظ على كيانه، ويضمن لنفسه الاستقرار والتقدم والرقي.

بين الحضارة والثقافة :

هناك علاقة قوية تربط بين الحضارة والثقافة، إلا أنّ هذه العلاقة، لا تعني أنهما مترادفان تعد الثقافة مرادفاً ( للشخصية القومية)، ولذلك فلكل مجتمع ثقافته التي تميزه عن غيره من المجتمعات، مثلما أنّ لكل فرد ثقافته التي تميزه عن غيره من الأفراد.

ومن هنا فالثقافة تختلف عن الحضارة، فالثقافة كمرادف (للشخصية القومية) – تتصل بما هو كائن في المجتمع، أو بالحالة التي هو عليها ، متقدما كان أو متخلفاً، ، بينما الحضارة أو المدنية، تتصل بالمستوى الذي وصلت إليه سيطرة المجتمع على الطبيعة، والمستوى العلمي الذي وصل إليه أبناؤه، ودرجة التقدم المادي الذي حققه هؤلاء الأبناء(2).

ونتيجة لذلك فهناك علاقة عضوية بين الثقافة والحضارة، إذ أنّ التقدم الذي يتحقق من خلال الحضارة، يضيف إلى ثقافة المجتمع، ويجعلها أكثر تعقيداً،

الهوامش:

1) المرجع السابق نفسه، ص: 71.

2)عبود، عبد الغني ، (1980) ، التربية ومشكلات المجتمع، (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار الفكر العربي، ص:42.

الصفحة99

وأن تعقد ثقافة المجتمع - في الوقت ذاته - يؤدي إلى إمكانية وصول أبنائه إلى منجزات حضارية جديدة، وهكذا.

فالعلاقة بينهما - برغم ذلك علاقة أخذ وعطاء، أو تأثير وتأثر، وليست علاقة انفصام، كما يبدو للوهلة الأولى.

طبيعة الثقافة :

إنّ الثقافة مهمة للفرد ، كما أنها مهمة للمجتمع فهي تمد الفرد بأساليب مألوفة لمواجهة مواقف الحياة، وتقدم له تفسيرات للعديد من المشكلات يحدد تبادلها سلوكه واتجاهاتــه نحـو هـذه المشكلات، أو المواقف والأشياء والأشخاص المرتبطين بها ، وفي نفس الوقت يمكننا التنبؤ بسلوك الأفراد في المواقف المختلفة إلى حد كبير، وذلك بناء على النمط السائد بين أفراد الجماعة الذي تحدده طبيعة ثقافتهم؛ لكننا لا يمكن أن نتوقع أن يحمل كل فرد في المجتمع كل عناصر الثقافة المجتمعة لدى مجتمعه على مر العصور أو ينقلها إلى غيره، ولا نستطيع أن نجزم أنه يشترك في جميع عناصر الثقافة المميزة لمجتمعه الذي يعيش فيه، فهو فقط يشترك في بعض خصائص الثقافة على أساس ما يشغله مـن مكـانـة اجتماعيـة، ومـا يؤديـه مـن أدوار اجتماعيـة ترتبط بهذه المكانة، ويجب أن نشير على أن مفهوم المكانة هنا لا يعني المركز المرموق نتيجة الجهد والنجاح؛ بل قد تكون هذه المكانة مفروضة يفرضها عليه انتماؤه إلى نوع معين، ذكر أم أنثى، أو تفرضها عليه مراحل نموه (طفل ، شاب ، رجل ) ، أو يفرضها عليه ميلاده في الأسرة ( أكبر الأسرة ، أوسطهم ، أصغرهم )، فكل هذه المكانات تستلزم مسئوليات معينة وتتحدد توقعاتنا السلوكية لأصحابها تبعا لتصنيفهم على  أساسها ويميز لنتون بين هذه المكانات المفروضة ونوع آخر من المكانة يضعه الفرد لنفسه ويسميه المكانة المكتسبة، كالمهنة مثلا.

تشتمل طبيعة الثقافة على العناصر الآتية: السمة الثقافية، والنمط الثقافي، والنمط الثقافي القومي والنمط الثقافي العام.

الصفحة100

أ . السمة الثقافية : وهى أبسط عناصر الثقافة، وهناك سمات مادية وأخرى غير مادية مثل : الأفكار والمعتقدات والعادات.

ب. النمط الثقافي : تتصل السمات بعضها مع بعض، وتتصل عادة حول ميول رئيسة تصبح نقطا محورية للنشاط، وهذا الميل أو الاهتمام المحوري هو القوة الدافعة التي تثير نشاط الإنسان، ويطلق على هذه المجموعة من السمات المتصلة التي تعمل بطريقة وظيفية اسم النمط الثقافي، ويمكن أن يعرف النمط الثقافي: بأنه عدد من السمات الثقافية التي جمعت حول مصدر من مصادر الاهتمام الرئيسة.

ويتضمن النمط الثقافي انتظاما في السلوك لا يمكن أن يحدث إذا كان شخص يعمل بطريقة عشوائية وبأسلوب فردي.

 ولكل ثقافة مجموعة من الأنماط التي تفرضها على الفرد والجماعة وبذلك تتأكد في حدود معقولة من أن هناك حدا لوحدة السلوك.

والأنماط الثقافية أمور غير محسوسة تقوم فقط في عقول الأفراد الذين يكونون جماعة ما ، ولا يمكن رؤية هذه الأنماط إلا إذا اتخذت لها شكلاً في سلوك الأفراد، حيثما يعملون في نشاط منتظم تحت تأثير مؤثر عام.

وتختلف الأنماط الثقافية بعضها عن البعض الأخر في درجة الاقتباس وفي الوسط الاجتماعي الذي يحدث ذلك الاقتباس. 

ج. النمط الثقافي القومي: وهو النمط الثقافي الذي يتكون من كل الأنماط الفردية من أمة ما وتختلف الثقافات بسبب وجود الاختلاف في الأنماط المكونة لها، وبسبب اختلاف العلاقات بين هذه الأنماط. وهناك وحدة تماسك بين الأنماط الفردية المكونة للنمط القومي ويضمن الاستمرار لنمط معين درجة معينة من الوحدة.

د. النمط الثقافي العام: يشمل عناصر موجودة في كل الأنماط الثقافية العامة وهو شاهد على الوحدة الأساسية للإنسان وحدة مشكلات الحياة الأساسية التي تواجهه بصرف النظر عن العصر والبيئة التي يعيش فيها.

الصفحة101

خصائص الثقافة :

للثقافة خصائصها العامة المشتقة - في الواقع - من معنى الثقافة وطبيعتها، وصلتها بالمجتمع، الذي تعبّر عنه، ، وظروف الحياة في هذا المجتمع، على وجه العموم. ويمكن تلخيص هذه الخصائص فيما يأتي(1):

1. أنها إنسانية :

ومعنى إنسانيتها ، أنّها من صنع الإنسان، وأنّه توصل إلى عناصرها المختلفة، التي يتشكل منها نسيجها العام، من خلال حياته في مجتمع معين، واستجابته لضغوط الحياة عليه في هذا المجتمع.

 ومن ثم كان اختلاف الثقافة من مجتمع إلى مجتمع، ومن ثم - أيضاً - كانت الثقافة بالنسبة للمجتمع، كالبصمة بالنسبة للإنسان الفرد لا تتكرر، ولا تدل على غير صاحبها.

ومعنى إنسانية هذه الثقافة أيضاً، مسايرتها لحالة الإنسان، من حيث الثبات والتجديد، فهو يثبت عليها، ويقدس عناصرها، حين يجد في هذه العناصر ما يشبعه، ويستجيب لمختلف حاجاته في بيئته التي يعيش فيها ، كما أنه يثور عليها ، ويغير فيها بقدر تغير الحياة من حوله، تغيراً يحس به أنه لابد من تغييرها لتستجيب لحاجاته المختلفة وسط التغيرات التي تفرض نفسها على هذه الحياة. فهي إنسانية بمعنى أن الإنسان يملك الثقافة، ولكنّها لا تملكه، وهو يستغلها ولكنها لا تستغله. 

2. أنها مكتسبة:

فجوهر الثقافة عند الإنسان هو التعلم تمييزا لها عن الصفات الموروثة، وتأكيدا لقدرة الإنسان على التعلم، فهي ليست غريزية أو فطرية، كما هي الحال بالنسبة للحيوان الذي يتصرف فرداً وجماعة بصورة غريزية، أودعها الله سبحانه في يوم خلقه. أما الإنسان فهو مولود مزود بالعقل الذي يستطيع به أن يختار أنماط حياته، وأن يتعامل مع البيئة المحيطة به، وما أودعه الله فيها من خيرات، وأن يتعامل أيضاً - مع الأفراد الآخرين، الذين يشاركونه الحياة في مجتمعه أعماقه هذا.

الهوامش:

عبود، مرجع سابق، ص ص : 69-75(1

الصفحة102

أنها وظيفية.3

بمعنى أن عناصر الثقافة التي توصل إليها الإنسان والمجتمع، توصل إليها كل منهما، لأنّ لها وظيفة محددة في حياة الإنسان والمجتمع، فهي توفر للفرد صورة السلوك والتفكير، والمشاعر التي ينبغي أن يكون عليها، كمـا تـوفـر للفــرد وسائل إشباع حاجاته، وتوفر للأفراد تفسيرات جاهزة لطبيعة الكون، وأصل الإنسان، ودور الإنسان في هذا الكون، وتوفر للأفراد المعاني والمعايير التي يميزون في ضوئها بين الأشياء والأحداث، وتنمي الضمير عند الأفراد، وتنمي في الفرد شعوراً بالانتماء والولاء، فتربطه بالأفراد الآخرين، في شعور واحد ، وتميزهم جميعاً . عن الجماعات الأخرى.

وعن طريق الثقافة يكتسب الفرد اتجاهات سلوكه العام، وعن طريقها أيضاً - يعرف الفرد والمجتمع كيفية التعامل مع الناس والأشياء، تعاملاً ثقافياً، لا يحتاج فيه إلا نادراً إلى إعمال فكر، أو كد ذهن. فالثقافة -على ذلك - تخدم الفرد والمجتمع من خلال تقديم حلول جاهزة لما يقابله في حياته من أحداث، ولما يتعرض له من ضغوط..

ومن ثم كان اختلاف الثقافة من فرد إلى فرد، ومن مجتمع إلى مجتمع، بل ومن جماعة طائفية أو مهنية، إلى جماعة أخرى داخل المجتمع الواحد ، وكان أيضاً ذلك التغير الذي يفرض نفسه على الثقافة.

إنها وسيلة من سائل تحرير الإنسان، بمعنى أنها تحرره من العوز والحاجة ، ومن ثم من الخوف، ومن القلق بما تزوده من إمكانيات، تضمن له الطعام والشراب والمسكن، وحاجاته الأساسية في يومـه وفي غـده، كمـا تـضـمـن لـه المحافظة على نفسه من أعدائه ، سواء في ذلك أعداؤه من بني البشر، وأعداؤه الآخرون، الذين تفيض بهم الطبيعة من حوله، وهي بذلك وظيفة في حياة الفرد والمجتمع، وليست من كماليات هذه الحياة.

4. أنها متكاملة :

بمعنى أنهـا مادية ومعنوية، فردية واجتماعية، ميتافيزيقية وفيزيقية، لأنّ الإنسان يختلف عن الحيوان في أنّه ليس جسداً فقط، وإنما هذا الجسد مجرد

الصفحة103

وعاء يحوي - في داخله - أبعاداً كثيرة، وعوالم متعددة. ونتيجة لذلك، يختلف المجتمع الإنساني عن الجماعات غير الإنسانية، في بساطة حياة تلك الجماعات غير الإنسانية، واطراد هذه الحياة، بشكل لا يبدو فيه اختلاف، بين جماعة منها اليوم، وجماعة كانت تعيش منذ آلاف السنين، أو بين جماعة منها تعيش في مكان، وجماعة أخرى تعيش في مكان آخر، مهما اختلفت ظروف الحياة هنا عنها هناك..

وإذا كانت الثقافة تجتمع في عناصرها ومكوناتها ، بين مسائل تتصل بالروح والفكر والوجدان، كالعقيدة الدينية، أو النظرية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وكالآمال والتطلعات، وكالتفاؤل أو التشاؤم، وبين مسائل تتصل بحاجات الجسد، من طعام وشراب وكساء ومسكن وعمل وغيرها، مما يلزم الإنسان، من حيث هو إنسان، له مطالب وحاجات متعددة، بيولوجية ونفسية واجتماعية واقتصادية، ومن حيث هو عضو في جماعة يرتبط مصيره بمصيرها ، يسعد بسعادتها ، ويشقى بشقائها ؛ فإنّ هذه العناصر الثقافية متكاملة، يؤثر بعضها في بعض ، وتتفاعل هذه العناصر جميعاً، فيما بينها، لتكون في النهاية ثقافة المجتمع.

عناصر الثقافة :

إن محتوى الثقافة في أي مجتمع متجانس يكاد ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية حسب رأي رالف لنتون :

1. العموميات:

تلك العناصر التي يشترك فيها أفراد المجتمع جميعا وهـي أساس الثقافة وتمثل الملامح العامة التي تتميز بها الشخصية القومية لكل مجتمع مثل اللغة والملبس والعادات والتقاليد والدين والقيم . وهي  الأفكار والعادات والتقاليد والاستجابات العاطفية المختلفة وأنماط السلوك وطرق التفكير التي يشترك فيها جميع أفراد المجتمع الواحد وتمييزهم كمجتمع وثقافة عن غيرهم من المجتمعات ومثال ذلك  السكن وطريقة الملبس وطريقة الزواج)، والعموميات هي مركز)

الصفحة104

اهتمام التربية واليها تتجه الجهود لنقلها وتبسيطها وتجديدها إن لزم الأمر. وتتمثل فائدتها في: 

أ. توحد النمط الثقافي في المجتمع.

ب. تقارب طرق تفكير أفراد المجتمع واتجاهاتهم في الحياة.

ج. تكون اهتمامات مشتركة وروابط بينهم.

د. تكسبهم روح الجماعة فتؤدي إلى التماسك الاجتماعي.

2. الخصوصيات:

وهي عناصر الثقافة التي يشترك فيها مجموعة معينة من أفراد المجتمع بمعنى أنها العناصر التي تحكم سلوك أفراد معينين دون غيرهم في المجتمع، فهي العادات والتقاليد والأدوار المختلفة المختصة بمناشط اجتماعية حددها المجتمع في تقسيمه للعمل بين الأفراد، وقد تكون هذه المجموعة مهنية متخصصة أو طبية مثال الخصوصيات الثقافية الخاصة بالمعلمين أو المهندسين أو الأطباء أو غيرهم وهم يتصرفون فيما بينهم بأنماط سلوكية معينة، وقد تشمل هذه الخصوصيات عناصر تتعلق بالمهارات الأساسية للمهنة والمعرفة اللازمة لإتقانها كما تشمل أيضا طرق أداء المهنة ونوع العلاقات التي تربط أبناء المهنة الواحدة وتميزهم عن غيرهم من الناس.

وقد تكون الخصوصيات مرتبطة بالطبقة الاجتماعية فالطبقة الأرستقراطية لها سلوكيات وعاداتها التي تميزها عن الطبقة المتوسطة أن كذا وكذا من السلوك لا ينتمي إلى عادات الأرستقراطية ويجب ألا ننسى أن الخصوصيات لا تنفي اشتراك أفراد الطبقة أو المهنة عن كل أفراد المجتمع في العموميات التي

ناقشناها من قبل.

البدائل والمتغيرات.3

وهي من العناصر الثقافية التي تنتمي إلى العموميات، فلا تكون مشتركة بين جميع الأفراد ولا تنتمي إلى الخصوصيات، فلا تكون مشتركة بين أفراد مهنة واحدة أو طبقة اجتماعية واحدة ولكنها عناصر تظهر حديثة وتجرب لأول مرة في ثقافة المجتمع وبذلك يمكن الاختيار من بينها وتشمل الأفكار والعادات وأساليب

الصفحة105

العمل وطرق التفكير وأنواع الاستجابات غير المألوفة بالنسبة لمواقف متشابهة مثال ذلك ظهور موضة جديدة في الملبس لم تكن معروفة من قبل أو ظهور طريقة لإعداد الطعام ولم يعرفها الناس من قبل وهذه المتغيرات قليلة في المجتمعات البدائية وكثيرة في المجتمعات المتقدمة وتكون هذه المتغيرات أنماطاً سلوكية قلقة مضطربة إلى أن تتلاشى أو تصبح خصوصيات تتسم هذه البدائل بالقلق والاضطراب إلى أن تستقر على وضع وتتحول فيه إلى الخصوصيات أو العموميات الثقافية فهي تمثل العنصر النامي من الثقافة.

هذا ويرى بعض العلماء أن عناصر الثقافة تنقسم إلى قسمين رئيسيين:

1. عناصر مادية:

وتتضمن كل ما ينتجه الإنسان ويمكن اختباره بواسطة الحواس مثل المساكن والآلات والملابس ووسائل المواصلات

2. عناصر غير مادية (معنوية) :

تتضمن العرف وقواعد السلوك والأخلاق والقيم والتقاليد واللغة والفنون وكل العناصر السيكولوجية التي تنتج عن الحياة الاجتماعية ولكن تقسيم لنتون أنسب وأقرب إلى الواقع من هذا التقسيم الثنائي لان الثقافة تجمع العنصرين معا ولا يمكن فصل أي منهما عن الأخر وحتى لغرض الدراسة في هذا المجال.

الثقافة والتربية :

تلعب الثقافة دورها الفعال في حياة المجتمع، فهي المحرك نحو التقدم، وهي الموجه أيضا، وعادة ما يقاس المجتمع بثقافة أفراده، لأن التقدم والحضارة والتربية تعتمد كلّها على الثقافة، فالتربية أساسها الثقافة، وكلما كان الأبوان مثقفين، كانت التربية عندهما أفضل، ذلك أنّ الثقافة توسع دائرة معارف الإنسان، وتكسبه معلومات جديدة وواسعة وتحيطه بخبرات تفيده في حياته، وبها يحسن تصرفه، ويعرف موضع الخطأ والصواب، وماذا يجب أن يكون وكيف ومتى وأين؟ فهي الموجه من كافة الوجوه، وهي أساس التصرف الهادف البناء، لذا كانت الثقافة وما زالت وستظل أصلاً من أصول التربية التي

الصفحة106

لا غنى للفرد ولا للمجتمع عنه، بل إنه يسير مع المجتمع فكلما تقدم خطوة اتسعت التربية والثقافة، ولهذا فإنّ الثقافة والتربية يتناسبان طردياً(1).

وبما أنّ الثقافات تختلف باختلاف المجتمعات وباختلاف العصور كان لكل مجتمع نوع معين من التربية تختلف بدورها باختلاف هذه المجتمعات وباختلاف تك العصور. وهذه الثقافة يعكف على دراستها علماء دراسة الثقافة اللذين يتتبعونها عند المجتمعات المختلفة وخاصة المجتمعات البدائية، وهم ما يعرفون باسم "الانثروبولوجيين" أي الذين يدرسون ثقافة الإنسان وتطوراتها، كمـا يعكف على دراستها علماء الاجتماع فيدرسون النظم وتجسيدات الثقافة فيها وقد أمدت هذه الدراسات التربويين بمجموعة من الحقائق والمفاهيم الاجتماعية والثقافية فتحولت النظرة إلى التربية من عملية فردية، إلى عملية اجتماعية ثقافية، حيث إنّها تستمد مقوماتها من المجتمع ومادتها من ثقافته لكي تهيئ للناشئين فرص النمو من خلال عناصرها، حتى تتجلى أمامهم وتتضح خصائص الأدوار الاجتماعية التي سيقومون بها في المجتمع(2).

الثقافة ودورها في المجتمع :

 تؤدي الثقافة دوراً كبيراً في حياة الإنسان، فهي متنفسه الوحيد في كل وقت وحين، خاصة في أوقات الأزمات والشدائد، فالكثير من الأعمال الأدبية والفكرية إنما هي نتاج ظروف وأزمات مر بها أصحابها ، ومن ثم أصبحت فيما بعد أعمالا خالدة.

يعاني عالمنا اليوم من تناقضات وصرا عات جعلته يعيش فراغاً ثقافياً واضحاً اخترق وتسرب إلى جميع مناحي الحياة مما أدى إلى انهيار دور الثقافة المحلية الوطنية أمام ثقافة العولمة، أي ثقافة التسلية والمرح وهي ثقافة استهلاكية في عمومها ، محاولة بطرق وأساليب شتى الضغط ومحاصرة الثقافات الوطنيـة وتهميش دورها من خلال إشاعة ثقافة تغييب الوعي للساحة الفكرية.

الهوامش:

الطبيب، مرجع سابق، ص: 107.(1

2) عامر ، طارق عبد الرؤوف ، (2008) ، أصول التربية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، (د.م) ، (د.ن) ، ص: 32.

الصفحة107

لا يمكن لنا أن نتحدث عن الثقافة وأهميتها لدى الشعوب بشكل عام والشباب بشكل خاص ، دون ربطها بالتربية ارتباطاً وثيقاً يجعل كلاً منهما تابعاً ومستقلاً في آن واحد، فالثقافة وعاء التعليم بدءاً من الأهداف ثم المناهج ووسائل وأساليب التعليم، وصولاً إلى عملية التقويم لنتاج العملية التعليمية، والثقافة والتعليم وجهان لعملة واحدة، فعملية التعليم كوسيلة تساعد الفرد على استقبال ثقافته وفهمها واستيعاب مضامينها الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمعرفية، متخذة شكلا . من التآلف، والانسجام على مستوى الفرد والمجتمع، كما أن الثقافة أعم وأشمل من التعليم أو حتى المعرفة والأفكار، وأوثق صلة بالإنسان، فهي تكون في مجموعها جميع الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ ولادته وحتى سنين متأخرة من حياته حتى يصبح تأثيرها في علاقة الفرد مع الوسط الاجتماعي الذي ولد فيه.

أسباب الضعف الثقافي في العالم العربي :

هناك أسباب كثيرة أسهمت في الضعف الثقافي في العالم العربي لعل من أهمها :

أ . هجرة الشباب العربي

ترجع ظاهرة هجرة الشباب العربي إلى عوامل عديدة منها : النمو الديموغرافي السريع الذي يشهده العالم العربي من جانب والركود الاقتصادي، وسوء الأوضاع الاجتماعية والسياسية من جانب آخر، إضافة إلى نقص الإمكانيات، وتخلف النظام التعليمي وعدم مواكبته لمتطلبات سوق العمل حتى أصبحت الأعداد الهائلة من خريجي الجامعات في عداد صفوف العاطلين عن العمل.

ب .وسائل الإعلام

التحدي الإعلامي يعد من أكثر التحديات خطورة على الشباب، حيث تكمن خطورة هذا التحدي في ما يتعرض له المتلقي للبرامج المختلفة، وهم فئة الشباب الذين لم تكتمل لديهم بعد المقومات المهارية والمعرفية لتحليل

الصفحة108

وانتقاء الفكر والثقافة والموارد الإخبارية التي تبثها وسائل الاتصال الجماهيري المرئي والمسموع وما يحمل المضمون الثقافي من رموز تؤثر في العملية الثقافية والتعليمية.

وللأسف فإنّ وسائل إعلامنا العربية، وخاصة القنوات الفضائية، لا تزال تغزو البيوت ببرامج سيئة تعتمد على هز الأرداف والأكتاف، وإغراق المشاهد بالإعلانات، أو بالبرامج والأفلام المستوردة أو المقلدة، فضلا عن برامج التسلية والمسابقات واستهلاك الوقت، والتي لا هـم لـهـا سـوى استدراج المشاهد للمزيد من الاستهلاك عبر الإعلانات التجارية أو تسطيح مستواه الأخلاقي والفكري، لتكون بذلك شريكة في هذا الغزو بشكل أو بآخر.

ج غياب الديمقراطية الحقيقية في المجتمعات العربية : 

من العوامل المهمة التي أحدثت هذه التحولات في صفوف الشباب هـو مـا دث من تغيرات سياسية، وديمقراطية من جانب، وهيمنة الأنظمة الاستبدادية الحاكمة وما أحدثته من فقدان الثقة والتمزق من جانب آخر، فقد لعبت دورا بارزا في تشتيت عقلية الشباب العربي والقضاء على هويته الثقافية الإسلامية بعدم قدرتها على مساعدة الشباب في اكتشاف قدراتهم واهتماماتهم إضافة إلى أنها عملت الوسع لتوفير فضاءات التفسخ الخلقي، لتكون الملاذ لقضاء أوقات الفراغ ونسيان هموم الدراسة والعمل.

هويتنا الثقافية والحضارية :

لكل أمة ثقافة تعتز بها، وتحاول جاهدة لتطويرها بما يتناسب والتطورات المتسارعة في عالمنا المشبع بمختلف الثقافات والأمة العربية كباقي الأمم لها ثقافتها العريقة بالإضافة إلى عناصر تكوينها .

وثقافتنا العربية تعنى بالمستقبل وتسعى جاهدة لوضع خطط تستجلي أهداف الثقافة وطرق نشرها ونموها داخل الوطن العربي وخارجه.

الصفحة109

وتلعب المؤتمرات والندوات واللقاءات دوراً مهماً من خلال الفكر والثقافة والاتحادات العربية والأدباء والكتاب، لدعم التعاون الثقافي بين أقطار الأمة الواحدة وتوفير الشروط لعودة الوحدة الثقافية العربية في إطار عمل عربي مشترك باتجاهاته الرئيسية التي تعتمد على(1):

أ. نشر اللغة العربية وكتابتها داخل الوطن العربي وخارجه . 

ب. إحياء التراث العربي الفكري والفني والمحافظة عليه والتعريف بالثقافة العربية الإسلامية.

ج .رعاية الفنون وتنسيق جهود العاملين فيها وتبادل خبراتهم وتسخير جميع  وسائل الإعلام المختلفة لنشرها.

د. التأكيد على ضرورة إسهام الثقافة العربية في بناء نظام ثقافي عالمي جديد لتكون الثقافة سلاحاً للتحرر الشامل والتغيير الاجتماعي في الوطن العربي.

إن الثقافة العربية كانت دائما في عصور ازدهارها منفتحة على الثقافات العالمية أخذاً وعطاءاً. وهي الآن في مراحل نهضتها تنفتح علـى مختلـف الحضارات الأخرى لتفيد وتستفيد ، مستغلة الفرص المتاحة لتقديم الوجه الحضاري الإنساني إلى العالم في صورة صحيحة واقعية صادقة بغية التفاعل الإيجابي مع مختلف الثقافات الأخرى(2).

وثقافتنا العربية أداة تحرر وطني وانعتاق من التبعية وأداة تقديم اجتماعي في تعاملها مع ثقافات العالم ، وتصميم الأمة العربية في القضاء على جميع آثار الاستلاب الثقافي والغزو الفكري الظاهر والمستتر.

ويتمثل هذا الاستلاب الثقافي في فرض مظاهر الاغتراب اللغوي والفكري والثقافي، ومحاولة إغراق المجتمع العربي بمواد مناهضة للقيم الثقافية

الهوامش:

) المرجع السابق نفسه، ص: 32.1

2) شومان ، عبد المنعم ، (2006) ، هويتنا الثقافية والحضارية، موقع صحيفة الوحدة السورية، متوفر على الرابط : 

http://wehda.alwehda.gov.sy  

تأريخ النسخ: 2012/8/13م.

الصفحة110

الصحيحة والعمل على تزييف التاريخ العربي والإسلامي وتغيير البناء الاجتماعي والعبث بالممتلكات الثقافية وانتهاك المقدسات الدينية.

وهذا ما يدفعنا إلى وضع سياسة ثقافية أهم دعامة للوحدة ، والوعاء الصحيح لثقافة أمتنا الأصيلة، وشجب ما تقوم به سلطات الاحتلال الصهيوني في فلسطين مع العدوان على الثقافة العربية والتأكيد والحرص على الثقافة العربية في المناطق العربية المحتلة بمختلف الوسائل لتأدية رسالتها القوميـة والإنسانية مستندة إلى جذور الأمة العربية وتراثها بالإضافة إلى استيعاب تيارات العصر مدركة آفاقه منفتحة على بقية الحضارات من خلال إبراز الشخصية المتكاملة للإنسان العربي وتهيئته للوعي بتراثه وانتمائه لأمته وقيمها الأصيلة ، وصقل فكره ووجدانه ليكون قوة فعالة في التقدم الحضاري لوطنه .

إضافة إلى إبراز الهوية الحضارية العربية والإسلامية والمحافظة عليها بوصف الثقافة مستودع الأصالة ، ورفض التبعية والاستلاب والتشويه وإغناء شخصية المواطن العربي وتأكيد وعيه بحريته وكرامته وقدرتـه علـى مواكبة التطور الإنساني المعاصر والمشاركة فيه.

العلاقة بين الهوية والثقافة (1):

ثمة علاقة وثيقة بين الهوية والثقافة، بحيث يتعذر الفصل بينهما، إذ أن ما من هوية إلا وتختزل ثقافة، فلا هوية بدون منظور ،ثقافي، ولا تستند إلى خلفية ثقافية، والثقافة في عمقها ، وجوهرها، هوية قائمة الذات.

وقد تتعدد الثقافات في الهوية الواحدة، كما أنه قد تتنوع الهويات في الثقافة الواحدة، وذلك ما يعبّر عنه بالتنوّع في إطار الوحدة، فقد تنتمي هوية شعب من الشعوب إلى ثقافات متعددة، تمتزج عناصرها، وتتلاقح مكوّناتها

الهوامش:

1) التويجري عبد العزيز بن عثمان ، (د.ت) ، الحفاظ على الهوية والثقافة الإسلامية في إطار الرؤية المتكاملة، مؤتمر الإسلام والغرب في عالم متغير موقع الإسلام اليوم، متوفر على الرابط: 

http://www.islamtoday.net

تاريخ النسخ: 2012/8/13م

الصفحة111

، فتتبلور في هوية واحدة . وعلى سبيل المثال ، فإن الهوية الإسلامية تتشكل من ثقافات الشعوب والأمم التي دخلها الإسلام سواء اعتنقته أو بقيت على عقائدها التي كانت تؤمن بها ، فهذه الثقافات التي امتزجت بالثقافة العربية الإسلامية وتلاقحت معها ، فهي جماع هويات الأمم والشعوب التي انضوت تحت لواء الحضارة العربية الإسلامية، وهي بذلك هوية إنسانية، منفتحة ، وغير منغلقة.

شروط الحفاظ على الهوية والثقافة الإسلاميتين(1) :

ينبغي أن ننظر إلى الواقع الثقافي والفكري والإعلامي في عالمنـا مـن زاوية واسعة، حتى تتضح لنا الصورة العامة، وتتبين حقائق الأمور أمام أعيننا ، فنحن نقف اليوم أمام تيار كاسح جارف مندفع ، لا نملك إزاءه إلاّ التعامل معه بحكمة ويقظة ؛ لأننا لا نمتلك شروط المواجهة معه، ولكننا نتوافر على شروط موضوعية لمواكبته، والاندماج فيه، وللإسهام من موقعنا الثقافي والحضاري في بناء عالم جديد قوامه العدل والسلام ، والتعايش والتسامح ، والتعاون الإنساني في إطار القانون الدولي، وتحت مظلة الأمم المتحدة. فهذا هو الأسلوب العملي لتوقي مخاطر العولمة، وللتغلب علـى الصعاب والتحديات الناتجة عنها ، وللحفاظ على خصوصياتنا الثقافية والحضارية(2).

إن المنهج الذي ندعو إلى اعتماده في معالجة المشكلات الناتجة عن اكتساح نظام العولمة للهوية والثقافة الإسلاميتين في هذه المرحلة الدقيقة، يقوم على قاعدة التكامل في البحث عن الحلول للأزمات الحضارية والمشكلات الثقافية، وينطلق من الرؤية الشمولية إلى الواقع المعيش، بحيث لا يمكن بأي حال، الفصل بين الأوضاع السياسة والاقتصادية والاجتماعية،

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه.

2) القرشي، علي سرحان، (2012) ، الثقافة وثورات الربيع العربي موقع جريدة الرياض متوفر على الرابط: 

http://www.alriyadh.com ،

 تاريخ النسخ:2012/8/13م.

الصفحة112

وبين الأوضاع الثقافية والفكرية والإعلامية، لأنه لا سبيل إلى تقوية الذات بتحصين الهوية والثقافة العربية والحفاظ عليهما، في ظل أوضاع غير منسجمة مع طموح الأمة، وفي ظروف ليست مواتية من النواحي كافة.

إن العالم الإسلامي محكوم بظروف صعبة على الأصعدة جميعاً، وينبغي أن نكون صرحاء مع أنفسنا ، نسلم بأن الدول السبع والخمسين الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، تعاني من مشكلات اقتصادية صعبة، وبعضها، بل أغلبها ، يحتل المرتبة الدنيا في السجل الذي تنشره الأمم المتحدة في تقريرها السنوي عن التنمية البشرية في العالم، وتصنف غالبية هذه الدول ضمن الدول التي تعيش تحت خط الفقر، إلى جانب المشكلات السياسية التي تعم معظم البلدان الإسلامية التي تنتج عن الازمات والصراعات والحروب، مما يتسبب في عدم الاستقرار، وفي ضياع فرص التنمية، وفي هدر الطاقات والقدرات .

ولا مجال للحديث عن الحفاظ على الهوية والثقافة الإسلاميتين في ظل هذه الأوضاع ، فالمجتمعات الضعيفة المتخلفة عن ركب التقدم الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي، لا تقوى على الدفاع عن خصوصياتها الثقافية وموروثها الحضاري ، ولا تملك أن تصدّ الغارات الثقافية والإعلامية التي تواجههـا مـن كـل حدب وصوب، ولن تسطيع أن تقف صامدة في معترك السياسة الدولية بأمواجها المتلاطمة، حفاظاً على مصالحها الحيوية.

ولذلك نرى أن السبل التي يتعين على العالم الإسلامي أن يسلكها للحفاظ على هويته وثقافته الإسلاميتين، هي ما يأتي:

أولاً : إصلاح الأوضاع العامة إصلاحاً رشيداً شاملاً، في إطار المنهج الإسلامي القويم ، وبالأسلوب الحكيم، ومن خلال الرؤية الشاملة إلى الواقع في جوانبه المتعددة، من أجل اكتساب المناعة ضد الضعف العام الذي يحدّ من حيوية الأمة ويشل حركتها الفاعلة والمؤثرة.

الصفحة113

ثانياً: إيلاء أقصى اهتمام بتطوير التعليم والنهوض به، وتحديث منـاهـجـه وبرامجه، مع التركيز على التعليم النافع الذي يفيد الفرد والمجتمع الذي الأجيال على ثقافة العصر ويفتح أمامها آفاق المعرفة. 

ثالثاً : تقوية التعاون بين دول العالم الإسلامي، وتعميق التضامن الإسلامي، وتحقيق التكامل فيما بينها، وتعزيز العمل الإسلامي المشترك، في إطار تنفيذ الاستراتيجيات التي وضعتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وصادق عليها مؤتمر القمة الإسلامي في دوراته المتعاقبة.

رابعاً : تسوية الخلافات بين دول العالم الإسلامي، والاحتكام إلى مبادئ الإسلام الخالدة لفض النزاعات، ولإقامة علاقات أخوية متينة، تحقيقاً للمصالح المشتركة، وجلباً للمنافع ، ودرءاً للأخطار التي تهدد الأمم الإسلامية قاطبة.

فبانتهاج هذه السبل المستقيمة تتقوى الذاتية الثقافية، وتصان الهوية الحضارية، وتحفظ الحقوق، ويتعزّز حضور الأمة الإسلامية في الساحة الدولية فاعلة ومؤثرةً ومساهمة في الحضارة الإنسانية الجديدة.

الثقافة وثورات الربيع العربي :

 إنّ انتشار الفساد والركود الاقتصادي وسوء الأحوال المعيشية في معظم الدول العربية ومنها اليمن، إضافة إلى التضييق السياسي والأمني وعدم نزاهة الانتخابات في تلك البلدان، كان من الأسباب الأساسية لاندلاع ثورات الربيع العربي التي كانت شرارتها الأولى " ثورة الياسمين" التونسية التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي، ثم انتقلت تلك الشرارة إلى بقية دول الوطن العربي كمصر وليبيا وسوريا.

وفي اليمن انطلقت شرارة ثورة التغيير السلمية الشعبية التي قادها الشباب، في 3 فبراير، واشتعلت يوم الجمعة 11 من شهر فبراير عام 2011م، الذي أطلق عليه اسم "جمعة الغضب".

الصفحة114

ولقد طرحت علامات استفهام كبيرة حول غياب المثقفين وانحسار دور الثقافة في الثورة، ذلك أنّ الأنظمة العربية نجحت في لجم النخبة المثقفة، إما بإدخالها في دواليب السلطة أو بتهميشها الكامل، أو تغييبها في السجون، مما جعل كثيراً من المثقفين العرب يهاجرون خارج بلدانهم.

وبالرغم من الاستبداد السياسي الذي كان يمارسه الحكام العرب حيث كان السجن والتنكيل مصير رائدي الأقلام الحرة والضمائر الحية.. وكانت الرقابة على الصحف والكتب تودي بحياة الأحرار والشرفاء وتقصف بأقلامهم. بالرغم من ذلك قام ثلة من الشباب المثقف في بعض دول الوطن العربي إثر ثورة تونس بالنزول إلى الميادين العامة للمطالبة بالتغيير وبإسقاط الأنظمة الاستبدادية، واستجابت لهم الجماهير في النزول إلى الميادين والمطالبة بالتغيير، وأصبحت تلك الجماهير لا تستمد حماسها من تلك الرموز التي نامت ولا من تلك الألوان الثقافية النخبوية، بل من تلك النفوس التي استجابت للنداء الإنساني الخالد في الثقافة، نداء الحرية والكرامة والتضحية في سبيل ذلك.

حين ندرك هذا نتبين أن مجافاة الثقافة للثورة في تشكلها النخبوي، وفي تشربها الشعبي حكم متسرع ، فهذه الجماهير المنطلقة، والشعارات المحركة لا شك أنها نتاج تخطيط ثقافي ، وهـذه الاستجابة الجماهيرية انبثقت من وعي ثقافي، شريطة أن نعزل الثقافة عن مفهوم نخبوي ، ونجعلها الحركة المستجيبة للتغيرات وللنداء الإنساني، ومن ثم كانت الأسرع في الاستجابة مع التقنية، وتغيير كفة الإعلام وخطابه.

لو لم تكن الحرية والكرامة من التعبئة الثقافية لما وجدت استجابة لها لدى الجماهير الغفيرة ، التي تحركت استجابة للنداء باتجاه الحلم الذي تشربته وتهيأ لها بفعل الثقافة.

الصفحة115

لو لم يكن هناك وعي بكيفية خطاب الجماهير وصياغة أهدافها ومساراتها ، لما نجحت الثورة .

كل هذا يعطي مؤشرات قوية إلى أن الثقافة كانت وقودا حيويا ، لثورات الربيع العربي التي نادت بتحقيق العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد والبطالة والفقر، وتكريس مفهوم المواطنة والمجتمع المدني، ورفض التبعية، واستعادة دور الشعوب العربية ، وحماية ثرواتها القومية والتصدي للتدخلات والإملاءات الخارجية، ومجابهة التحديات التي يشكلها الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة

الثقافة والشخصية :

تقترن الثقافة بالشخصية، وتتحدد الشخصية بالثقافة، فشخصية الفرد مقترنة بثقافتـه، وكلما اتسعت هذه الثقافة، كانت رافـدا مـــن روافـــد الشخصية، وكلما ضاقت ثقافة الفرد ، عملت على خلق شخصية ضعيفة، وقد يكون الإنسان ممن يملك قوة موقف أو جسم، ولكن الشخصية لا تتحدد بقوة الجسم أو صلابة الموقف قدر ما تتحدد بسعة الثقافة وسعة العلم أو المعرفة. والشخصية هي قوة فطرية يضعها الله في عباده لا تخضع لقوة الجسم ولا لجهامة الوجه قدر ما تخضع لأسلوب الشخص ومعرفته وثقافته؛ لهذا يقول أفلاطون تكلم كي أراك(1).

والثقافة ترفع قيمة الشخص ، وتهذب شخصيته، وتجعل له مكانة، وهي بهذا تكون أساس شخصـيته. وأمـا مـا يخص جانب التربية وعلاقتها بالشخصية والثقافة، فإنه لكي نفهم التغير الثقافي لابد أن ندرك إلى أي مدى تؤثر الشخصية في الثقافة وتطورها ، وذلك أنّ الشخص الذي يلتزم منذ صغره بثقافة معينة وبتغيرات ثقافية، فإنه يقاوم التغيرات وفق ما يلائم ثقافته (2).

الهوامش:

) الطبيب، مرجع سابق، ص:124.1

) المرجع السابق نفسه، ص: 125.2

الصفحة116

ويعرف علماء الإنسان العمليات التي تخضع للتغيير الثقافي بأنها عمليات التأهيل والانتشار وإعادة التفسير، فالتأهيل يعني اكتشاف أو اختراع عناصر أصيلة كالثقافة، والانتشار يفهم على أنه عملية يتم فيها استعارة عناصر جديدة من ثقافات أخرى، في حين تعني إعادة التفسير تحوير أو تغير عنصر يظل قائما لمواجهة الظروف الجديدة بما تحويه من تغيير، مثل ذلك تكييف المناهج الدراسية للتطورات العلمية الجديدة(1).

والتربية تعد حالة ضرورية للاستمرار الثقافي، وهي وسيلة تغير ذات أهمية كبير في عملية التغير الثقافي، ذلك أن التغير الثقافي يبني أساساً علـى التربية، ويرتبط بها ويسير وفقها جنباً إلى جنب، وأن أي تغير في التربية يحدث تغيراً ثقافياً، وأي تغير ثقافي يحدث تعديلاً في السلوك وإضافة جديدة للتربية، ومن الأشياء التي يقوم بها المجتمع لمقاومة التغير الثقافي هي تعليم الأجيال تراثها الثقافي، وإدخاله في المناهج الدراسية، وهنا يأتي دور المعلمين في تفسير القديم، وفي مواجهة المواقف الجديدة، أو تنمية الثقافة للتمهيد للمستقبل بغرس بعض المعلومات في الشباب، وكذلك العمل على تكوين الاتجاهات والمهارات لمواجهة مواقف معينة(2).

التربية والتغير الثقافي :

من خصائص الثقافة أنها ثابتة ومتغيرة في نفس الوقت، فهي تمتاز بالثبات وليست بدرجة كلية ، وإنما في بعض مكوناتها مثل اللغة والقانون، وهذه العناصر رغم ثباتها إلا أنها ينتابها التغير، ولكن بصورة بطيئة، وهي أيضاً متغيرة لما يدخل عواملها من تغير وتحول مستمر وتدريجي، ويحدث التغير الثقافي أيضاً نتيجة ما يسمى بالامتصاص الثقافي الذي من معانيه التلاحم بين الثقافات المعاصرة وتأثيرهـا وتأثرهـا بعضـها بـبعض، غير أنّ هذا

الهوامش:

) المرجع السابق نفسه، ص:126.1

) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.2

الصفحة117

الامتصاص الثقافي لا يحدث إلا إذا كان حدوثه يسد حاجة للمجتمع الذي يستقبله وأن يناسب ظروف المجتمع ويتكيف مع أوضاعه الاجتماعية(1). ويرتبط هذا التغير الثقافي بالتربية في أنه مهما تعددت الأسباب المؤدية لهذا التغير، إلا أنّ التربية تظل هي المسؤولة عن إحداث هذا التغير، ومن ثم فإن واجبها يكمن في قيادة وتوجيه هذا التغير، إضافة إلى غربلة الثقافة، وتنمية الاتجاهات الجديدة، وإحداث الحراك الاجتماعي، الذي يؤدي إلى رفع حركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما أن التربيـة إضافة إلى هـذا تقوم بتدريب القيادات على جميع ميادين الحياة حتى يصبحوا علـى علـم بالقوى التي تشكل تقدم المجتمع وتسعى إلى رفاهيته(2).

أهمية دراسة الثقافة(3) :

هناك عدة اعتبارات توضح أهمية دراسة الثقافة لعامة الناس، وللتربويين خاصة، ذلك أن التربية في حد ذاتها إنما هي عملية ثقافية عن طريقها يستطيع التربويون من تخطيط العملية التربوية وتوضيحها وتنسيق أعمالها وإحكام الإشراف عليها ورقابتها على أساس سليم من الفهم الواضح لأبعادها الثقافية ، يضاف إلى ذلك أنّ المعلم هو ناقل الثقافة ومفسرها وشارحها لتلاميذه، وهو لا يستطيع أن يفعل ذلك أو يقوم به إلا إذا كان على علم تام بالأبعاد الثقافية التي تجعل له مكانة، ولدوره معنى ومغزى، وهي بهذا تساعده على تعميق قيمة الثقافة، كما أنها تمكنه من القيام بدوره الثقافي بصورة علمية موضوعية في ضوء من الفهم لخصائص الثقافة ونظرياتها.

والثقافة تساعد المعلم وتجعله قادرا على فهم جميع جوانبها ومعبرا عنها بدلا من أن يكون معبرا عن جانب واحد من جوانبها، وذلك نظراً لائتمانه

الهوامش:

) المرجع السابق ص: 128.1

) المرجع السابق ، ص: 129.2

) المرجع السابق ، ص ص: 129 - 131.3

الصفحة118

لأصول اجتماعية معينة، وهي أيضاً تجعله يؤمن بحقيقة التغير، وأن الأشياء لا تثبت على حال واحد ؛ بل إن مهمة المدرس أن يرسخ هذا المفهوم، مفهوم التغير في أذهان التلاميذ.

والثقافة أيضاً تساعد المدرس على ألا يكون متعصبا لرأيه متحمساً لثقافته ضد الثقافات الأخرى، بل تجعله في حالة أخذ وعطاء ومناقشة ومداولة، وهي أيضاً تفرض عليه نحو تلاميذه أن يخلق عندهم عدم تقبل الأفكار تقبلا أعمى، إنما يتم ذلك بعد الفهم والمناقشة والتمحيص، وأن يكون نقاشه معهم بموضوعية، وألا يلزمهم برأي معيّن، وأن ينمي فيهم روح الولاء لثقافتهم القومية بدون تعصب للثقافات الأخرى، وأيضاً الانتماء إلى الإسلام كدين ومنهج حياة. 

الصفحة119



الأصول الفلسفية للتربية




الأصول الفلسفية للتربية

عزيزي الطالب، ماذا يقصد بالفلسفة ؟ وما أصولها؟

تعريف الفلسفة :

Philosophy إن كلمة الفلسفة

 يونانيـة الأصـل، ومركـبـة مـن مقطعـيـن همـا "فيليا" أي مُحب و"صوفيا" أي الحكمة، فيكون معناها محبة الحكمة أو حب المعرفة. وعرفها صاحب المنجد(1) بأنها " علم الأشياء بمبادئها وعللها الأولى".

وأول من أطلق هذه الكلمة على الحكمة هو فيثاغورس الفيلسوف اليوناني والعالم الرياضي المشهور الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد. قال فيتاغورس: إن الحكيم الحق هو الله سبحانه وتعالى، وليس للإنسان أن يزعم بأنه يملك الحكمة وكل ما يسمح له به هو أن يحبها وأن يطلبها.

ويورد المعجم الوجيز في تفسير كلمة فلسفة أنها "دراسة المبادئ الأولى وتفسير المعرفة تفسيرا عقليا وكانت تشمل العلوم جميعا واقتصرت في هذا العصـر علـى المنطق والأخلاق وعلم الجمال وما وراء الطبيعة(2)".

ويورد معجم التربية تعريفا للفلسفة مشابها للتعريف السابق فيقول في تعريف الفلسفة بأنها : "العلم الذي يرمي إلى تنظيم وترتيب كل مجالات المعرفة باعتبارها وسائل لفهم وتفسير الحقيقة في صورتها الكلية. وهذا العلم يشمل عادة المنطق والأخلاق وعلم الجمال( وما وراء الطبيعة الميتافيزيقا) ونظرية المعرفة".

الفلسفة في العصور القديمة :

عرفها أفلاطون بأنّها "محبة كل أنواع الحكمة"(3)

الفلسفة في العصر الإسلامي :

عرف المسلمون الفلسفة بأنّها : " الفكر الاستدلالي المنظم الذي يتناول بالبحث : الله، والكون، والحياة، والإنسان والقيم والمعرفة، متقيداً بالكتاب والسنة، هادفاً إلى تحديد علاقة الله بالكون وعلّة خلقه، وعلاقة الإنسان بالله وبالكون،

الهوامش:

1) معلوف، لويس، (1984) ، المنجد في اللغة والأعلام، (الطبعة السابعة عشرة)، بيروت: دار المشرق، ص:593.

 2)مجمع اللغة العربية، مرجع سابق، ص : 480 

3) اليماني، عبد الكريم علي سعيد، (2004) ، فلسفة التربية (الطبعة الأولى)، الأردن - عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع،

ص: 34.

الصفحة122 

ورسالته في الحياتين، وفهم نفسه، وسنن الكون الذي يعيش فيه، والقيم التي توجه حياته، والمعرفة الصحيحة التي تنفعه في دينه ودنياه"(1).

ومنذ القرن التاسع عشر أصبحت العلوم تستقل شيئاً فشيئاً وأصبحت الفلسفة اليوم تقتصر على المنطق والأخلاق وعلم الجمال وما بعد الطبيعة وتاريخ الفلسفة(2). ومهما تتبعنا تعريفات الفلاسفة السابقين لمفهوم الفلسفة، فلن نجد إجماعاً على تعريف واحد ، مثل أي علم من العلوم وهناك ستة تعريفات للفلسفة، تشكل في مجموعها مفهوماً عاماً وتنص هذه التعريفات إن الفلسفة هي(3) :

- البحث عن الحقيقة والحق.

- معرفة الموجودات في واقعها.

- معرفة ما يتعلّق بالإنسان في الكون والحياة.

- العلم الذي يبحث في حقائق الكون والحياة وخالق الكون والحياة، والقيم الإنسانية. 

- العلم الذي يقوم على مباحث ثلاثة هي: مشكلة الوجود، ومشكلة المعرفة، ومشكلة القيم.

- مجموعة مبادئ وأساليب حياة، يدين بها الفرد في حياته، ويسترشد بها في تصرفاته واختياراته. 

الفلسفة والتربية :

تبحث الأصول الفلسفية للتربية في العلاقة التي تربط الفلسفة بالتربية، وفي الفلسفة السائدة في المجتمع التي توجه العمل التربوي وتحدد أهدافه ومحتوى منـاهـجـه والـطـرق والأساليب والإجراءات التي تحقق هذه الأهداف مـن خـلال تلك المناهج، إنها تبحث في الفرضيات والمسلمات والنظريات التي يعتمد عليها الفلاسفة في تفسير الكون وظواهره والإنسان وطبيعته والنظريات الاجتماعية والفلسفية التي تسعى إلى تفسير وتحليل ما هو كائن بالنسبة للفرد والمجتمع ورسم صورة لما ينبغي أن يكون.

الهوامش:

1) الأسمر ، أحمد رجب ، (1997)، فلسفة التربية الإسلامية .. انتماء وارتقاء ، ( الطبعة الأولى)، عمان: دار الفرقان: ص:35. 

2) مجمع اللغة العربية ، (1983) ، المعجم الفلسفي، (د.ط)، القاهرة: الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، ص: 138.

3) الأسمر، مرجع سابق، ص:32.

الصفحة123

وتهدف الأسس الفلسفية للتربية إلى دراسة بعض النظريات والأفكار والمبادئ الفلسفية التي لها ثمة صلة بالأبنية التربوية سواء النظري منها أو التطبيقي وإن كانت تعنى بصفة خاصة بالأجزاء النظرية بغية الوصول إلى أفضل صيغة ممكنة لتحقيق الأهداف والمثل المجتمعية في البناء التربوي(1).

وللتربية صلة واضحة بتاريخ الفلسفة فإن هذا التاريخ يسجل الجهود العقلية للإنسان في محاولاته لتفسير الحياة الإنسانية وفهم صلتها بالوجود.

ويتضح تأثير الفكر الإنساني الذي تمثله الفلسفة على التربية من خلال معرفة نمط التربية التي سادت في كل مجتمع وعصر، ومن المقارنة بين التربية التقليدية والتربية الحديثة ، فكل نمط من هذه الأنماط التربوية كان خلفه فلسفة خاصة استمد منها أسسه وقواعده ومبادئه.

إن من أهم الأسئلة الفلسفية التي تظهر في كتب الفلاسفة : من أين جئنا؟ وكيف سنعيش؟ ولماذا اخترنا هذا المذهب من التفكير؟ ما طبيعة النفس البشرية؟ هل هي طبيعة خيرة كما قال روسو (1712 – 1778 م) وأن النفس صفحة بيضاء كما يرى جون لوك (1632 - 1704م)؟ كيف تتم عملية التعلم ونقل الثقافة وصياغة أهداف التربية؟ ما ضوابط النقاش في المسائل التربوية لتوضيح وتكييف الأفكار؟ ما هي السعادة وكيف نحققها؟ ما حقيقة العلم والحياة؟ كيف نصل إلى الحقائق؟ وكيف نتعامل مع الاختلافات؟ ما القيم الثابتة؟ ما المراد بالحرية؟

 إننا نقصد بالأصول التربوية الفلسفية حصيلة الأفكار القديمة والجديدة التي تحاول بصورة منهجية أن تفهم الأسس المؤثرة في التربية ومصادرها وأهدافها وقضاياها الكبرى. لذلك تساعدنا الفلسفة في الإجابة عن الأسئلة الكبرى مثل: لماذا نتعلم؟ وماذا نتعلم ؟ ومتى نتعلم؟ وأين نتعلم؟ وكيف نتعلم؟

تحتوي الفلسفة على تصورات اجتهادية كلية لقضايا مصيرية تمس كينونة الإنسان في الماضي والحاضر والمستقبل؛ إذ أن الفلسفة تتطرق إلى طبيعة النفس البشرية وتدرس الغاية من هذه الحياة إلى آخر القضايا الجوهرية في حياة الناس. المعطيات الفلسفية لها انعكاسات واضحة على صياغة الأهداف وعلى خطط التعليم والسياسات الضابطة للعمل التربوي.

الهوامش:

1) عامر، مرجع سابق، ص:36.

الصفحة124



  ويؤكد الكاتبون في ميدان أصول التربية أن الفلسفة التربوية طريقة لا تنظر في الأفكار المجردة فحسب ولكنها أيضاً طريقة تعليمية تنظر في كيفية استخدام الأفكار بطرق أفضل. تقودنا الفلسفة التربوية إلى معرفة الأسس التي نحتاجها في عملنا في التعليم والتربية؛ فهي مجموعة من المعتقدات التي ترشدنا إلى ما ينبغي عمله في ممارسة التعليم وكيف يتعلم وينمو الإنسان بالشكل الصحيح. يظن بعض الناس أن الفلسفة التربوية من الموضوعات النظرية غير المهمة، والحقيقة أن هذا التصور في حقيقته فلسفة تربوية ولا يمكن أن نعزل فلسفة التربية عن حياتنا ؛ فالأسرة التي تختار مدرسة خاصة أو عامة أو دينية أو مهنية لأطفالها يتم اتخاذ القرار على ضوء فلسفة تتبناها الأسرة وعليه فكل معلم عنده فلسفة تربوية تجعله يقرر وسائله التعليمية وتصرفاته التربوية وتعامله مع الطلاب.

  لذلك فإنّ الفلسفة والتربية يسيران جنباً إلى جنب، فالفلسفة تحدد التربية بل هي الأساس الذي تنطلق منه التربية، كما أنّ للتربية فلسفتها الخاصة التي تنطلق من الأصول الاجتماعية والثقافية والفلسفية(1).

  والخلاصة أن الفلسفة سلسلة من الخطوات تقود الفكر نحو تكوين تصورات مبدئية لفهم قضايا إنسانية شائكة تمس اهتمامات الفرد والمجتمع. وتسعى الفلسفة إلى تحقيق عدة أهداف منها :

  1. تشجيع النقد الإيجابي، والجدل المنطقي، والشك المنهجي.
  2. تحليل الأفكار والنظم والقيم.
  3. دراسة الطرف المخالف لنا في الرأي وفتح الحوار الموضوعي
  4. محاولة فكرية دائمة للوصول إلى حقائق الأمور.
  5. توفير اعتقادات لمواجهة أحداث الحياة، والتخطيط للمستقبل، وفهم التغيرات.
  6. الاطلاع على أفكار الفلاسفة.
  7. تنشيط العقل وتشجيع طرح الأسئلة وفتح أبواب الحوار.

الهوامش:

1) الطبيب ، مرجع سابق، ص: 141.

الصفحة 125


الفلسفة والطبيعة الإنسانية :

   يرى النجيحي(1)  بأنّ كل فلسفة اجتماعية وكل فلسفة سياسية تسود عصراً من العصور ومجتمعاً من المجتمعات تظهر لنا أنها تتضمن وجهة نظر خاصة معينة إلى الطبيعة البشرية من حيث نوع هذه الطبيعة البشرية ومن حيث علاقاتها بالطبيعة المادية كذلك.

   لذلك تتفاوت نظرة الفلاسفة والمفكرين والمربين للطبيعة الإنسانية، وانسحب هذا التفاوت في وجهات نظرهم على طريق تحصيل المعرفة وأدواتها وأهداف التعليم، وبشكل عام على الفكر التربوي السائد ، وستكون الأمثلة المطروحة (وجهات النظر متفرقة ؛ لأنّ الحديث لا يختص بتوجه فلسفي معين، فقد ظهرت وجهات نظر متعددة حول الطبيعة الإنسانية، فبعض الفلاسفة نظر إليها نظرة ثنائية، وبعضهم نظر إليها على أنّها شيء واحد متكامل لا انفصال بين الروح والجسد ، وباختلاف فهمنا للطبيعة الإنسانية يختلف فهمنا لأهداف التربية، فهناك من قال بأن أهداف التربية يجب أن تكون واحدة في كل الأزمنة والأمكنة على حد سواء، وذلك لأنّ الطبيعة الإنسانية واحدة في جميع الأزمنة والعصور، وأن الإنسان هو الإنسان حيثما وجد، وهناك أيضاً أولئك الذين يقولون أن أهداف التربية يجب أن تختلف باختلاف الأفراد أنفسهم باختلاف استعداداتهم الذاتية، وقدراتهم، وهم في هذا يؤمنون بأنّ الطبيعة الإنسانية تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، بل إنها تختلف باختلاف الأفراد حسب قدراتهم وميولهم، وهناك أولئك الذين يعتقدون أن الطبيعة الإنسانية لا تتحرك دون حافز ولا تعمل دون دافع، لذلك كان علينا أن نثيرها دائماً على العمل، وأن نوجه الضغط الخارجي من جانب

الكبار على الأطفال حتى يتعلموا أو حتى يقوموا بسلوك معين من وضع الكبار. وبما أن الإنسان هو محور العملية التربوية، وأنّ هذه العملية تستهدف تربيته وإعداده الإعداد الأفضل في هذه الحياة، فلا يمكن للتربية أن تقوم بهذا الدور إلاّ إذا اتضحت لها طبيعة الإنسان وتكوينه، وحتى تتضح الصورة سيتم تناول وتحليل

الهوامش: 

1) النجيحي ، محمد لبيب ، (1967) ، فلسفة التربية ، (الطبعة الثانية)، القاهرة : مكتبة الأنجلو المصرية، ص:22.

الصفحة 126


وجهة نظر كل من(1) : الفلسفة المثالية والفلسفة الواقعية والفلسفة البراجماتية ( الوظيفية)، والفلسفة الإسلامية، مع التطرق إلى آراء بعض الفلاسفة والفرق الدينية.

 1. الفلسفة المثالية:

  تؤكد هذه الفلسفة الجانب الفكري والعقلي في الإنسان، وترتبط جذورها بفكر أفلاطون (ت 348 ق.م) الذي قال بثنائية الطبيعة الإنسانية، وأنها تتكون من روح وجسد أو عقل ومادة ، وانعكس ذلك في نظريته في الأخلاق والسياسة والاجتماع والتربية والتعليم وظهر ذلك في تنظيمه المثالي في جمهوريته المثالي، عندما قسم العالم تقسيماً ثنائياً : عالم المثل وعالم الواقع أو عالم المحسوسات، وعالم المثل أرقى من عالم الواقع، وعالم الواقع والنشاط العملي أقل مرتبة من التفكير النظري والتأمل الذي لا يستطيع الإنسان أن يصل عن طريقه إلى عالم المثل وبه يحاول باستمرار أن يقضي على رغبات الجسم؛ لأنّ الروح تتعدى حدود هذا العالم، وهي التي يستطيع بها أن يصل إلى المعنى الحقيقي للخير والخلق والجمال. 

  ويرى أفلاطون أنّ الروح منبعثة من عالم المثل، وأنها مسجونة بصفة مؤقتة في الجسم بحيث أنها تعود مرة أخرى بعد الموت إلى موطنها السابق.

  وقد ترتب على هذه النظرية تطبيقات تربوية عديدة، فنظرية المعرفة القائمة على تقديس العلوم النظرية والعناية بالعقل وتهذيبه بالمعرفة النظرية المجردة والترفع عن النواحي الجسمية والمادية وأن الهدف من تنمية العقل وتدريبه هو الوصول إلى الأفكار القديمة التي كان يعرفها من قبل، وأن تنميته وتدريبه تتيح له أن يزيل الحجب ويكشف الأستار حتى يتصل بالعالم الآخر، ويظهر تأكيـد هـذه الفلسفة أهمية العقل، وترفض إمكانية الحصول على المعرفة من غير العقل، بمعنى أن الحقيقة لا وجود لها إلا في العقل.

  وقد استخدمت هذه الفلسفة الأسلوب السقراطي (توليد الأفكار) مع التلاميذ للوصول إلى المعرفة الذي يتلخص بأن يضع المعلم تلاميذه في موضع الحيرة والشك عن طريق محاورتهم بسؤال من أجل الوصول إلى المعرفة الحقة الكامنة في العقل؛

الهوامش:

1)العمايرة، مرجع سابق، ص ص : 258 - 264.

الصفحة 127


لذلك كان اهتمامهم واضحاً بالتربية العقلية، كالفلسفة والرياضيات لكونهما تمكنا المتعلم من التعامل مع المجردات، وكذلك التاريخ والأدب لأنهما مصدر الثقافة والأخلاق، أما علوم الطبيعة والحيوان وتلك التي تتعامل مع السبب والنتيجة فإنها تمثل مكانة أقل .

والمنهج عند أصحاب هذه الفلسفة ثابت غير قابل للتطور، ويتم نقله من جيل لآخر. ومن أنصار هذه الفلسفة فخت وهيجل،  وفروبل ،  ووليم هارس وغيرهم.                                                                                                                                                            


2. الفلسفة الواقعية :

تتلخص نظرة هذه الفلسفة للإنسان على أنّه مزيج من المادة والروح، وأن الروح والجسد تشكلان طبيعة ،واحدة والعالم الميتافيزيقي يمثل الواقع، وأن الحقيقة موجودة فيه، أي أن الحقائق مصدرها الواقع، وأن الواقع هو الذي يمثل أوامره على العقل وليس العكس، وتؤمن هذه الفلسفة بالحقائق الخالدة الثابتة التي لا تقبل البديل أو التغير مهما اختلفت الظروف. ويستطيع الإنسان اكتشاف الحقيقة باستخدام التجربة والأساليب العلمية والحقيقة عندهم موجودة، والواقع موجود سواء أدركه العقل الإنساني أم لم يدكه، والإنسان في محاولته معرفة الواقع وإدراكه قد يصل إلى طبيعة الأشياء مثلا : تركيب المجتمع ومكونات العالم... الخ، وهذا يرجع إلى إيمانهم بالعلم المادي وبقدرة الإنسان على معرفة الأشياء وإدراكها من خلال حواسه أو من خلال عقله، ومصدر القيم عند الواقعيين هوالعقل بمعنى أنّ الإنسان يستطيع أن يكشف القيم باستخدام الأسلوب العلمي. وقد انعكست نظرتهم الفلسفية على المنهج، فهم يرون أن المنهج، يجب أن ينظم في صورة موضوعات أو مواد منفصلة من منطلق أن ذلك يساعد في تنظيم العقل وفي عمليات تصنيف متطورة للمعرفة حسب وجهة نظرهم فتنظيم التاريخ أو الجغرافيا أو الكيمياء ، أو الجبر مثلاً يتضمن مجموعة من المفاهيم المترابطة، كما يتضمن مجموعة من الموضوعات، وهذه كلها يمكن شرحها لتفسير الخبرة الإنسانية، وكل مجال من هذه المجالات يشكل نظاماً من المفاهيم في إطار وتركيب من المعاني المترابطة أيضاً فمثلا تنظيم الحكومات يمكن أن يدرس إطار 

الصفحة 128

العلوم السياسية ومجالاتها، أما الخبرات السابقة للإنسان فيمكن أن تدرس من خلال علم التاريخ.

وتتجه هذه الفلسفة نحو مسؤولية المدرسة في تحصيل الحاجات المعاصرة، وذلك بتدريس المهارات الضرورية، وترى أنه يجب التركيز على مهارات القراءة والكتابة والحساب في المدارس الابتدائية، أما الحساب والعلوم والتاريخ واللغة القومية واللغة الأجنبية فيجب التركيز عليها في المدرسة الثانوية والجامعة. وهذه هي أبواب التربية المعاصرة حسب رأيهم. ومن فلاسفة هذه المدرسة : أرسطو و الأكويني و بستالوزي.

3. الفلسفة البراجماتية:

  تنظر هذه الفلسفة للطبيعة الإنسانية على أنّها مرنة وطيّعة، وتنظر للفرد على أنه متكامل، فعقله وجسمه ومشاعره ليست أجزاء منفصلة بل هي خصائص لعنصر متكامل، والهدف الأساس للتربية عندهم هو تنمية الذكاء لأنّه أداة الحياة والتقدم فيها، والعقل عندهم أداة تساعدنا في فهم العالم الخارجي و السطيرة عليه.

   والعقل أو العلة هي وظيفة الكائن كله وليست وظيفة عضو واحد في الجسم، والعالم في نظرهم عالم نسبي غير ثابت وهو في حالة تغير وخلق مستمر وهو خاضع للتجربة والبحث العلمي ومستحيل على الإنسان أن يصل إلى حقيقة ثابتة لا تتغير في حدود العالم الذي تعيش فيه، وقالوا أنّ الحقيقة نسبية وقابلة للتغير، والمعرفة عملية تفاعل بين الإنسان وبيئته.

  وتؤمن هذه الفلسفة بالأسلوب العلمي وتطبيقه والعقل يستطيع حل المشكلات من خلال استخدام التجريب والطرق العملية السليمة، وترى هذه الفلسفة أن مشكلات العالم والإنسان يجب أن تكون موضع الدراسة والاهتمام، وأنّ الإصلاح الاجتماعي أمر ممكن ، وقالوا إن الخبرة الإنسانية داخلية وخارجية، ويمكن تعديل الداخل عن طريق الخارج، أي أنهم يؤكدون الجانب الاجتماعي للطبيعة البشرية، وإمكانية تشكيل الإنسان بالتفاعل الواعي مع الآخرين.

الصفحة 129

وقد انعكست أفكار هذه الفلسفة على نظريتهم التربوية، حيث يؤكدون على التغير والتطور، وأنّ الإنسان يستطيع أن يتحكم في المستقبل أو على الأقل المساعدة في تشكيله عن طريق استخدام الخبرة الإنسانية في السيطرة على البيئة، ويرون أن التربية يجب أن تساعد الناس في التعرف على خبراتهم وبنائها واستخدامها لترقية ظروف الحياة من حولهم، وأن تعد الصغار للحاضر والمستقل ليكونوا مؤهلين للعيش في عالم متغير وللعمل على رفع مستوى النوع الإنساني.  

  وكذلك انعكست نظرتهم الفلسفية على المنهج الدراسي، حيث جاء المنهج البراجماتي مرنا وقابلا للتغير والنمو، وجاءت المادة الدراسية عندهم مرتبطة بعالم متغير وليس فيها ثابت بمعنى ضرورة أن يعاد النظر فيها نظراً لعدم ثبات العالم، والتربية أسلوب عمل لحل المشكلات التي تظهر للناس في تعاملهم وتفاعلهم مع بيئاتهم ومجتمعاتهم، والمعلومات التي يحتاج إليها لحل المشكلات التي تواجه الناس لا تأتي من مصدر واحد ولكنها تأتي من مصادر متعددة، والمعرفة في حد ذاتها ليست كافية في مادة دراسية واحدة، أو تنظيم دراسي واحد ، فروافدها متعددة.

  لا تؤمن الفلسفة البراجماتية بالفصل المدرسي بمعناه السائد، والمنهج عندهم خبرات نشطة، وليس مجموعة مواد دراسية، ومن ثم وضعوا ما يسمى (بطريقة المشروع التي ألغيت فيها الفواصل بين المواد وامتلأت بالأنشطة المختلفة التي تضع المعلم في المواقف العملية التي يمارس فيها نشاطاً ما يكسبه مهارة أو مهارات، وقيمة أو قيماً.

  ومن أبرز فلاسفتها : وليم جيمس، وجون ديوي وغيرهم.


4. الفلسفة الإسلامية:

  كانت نظرة الفلسفة الإسلامية للإنسان نظرة متكاملة بمعنى أنه ليس جسماً فقط أو روحاً فقط؛ بل هو مزيج من جسد وروح وعقل، وهو وحدة متكاملة قائمة على امتزاج بين المادة والروح والإمام الغزالي (ت.  505هـ)

الصفحة 130

 

لا يفصل بين ما هو نفسي وما هو جسمي، وأن العلاقة بين النفس والجسم علاقة تبادلية وتفاعلية تتميز بالوحدانية والتكامل.

 

 وقد انعكست نظرتهم للطبيعة الإنسانية على أهداف التعليم عندهم، بحيث لم يقتصر هدف التعليم على تنمية العقل وتدريبه، وإهمال الجسم باعتباره معوقاً لعمل العقل؛ بل اهتمت التربية عندهم بالجسم في إطار تربية الإنسان لارتباط الجسم بالعقل والنفس، وكان طابع التعليم عندهم دينياً دنيوياً لإعداد الإنسان العملي في الدنيا والآخرة، وكانوا ينطلقون في توجههم من فكر إسلامي، وفي القرآن الـكـريـم مـا يدل على ذلك، قال تعالى:( وَابْتَغِ فِيمَا أتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةُ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) القصص 77. وجاء في الأثـــر " لـيـس خياركم من ترك الدنيا للآخرة، ولا من ترك الآخرة للدنيا، ولكن خياركم من أخذ من كل"(1).

  وقد انعكست هذه النظرة على موقفهم من المعرفة وأدوات تحصيلها، وترى أن العقل والحواس معاً وسيلتان في الكشف عن طبيعة المعرفة الإنسانية ومكوناتها، وأنّ المعرفة تتألف من نشاطين رئيسين أحدهما يتمثل في الآثار الوافدة من العالم الخارجي، وثانيهما يتمثل في فاعلية العقل ودوره في تحويل هذه الآثار الحسية إلى معان ومفاهيم وقوانين عقلية عامة، وقالوا بتكامل المعرفة الكلية والجزئية وأن المعرفة الجزئية طريق للمعرفة الكلية، والمعرفة الحسية طريق للمعرفة العقلية، وقد قال ابن تيمية (ت 728هـ) ، " أن وظيفة العقل هي معرفة الكليات بواسطة الجزئيات، وألا نكون قد ألغينا العقل، وإلا كيف يأتي العلم الكلي، كما الطبيعة نفسها ليست إلا الانتقال من المعرفة الحسية إلى المعرفة العقلية وليس العكس، بدليل أن المعرفة الحسية الجزئية عند الطفل مقدمة على المعرفة العقلية لمعرفة الكليات".


الهوامش:

1) البغوي الحسين بن مسعود ، شرح السنة، تحقيق : شعيب الأرناؤوط - محمد زهير الشاويش، الطبعة

الثانية) ، الجزء: 16، دمشق: المكتب الإسلامي. 


الصفحة 131


الوحدة الخامسة

بعض القضايا المرتبطة بالتربية

بعض القضايا المرتبطة بالتربية

  ترتبط التربية ارتباطاً وثيقاً بكثير من القضايا التي تعد مرتكزاً مهما للتربية، فمن هذه القضايا "طبيعة المعرفة"، التي تُعدُّ مرتكزاً أساسياً للعملية التربوية ولا يمكن أن يستغني عنها المربون والمشتغلون بالتربية بل يستحيل بدونها عملهم والقيام بدورهم ومن هذه القضايا " القيم التي لها دور كبير في عملية التربية، إذ أنّ القيم تعد بمثابة ركيزة أساسية في عمليات التنشئة الاجتماعية التي من خلالها يتطبع الأفراد بمكونات النظام القيمي السائد في المجتمع. ومن القضايا المرتبطة بالتربية أيضاً " الخبرة" إذ أنَّ مهمة التربية تتمثل في نقل الخبرات للأطفال حتى يعدوا للحياة وتتحقق أهداف التربية المنشودة.

  وسيتم تناول هذه القضايا وعلاقتها بالتربية بشيء من التفصيل على النحو الآتي:

أولاً : التربية وطبيعة المعرفة

  تعرف المعرفة بأنّها : مجموعة من المعاني والمعتقدات والأحكام والمفاهيم والتصورات الفكرية التي تتكون لدى الإنسان نتيجة محاولاته المتكررة لفهم الظواهر والأشياء المحيطة به(1).

والمعرفة قد تكون معرفة مباشرة وهي التي تكتسب عن علم ودراية، أو غير مباشرة وهي التي تكتسب بواسطة وسائل أو طرق غير مباشرة كالكتب والمجلات. وقد تكون معرفة ذاتية وهي تلك التي تعكس أو تتعلق بذاتية الإنسان العارف ونفسيته وانفعالاته، أو موضوعية أي تعكس طبيعة موضوع المعرفة ومجالها، ومن العلماء من قال بأنّها ذاتية وموضوعية في آن واحد.

  ولعل طبيعة المعرفة تتضح من خلال ما تعكسه الفلسفات المثالية والواقعية و البراجماتية والإسلامية عن مفهوم المعرفة في كل منها:

الهوامش:

1) أبو جلالة وزميله ص 265

الصفحة 134

1. الفلسفة المثالية: ترى أن المعرفة الحقيقية هي نتاج العقل وحده والحقيقة الصحيحة تكمن في عالم المثل، وليس في عالم الواقع والمعرفة لا تتمثل في ظواهر الأشياء أو مظاهرها الخارجية بل في جوهرها.

2. الفلسفة الواقعية : ترى أن المعرفة تكمن في واقع الأشياء و وهي مستقلة عن الإدراك والعقل، فما نراه أو نسمعه هو حقيقة الأشياء وجوهرها ، فالواقع هو الذي يملي على العقل تكوين الحقائق والأفكار وليس العكس.

3. الفلسفة البراجماتية : تعطي للعقل دوراً كبيراً في المعرفة ، والإنسان بعقله لا يقتصر على استقبال المعرفة؛ بل يصنعها، فهي تفاعل بينه وبين بيئته وبذلك فهي نسبية وقابلة للتغيير بتغير الظروف والبيئات المحيطة.

4. المعرفة في الإسلام: هي نتاج العقل والحواس معاً وأن المعرفة العقلية والمعرفة الحسية تكملان بعضها بعضاً. والمعرفة من جهة أخرى محددة في إطار حواس الإنسان، وهي مطلقة في إطار تأمل الإنسان في الكون وفي نفسه.

  يرى الإسلام أن المعرفة من خلق الله عز وجل يتفضل بها على من يشاء من عباده قال تعالى : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْباَبِ ) البقرة : 269، والمعرفة الحقيقية في التصور الإسلامي هي المعرفة القائمة على أساس من تقوى الله إن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَانًا الأنفال : 29، فالإنسان لديه نزوع فطري للمعرفة وبإمكاناته وصفاء ذهنه وبتوفيق من الله يصل إلى المعرفة.

  وتحظى المعرفة بمكانة مهمة في الفكر التربوي الإسلامي وهي لا تقف عند الجوانب المادية والمعنوية فقط فجميع المعارف و الحقائق لها قيمتها مادامت في مصلحة الفرد والجماعة و لا تتعارض ومبادئ الدين الإسلامي فالإسلام يتضمن المعارف المجردة المعنوية و الغيبية كما يؤكد على التجربة. 

الصفحة 135 


  و المعرفة في الإسلام منها ما هو ثابت ومنها ما هو متغير، والمعرفة الثابتة تتركز في المبادئ والقيم الموحى بها من عند الله سواء وردت في القرآن، أو على لسان رسول الله وما عداها من المعارف متغير و التغيير سنة من سنن الله في

الكون.

  أما وسائل المعرفة في الإسلام فتتمثل في : العقل والحواس والتجريب وانقسم علماء الإسلام إلى فريقين:

   أحدهما يرى أن المعرفة فطرية توقيفية : أي أنها توقيف من الله تعالى علـى عبده بمعنى أن الحقائق و المعلومات موجودة كلها لدى الإنسان حين يولد ولكنها كامنة في نفسه مضمرة فيها فقط تحتاج إلى تحريك و إثاره لكي تخرج إلى حيز الوجود.

  أما الفريق الأخر فيرى أن المعرفة مكتسبة وليست فطرية : و يستدلون على ذلك بقول الله تعالى: ( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصَرَ وَالْأَفْئِدَةً لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) النحل : 78، و يحدد ابن سينا ثلاثة أساليب لاكتساب المعرفة هي معرفة بالفطرة ومعرفة بالفكرة و معرفة بالحدس، أما الغزالي فيرى المعرفة نوعين : نوعا محسوسا يتم عن طريق الحواس، ونوعا معقولا يتم عن طريق العقل .

كما شغل علماء الإسلام بالحديث عن أنواع المعرفة وقد صنفوها إلى خمسة أنواع: 

أ. المعرفة اللدنية: وهي المعرفة التي يكشفها الله تعالى للإنسان و يلهم بها بعض المختارين من عباده ويوحي لهم بتعاليمه ليحملوها إلى الناس وتنشر بين جميع الجنس البشري قال تعالى ( وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ) البقرة : 255 .

ب.المعرفة الوثقى: وتصدر من كبار العلماء و المتخصصين ومن بينها : المعرفة الموجودة في دوائر المعارف و أمهات الكتب و الرسائل العلمية 

الصفحة 136



  والمطبوعات المتخصصة فهذه جميعا مصادر موثوق بها ونعتمد عليها في كثير من معرفتنا.

ج. المعرفة المنقولة: يعد النقل عن السلف مصدرا من مصادر المعرفة في الإسلام إذ إنها تمثل خلاصة تجاربهم و عصارة أفكارهم    وثمرة اجتهاداتهم؛ لذلك فهي تفيد الأجيال اللاحقة بما تقدمه لهم من تراث ثقافي و فكري أصيل يمكن أن يمدهم بأساس علمي و معرفي   قـوي يبنون عليه اجتهاداتهم فيما يستجد من أمور حياته في مختلف المجالات.

د. المعرفة العقلية : وهي المكتسبة عن طريق العقل و التأمل الفكري وما يرتبط به من تحليل وتركيب وقياس وربط واستنتاج،  والمعرفة العقلية معرفة مجردة تتناول عالم العلاقات والمعاني وهي معرفة لها حدودها.

ه. المعرفة الحسية: وهي المعرفة التي تأتي عن طريق الحواس وهي تساعد الفرد في إدراك ما يحيط به من ظواهر طبيعية.

وسائل اكتساب المعرفة(1) :

  انقسم العلماء بالنسبة لموضوع اكتساب أو تحصيل المعرفة، فأصحاب المذهب العقلي والمذهب التجريبي قالوا بأنّ لدى الإنسان القدرة على معرفة الأشياء إما بواسطة التفكير والعقل أو بواسطة الإدراك الحسي وهي سواء كانت عقلية أم حسية أم تجريبية صادقة وموثوق بها.

  وأما أصحاب مذهب الشك فهم ينكرون قيام أو وجود المعرفة أصلاً، و ومن ثم إمكانية تحصيلها والفرد هو مقياس المعرفة بنظرهم.

  أما طرق تحصيل المعرفة فقد انقسم الفلاسفة والعلماء إزاء ذلك إلى قسمين(2):

الهوامش :

1) المرجع السابق نفسه، ص: 371.

2) المرجع السابق نفسه ، ص: 272. 

الصفحة 137 


  1. العقليون: قالوا بأنّ المعرفة يمكن أن تحصل أو تكتسب عن طريق العقل وليس الحواس، وأنّ المعرفة العقلية هي المعرفة التي يمكن أن نثق بها ، بينما المعرفة المتحصلة عن طريق الحواس لا يمكن الاطمئنان إليها لأنّ الحواس مضللة وخداعة في كثير من الأحيان.
  2. الحسيّون والتجريبيون: قالوا بأنّ المعرفة التي تكتسب أو تستمد عن طريق الحواس والإدراك والتجربة هي المعرفة الصادقة وزادوا على ذلك بأن العقل نفسه يعمل في إطار ما تمده به الحواس.
  3. أما الفلاسفة المسلمون: فقالوا بأن العقل والحواس معاً وسيلتان متعاونتان لتحصيل المعرفة الإنسانية والكشف عن مكوناتها وأن المعرفة نفسها تتألف من نشاطين رئيسين:

          - الأول: يتمثل بالآثار والمدركات الخارجية ( الحسية).

          - والثاني: يتمثل في دور العقل وفاعليته في تحويل تلك الآثار والمدركات إلى مفاهيم وقوانين ومعان، فالحواس هي سبيل ما      يصل إلى الفكر من معان ومفاهيم واستنتاجات والفكر يقوم بدوره في تحديد هذه المعاني

وبلورتها بدقة.

          التطبيق التربوي لفلسفة المعرفة(1) :

من المؤكد أنّ المعرفة نفسها تُعدُّ ذات قيمة كبيرة في حياة الإنسان سواء من الناحية الإنسانية أو من الناحية التربوية. فمن الناحية الإنسانية فإن المعرفة هي وسيلة للتأكيد على إنسانية الإنسان بتحصيله واكتسابه المعرفة، ذلك لأن من خصائص هذه المعرفة أنها إنسانية الطابع أي تتعلق بالإنسان، وتقتصر عليه لوحده دون سائر المخلوقات الأخرى، فهي نعمة عظيمة أنعمها الله على الإنسان ومنحه إياها منذ لحظات الخلق الأول للبشر حين علم سيدنا آدم " الأسماء كلها" ونتيجة لذلك الحوار البارع تخرّ الملائكة ساجدة عدا إبليس الذي استكبر وأبى السجود وفي مطلع سورة العلق( أَقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ )- العلق 1 - 2.

الهوامش:

  1. المرجع السابق نفسه، ص ص : 273 - 274.

الصفحة 138



  ومن الناحية التربوية فإن المعرفة مرتكز أساسي للعملية التربوية ولا يمكن أن يستغني عنها المربون والمشتغلون بالتربية بل يستحيل بدونها عملهم والقيام بدورهم.

وفلسفة التربية تؤثر في التربية تأثيراً كبيراً يمكن أن يتوضح في النقاط الآتية:

 1. تساعد فلسفة المعرفة في تحديد المحتوى المعرفي والتعليمي الذي يقدم للمتعلمين من خلال المناهج الدراسية لمختلف المراحل التعليمية وذلك في ضوء الاعتبارات الآتية :

   أولاً : الاعتبار الديني والخلقي : أي قيمة المحتوى المعرفي التعليمي في التربية الجسمية والعقلية والنفسية والخلقية، نتيجة الإيمان بالله وبلوغ الكمال الإنساني في السلوك الفردي والجماعي.

   ثانياً : الاعتبار الثقافي إي قيمة المحتوى المعرفي في تثقيف العقل وتزويد الإنسان بالمعرفة الضرورية التي تمكنه من القيام بدوره في المجتمع وتكوين الاتجاهات الإيجابية لديه في التفكير والتعقل وحب العلم والمعرفة.

  ثالثاً : الاعتبار الوظيفي أي قيمة المحتوى المعرفي في تزويد المتعلم بالمهارات

المعرفية والعملية الضرورية لكسب عيشه والاعتماد على نفسه وتحقيق مستقبله والقيام بوظيفته في المجتمع كمواطن صالح ومنتج.

2.  مساعدة التربويين في التأكيد على أنماط المعرفة المختلفة، الدينية والعقلية والحدسية والتجريبية والنقلية بشكل يؤكد وحدة المعرفة وتكاملها ، وذلك من خلال الاهتمام بجميع جوانب شخصية الطفل ومكوناتها الجسمية والعقلية والوجدانية وكذلك البيئة الطبيعية والاجتماعية حسب المواد التي يقومون بتدريسها، فلكل نوع أو نمط من أنماط المعرفة تخصص أو مقرر يناسبه أكثر من غيره، فالمعرفة الدينية تكون أكثر استخداماً في المواد الدينية والمعرفة العقلية تكون أكثر من المواد العلمية والرياضية وهكذا.

3.  تبصير التربويين والمشتغلين بالتربية بضرورة مراعاة طبيعة المعرفة ومستواها للمرحلة التعليمية التي يمر بها المتعلمون بحيث يختار من المعارف ما يناسب كل مستوى تعليمي مع أفضل الطرق وأسهلها وأنسبها في تقديمها وتوصيلها لهم.

الصفحة 139


ثانياً : التربية والقيم


  إن الإنسان بما وهبه الله من عقل وقدرة على محاكمة الأمور يتمتع بأقصى مرونة في تقييم الأشياء والأفكار والقضايا التي يتعامل معها في حياته اليومية، حيث تتأثر عملية التقييم هذه بما يتعرض له الفرد ويعايشه في بيئته وبخبراته التي يمر بها والانطباعات والمعتقدات والتصورات التي يحملها في ذهنه بحيث يطور في النهاية نظاماً معقداً لتقييم الأمور ييسر له حياته ويساعده في اتخاذ قراراته وتنظيم أفكاره، وهذا النظام هو ما نسميه مجموعة أو منظومة القيم التي يمتلكها الفرد.

  والقيم تمثل قناعات أساسية وتحتوي على مضامين خلقية تعبر عن أفكار الفرد حول ما هو صواب وما هو غير ذلك حيث تلعب هذه القيم دوراً كبيراً في سلوكه وتصرفاته.

  وتهتم الفلسفة بموضوع القيم وطبيعتها ومصادرها، ويطلق على العلم الذي يبحث في موضوع القيم اسم " الأكسيولوجيا Oxiology" 

  والقيم هي مجموعة من القوانين والمقاييس تنبثق من جماعة ما وتتخذها معايير للحكم على الأفعال والتصرفات وتكون لها من القوة والتأثير في الجماعة بحيث يصبح لها صفة الإلزام والعمومية وأي خروج عليها أو انحراف عن اتجاهها يعد خروجاً عن مبادئ هذه الجماعة ومثلها العليا. وبعبارة أخرى يقصد بالقيم بأنها المعايير التي تحكم على سلوك الفرد واستجاباته للمواقف المختلفة.(1)

  وتعرف القيم في التربية الإسلامية بأنها : ( صفات إنسانية إيجابية راقية مضبوطة بضوابط الشريعة الإسلامية تؤدي بالمتعلم إلى السلوكيات الإيجابية في المواقف المختلفة التي يتفاعل فيها مع دينه ومجتمعه، وأسرته، في ضوء معيار ترتضيه الجماعة لتنشئة أبنائها وهو الدين والعرف وأهداف المجتمع، وتصبح هذه القيم تربوية كلما أدت إلى النمو السوي لسلوك المتعلم، وكلما اكتسب

الهوامش:

1)المرجع السابق نفسه، ص: 275.

الصفحة 140


بفضل غرسها في ذاته مزيدا من القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ ، وبين الخير والشر ، وبين القبيح و الجميل ... الخ ) (1).

  وبذلك يمكن استخلاص بعض خصائص القيم والتي منها (2):

1.  وسيلة ضبط النفس وتوجيه الشعور الداخلي.

2.  وسيلة للحكم على سلوك الفرد.

3.  وسيلة لتزويد الفرد بالوعي لمحاكمة الأمور والتمييز بينها.

4.  تشكل إطاراً عاماً للجماعة وأسلوب رقابة داخلية لها على حركاتها

وتصرفاتها.

  ولم يظهر الاهتمام بدارسة القيم إلا في العقود الأخيرة من القرن العشرين ويرجع ذلك إلى سببين رئيسيين:

  الأول: التقدم العلمي والتكنولوجي وما تبع ذلك من تغير ثقافي في كثير من المفاهيم والقضايا الحياتية بحيث أخذت كثير من القيم الموروثة والمكتسبة تتجه نحو التذبذب وعدم الاستقرار ولجوء بعض الأفراد وخاصة الشباب إلى الثورة والتمرد على كثير من تلك القيم.

  الثاني: عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي أخذت تلجأ إليها المجتمعات العربية الذي أدى إلى هجر بعض القيم السائدة في المجتمع نتيجة دخول قيم جديدة تنسجم وعمليات التنمية المختلفة.

  والقيم أنواع كثيرة منها القيم المادية والقيم الاجتماعية والقيم العقلانية والقيم الأخلاقية والقيم الجمالية والقيم الدينية والقيم الاقتصادية والقيم السياسية.

مصادر القيم :

  هناك ثلاثة اتجاهات حول مصادر القيم:

  الاتجاه الأول: يرى أن مصدر القيم هو الإنسان فهو مقياس كل شيء، وهو الذي يحدد الخطأ من الصواب والقبيح من الجميل ولأنه هو الذي يجعل لأي قيمة من القيم معنى بقبولها والالتزام بها.

الهوامش :

1) شريفي، عصام ، (دت) ، القيم الإسلامية - مفهومها - مصادرها خصائصها ، موقع حب الإسلام، متوفر على

الرابط :  www.islam-love.com.

(2)أبو جلاله وزميله، مرجع سابق، ص ص :275 - 276.

الصفحة 141


  الاتجاه الثاني : يرى أن مصدر القيم هو الطبيعة وقوانينها التي تتطلب أن تكون هناك قيم تتفق والعقل وطبيعة الأشياء، فالحق حق والعدل عدل؛ لأنّ الحياة لا تستقيم إلا بهما.

  الاتجاه الثالث: الإسلام الذي يذهب إلى أنّ مصدر القيم هو الدين الذي هو مصدر كل القيم؛ لأنّه دستور المسلمين الجامع والشامل لكل القضايا التي تتعلق بحياة الإنسان .

نظرية القيم :

  تتناول نظرية القيم دراسة القيم من حيث الموضوعات الرئيسة الآتية :

1. القيم ذاتية أم موضوعية :

فالقيم الذاتية هي القيم التي تتحدد في ضوء الرغبة الشخصية التي تضفي قيمة على الشيء موضوع الاعتبار والتقدير، والقيم الذاتية هي من صنع الإنسان وتختلف تبعاً لشخصية الفرد وظروفه. أما القيم الموضوعية فهي قيم عامة لجميع الناس وهي تستدعي التقدير بغض النظر عن رغباتنا الشخصية وقد ينظر إليها كحقائق مستمدة من طبيعة الكون والحياة.

  والقيم في الشريعة الإسلامية قيم موضوعية وليست ذاتية وهي لذلك لا تخضع لتأويل الفرد ورغباته وهي لا تتأثر بالظروف والأحوال ولا تكون خاضعة لمآرب وتحقيق المنافع الشخصية.

2. القيم ثابتة أم متغيرة:

  تعد القيم إما مطلقة ،وأزلية وإما متباينة ومتغيرة. فالقيم المطلقة قيم ثابتة لا تتغير من مجتمع إلى مجتمع أو من جيل إلى جيل ربما لأنها مستمدة من طبيعة الكون وهي انعكاس لحقائق الكون. أما القيم المتغيرة فهي قيم مرتبطة بحاجات الإنسان فهي ذات صفة نسبية (تختلف من شخص إلى آخر كماً ونوعاً) وشخصية، ويتوصل إليها بطريقة تجريبية بحيث تتشكل وفق معايير الفرد من خلال تفاعله الاجتماعي مع الآخرين ومع بيئته.

الصفحة 142

  

  أما القيم الإسلامية فهي من حيث ثبوتها وتغيّرها تصنف إلى نوعين هما :

 أ. قيم فوقية : وهي القيم المرتبطة بأصول الدين والشريعة الإسلامية حيث بينها الله سبحانه وتعالى من حيث الخير والشر والحق والباطل، والصواب والخطأ، وهي بذلك قيم مطلقة وثابتة خالدة لا تتغير بتغيّر الأزمان والأحوال ولا مجال للاجتهاد والتأويل بل يجب تقبلها والإيمان بها والتسليم بها والعمل بمقتضاها لأنها تمثل الحقيقة والمعرفة الربانية.

ب. قيم اصطلاحية : وهي القيم التي ترتبط بأمور لم يرد فيها نص أو تشريع صريح، وهي قيم نسبية متغيرة بتغير الظروف والأزمان، وقد اصطلح الناس عليها لتتناسب مع أحوالهم وشؤونهم في حياتهم الدنيا، ومجال الاختيار بالنسبة للإنسان مفتوح بالعمل أو عدمه في ظل هذه القيم الاصطلاحية.

 ج. هل القيم متدرجة : لاقى موضوع تدرّج القيم اختلافاً كبيراً بين الفلاسفة والمفكرين، فكل ينظر إلى هذا الموضوع من زاوية الفلسفة التي يؤمن بها في ضوء مبادئها وأفكارها . فبعض الفلاسفة يلتزمون ببناء شبه ثابت للقيم، والبعض الآخر يرفض إقامة تدرج أو تسلسل للقيم، فالفلسفة المثالية تؤمن بوجود سلم ثابت للقيم تحتل القيم الروحية فيه مكاناً أعلى من القيم المادية لأنّها تساعد على تحقيق الهدف الأسمى للحياة وهي تمثل النظام الروحي ( المثالي) والاتحاد معه، ذلك لأن الإنسان عنـدهـا كـائـن روحـي يمارس حرية الإرادة ومسؤول عن تصرفاته. والفلسفة الواقعية ترى أيضاً بوجود سلم ثابت للقيم تحتل القيم العقلية والتجريبية الحسية أعلى مرتبة لأنها تساعد على التوافق مع الواقع وقوانين الطبيعة والمنطق.

  أما الفلسفة البراجماتية فتخالف المثالية والواقعية بإيمانها أن القيم ليس لها سلم متدرج ثابت، فالقيم نسبية وهي تقاس بمنفعتها وربما يعود على الفرد والمجتمع منها من خير وفائدة، فالقيم عند البراجماتيين ذاتية وليست موضوعية، وأن جميع القواعد الخلقية والجمالية عرضة للتغير عبر التطوّر الثقافي والاجتماعي.

الصفحة 143


  وفي الفلسفة الإسلامية للقيم سلم ثابت متوازن يجمع بين القيم الروحية التي يأتي الإيمان في مقدمتها وبين القيم المادية المتعددة والتي هي تطبيق للقيم الروحية في إطار تنتظم فيه علاقة الفرد مع ربه ومع نفسه ومع بقية أفراد مجتمعه.

فلسفة القيم وتطبيقاتها التربوية:

  لفلسفة القيم دور كبير يمكن أن تلعبه التربية على النحو الآتي:

 1. تحديد الأهداف التربوية المراد تحقيقها باعتبارها قيماً واتجاهات مرغوبة وتستخدم كموجهات ومعايير للتقدم والرقي.

2. تكون بمثابة ركيزة أساسية في عمليات التنشئة الاجتماعية التي من خلالها يتطبع الأفراد بمكونات النظام القيمي السائد في المجتمع.

3.تحدد المداخل والفعاليات التربوية لتكوين قيم إيجابية مرغوبة تساعد على المشاركة الفعالة في الحركة والتنمية والتطوير مثل قيم التعاون والتوفير والترشيد والمشاركة والإيثار والانتماء والحس الوطني والاجتماعي، وذلك من خلال تضمينها في المحتوى والأساليب والطرق التي تشملها علمية التربية والتعليم.

4. الكشف عن القيم الاجتماعية والفردية السلبية التي تناهض حركة التنمية والتطوير المحلية والقومية وتكبل طاقات الأفراد مثل قيم الأنانية والفردية والكسب غير المشروع والإسراف والتبذير والفساد والانتهازية وغيرها.

  وهكذا فإنّ فلسفة القيم تدخل في كل نشاط تعليمي يؤثر فيه، وأن محتويات أي برنامج تعليمي في أي مجتمع ينبغي أن تؤخذ من المنظومة القيمية لهذا المجتمع ومن مجموعة الأفكار والمعتقدات والمبادئ الأخلاقية

التي يؤمن بها.

الصفحة 144


ثالثا : التربية والخبرة

  يحتاج الإنسان في حياته إلى اكتساب المهارات والعادات والاتجاهات، وأساليب التفكير لمواجهة مشكلات الحياة، ومواجهة مواقفها. وقد كان الأنسان يكتسب هذه الأشياء بطريقته البدائية البسيطة التي تقوم على التقليد والممارسة العملية، ومشاركة غيره، وبذلك كان الإنسان يتعلم الحياة عن طريق ما يسمى بالخبرة المباشرة(1).

  وعندما تغيرت الأمور ، وتطورت الحياة واتسعت الخبرة لم يستطع الإنسان أن يواجه الحياة بنفس الأسلوب السابق، وأصبح من الضروري أمامه أن يساير ركب الحياة ، وتغيراتها، وأن يساعد الأطفال على الاستفادة منها في كسب ما يحتاجون إليه من مهارات ومعلومات واتجاهات وعادات؛ لذلك أنشئت المدارس لتقدم للإطفال المعلومات، وتيسر لهم سبل الاستفادة من خبرات السابقين، وتعدهم للحياة في عالم سريع متطور(2).

  وقد اعتمدت المدارس على الكتب والمناهج وما تحتويه من معلومات مجردة ونظريات، أكثر من اعتمادها على الخبرة المباشرة التي يكتسبها الفرد من تفاعله مع البيئية التي يعيش فيها، لهذا كان من نتيجة ذلك أن باعدت المدرسة بين التلميذ وبيئته، ومن ثم بينه وبين مجتمعه.

  عزيزي الطالب، فماذا يقصد بالخبرة ؟ وما الفرق بينها وبين المعرفة؟

   دعني أجيبك فأقول : إنّ الخبرة هي التجربة الحيّة التي يعيشها الإنسان في مواقف حياته المتعددة. أما المعرفة فهي مجرد الإحاطة بالمعلومات التي يكتسبها الإنسان عن أمور حياته ومكوناتها . والمعرفة تُستقى من مصادر متعددة، فقد يكتسبها الإنسان من تجربة يمر فيها، كما يكتسبها سمعاً أو قراءة. والمعرفة تتناول العقل والذاكرة، أما الخبرة فيعيشها الإنسان بجسمه وحواسه وعقله ونفسه(3).

الهوامش :

  1. الطبيب، مرجع سابق، ص: 185 
  2. المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
  3. الدمرداش، عبد المجيد سرحان (1983)، المناهج المعاصرة، (الطبعة الرابعة)، الكويت: مكتبة الفلاح، ص

ص: 31_ 32

الصفحة 145


معايير الخبرة :

  هناك عدة معايير رئيسة للخبرة أوردها الطبيب (1) من أهمها :

1. الاستمرار:

  فالخبرة حلقة من سلسلة متصلة الحلقات من حياة الإنسان، وكل خبرة ترتبط بالخبرة السابقة لها وتنظم إليها، وغالباً ما تضيف إليها معلومات وخبرات جديدة، وهذه الخبرة تكون أساساً لخبرات جديدة مستقبلية، ولهذا يرتبط نمو الإنسان بالخبرة؛ فبزيادة النمو تزداد الخبرة والمعلم يجب أن يضع هذا الأساس في اعتباره، بأن يربط بين الموقف التعليمي الجديد وما سبق للتلميذ أن تعلمه، وأن يتأكد من أن تلاميذه على وعي وصلة بما قدمه لهم مع ما سبق أن قدمه لهم من دروس.

2. التفاعل: 

والتفاعل بين الفرد والبيئة هو أساس الخبرة بل إن الخبرة في مفهومها ماهي إلا عملية تفاعل بين الفرد وبيئته من خلال الموقف الذي يمر به، وهذا التفاعل هو أساس الخبرة، إذ بدونه لا تتم الخبرة، ولا يحدث تعديل في سلوك الفرد، كما أن هذا التفاعل محدود بعناصر الزمان والمكان وإمكانيات الفرد وطاقاته المختلفة من نضج جسمي وعقلي وانفعالي، لذلك فإنّ الخبرات يجب أن تختار على أساس يحقق التفاعل السليم للمتعلم.

3. التكامل:

النمو الإنساني يحتاج إلى خبرات لتحقق هذا النمو، وهذه الخبرات يجب أن تتكامل فيما بينها حتى تحقق النمو المتكامل، لأن تكامل الخبرة هو أساس تكامل النمو، والخبرة دائماً تتطلب استجابة كاملة من النمو المتعلم، هذه الاستجابة لا تتم إلا إذا استخدم المتعلم جميع جوانب شخصيته ، ذلك أن للخبرة جوانبها الحسية والجسمية والعقلية والنفسية، وهذا يعني بل يوجب ضرورة تكامل هذه الجوانب لتحقق الخبرة النمو المتكامل.

الهوامش :

  1. الطبيب مرجع سابق، ص:187

الصفحة 146


اكتساب الخبرة :

  يكتسب الإنسان الخبرة في مواقف حياته المستمرة؛ نتيجة للتفاعل الدائم بينه وبين بيئته ونقصد بالبيئة هنا جميع مكوناتها سواء منها المكونات المادية أو الاجتماعية أو العقلية أو النفسية التي تحيط بالإنسان وتؤثر فيه ويتأثر بها.

   والإنسان في تفاعل مستمر مع بيئته. فهو جزء منها. وعليها تتوقف حياته فهو يستمد منها جميع مقوماتها والتفاعل بين الإنسان وبيئته مستمر لا ينتهي إلاّ بنهاية حياته ، بل إنه يستمر من الناحية المادية بعد نهاية حياته، ولكنه لا يجخل في إطار خبرته(1).

  وحيث إنّ الخبرة تعني عملية التفاعل بين الفرد والظروف الخارجية في البيئة التي يستطيع أن يستجيب لها ، فهى تشمل كل أنواع النشاط المتضمنة في جهود الشخص ليتكيف بنجاح مع الموقف الجديد.

  فالخبرة بهذا المعنى تشتمل على نوعين:

أنواع الخبرة : 

1.الخبرة المباشرة:

  هي تفاعل بين الفرد والبيئة عن طريق النشاط والاحتكاك المباشر بالبيئة والممارسة الفعلية والخبرة المباشرة بهذا المعنى تكتسي أهمية رئيسة في التعليم؛ لذلك تهتم المناهج التربوية الحديثة اهتماماً كبيراً بأن يمر التلاميذ بكل ما يستطيعون المرور فيه من خبرات مباشرة تناسبهم كأساس لتوجيههم وتعليمهم ونموهم المتكامل. والخبرة المباشرة، تقوم على الإدراك الحسي باستخدام حواس البصر والسمع واللمس والذوق والشم، ولكي تكون الخبرة المباشرة هادفة يجب أن تتوافر فيها الآتي:

1. أن تكون ذات أهداف نابعة من المتعلم ويسعى لتحقيقها.

2.أن ينشط المتعلم ويقوم بدور إيجابي في تحقيقها.

3.أن تكون الخبرة واقعية حقيقية كما هي في مواقف الحياة.

4. أن يتحمل المتعلم مسئولية النتائج التي تترتب على عمله.

الهوامش :

  1. المرجع السابق نفسه والصفحة نفسها.

الصفحة 147


  وعلى الرغم من أهمية الخبرة المباشرة إلا أنه في حالات كثيرة يصعب توافرها نظراً لعدة أسباب قد يكون من أهمها :

  1. البعد الزماني كدراسة حياة إنسان في مجتمع من المجتمعات.
  2. البعد المكاني: كدراسة مشكلات الزنوج في أمريكا.
  3.  خطورة التواجد على ارض الواقع مثل التجارب النووية.
  4. كثرة النفقات. 
  5. سرعة وقوع الظاهرة المطلوب دراستها : مثل ظاهرة البرق.
  6.  صغر وكبر حجم الواقع عن الحد المعقول : كدراسة حياة النملة.

  إلا أنّ الاقتصار على الخبرة المباشرة فى المنهج التعليمى بأية مرحلة من مراحل التعليم يجعل الحياة العقلية عند المتعلم ضيقة ومحدودة وقد يجعلها ساذجة ولا يؤدي إلى تعديل سلوكه تعديلا يتيح له المواءمة السليمة مع الواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه.

وهذا يعني أن الخبرة المباشرة، وإن كانت وسيلة مهمة وضرورية في التعلم السليم فإنها ؛ لا تكفي وحدها. فالخبرة غير المباشرة مهمة وضرورية هي الأخرى كذلك. ونتيجة لذلك كان الاهتمام بالخبرات غير المباشرة.

2. الخبرة غير المباشرة:

  هي خبرات غير واقعية أو مطابقة للحقيقة، فهي ليست الحقيقة ذاتها، وإنما هي صورة منقحة لها، فقـد يكتسبها الفرد عن طريق الاستماع أو القراءة لخبرات يتضمنها الكتاب، أو هي التي يتلقاها المتعلم عن طريق التلقين والمدرسة توفر كلا النوعين للتلاميذ.

  وإن الخبرات غير المباشرة تساعد المتعلم فى الاستفادة من خبرات غيره، كما تساعده على تدريب قدرات التذكر، والتخيل، وإدراك العلاقات، حيث إننا لا نستفيد من الخبرات غير المباشرة إلا على أساس الخبرات المباشرة.

  ويستعين المعلم بالوسائل التعليمية حينما يتعذر تهيئة المجال أمام التلاميذ للتعلم عن طريق الخبرة المباشرة بسبب البعد المكاني ، أو الزماني، ومن أهم الوسائل التعليمية التى تقرب إلى الأذهان الخبرات غير المباشرة، الخرائط والرسوم التوضيحية والبيانية والتسجيلات والأفلام وغيرها. 

الصفحة 148


الوحدة السادسة

أصول التربية الإسلامية


أصول التربية الإسلامية

مفهوم التربية الإسلامية:


  هناك اختلاف في تحديد تعريف " التربية الإسلامية " كمصطلح علمي حيث إن معظم من كتب في هذا الميدان من سلفنا الصالح لم يحرصوا على إيراد تعريف محددٍ لهذا المصطلح بقدر اهتمامهم وحرصهم على معالجة الموضوعات والقضايا التربوية المختلفة. ولذلك فإن تعريفات الباحثين المعاصرين الذين اهتموا بالكتابة والبحث في ميدان التربية الإسلامية جاءت مختلفةً رغم اتفاقهم في الإطار العام لها ؛ إلا أنهم لم يصلوا إلى صيغةٍ واحدةٍ يتفقون عليها جميعاً لتعريف محدد وواضح لهذا المصطلح ، ولعل ذلك راجع إلى اختلاف مشاربهم، وتباين تخصصاتهم، وتعدد وجهات نظرهم التفصيلية . فقد عرَّفها مقداد يالجن بأنها :" إعداد الفرد المسلم إعدادا كاملا من جميع النواحي في جميع مراحل نموه للحياة الدنيا والآخرة في ضوء المبادئ والقيم وفي ضوء أساليب وطرق التربية التي جاء بها الإسلام"(1)

وعرفها زغلول راغب النجار بأنها : "النظام التربوي القائم على الإسلام بمعناه الشامل"(2)

  أمَّا عبد الرحمن النقيب فيرى أن المقصود بالتربية الإسلامية : " ذلك النظام التربوي والتعليمي الذي يستهدف إيجاد إنسان القرآن والسنة أخلاقاً وسلوكاً مهما كانت حرفته أو مهنته.(3)

  في حين يرى سعيد إسماعيل علي أنّ التربية الإسلامية هي: "تلك المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في إطار فكري واحد يستند إلى المبادئ والقيم التي أتى بها الإسلام والتي ترسم عددا من الإجراءات والطرائق العملية يؤدي تنفيذها إلى أن يسلك سالكها سلوكا يتفق وعقيدة الإسلام.(4)

الهوامش:

1) يالجن ، مقداد (1409هـ ) ، أهداف التربية الإسلامية وغاياتها ،( الطبعة الثانية ) ، الرياض : دار الهدى للنشر والتوزيع ص: 20. 2) النجار، زغلول راغب، ( 1416هـ ) ، أزمة التعليم المعاصر وحلولها الإسلامية (الطبعة الثانية ) الرياض : الدار العالمية للكتاب الإسلامي، ص: 85.

3) النقيب عبد الرحمن ، ( 1417هـ ) ، التربية الإسلامية المعاصرة في مواجهة النظام العالمي الجديد ، القاهرة : دار الفكر العربي، ص: 17.

4) علي سعيد إسماعيل، (1978)، اصول التربية الإسلامية ، (دط)، القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر، ص:6.

الصفحة 152

  أما عبد الرحمن النحلاوي فيعرف التربية الإسلامية بأنها : "التنظيم النفسي والاجتماعي الذي يؤدي إلى اعتناق الإسلام وتطبيقه كلياً في حياة الفرد والجماعة.(1)

  ويعرفها حلمي طه رشيد إبراهيم بأنها: تنمية جميع جوانب الشخصية الإسلامية الفكرية والعاطفية والجسدية والاجتماعية وتنظيم سلوكها على أساس من مبادئ الإسلام وتعاليمه بغرض تحقيق أهداف الإسلام في شتى مجالات الحياة(2).

  والملاحظ على تلك التعريفات جميعها أنها تؤكد أن التربية الإسلامية لابد أن تستمد توجيهاتها وفلسفتها وغاياتها من الشريعة الإسلامية، ومن ثم فهي ترفض أن تكون التربية الإسلامية بمعزل عن توجيهات الإسلام وتعاليمه سواء في إطارها النظري أو تطبيقاتها العملية والتربية الإسلامية بهذا المعنى هي تربية هادفة مقصودة لتكوين الفرد المسلم والمجتمع المسلم والأمة المسلمة المستخلفة على حمل رسالة الله في الأرض، سواء تمت تلك التربية في مؤسسات نظامية كالمدرسة والجامعة، أو غير نظامية كالمنزل ووسائل الإعلام.

  والتربية الإسلامية وفق التصور الشامل شأنها في ذلك شأن كل تربية أخرى في العالم موضوعها تربية الإنسان المسلم، ومجالها هو جميع مجالات البحث التربوي من فلسفة وتاريخ ومناهج وطرق تدريس وإعداد معلم وإدارة وتمويل..الخ، منظورا إلى ذلك كله من المنظور الإسلامي الذي يؤدي تنفيذه إلى إيجاد الفرد الذي يسلك سلوكا يتفق وعقيدة الإسلام.

الهوامش:

1) النحلاوي، مرجع سابق، ص21

2) عبد الله وزميله ، مرجع سابق، ص: 88

الصفحة 153


خصائص التربية الإسلامية :

   لعل أهم خصائص التربية الإسلامية تتمثل في الآتي:

1. أنها تربية إيمانية :

  أولى خصائص التربية الإسلامية هي أنها تربية إيمانية تهدف إلى تكوين الإنسان المؤمن الذي يوحد الله تعالى، ويراقبه في سره وعلانيته، ويسارع في الخيرات، لذلك تبدأ بغرس كلمة الإيمان في النفس، وتعمل بوسائل شتى على ترسيخها وتثبيت جذورها في القلب، لأن الإيمان إذا تغلغل في القلب كان قوة ذاتية تدفع الإنسان إلى السلوك القويم، والتحلي بالأخلاق الحميدة، والاستقامة على طريق الصلاح.

2. أنّها تربية متوازنة :

  من أهم خصائص التربية في المنهج الإسلامي أنّها تربية تهتم ببناء شخصية الإنسان من جميع جوانبها ، تقدم له حاجته من التربية الروحية والعقلية والجسدية، وتسعى لتنمية طاقاته المتنوعة وصقل مواهبه.

  غير أن التربية الروحية تحظى في المنهج الإسلامي بعناية خاصة، لأن الروح في نظر الإسلام هو مركز الكيان البشري، وجوهر حقيقة الإنسان، ولأن التربية الروحية هي الأساس لسلامة العقل والنفس معاً.

3. تربية مستمرة:

  ومعنى مستمرة أنها ليست محصورة في مرحلة معينة من العمر، بل تستمر مدى الحياة، في مرحلة الصغر يقوم بها الأبوان، أو من يستعينان به من المؤدبين، وفي مرحلة الرشد يواصل الإنسان نفسه تربيته وكل فرد مسؤول عن تزكية نفسه، وتهذيب أخلاقه وسلوكه، وتنمية مواهبه، وتحسين مستواه الفكري والعلمي ومواصلة طلب العلم حتى اللحد . كما أنه مسؤول عن مجاهدة نفسه ومحاسبتها ومراقبتها ومقاومة أهوائها ونزعاتها السيئة، ومسؤول عن الإسهام مع إخوانه المومنين، في إصلاح المجتمع ونشر الفضائل ومقاومة الرذائل.

  والنهوض بهذه المسؤولية يقتضي التدريب التربوي الذي يجعل النفس الإنسانية مستعدة لاحتضان الفضائل وتجنب الرذائل وحب الخير ونظام العبادة يحقق هذا التدريب.

الصفحة 154

4. أنّها تربية جماعية : 

  التربية في المنهج الإسلامي ليست محصورة في المسجد أو الكتاب أو المدرسة، ولا في البيت والأسرة، إنها عمل جماعي تتعاون عليه الجماعة بكل مؤسساتها ووسائلها. تشارك فيه الأسرة والأبوان والمدرسة والكتاب والمسجد والجماعة ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة وغير ذلك.

مصادر التربية الإسلامية :

  التربية الاسلامية هي التنظيم النفسي و الاجتماعي الذي يؤدي الى اعتناق الاسلام وتطبيقه كليا في حياة الفرد و الجماعة.

  فالتربية الاسلامية ضرورة حتمية لتحقيق الإسلام كما أراده الله أن يتحقق وهي بهذا المعنى تهيئة النفس الإنسانية لتحمل هذه الأمانة و هذا يعني بالضرورة أن تكون مصادر الإسلام هي نفسها مصادر التربية الإسلامية وأهمها :

1 . القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، ومنهما تتزود النظرية التربوية بمجموعة من المبادئ الموجهة، وهذه ليست فرضيات تثبت عن طريق التجربة، ومن ثم فهي ليست قابلة للرفض.

2. الدراسات التاريخية والدراسات التربوية لآراء العلماء المسلمين.

3. دراسة الشخصيات الإسلامية اللامعة في مجال التربية كابن خلدون، والغزالي وابن تيمية وابن القيم، وغيرهم.

4. معطيات البحوث العلمية الصحيحة التي تلقي الضوء على طبيعة الإنسان، وطريقة تعلمه، وكذلك كل خبرات البشر التي لا تتعارض والعقيدة الإسلامية.

الصفحة 155


أهداف التربية الإسلامية : 

  إن الفرق بين التربية الإسلامية وبين أنواع التربية الأخرى، سواء منها التقليدية أو الحديثة، هو أنّها تربية ربانية والله جل وعلا هو (رب العالمين) وهو سبحانه (رب الناس) وهذا يجعلها تتميز كل التميز عن غيرها من أنواع التربية من حيث الأهداف والطبيعة، والمحتوى والسمات، والأثر العملي.(1)

  وكونها تربية ربانية يجعلها تسير في نفس الطريق الذي يرسمه الدين بمعناه الواسع، كدين للحياة الدنيا والآخرة، دين شامل لكل مسائل الحياة، يتناول حاجات الفرد والمجتمع والإنسانية جمعاء. فغاية الدين الإسلامي إسعاد الفرد في الدارين عن خشية الله وتقواه وحسن عبادته (وَأُزلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ). ق: 31 ،( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )الذاريات : 56 (2)

الهدف العام للتربية الإسلامية :

  تهدف التربية الإسلامية في ظل الهدف الكبير للدين الإسلامي إلى:

إيجاد الفرد المؤمن الذي يخشى الله ويتقيه ويحسن عبادته ليفوز في الآخرة ويسعد في الدنيا.

  ولقد أرسل إليه رسلاً معلمين ومربين وأنزل كتباً سماوية لتحقيق هذا الهدف الكبير( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِنَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَتهِ، وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَبَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ). الجمعة : 2.

  وقال تعالى :( المَ ذَلِكَ الْكِتَبُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ) البقرة: 1 – 2. والعلماء بعد الأنبياء هم ورثتهم في التربية والتعليم قال رسول الله لل الاول :( العلماء ورثة الأنبياء)، وقال:( إنّ الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنّما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) (3)، والتربية إذا في هذا الإطار هي مجموعة الطرائق والوسائل النقلية

الهوامش :

1) فرحان إسحق أحمد ، (1990) التربية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة، الطبعة الأولى، تونس: دار المعارف للطباعة

والنشر، ص: 29.

2) المرجع السابق نفسه والصفحة نفسها.

3) أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني،( د. ط)، سنن أبي داود محقق وبتعليق الألباني، الجزء: 3 ، بيروت: دارة

الكتاب العربي، ص: 354. قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 6297 في صحيح الجامع. 

الصفحة 156


  والعقلية الاجتماعية والعلمية التجريبية التي يستخدمها العلماء والمربون للتأديب والتهذيب والتنمية للفرد والمجتمع والبشرية بقصد تحقيق هدف تقوى الله في القلوب والخشية منه في النفوس.

ومن هنا نجد العلاقة الوثيقة بين العلم والإيمان، قال تعالى: ﴿ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِى إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) سبأ : 6 ، وقال تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَةٍ )- المجادلة: 11، ونجد العلاقة الوثيقة بين التبحر في العلم بجميع أنواعه الكونية والاجتماعية والشرعية وبين معرفة الله عز وجل والخشية منه. قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَوا فاطر): 28.( وَتِلْكَ الْأَمْثَلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَلِمُونَ ) العنكبوت: 43، وَقَالَ( الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَلِحًا وَلَا يُلَقَّهَا إِلَّا الصابرون) القصص: 80 . (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا

الْعاَلِمُونَ ) العنكبوت: 43 .

الأهداف الفرعية للتربية الإسلامية :

  عزيزي الطالب، تنبثق من الهدف العام للتربية الإسلامية أهداف محددة تدور في (1) إطار التقوى والفلاح وهي :

أولاً : تربية الفرد الصالح في ذاته آخذة بعين الاعتبار جميع أبعاد النمو: الروحية، والخلقية ، والانفعالية ، والاجتماعية ، والعقلية، والجسمية والاقتصادية والسياسية.

وثانيا : تربية المواطن الصالح في الأسرة المسلمة والمجتمع المسلم.

وثالثاً : تربية الإنسان الصالح للمجتمع الإنساني الكبير.

  ويلخص أحمد عمر هدف التربية الإسلامية بأنّه : ( هو إعداد الإنسان الصالح، وهو الإنسان التقي الذي يعبد الله ويهتدي بهديه وهو الذي يعمر الأرض ويفي بشروط الخلافة فيها، وهو الذي يحيا حياة فاضلة سعيدة، لأنه استجاب الله).(2)

الهوامش:

1) المرجع السابق نفسه ، ص: 31 و العجمي، محمد عبد السلام (2009) ، أصول التربية الإسلامية ، ( الطبعة الأولى)، اليمن:

جامعة العلوم والتكنولوجيا، ص ص : 23_ 30.

2)عمر، أحمد عمر ، (1996) ، منهج التربية في القرآن والسنة، الطبعة الأولى دمشق: دار المعرفة ، ص:24.

الصفحة 157


أهمية التربية الإسلامية:

   يعيش المسلم في ظل التربية الإسلامية حياة ملؤها السعادة والاطمئنان، فهو يشعر بالراحة النفسية والاجتماعية وأنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن كل شيء في هذا الكون يحصل بقدر الله عز وجل.

  وأما الإنسان الذي يعيش في المجتمعات غير الإسلامية فهو يشعر بالإحباط والقلق والتوتر والاضطراب النفسي والفراغ الروحي والاكتئاب فتكثر حالات الانتحار والهروب والفساد الخلقي والاجتماعي.

  من هنا تتجلى أهمية التربية الإسلامية وقيمتها ويظهر ذلك من خلال:

 1. إنها تنظم حياة الإنسان مع ربه سبحانه وتعالى، فالله عز وجل هو الخالق الرازق المستحق للعبادة والإنسان مخلوق وظيفته عبادة ربه والتوجه إليه دائما ، قال تعالى :( أَقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَنَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَنَ مَا لَمْ يَعْلَمَ )العلق : 1_5

2. أنها تحقق السعادة للإنسان في الحياة الدنيا والآخرة، فالمسلم يعرف قيمة الدنيا ، فعالمه أوسع من عالم الحياة المادية الأرضية وحدها فالتربية الإسلامية تقوم على أساس الواقع المادي والروحي للإنسان دون الاقتصار على جانب واحد منها فقط (1)، والمسلم يعلم أن الدنيا مزرعة الآخرة وأن ما عمله في الدنيا سوف يجده ويحاسب عليه في الآخرة قال تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا ءَاتَنكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةٌ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِن الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ )القصص: 77.

3. التربية الإسلامية تنظم حياة المسلم مع مجتمعه الذي يعيش فيه، وتعمل على تقوية الروابط بين المسلمين ودعم قضاياهم والتضامن معهم قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )الحجرات: 10 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ

الهوامش:

1)مرسي ، محمد منير ، ( 1981) ، التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية ، القاهرة : عالم الكتب ، ص: 54.

الصفحة 158


وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ".(1)

4. التربية الإسلامية تهتم بكل مقومات الإنسان الجسمية والعقلية والنفسية والوجدانية وتسعى إلى تحقيق التوازن التام بين كل هذه المقومات. فالإسلام يرفض الرهبنة والانقطاع للعبادة، كما أنه يرفض تحول البشر إلى عجول آدمية مفتولة العضلات خاوية العقل والروح وأمر الصحابة الذين حاولوا مخالفة الفطرة أن يعودوا إلى صوابهم فقال صلى الله عليه وسلم: (أما أنا فأصلي وأرقد ، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) (2).

وسائط التربية الإسلامية :

  لتحقيق أهداف التربية الإسلامية على جميع مستوياتها المختلفة وحتى تتحول مفاهيمها ومبادئها وقيمها إلى واقع عملي ملموس في حياة الفرد والأسرة والمجتمع، كان لا بد من توافر جملة من الوسائط تعمل متظافرة لتقوم بدور فاعل في بناء الفرد المسلم وتتمثل في الوسائط الآتية:

أولا : الأسرة

للأسرة مكانتها المتميزة في تربية الأفراد، كما أن لها دورا رياديا في بناء الأمة، ومن غير الممكن إعداد الأمة القوية المتماسكة بدون تواجد الأسرة المتميزة، وتعد الأسرة المكونة من الأبوين، أقدم مؤسسة اجتماعية للتربية عرفها الإنسان ولا تزال تقوم بدورها في تعليم وتهذيب النشئ وتزويدهم بخبرات الحياة ومهاراتها المحدودة ومعارفها البسيطة، وقد أدى تطور الحياة البشرية وزيادة الخبرات الإنسانية وتعدد أنواع المعرفة البشرية ، إلى أن تشارك مؤسسات أخرى في واجب الرعاية والتوجيه وتخلت الأسرة عن بعض ما كانت تقوم به، إلا أنها ظلت المؤسسة التربوية الأولى في حياة المجتمع الحديث، وقد أثبتت التجارب العملية أن أي مؤسسة أخرى غير الأسرة ، لا تعوض عنها ولا تقوم مقامها فضلا عن كونها لا تخلو من أضرار مفسدة

الهوامش:

1) صحيح مسلم، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم، الجزء الثامن، ص:20.

2) صحيح البخاري، باب الترغيب في النكاح ، الجزء الخامس، ص: 1949.

الصفحة 159


  لتكوين الطفل وتربيته، وبخاصة نظام المحاضن الجماعية، التي أرادت بعض المذاهب المتعسفة أن تستعيض بها عن نظام الأسرة.

ثانيا : المدرسة

  المدرسة جزء من المجتمع، بل هي عنصر حيوي ومهم وعامل مؤثر في التنشئة الاجتماعية - خصوصا - في المراحل الأولى في تربية الأطفال.

  وقد عرفت المدارس في الإسلام منذ القرن الرابع عشر للهجرة، ولما جاء نظام الملك (العزيز السلجوقي ) اجتهد في إنشاء المدارس الكبيرة التي عرفت بالنظاميات ثم نشأت المدرسة الإسلامية نشوءا طبيعيا تدريجيا ، فكانت قليلة العدد في بداية الأمر وما زالت تنمو حتى أصبحت في صدر الدولة العباسية كثيرة ومنتشر في صورة كبيرة.

  وقد كان لبروز المدرسة الإسلامية كوسيط تربوي سببان:

  أولهما ازدحام المساجد منذ ظهور الإسلام بحلقات الدارسين، مما أدى انبعاث أصوات كثيرة أعاقت العمل التربوي داخل المسجد، وأما السبب الثاني فهو تطور العلوم والمعارف مما استدعى كثير من الحوار والنقاش وتوافرت وسائل وأدوات وهذا ما لا ينسجم مع طبيعة البيئة التعليمية في المسجد.

ثالثا : المسجد :

  يعد المسجد من أول المؤسسات التي انطلق منها شعاع العلم والتعليم في الإسلام فكان جمهور المتعلمين في المسجد هم الرجال الذين تلقوا كل ما كان يصدر عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ولقد ارتبط تاريخ التربية في الإسلام ارتباطا وثيقا

بالمسجد.

  و النبي عليه الصلاة والسلام كان حريصا على أن يجعل حواره التربوي مع أصحابه وسائر الناس في داخل المسجد، وذلك لتأكيده على دوره التربوي، فضلا عن كونه مكانا لأداء الصلوات.

  ولقد كان المسجد في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، رمزاً لحيوية الأمة كما كان ارتياده والمداومة عليه من علامات الإيمان، وقد كانت قلوب المؤمنين معلقة

الصفحة 160


بالمساجد والصحابة رضوان الله عليهم اهتموا بالمسجد وجعلوه المؤسسة التربوية الأولى في حياتهم، اقتداء برسول الله. وذكر التاريخ في صفحاته أن الصحابة الكرام حينما تفرقوا في البلدان المختلفة جعلوا المساجد مقرا لهم يربون الناس فيها على ما رباهم رسول الله. وبالعودة إلي تاريخنا الإسلامي وماضينا التليد، يتضح أن هنالك نماذج متميزة من أجيال المساجد الذين نشاوا في أحضانها واغترفوا من علومها وتزودوا بزاد التقوى من أنشطتها ، فتخرجوا فيها فكانوا منارات للهدى.

رابعا: الإعلام الإسلامي

  لقد أضحى الإعلام بشكل عام بإمكانياته التكنولوجية الحديثة والمتطورة يؤثر بفاعلية كبيرة في حياة المجتمع، بحيث أصبح يمتلك القدرة على تشكيل وتغيير وتوجيه حياة الأفراد بطريقة مذهلة، لأنه أصبح مدرسة ثانية، يقدم أفكارا وقيما ومعايير وأنماط سلوك واتجاهات. وما من شك في أن الإنسان في عصرنا الحالي - لاسيما في مرحلة الطفولة - يعيش ويتفاعل منذ بداية إدراكه مع الخبرات الايجابية والسلبية التي تقدمها وسائل الإعلام المختلفة، مما يجعلها عاملا مؤثرا في تكوين وتشكيل شخصيته بكل أبعادها العقلية والانفعالية والاجتماعية. ومن الواضح أن هناك علاقة مميزة قائمة بين التربية والإعلام لدرجة يمكن معها القول إنّ العملية التربوية هي في بعض جوانبها عملية إعلامية وأن العملية الإعلامية في بعض جوانبها عملية تربوية. ومن المعروف اليوم أن وسائل الإعلام أصبحت تقوم بالدور التربوي من تعليم وتهذيب، وعلى الرغم من اختلاف وسائل الإعلام عن وسائل التربية إلا أنها تتقارب في معظم الوجوه وبذلك يُعد الإعلام نظاماً تربوياً موازياً يستجيب لمطالب التربية المستمرة باستمرار الحياة، حيث إنّ التعليم الرسمي لا يمكنه منفرداً - تحمل كافة الأعباء التربوية في المجتمع مهما كانت مدته، كما أنه لم يعد قادراً على مواجهة واستيعاب النمو السريع في المعرفة الإنسانية في مجالاتها المختلفة.

  إن التربية والإعلام عنصران ثقافيان متلازمان ومتفاعلان يلتقيان على أرضية مشتركة، لدرجة يمكن معها القول بأن العملية الإعلامية في بعض جوانبها هي عملية تربوية، كما أن العملية التربوية في بعض جوانبها هي عملية إعلامية،

الصفحة 161


فالتربية بمعناها المقصود هي تلك العملية القصدية التي يتم عن طريقها توجيه الأفراد لتحقيق نموهم وهي بمعناها الواضح الحياة بكل ما تشتمل عليه من خبرات وعلاقات والإعلام في أساسه عملية توجيه الأفراد من خلال تزويدهم بالأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة، والحقائق المؤكدة التي تساعدهم في تكوين رأي صائب في واقعة من الوقائع، أو مشكلة من المشكلات.

خامسا : أفراد المجتمع الإسلامي

  التربية الإسلامية في طبيعتها عملية اجتماعية، بمعنى أنها تعد صورة لحياة المجتمع الذي تعيش في إطاره وتعكس بصدق فكره العقائدي والروحي؛ لذلك فهي لا تنبت من فراغ؛ لان الفرد المسلم، يعيش في إطار اجتماعي معين يؤثر فيه ويتأثر به وترتبط مطالبه وحاجاته بديناميات هذا النظام.

  إن بناء الشخصية المسلمة لا يتم إلا في إطار اجتماعي نظيف تتضافر فيه جهود أفراده الغيورين على دينه وما من شك أن سلوك الفرد يتأثر بسلوك المجتمع ويؤثر فيه.

سادساً : الصحبة الصالحة (جماعة الرفاق):

  على الرغم من أهمية الأسرة كحاضن يستقبل الطفل منذ مولده ويعتني به كل العناية؛ فإنه في مرحلة متقدمة من حياته ينطلق ليستكشف العالم الخارجي من حوله ويزداد اهتمامه تباعا بالحياة الاجتماعية خارج مجال الأسرة حيث يلتقي بجماعات اللعب التي تعتبر أولى الجماعات التي يرتبط بها الطفل في حياته المبكرة مشاركا زملاءه في الخبرة العامة للعب مع الالتزام بصفة خاصة بمجموعة القواعد العامة والخضوع للقيود التي يفرضها نشاط هذه الجماعة على الفرد.

  وتطلق على هذه الجماعة إطلاقات متعددة منها جماعة الأقران، وجماعة اللعب، وجماعة الرفاق ، وجماعة الأقراب، وجماعة الأصدقاء والشلة ... الخ. غير أن هذه الإطلاقات المتعددة تكاد تشير إلى شيء واحد هو تلك الجماعة التي يلجأ إليها الفرد خارج إطار أسرته.

  وتشكل هذه الجماعة أحد الأوساط الاجتماعية التربوية الرئيسة التي تؤثر في الفرد على مختلف المستويات الشخصية والاجتماعية والعقلية والأكاديمية وتمثل

الصفحة 162

دراستها محوراً لاهتمام عالم النفس والمربي وعالم الاجتماع حيث تلتقي أهدافهم حول فهم الكيفية التي تعمل بها جماعة الرفاق كوسيط من وسائط التربية والتنشئة الاجتماعية أو كعامل من عوامل التأثير في شخصية الناشيء من

جهة وكناقل لثقافة المجتمع وعامل من عوامل التغيير فيها من جهة أخرى.

  وهي تلعب دورا مهماً في تربية النشء وفي إكسابه كثيراً من الأنماط السلوكية والمعارف والاتجاهات والمهارات والقيم والتقاليد والعادات وعادة ما يكون تأثير هذه الجماعة غير مقصود أو غير مباشر للفرد.

  تقوم جماعة الرفاق أو الأقران أو الصحبة أو الشلة بدور مهم في عملية التنشئة الاجتماعية وفي النمو الاجتماعي للفرد، فهي تؤثر في معاييره الاجتماعية وتمكنه من القيام بأدوار اجتماعية متعددة لا تتيسر لها خارجها وهناك رفاق وأقران يشتركون معا في مرحلة نمو واحدة بمطالبها وحاجاتها ومظاهرها وقد يؤدي ذلك إلي المساواة بينهم ويتوقف مدى تأثر الفرد بجماعة الرفاق علي درجة ولائه لها ومدى تقبله لمعاييرها وقيمها واتجاهاتها وعلى تماسك أفراد هذه الجماعة ونوع التفاعل القائم بين أفرادها.

  ولقد حث الإسلام على الرفقة الصالحة، فالرفقة الصالحة هم من وسائل التربية الأخلاقية والنفسية والعقلية للناشئة وواجب الآباء أن ينتقوا لأبنائهم هذه الرفقة بطريقة غير مباشرة من أصدقائهم الصالحين؛ لأن صداقة الآباء تقتضي الزيارة والخروج في رحلات تعمق الصلات بين الأبناء وعن ذلك يقول ابن سينا: أن يكون الصبي في مكتبه مع صبية حسنة آدابهم مرضية عادتهم لأن الصبي عن الصبي القن وهو عنه أخذ ، وبه آنس (1).

  والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: « الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ (2)» وعن تأثير الصحبة في الإنسان حديث رسول الله الله الذي يقارن فيه بين الجليس

الهوامش:

  1. الإبراشي ، محمد عطية ، ( 1986) ، التربية الإسلامية ،وفلاسفتها مصر : مطبعة عيسى البابي الحلبي ، ص: 225. 
  2. صحيح مسلم، باب من يؤمر أن يجالس الجزء الرابع، ص: 407

الصفحة 163


الصالح والجليس السوء (1)، وقد بين الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم نتيجة مصاحبة الأشرار وتخلي بعضهم عن بعض واتهام كل للآخر بأنه سبب ضلاله وكفره فالشيطان يقول :( قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ) ق : 27 ويقول : ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَلَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَاوَيْلَتي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فلانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَيْنِ خَذُولا ) الفرقان: 27 - 29 ، ويحذر الله سبحانه من شياطين الجن وشياطين الإنس من الرفاق وأصحاب السوء ، لأنهم يوحون إلى بعضهم زخرف القول غروراً.

  إن على الآباء أن يراقبوا أبناءهم وأن يوجهوهم من غير إشعارهم بذلك لأن الأوامر والنواهي ومنع الأطفال من مصاحبة من في سنهم يؤدي إلى نتائج غير كريمة وعلينا أن نشجعهم على صحبة من نعجب بسلوكهم من أصدقاء حيه، أو دراسته، وأن ننبه إلى عدم مصاحبة من نرى اعوجاجاً في سلوكه مع إقناعه بذلك عن طريق الواقع والمنطق ويقول الغزالي: "ويمنع الطفل من لغو الكلام وفحشه ومن اللعن والشتم وعن مخالطة من يجري على لسانه شيء من ذلك فإن ذلك لا محالة يسري من قرناء السوء وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء"(2).

أساليب التربية الإسلامية : 

  اتسمت التربية الإسلامية بثراء في الأساليب المشتقة من القرآن الكريم والسنة النبوية وممارسات العلماء والمربين، ولعلّ أهم هذه الأساليب، ما يأتي: 

1. أسلوب القدوة الحسنة:

  وهي من أهم الأساليب في التربية ومن أنجح الوسائل المؤثرة في إعداد الناشئة خلقيا ونفسيا وصحيا وعقليا وعاطفيا ولها أهمية كبرى في تربية الفرد وتنشئته على أساس سليم في كافة مراحل نموه، لأن الناس لديهم حاجة نفسية إلى أن يشبهوا الأشخاص الذين يحبونهم ويقدرونهم، وأن هذه الحاجة تنشأ بادئ الأمر من خلال الأطفال لوالديهم وتقمصهم لهم.

الهوامش:

1) ( مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحا خبيثة ) رواه البخاري في صحيحه، باب السهولة والسماحة في الشراء، الجزء الثاني رقم الحديث : 741

2) الغزالي ، ( 1986) ، إحياء علوم الدين، الجزء الثالث ، ص: 73.

الصفحة 164


  ولأهمية القدوة في بناء الفرد وإعداده فقد أكد القرآن أهمية القدوة في تقرير مصير الإنسان تأكيدا قويا وهو يدعو المسلمين إلى أن يدرسوا سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام فيتخذونها قدوة لهم.

  ومن هنا كانت القدوة عاملاً كبيراً في صلاح الأجيال أو فسادهم، فالولد الذي يرى والده يترك الصلاة يصعب عليه اعتيادها، والذي يرى والده يكذب يصعب عليه تعلم الصدق، والذي يرى والده يغش يصعب عليه تعلم الأمانة، فالأب الذي يصبح كذاباً ويخدع غيره بكذبه وخداعه فإن أبناءه وتلامذته ومعاشريه يقلدونه، ويتعلمون منه الكذب ووسائل الخداع، ويحاكونه في ذلك ويبادلونه كذباً بكذب، وخداعا بخداع؛ أي أن ما يكتسبه الفرد من عادات مرغوب فيها ، أو غير مرغوب فيها يتوقف على نوع القدوة التي تعرض له أثناء اندماجه وتفاعله مع أسرته و مجتمعه.

2.أسلوب التوجيه والموعظة الحسنة:

  كان هذا الأسلوب أسلوب- الموعظة الحسنة من أساليب الرسل والأنبياء في تبليغ دعوتهم إلى الله، كما في قوله تعالى:( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَدَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةً إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُم بَيْنَ يَدَى عَذَابِ شَدِيدٍ ) سبأ : 46 . ولهذا فقد أكد القرآن الكريم أهمية الموعظة في أكثر من موطن، لما لها من تأثير كبير في الفرد إذا وجدت لها نفساً صافية، وقلباً واعياً، قال تعالى: ﴿ وَذَكَرْ فَإِنَّ الذِكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) الذاريات : 55

شروط تطبيق أسلوب الموعظة الحسنة :

1. الأسلوب الرقيق الذي يستميل قلوب الناشئين أثناء النصيحة. 

2. أن تقترن الموعظة بالشعور بالمحبة والعطف عليهم.

3. يختار لها الوقت المناسب الذي تكون النفوس فيه هادئة.

4.عدم التطويل الممل في الموعظة أو التكرار الزائد.

5. المبادرة بالموعظة عندما يلحظون انحرافا في سلوك الأولاد.

6. عليهم أن يبدؤوا بالوعظ مراعين الأهم فالمهم فإذا كان هناك واجبان أحدهما فرض عين والآخر فرض كفاية - مثلا ففي هذه الحالة

يوعظ الأولاد بالواجب الأول ثم الثاني.

الصفحة 165


3. أسلوب الترغيب والترهيب:

  هوا أسلوب يتفق وطبيعة الإنسان حيثما كان وفي أي مجتمع، لأن الفرد إذا استثير شوقه إلى شيء ما زاد اهتمامه به فسرعان ما يتحول هذا الشوق إلى نشاط يملأ حياته أهمية وعملاً وتعلقاً بما تشوق إليه، ورغبة في الحصول عليه ، وفي المقابل فإن الخوف من شيء، والتنفير منه، يجعل الفرد يهابه، ويبتعد عنه.

  وقد أشار القرآن الكريم إلى أسلوب الترغيب والترهيب؛ وإلى كيفية استخدامه بما يحقق الغرض منه، ونلمح في هذه الآية الكريمة الترغيب الذي يثير الرجاء في النفس، ويدفع اليأس، ويجدد الأمل، ويثير التطلع إلى الأفضل قال تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَلِ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنهرا ) نوح: 10 – 12 . التشجيع ينقسم إلى قسمين مادي ومعنوي ؛ فالتشجيع المادي كالجوائز والهدايا و النقود والتشجيع المعنوي كالثناء والمدح والإطراء والشكر ، والنظر بعين الرضا والاستحسان و التشجيع المعنوي أفضل استخداما من التشجيع المادي ؛ لأن الأول يولد الرغبة والميل إلى الأعمال التي يشجع عليها الفرد أكثر من الثاني ، كما أن الأول يتطور مع مراحل النمو العقلي حتى يصل إلى أعلى درجاته وهي الإقدام على أعمال الفضيلة، أما التشجيع المادي فإن الاستمرار عليه قد يكون له بعض الأضرار ؛ لأنه قد يصبح شرطا للقيام بالعمل المطلوب، أو الكف عن العمل غير المرغوب فيه ولا يعني ذلك أن التشجيع المادي ممنوع في جميع الظروف بل إنه أحيانا يكون مجديا مثل تشجيع الولد بجائزة ما عند حصوله على تقدير مرتفع ، أو قيامه بعمل تطوعي.

شروط تطبيق أسلوب الترغيب والترهيب:

  1. لايرغب التلاميذ في القيام بعمل يصل إلى درجة المبالغة و التطرف.
  2. ينبغي أن لا يحمد النشء على عمل لم يعمله، وهذه من الرذائل التي أشار إليها القرآن ، قال تعالى : (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمُ ) آل عمران: 188

الصفحة 166


4. أسلوب ضرب الأمثال و الأشباه:

  هذا الأسلوب له أثره الفعال في عواطف الإنسان وسلوكه، ويعد من أكثر الأساليب شيوعاً، وقد قال أحد الباحثين إن الأمثال أوقع في نفوس وأبلغ في الوعظ وأقوى في الزجر وأقوم في الإقناع ؛ ولهذا نجد الحق سبحانه أورد ذلك الأسلوب في أكثر من موطن، وفي عدة أمور ، مؤكداً ذلك في قوله تعالى:( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) - الزمر : 27. 

فوائد أسلوب ضرب الأمثال:

1. تقريب المعقول إلى المحسوس فيتقبله العقل، ويدركه ويفهمه؛ فبالأمثل يستطيع المربي أن يقرب المعني إلى الإفهام.

2. توضيح الفضائل للأولاد.

3.إن معارف وعلوماً كالرياضيات مثل الهندسة والحساب والجبر وكذلك الكيمياء تستند في فهمها وتوضيحها وبيانها على التمثيل والتشبيه.

4. كشف الحقائق وإيضاح المعنى في عبارة موجزة بليغة.

5. ضرب الأمثال من أنجح الوسائل في ترغيب الأولاد في الأشياء التي يريد المربي ترغيبهم فيها ؛

6. وسيلة نافعة في الترغيب فإنه أيضا وسيلة نافعة للتنفير من الأشياء التي لا يرغب المربي في تنشئة الأولاد عليها.

شروط استخدام أسلوب ضرب الأمثال:

1. أن يستعملها بحكمة.

2.أن تكون معانيها على مستوى فهم التلميذ وقدر عقولهم.

5. أسلوب القصة :

   القصة أجدى نفعاً وأكثر فائدة من أساليب التلقين والإلقاء نظرا لما جبلت عليه نفوس الأطفال والبالغين والراشدين من ميل إلى سماع الحكاية والإصغاء إلى رواية القصص، يقول أحد الباحثين بشأن القصة :( ولسنا مبالغين إذا قلنا إن إحداث القصة وخيالاتها وتصوراتها كانت أقوى قوة دفعت الإنسان إلى تحريك لسانه وإلى إيقاظ ملكته وإطلاق جميع القوى الكامنة فيه).

الصفحة 167


شروط القصة :

 1. مدى التوفيق في اختيار القصة المناسبة، لأن هناك كثيراً من القصص تفسد مشاعر الفرد، وتحبب إليها الجريمة والفاحشة وخاصة جرائم الجنس

2. توجيه أولادهم إلى قصص القرآن الكريم والتعرف عليها مثل قصص الأنبياء عليهم السلام

3. ينبغي للمربي أن يستغل بعض الأفلام الهادفة التي تعرضها وسائل الإعلام وأن يجذب الأولاد إليها.

4. ينبغي على الآباء والأمهات والمربين أن يقصوا على الأولاد بعضا من تجارب حياتهم.

6. أسلوب الممارسة أو التدريب (العادة):

  يتمثل في القيام بعمل من الأعمال عدة مرات وبالتكرار ويسهل على الفرد ذلك العمل، ويزيد ميله حتى يصبح هذا الميل عادة وهذا الأسلوب – أسلوب التربية بالعادة أو بالتعويد - من الأساليب التربوية الفعالة فهي تؤدي مهمة في حياة البشرية، فهي توفر قسطا كبيرا من الجهد البشري - بتحويله إلى عادة سهلة وميسرة لينطلق هذا الجهد في ميادين جديدة من العمل والإنتاج والإبداع، ولولا هذه الموهبة التي أوجدها الله في فطرة البشر ، لقضوا حياتهم يتعلمون المشي أو الكلام أو الحساب.

  والإسلام يستخدم الممارسة وسيلة من وسائل تنشئة الفرد المسلم على تلك التكاليف الإسلامية والقيم والآداب الإسلامية وعلى المربي أن يستخدم أسلوب الممارسة في كافة جوانب تربية الفرد، أي أن التربية بالممارسة لا تقتصر على الشعائر التعبدية وحدها ولكنها تشمل كل أنماط سلوك الحياة، وكل الآداب و الأخلاق، مثل آداب التحية آداب المشي، وآداب الأكل والشرب ، وآداب قضاء الحاجة، وآداب السفر، وآداب زيارة المريض... الخ

7. أسلوب استخدام الأحداث والظروف والمواقف:

  يعرف أسلوب الأحداث أو المواقف بأنه : " استغلال حدث معين لإعطاء توجيه معين "، ومما هو معلوم أن كل حدث يتعرض له الفرد يحدث له تأثيراً في نفسه، والأحداث عندما يتعرض لها المربي، وما يصاحبها من تأثير، تعد فرصة جيدة

الصفحة 168


للمربين عموما في استغلالها وتوجيه نفوس الناشئة وصقلها وتهذيبها، وهذا الأسلوب التربوي يتميز عن بقية الأساليب لما له من أثر فعال؛ لأنه يجيء في أعقاب حدث يهز النفس كلها هزا، فتكون أكثر قابلية للتأثر، ويكون التوجيه أفعل وأعمق وأطول أمداً في التأثير من التوجيهات العابرة. فالأحداث في الغالب تثير حالة في النفس من الداخل تحقق التهيؤ الذهني لتقبل المعلومات والتوجيهات. ويتضح ذلك جلياً في بعض مواطن القرآن الكريم، فهو يستخدم المواقف والأحداث ويعطي التوجيهات الملائمة لكل موقف، وكان نزول القرآن منجماً حسب الظروف والحوادث، وكان يسوق مع كل هزيمة عبرة ، ومع كل نصر درسا، ولكل موقف تحليلا. ومن بين الشواهد التي تناولها القرآن الكريم حادثة الإفك التي افتراها الله عبد بن أبي على زوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم - السيدة عائشة الله عنها أم المؤمنين ، لغرض إشاعة الفاحشة في صفوف المؤمنين، ولغرض التأثير في رسول الله، وفي أحب نسائه إلى قلبه، وفي أحب أصحابه إليه، وإلى أصحاب رسول الله كافة؛ حتى إن المدينة المنورة عاشت شهرا قلقة غير مطمئنة من تلك الحادثة، وبعدها نزلت سورة النور، وقد كانت كلها تربية ، وكلها استجاشة للمشاعر ، وارتفاعاً بمقاييس الحياة، وتطهيراً للمجتمع من الفاحشة والفساد، وبراءة لأم المؤمنين الطاهرة النقية، ووعيداً لمن تولى كبر هذا الحديث رضي بالعذاب الأليم.

8. التربية بالملاحظة:

  المقصود بالتربية بالملاحظة هو مراقبة أحوال الناشئين وأفعالهم وتصرفاتهم في شتى جوانب حياتهم، وهي من الأساليب الفعالة؛ فعن طريق الملاحظة يستطيع المربي اكتشاف ما يحل بالمتربى مبكرا ، وبالتالي يأتي التوجيه والتربية مبكرين قبل أن ينحرف الناشئ عن مساره الصحيح، وهذا الأسلوب من الأساليب التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم يطبقها مع أصحابه ، ومن أمثلة ذلك حديث المسيء صلاته، الذي أخطأ عدة مرات في الصلاة، وهو يصلي أمام الرسول، وبعدها اشتاق إلى التعلم، فأرشده عليه السلام فاستفاد الصحابي من خطئه. 

  والملاحظة المطلوبة من المربين هي الملاحظة الشاملة لكافة جوانب الإصلاح في الفرد، والتربية بالملاحظة لا تُعد من باب التسلط والسيطرة على الأولاد إلا إذا حادت عن هدفها التربوي، أو كان استخدامها بشكل متطرف ومبالغ من قبل المربين،

ووصلت إلى تقييد حريتهم.

الصفحة 169


9. أسلوب التجربة (الخبرة):

  القرآن الكريم يدعو إلى اتخاذ التجارب العلمية طريقا لإثبات حقيقية يقررها، كما هو واضح في سؤال إبراهيم ، قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْلَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنُ قَالَ بَلَى وَلَكِن لِيَطْمَينَ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ

ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيَا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة260  . ولكن التجارب وحدها ليست مضمونة إذا لم يصاحبها توجيه وإرشاد وملاحظة مستمرة من قبل المربين، لأنه ليست كل التجارب نافعة ومفيدة، وليست كل التجارب مأمونة من الأخطار، وليست كل القضايا تخضع للتجارب، أي ينبغي للمربي أن يوجه الطلاب إلى تجارب الحياة الهادفة بمختلف منا شطها. 10. أسلوب الحوار:

 معنى الحوار أن يتناول الحديث طرفان أو أكثر عن طريق السؤال والجواب، بشرط وحدة الموضوع أو الهدف، فيتبادلان النقاش حول أمر معين وقد يصلان إلى نتيجة، وقد لا يقنع أحدهما الآخر، ولكن السامع يأخذ العبرة ويكون لنفسه موقفا. ويعد هذا الأسلوب من أنجاح الأساليب التربوية وأفردها إذا قام الحوار على خطوات منطقية صحيحة يقابلها العقل، كما أن هذا الأسلوب من الأساليب المشوقة للمتربي وللسامع وقلما يصاحبها الملل والسامة، نظرا لما يوقظه من العواطف والانفعالات في نفس المتربي.

  كما استخدم رسول الله ذلك الأسلوب في إثارة انتباه أصحابه عندما كان يريد إيضاح موضوع مهم في بعض المواطن، وهذا ما نلمحه عندما تناول عليه السلام موضوع الغيبة، فقال: « أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ؟ ». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ ». قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ « إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَهُ(1) .

الهوامش:

  1. صحیح مسلم، باب تحريم الغيبة الجزء الثامن، ص: 21. 

الصفحة 170


 "أتدرون ما الغيبة؟ ". ثم شرع بعد ذلك في توضيح الغيبة فقال "ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ، قال إن كان فيه ما تقول فقد بهته".

11. أسلوب ملء الفراغ:

  الإسلام يدعو إلى توزيع الوقت بين العبادة والعمل والجهاد والتعلم والتفكير في الكون والمجتمع والإنسان إلى جانب ممارسة الرياضة الهادفة والترويح البريء، وقد أشار أحد الباحثين إلى أنّ : " الفراغ مفسد للنفس إفساد الطاقة المخزونة بلا ضرورة، وأول مفاسد الفراغ هو تبديد الطاقة الحيوية في ملء الفراغ ثم التعود على العادات الضارة التي يقوم بها الإنسان لملء هذا الفارغ ، وقد أرشد مربي الإنسانية محمد –صلى الله عليه وسلم إلى استغلال الوقت والاستفادة منه، كما في قوله: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ "(1).

  وعلى المربي أن يدرك أن أهمية ملء الفراغ لا تقل عن أهمية توجه طاقات الأولاد وتفريغها؛ لأنه إن لم يشغل الفراغ عندهم بالأعمال النافعة شغل بالشر والفساد والتفاهة.

12. الرحلة:

وهي من الأساليب التي تكسب الفرد معارف وخبرات عديدة، وقد عمل بذلك الأسلوب منذ زمن بعيد ، فكان طالب العلم يرحل إلي المعلم، ويصبحه ويأخذ المعلم عنه مشافهة، وقد أورد ابن حجر رحلة جابر بن عبد الله الأنصاري، ثم شددت رحلي فسرت إليه شهرا حتى قدمت الشام ، فإذا عبد الله بن أنيس، فقلت للبواب: قال له جابر على الباب، فقال : ابن عبد الله؟ قلت : نعم فخرج فاعتنقني فقلت: حديث بلغني عنك انك سمعته من رسول الله له فخشيت أن أموت قبل أن اسمعه. فقال : سمعت رسول الله يقول : يحشر الله الناس يوم القيامة عراة(2).

الهوامش:

1) صحيح البخاري، باب ما جاء في الصحة والفراغ .... الجزء الخامس، ص: 2357.

2) مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، الجزء الأول، ص: 229

الصفحة 171


الوحدة السابعة

من أعلام الفكر التربوي الإسلامي


من أعلام الفكر التربوي الإسلامي


  تنطلق التربية الإسلامية ككل- تربية - من فلسفة تحدد مسارها. والإسلام هو الموجه الأول للتربية الإسلامية، التي تسعى لتحقيق أهدافه القائمة على إيجاد الإنسان الصالح، من حيث هو إنسان، بصرف النظر عن كونه مواطناً في هذا المكان، أو في ذلك الزمان .

  كانت التربية الإسلامية هي السائدة في معاهد التعليم في العصور الإسلامية. وبرز من المسلمين أعلام في الحقل التربوي مثل ابن سحنون المولود في مدينة القيروان سنة 202هـ والمتوفى سنة 206هـ ، وأبو حيان التوحيدي المولود سنة 310هـ والمتوفى سنة 414هـ ، والقابسي المولود بالقيروان سنة 324هـ ، والمتوفى بها سنة 403هـ ، وابن مسكويه(1) المتوفى سنة 421هـ ، وأبو الحسن الماوردي المولود بالبصرة عام 364هـ والمتوفى في بغداد عام 450هـ ، وابن عبد البر النمري القرطبي المولود بقرطبة سنة 368هـ والمتوفى 563هـ ، وا بن سينا المولود ببخارى عام 370هـ والمتوفى 428هـ ، وابن حزم الأندلسي المولود سنة 384هـ والمتوفى سنة 456هـ ، والخطيب البغدادي المولود سنة 392هـ والمتوفى سنة 463 هـ.

وكذلك الغزالي المولود بمدينة طوس سنة 450 هـ والمتوفى سنة 505هـ ، وعبد القادر الجيلاني المولود سنة 470هـ والمتوفى سنة 561هـ ، وابن الطفيل القيسي المولود بالأندلس بين عام 490 - 505 هـ والمتوفى عام 581هـ بمدينة مراكش، والسمعاني المولود بمروز سنة 506 هـ والمتوفى بمرو 562هـ ، وابن الجوزي المولود في بغداد سنة 514هـ والمتوفى سنة 597هـ ، وابن رشد المولود سنة 520هـ بالأندلس والمتوفى سنة 597هـ ، وبرهان الدين الزرنوجي (2)المولود بقرية زرنج من بلاد فارس والمتوفى عام 620هـ، وابن جماعة المولود بمدينة حماة عام 639هـ والمتوفى بالقاهرة عام 733هـ وابن خلدون الحضرمي اليمني ، المولود بتونس سنة 723هـ والمتوفى

الهوامش:

  1. أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه ، أبو علي مؤرخ ،بحاث أصله من الري وسكن أصفهان وتوفي بها. اشتغل بالفلسفة والكيمياء والمنطق مدة ثم أولع بالتاريخ والأدب والإنشاء. وكان قيما على خزانة كتب ابن العميد ، ثم كتب عضد الدولة ابن بويه فلقب بالخازن، ثم اختص ببهاء الدولة البويهي وعظم شأنه عنده، ولم تذكر كتب التاريخ والتراجم تاريخ مولده٢
  2.   لم تذكر كتب التاريخ والتراجم ولم ترد روایات بتاريخ مولده

الصفحة 174


سنة 808هـ ، وابن الأزرق (1)المتوفى عام 896 هـ ، ، وابن حجر الهيثمي المولود سنة 909هـ والمتوفى بمكة سنة 973هـ ، والشوكاني المولود في هجرة شوكان من بلاد خولان في اليمن، عام 1173هـ ، والمتوفى عام 1250هـ ، والبيحاني المولود في مدينة القصاب عاصمة بيحان عام 1326هـ ، والمتوفى عام 1391هـ، وغيرهم كثير لا مجال لحصرهم، وسيتم تناول خمسة من أهم أعلام الفكر التربوي الإسلامي بشكل مختصر، وفي أزمان مختلفة، أولهم من بخارى (الجمهوريات الإسلامية التي كانت تتبع الاتحاد السوفيتي سابقاً، وثانيهم من مدينة طوس في بلاد فارس، إيران حالياً ، وثالثهم من تونس والرابع والخامس من اليمن وهم: ابن سينا والغزالي وابن خلدون والشوكاني والبيحاني.

الهوامش :

1) محمد بن علي بن محمد الأصبحي الأندلسي، أبو عبد الله شمس الدين الغرناطي المشهور بابن الأزرق كان عالم اجتماعي سلك

طريقة ابن خلدون، وهو من أصول يمنية ولم تذكر كتب التاريخ والتراجم تاريخ مولده.

الصفحة 175



ابن سينا

ابن سينا هو أبو علي الحسين بن عبد الله

الملقب بالشيخ الرئيس ولد سنة 370هـ - 980 م ،

في قرية أفشنه قرب بخارى في تركستان، أو ما

يعرف حالياً بجمهورية أوزبكستان، وفي بيت لـه

اشتغال بخدمة الدولة.

الفكر التربوي عند ابن سينا :

  التربية قضية إنسانية وضرورة مصيرية ، فظلم الإنسان للإنسان وسوء تربيته والانحراف عن ابتغاء كماله، وعن فطرته وطبيعته الإنسانية كل ذلك نتيجة لسوء تربية الإنسان والانحراف عن أهداف التربية، وسوف نلقي الضوء على الفكر التربوي في القرن الرابع الهجري ممثلاً في آراء ابن سينا التربوية.

أولاً : أهداف التربية عند ابن سينا(1):

هدف التربية عند ابن سينا هو : نمو الفرد نمواً كاملاً من جميع الجوانب، النمو الجسمي والنمو العقلي والنمو الخلقي، ثم إعداد هذا الفرد لكي يعيش في المجتمع ويشارك فيه بعمل أو حرفة يختارها وفق استعداده ومواهبه هو، فالتربية عند ابن سينا لم تغفل الحديث عن النمو الجسمي وكل ما يتصل به من رياضة بدنية، وطعام وشراب وثوب، ونظافة، ولم تستهدف فقط النمو العقلي وجمع المعلومات، بل تناولت جميع الجوانب التي تتعلق بالإنسان في جميع مكوناته الجسمية والعقلية والخلقية ولا يقتصر عمل التربية على خلق

المواطن الكامل جسماً وعقلاً وخلقاً فقـ ، بل لابد أن تعده لمهنة أو عمل أو حرفة يشارك بها في عملية البناء الاجتماعي)، لأن المجتمع في نظر ابن سينا

الهوامش:

1 ) عبد اللطيف، مرجع سابق، ص ص : 87-89

الصفحة 176


إنما يقوم على التعاون وعلى تخصص كل فرد في عمل أو مهنة وتبادل المنافع والخدمات بين أفراده

ثانياً : التخصص المهني التربوي عند ابن سينا(1)

  الواقع أن ابن سينا دأب على إظهار الاتجاه نحو التخصص التربوي والمهني لطبيعة التكوين الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات في ذلك العصر. فقد دعا إلى التخصص بعلم من العلوم، وعلى أساس هذا التخصص وتلك الشهرة كان ينال العلماء التقدير الكبير بين الأمراء، إذ خصص لكل طائفة من هؤلاء العلماء رزق محدود ، وقد يأخذ البعض رزقاً أكبر من طائفة واحدة أمثال الزجاج المتوفى عام 310 هـ فقد كان له رزق في الندماء ورزق في الفقهاء، ورزق في العطاء.

  بذا يمكننا القول: إن هدف التربية عند ابن سينا هو خلق مواطن صالح، جسماً وعقلاً وخلقاً، وإعداد هذا المواطن لعمل أو حرفة سواء أكان عملاً نظرياً أم عملاً يدوياً.

 وسواء أكان العمل النظري متصلا بالعلوم النقلية أم العلوم العقلية التي يجلبها ابن سينا ويرى ضرورتها في حياة المجتمع، وابن سينا يعد (الصناعة) و(الحرف) ضرباً من التعليم يحتاج إلى الإعداد المهني والتدريب والتخصص فيقول: «التعليم والتعلم منه صناعة مثل تعلم النجارة والصياغة وإنما يحصل بالمواظبة على استعمال تلك الصناعة».

  الواقع أن ابن سينا يرى أن التربية الصحيحة تضع كل شيء في موضعه الطبيعي، واعتبر أن النمو بجميع جوانبه وسيلة لتحقيق المثل العليا للتربية في كل الجوانب الجسمية، والعقلية والخلقية والاجتماعية، والذوقية والروحية والوجدانية مع توجيه هذا النمو نحو تحقيق هدفها الأسمى.

الهوامش:

1)عبد اللطيف، مرجع سابق، ص ص : 90~95

الصفحة 177


ثالثاً : الصفات التي يجب أن يتحلى بها المدرس في نظر ابن سينا 

  يشترط ابن سينا عدة صفات يجب أن تتحقق في المدرس كي يكون أهلاً لتربية الأطفال كالعقل والدين، لديه خبرة بتربية الأطفال، كما ينبغي أن يكون حاذقاً وقوراً رزيناً غير عابس ولا جامد، مهتما بالنظافة والنظام، شاعراً بالواجب عليه نحو تلاميذه ونحو مجتمعه.

قال ابن سينا "ينبغي أن يكون مؤدب الصبي عاقلاً، ذا دين، بصيراً برياضة الأخلاق، حاذقاً بتخريج الصبيان، وقوراً رزيناً، غيركز ولا جامد، حلـواً لبيباً، ذا مروءة ونظافة ونزاهة" (1)

رابعاً : عناية ابن سيناء بالتربية الخلقية :

  اهتم ابن سينا بالتربية الخلقية؛ فهو حريص كل الحرص على أن ينشأ الطفل نشأة دينية صحيحة. ويرى أنّ التربية الدينية كفيلة بتحقيق هذه الغاية، ثم يضيف إلى ذلك شيئاً آخر وهو : ألا يعلم الطفل من الشعر إلا ما يحقق فيه جانب الخير، والحث على مكارم الأخلاق (2) فابن سينا على حق في حرصه على المناداة بالتربية الخلقية، فالأخلاق هي كل شيء، والحياة هي الأخلاق، فالتربية الحديثة اليوم توجب على المدرس أن يذكر دائماً أننا لسنا في حاجة إلى العلم فحسب، ولكننا في حاجة إلى كثير من الأخلاق الفاضلة، كما يذكر أن تكوين العادات الحسنة في التلاميذ من الاعتماد على النفس، والمثابرة على العمل، ومراعاة العدالة في كل أمر والتمرن على البر والتقوى، والصدق في القول، والوفاء بالوعد، والإخلاص في العمل، وأداء الواجب ومساعدة الضعيف، والمحافظة على الوقت أكثر فائدة للطفل من حشو ذهنه بمعلومات نظرية، ربما لايحتاج إليها في حياته العملية(3).

الهوامش:

1) الأبراشي، مرجع سابق، ص: 220.

2)المرجع السابق نفسه ، ص: 223.

3)المرجع السابق نفسه، ص :224.

الصفحة 178


خامساً: اختيار الصبية المرضية أخلاقهم: 

  يرى ابن سينا : " أن يكون الصبي في مكتبه مع صبية حسنة آدابهم،مرضية عاداتهم؛ لأن الصبي عن الصبي القن، وهو عنه أخذ ، وبه آنس (1)"

  فابن سينا يرى أثر القدوة الحسنة والبيئة الطيبة والعادات المرضية، وأثر التقليد في تربية الطفل تربية خلقية؛ لأنّ الطفل يحاكي غيره من الأطفال في أقوالهم وأفعالهم وسلوكهم؛ لأنّ نزعة المحاكاة نزعة فطرية في الطفل، فهو يقلد غيره من تلقاء نفسه، فيما يسمع وما يرى، وما يقع تحت حسه، ولهذا يجب أن تُتخير البيئة التي بختلط بها الطفل، ونسأل عن أصدقائه الذين يتصل بهم، ونحثه على حسن اختيارهم، وعدم الاختلاط بالسيئين، فبالقدوة الحسنة يمكننا أن نبث في الأبناء والبنات أحسن العادات، وأكرم الأخلاق، ونغرس في نفوسهم الفضيلة(2).

سادساً : العقاب في نظر ابن سينا :

  لاينسى ابن سينا وهو يقرر مبادئ التربية الخلقية أن يبين رأيه في العقاب فيقول : " إنه من الضروري البدء بتهذيب الطفل، وتعويده ممدوح الخصال منذ الفطام، قبل أن ترسخ فيه العادات المذمومة، التي يصعب إزالتها، إذا تمكنت في نفس الطفل، أما إذا اقتضت الضرورة الإلتجاء إلى العقاب فإنه ينبغي مراعاة منتهى الحيطة والحذر، فلا يؤخذ الوليد أولاً بالعنف، وإنما بالتلطف، ثم تمزج الرغبة بالرهبة، وتارة يستخدم العبوس، أو ما يستدعيه التأنيب، وتارة يكون المديح والتشجيع أجدى من التأنيب، وذلك وفق كل حالة خاصة، ولكن إذا أصبح من الضروري الالتجاء إلى الضرب فينبغي ألا يتردد المربي على أن تكون الضربات الأولى موجعة، فإن الصبي يعد الضربات كلها هيئة، وينظر إلى العقاب نظرة استخفاف، ولكن الإلتجاء إلى الضرب لا يكون إلا بعد التهديد والوعيد ، وتوسط الشفعاء، لإحداث الأثر المطلوب في نفس الطفل"(3) .

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه ، ص : 225.

 2) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.

3 ) المرجع السابق نفسه ، ص: 228

الصفحة 179


هو محمد بن محمد بن أحمد الطرسوسي الغزالي المعروف بأبي حامد نسبة إلى ابنه الذي توفاه الله صغيرا ، وبحجة الإسلام لذوده عن حياض العقيدة الإسلامية بفكره وحكمته. ولد بمدينة طوس (1) سنة (450هـ ) وكان والده يغزل الصوف ويبيعه في دكانه بطوس. (2)فنسب الغزالي إلى مهنة أبيه التي كان يمتهنها.

الهوامش:

1) طوس مدينة بإيران تسمى اليوم بمشهد الرضا. كانت من كبرى مدن خراسان القديمة حتى هجوم المغول وهدمهم لها، وبعد القرن السابع لم ترجع إلى ما كانت عليه من قبل أبداً ؛ فقد هاجر من بقي من أهلها رويداً رويداً إلى قرية سناباد. كانت طوس مسقط الرأس العديد من كبار علماء الفرس في شتى العلوم ، ومن مشاهيرهم الشاعر أبو القاسم الفردوسي الطوسي صاحب كتاب شاهنامه، ومعاصره أسدي الطوسي صاحب كتاب "لغت فرس" وهو أول معجم فارسي في القرن الخامس . ومن العلما السنة المشهورين أبو حامد الغزالي، ومن علماء الشيعة شيخ الطائفة محمد الطوسي مؤسس الحوزة العلمية في النجف في القرن الخامس وخواجة نصير الدين الطوسي في القرن السابع.

أما اليوم فالمدينة ليست في المكان الأصلي لمدينة طوس القديمة، فلم يبق في موقعها الأصلي سوى الأطلال والبقايا والخراب، وهو مكان قريب من مدينة مشهد الحالية حيث تفصلهما مسافة 24 كم. وفي السنوات الأخيرة عُمرت مقبرة الفردوسي الطوسي في أطلال طوس وصارت موقعا أثرياً سياحياً المصدر : ويكبيديا الموسوعة الحرة.

2) السبكي، تاج الدين بن علي بن عبد الكافي ، (1413هـ) ، طبقات الشافعية الكبرى (الجزء السادس)، تحقيق : محمود محمد الطناحي، وعبد الفتاح محمد الحلو، (الطبعة الثانية)، (د.م) : هجر للطباعة والنشر والتوزيع، ص: 191.

الصفحة 180


ملامح من الفكر التربوي عند الغزالي :

1. الغرض من التربية في نظر الغزالي:

  يرى الغزالي : " أن الغرض بطلب العلوم القرب إلى الله تعالى دون الرياسة والمباهاة والمنافسة "(1) . 

2. العلم لذات الله :

  يقول الإمام الغزالي: إذا نظرت إلى العلم رأيته لذيذا في نفسه فيكون مطلوبا لذاته ووجدته وسيلة إلى دار الآخرة وسعادتها وذريعة إلى القرب من الله تعالى ولا يتوصل إليه إلا به وأعظم الأشياء رتبة في حق الآدمي السعادة الأبدية وأفضل الأشياء ما هو وسيلة إليها ولن يتوصل إليها إلا بالعلم والعمل ولا يتوصل إلى العمل إلا بالعلم بكيفية العمل فأصل السعادة في الدنيا والآخرة هو العلم فهو إذن أفضل الأعمال(2)"

3. التربية الإسلامية تجمع بين الدين والدنيا :

  قال الغزالي: " وقد عرفت أن ثمرة العلم القرب من رب العالمين والالتحاق بأفق الملائكة ومقارنة الملأ الأعلى هذا في الآخرة، وأما في الدنيا فالعزُّ والوقار ونفوذ الحكم على الملوك ولزوم الاحترام في الطباع ..(3). والغرض من التربية يتجلى في قوله : " العلم عبادة القلب وصلاة السر وقربة الباطن إلى الله تعالى(4)"، والتربية في رأيه هي : " إخراج الأخلاق السيئة، وغرس الأخلاق الحسنة"(5)

4.مراعاة الاستعداد في تعليم العلوم :

  طالب الإمام الغزالي مراعاة الاستعداد فى تعليم العلوم، فالواجب أن يراعى المعلم مستوى الفهم عند الطالب فلا يرقيه " إلى الدقيق الجلي، وإلى الخفى من الظاهر هجوماً وفي أوّل رتبة".

الهوامش:

1) الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي (1983) إحياء علوم الدين تخريج زين الدين العراقي، الجزء الأول، بيروت

دار المعرفة ، ص 56.

2 ) المرجع السابق نفسه، ص: 12.

3) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.

4)المرجع السابق نفسه، ص: 48.

5)الأبراشي، مرجع سابق، ص: 240.

الصفحة 181


5. مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين:

  أشار الإمام الغزالى إلى مفهوم الفروق الفردية بين المتعلمين وعلاقتها بالأساليب المستعملة في التعليم إستناداً لما ورد في الآية الكريمة (أدعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَدِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل: 125، فالحكمة تستعمل مع قوم والموعظة مع قوم والمجادلة مع قوم.

6. الممارسة سبيل التعلّم:

  وهى نظرية تربوية حديثة كان الغزالى من أوائل الذين أشاروا إليها حين كتب يقول : " قد عرفت بهذا قطعا أن هذه الأخلاق الجميلة يمكن اكتسابها بالرياضة وهي تكلف الأفعال الصادرة عنها ابتداء، لتصير طبعا انتهاء، وهذا من عجيب العلاقة بين القلب والجوارح، أعني النفس والبدن فإن كل صفة تظهر في القلب يفيض أثرها على الجوارح حتى لا تتحرك إلا على وفقها لا محالة، وكل فعل يجري على الجوارح فإنه قد يرتفع منه أثر إلى القلب والأمر فيه دور ويعرف ذلك بمثال : وهو أن من أراد أن يصير الحذق في الكتابة له صفة نفسية حتى يصير كاتبا بالطبع فلا طريق له إلا أن يتعاطى بجارحة اليد ما يتعاطاه الكاتب الحاذق ويواظب عليه مدة طويلة يحاكي الخط الحسن، فإن فعل الكاتب هو الخط الحسن، فيتشبه بالكاتب تكلفا ، ثم لا يزال يواظب عليه حتى يصير صفة راسخة في نفسه فيصدر منه في الآخر الخط الحسن طبعا، كما كان يصدر منه في الابتداء تكلفا ، فكان الخط الحسن هو الذي جعل خطه حسنا ولكن الأول بتكلف إلا أنه ارتفع منه أثر إلى القلب ثم انخفض من القلب إلى الجارحة فصار يكتب الخط الحسن بالطبع.

نظريته في تربية الأولاد:

  وللغزالي نظرية تربوية مميزة ورائدة قياساً إلى زمانها -في تربية الصبيان نشرها في كتابه " إحياء علوم الدين، وتتلخص في:

  أولاً : إشغال وقت الفراغ عند الأولاد حتى نبعدهم عن العبث والمجون وخير طرائق شغل هذه الأوقات تعويد الولد القراءة وخاصة قراءة القرآن وأحاديث الأخبار وحكايات الأبرار(1).

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه والجزء نفسه، ص 107.

الصفحة 182


  ثانياً: تهذيب الأولاد من خلال التعليم الديني والزامه القيام بالعبادات وتعريفهم علوم الشرع وتخويفهم من السرقة وأكل الحرام ومن الكذب والخيانة والفحش (1).

  ثالثاً : التوسط والاعتدال في عملية التهذيب.

  رابعاً : إبعاد الأولاد عن قرناء السوء، وهو يعنى بالفهم المعاصر فصل الشواذ أو المنحرفين فى مراكز خاصة ذات رعاية خاصة..

  خامساً :عدم تعويدهم التراخى والكسل ، وهذا يعنى حثهم على العمل والتحضير والدراسة.

   سادساً :  عدم التساهل معهم ، وهذا يعنى الحرص على الثواب والعقاب حتى يدرك التلميذ أن هناك نظاماً عاماً يحكم المجموعة ؛ وأنه لا فرق بينهم في تطبيقه وهذا يرتبط بضرورة إبعادهم عن التدليل.

7. أن للعب ثلاث وظائف أساسية هي:

   و قد تنبه الغزالي الى أهمية اللعب بعد الانصراف من المدرسة أو الكتاب أو المكان الدي يتلقى فيه العلم و هو يرى أن للعب ثلاث وظائف أساسية هي :

1.المساعدة على ترويض جسم الصغير وتنمية عضلاته وتقويتها.

2. المساعدة على إدخال السرور في قلوب الصغار، لأنّ اللعب يكرس العمل الجماعي.

3.المساعدة على الاسترخاء الذهني والراحة بعد الدرس.

  مما سبق نلحظ أنّ الغزالى أحاط فى نظريته التربوية بالمحاور الأساسية التي تقوم عليها الآن التربية الحديثة والمعاصرة، فقد حدّد لنا المنهج اليومى للدرس والتسلسل المنطقى لعملية التعليم من البسيط إلى الصعب وراعى الفروق الفردية بين المتعلمين ووضع مواصفات التربية والتهذيب وتوقف عند التعليم باللعب مفصلا أهميته في التربية.

الهوامش  :

1 ) المرجع السابق نفسه والجزء نفسه، ص: 109.

الصفحة 183


ابن خلدون

هو ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خالد (خلدون) الحضرمي المعروف باسم (ابن خلدون). ولد في يوم الأربعاء امن شهر رمضان 732 هـ الموافق 27 مايو 1332م، وتوفي في يوم الجمعة 28 رمضان 808 هـ الموافق 19 مارس 1406م.

أراء ابن خلدون التربوية :

1. ضرورة إلمام المربي بفن التدريس والتعليم:

  لا يكفي أن يكون العلم وحده سلاح المعلم، بل لابد من دراسة نفسية للأطفال، ومعرفة درجة استعداداتهم ومواهبهم العقلية حتى ينزل إلى مستواهم الفكري، وبذلك يتم الاتصال بينه وبين الناشئين. 

  يقول في مقدمته في الباب السادس الفصل الثاني بعنوان: في أن التعليم للعلم من جملة الصنائع.

" و ذلك أن الحذق في العلم والتفنن فيه والاستيلاء عليه، إنما هو بحصول ملكة في الإحاطة بمبادئه وقواعده والوقوف على مسائله و استنباط فروعه من أصوله. و ما لم تحصل هذه الملكة لم يكن الحذق في ذلك الفن المتناول حاصلاً. و هذه الملكة هي. في غير الفهم والوعي، إلى أن يقول : ومما يدل أيضاً على أن تعليم العلم صناعة اختلاف الاصطلاحات فيه. فلكل إمام من الأئمة المشاهير اصطلاح في التعليم يختص به شأن الصنائع كلها فدل على أن ذلك الاصطلاح ليس من العلم، وإذ لو كان من العلم لكان واحداً عند جميعهم"(1)

الهوامش:

1 ) ابن خلدون، عبد الرحمن ابن محمد ، (1996)، مقدمة ابن خلدون (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتاب العربي، ص: 288

الصفحة 184


  "و أيسر طرق هذه الملكة فتق اللسان بالمحاورة و المناظرة في المسائل العلمية فهو الذي يقرب شأنها و يحصل مرامها "(1)

  ويتبين من كلام ابن خلدون أن دراسة فن التربية وطرائق التدريس من أهم ما يعني به المربون. ثم يلوم المدرسين الذين لايعنون إلا بتربية الحافظة، وحشو أذهان التلاميذ بمعلومات لاتترك أثرا في عقولهم.

  "و مما يشهد بذلك في المغرب أن المدة المعينة لسكنى طلبة العلم بالمدارس عندهم ست عشرة سنة و هي بتونس خمس سنين. وهذه المدة بالمدارس على المتعارف هي أقل ما يتأتى فيها لطالب العلم حصول مبتغاه من الملكة العلمية أو اليأس من تحصيلها فطال أمدها في المغرب لهذه المدة لأجل عسرها من قلة الجودة في التعليم خاصة لا مما سوى ذلك."

2. ينبغي أن يراعى في التدريس التدرج والتكرار، أو الإجمال في البدء ثم التفصيل؛ يجب أن يكون تعليم الناشئين قائماً على أساس إجمال المعلومات في البداية، على أن يكون التفصيل بعد ذلك التدريج، فتلقى على الناشئ أولاً مسائل من كل باب من الفن ثم يقربها المدرس من أذهان التلاميذ بالشرح الواضح، مراعياً في ذلك درجة نموهم العقلي، وقدرة استعدادهم لقبول ما يلقى عليهم، حتى ينتهي إلى آخر الفن على هذا النحو.

  وابن خلدون يتفق والتربية الحديثة في ضرورة مراعة الاستعدادات والمواهب الفطرية في التدريس، ثم يعود المدرس مرة ثانية إلى هذا الفن فيرفع الناشئ في التلقين مرتبة أعلى من الأولى باستيفاء الشرح والبيان والخروج من الإجمال والتفصيل، حتى ينتهي إلى آخر الفن، ثم يعود مرة ثالثة إلى هذا الفن أيضاً، فلا يترك مسألة عويصة منه، ولا مشكلة من مشكلاته ، ولا مبهما أو مغلقاً من أبوابه إلا وضحه وزاده بيانا ، وفتح مغلقه.(2)

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه والصفحة نفسها.

2 ) الإبراشي، مرجع سابق، ص: 284.

الصفحة 185


3. الانتفاع بوسائل الإيضاح والرحلات في تبسيط الدروس(1) :

  يحث ابن خلدون على الاعتماد على الأمثلة الحسية في تفهيم التلميذ ؛ لأنه في البداية ضعيف الفهم، قليل الإدراك والأمثلة الحسية تكون عوناً صادقاً على فهم ما يلقى عليه، كما يحث على الرحلة إلى الأقاليم النائية وطلب العلم واستفادته؛ لأنها تفتح أمام الناشئين كثيراً من أبواب العلم، وتوقفهم على مشاهد لها أثر في توضيح المعلومات وفهمها، وتزيد في تجاربهم، وتكسبهم علوماً وأفكاراً لاتتاح لهم ولوعاشوا طول حياتهم في بلدهم.

  والتربية الحديثة توافق ابن خلدون على استخدام الرحلات وسيلة عظيمة في تحصيل المعلومات بطريقة عملية، وإن كان ابن خلدون يقصد من الرحلة شيئاً آخر، وهو لقاء كبار العلماء والأدباء والفقهاء حيث يقول: أن الرحلة في طلب العلوم ولقاء المشيخة مزيد كمال في التعلم ، و السبب في ذلك أن البشر يأخذون معارفهم و أخلاقهم و ما ينتحلون به من المذاهب و الفضائل تارة علما و تعليما و إلقاء، وتارة محاكاة و تلقينا بالمباشرة إلا أن حصول الملكات عن المباشرة و التلقين أشد استحكاما و أقوى رسوخا. فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات و رسوخها.

  لقد نادى ابن خلدون بالرحلة والسفر من أجل طلب العلم، ولا عجب؛ فقد كان المسلمون يرحلون من بلد إلى بلد ، ومن مدينة إلى أخرى لتحقيق كلمة أو جملة أو مسألة من المسائل، على يد علماء عرفوا بالتبحر في العلوم. ولم يبالوا بمتاعب السفر ومشاقه.

4. ألا يؤتى بالغايات في البدايات (2):

 ومعنى ذلك ألا تقدم إلى الناشئ التعريفات والقوانين الكلية في أول عهده بالدرس، بل الواجب الابتداء بالأمثلة الكافية التي تساعد في فهم القواعد والتعريفات؛ لأن مواجهة الناشئ بهذه القواعد الكلية وإلقاء مسائل الفن عليه

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه ، ص :285.

2 ) المرجع السابق نفسه ، ص : 286.

الصفحة 186


دفعة واحدة، وهو غير مستعد لفهم ما يلقى عليه في هذه الفترة من عمره العقلي - يصيب عقله بالكلال والكسل ، ويقتل نشاطه الفكري، ويجعله ينصرف عن العلم ويكرهه، وليس للعلم ذنب في ذلك، وإنما العيب يرجع إلى الطريقة السيئة التي لا تراعي ميول الناشئين واستعداداتهم.

5. عدم الخلط بين علمين في وقت واحد (1)

  ينادي ابن خلدون بأنه لايجوز أن يعلم علمين معاً في وقت واحد ؛ لأنّـه قـل أن يظفر بواحد منهما، بسبب تقسيم البال، وانصرافه عن كل واحد منهما إلى تفهم مسائل العلم الآخر، فيستغلقان معاً ، وبذلك يبوء بالخيبة والإخفاق فيهما. ولكنه إذا تفرغ لعلم واحد كان قميناً بتحصيله. ومعرفة مسائله، ومن غير شك أن رأيه هذا ينافي طرق التربية الحديثة، التي تدعو إلى تنويع مواد الدراسة في مرحلة الثقافة؛ لأنّ ذلك مما يجدد نشاط المتعلمين، ويزيد من إقبالهم على تلقي الدورس ، أما الاستمرار في دراسة علم واحد فإنه يدعو إلى السآمة والملل والتعب العقلي.

 6. الا يبدأ بتدريس القرآن إلا عندما يصل الطفل إلى درجة معينة من التفكير(2) :

  يلوم ابن خلدون المربين في زمانه على تلك العادة الشائعة، التي ليس لها مبرر، والتي تقضي بتحفيظ القرآن للناشئ في بداية تعليمه، وأنه يحميه من شر الرذائل. ويقول: إن القرآن كلام الله المنزل، وليس لنا أن نقلده، وليس له تأثير في اللغة قبل أن يفهم الوليد معانيه، ويتذوق أساليبه. ولن يكون للقرآن تأثيره اللغوي والمعنوي إلا بعد أن يصل الطفل إلى درجة معينة من التفكير، تمكنه من فهم معانية.

7. تجنب المختصرات في التعليم:

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه ، ص 287.

2 ) المرجع السابق نفسه ، والصفحة نفسها.

3 ) المرجع السابق نفسه ، ص: 288.

الصفحة 187

  يرى ابن خلدون أن من العوامل التي تقف عقبة في سبيل التعليم اختصار الكتب، ويبين أن المتأخرين قد أولعوا بهذه الطريقة، ويذكر منهم ابن الحاجب الفقيه المالكي، - ومن مؤلفاته : الكافية في النحو، ثم الشافية، وهي في مختصر النحو - وابن مالك صاحب الألفية في النحو.

  ولا شك أن في هذه الطريقة إفساداً للتعليم وإخلالا بالتحصيل، وتضييعاً لوقت المتعلم في تتبع ألفاظ الاختصار العويصة في الفهم ، واستخراج المسائل من بينها، وقد حمل هذا المتأخرين على أن يقصدوا بالمختصرات تسهيل الحفظ على المتعلمين، فأركبوهم مركباً صعباً، يحول بينهم وبين الانتفاع بالدراسة.

 8. عدم مطالبة التلاميذ باستيعاب ماكتب في كل علم :

  ويرى ابن خلدون ألا يطالب التلاميذ باسيتعاب ماكتب في كل علم، فإن ذلك عائقة عن التحصيل. فقد قال: " اعلم أنه مما أضر بالناس في تحصيل العلم و الوقوف على غاياته كثرة التأليف و اختلاف الاصطلاحات في التعاليم وتعدد طرقها، ثم مطالبة المتعلم والتلميذ باستحضار ذلك. و حينئذ يسلم له منصب التحصيل فيحتاج المتعلم إلى حفظها كلها أو أكثرها و مراعاة طرقها. ولا يفي عمره بما كتب في صناعة واحدة إذا تجرد لها، فيقع القصور ولابد دون رتبة التحصيل"(1)

9.استعمال الشفقة في معاملة الأطفال وتهذيبهم:

  يدعو ابن خلدون إلى الرحمة بالأطفال، وتهذيبهم باللين والتفاهم، لا بالشدة والغلظة؛ لأن مجاوزة الحد مضرة بالمتعلم، ومفسدة لأخلاقه. فإذا أخذ التلميذ بالقسوة والغلضة ضاعت نفسه، وذهب نشاطه، وكان إلى الكذب والكسل والخبث أميل، وعندئذ يتظاهر بما ليس فيه، فيفسد منذ الصغر. وفي ذلك يقول : " وذلك أن إرهاف الحد بالتعليم مضر بالمتعلم سيما في أصاغر الولد لأنه من سوء الملكة. و من كان مرباه بالعسف و القهر من المتعلمين أو المماليك أو 

الهوامش:

1 ) ابن خلدون، مرجع سابق، الفصل الرابع والثلاثون: في أن كثرة التأليف في العلوم عائقة عن التحصيل ، ص : 270 ، صيغة وورد

الصفحة 188


الخدم سطا به القهر و ضيق عن النفس في انبساطها وذهب بنشاطها و دعاه إلى الكسل و حمل على الكذب والخبث و هو التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه و علمه المكر والخديعة لذلك وصارت له هذه عادة و خلقا و فسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع و التمرن و هي الحمية والمدافعة عن نفسه و منزله و صار عالة على غيره في ذلك بل و كسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها فارتكس وعاد في أسفل السافلين.

  ويرى ابن خلدون أنّ استعمال الشدة مع التلاميذ مضرة بهم جسمياً، وخلقياً، واجتماعياً، ووجدانياً. وقد تأثر في رأيه بآراء من سبقه من فلاسفة الإسلام.

 10. القدوة الحسنة:

  لم تصل التربية الحديثة إلى أبدع من اتخاذ القدوة الحسنة وسيلة إلى تعليم الأخلاق، وغرس أصول الفضائل في النفوس؛ فالأطفال في رأي ابن خلدون يتأثرون بالتقليد والمحاكاة والمثل العليا التي يرونها أكثر مما يتأثرون بالنصح والإرشاد. وقد اقتبس رأيه مما كتبه عمر بن عتبة أحد المعلمين لولده، حيث قال: "ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإنّ عُيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم  ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت علمهم كتابَ الله ولا تُكرههم عليه فيملّوه، ولا تتركهم منه فيهجروه؛ رَوِّهم من الحديث أشرفه، ومن الشعر أعفّه، ولا تَنْقُلهم من علم إلى علم حتى يُحكموه ، فإنّ ازدحام الكلام في القلب مشغلة للفهم، وعَلِّمهم سُنَن الحكماء ، وجنّبهم محادثة النِّساء، ولا تَتَّكل على عُذر مني لك، فقد اتكلتُ على كفاية منك"(1).

11. تقوية الصلة بين الأساتذة والتلاميذ(2) :

  لما كان العلم والتعليم من الأعمال الاجتماعية الخاصة بالبشر، كان وجودهما في الحياة المدنية الحضرية أكثر من وجودهما في الحياة البدوية؛ لأن كلاً

الهوامش:

1 ) ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، المكتبة الإلكترونية الشاملة، الإصدار الثالث.

2) الابريشي، مرجع سابق، ص ص : 295 - 296 . 

الصفحة 189


منهماتشتد إليه الحاجة كلما استبحر العمران وعظم، مما يفيد في الإحاطة بالعلم أن يكون ذلك عن طريق المحاكاة والتقليد، والاتصال الشخصي بالعلماء، فذلك من أنفع الطرق في تلقي العلوم.

  لذلك فإن ابن خلدون يستهدف وراء ذلك غاية بعيدة، تدعو إليها التربية الحديثة، وهي العمل على تقوية الصلة بين الأساتذة والتلاميذ خارج فصول الدراسة، حتى تتهيأ الفرص الواسعة للتلاميذ ؛ كي يحتكوا بأساتذتهم عن قرب، ويتصلوا بهم، وينتفعوا بأخلاقهم، وينقلوا عنهم علومهم وآراءهم وتجاربهم في الحياة.

12.تدريس العلوم باللغة الأصلية :

  هذه فكرة جليلة يقررها الإمام العلامة ابن خلدون رحمه الله - وهي أن تدريس العلوم ينبغي أن يكون باللغة الأصلية؛ لأنّ الدرس بلغة أجنبية يعد نصف درس. وأن ما كان يدعو إليه ابن خلدون منذ قرون ندعو إليه اليوم بقوة، ونتمنى أن يأتي اليوم الذي تدرس فيه العلوم كلها في جامعاتنا وكليتنا على اختلافها باللغة القومية وهي اللغة العربية لغة القرآن والدين

  إن لدى الأطفال قابلية قوية لتعلم اللغات واستيعابها في سن مبكرة جدا. وهي قابلية لا بد من استغلالها وخاصة في إثراء المعرفة اللغوية لدى الطفل وتحديدا في لغته الأم. فيتعين على المربي أن يحرص على تطوير مهارات اللغة العربية عند الطفل، مما يساعد على تطوير حس الانتماء الثقافي والوطني. كما ينبغي تشجيع الطفل على استخدام لغته الأم استخداما صحيحا.

  وفي حالة اللغة العربية على المربي أن يحرص على تنمية الاعتزاز باللغة الفصيحة، واستخدامها والتمكن منها، حتى لا تطغى اللهجات العامية أو اللغات الأجنبية على الفصيحة، وخاصة أن لوسائل الإعلام التأثير الأكبر في اكتساب اللغات الأخرى نتيجة الاتصال التقني والثقافي. إضافة إلى ذلك، على المربي أن يشجع الطفل على نشر ،لغته وتعريف الآخرين بها، دونما الحاجة إلى تعلم لغة أخرى «بديلة» للغته الأم ، لنقل حضارته وثقافته. إلا أن ذلك لا يلغي تعليم الأطفال لغات أخرى .. لكن لا بد أن يتم ذلك بعد أن يتقن لغته الأم.

الصفحة 190


الإمام محمد بن علي الشوكاني

هو محمد بن علي بن محمد بن عبدالله الشوكاني، الخولاني ثم الصنعاني . مفسر ، ومحدث ، وفقيه ، وأصولي ومؤرخ، وأديب  ونحوي، ومنطقي، ومتكلم، وحكيم ، من كبارعلماء اليمن.

من آراء الشوكاني التربوية :

1. يعتبر الشوكاني التربية أداة فعالة في تعديل اتجاهات المتعلم، يقول في كتابه أدب الطلب : ثم أن هذا العالم يوضح لمن يأخذ عنه العلم في كل بحث مـا يقتضيه الدليل ويوجبه الإنصاف وهو وإن أبى ذلك في الابتداء فلا بد أن يؤثر ذلك البيان في طبعه قبولا وفي فطرته انقيادا. وهذا هو مضمون المفهوم التربوي المعاصر: استخدام التربية كأداة لتغيير السلوك(1).

2. أهداف ومجالات التربية:

أ. الهدف الغائي:

  إن الهدف الغائي للتربية عند الشوكاني هو الإنسان العابد، المحب لله وله المتحرر من التقليد والعصبية، فقد تحدث عن العبد المحب لله سبحانه فقال في كتابه القول الحسن في فضائل أهل اليمن : " فإن كون العبد الحقير محباً لربه عزّ وجلّ هو الغاية القصوى في الإيمان، الذي هو سبب الفوز بالنعيم الدائم، وسبب النجاة من العذاب الأليم"(2).

الهوامش:

1) الشرجبي، عبد الغني قاسم غالب ، (1988)، الإمام الشوكاني حياته وفكره، (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة

الرسالة، ص: 426

2 ) المرجع السابق نفسه، ص: 430

الصفحة 191


ب. أهداف ومجال التربية الإيمانية - الروحية:

  تتلخص معالم التربية الروحية للإنسان المسلم في ثلاث شعب(1)

  الشعبة الأولى: الإيمان بالله كما جاءنا عن طريق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وتشمل الإيمان بالله، وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى، ثم السير في طريق الرقي الروحي نحو مقام الإحسان، ومن مخرجات هذا المقام الخشوع والخشية من الله عز وجل، والزهد في الدنيا، والرفق والأناة، والحلم، وحسن الخلق ، وطلاقة الوجه، وإفشاء السلام، والمداومة على العمل الصالح.

  الشعبة الثانية : أداء الفرائض وتشمل الفرائض الظاهرة التي تندرج فيها فرائض كثيرة يصعب حصرها كأركان الإسلام والجهاد وترك المعاصي والفرائض الباطنة ، كإخلاص النية والانتصار على المعاصي الباطنة مثل سوء الظن والحسد والتباغض والتدابر والبعد عن الكيد والعجب، والصدق والبعد عن النفاق، والأمانة والبعد عن الخيانة، والحب والبغض في الله وعدم الطيرة، والتوبة، والخوف من الله وحسن الظن بالله وبالعبد.

  الشعبة الثالثة : هي التقرب إلى الله بالنوافل، وهذه تنقسم إلى خمسة أصناف هي نوافل الصلاة، ونوافل الصيام، ونوافل الحج، ونوافل الصدقة، ونوافل الأذكار.

ج. أهداف ومجال التربية الخلقية:

  تدور الأهداف الخلقية حول الصفات التي تمثل انعكاساً لحياة المسلم الإيمانية والروحية، وهي الصفات التي يكتسبها المتعلم من وسائ التطبيع والتثقيف، وقد تكون ذاتية ولكنها تؤثر في علاقة الفرد بغيره، وهي نفسية، ومظهرية، وفردية واجتماعية، وهي كذلك سلبية كالابتعاد عن الغيبة، وإيجابية كإحسان الظن بالآخرين(2).

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه، ص ص: 433 438 .

2 ) المرجع السابق نفسه، ص: 439.

الصفحة 192


د. أهداف ومجال التربية العقلية(1):

  يؤكد الشوكان على المهارات الأساسية في التربية العقلية، من فهم، وتحليل، ونقد، وتقييم، وأنه قد وظف الاهتمام العلمي لخدمة المجتمع، فهو قد جمع بين العلم للعلم، وبين العلم للمجتمع.

  ويرى الشوكان أن نفتح العقل المسلم على مختلف فنون العلم، فإن يستطع ذلك، فعلى صاحبه أن يتواضع لغيره ممن بلغوا في المعرفة شأناً كبيراً. فهو قد أكد الارتباط بين الجانب الخلقي والجانب المعرفي، وهو سمة تميز التعلم الإسلامي عن التعلم المعاصر الغربي.

  كما يرى الشوكاني أنّ الاستعدادات والقدرات تختلف من شخص إلى آخرٍ يقول في كتابه: الأبحاث البديعة في وجوب الإجابة على حكام الشريعة : "فالقرائح مختلفة، والأفهام متفاوتة، والإدراكات متباينة، فقد يكون بعض المجتهدين المستوين في المقروءات والمحفوظات أقدر على الاستنباط من الآخر بفاضل ذهنه، وصافي قريحته، وصحيح إدراكه، فكيف يقال أن الاستنباط لا يختص به بعض العلماء دون بعض، فإن كان كل عالم قد شاهد الاختلاف في أهل عصره، وطالع مؤلفات المجتهدين فوجدها متفاوتة تفـاوتـاً يـزيـد مـن التفاوت الكائن بين السماء والأرض والمشرق والمغرب ومن أنكر هذا فهو مكابر بلا شك ولا شبهة".

  وقد رأى الشوكاني التفردية في التعليم؛ إذ يذكر أن المتعلمين ينتفعون من عملية التعلم بحسب ما يتفرد به كل واحدٍ منهم من استعدادات وقدرات وميول، وهذا يتطلب من المعلم مراعاة كل متعلم على حدة، بحيث يبلغ به أقصى ما يمكن أن توصله إليه قدراته واستعداداته من مستويات التعلم.

  ولم يغفل الشوكاني أهمية التربية من خلال الخبرة، إذ يذكر من خلال مناقشاته لآرائه المقدمة لطلابه كي يسلكوا سبيل الاجتهاد ويهجروا التقليد

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه، ص ص : 451 457

الصفحة 193


أن الممارسة والتمرن يساعدان المتعلم على فهم علوم الاجتهاد، يقول الشوكاني في كتابه أدب الطلب ومنتهى الأرب " فإن قلت كيف يقتدر على تصور ما أرشدتك إلى تصوره ويتمكن من توطين نفسه على ما دللت عليه، من أراد الشروع في العلم بادئ ذي بدء، وهو إذ ذاك ما يدري ما الشرع، ولا يتعقل الحجة، ولا يعرف الإنصاف ولا يهتدي إلى ما هديت إليه، إلا بعد أن يتمرن ويتمرس ويكون له من العلم ما يفهم به ماتريد منه . وهنـا نجـد تـضـافـر العلم والخبرة كأداة توظف في تغيير سلوك الإنسان القائم على التقليد إلى السلوك المرتكز على الاجتهاد.

ه. أهداف ومجال التربية الجسمية - الجهادية :

  يمزج الشوكاني بين تربية الأجسام وإعدادها للجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله، فالتربية الجسمية ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لصيانة الإيديولوجية ونشرها والدفاع عنها ، وقد اهتم بجوانب مختلفة من تلك التربية كالاعتناء بالمظهر، والتدرب على المسابقة ،والمصارعة، والتدرب على الرمي وعلى الأسلحة الذاتية الصنع، واللعب والتربية الجنسية وما تتضمنه من أنشطة تستهدف إعلاء طاقتها(1).

و. أهداف ومجال التربية الاجتماعية(2):

  نادى الشوكاني بتربية المجتمع المتحرر من التعصب المذهبي، والجمود، وتقديس صالحي الموتى وغيرهم، ومن العزلة عن الدنيا، وتنمية اتجاهات الاهتمام بحاجات المجتمع ومتطلباته ومقوماته؛ لإنّ حياة المسلم ينبغي أن تنفق في تعمير الحياة ونمائها.

  ودعا إلى تكوين المجتمع المتماسك الذي لا تتعدد عقلياته مشيراً إلى أدوار رواد الفكر والعلم في إحداث ذلك التماسك.

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه، ص: 460.

2 ) المرجع السابق نفسه، ص: 592.

الصفحة 194


  ودعا إلى تربية المجتمع على الأخوة الإيمانية التي تفوق أخوة النسب وعلى التكافل الاجتماعي، وعلى عناصر المسؤولية الاجتماعية كالألفة والهداية ، والإرشاد، والإيجابية.

  كما أنه قد دعا إلى مجموعة من المبادئ التي تستهدف تقدم المجتمع وهي مبادئ تنادي بها التربية المعاصرة وتشمل مبدأ تعميم التعليم، ومبدأ ديمقراطيته ومبدأ الإلزام، ومبدأ التربية المستمرة.

  ودعا إلى أن يربى الأفراد على هجر الجدال ،والمراء، وإلى تربيتهم على أخلاق العزة والشعور بالاستعلاء وبعلو المكانة بين الناس.

ح. أهداف ومجال التربية النفسية (1):

  بين الأهداف النفسية التي تدور حول التبصير ببعض خصائص ومطالب نمو الكائن الإنساني، وقد أشار إلى مراحل النمو المختلفة، استمدها من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، وأوضح أن لكل مرحلة خصائصها ومطالبها ، ويرى الشوكاني وجوب التسوية بين الأولاد في التمليك أو النذر أو الهبة، وقد تحدث عن أثر التقليد في ظلم البنات من قبل الآباء في قضية الميراث، وقد قام من خلال مركزه في القضاء بإبطال كل الأحكام الجائرة التي فاضلت بين الأولاد. 

  وتحدث الشوكاني عن مشروعية إشباع الدافع الجنسي عن طريق الزواج، فإن تعذر هذا على الشاب، فإنه يرى أن يقوم بمناشط معينة من شأنها أن تصرف الطاقة الجنسية في مجالات نظيفة، تتيح له تأجيل الزواج إلى حين زوال موانع تكوين الأسرة، بعيداً عن سلوك الكبت للمشاعر المشروعة، وعن التوتر الناجم عنه والذي قد ينتهي بالزنا المحرم وبعيداً كذلك عن " مـا يـؤدي إليه، ومـا هـو مقدمة له، فمن خشي على نفسه الوقوع في هذا ، وجب عليه دفعه عن نفسه، فإن كان لا يندفع إلا بالنكاح وجب عليه ذلك، وإن كان يندفع بمثل الصوم، أو

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه، ص ص 481-508

الصفحة 195


السفر، أو التقليل من طعامه أو شرابه، أو أكل غير مافيه دسومة من الأطعمة، لم يجب عليه النكاح لإمكان دفع المعصية بدونه".

  فالشوكاني يدعو إلى إيقاف ما يعتبر مقدمة للانحراف الجنسي، وإلى إيقاف ما يؤدي إليه باعتباره يؤدي إلى حرام فهو حرام، وهذا يستلزم توعية المراهق بذلك من ناحية، وهذا ما يدعو إليه علماء النفس المعاصرين أيضاً " توجيه المراهق إلى تجنب المواقف التي تؤدي إلى الاستثارة الجنسية، وفرض رقابة مشددة على الأفلام الجنسية والكتابات الجنسية غير المسؤولة". 

  وأشار إلى كراهية المغالاة في المهور، وضرورة تيسير الزواج ولو بتعليم القرآن للزوجة، وتناول الاعتبارات التي تحقق الاستقرار في الحياة الأسرية وهي: حسن العشرة، وطاعة الزوجة لزوجها، وعدل الزوج بين زوجاته في القسمة وما تدعو

إليه الحاجة.

  وتناول الشوكاني الحاجات المادية للإنسان وأطلق عليها مصطلح الضرورات "فإن الحياة مادامت لصاحبها من تناول ما يسد رمقه، ويدفع به جوعه، ويزيل عنه ضرورته ، وهذا أمر دعت إليه الضرورة ، لا أنه محبوب حبا جليا ..".

 3. وفي مجال البرامج الدراسية والمراحل، قسم الشوكان طلابه في كتابه أدب الطلب إلى أربع فئات(1) ، تختلف كل فئة عن الأخرى بناء على الأهداف التي يبتغيها الطالب في دراسته في أربع طبقات (بتعبيره) لكل طبقة أهدافها ، ومن ثم لكل طبقة علوم وكتب دراسية معينة اقترحها لها :

  الفئة الأولى : وهي التي تبغي العلم للعلم وهي قمة الطوائف الأربع. 

  الفئة الثانية وهي التي تطلب العلم لتستغني به عن سؤال العلماء، ولكنها لا تصل إلى درجة إفتاء الغير.

  الفئة الثالثة: وهي التي تطلب العلم إلى مستوى معين لا يمكنها من الاستغناء عن سؤال العلماء في العلوم التي حصلتها ، فهي أقلُّ     تمكنا في الفئة الثانية.

الهوامش:

1)المرجع السابق نفسه، ص ص : 509~ 512

الصفحة 196


  الفئة الرابعة : وهي التي تستهدف إتقان علم ما من العلوم أو علمين لغرض ديني أو دنيوي، تنشد من وراء ذلك الاشتغال في حرفة معينة، وقد ذكر أمثلة لذلك مثل: مهنة المحاسبة ، ومهنة الطب، ومنها الإنشاء.

  ويؤكد الشوكاني أن المواد ترتبط بالأهداف والميول والاستعدادات والقدرات، وأن الدراسة ترتب بالعبادة، كذلك يربط الشوكاني بين العلم والعمل ، ويربط النظرية بالتطبيق.

4. وأما بخصوص وسائط التربية فقد تناول الشوكاني مجموعة كبيرة منها شملت الأسرة، والمسجد والمدرسة والمجتمع، وشلة الرفاق والدولة بأجهزتها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجماعة، والسجون، ولم يتناول كل الوسائط ومنها الشارع مثلا ربما لخلو الشارع في عصره من مؤثراته العديدة التي نجدها في أيامنا(1).

5. وأما أساليب التعلم وطرق التدريس فقد تناول طائفة كبيرة منها شملت: المباحثة، والمناظرة والتعقيب والاعتراض ،والمناقشة والانتقاد، ورحلة التعلم والوجـادة ( التعلم الذاتي والمراسلة، وأسلوب الخبرة، والسؤال والجواب، وتحضير الدروس المقررة قبل المجيء إلى مجلس العلم، والمذاكرة، والتحريرات والمكاتبات والمشاعرات والمراجعات والقراءة والسماع والإجازة والقدوة والتلقين والترغيب والتنشيط، والتنويع، وربط العلم بالعمل، وضرب الأمثلة، وأسلوب تنمية التفكير العلمي، والأخذ بالمنهج العلمي في أخذ المادة العلمية، واستخدام القصص، والإملاء ( في علم الحديث)، والتربية بالأحداث والمواقف، وأسلوب الحفظ، والتربية بالعقوبة

الإلهية وأسلوب الاستشهاد ، وأسلوب التربية بالعادة(2).

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه، ص: 594.

2)المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.

الصفحة 197


محمد بن سالم البيحاني

هو الشيخ محمد بن سالم بن حسين بن خميس البيحاني ولقبه الكدادي البيحاني(1)، المولود سنة 1326هـ الموافق لسنة 1908م، في مدينة

القصاب عاصمة بيحان(2).

بعض المبادئ التربوية عند البحاني :

  يقصد بمبادئ التربية القواعد أو القوانين أو الأسس التي من خلالها يتم التوصل إلى نظام تربوي شامل والبيحاني قد وضع مبادئ للتربية تصلح لأن تكون مناراً يقتدى به في هذا المجال. وسيتم استعراض بعض المبادئ التربوية عند البيحاني على النحو الآتي(3):

  1. مبدأ إلزامية التلعيم :

  قرر البيحاني إلزامية التعليم منطلقاً في ذلك من مبدأ الإسلام، ومستدلاً بأدلة من الكتاب والسنة، فهو يقول إنّ طلب العلم فريضة كتبها الله على المسلمين والمسلمات وأمر بالعلم قبل العمل ، كما أوضح البيحاني بأن إلزامية التعليم هو من موجبات الدين لأنه شرط للعبادة ونظام الحياة " فالدين الصحيح يأمر أهله بالعلم ويحثهم عليه ، ويجعله شرط العبادة وقوام الملك والعمران". 

2. مبدأ مجانية التعليم:

يوجب البيحاني على الحكومات تهيئة كل وسائل التعليم مجاناً "فالمساجد والمدارس والمعاهد العلمية يجب أي على الحكومات حسن بنائها، وتنسيق أثاثها وتوسيعها بقدر حاجة الأهالي، وجلب الأساتذة الأكفاء إليها، والمعلمين الصالحين القادرين على القيام بواجبهم تربية وتعليماً، ومساعدة

الهوامش:

1 ) الكدادي نسبة إلى أسرته وهم آل الكدادي، والبيحاني نسبة إلى بلاده بيحان.

2 ) الشهاري، شرف أحمد ، (2010)، الفكر التربوي عند البيحاني ، الطبعة الأولى)، صنعاء: دار النشر للجامعات، ص: 31.

3)  المرجع السابق نفسه ، ص ص : 235 - 152.

الصفحة 198


التلاميذ والأخذ بأيديهم وتشجيعهم على التقيد والمضي في دروسهم، وإحضار الكتب والدفاتر والأقلام والمحابر لهم ، وإرسالهم بعد ذلك إلى الخارج إن قضت الحاجة".

3. مبدأ تكافؤ الفرص:

  قرر البيحاني مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم فقد دعا إلى إتاحة فرصة التعليم المتكافئة لجميع المواطنين بغض النظر عن الجنس أو اللون أو الطبقة أوأي اعتبار آخر، حيث قال: "فتبنى المدارس ويؤتى لها بالأساتذة والخبراء ويساق إليها التلاميذ من طبقات الأمة كافة".

4. مبدأ نشر العلم:

  اهتم البيحاني بمبدأ نشر العلم ودعى العرب جميعاً إلى الاهتمام بنشر العلم في المدن والقرى والبوادي جاء ذلك في قصيدة طويلة ومنها :

         وابنوا المعاهد والمدارس وانشروا               التعليم  في البوادي والقرى

5. مبدأ الإخلاص:

   يؤكد البيحاني مبدأ الإخلاص، ويرى أن أي عمل لا يتم نجاحه إلا بالإخلاص. ولا يتم بلوغ الأهداف المروجوة على وجهها الصحيح إلا بالإخلاص؛ لأنها سر النجاح، وكل عمل لا يقبله الله ولا ينتفع به صاحبه، ولا يؤدي به المأمور به إلا مع الإخلاص، وأن تريد به الله وحده وسر النجاح وبلوغ الغاية التي يسعى إليها النبي والعالم والملك والزعيم وغيرهم هو الإخلاص، وما كان لله فيتم، وما كان لغيره فعاقبته الخسران والفشل.

6. مبدأ ربط العلم بالعمل: 

يربط البيحاني بين العلم والعمل ربطاً لاينفك أحدهما عن الآخر فيقول: " كل عمل ونية بغير علم فهو رد على صاحبه ولو كان من أفضل القربات"، وأي علم سواء كان دينياً أو دنيوياً لابد أن يصاحبه التطبيق العملي وإلا فلا فائدة منه " وليس العلم إلا ماصاحبه العمل، وليس الفقه إلا ماعرف به الحلال والحرام وحمل صاحبه على التزام الأحكام".

الصفحة 199


7. ربط العلم بالدين :

  من أهم المبادئ التربوية عند البيحاني هو ربط العلم بالدين، ولا ينفك أحدهما عن الآخر، فلا بد أن يكون الدين والعمل به صادراً عن عمل ومعرفة، كما أن الدين نفسه يحث على العلم ويأمر به (( ومن لاعلم عنده فلا دين له ولا عقل له وإنما هو من جملة الحيوانات، وهو غير معدود من الناس إذا عاشر ، وغير مفقود فيهم إذا مات))، وفي تأكيد البيحاني على أن الدين الحق هو دين العلم والمدنية، يقول في كتابه أطيب الكلام.

           ديننا الحق دين العلم والمدنية                      واكتساب العلى في همة وروية

8. مبدأ الفصل بين الجنسين:

  لقد دعا البيحاني إلى الفصل بين الطلاب والطالبات في مقاعد الدراسة، من بعد سن العاشرة، ولا سيما في المرحلة الإعدادية والثانوية، ولا سيما عندما تبدأ مرحلة المراهقة لما في الاختلاط في هذه المرحلة من الأخطار الدينية والاجتماعية. يقول:

وحينما يكون في المراهق                    فلا اختلاط بل ولا ملاصقة

لاشيء في الشر كالاختلاط                  في حالة الأنس و الانبساط

بين البنين والبنات اللائي                     أصبحن لا يعبأن بالأباء

سيان في الطريق أو في المدرسة            منجس تتبـعه منجس

لاسيما المجتاز سن العاشرة                  فضيحة الدنيا و خزي الاخرة

فليبعد الأبناء عن البنات                      أولا ففي البيوت جاهلات


والبيحاني وإن كان يحذر من الاختلاط في المدارس والجامعات فهو يحذر أيضـاً مـن الاختلاط بشكل عام ويرشد طلابه وطالباته إلى بعض المحاذيرالدينية والاجتماعية التي يجب الابتعاد عنها فيقول:

وكيف كنـــت خـارج المكــــــــان               فاحتفظي بالشرف المصــــــــانِ

لا تضعي كفك في كـف الـرجــل                حتى ولو كان شبيهاً بالرســــل 

وإن حضرت الحفل حفل المعرس               فبين أترابك يابنت اجلسي

الصفحة 109


9. مبدأ تقدير التخصص:

   بعد أن يأخذ الإنسان قسطه من العلوم الواجبة، فإنه ينبغي للأمة أن تهتم بمبدأ التخصص، كل يتخصص في علم من العلوم أو في مجال من المجالات، وكل حسب قدرته واستعداداته.

   والأستاذ البيحاني قد دعا إلى تقدير مبدأ التخصص حيث يقول : " وليس غرضنا من التعليم أن يتخرج من مدارسنا ومساجدنا معلم الصبيان والمؤذن والإمام ولكن لابد أن يكون في علمائنا الصانع والطبيب والتاجر والجندي والقاضي والخطيب والشاعر المجيد، والناشر الأديب والصالح لدينه ودنياه، والعضو العامل في جسم أمته التي تعتز بكتابها القرآن وتفخر بيدنها الإسلام، وذلك لا يكون إلا بمعرفة ما جاء به الكتاب والسنة من القوانين والأحكام، ومختلف العلوم التي بها تستقيم المدنية، ويسود النظام".

10. مبدأ العناية بتعليم المعاقين:

  البيحاني لم ينس الدعوة إلى الاهتمام بتعليم المعاقين ومساعدتهم في أمور حياتهم، وركز على حقوقهم ولا سيما حقهم في العلم والتعليم، وعلى سبيل المثال يقول عن الأعمى" وعلى الناس مساعدة الأعمى ومعاونته والأخذ بيده، وتعليمه ما ينفعه في دينه ودنياه ( ولا شيء يجبر كسره) ويدرك بعض حقه مثل العلم، الذي يصيره في مصاف أبي العلا، وأبي العيناء، وبشار بن برد، والعكبري، والحصري، وأمثالهم".

11. مبدأ الفروق الفردية:

  اهتم البيحاني بالفروق الفردية، فقد قرر هذا المبدأ في قوله : " والتعليم يلقى على الأفراد والجماعات بأساليب الحكمة وعلى كل واحد بما يتناسب مع عقله واستعداداته" ، وعلى قدر منازل الناس وكفاآتهم تكون مهماتهم.

12. مبدأ الوسطية:

 من المبادئ التربوية التي اهتم بها البيحاني وركز عليها هو مبدأ الوسطية، فالاعتدال يعد من الأمور التي بنى عليها البيحاني فكرة وحياته، فلا غلو

الصفحة 201


متطرف، أو تساهل منحرف، ولا تشدد في أمور الدين والعبادة والحياة ، ولا تساهل في ذلك ولكن خير الأمور أوسطها. ومن الأمثلة التي تدل على تطبيق البيحاني لهذا المبدأ الوسطي الذي ينبغي أن يغرس في نفوس الناشئة وينبغي أن يتبعه المعلمون : 1 - الوسطية في النفقات. 2 - الوسطية في الطرب والغناء. 3 - الوسطية في العادات والتقاليد

الأهداف التربوية عند البيحاني :

  الهدف الغائي أو النهائي للتربية عند البيحاني هو بلوغ الإنسان مرضاة الله والفوز بجناته. وهذا ما كان يسعى لتحقيقه لنفسه ولغيره.(1)

  أما الأهداف العليا عند البيحاني التي كان يدعو إلى تحقيقها في الفرد والمجتمع فتتلخص في إيجاد المؤمن العابد المحب لله ولرسوله، الصالح المصلح، السعيد في الدنيا والآخرة العالم بأمور دينه ودنياه، المطبق لشرع الله في شؤون حياته(2).

مجالات التربية عند البيحاني : اهتم البيحاني بكثير من مجالات التربية مثل المجال الروحي والعقلي، والأخلاقي والجسمي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي والعسكري. وأن هذه المجالات يجب أن تنمى في الشخصية الإنسانية لتصل إلى درجة الكمال المنشود. وأن الإنسان مكون من روح وعقل وجسم، فيجب الاهتمام بتربيته على هذه الأسس ولا يهتم بجانب دور آخر منها.(3)

مناهج التربية عند البيحاني :

  مناهج التربية عند البيحاني متنوعة وشاملة، فقد حدد بعض المواد التي ينبغي الاهتمام بها وتدريسها وقد قسمها إلى علوم مفيدة وعلوم ضارة، ثم قسم العلوم المفيدة إلى علوم إسلامية، وعلوم عصرية ، وكلها ينبغي تدريسها

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه ، ص: 156.

2 ) المرجع السابق نفسه، ص: 157.

3 ) المرجع السابق نفسه، ص: 323.

الصفحة 202


والاهتمام بها ، بشرط ألا تتعارض مع مبادئ الإسلام؛ بل تكون موجهة إليه. وركز كثيراً على العلوم الإسلامية، وأشار إلى بعض مصادرها ومراجعها التي ينبغي اعتمادها عند إعداد خطط ومناهج التربية لغرض التأصيل، ثم بعد ذلك العلوم العصرية التي تُعدُّ مكملة للعلوم الإسلامية(1).

وسائط وأساليب التربية عند البيحاني :

  وسائط وأساليب التربية عند البيحاني متنوعة، وهي لاتخرج عن تلك الوسائط والأساليب التي ذكرها علماء التربية قديماً وحديثاً، فقد ركز في مجال الوسائط على دور الأم في تربية الأجيال وإعدادهم إعداداً سليماً، ثم دور المدرسة وكيف يجب أن تنشئ الطلاب ديناً وخلقاً وعلماً، وفي مجال الأساليب تميز بتركيزه على جانب الممارسة العملية في المدرسة وخارجها(2).

آداب وصفات المعلم والمتعلم :

  ركز البيحاني على آداب وصفات المعلم وما يجب أن يتحلى بـه مـن علـم وإخلاص وتطبيق لما يقوله ويعلمه وأكد على علاقة المعلم بالطالب داخل الصف وخارجه من عدل وحب واحترام ومن رعاية ومتابعة ومراعاة لميول الطالب، وإعطائه الحرية فيما يتعلم(3).                

   كذلك ركز على بعض الآداب والصفات التي يجب أن يتحلى بها طالب العلم، وإخلاصه لله في طلبه للعلم، وركز على ضرورة عمل الطالب بالعلم الذي تعلمه وتطبيقه في حياته العملية، حتى يكون سلوكه متميزا عن الجاهل، وأكد كذلك علاقته بالمعلم وما يجب أن يكون عليه نحو معلمه من أدب واحترام ووقار وطاعة والتزام، وكذلك علاقة الطالب بزميله المبنية على الحب والاحترام المتبادل، كذلك أكد أيضاً على الاعتناء بشخصيته ومظهروسلوكه(4).

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه، ص: 322

2 ) المرجع السابق نفسه ، ص: 323 

3 ) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها. 

4 ) المرجع السابق نفسه ، والصفحة نفسها.

الصفحة 203


الوحدة الثامنة

التربية الأوربية في العصر الحديث


التربية الغربية في العصر الحديث


مقدمة :


  يتفق أغلب المؤرخين على أنّ عصر النهضة الإيطالية يحدد بداية العصر الحديث. ففي القرن الرابع عشر حدثت تغيرات عميقة في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية والعلمية والفلسفية والأدبية والتربوية في

إيطاليا وانتقلت هذه التغيرات إلى مختلف أجزاء أوربا.

  ويطلق عصر النهضة على الفترة التاريخية التي تمتد زمنياً بين القرن الرابع عشر والسادس عشر، واستخدمت كلمة (Renaissance)، وتعني المولد الجديد ، أي بعث الروح القديمة الكلاسيكية إلى الحياة على أسس الفلسفة الإغريقية، وتشير مراجع أخرى إلى أنّ عصر النهضة يمتد منذ العام 1492م باكتشاف أمريكا، وينتهي بقيام الثورة الصناعية في منتصف القرن الثامن عشر(1).

  وتتحدد أهم ملامح عصر النهضة في الاتجاه الجديد نحو احترام البدن بدلا من اعتباره سجناً للروح، وزيادة الثروة والاتجار مع الشرق والشمال، والسفر والمغامرة والاكتشافات الجغرافية ونمو اللغات القومية والفردية والفنون واختراع الطباعة وظهور الاتجاهات العلمية كما تتحدد أيضا في تفكك النظام الإقطاعي، ونمو السلطات السياسية والقومية وتمرد الفلاحين والعبيد على أسيادهم، وثورة الملوك ضد السلطة البابوية والاتجاه العلمي في تفسير الظواهر الطبيعية. ولقد صاحب هذه التغيرات مفاهيم أو اتجاهات أو نظريات

تربوية ظهرت في عصر النهضة، ونمت وتطورت خلال العصر الحديث(2).

الهوامش:

1 ) الوطحي أحمد صالح علوي ، (2008)، من تاريخ الفكر التربوي، (الطبعة الأولى)، عدن: دار جامعة عدن للطباعة والنشر، ص: 126

2 ) يونس، مرجع سابق، ص: 247.

الصفحة 206


التربية الغربية في القرن السادس عشر :

  نستطيع أن نعتبر بداية التربية الحديثة من القرن السادس عشر الميلادي لان المبادئ الأساسية للتربية وجدت في هذا القرن وقد اشتملت على أبحاث نظرية وتربية عملية إلا أن الطابع التربوي ظل طابعا فكريا في الغالب، وقد تأثرت التربية في هذا العصر باختراع الطباعة الذي كان قد تم في القرن الخامس عشر الميلادي حيث أدت بدورها إلى تنشيط حركتي الترجمة والتأليف وقد تميزت هذه الفترة التي سميت بعصر النهضة الأوربية بما يأتي:

  حيث حدث تحول مهم في هذا العصر شهدته أوروبا الغربية يتمثل في الانقسام الديني، وتمثل في ظهور تيار قوي مناوئ لسلطة البابا والكنيسة في روما، حيث أثرت هذه الحركة في الفكر والبناء الاجتماعي والطبقي وتوزعت القوة بين الطبقات؛ بل إن الطبقة الوسطى استخلصت لنفسها مكانة أخذت تتزايد عبر الأجيال، وفي تلك الفترة سادت في أوربا" التربية الإنسانية".

التربية الإنسانية (1):

  اقتصرت مواد التربية الإنسانية التي سادت خلال عصر النهضة بصفة مبدئية على اللغات والآداب القديمة ( اليونانية واللاتينية) التي سميت بالمواد الإنسانية، وسرعان ما أصبحت دراسة الآداب القديمة في القرن السادس عشر غاية في حد ذاتها، بعد أن كانت مجرد وسيلة من قبل، وهكذا أصبح التفكير في الهدف من التربية منصباً على دراسة الآداب واللغات بدلاً من دراسة الحياة.

الهوامش:

1)العمايرة، مرجع سابق، ص: 179

الصفحة 207


  وقد جعلت القدرة على القراءة والكتابة اللاتينية الهدف الوحيد للتربية، ونتج من ذلك أن أصبح محتوى التربية والمواد التي تدرس بالمدارس تدريباً طويل الأمد على قواعد اللغة اللاتينية ودراسة مفصلة نحوية وبلاغية لنصوص لاتينية من مؤلفات شيشرون" و "فيرجيل".

  وكان يضاف إلى ذلك بعض مبادئ الحساب مع الاهتمام إلى حد ما باليونانية ، وكان التدريب على الخطابة يعتبر آخر مراحل التثقيف ويقصد به معرفة أسلوب خطابي روتيني يقرب من الأسلوب الشيشروني الكلاسيكي.

  وكان يتم تعليم الأطفال بطريقة شكلية دون مراعاة لطبيعة الطفل وميوله، فالطفل في نظرهم رجل مصغر لا يختلف عن البالغ في الميول والقوى العقلية؛ لذلك كان الطفل يكلف عند قدومه للمدرسة بمعرفة لغة أجنبية، وكان ذلك في العادة قبل أن يتمكن من قراءة لغته الأصلية وكتابتها ، وكان يؤدي ذلك الواجب بدراسة شكلية لقواعد اللغة والبيان، كما كان عليه أن يحصل على هذه المعلومات من كتب اللغة الأجنبية نفسها، وقد نشأ عن ذلك اهتمام كبير بقوى العقل الخاصة بالتذكر.

  وقد بلغت روح النظام والتدريب في هذه التربية أقصى درجات الشكلية، وكان العقاب البدني في نظر الإنسانيين الدافع إلى الدراسة. وهذه التربية بما سادها من شكلية في روحها وفي مادتها صاحبت العودة إلى الاهتمام بالناحية الشكلية في الحياة، تلك الشكلية التي تميزت بها الحياة العقلية والسياسية والدينية والخلقية للقرنين السابع والثامن عشر.

الاتجاهات الإنسانية التربوية في عصر النهضة (1):

  من خلال ما تقدم يمكن أن نلخص أهم الاتجاهات الإنسانية في عصر النهضة

فيما يأتي: 

1. تميزت التربية بالاتجاه من العالمية إلى المحلية نتيجة نمو القوميات والاتجاه العلماني والإنساني للتربية، وكانت الفكرة المسيطرة على الفكر المسيحي في العصر الوسيط فكرة الامبراطورية العالمية والثقافة ووحدة الجنس البشري ووحدة الكنيسة.

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه، ص: 180. 

الصفحة 208


2. تركزت الأهداف التربوية حول تربية الإنسان من أجل سعادته ومن أجل المواطنة وخدمة الدولة، وهي بداية فكرة علمانية التربية وقد ظهرت بصورة رئيسة في عصور التنوير.

3. ظهر الاهتمام بالآداب الكلاسيكية القديمة والعلوم الإنسانية لا سيما في التعليم الثانوي باعتبارها العلوم التي تربي الإنسان الحر - و وهي اليونانية والرومانية القديمة للفنون الحرة.

4. تركيز الاهتمام حول الإنسان والحياة الدنيا والاستمتاع بها.

5. تركيز الاهتمام بالأخلاق أكثر من التركيز على الدين في حد ذاته. 

6. الاهتمام بالتربية الفنية والجمالية والرياضية كجزء من التربية الحرة وهو ما يعتبر إحياء للفكرة اليونانية القديمة.

7. ظل للكنيسة نفوذها القوي على الرغم من الهجوم الذي وجه إليها، وشهد عصر النهضة الصراع بين الدولة والكنيسة للسيطرة على التعليم.

8. شهد عصر النهضة ظهور المدارس العامة لتعليم العامة باللغة المحلية وكانت أقل من المدارس الأخرى، كما شهد أيضا بداية إنشاء مدارس لتعليم البنات مبادئ التربية في بعض المدن ولا سيما في ألمانيا وهولندا وفرنسا.

9. كانت التربية في عصر النهضة بصفة عامة تربية أرستقراطية وتربية للخاصة والطبقات الغنية وتركزت كذلك حول مثل الإنسانية والكلاسيكية وتنمية الرجل المهذب، أما الكنيسة فتركز اهتمامها أساساً على تربية رجال الدين وإعداد القيادات الكنسية.

أشهر المربين في عصر النهضة : ( الحركة الإنسانية ) :

أرازاموس (1466 -1536):

  يعد أرازموس الهولندي من أكثر المربين الإنسانيين الذين حظوا باحترام علمي كبير، فقد كان لدراساته وبحوثه على المخطوطات القديمة والدينية تقدير كبير من جانب المشتغلين بمثل هذه الدراسات، كما كانت كتبه الدراسية لتعليم اللغة اللاتينية يستخدمها أعداد لا تحصى من الطلاب في أوربا.

الصفحة 209


أهم أراء ارازموس التربوية:

1. حدد أرازموس أهداف التربية بأنها تتمثل في الفلسفة الدينية، فهي أول واجب للتربية في نظره.

2. أكد استثارة اهتمام الأولاد بالتعليم المحفز لابقمعها وتحطيمها بالنظام الصارم، كما طالب باستبدال العقاب البدني بلطف المعاملة والتشجيع وعارض بشدة استخدام الطرق الجدلية للفلسفة المدرسية والمدرسة الدينية. 

3. اعتبر ارازموس أن الإنسان خير بطبيعته، وأن الطبيعة خيرة كريمة، وأن طبيعة الإنسان قابلة للكمال إذا هيأ لها النمو في الاتجاه المرغوب.

4. يعتقد أرازموس أنّ الدين مسألة ذكاء وفطنة وأن الإنسان يستطيع أن يصل إلى الأفكار الدينية الصحيحة إذا هيئت له الكتب الدراسية المؤلفة بطريقة محكمة.

5. طالب بإتاحة الفرصة للطفل لكي تتكون حواسه تكويناً سليماً وتشبع روحه بنعم الحياة المتعددة.

6. اعتبر أن الأم هي المربية الطبيعية للطفل في سنواته الأولى، وأنه ينبغي ألا يطلب من الطفل إلا اللعب حتى سن السابعة وذلك لينال جسمه نصيبه من النمو.

7. طالب من المعلم أن يجعل من الموقف التعليمي طبيعياً بقدر الإمكان وأن يكون مدخله إلى المشكلة تدريجياً ومبنياً على الاهتمام، وأن خير وسيلة للتعلم هي فهم المعلومات ثم ترتيبها ثم تكرار هذه العملية.

الصفحة 210


التربية الغربية في القرن السابع عشر الميلادي :

  من أهم العوامل التي أثرت على التربية في هذا القرن هو الجماعات الدينية التي قامت في أوروبا بالإضافة إلى عامل مهم آخر هو النهضة العلمية التي بدأت في القرن السادس عشر ميلادي وظهور عدد من العلماء في شتى المعارف والعلوم الطبيعية والإنسانية، بالإضافة إلى بعض المربين الذين كان لكتاباتهم أثر في تطور النظرية التربوية وفي قبول الطريقة العلمية التجريبية كأسلوب في البحث والتفكير. ولما ظهر ما يسمى بالاتجاه الواقعي للتربية تحولت أبحاث المفكرين وأنظارهم إلى البحث عن الحقيقة العلمية وعن مظاهر الحياة الطبيعية الواقعية المبنية على المعرفة عن طريق الإدراك الحسي ، وقد أدى ذلك إلى الاعتقاد بان التربية نفسها عملية طبيعية لا صناعية بمعنى أن القوانين والمبادئ التي يجب أن تبنى عليها التربية موجودة في الطبيعة، وهذا أدى إلى الاهتمام بوضع علم أو فلسفة للتربية مبنية على البحث العلمي واستبدال المناهج الدراسية بمناهج دراسية تحوي العلوم

الطبيعية.

المذهب الواقعي :

  وقد اتجهت التربية في هذا القرن وجهة واقعية تمثلت في:

1. المذهب الإنساني الذي يرى أن التربية لاتهدف فقط إلى كسب المعرفة، بل تهدف أيضاً إلى تحقيق النمو الجسمي والخلقي والاجتماعي للفرد، ومن أبرز دعاة هذا المذهب الأديب الإنجليزي جون ملتون الذي نظر إلى التربية على أنها عملية إعداد لحياة دينية أخلاقية عملية. 

2. المذهب الاجتماعي الذي ينظر إلى التربية على أنها وسيلة لإعداد الفرد للحياة الاجتماعية الناجحة السعيدة المملوءة بالمسرات. ومن أبرز أنصار هذا المذهب المربي النفسي فرنسيس دابليه الذي يعتقد أن الطبيعة البشرية خيرة، ولهذا يجب أن تعطى الفرصة الكاملة لكي تنمو بكل طاقاتها.

3. المذهب الحسي الذي يعلي من شأن الحواس ومن شأن الإدراك الحسي في اكتساب المعرفة ويوجب استخدام طريقة الاستقراء في دراسة المواد المختلفة

الصفحة 211


ويحترم الطبيعة ويوصي باستخدام الطريقة العلمية الحديثة في البحث، ومن أنصار هذا المذهب فرنسيس بيكون.

4.المذهب التهذيبي الذي يقوم على مبدأين رئيسيين هما :

أ. النظرة إلى التربية على أنها عملية تهذيب لملكات الشخص العامة.

ب. اعتبار شكل العملية التعليمية أهم من المادة المتعلمة نفسها ومن أنصار هذا المذهب جون لوك.

أشهر المربين في القرن السابع عشر :

جون لوك (1632 -1704):

  ولد في ضواحي مدينة بريستول بانجلترة، وعندما بلغ الرابعة عشرة دخل مدرسة وستمنستر واستمر بها حتى دخل جامعة أوكسفورد، لكنه لم يجد في الدرس متعة، وقد قال عن دراسته الجامعية بعد سنوات لم أكن أحس بأيسر قدر من النور يدلف إلى فهمي، وبعد تخرجه عين مدرساً للغة اليونانية والخطابة والفلسفة في الجامعة ذاتها، وفي أواخر أيامه اشتغل بالسياسة، ثم أقبل على التأليف، ومن أشهر مؤلفاته كتاب "آراء في التربية".

أراؤه التربوية :

1. كان هدف التربية في نظر لوك أن التربية الطبيعية للفرد تربية متكاملة تشمل تربية الجسم والعقل والخلق، وهو يشير إلى أن العقل السليم في الجسم السليم، إلا أنه ركز اهتمامه على التربية الخلقية وتعليم الفضيلة والحكمة والسلوك السليم والعادات الطيبة.

2. اهتم بالتعليم المعرفي ونادى بأن يكون أسلوب التعليم بدون خوف وإنما بالحب والعطف، وهو لا يحبذ العقاب الشديد، ويفضل عليه الثناء والمدح والتشجيع.

3. يؤمن لوك بأهمية الخبرة الحسية في المعرفة، واعتبر الحس أساس المعرفة فالعقل عنده صفحة بيضاء يستمد خبرته من مصادر البيئة الخارجية.

الصفحة 212


4. أكد لوك على التدريب العقلي لتدريب الملكات، واعتبر الرياضيات خير وسيلة لذلك عن طريق الحواس.

5. جعل لوك التربية مقصورة على أصحاب الياقات البيضاء ، فجعل التربية من أجل الجنتلمان، أو الرجل المهذب، وهي تربية ولا شك تقتصر على فئة معينة.

6. نادى بأن يتحول العمل في المدارس ( مدارس الأطفال) إلى اللعب حتى يتناسب مع روح الطفل، وهذا ما تنادي به التربية الحديثة. 7.كانت أفكاره التربوية تعتبر بمثابة إعداد الفرد لمواجهة الحياة، بحيث يكون هذا الإعداد شاملا للشخصية الإنسانية في كافة جوانبها عقلية وجسمية، والبعد عن حشو ذهن التلاميذ بالحقائق الجافة، وطالب بالابتعاد عن أي علم من العلوم الذي لن يكون له فائدة بالنسبة للإنسان.

8. أن يكون أسلوب التعليم بضرب الأمثلة أكثر من القواعد والأحكام، وأن يتلاءم أسلوب التعليم مع قدرات الطالب الذهنية والجسدية والعاطفية.

الهوامش:

1)أصحاب الياقات البيضاء White-Collar Criminal مصطلح متعارف عليه في القانون الجنائي منذ عام .1948 كان ويليام دورانت Willian C. Durant مؤسس شركة جنرال موتورز الأمريكية General Motorsهو أول من استخدم هذا المصطلح في كتابه بعنوان "سيرة عامل من أصحاب الياقات البيضاء" ، ثم جرت العادة، فيما بعد أن يطلق هذا المصطلح على الأشخاص الذين يتمتعون بمراكز رفيعة على المستويات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية، وهم أولئك الذين يرتدون في العادة ملابس ياقاتها بيضاء ذات أناقة ونظافة وبريق متميز، وذلك إيحاءً لكل من يراهم أو يتعامل معهم بطهارة اليد ونقائها. غير أن هذا المصطلح يرتبط في المفهوم - وعلى نحو أساسي - بفعل إجرامي، ومثال ذلك أن يرتكب أصحاب المراكز الراقية في المجتمع | أفعالاً غير مشروعة، بغية الحصول على ملكية أو مال أو نفع شخصي وبالاختلاس أو الرشوة أو إساءة استخدام النفوذ أو المال العام أو السلطة، وغير ذلك من جرائم الفساد (المرجع: أيوب عثمان، جامعة الأزهر غزة، موقع : سودانيزاونلاين دوت كم،متوفرعلى الرابط:http://www.sudaneseonline.com، تاریخ النسخ: 2014/6/5م. وتم تعريف الياقات البيضاء في موقع ويكيبيديا الموسوعة الحرة، بأنهم أولئك الناس الذين يقومون بعمل «ذهني» مكتبي، وهم بذلك يتميزون عن أصحاب الياقات الزرقاء (Blue-collar Workers) الذين يقومون بعمل يدوي ميداني كالعمال.

الصفحة 213


التربية الغربية في القرن الثامن عشر الميلادي :

  تميز هذا القرن ببعض التطورات الفكرية والتربوية وظهور الحركة أو النزعة الطبيعية في التربية بزعامة جان جاك روسو في النصف الثاني من هذا القرن كما طغت الروح العلمانية على روح الكنيسة فأصبح المكان الأول في ميدان النظر والعمل لغير رجال الدين حيث تقدم عليهم الفلاسفة والعلماء والحكماء ورجال الفكر وامتازت التربية في هذا العصر بنزعتها النقدية الإصلاحية الداعية إلى إيجاد مواطنين مثاليين والوصول إلى مثل عليا جديدة للحياة، وبث روح جديدة في المجتمع كما ظهر في هذا القرن القول بأن غاية كل مرحلة من مراحل التربية هو النمو الصحيح للطفولة، وان محور العملية التربوية هو الطفل ولذلك وجب الاهتمام به وبمواهبه وميوله ورغباته.

الحركة الطبيعية :

  يعرف القرن الثامن عشر بعصر الاستنارة أو عصر التنوير، وقد هدفت حركة التنوير إلى الرفع من شأن العقل وتحكيمه في كل الأمور بما في ذلك الأمور الدينية. ويرفض كل سلطة لا تستطيع أن تجد لها مايبررها في عقل الفرد، وآمنت هذه الحركة بأن العقل البشري وحده هو الوسيلة إلى السيادة الإنسانية وإلى الثورة ضد الظلم بجميع أشكاله، كذلك حاربت هذه الحركة أعمال الجماعات الدينية في ذلك الحين، وجاهرت بأن الدين ليس إلا أوهاماً وخرافات ، وكانت فرنسا مركز حركة التنوير، ويؤخـذ علـى

الهوامش:

1) كانت بداية نشأة العلمانية في أوروبا، وكان ذلك بسبب عبث الكنيسة بدين الله المنزل، وتحريفه وتشويهه، وتقديمه للناس بصورة منفرة دون أن يكون عند الناس مرجع يرجعون إليه لتصحيح هذا العبث وإرجاعه إلى أصوله الصحيحة المنزلة كما هو الحال مع القرآن المحفوظ بقدر الله ومشيئته من كل عبث أو تحريف خلال القرون . إن ما نبذته أوروبا حين أقامت علمانيتها لم يكن هو حقيقة الدين . فهذه كانت منبوذة من أول لحظة . إنما كان بقايا الدين المتناثرة في بعض مجالات الحياة الأوروبية أو في أفكار الناس ووجداناتهم، فجاءت العلمانية فأقصت هذه البقايا إقصاء كاملاً من الحياة، ولم تترك منها إلا حرية من أراد أن يعتقد بوجود إله يؤدي له شعائر التعبد في أن يصنع ذلك على مسئوليته الخاصة، وفي مقابلها حرية من أراد الإلحاد والدعوة إليه أن يصنع ذلك بسند الدولة وضماناتها. ويمكننا تلخيص تسبب الكنيسة في نشأة العلمانية في الآتي:

الصفحة 214


الحركة الطبيعية أنها حركة أرستقراطية تهدف إلى إنشاء أرستقراطية العقل على أنقاض ارستقراطية الأسرة والكنيسة، وأنها لاتهتم بالطبقة المستنيرة من الشعب، حتى أن فولتير وصف مجموع الشعب بأنهم أغبياء وأنهم ثيران، كذلك يؤخذ عليها أنها لا تهتم بالعواطف والمشاعر الإنسانية، كما أنها لم تفرق بين الدين في سموه وبين ممارسات رجالات الكنيسة، ومن ناحية أخرى فإن التعليم لم يتقدم تقدماً كبيراً في القرن الثامن عشر لأن العقلية الكبرى كانت نقص المعلمين المؤهلين والمثقفين ثقافة علمية ومسلكية، على أن ضخامة الجمهور ونوعيته كانت تختلف من بلد لآخر، ففي عام 1786 أجبر لويس الرابع عشر في فرنسا كل قرية على فتح مدرسة ومكافأة معلميها ، وفي روسيا قام بطرس الأول بتطوير التعليم وأصدر أمراً في عام 1714 بفتح مدارس الأرقام في كل البلاد لتعليم الحساب والهندسة والمنطقتان الوحيدتان اللتان كان التعليم الابتدائي فيهما في متناول الجميع هما روسيا واسكتلندا ، وفي مجال التعليم الثانوي سادت في انجلترا مدارس النحو والمدارس العامة المخصصة لتكوين الملاحين والمهندسين والأطباء، وفي فرنسا سادت جمعيـة

اليسوعيين التي اقتصرت برامجها على بعص المواد التقليدية.

الهوامش:

كل تلك الأسباب وغيرها أدت إلى نبذ أوروبا للدين وإقبالها على العلمانية باعتبارها مخلصاً لها مما عانته من سطوة رجال الدين، وسبيلاً للانطلاق والتقدم الذي كان الدين - بذلك التصور وتلك الممارسات . حجر عثرة أمامه.. (المصدر : إسماعيل محمد حنفي نبذة عن العلمانية ، موقع صيد الفوائد، متوفر على الرابط: http://www.saaid.net

الصفحة 215


  أشهر المربين في القرن الثامن عشر الميلادي:

 جان جاك روسو ( 28 يونيو 1712 - 2يوليو (1778)

فيلسوف سويسري، كان أهم كاتب في عصرالعقل وهو فترة من التاريخ الأوروبي، امتدت من أواخر القرن السابع عشر إلى أواخر القرن الثامن عشر الميلاديين ساعدت فلسفة روسو في تشكيل الأحداث السياسية، التي أدت إلى قيام الثورة الفرنسية. حيث أثرت أعماله في التعليم والأدب والسياسة(1).

  كتب روسو كتابا رئيسيا في التربية اسمه "إميل" على هيئة قصة طفل. وتبدأ القصة بنشأة الطفل إميل وتنتهي بزواجه وهو في سن 25 سنة. يربى النشئ على طبيعته بدون إجباره على حفظ العلوم والثقافات، بذلك يتعلم النشئ من طبيعة ميوله وبالتجربة الشخصية(2).

  وأهم ما يصبوا إليه روسو أن ينشأ في الطفل الشعور الاجتماعي. وكما يؤكد روسو على استقلالية النشئ، فيجب أن يكون هذا مقترنا بتوجيه خفي بحيث تتفق ميول النشئ مع ما يريده المعلم. ففي كتاب "إميل" أو عن التربية يقول روسو : " اتبعوا مع النشئ الطريقة العكسية، وهي أن يشعر النشئ بأنه هو صاحب الاختيار. فلا توجد استجابة وتكريس إلا بالشعور بأن المرء حرّ فيما يتعلمه. هذا هو التكريس الحقيقي" (3).. و يرى روسو أن النشئ الذي ينشأ على تلك الطريقة الحرة هو الأصلح لمجتمعه(4).

  انتشرت طريقة روسو في تربية النشئ سريعا في مختلف الدول الأوروبية، وهي تعتبر حتى يومنا هذا الطريقة الأساسية لطرق التعليم الحديثة.

الهوامش:

1) موقع ويكيبيديا الموسوعة الحرة، متوفر على الرابط : http://ar.wikipedia.org/wiki

2) المرجع السابق نفسه.

3) المرجع السابق نفسه.

4)المرجع السابق نفسه. 

الصفحة 216


أفكار روسو التربوية(1) :

  كانت آراء روسو التربوية تعبيرا عن أراء الفلسفة في الطبيعة البشرية التي هي بدورها رد فعل متطرفة لفساد المجتمع في تلك الحقبة.

1. يعتقد روسو أن الطبيعة خيرة، وأن الشر والفساد من صنع البشر "كل ما يخرج من يدي . الله يكون خيرا ويد الإنسان تفسده".

2. في (الفصل الأول لكتاب إميل تحدث عن تربية الطفل من الميلاد إلى خمس سنوات، وانتقد فيه روسو التربية التقليدية في كتابه "إميل" بشدة وعنف ورفض عادة اللفافة وتعجب كيف نقيد الطفل منذ ولادته بلفافة، ونقيده في حياته بالعادات والتقاليد، ثم نقيده بعد مماته بكفن فيولد الإنسان ويعيش ويموت مقيدا..

3. التربية الطبيعية هي ترك الطفل يعيش بحرية.

4. يركز روسو على بناء جسم الطفل بناء سليما بالغذاء والألعاب الرياضية. 

5. يرفض تلقين الطفل مفردات لغوية كثيرة، وأن يردد ألفاظا لا يفهمها، إذ يرى أنه من الخطأ أن نعلمه نطق الكلمات أكثر من قدرته على التفكير.

6. مراحل النمو هي التي تحدد ما يجب على التلميذ أن يتلعمه، ولذلك قسم تربية إميل إلى مراحل زمنية في الطفولة، والطفولة المبكرة، والطفولة المتأخرة، والمراهقة.

7. في الفصل الثاني من كتابه، يعتبر روسو المرحلة من ست سنوات إلى اثنتي عشرة سنة من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان في حياته، لذا يترك الطفل يعيش في الطبيعة، يستمد معلوماته عن طريق الحواس ومن ملاحظاته، فالمربي الحقيقي هو الطبيعة وموجوداتها ودور الإنسان هو مساعدة الطفل على فهم دروس الطبيعة، ودعامة التربية في هذه المرحلة هي الحواس والمحسوسات، فيقول : اجعل المسائل في متناوله ودع حلها له ولا تجعله يعلم شيئا عن طريقك واجعله يفهم كل شيء بنفسه. ويقول أيضا : "لا تقدم

الهوامش:

1 ) http://salimprof.hooxs.com

 موضوع التربية عند إيميل جان جاك روسو، 12 نوفمبر 2008.

الصفحة 217


لتلميذك أي نوع من الدروس الكلامية، فعليه ألا يتلقى مثل هذه الدروس إلا من التجربة.

8. في الفصل الثالث من كتابه مخصص للمرحلة مابين اثنتي عشرة سنة حتى الخامسة عشرة سنة، ويتعلم إميل فيها ما هو عملي ومفيد له، لذا لابد من اختيار المواد بدقة وحذر ويوصي روسو بتعلم العلوم الطبيعية وعلى رأسها الفلك ثم الجغرافيا ولا يتعلمها الفتى من الكتب والخرائط بل من ملاحظة الطبيعة وعن طريق الأسفار ، ورغم هذا ينصح بكتاب روبرسون كروزي (Robinson Crusee) فهو ينصح بالابتعاد عن الخطب الرنانة... وتمثل هذه المرحلة النشأة العقلية عند الإنسان في الاستطلاع والقدرة على المناقشة والفهم والتحليل، ومن أهم ما يميز هذه المرحلة، هو تعلم حرفة يدوية أو مهنة منسجمة مع هذه المرحلة.

9. في الفصل الرابع تناول فيه الحديث عن تربية الشباب من الخامسة عشرة سنة إلى العشرين سنة ، وهو ما أسماه بالتربية الوجدانية والأخلاقية، ينصب الاهتمام على تنمية العواطف والأحاسيس والمشاعر وإيقاظ الضمير، و أن الأخلاق مكتوبة في أعماق كل إنسان بشكل طبيعي؛ ويعطي روسو قيمة كبيرة للضمير ويراه المبدأ الأساس للعدالة.

10. الفصل الخامس ( من عشرين سنة إلى خمسة وعشرين سنة) يتحدث فيه عن تربية الفتى والفتاة، في هذه يلتقي إميل بـ "صوفي" التي تربت كمـا تـربـى إميل، مما جعلها أهلا للزواج منه، لكنهما لا يتزوجا إلا بعد أن يقوما برحلة لمدة سنتين، ينتقلان خلالها في الدول ويتعرفان على أنظمتها الاجتماعية وعلى شعوبها وعاداتهم وتقاليدهم.

مبادئ التربية الطبيعية عند روسو(1) :

1. الإيمان ببراءة الطفل، وهو تأكيد لاعتقاده بخيرية الطبيعة البشرية، إنه يذكر أن الإنسان ابن الخطيئة.

الهوامش:

1) المرجع السابق نفسه.

الصفحة 218


2. الإعلاء من شأن الطبيعة : فالطبيعة يتعلم منها الإنسان ما يحتاج والتربية الصحيحة هي السير وفق قوانينها

3. مبدأ الحرية: ترك الطفل يتدبر أمره بنفسه يحمله على التفكير واكتشاف المفاهيم والحقائق على المربي أن يخلق مأزقا للطفل ثم يترك له الحرية للخروج من المأزق، وبهذا تتم عملية التعلم التلقائي الراسخ.

4. مبدأ التربية السلبية أي ألا نعلم الطفل شيئا لا يطلب تعلمه، فتترك له الحرية في الحركة والاحتكاك واكتشاف الخبرة العملية والابتعاد عن الدروس اللفظية فيقول: لا ينبغي أن نلقن الطفل دروسا لفظية، فالتجربة وحدها هي التي يجب أن تتولى تعليمه وتأديبه.

5. مبدأ الطفل هو محور التربية : أي معاملة الطفل كطفل لا كراشد ، وأن ميوله وخصائصه وحاجاته الحاضرة ومصالحه يجب أن تكون مركز العملية التربوية لا رغبات وطموحات الكبار.

  إن أصحاب هذا المذهب يهتمون بطبيعة الطفل وأساس التربية عندهم لا يتمثل في الإعداد للمستقبل حيث يقول روسو :" إن الطبيعة تتطلب منهم أن يكونوا أطفالا قبل أن يصبحوا رجالا وعلى المربين أن لا يحملوا الطفل ما لا طاقة له به ، وإلا عاش تعيسا.

ومن هنا ينحصر دور المربي عندهم في ملاحظة نمو الطفل نموا طبيعيا وتهيئة الفرص والظروف الملائمة لهذا النمو والتشديد على خبرة الطفل وميوله. أي إشراك الطفل في العمل والتجريب في المعامل.. وتهيئة الظواهر لإدراكها وإلغاء النظام التعليمي القائم على السلطة العليا.

الصفحة 219


التربية الغربية في القرن التاسع عشر الميلادي:

  تميز هذا القرن بالتوسع الكبير في تطبيق الطرق العملية حتى شمل مجال الدراسات النفسية والتربوية والعلوم الطبيعية كالصناعة والزراعة والطب والتوسع في التعليم المهني والصناعي وإنشاء المدارس المهنية والصناعية الخاصة إضافة إلى النظر إلى التربية كواحدة من أهم وسائل إعداد المواطن الصالح وعامل مهم في تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي ولم تعد التربية مجر كلمات وموضوعات لتأملات الفلاسفة وإنما سارت بخطى حثيثة في طريق التكوين العلمي وبدأت تظهر في العالم كتب تبحث في علم التربية لكثير من الكتاب في كل من انجلترا وألمانيا والدنمرك وغيرها ومنها ما كان خاص بالأطفال ومزود بالصور التوضيحية

ومن رجال التربية في هذا القرن جون ديوي وكيارافال.

  سادت هذا القرن المبادئ التربوية المبنية على دراسة تقسمات الطلاب، وطرأ تقدم كبير على العلوم الطبيعية، وظهور قصور واضح في العلوم الإنسانية التقليدية، كما اتجه النظر إلى محتوى المادة التي يدرسها الطلاب ومدى ملاءمتها لطبيعتهم وحاجاتهم النفسية ومدة قربها إلى روح المعلم واعتمادها على الملاحظة والتجريب وعلى النشاط التلقائي وعلى اللعب.

  وقد برزت في هذا القرن نزعتان تربويتان رئيستان هما(1):

النزعة النفسية في التربية:

  ويرى أنصار هذه النزعة أن عملية التربية هي عملية إظهار القابليات الفرد المغروسة في الطبيعة البشرية، وقد سميت هذه النزعة بهذا الاسم لتركيزها على النواحي (العوامل النفسية في التربية ومحاولة صبغ العملية التعليمية بالصفة النفسية، وقد نتج عن هذه النزعة أن سادت مفاهيم عن النشاط الذاتي التلقائي للطالب، وعن أهمية ،اللعب وأهمية الميول والاهتمامات وأهمية الملاحظة والتجربة في علمية التعليم، كما نتج عنها عطف على الطفولة ومعرفة لطبيعة الطفل وقابليته، ومن أشهر أنصار هذه النزعة فردريك فروبل).

النزعة العلمية في التربية :

  أعلت النزعة العلمية من أهمية العلوم الحديثة في تحقيق الحياة الكاملة للفرد ، وانتقدت العلوم الإنسانية التقليدية التي لا تخدم حياة الإنسان المعاصر، كذلك أعلت هذه النزعة من شأن طريقة التجربة والملاحظة العملية ومن شأن الطريقة الاستقرائية، ورأت أن المادة والمحتوى أهم من الشكل أو الطريقة، ومن أبرز دعاة هذه النزعة هربرت سبنسر).

الهوامش:

1)العمايرة، مرجع سابق، ص: 186.

الصفحة 220


أشهر المربين في القرن التاسع عشر :

فردريك فروبل ( 1782 - 1882 ) [ النزعة النفسية ]

  ولد فروبل في عام ( 1782) في أوبرفيس ألمانيا ، درس في جامعة" جينا Jena " لكنه لم يكمل دراسته لأسباب مالية، وبعد ذلك انتقل إلى سويسرا لزيارة مدرسة بيستالوتزي وبقي فيها سنتين، وكان لهذه الزيارة أثر كبير على أفكاره وأسلوبه وعاد إلى ألمانيا ليؤسس مدرسته الخاصة التي أسماها " رياض الأطفال" واليه يرجع الفضل بتأسيس أول روضة أطفال في العالم، ولقد استهدف فروبل من هذه التسمية أن تكون روضة تتفتح فيها قابليات التعلم الطبيعية كما تتفتح النباتات والأزهار، ومن أشهر مؤلفاته كتابه المشهور "تربية الإنسان" ، الذي اعتمد في جوهره على ملاحظة سلوك الأطفال ورصدها في البيت والمدرسة معاً، وكتابة " أغاني الأم والمربية" (1)

  اعتمد فروبل في بيوته التي أنشأها للأطفال كل ما من شأنه إثارة التفكيروالتطلع إلى البيئة المحلية المحيطة بهم، والنظر في مكوناتها. وأولى تفكيرا اهتماماً خاصاً، حتى إنه قدس عقل الطفل، واعترف به مفكراً يختلف تفكيره عن تفكير الراشد (2) .

  تأثر فروبل بالآراء التربوية الإصلاحية للمربي | السويسري بستالوتزي Pestalozzi صاحب كتاب "يوميات أب الذي يعد أول مصدر في دراسة سيكولوجية الطفل(3).

  في عام 1804 عمل مع مهندس بناء، لكنه اكتشف أن هدفه بناء الرجال وليس بناء البيوت، وأن التعليم غايته المنشودة وبه يمكنه تحقيق ذاته. وفي عام 1811 التحق فروبل مرة أخرى بالجامعة ودرس اللغات الشرقية مثل العربية والعبرية والفارسية

الهوامش:

1) المرجع السابق نفسه والصفحة نفسها.

2) سكيكر، فيض، (دت) موقع الموسوعة العربية الإلكترونية، المجلد 14 ، ص: 480 متوفر على الرابط :http://www.arab-ency.com .

3)المرجع السابق نفسه.

الصفحة 221


بدافع من إيمانه بأن البشرية وحدة عظمى، ثم اقتصرت دراسته على اللغة اليونانية.

وفي عام 1812 رحل فروبل إلى برلين وعمل في التدريس، وفي عام 1826 ألف كتابه «تربية الإنسان»(1).

آراء فروبل النفسية والتربوية :

  من مراجعة كتابات فروبل المختلفة يمكن التوصل إلى آرائه النفسية والتربوية الآتية(2) :

1. التربية عملية طبيعية يتم فيها تكيف الطفل ليتلاءم والطبيعة وقوانينها .

 2. للطفل كيان بيولوجي كلي متكامل، ينمو بالأنشطة الذاتية التي يمر بها الطفل وهو محكوم بقوانين الطبيعة العضوية التلقائية.

3. تتكون الجماعة من مجموعة أفراد تربطهم علاقة عضوية. 

4. يمثل الكون كياناً كلياً عضوياً تنطوي تحته كل الكيانات الجزئية الصغيرة.

 5. للإنسان صلة أساسية بالأشياء كلها، وهي صلة تعبر عنها أعماله جميعها.

فروبل ورياض الأطفال(3) :

في عام 1836 أنشأ فروبل، بعد قيامه بجولات كثيرة، معهده الجديد في مدينة بلانكينبورغ Blankenburg ، وأطلق عليه اسم «المدرسة القائمة على غرائز الأطفال الفعالة ثم غير التسمية السابقة إلى اسم «مدرسة التربية النفسية Psychological Educational School ، وقال إن العلوم النفسية هي أساس الأنشطة التعليمية. وفي عام 1840 أطلق فروبل المصطلح الذي بهره وقفز إلى مخيلته في أثناء خروجه بنزهة وهو روضة أطفال kindergarten، وكانت مدرسته التي سميت فيما بعد بالروضة مكاناً يتاح فيه النمو الطبيعي للطفل على أيدي خبراء في التربية.

  ويرى فروبل أن للإنسان روابط دائمة، وأن الذاكرة هي أولى هذه الروابط التي تربط الطفل بالبيئة المحلية المحيطة به، ولكن هذه الرابطة تنمو وفق مراحل متتالية في أثناء تفاعل الطفل مع بيئته، ويعرف الطفل ما يحيط به ويتعلمه ضمن نظام علاقات، لذلك فإن الأنشطة التلقائية هي الوسائل التي تجعل الطفل يندمج فيها ويزاول إمكاناته وفعالياته، وأهم هذه الأنشطة «اللعب» في صوره المتعددة وهو صورة

الهوامش:

1) المرجع السابق نفسه .

2)المرجع السابق نفسه.

3 ) المرجع السابق نفسه .

الصفحة 222


من صور الروابط مع البيئة المحلية المحيطة التي يستطيع بها تعرف البيئة المادية المحيطة.

  ويرى فروبل ضرورة توجيه الكبار الراشدين للأطفال في نواحي نموهم، وتهيئة الوسائل التي تسهم في ذلك وتساعد عليه. لذلك أظهر فروبل أهمية اللعب وجعله وسيلة ورابطة، واللعب عنده هو التعبير الأول عن فعالية الطفل وأساس التربية. واعتقد فروبل أيضاً بتفوق اللعب والموسيقى في تربية الأطفال على الإصغاء أو القراءة، كل ذلك منوط بتوافر التوجيه الحسن في أثناء مزاولة الأنشطة، ولهذا يعد فروبل صاحب مبدأ التعلم بالتعلم.

  وفيما يتصل بالوسائل المادية للعب الأطفال فقد اختار فروبل أشكالاً ثلاثة أطلق عليها مكافآت أو هدايا فروبل هي : الكرة، والمكعب، والأسطوانة. 

الكرة: الكرة أفضل الأشكال لدى الطفل، فهو يجد أن الدائرة تمثل صورة لكل شيء حوله وتتضمن المعاني الآتية : السكون والحركة، والخصوص والعموم، والسطح الواحد والسطح كثير الجوانب، والظهور والخفاء. ويرى فروبل أن اللعب بالكرة صرف لطاقات الطفل، ويرى أيضاً أن الكرة لعبة الطفل الأولى، وتشتمل على صفات ينبغي أن تتوافر في لعب الأطفال وهي الفائدة والجمال والصدق.

المكعب: وجد فروبل أن الطفل يشعر باللذة والسرور حين يجد لعبة تشبه لعبته السابقة في أشياء، وتختلف عنها في أشياء أخرى. والمكعب يشبه الكرة ويخالفها في الوقت نفسه، وعليه فلا يجوز الفصل بين الكرة والمكعب. ويتيح المكعب للطفل أن يعرف الحقائق الأولية عن الشكل والحجم والمساحة والعدد معرفة مباشرة ومحسوسة.

الأسطوانة: يتحقق في الأسطوانة توافر حلقة وسطى تجمع بين الكرة والمكعب. وقد لاحظ فروبل ميل الأطفال إلى اللعب بقطع الخشب التي تشبه الأسطوانة. إضافة إلى ذلك، لم يهمل فروبل لعب الأطفال مثل قص الورق واللعب بالعصي والرسم والتمثيل والجري أمضى فروبل بقية حياته في مدينة «مارينثال» Marienthal من عام 1850 حتى وفاته.

الصفحة 223


هربرت سبنسر ( 1820 - 1903 ) [ النزعة العلمية في التربية ] 

  هربرت سبنسر( Herbert Spencer) هو فيلسوف بريطاني27 إبريل 1820 - 8 ديسمبر 1903، مؤلف كتاب " الرجل ضد الدولة" الذي قدم فيه رؤية فلسفية متطرفة في ليبراليتها. يعتبر سبنسر أحد أكبر المفكرين الإنجليز تأثيرا في نهاية القرن التاسع وهو الأب الثاني لعلم الاجتماع بعد أوجست كونت الفرنسي(1)

آراؤه التربوية :

  ينظر سبنسر إلى المدرسة على أنها مؤسسة اجتماعية لا غنى للفرد والمجتمع

عنها، وتأتي حاجة الفرد إلى التربية من طول فترة اعتماده على الغير قياساً إلى

بقية الكائنات الحية الأخرى، وغاية التربية في نظر سبنسر هو إعداد الناشئ للحياة العاملة، والحياة العاملة تحتوي على عدة نشاطات يقسمها سنبنسر إلى مايأتي(2) :

1. نشاطات تؤدي إلى حفظ الذات مثل الفيسيولوجيا والصحة والطبيعة والكيمياء.

2. نشاطات تحقق المطالب الضرورية للإنسان، وهذه بدورها تؤدي إلى حفظ الذات مثل تعلم العلوم التي تساعد على كسب القوت.

3. نشاطات تؤدي إلى حسن تربية الأطفال كعلم الصحة وعلم النفس.

4. نشاطات تعمل على إيجاد وإبقاء العلاقات الاجتماعية والسياسية. 

5. نشاطات صالحة لقضاء أوقات الفراغ مثل تعلم الآداب والفن وعلم الجمال 

6. وينادي سبنسر بضرورة إقامة نظام التربية على أسس تتلاءم والأطوار الطبيعية لنمو العقل، حيث تثمر التربية أكبر ثمرة ممكنة في تدريب عقل الناشئ، ذلك لأنّ حشو عقل الناشئ بالمعلومات يؤثر سلباً في تفكيره وسلوكه.

الهوامش:

1) ويكبيديا الموسوعة الحرة، مرجع سابق .

2) العمايرة، مرجع سابق، ص: 188 .

الصفحة 224


التربية الغربية في القرن العشرين الميلادي:

  تميز هذا القرن بانتقال قيادة التفكير في التربية من أيدي المربين الألمان والإنجليز إلى أيدي المربين الأمريكان بدليل إن معظم الفلسفات والحركات التربوية التي ظهرت في هذا القرن ظهرت على ارض أمريكية وقد دعت التربية الحديثة إلى تغيير إطار المدرسة التقليدي المكون من الطفل والمعلم والطالب ودعت إلى الاستعانة بالوسائل والتكنلوجيا الحديثة. 

  كما أنها دعت إلى تربية تقدم إلى أفراد المجتمع جميعهم دونما فرق أو تفريق وحثت على التنوع تبعا للحاجات والرغبات والمتطلبات في سبيل تحقيق شعار المجتمع المتعلم وحقيقة الأمر إن ما نسميه بالتربية الحديثة لم يعد حديثا خاصة وان علم التربية في تطور مستمر تجدد دائم.

مظاهر التربية في القرن العشرين :

من أبرز مظاهر التربية في القرن العشرين، مايأتي(1) :

1. إعطاء التربية الأولوية في التعليم.

2. التلميذ هو المحور الذي تدور حوله العملية التربوية.

3. النظر إلى طبيعة الإنسان على أنها وحدة متكاملة لا تنفصل جوانبها العقلية والروحية والجسمية.

4. التربية عملية استثمارية وعائد هذا الاستثمار أضعاف أي استثمار في أي عامل من عوامل الإنتاج الأخرى.

5. توفير مناخ تعليمي مطابق للظروف البيئية خارج جدران المدرسة.

6. مراعاة الفروق الفردية

7. تحرير الطالب من دوره التقليدي كمتلق إلى فرد فعال نشيط.

8.دور المعلم لا يقوم على التعليم والتلقين المباشر، وإنما دوره هو تنظيم العملية

التعليمية للتلاميذ.

9. إكساب روح التفاؤل والمرح والتشويق.

الهوامش:

1) المرجع السابق نفسه ، ص ص : 189- 190 .

الصفحة 225


10. بروز مفاهيم استمرارية التعليم وإلزامية التعليم ومحو الأمية، وتعليم الكبار، والتعليم والتعلم الإبداعيان والتعلم عن طريق العمل المباشرالمحسوس، والتعليم المبرمج

11. استناد التربية إلى علم النفس الحديث.

12. ارتباط التعلم بالحياة العملية وتلاشي مفهوم العلم للعلم.

13. أصبحت التربية تحت إشراف الدولة.

14. ظهور مفهوم التربية الدولية أو التربية من أجل التفاهم والسلام العالمي وهو مفهوم تتجاوز به التربية المفاهيم القومية الضيقة لتنشئ الأجيال الجديدة ضمن مجتمع أوسع هو المجتمع العالمي.

15. استحداث بعض النظم التعليمية التي تتحلل من نظام الفصول التقليدي كنظام التعليم بالمراسلة والتعليم بالراديو أو التلفزيون، والتعلم عن بعد ، والتعليم المفتوح، والتعلم الإلكتروني.

16. ظهور مفهوم الاهتمام بحياة الطفل الحاضرة بدلا من الاهتمام بإعداده للحياة المستقبلية، فعلى الطفل أن يعيش طفولته ثم يعيش فترة الرجولة حين يصل إليها.

17. أصبح التعليم اهتماماً قومياً وليس مسؤولية حكومية فقط، وأصبح من المألوف أن يشارك القطاع الخاص مشاركة فعالة في الخدمات التعليمية.

  لقد ظهرت في هذا القرن مجموعة من الفلسفات والنظريات التربوية المعاصرة التي كانت رد فعل على فكر النظريات في القرون السابقة، مع أن بعض هذه النظريات يحمل أسماء نظريات سابقة إلا أنّ نظرتها جاءت مختلفة في كثير من

القضايا التي تتعلق بالتربية ومن هذه النظريات والفلسفات التربوية :

الصفحة 226


أولاً : الفلسفة البراجماتية :

هي الفلسفة العملية الأمريكية التي ظهرت على يد ثلاثة من أعلام الفكرالأميركي، هم تشارلز بيرسي  (1830 - 1914) ، ووليم جيمس (1842 1910)، وجون ديوي (1859 - 1952). وقد حمل لواء هذه الفلسفة من بعدهم كل من وليام كلباتريك، وجون تشايلدز، وجورج كانتس. وقد كان بيرسي أول مَنْ استعمل كلمة ( براجماتية) سنة 1778 في مقالة كتبها بعنوان : " كيف نوضح أفكارنا ، والاسم مشتق من الكلمة الإغريقية (براجما) ومعناها (العمل). وقد أطلق على هذه الفلسفة ألقاب عدة، مثل: النفعية لأنها ترى أن الأعمال التي يقوم بها الفرد تستمد قيمتها من نفعيتها له وللمجتمع، وكان حريصاً على تطبيق مناهج البحث العلمي على التفكير الفلسفي، فالفكرة تعد صواباً متى كانت النتائج المترتبة عليها نافعة مفيدة في حياة الإنسان، وإلا وجب اعتبارها ،باطلة أو غير ذات معنى يعول عليه، وعلى ذلك فإن الأشياء تحكم بقيمة الغايات التي تحققها ، وبمقدار النفع الذي تجلبه للفرد وللمجتمع والأعمال التي تقوم بها لاتكون لها أهمية إلا بقدر ما ينتج عنها من لذة وألم. وكل فكرة لا تتحول عند صاحبها إلى سلوك عملي في دنيا الواقع فهي باطلة، ومثل هذا يقال في المعتقدات(1).

مبادئ الفلسفة البراجماتية :

الهوامش:

1)العمايرة، مرجع سابق، ص ص: 192 193

الصفحة 227


العلمية، وترفض التخطيط للعملية التعليمية ومراحلها مما يجعلها تعد تنظيم العملية التربوية مواداً وفصولاً ودروساً ويصل المتعلم إلى محتوى المادة التعليمية، ومن خلال خبراته الجديدة القائمة على خبراته السابقة وكذلك من خلال مجموعة من التفاعلات مع البيئة.

الصفحة 228


فروض الاتجاه البراجماتي:

  يقوم الاتجاه البراجماتي على عدة فروض أساسية هي(1):

1. لايوجد في هذا العالم حقيقة ثابتة لاتتغير وكل شيء في حالة تغيرمستمرة.

2. الأفكار تكتسب معناها من خلال الأشياء التي ترمز لها في الواقع، ولكي نختبر أي فكرة فإن علينا أن نضعها في بوتقة تجربة.

3. الطريقة العملية هي أسلم وأفضل طريقة لاختبار الأفكار. 

4. الجانب الاجتماعي من الحياة جانب مهم بالنسبة للفرد.

 5. العلم والمنفعة هما مقياس الحكم الوحيد.

6. إن الحق به وجود ذاتي بل هو صفة تلحق بالحكم، فالحكم قد يتصف بعد التجربة بأنه حق ولكنه قبل ذلك لم يكن حقاً أو باطلاً.

7. الإيمان بوحدة الشخصية الإنسانية وباحترام الإنسان وبقيمة الذكاء البشري في إصلاح المجتمع وتقدمه.

8.التعاون بين البيت والمدرسة، باعتبار أن التربية عملية اجتماعية.

الهوامش:

1)المرجع السابق نفسه ، ص: 194.

الصفحة 229


أهداف فلسفه التربية البراجماتية :

  تتحدد أهداف فلسفة التربية البراجماتية في الآتي(1):

الانتقادات التي وجهت إلى الفلسفة البراجماتية :

  لا تسلم أي نظرية من الانتقادات، ومن أهم الانتقادات التي وجهت إلى

الفلسفة البراجماتية(2) :

1. تركز البراجماتية على المتعلم وتعده المحور الأساس في بناء المنهج وتنفيذه وترفض الاتجاهات التربوية التقليدية التي اتخذت المادة الدراسية محوراً لها

الهوامش:

1) موقع شـ بكة جامعة بابل كلية التربية الأساسية ، متوفر على الرابط :

http://www.uobabylon.edu.iq/uobcoleges/action_lect.aspx?fid=11&depid=6&lcid=12006

2) المرجع أسابق نفسه.

الصفحة 230


في بناء المنهج وتنفيذه، ولأن المتعلم محور العملية التعليمية وترفض البراجماتية التحديد السابق للمادة العلمية وترفض التخطيط للعملية التعليمية ومراحلها، مما يجعلها تبتعد عن تنظيم العملية التربوية موادوفصولاً.

2. تؤكد الخبرة الذاتية للفرد بوصفها وسيلة لمعرفة العالم الخارجي والتعامل معه، وترى أن مفهوم الصدق يطابق مفهوم النجاح والفاعلية تطابق المنفعة فكل ما يحقق فائدة عملية ويقود إلى تحقيق أهداف الفرد صادقاً وصحيحاً.

3. أنها تؤكد النمو التلقائي للفرد بحكم العوامل الوراثية الحتمية والبيولوجية وتنظر إلى أهمية التراكم الكمي للخبرات الفردية في تكوين الشخصية. وعلى هذا الأساس تتعامل مع التربية بالانتقاء الاجتماعي والتوزيع وفقاً لقدرات الأفراد الطبيعية، ولا سيما الذكاء. وعليه لا يمكن بناء الشخصية المتكاملة بحكم إغفالها للتراث الحضاري والعوامل الاجتماعية والعوامل الأخرى تؤدي أثراً في بناء شخصية الإنسان وهذا يناقض منطق العلم ، ويؤدي بالمتعلم إلى تشتت اتجاهاته.

4. لا تتقيد التربية البراجماتية بمعايير روحية فليس في رأيها وجود سابق للقيم والمعايير الروحية ، ولكنها تنشأ في أثناء القيام بالتجارب الناجحة ، وتتولد في أثناء حل المشكلات المتنوعة. وترى أيضاً أن الخبرة الذاتية للفرد والنجاح الفردي هما الأساس للأخلاق ، وليس تراكم التراث الثقافي للإنسانية ، أو لمصلحة المجتمع وقيمته، فهي بذلك تؤكد التنافس، وتنمي الفردية والنجاح الفردي والمنفعة والبقاء للأقوى.

 5. ولأن النظرية البراجماتية تركز على الجانب العملي لعملية التعليم فإن نشاط المتعلم وفاعليته في النشاط والمشروعات والوحدات التي خططها المتعلم وينفذها فهي بذلك تقدمه للمعرفة بدلاً من أن تقدم المعرفة له.

الصفحة 231


وهذا سيؤدي إلى تحطيم التنظيم المنطقي للمادة العلمية ، فضلا عن أنها لا تقدم للتلاميذ إلا المعلومات الجزئية والسطحية ذات الهدف النفعي مما يؤدي إلى ضعف المستوى العلمي للتلاميذ

6. يتمثل دور المعلم البراجماتي في النصح والاستشارة وتنظيم ظروف الخبرة والإمكانات التي تساعد على تعلم الفرد. وهذا يعني إهمال الكثير من طاقات المعلم وإمكاناته وإبداعاته لأنه عنصر فاعل في العملية التعليمية مما يكسب العملية التربوية قدرة على بناء المتعلم وتعليمه.

7. إن هذه النظرية ما هي إلا تعبير عن واقع المجتمع الأمريكي وتطوره الاقتصادي والاجتماعي في تطوره العلمي وتقدمه الصناعي، وهي محور القيم الحضارية والاجتماعية التي تؤكد الربح والنجاح ، ونمو الروح الفردية والنزعة العلمية والواقعية والنفعية معبرة عن ازدهار الرأسمالية وقوة البرجوازية.

الصفحة 232


جون ديوي ( 1859 - 1952):

  يُعد جون ديوي من أبرز ممثل ومؤسســــــــي الحركة أو الفلسفة البراجماتي. 

  نال "ديوي " شهرة فائقة كفيلسوف مفكر وكمصلح تربوي كبير لا في جميع الولايات المتحدة وحدها، ولكن في أنحاء العالم. وقد دفعت هذه الشهرة كثيرا من البلدان المتقدمة لدعوته ليحاضر في جامعاتها وليساعدها في تنظيم تعليمها. فدعته مثلا اليابان في

عام 1919 ليحاضر في الفلسفة في "جامعة طوكيو الملكية" ودعته الصين ليحاضر في جامعة بكين لمدة سنتين، كما دعته الحكومة التركية ليساعدهاعلى تنظيم تعليمها. وقد ظل ديوي في نشاط علمي دائب حتى توفي عام 1952(1).

 ومن أبرز أعماله في الميدان التربوي إنشاؤه لمدرسته النموذجية في مدينة شيكاغو سنة 1896 ، وقد اتخذ ديوي من هذه المدرسة الابتدائية النموذجية حقلا لتجربة نظرياته وآرائه التقدمية في التربية. وفي سنة 1902 ضمت هذه المدرسة لكلية التربية بجامعة شيكاغو لتكون مدرسة تطبيقية تجريبية لها.

  وقد حاول ديوي أن يقيم برامج هذه المدرسة وإدارتها على مبادئ الفلسفة البراجماتية التي من بينها وجوب الاتصال والتعاون بين المدرسة والبيت، ووجوب اتصال خبرات التلاميذ في المدرسة وإدارتها على مبادئ الفلسفة البراجماتية التي من بينها وجوب اتصال خبرات التلاميذ في المدرسة بخبرتهم خارج المدرسة ، ووجوب جعل الأطفال يتعلمون عن طريق خبرتهم ونشاطهم الذاتي، ووجوب احترام ميول التلاميذ وحاجاتهم وحريتهم في التعبير عن أنفسهم، ووجوب مراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ، واعتبار التربية عملية اجتماعية، والتركيز على

الهوامش:

1) المرجع السابق نفسه.

الصفحة 233


التعاون بدلا من التنافس، إلى غير ذلك من المبادئ التي كانت مطبقة في هذه المدرسة التجريبية(1).

  وقد كان لهذه المدرسة أثر بالغ في التمهيد للتربية التقدمية التي سادت أمريكا في النصف الأول من القرن العشرين، كما كان لها فضل كبير في إقناع الآباء بأهمية المبادئ التربوية التقدمية وإمكانية تطبيقها وقد شجع ديوي بمدرسته هذه إنشاء العديد من المدارس التقدمية الخاصة في أمكنة متعددة من الولايات المتحدة (2).

ثانياً : مذهب الدوام :

  نادى أصحاب هذا المبدأ بالولاء للمبادئ المطلقة ضد إلحاح التقدميين على التغير والجدة، وقال أصحاب مذهب الدوام على الرغم من التقلبات الاجتماعية الجسمية، فإن الدوام أكثر واقعية من التغيير، وهو أيضاً مرغوب فيه أكثر منه، فلا شيء في عالم متزايد القلق والريب يمكن أن يكون أجدى من ثبات الغرض التربوي، والاستقرار في السلوك التربوي.

   ومن أهم آراء مذهب الدوام التربوية(3 ) :

  1. أن الطبيعة البشرية - على الرغم من اختلاف البيئات تظل كما هي في كل مكان، ولذا ينبغي أن تكون التربية هي بعينها بالنسبة لكل إنسان، وقالوا بأن هدف أي نظام تربوي هو بعينه في كل عصر وفي أي مجتمع يمكن أن يقوم مثل هذا النظام، ألا وهو الارتقاء بالإنسان من حيث هو إنسان.
  2. قالوا إن العقل أسمى من خصائص الإنسان، وقالوا يجب على البشر أن يتعلموا كيف يثقفون عقولهم ويسيطرون على الشهوات، عندما يفشل الطفل في التعلم، ينبغي ألا يسارع المعلمون بإلقاء اللوم على بيئـة غـيـر مواتية أو على سياق أحداث سيكولوجية غير ملائمة؛ بل من واجب المعلم أن يتغلب على هذه المعوقات عن طريق تناول عقلي أساساً للتعليم، لابد أن يكون هو بعينه بالنسبة لجميع تلاميذه، ويجب على المعلمين كذلك

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه.

2) المرجع السابق نفسه.

3) العمايرة، مرجع سابق، ص 200

الصفحة 234


ألا يتساهلوا على أساس أن الطفل لن يتخلص من توتراته ويعبر عن ذاته الحقيقية إلا على هذا النحو، فلا يجوز أن يسمح للطفل أن يعين خبرته التربوية ، فما قد يريده هذا الطفل قد لا يكون ما ينبغي أن يناله. 

3.  إن مهمة التربية هي أ أن توصل معرفة الحقيقة، فالتربية تتضمن التعليم والتعليم يتضمن المعرفة والمعرفة هي الحقيقة   والحقيقة هي في كل مكان، ومن ثم ينبغي أن تكون التربية هي في كل مكان ، وعلى التربية أن تسعى لتكيف الفرد بالعالم كما هو، بل بالحقيقة، والتكيف بالحقيقة هو غاية التعلم.

4.   إن التربية ليست تقليداً للحياة، بل إعداداً لها.

5.   ينبغي أن يعلم الطالب موضوعات أساسية معينة تعرفه بأبديات العالم ، ولا ينبغي أن يزج به في دراسات تبدو مهمة في    حينها ، ولا أن يسمح له بتعلم ما يجتذبه في سن معينة.

6.   ينبغي أن يدرس الطلاب الأعمال الكبرى في الأدب والفلسفة والتاريخ والعلم، وهي التي كشف بها البشر خلال العصور عن أعظم مطامحهم

وإنجازاتهم. ثالثاً : مذهب التقدمية

  تنطلق هذه الفلسفة من أن التغير لا الثبات هو جوهر الواقع، وبذلك يرى أصحاب هذه النظرية أنّ الكون مادة دائمة الحركة، وأن التغير مستمر وشامل وكذلك فإن الحقيقة عندهم تتغير والقيم نسبية بالنسبة للزمان والمكان والظروف. وأن التربية في نظرهم دائما ماضية نحو النمو، وما على المربين إلا أن يكونوا مستعدين لتعديل طرقهم وسياساتهم في ضوء المعرفة الجديدة والتغيرات البيئية الحتمية، وبذلك فإن التربية عندهم غاية ووسيلة معاً ، فهي غاية من حيث إنها ترمي إلى ارتقاء الإنسان. وهي وسيلة من حيث إنها أسلوب للعمل على ذلك الارتقاء، وفي داخل نطاق التربية ينبغي ألا يكون الانضباط مضاداً لاهتمامات

التلميذ الملموسة، بل ينبغي أن ينمو منها أو يترتب عليها (1).

الهوامش:

1) الطبيب، مرجع سابق، ص: 301

الصفحة 235


  والتقدمية كنظرية أو اتجاه إنما تستمد تصوراتها من نظرية دارون في التطور،

حيث ترى أن حياة الإنسان معناها وجود سلوك وفاعلية، ولكي تستمر الحياة، والفاعلية يحب أن تتوافق مع البيئة، خصوصاً أن هذا التوافق يتطلب تغيرا في الكائن الحي والبيئة معاً؛ لأنّ هناك تفاعلاً مستمراً بينهما، وقدرة الإنسان على تغيير بيئته والوسط الذي يعيش فيه مرتبطة بمستوى الرقي الذي وصل إليه. والخبرة هي التي لها دورها الفعال في تحديد الواقع، ذلك أن الفرد لا يستطيع أن يعرف شيئاً من خارج نطاق خبرته؛ مما يؤكد أن الأمور المتعلقة بالطبيعة النهائية أو المطلقة للإنسان والكون لايمكن حلها أو الإجابة عنها؛ لأنها تسمو فوق خبرة الفرد.

  ومن زعماء الحركة التقدمية جون ديوي، وكلباترك ، ووليم ستانلي، وارتست بايلز، ولهذه الحركة أثرها في كل من أمريكا وغيرها من بقاع العالم خصوصاً في الفترة من 1910 -1950(1).

رابعاً : مذهب الأساسيات :

  لا يرتبط مذهب الأساسيات ارتباطا صورياً بأي تقاليد فلسفية أو تراث فلسفي، ولكنه يتفق ونظريات فلسفية شتى، وقد تأسست الحركة الأساسية في أوائل الثلاثينيات، وضمت مربين من أمثال وليم ،باجلي، وتوسامس بريجز، وفردريك بريد ، وإيزاك.ل. كندال(2).

  ومذهب الأساسيات يؤيد إعادة وضع مادة الدراسة في مركز دائرة العملية التربوية، ويتجه بعض الأساسيين إلى السيكولوجيا التربوية التماساً للمعرفة المتعلقة بعملية التعلم وبطبيعة المتعلم، وبعضهم الآخر أقل من هؤلاء ثقة بذلك العلم، فمع أنهم لا ينكرون صلة مكتشفات العلوم السلوكية، إلا أن نظرتهم أكثر انتقاداً، ويقولون : إن المربي ينبغي أن يخطـــو بحذر في مجــال السيكولوجيا، حيث كل ما يقال شيء من غير أن يثار حوله نزاع، ونظرية

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه، ص: 302.

2) العمايرة، مرجع سابق، ص ص: 201 203.

الصفحة 236


المجال تتصارع مع السلوكية، والوظيفة تتصارع مع التحليل النفسي، بحيث أنه من المستحيل الجزم بأي منهما يمكن الاعتماد عليه كمصدر للمعرفة(1)

  وليس للأساسيين جبهة واحدة، ولكنهم يؤمنون بفلسفات مختلفة، فهم مختلفون حول الطبيعة القصوى للتربية ، ولكن هناك اتفاقا حول أربعة مبادئ أساسية هي (2) :

 1. يتضمن التعلم بطبيعة ذاته العمل الشاق وكثيراً ما . ما يحتاج إلى اجتهاد مضاد للرغبة ، ويركز الأساسي على أهمية الانضباط، وبدلا من التركيز على اهتمامات الطفل المباشرة، نجده يحث على الاتجاه إلى أهداف أبعد من اهتمامه، ويقول أنصار المذهب الأساسي، إنّ الاهتمامات الأرقى والأبقى لايشعر بها الطفل في البداية، بل تظهر من خلال العمل الشاق من بدايات لا تستهوي المتعلم في حد ذاتها، ويقولون إن اتقان المتعلم للغة أجنبية يفتح أمامه عوالم جديدة، وإن كان على المبتدئ أن يقهر فتوره بل ونفوره عند الابتداء في تعلمها ، فالشهية تأتي في أثناء عملية تناول الطعام.

2. يجب أن تكون المبادأة في التربية بيد المعلم أكثر مما هي بيد التلميذ، فدور المعلم أن يتوسط بين عالم البالغين وعالم الطفل، والمعلم قد أتم إعداده خصيصاً لهذه المهمة، ولذا فهو مؤهل أكثر من تلاميذه لإرشادهم في نموهم وقيادتهم.

3. التركيز على هضم المادة الدراسية، المعينة سلفاً، وأن بيئة المتعلم الاجتماعية والمادية هي التي تملي على المتعلم كيف سيعيش، وأن التربية ينبغي أن تتيح للفرد تحقيق إمكاناته الكامنة فيه، ولكن هذا التحقيق يجب أن يتم في عالم مستقل عن الفرد وفي عالم لابد له من طاعة قوانينه ، وأن الغرض من حضور الطفل إلى المدرسة أن يصل إلى معرفة هذا العالم فعلا، ولا يفسره في ضوء رغباته الفردية الخاصة، ويركز الأساسيون على

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه، ص: 202

2) المرجع السابق نفسه، ص ص 202 203

الصفحة 237


  أهمية خبرة التراث الاجتماعي ويضعون هذه الخبرة فوق الخبرة الفردية، فهذا التراث يلخص خبرات الملايين في محاولاتهم التوافق مع بيئتهم، وحكمة أكثرية البشر ، التي اختبرها أو فحصها التاريخ، أحرى بالاعتماد عليها من خبرة الطفل التي لم تفحص أو تمحص.

4. يجب أن تحافظ المدرسة على طريق الانضباط العقلي التقليدية.

خامساً : المذهب البنائي ( إعادة البناء ) (1)

  تشكل البنيوية حلقة في السلسلة الطويلة من تلك المجهودات والمحاولات التي تستهدف جعل دراسة الإنسان علماً دقيقاً، ولقد بلغت البنيوية باعتبارها اتجاهاً فكرياً وفلسفياً، كان أوج عظمتها في أواخر الستينيات من القرن العشرين:

  والواقع أن المد البنائي فترة الذروة هذه - قد وصل إلى مجالات وميادين متنوعة كثيرة، ففي مجال اللغويات كان جاكويسون وشومسكي" يقودان حركة نشطة اتخذ منها الكثيرون أنموذجاً يحتذى في ميادين أخرى، وفي ميادين التحليل النفسي كان " لاكان " يجذب انتباه معاصريه بنظرته الجديدة إلى هذا العالم الذي كان يبدو، قبل نشر بحوثه، في حالة ركود نسبي. وفي النقد الأدبي كان "بارت" يفتتح عهداً جديداً في تفسير النصوص على أساس بنائي، وفي الميدان الفلسفي كان مفكر ميال إلى المحافظة مثل فوكو، يبهر جماه المثقفين برؤيته الجديدة في كتابه المشهور " الكلمات والأشياء".

  على أن هذا الانتشار الذي جعل من البنائية مذهباً فلسفياً شاملاً، ما يقرب من عشر سنوات، لا ينبغي أن يخفي عن حقيقة مهمة وهي أن البنائية لم تصبح مذهبا فلسفيا إلا أن المتخصصين قد تشبثوا في ذلك الوقت بالذات إلى الإمكانات الخصبة التي تكمن في فكر " البناء أما الفكرة ذاتها ، وأما مبدأ التفكير من خلال بناءات" فكان معروفاً قبل ذلك بوقت طويل.

  وعلى هذا الأساس نستطيع أن نقول إن البنائية هي قبل كل شيء " منهج " في التفكير، وبهذا المعنى كانت موجودة منذ عهد بعيد، ولكنها لم تصبح

الهوامش:

1) المرجع السابق نفسه، ص ص: 203 205

الصفحة 238


"مذهبا فلسفيا" إلا بعد أن تنبه بعض المفكرين، بطريقة واعية إلى أهمية هذا بكافة المنهج وحددوا معالمه بوضوح بعد أن كان يطبق بطريقة ضمنية دون وعي أبعاده. 

  ويُعد ثيودور بـرامـلـد هـو الذي وضع أسس مذهب إعادة البناء أو المذهب البنائي، أو التجديد الاجتماعي عندما نشر  أنماط من الفلسفة التربوية سنة 1950 ، وأعقبه بكتاب : " نحو فلسفة مجددة للتربية" سنة 1956، وكتاب: " التربية كقوة سنة" 1965 

  ومن الآراء التربوية التي أثارها "براملد“:

1. يجب أن تعنى التربية بإيجاد نظام اجتماعي جديد يحقق القيم الأساسية للثقافة، وفي الوقت نفسه يجب أن يتوافق هذا النظام مع القوى الاجتماعية والاقتصادية.

2. إن مذهب إعادة البناء أو التجديد يعنى قبل كل شيء ببناء ثقافة جديدة، من منطلق أن فلسفة إعادة البناء فلسفة هي "عصر متأزم".

3. إن المجتمع الجديد يجب أن تسوده ديمقراطية حقيقية، يسيطرون بأنفسهم على مؤسساتها ومواردها.

4. إقامة برنامج اجتماعي وتربوي يساعد على حل مطامح الجماعات، وتقليل انحرافها الأخلاقي، وإطلاق طاقاتها الإنسانية الكامنة، وبذلك تغدو التربية تحقيقاً اجتماعياً للذات ، ومن طريقها لايوسع الفرد الجانب الاجتماعي من طبيعته فحسب، بل يتعلم أيضاً كيف يشارك في التخطيط الاجتماعي.

5. يجب أن يقنع المعلم تلاميذه بصواب أو شرعية الحل التجديدي ( إعادة البناء)، ولكنه ينبغي أن يراعي المعلم أمانة الإجراءات الديمقراطية عند قيامه بتدريب الطلاب على الحل التجديدي، وبمعنى آخر يسمح المعلم لتلاميذه أن يدافعوا عن أفكارهم الخاصة، وأن يقدم المعلم بنزاهة حلولاً بديلة.

6. إعادة صياغة كاملة لوسائل التربية وغاياتها، كي تواجه مطالب الأزمة الثقافية الراهنة، وتتفق ونتائج العلوم السلوكية، وقال ((براملد)) يجب أن

الصفحة 239


ننظر من جديد إلى الطريقة التي توضع بها مناهجنا والمواد أو الموضوعات التي تتضمنها، والطرق المستخدمة وبنية ،الإدارة وطرق تدريب المعلمين وكل هذا لإعادة بنائه طبقاً لنظرية موحدة في الطبيعة الإنسانية، مستمدة من أصول عقلية وعلمية.

سادساً : الفلسفة الفردية ( الرأسمالية )(1):

  الفلسفة التي تمجد الفرد، وتجعله محورها الأساسي، وقد نبتت هذه الفكرة في غرب أوربا، كرد فعل للضغط والكبت الذي كانت تمارسه السلطات الحاكمة والمتحكمة ضد الفرد ، وقامت هذه الفلسفة على أساس الإيمان بالفرد، واعتباره حجر الزاوية في المجتمع، ومن ثم فلابد من إطلاق قدرات وطاقات الفرد إلى أقصى الحدود، وإزالة العقبات التي تعترض طريقه، وتشجع هذه الفلسفة إذكاء روح المنافسة بين الأفراد، وقد تطورت الفلسفة من عدة فلسفات قديمة، كانت هي الأخرى تمجد الفرد ، منها :

  الفلسفة المثالية والواقعية والطبيعية والبراجماتية، وتتبنى هذه الفلسفة الفردية النظم والمعسكرات الرأسمالية في العالم الغربي، ولكن هذه الفلسفة الرأسمالية تختلف من مجتمع رأسمالي إلى آخر ، فرأسمالية أمريكا غير رأسمالية انجلترا أوفرنسا، وهناك سمات تربوية عامة لهذه الفلسفة الرأسمالية منها :

1. المرونة في الإشراف على العمليات التربوية والتعليمية.

2. المرونة في تطبيق المناهج، وذلك بإعطاء المعلم والمتعلم الحرية في التصرف، بما يتفق والبيئة المحلية.

3. استقلال المؤسسات التعليمية والسماح للمؤسسات الدينية المختلفة بإنشاء ماتريد من مدارس.

4. انفتاح النظام التعليمي، ورسم الخطط المستقبلية للقوى البشرية. 

5. حرية المدارس الخاصة والطائفية في وضع مناهجها وطرائق تدريسها.

 6.الاهتمام بالوسائل التربوية والتكنولوجية الحديثة في التربية.

الهوامش:

1 ) المرجع السابق نفسه، ص: 206.

الصفحة 240


سابعاً : الفلسفة الجماعية ( الاشتراكية ) (1)

  تعد هذه الفلسفة رد فعل للفلسفة الفردية الرأسمالية ، ففي حين أن الفلسفة الرأسمالية كان محورها الفرد، فإن الفلسفة الاشتراكية محورها الجماعة. وتدور حول الجماعة وفناء الفرد في مصلحة المجموعة، وتعود نشأة الفلسفة الاشتراكية هذه إلى فترة القلق الاجتماعي الذي صحب ثورة الإصلاح الديني في أوربا سنة 1515م، وقد دعم هذه الفلسفة كثرة الاضطرابات والفوضى والقلق الذي صحب ثورة الإصلاح التي امتدت إلى القرن التاسع عشر، ومن الفلسفة الاشتراكية ظهرت الفلسفة الشيوعية كفلسفة اشتراكية متطرفة وعلى يد توماس مور سنة 1516م ، ولكنها انتشرت على يد كارل ماركس وفردريك إنجلز، اللذين وضعا مبادئها ، ثم جاء لينين فنقلها إلى الواقع العملي في الاتحاد السوفيتي واهتمت الفلسفة الاشتراكية عامة والفلسفة الشيوعية خاصة بشؤون التربية والتعليم اهتمامها بالنظام الاقتصادي والعسكري، والنظرة الشيوعية للتربية لاتقف عند المدرسة وإنما تتعدى إلى كل ما من شأنه التأثير على عقلية الطفل في المدرسة وخارجها ( كأجهزة الإعلام المختلفة).

أما أهم السمات العامة للتربية الاشتراكية فمنها :

 1. سيطرة الدولة والحزب على نظام التعليم.

2. الاهتمام بالنظام التربوي بما يناسب الواجبات والحقوق التي يرضى عنها المجتمع والحزب.

3. العناية بالمدارس الحكومية العامة وتحريم ومنع المدارس الخاصة.

4. تربية الجيل تربية اشتراكية وتشكيل أيدولوجية معينة نابعة من المعتقداتالحزبية.

5. الاهتمام بكل ما يخدم المصلحة الوطنية العامة والاهتمام بخدمة الجماعة ونكران الفردية.

6. الاهتمام بالتربية المادية وذلك بالاهتمام بالعلم والتكنولوجيا الذي يخدم الشعب عامة ومصلحة الوطن

الهوامش:

1) المرجع السابق نفسه، ص ص: 206 -207.

الصفحة 241


قائمة المراجع


  1. الإبراشي ، محمد عطية ، ( 1986) ، التربية الإسلامية وفلاسفتها مصر : مطبعة عيسى البابي الحلبي.
  2. ابن حنبل، أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني (الجزء الأول) ، (دط)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، القاهرة: مؤسسة قرطبة.
  3. ابن خلدون، عبد الرحمن ابن محمد ، (1996) ، مقدمة ابن خلدون، الطبعة الأولى)، بيروت دار الكتاب العربي.
  4. ابن عبد ربه الأندلسي ، العقد الفريد، المكتبة الإلكترونية الشاملة الإصدار الثالث 
  5. ابن منظور، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري ، (د. ت)، لسان العرب، (الجزء 14) ، ( الطبعة الأولى)، بیروت: دار صادر.
  6. أبو جلالة ، صبحي حمدان، ومحمد حميدان العبادي ، ( 2001 ) ، أصول التربية بين الأصالة والمعاصرة،( الطبعة الأولى)، الكويت: مكتبة الفلاح.
  7. أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني،( د. ط)، سنن أبي داود محقق وبتعليق الألباني، الجزء : 3 ، بيروت: دارة الكتاب العربي.
  8. الأسمر، أحمد رجب، (1997) ، فلسفة التربية في الإسلام، (الطبعة الأولى)، عمان: دارالفرقان، ص: 32.
  9. باعشن، علي عبد العزيز علي، (دت) معالم الفكر التربوي والفلسفي عند الإمام الشوكاني، موقع المنشاوي للدراسات والبحوث متوفر على الرابط: http://www.minshawi.com ، تاريخ النسخ:2012/08/22م.
  10. الباني، عبد الرحمن (1983) ، مدخل إلى التربية في ضوء الإسلام، (الطبعة الثانية)، بيروت: المكتب الإسلامي.
  11. البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبد الله ، (1987) ، الجامع الصحيح المختصر، (الجزء الخامس)، تحقيق: مصطفى ديب البغا، الطبعة الثالثة بيروت دار ابن كثير، اليمامة. 
  12. البريزات عبد الحفيظ أحمد علاوي، (دت)، نظرية التربية الخلقية عن الإمام الغزالي،( الطبعة الأولى)، عمان: دار الفرقان
  13. البغوي الحسين بن مسعود، شرح السنة، تحقيق : شعيب الأرناؤوط - محمد زهير الشاويش، الطبعة الثانية ، الجزء : 16 ، دمشق: المكتب الإسلامي.

الصفحة 242

  1. التويجري، عبد العزيز بن عثمان، (دت) ، الحفاظ على الهوية والثقافة الإسلامية في إطار الرؤية المتكاملة، مؤتمر الإسلام والغرب في عالم متغير، موقع الإسلام اليوم، متوفر على الرابط: http://www.islamtoday.neT/ تأريخ النسخ: 2012/8/13م.
  2. جرادات، عزت، وهيفاء أبو غزالة، وخيري عبد اللطيف، (1987) ، مدخل إلى التربية ، (الطبعة الثالثة)، الأردن - عمان: دار الفكر للنشر والتوزي.
  3. الجلاد ، ماجد زكي ( 2004) ، تدريس التربية الإسلامية الأسس النظرية والأساليب العملية، الطبعة الأولى، عمان: دار المسيرة.
  4. حنفي، إسماعيل محمد، نبـذة عـن العلمانيـة ، موقع صيد الفوائـد ، متوفر على الرابط: .http://www.saaid.net
  5. الدمرداش، عبد المجيد سرحان (1983) ، المناهج المعاصرة، الطبعة الرابعة)، الكويت مكتبة الفلاح.
  6. الرازي محمد بن أبي بكر بن عبد القادر (1995)، مختار الصحاح ، (دط)، بيروت: مكتبة لبنان ناشرون
  7. زيارة، محمد بن محمد بن يحيى نيل الوطر من تراجم رجال اليمن في القرن الثالث عشر من هجرة سيد البشر ، (1998) ، الجزء الثاني، بيروت: دار الكتب العلمية.
  8. السباعي، مصطفى ، (2010)، المرأة بين الفقه والقانون، بيروت: دار ابن حزم.
  9. سكيكر، فيض ، (دت) موقع الموسوعة العربية الإلكترونية، المجلد 14 ، ص: 480 ، متوفر على الرابط:http://www.arab-ency.com   .
  10. شبكة جامعة بابل كلية التربية الأساسية ، موقع إلكتروني على شبكةالأنترت، متوفر علــى الرابطhttp://www.uobabylon.edu.iq/uobcoleges/action_lect.aspx?fid=1  .1 depid=6&lcid=12006&


  1. الشرجبي، عبد الغني قاسم غالب ، (1988) ، الإمام الشوكاني حياته وفكره، (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة.
  2. شريفي، عصام ، (دت) ، القيم الإسلامية - مفهومها - مصادرها خصائصها، موقع حب الإسلام، متوفر على الرابط : www.islam-love.com .
  3. الشهاري شرف أحمد ، (2010) ، الفكر التربوي عند البيحاني، (الطبعة الأولى)، صنعاء: دار النشر للجامعات

الصفحة 243

  1. الشهاري شرف أحمد ، (2010)، المدخل إلى أصول التربية، الطبعة الأولى، صنعاء، مركز عبادي للطباعة والنشر.
  2. الشوكاني، محمد بن علي ، (1998) ، البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، المجلد الثاني، بيروت: دار الكتب العلمية.
  3. شومان، عبد المنعم ، (2006) ، هويتنا الثقافية والحضارية ، موقع صحيفة الوحدة السورية، متوفر على الرابط  :http://wehda.alwehda.gov.sy ، تأريخ النسخ: 2012/8/13م.
  4. صحيح البخاري، باب ما جاء في الصحة والفراغ...، الجزء الخامس.
  5. الطبيب، أحمد ، ( 1999 ) ، أصول التربية ، (دط)، (الطبعة الأولى) الإسكندرية: المكتب الجامعي الحديث.
  6. عامر، طارق عبد الرؤوف ، (2008) ، أصول التربية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، (د.م) ، (د. ن) ،
  7. عبد الله كمال، وعبد الله قلي ، ( 2006) ، مدخل إلى علوم التربية ، (دط)، (د.م): (دن). 
  8. عبود، عبد الغني ، (1980) ، التربية ومشكلات المجتمع،( الطبعة الأولى)، القاهرة: دار الفكر العربي، ص : 42.
  9. العجمي محمد عبد السلام ، (2009) ، أصول التربية الإسلامية ، ( الطبعة الأولى)، اليمن جامعة العلوم والتكنولوجيا.
  10. علي، سعيد إسماعيل، (1978) ، أصول التربية الإسلامية ، (دط)، القاهرة: دار الثقافة للطباعة والنشر، ص: 6.
  11. العمايرة، محمد حسن (2010)، أصول التربية التاريخية والاجتماعية والنفسية والفلسفية، الطبعة السادسة عمّان: دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة.
  12. عمر أحمد عمر (1996) ، منهج التربية في القرآن والسنة، (الطبعة الأولى)، دمشق: دار المعرفة.
  13. الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي (1983) إحياء علوم الدين، تخريج زين الدين العراقي، الجزء الأول، بيروت: دار المعرفة، ص:56.
  14. فرحان ، إسحق أحمد ، (1990)، التربية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة،( الطبعة الأولى)، تونس: دار المعارف للطباعة والنشر.

الصفحة 244

  1. الفيروز آبادي محمد بن يعقوب، (دت)، القاموس المحيط (الجزء الأول)، (دط)، بيروت دار صادر
  2. القرشي، علي سرحان، (2012) ، الثقافة وثورات الربيع العربي موقع جريدة الرياض، متوفر على الرابط:http://www.alriyadh.com ، تاريخ النسخ: 2012/8/13م.
  3. مجمع اللغة العربية ، (1980) ، المعجم الوسيط، (دط)، القاهرة: مجمع اللغة العربية.
  4. محمد، علي أحمد فؤاد ، (دت) ، التحديات التي تواجه الثقافة العربية عائق في وجه الإنماء العربي الثقافة العربية التطور والمستقبل مصر: جامعة الأزهر، بحث غير منشور.
  5. مرسي ، محمد منير ، ( 1981) ، التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية ، القاهرة : عالم الكتب.
  6. المرصفي، محمد ، (2010)، الأصول الاجتماعية للتربية، (الطبعةالأولى)، القاهرة الصحوة، ص ص : 57 58
  7. مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم ، (الجزء الثامن) ، (دط)، بيروت: دار الجيل ودار الآفاق
  8. مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج ، صحيح مسلم (الجزء الرابع) ، (دط)، بيروت: دار الجيل ودار الآفاق
  9. مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، الجزء الأول.
  10. المعاني" موقع الكتروني ، متوفر على الرابط : http://www.almaany.com ، تاریخ النسخ: 2014/4/17م.
  11. معلوف، لويس، (1984) ، المنجد في اللغة والأعلام ، الطبعة السابعة عشرة)، بيروت: دار المشرق ، ص : 593 .
  12. النجار، زغلول راغب ( 1416هـ ) ، أزمة التعليم المعاصر وحلولها الإسلامية (الطبعة الثانية )، الرياض : الدار العالمية للكتاب الإسلامي.
  13. نجار، فريد جبرائيل ، (1980) ، تطور الفكر التربوي، المجلد الأول، (الطبعة الأولى)، بيروت: المركز التربوي للبحوث والإنماء
  14. النجيحي ، محمد لبيب ، (1967) ، فلسفة التربية ، الطبعة الثانية ، القاهرة : مكتبة الأنجلو المصرية.
  15. النحلاوي، عبد الرحمن، (1983) ، أصول التربية الإسلامية في البيت والمدرسة والمجتمع (الطبعة الثانية )بيروت: دار الفكر المعاصر.

الصفحة 245

  1. الندوي، أبو الحسن ، (1982) ، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين،( الطبعة الثامنة)، بيروت دار الكتاب العربي.
  2. النقيب عبد الرحمن ، ( 1417هـ ) ، التربية الإسلامية المعاصرة في مواجهة النظام العالمي الجديد ، القاهرة : دار الفكر العربي.
  3. هندي، صالح ذياب، وهشـام عـامـر عليان ، و أحمـد عبـد الـرحيم العمـوري، ومفيـد نجيـب حواشين، (2008) ، أسس التربية، الطبعة الرابعة)، الأردن - عمان: دار الفكر ناشرون وموزعون
  4. الوطحي، أحمد صالح علوي ، (2008) ، من تاريخ الفكر التربوي، (الطبعة الأولى)، عدن: دار جامعة عدن للطباعة والنشر.
  5. يالجن ، مقداد ( 1409هـ ) ، أهداف التربية الإسلامية وغاياتها ،( الطبعة الثانية ) ، الرياض دار الهدى للنشر والتوزيع
  6. اليماني، عبد الكريم علي سعيد، (2004) ، فلسفة التربية (الطبعة الأولى)، الأردن عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع
  7. يونس، مجدي محمد وعبد المجيد شيحة ، (2006) ، اتجاهات تطوّر الفكر التربوي عبر المسيرة الإنسانية، (دط)، الرياض مكتبة الرشد ناشرون

الصفحة 246