مفاهيم تربويّة حديثة
المؤلف: علي الجوّادي
التصنيف: كتب أخرى
عرض PDFالوصف:
علي الجوّادي، مفاهيم تربويّة حديثة، دار التجديد للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، الطبعة الثانية 1438ه الموافق ل 2016م.
مقدمة الطبعة الثانية
لما حدثني الفضلاء في بعض المؤسسات المهتمة بالشأن التربوي عن استعدادهم لنشر ما يمكن أن يكون مفيدًا من مؤلفاتي التربوية، لاقى حديثهم جرحا خفيًّا فآساه، لأنني ما أنهيت نشاطا تدريبيا، أو حضرت ملتقى تعليميا، إلا وسئلت أكثر من مرة عن مؤلّفاتي أين يجدها الحريصون عليها، ولقد كنت في كلّ مرة أجيب: إنهاا قد نفدت ولعلّي أن أعيد طباعة بعضها بعد شيء من المراجعة إذا أسعفتني المشاغل بشيء من الوقت، حتى أحسست ببعض الضيق بسبب التسويف الذي ألاقي به من حسن الظن وأثيرت نفسه إلى الاستزادة.
وإذا كانت المشاغل بتواترها لم تسعف بالذي رجوته من الوقت إلا قليلا، فإن المفاهيم هي نفسها لم تتوقف عن التطور والتولد السريع في كل يوم، فنسق الحياة في تسارع غريب، والمفاهيم والمصطلحات شديدة الوفاء للحياة في نسقها، لا يطلع عليك يوم إلا وقد ولدت مصطلحات جديدة سرعان ما تضحي مفاهيم راسخة في حياتنا العامة وحتى في حياتنا التعليمية، وهنا أستعير ما قلته في مقدمة الطبعة الأولى: "على ضفاف الجدل القائم في العقود الأخيرة حول المدرسة والتربية والمتعلم والمدرس... ولدت "مفاهيم جديدة" هي بمثابة أواني تجتهد في استيعاب المعاني المتدفقة داخل منظومات اجتماعية واقتصادية وسياسية في مجتمع إنساني يشهد حركية عجيبة.
الصفحة 7
وأمام التحديين، وجدتني مضطرًا إلى أن أفتك من حياتي المهنية بعض الأيام أرصدها لهذا العمل، أنقح ما كتبت، وأُراجع ما جمعت، وأصفّيه بيد الوظيفية والحاجة النظرية والعملية، حتى وقفت على مئات المفاهيم، وإذا بالكتاب يتضخّم ليُصبح كتابين بل ثلاثة، ثمّ أربعة... وتوكلت على الله في إعادة طباعة الجزء الأول طبعة ثانية مُلحِقا به جزءا ثانيا، وعازما على استكمال بقية الأجزاء تباعا بإذن الله
وقبل أن أختم هذه المقدمة، لا بد أن أشكر مؤسسات تربوية وتعليمية كثيرة في مجتمعاتنا العربية بقياداتها وكل العاملين فيها لما وجدته فيها من حرص على المعرفة ومشاركة فعالة في تطوير التعليم في المجتمعات العربية، هذا سبب حضاري عام، يشد أزره سبب إنساني خاص فلشدّما لمست في العاملين فيها حسن ظن آسر، ووجدتُ منهم دفعا وتحفيزا بالعمل قبل القول، وبالمشاريع الفعلية قبل الأحلام، وهذا وحده كان كافيا لأن يدفع المرء ليلازم أوراقه: رقميّةً كانت أو عاديّة، ولأن يعود إلى مراجعه ومؤلّفاته حتى يُسهم في بلورة تصوّر، أو معالجة مفهوم، أو توليد حل لمشكل، أو ابتكار فكرة رائدة، أو تقويم عمل...
وأسأل الله الحكيم أن يبارك في هذا الجهد وأن ينفع به من قرأه، فلكم رجونا أن نسهم ولو بجهد المقل في الدفع بمسيرة حضارتنا، وأن نشارك ولو بفكرة في تحقيق نهضتنا التعليمية أملاً في النّهضة الشاملة التي نحن أولى بهاوأجدر.
رياض الجوادي تونس في 1437/05/09 الموافق 2016/11/09مفاهيم تربوية حديثة. د. رياض الجوّادي.
مقدمة الطبعة الأولى
على ضفاف الجدل القائم في العقود الأخيرة حول المدرسة والتربية والمتعلم والمدرس... وُلدت "مفاهيم "جديدة" هي بمثابة الأواني التي تجتهد في استيعاب المعاني المتدفّقة داخل منظومات اجتماعية واقتصادية وسياسية في مجتمع إنساني يشهد حركية عجيبة.
وقد أردت وأنا المثقل بهم التربية والمنخرط في هواجسه أن أساهم في بناء الجسور بين ثقافتنا التربوية الوطنية وبين هذه الترسانة المفاهيمية التي لا أتصورعاقلا يسمع جلبتها دون أن تحدّثه نفسه بسبر أغوارها، تمهيدا لهضمها داخل خصوصياتنا الثقافية والاقتصادية، لتصبح رافدا إيجابيا وضروريا لمسيرتنا التربوية المتطلعة إلى مدرسة
والحقيقة أني قصدت في مقام أوّل وأنا أصوغ هذا الكتاب "زملائي" الذين يعايشون الممارسة التربوية آملين الأفضل، والذين تتقاطر عليهم المصطلحات الجديدة والمفاهيم الطارئة، فيتوجس منها الكثيرون خيفة لأنها غير مألوفة، أو لأنها وافدة من هناك أو من هنالك، أو لأنها غير واضحة المعالم مما يجعلها لدى الكثيرين "تشدّقا " لفظيا" و "تفيهقا" لا طائل من ورائه، وهي عندهم لا تختلف عن بعضها إلا بالأسماء، أما لو صُفّيت بمصفاة الجدوى والتميز، لكانت
الصفحة 9
أغلبها أو كلها متشابها، ولهوى ذلك الصرح المفاهيمي الخلب وتهافت، وليس لردّات الفعل الانفعالية هذه ومثيلاتها المشروعة أحيانا وغير المرشروعة أحيانا كثيرة من دواء إلا محاولة تحديد المفاهيم والسعي إلى إرساء ثقافة تربوية ذات مواصفات خاصة تجعلها رحبة الصدر بكل جديد، بعد وضعه على محك الجدوى طبعا فلا بد من كشف مواطن الطرافة في كلّ مفهوم يفرض نفسه على الساحة التربوية العالمية، حتى يتسم تعاملنا معه في رحاب مدرستنا، بل وفي غضون أقسامنا بعلمية تتجاوز الانطباعية والسذاجة والسطحية.
إن القبول بـ "الحادث " التربوي كله أو بعضه- لا يعني النقض الكلّي لرصيدنا التربوي السابق، ولا الاستغناء عن الزّخم الكبير من التجارب التي تراكمت عبر الأيام، وإنما هو إقرار بالحاجة إلى بعض التعديل لتلك السيرة التربوية تعديلا يعتمد جملة من الموازنات يحكمها منطق "الأجدى" و"الأعدل" و"الأحكم" و"الأقل كلفة"، تلك المعاني والقيم التي طالما راودت مسيرة الإنسانية الحضارية والتي أخذت أبعادا جديدة ودشّنت آفاقا رحبة في هذه الحقبة المتميزة من تاريخ البشرية حقبة نسجت خيوطها من مثل مفاهيم "الجودة" والإنتاجية" و"النجاعة " واستمدت روحها ثورة "الاتصال" من و"الافتراضي"...
فهل يتصوّر عاقل أنّ بعض الزحزحة في مفاهيمنا التربوية تكيّفا مع الواقع الجديد مجاف للحكمة، مجانب للصواب؟
الصفحة 10
ولعل أوضح مثال على الحاجة إلى "التعديل" دون نقض أرصدتنا التربوية، هو ذلك الجدل القائم عندنا وعند غيرنا هل نحتاج في مدرستنا إلى معارف واسعة أم إلى خبرة ومهارة تنفيذية، ويتعالى الصياح في نقاش غير ذي موضوع كأن العناية بأحدهما تعني التضحية بالآخر، والحقيقة أننا نحتاج إليهما في نطاق منطق "أولويات " يفرضه الحيز الزمني المتاح للدرس.
فهذا التوزع بين المعرفة والمهارة وهذا النزاع الذي قد يكون سببه "المواقف الحدية" التي يلوح بها بعضهم تفتعل صراعا وتوقع في استيلاب لا ميرر له، لأن الذي يرومه أنصار المقاربات الحديثة ليس تجاوز "المعرفة" وإنما إيلاء الوضعيات العملية والصعوبات التي يطرحها الواقع ما تستحقه من العناية لتصبح المعارف موردا هاما من موارد عملية التعلُّم ولكنها ليست كل العملية. لذلك قلت إنّ القبول بهذا الجديد التربوي لا يعني حتما تصديع القديم، وإنما هو في كثير من الأحيان سعي إلى بعض التعديل بحثا عن الآنجع.
وهناك مشكلة أخرى قد يلوّح بها كثيرون ممن يتهمون هذه المفاهيم الوافدة، وهي أن هذه المناهج الحادثة قد جرّدت المدرس من كلّ شيء. والحقيقة أنه مع كل تصوّر تربوي جديد تولد للمدرّس مهام تربوية جديدة لا تقل خطورة وأهمية عن سابقاتها، بل وتطلب منه مهارات مهنية متميزة تتجاوز المألوف، وأوضح مثال على ذلك أن دور المدرّس في كثير من المناهج التقليدية -المحتفية أساسا بإيصال المعلومة -يكاد ينحصر في تلقين المعلومة، بينما يتغير في المناهج الحديثة ليأخذ أشكالا جديدة، لعل أهمها:
الصفحة 11
1-بناء المواقف والوضعيات المناسبة لفصله، والمتدرجة وفق الصعوبات التي
تطرحها.
2-تعديل سير نشاط المتعلمين.
3-صياغة روائز(1) التقويم التكويني المناسبة للكفايات تحقيقها، والمحدّدة لنوع التدخّل الذي على المدرّس أن يمارسه في تعلم تلاميذه.
فأنت ترى كيف أن أدوار المدرّس لم تتراجع في الجملة إن لم نقل بأنها زادت، وإنما تغيرت في طبيعتها من ناحية وفي الحيز الزمني الذي تأخذه من الحصة، من ناحية ثانية. وإذا أردت أن أكون دقيقا فإنها يمكن تقسيم دور المدرّس داخل الحصة إلى نوعين:
- دور مباشر يتمثل في الإجابة عن سؤال أو في المبادرة بسؤال، أو في طرح للمشكل، وهذه هي التي تنادي المناهج الحديثة بتقليصها لصالح نشاط المتعلّم،
- ودور غير مباشر لا يغيب لحظة. عن الحصة يتابع ويوجه ويعدّل...
ولذلك فالأمر ليس كما يصوّره بعض الرافضين للمناهج الحديثة دفاعا أمجاد قد تُوَلّي، ولا كما يصوّره على طرف النقيض بعض من "لم يفهم من
الهوامش:
(1) وهي استبانات التقويم، مِن الرَّوْز، وهو "الامتحان، والتقدير، رزت ما عنده إذا اختبرته وامتحنته" (الصديقي: مجمع بحار ال أنوار2 394).
وقال الأزهري: "راز" يَرُوز: إِذا امتحن عَمَله فَحَذَقه وعاوَدَ فِيهِ... وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: يُقَال: رازَ الرَّجُلُ صَنْعته: إِذا قَامَ عَلَيْهَا وأَصلَحها... وَقَالَ ابْن الأعرابي: رَازَ فَلَانٌ فَلَانَا إِذَا عَايَبَه،
ورازه إذا اختبره..." (تهذيب اللغة:168/13)
الصفحة 12
القصيد إلا "طالعه من المتحمسين في بعض السَّذاجة لهذه المناهج، والمردّدين لكوننا في زمن لم نعد فيه بحاجة إلى المدرّس ليس الأمر كما يصوّره هؤلاء وهؤلاء بلغات مختلفة، بل هو أحكم من ذلك بكثير، فتغيير الدور لا يعني نفيه، خاصة إذا كان هذا التغيير إلى الأدق والأعسر.
وألاحظ بأني لم أسلك في هذا الكتاب مسلك المعاجم اللغوية أو الاصطلاحية العادية، لأجعله أقرب إلى الدليل العملي المتضمن قدرا لا يستهان به من الإجراءات والنماذج المساعدة على توطين المفاهيم، مع شيء من التحليل والتوجيه والتبسيط، بما يضفي بعض الحياة على المعاني الواردة فيه. لقد أردت عرض "المصطلحات" في حيويتها، غير متهيب من مساءلتها ومحاورتها، ببعضها أحيانا، وبما يعنّ لي من تعليقات أحيانا أخرى، محاولا الكشف عن الجهات الأخرى للنظر أو التعبير أو الفهم.
ولأن المعجمية التربوية العربية حادثة، فقد وجدت نفسي أكثر من مرة متورطا في مناقشة "المصطلحات" قبل "التعريفات"، مقارنا بين اختيارات التربويين والمعجميين العرب -مشرقا ومغربا قدر الطاقة، ومناقشا بعض الترجمات التي كادت حَرْفيّتُها أن تند دلالاتها الحقيقية التي أُريدت لها، محتكما في كلّ ذلك إلى "المعنى".
وقد أجترئ على توليد "مصطلحات" في القضايا الناشئة التي لم تطلها يد " المعجمية العربية" بعد ولكنّي أنص حينها على أنّ الاصطلاح شخصي، اضطرني
الصفحة 13
إليه معاناة التكوين (التدريب والمحاضرة والسعي الحثيث إلى "تبيئة" المعاني والمفاهيم.
كما أني -ولوعيي بخصائص القراءة في هذا الزمن حاولت صياغة الأفكار في طريق وسط بين التأليف المسترسل وبين الفكر المستقلة في شكل رؤوس أقلام حتى يتيسر على طالب الفكرة تبيّن حدودها وأبعادها. ولذلك رأيتني في كثير من الأحيان كأنّي أرسم معالم المفاهيم بأكثر من لون، مجتهدا قدر طاقتي أن أضمّ إلى صرامة المعرفة العلمية شيئا من يسر التعاطي والتعامل.
ولقد رجوت لهذا المؤلّف العمق في وضوح، والإيعاب في دقة، مع شيء من الجدة والطرافة. ورغم أني لم أصب منها إلا القليل، فقد عزمت على إخراجه رغم ما أعلمه فيه من نقص عن مأمولي -فما بالك بالناظرين إليه غيري-لأنني أعلم بأن المعرفة الحية هي في حالة صنع دائم وهواجس الكمال إذا فاتت حدها، أضحت معوّقا حتى عن الحد الأدنى من الفعل والإنجاز، وإن اعتدلت كانت "مثيرا" إلى التعديل والمراجعة والنقد.
خلاصة القول، أني أردته كتابا يقف عند مفترق الطريق بين "التنظير" و"الممارسة العملية" في الفصل، يُلهم المربي المعاني الواضحة حتى يتبين ما لم يعهده من المفاهيم، ولا أدعي له الإيعاب، فقد يفوته الكثير، بل الأكيد أنه قد فاته الكثير، ولكن ذلك لا يعيبه في شيء لأنه ما طرح على نفسه أن يكون جامعا، بقدر ما أراد أن يكون مساعدا، فضلا عن كون التنقيح المستمر كفيل بتطويره وتنمية طاقاته، فهو في حالة ولادة دائمة على قدر إيقاع "المعاني" و"المفاهيم" في زماننا.
الصفحة 14
وقبل أن أنهي هذه المقدمة، أشير إلى أن طبيعة هذا الكتاب فرضت أن تكون قضاياه متنوّعة، يظهر لك في البداية بأنه لا رابط واضح يربط بينها، وهو أمر طبيعي لغلبة البعد المعجمي في شيء من الاستقصاء على البعد الهيكلي، ولكن ذلك لا يمنع من وجود عدد من الروابط الموضوعية بين كلّ هذه القضايا التي أضعها بين يديك أهمها:
-أنها مفاهيم حديثة فرضتها التطورات التي شهدتها علوم التربية وعلوم النفس على مدى القرنين أو الثلاثة الماضية.
-أنها مفاهيم عرفت رواجا كبيرا في خطابنا التربوي المعاصر، ودخلت إلى قاعات التدريب وفي الفصول الجامعية وفي قاعات المدرسين داخل المؤسسات التعليمية.
-أنها ذات تعلق مباشر بأداء المدرّس في الفصل، وبالعملية التعليمية عموما: إعدادا وتنفيذا وتقييما.
ونحن عازمون بإذن الله على أن نُولي كلّ مفهوم من هذه المفاهيم الاهتمام اللازم في كتب منفردة، ولكن بنفس الرّوح التي انتصرنا لها في هذا الكتاب، أعني غلبة البعد العملي الإجرائي الذي يعني الممارس للعملية التعليمية، وعدم الإغراق في المسائل النظرية والأبعاد الفلسفية للقضايا المطروحة، فتلك محلها مؤلفات أخرى.
بذلك يكون هذا الكتاب فاتحة سلسلة من الأبحاث المنبثقة عنه، والتي بعضها قيد الطبع الآن، مثل "دليلك إلى التعليم بالمشروع".
الصفحة 15
نسأل الله أن يوفق في إتمام بقية السلسلة علّنا نسهم في توطين المعارف التربوية بعد أن ثافنّاها برهة من الزمن، وحان الوقت أن نهضمها بوعي في منظوماتنا التربوية حتى تدعم مسيرتنا الحضارية، وتُحدّها بكل ما أنجزه الفكر البشري من الحكمة. والله ولي التوفيق.
رياض الجوادي
الرّياض في 1430/01/22 الموافق 2009/01/20
الصفحة 16
الطرائق التربوية التقليدية
هي باختصار تلك الطرائق التي تجعل المتعلّم سلبيًّا في تعلمه، وترى الدرس الناجح هو ذلك الذي يغيب فيه التلميذ مرّةً واحدةً، إلا لِيُجيب عن سؤال طرحه عليه مدرّسه، أو يُنفّذ مهمّةً كلّفه بها. يتحدّد دور المدرّس فيها في إعطاء المعرفة، ويتحدد دور المتعلم في تلقي المعرفة واستيعابها.
وقد أوجزت ماريا مونتيسوري السمة الغالبة على ما أسمته بالتعليم التقليدي فقالت:
((في التعليم التقليدي، يُعطي الكبير لنفسه الحق، في شيء من الكبر، أن يُشكل الطفل وفق رغبته، في حين يُطلب من الطفل أن يطيع ويستسلم.))
(405.Houssaye2015: p)
أما "فرنسواز رينال" و "ألان ريونيي" فقد عرّفا الطرائق التربوية التقليدية هي
كالتالي:
«البيداغوجيا التقليدية تعبير مُلتَبس، لأنه لا يحيل على نموذج للتعليم بعينه... غير أنه يبدو السمات الأساس للبيداغوجيا التقليدية هي التالية:
الصفحة 19
أما "أولريك أيلوين" فيعرفها كالتالي:
«تستند البيداغوجيا التقليدية إلى مسلَّمة خاطئة إلى حد كبير مؤداها أن المعرفة تُوجد خارج الدّماغ، وأن مهمة البيداغوجيا تتمثل في نقل هذه المعرفة إلى دماغ التلميذ فكان التركيز على التعليم)، وأن هذه المعرفة يجب أن تُخزن في ذاكرته، فكان التركيز على الاستذكار)، وأنّ هذه المعرفة ستنبجس من الذاكرة سليمة دون أن يلحقها أي تغيير في الوقت المناسب))
(1996 ,Aylwin).
وهو تعريف يسلّط الضوء على المسلمات الخاطئة التي تنطلق منها هذه البيداغوجيا التقليدية، محاولا كشف مواطن الضعف فيها. ثمّ يُمعن أولريك في تحليل هذا النوع من الطرائق التربوية موجّها نقده إلى ممارسات المدرسين الذين يُصِر بعضُهم على عدم إحداث تغيير في طرائقه التعليمية رغم القناعة التي بناها بوحي من تجاربه الشخصية أن تلك الطرائق غير فعالة في العملية التعليمية:
((والذي يثير الاستغراب هنا هو كون المدرّسين كانوا دائما يدركون إخفاق هذه الاستراتيجية، فهم لم يتوقفوا قط عن الشكوى من أن المعارف التي قدّمت للمتعلّمين بإحكام، والتي بدا أنه قد تم تخزينها في الذاكرة، تتأبى عن الحضور حين يُطلب منهم استذكارها. ولكنهم، وعلى الرغم من إدراكهم لهذه الحقيقة مازالوا مستمرين في محاولتهم نقل المعرفة إلى دماغ المتعلّم، دون أن يتوقفوا عن الاغتياظ من كون المتعلمين لم يحصلوا شيئا من الدروس السابقة، وعن التعبير عن
الصفحة 20
يأسهم وقد صدَمَتْهم الحقيقةُ: وهي أنّ ما قدم من دروس نظرية لا يُسعف بشيء حين التطبيق».
وإذا أردنا أن نُحلّل هذه المقوّمات، قلنا: إن البيداغوجيا التقليدية تهتم بالمعرفة في شكل وقائع ومعطيات ومفاهيم ونظريات وقواعد جاهزة. والتعلم وفق هذه المقاربة التقليدية ينحصر في الاستذكار واسترجاع ما تم تخزينه في الذاكرة. أما حصول التعلم، فمقياسه ومؤشّره هو كمية المعارف المخزنة في ذاكرة المتعلّم.
لقد أسست المقاربات التقليدية لنفسها مُسلّمات في علاقتها بكل من المعرفة والمدرّس والمتعلم الأقطاب (العناصر) الرئيسة لعملية التعليم والتعلم، ويمكن أن نلخص هذه المسلّمات في الأمور الثلاثة التالية:
- فأما بالنسبة إلى المعارف، فإن البيداغوجيا التقليدية تعتبر أن المعلومات المخزنة في الذاكرة يمكن استرجاعها تلقائيا وتعميمها وتطبيقها لاحقا في المواقف التي ستواجه المتعلم في الحياة. ومن ثم كان حرصها على تنظيم المعارف وبناء المحتويات المعرفية في صيغة مواد دراسية تنظيما محكما وبناء منطقيا وذلك للاعتقاد بأن هذا البناء وذلك التنظيم، حين يكونان بالصفتين المذكورتين، كفيلان وحدهما بجعل هذه المعارف سهلة الاستيعاب، يسيرة التناول، قابلة للاستعمال.
- وأما بالنسبة إلى المدرّس فهو في هذا التصور متخصص خبير بمادة تخصصه، ذو سلطة معرفية لا تُنازَع وظيفته تقديمُ المعارف المتعلمين فارغي الذهن، لهذا تفضّل المقاربة التقليدية من بين الوسائل البيداغوجية المحاضرة والإلقاء والتوضيح.
الصفحة 21
-وأما بالنسبة إلى المتعلّم: فهو في هذا التصوّر مستقبل سلبي تابع، ينحصر دوره في الاستماع والمشاهدة وتخزين ما يُقدّم له دون نقد أو مراجعة، وأثناء الاختبار يكون مطالبا باستذكار ما خزنه واستظهاره بشكل آلي. وبسبب هذه السلبية كانت حصيلة المعارف لدى المتعلّمين ضئيلة، وتكثرت لديهم صعوبات بالغة خاصة تلك التي تتعلّق باستعمال ما قدّم لهم وتطبيقه في بناء تعلّمات جديدة أو حلّ مشكلات واقعية.
حاولت الدراسات أن تتبيّن الأسباب التي تصنع المعوقات أمام التلميذ في تعلّمه مستكشفة خارطة التعلّم للطلاب داخل صف تقليدي، فبلغت عددا من النتائج التي يمكن إجمالها كالتالي:
وفي العموم، يُمكن إجمال السمات الأساسية لهذا لتعليم التقليدي، في الأمور التالية:
الصفحة 22
الصفحة 23
الطرائق التربوية الحديثة
ظهرت الإرهاصات الأولى للطرائق التربوية الحديثة في مطلع القرن الماضي، كردة فعل على ما مرّ من سمات للتربية التقليدية. ويكشف التأمل في تاريخ نشأة هذه الطرائق أنها ارتبطت في بداياتها بما حققته من نجاح في تربية متعلمين ذوي احتياجات خاصة ويُعانون من إعاقات ومثل هؤلاء المتعلمين كانوا يوصفون في المقاربة التقليدية بأنهم فاشلون دراسيا أو مهددون بالفشل والانقطاع عن متابعة التعلم والدراسة. (2005 ,Gauthier & Tardif)
كان كُلُّ رائد من روّاد الطرائق الحديثة في بدايته يهدف إلى علاج مظهر من مظاهر إخفاق المقاربة التقليدية في تعليم التلاميذ الذين يُوصَفون اليوم بأنهم متعثرون أو ذَوُو صعوبات. فكان أن ابتدع كل رائد منهم مقاربة أبانت عن نجاحها في جعل هؤلاء المتعلمين يُحققون تعلّمات لا تقل عما يحققه زملاؤهم الذين سلموا من هذه الإعاقات.
وقد كشفت تجارب الرواد الممارسين ميدانيا، أن التعلم محكوم بالطبيعة البشرية للمتعلم أكثر مما هو محكوم بالتنظيم المحكم والبناء المنطقي للمعارف المقدمة كمحتويات للمواد الدراسية. وجاءت أبحاث الرّواد المنظرين من علماء النفس خاصة، لتعزّز مثل ذلك الاستنتاج.
الصفحة 25
وقد تمكنت تخصصات عديدة في يومنا هذا من البرهنة على سلامة الأسس العلمية التي قامت عليها أغلب تجارب أولئك الرواد ممارسين كانوا أو منظرين. وقد اشتهر من الرواد الممارسين الذين يمكن اعتبارهم مرجعا عمليا للتعليم بالمشروع أعلام كثيرون من أهمهم:(Houssaye, 2015; Gauthier & Tardif, 2005; Barré M., 1989)
" جوهان بستالوزي (1746-1827): دارس لاهوت تأثر بروسو في كتابه "إيميل"، خاض تجارب مختلفة في مجال التعليم والفلاحة والصناعة في ظل ظروف اجتماعية وسياسية مضطربة، وأسس أكثر من مدرسة شدّت الانتباه بفعاليتها في عصره (1985 ,Pestalozzi)، واهتمت بالأيتام مرّة وبفاقدي السمع مرّة أخرى، وأدخلت التعليم في مجالات واهتمامات لا عهد له بها مثل التعلم الذاتي وحسب الرغبة، والعمل التطبيقي والفنّي في الأرض وعند الحرفيين... وتبلورت تجاربه في الأخير في طريقة متميّزة تُنسب إليه، وقوامها مبادئ ستة(Houssaye2015):
الصفحة 26
وقد استعانت بطريقتها هذه لتعليم أطفال سليمين فكانت النتائج باهرة، حتى أن أغلب صُنّاع الألعاب التربوية اليوم، يستلهمون طريقة مونتسوري ومبادئها البيداغوجية التي أسستها انطلاقا من تجربتها الميدانية.
أما القاعدة الأساسية لمنهج مونتسوري فيمكن اختزالها في أن لكل طفل خطة شخصية تناسبه، وله شخصية متفردة تميّزه، وهذا التفرّد يحتاج إلى تحرير من خلال توفير العمل التطويري الذي يناسبه وتهيئة البيئة المساعدة. (Houssaye2015)
الصفحة 27
- أوفيد دوكرولي (1871 -1932): وهو طبيب بلجيكي سار على خطى مونتسوري ففتح مدرسة للأطفال المعوقين ذهنيا، جاعلا من أنشطة المتعلمين أنفسهم محور طريقته. ثم فتح بعد ذلك مدرسة لأطفال عاديين، فكانت النتائج رائعة. وقد عدّه المعجم الموسوعي للتربية والتدريب أحد الآباء المؤسسين لفكرة المشروع في المجال التعليمي. (Champy & Etévé, 1994)
- جون ديوي (1859 -1952): وهو فيلسوف وعالم نفس أمريكي، أسس مدرسة تقوم على التعلم من خلال العمل، فكان ذلك إعلانا لولادة التعلّم المبني على المشروعات، والذي يُمكن تلخيصه في أن التعلم يتحقق من خلال الممارسة والعمل (1994 ,Champy & Etévé).
-إدوارد كلاباريد (1873-1940): وهو طبيب سويسري، من أتباع ديوي ودكرولي، أسس تعليمه على مبدإ مفاده أن الطريقة البيداغوجية يجب أن يكون منطلقها هو اهتمامات المتعلمين فكان أن جعل من اللعب البيداغوجي مركز طريقته التربوية.
-سيليستان فرينيه (1896 -1966): وهو مُربّ فرنسي ابتدع حركة ما يُعرف بالمدرسة الحديثة، وهي حركة عنوانها مراكز الاهتمام التعاونية" حيث يتعلم المتعلم وهو يُنجز أعمالا وفق إيقاع خاص به وبالتعاون مع زملائه. (Champy & Etévé, 1994)
كما اشتهر من الرواد المنظرين الذين يمكن اعتبارهم مرجعا نظريا للتعليم بالمشروع أعلام كثيرون من أهمهم:
الصفحة 28
يعلم إلى شخص لا يعلم أسطورة لا تقوم على أساس علمي.
وقد قادته تجاربه الميدانية وأبحاثه إلى قناعة مؤداها أن المعرفة بناء ذاتي، أي أن كل واحد منا يبني معرفته أساسا بواسطة ما يمارسه من أفعال جسدية وذهنية أثناء معالجته للموضوعات والأشياء.
وتتحقق عملية البناء هذه في الوقت الذي يصل فيه الفرد إلى مستوى من النضج الجسدي والسيكولوجي الذي يُمَكِّنه من ممارسة فعله على الموضوعات والأشياء، والتحكم في ما يجمعه بهذه الموضوعات والأشياء من علاقات.
فكل معرفة في تصور بياجي هي فعل يمارس على موضوع، بحيث لا تكون النتيجة هي المعرفة الحاصلة عن ممارسة الفعل على موضوع معيَّن فحسب، وإنما تنتج عن ذلك سلسلة من البني الذهنية (Schemes) التي تتشكل في الدماغ، وتنتظم هذه البنى في بنيات عملية تُمكّن صاحبها من التصرف بإحكام وفق متطلبات الوضعيات التي تواجهه.
وتأخذ "المشكلة" موقعا متميزا في هذه المقاربة، لأنّ حركة التعلم إنّما تنطلق كلما كان المرء إزاء مشكلة، أو أحس بانتفاء الملاءمة والتوافق مع وضعية يجد نفسه منخرطا فيها أو مواجها لها.
ومن هنا، يكون المرء طفلا أو راشدا-في وضعية تعلّم، في كل مرة يكون فيها فعله غير مناسب ولا ملائم أو موافق لمحيطه، وحين تتولد لديه الرغبة والعزم على ردّ الأمور إلى حالها الطبيعي من توافق ومناسبة وملاءمة (2001 Piaget).
الصفحة 29
-ليفي فيكوتسكي (1896-1934): وهو أحد علماء السيميولوجيا وعالم نفس روسي، من بين السباقين إلى التأكيد على أهمية التفاعل بين الطفل وبيئته. وكان يُلح بشكل أساسي على أهمية تدخل الراشد كوسيط في تعلم الطفل ونموه.
يكون تدخل الراشد في تصور فيكوتسكي إيجابيا إذا كان قادرا على احترام النسق الخاص بالمتعلم، وإذا كان قادرا على رصد اللحظة التي تكون فيها قدرة من قدرات المتعلم قد اكتمل نموها، لتقديم أنشطة تُمكن هذا المتعلم من تنمية قدرة جديدة (1934، Vygotsky). ويسمّي فيكوتسكي هذه اللحظة أو (المنطقة) بحيّز النمو الوشيك.
وإذا حاولنا أن نلخص ما تقدّم به هؤلاء الرواد الأوائل، منظرين وممارسين، من أفكار ووجهات نظر في ما يخص التعلم عند الكائن البشري، من خلال عدد من القواسم المشتركة، أمكننا القول إنّ التعلم الفعّال والمستدام لا يُمكن أن يتحقق:
الصفحة 30
ويمكننا الآن، اعتمادا على نتائج التجارب والدراسات المتعلقة بطرائق التعلم وآليات اشتغال الدماغ البشري وهو يعالج المعلومات ويبني التمثلات ويُخزنها، أن نحدد عددا من المبادئ العملية للطرائق التربوية الحديثة تلك المبادئ التي تعتبر قوام كل إستراتيجية بيداغوجية فاعلة، تسعى لجعل المتعلّم محور عملية التعلم، وتهدف إلى مساعدته على بناء قدراته ومهاراته وكفاياته بنفسه، بما يضمن استقلاليته، واستمرارية تعلمه مدى الحياة. ومن أهم هذه المبادئ:
الهوامش:
(1) يترجم بها بعضهم مصطلح (transfert)، وأحبّذ لفظة التحويل، لأن معنى النقل المكاني قريب، لفظة الترحيل، وهو غير مقصود من المصطلح الأصلي، ثم لأنّ "التحويل" كمصطلح يستعمل في مجالات أخرى مثل الصناعات التحويلية باعتباره تغيّرا داخل المادة ذاتها وإعادة جدا من تصنيع واستثمار لها، دون أن يعني نقلا مكانيا تستدعيه لفظة الترحيل بالضرورة.
الصفحة 31
التعلم المستند إلى المشكلات
تعرف المشكلة باعتبارها "عائقًا يحول بين الفرد وتحقيق أهدافه"، أو هي "موقف محيّر ليس لدينا حلّ جاهز له، حيث يشكل ذلك الموقف المحيّر عقبة أو عقدة أو مانعا يحول دون تحقيق أهدافنا «، فالمشكل يُوجد عندما يُوجد عائِقٌ يفصل بين الحالة الراهنة والحالة المأمولة
(انظر الشكل الموجود في الصفحة 33 ضمن النسخة بدف أعلاه):
الصفحة 33
وأما حلّ المشكلات فيُعرّف بأنه "عملية تفكيرية مركبة يستخدم فيها الفرد خبراته ومهاراته من أجل القيام بمهمة غير مألوفة، لتجاوز مشكلة لا يُوجد لها حلّ جاهز «، ويرى (1991 Schunk) كذلك أن تعبير حل المشكلات يشير إلى "جهود الأفراد لبلوغ هدف ليس لديهم حلّ جاهز لتحقيقه".
يتطلب التعلم بالمشكل اعتماد إستراتيجية عمل تقوم على اتباع خطوات متدرجة تمثل "سيرورة" إنتاج المعرفة في موضوع معين وامتلاك القدرات والمهارات الضرورية التي يحتاجها الفرد للتكيف مع الوضعيات التي يمكن أن تعترضه في حياته اليومية. وهي تنطلق من مبدإ مفاده أن الحياة عبارة عن مجموعة المشكلات، وأنّ الفرد لكي يضمن تكيفه مع محيطه الاجتماعي، ينبغي أن يكون قادرا على مواجهة تلك المشكلات والتفكير فيها وإيجاد الحلول المناسبة لها.
ويُقدّم التعلم المستند إلى المشكلات بديلا مختلفا عما هو مألوف في الممارسات التعليمية السائدة، تلك التي تعتمد على التدخل المباشر في توجيه الفعل التعليمي -التعلمي سواء في خطاب المدرّسين أو في بناء الكتب المدرسية.
من شأن هذه الممارسات التقليدية أن تقلّل من دور المتعلم وتصنع فيه کسلا ذهنيا، وتشيع في الصّفّ جوّا من الرتابة والخمول، ولذلك أعلن الباحثون في الشأن التربوي بأنّه "عندما يتخطّى المدرّسون والمدارس مرحلة صياغة المشكلة -إلى إعطاء حقائق وإجراءات للتلاميذ بدون إتاحة الفرصة لهم لتطوير أسئلتهم الخاصة والبحث بأنفسهم -فإنّ المتعلمين قد يحفظون المادة ولكنهم في الغالب لن يفهموها على حقيقتها، أو لن يكونوا قادرين على استخدامها.
الصفحة 34
إن التعلم المستند إلى مشكلة يوفّر هيكلا أو بنية للاكتشاف تساعد الطلاب على تذويت ما يتعلّمونه وتؤدّي إلى استيعاب أفضل لما يحصلونه". (ديليسل، 1422هـ، ص. 1)
وتعود جذور هذا النوع من التعلّم تعود حديثا إلى "ديوي" الذي كان يعتقد بأن خبرات الطلاب خارج المدرسة تزوّدنا بتلميحات مساعدة حول كيفية تعديل الدروس بناء على ما يثير اهتمامهم ويشدّهم، إذ "تعود الأساليب التي تنجح دائما في التعليم الرسمي إلى نوع الموقف الذي يسبب تفكيرا أو تأملا في الحياة العادية خارج المدرسة. وهي أساليب تعطي الطلاب شيئا ليعملوه، لا شيئا ليعرفوه والعمل بطبيعته يتطلب تفكيرا أو ملاحظة مقصودة للعلاقات، وعندئذ يَنتُج التعلم بشكل طبيعي" (ديوي، 1978، ص. 154).
الخطوات العلمية لحل المشكلات
يمر التعلم المستند إلى المشكلات عبر خطوات خمس موضّحة في الشكل (٢):
(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 35 ضمن النسخة بدف أعلاه).
الصفحة 35
تبدأ هذه المرحلة بشعور الفرد وإحساسه بالمشكلة، وتُولَّد الدافعية لديه لحلها، حيث تبدأ بمحاولة التعرّف على المشكلة عن قرب، وهذه بعض الأسئلة التي تساعد على ذلك:
تمثل هذه المرحلة مرحلة جمع البيانات والمعلومات التي تُسهم في تشخيص المشكلة وحضر أسبابها المحتملة، وتعتبر هذه الخطوة هي الأهم، والتشخيص الدقيق والصائب هو المدخل الضروري لصياغة الحلول المناسبة. ومن الإستراتيجيات والطرائق العامة في تحديد أسباب المشكلات
الصفحة 36
مجموعة من الناس قصد توليد أكبر قدر ممكن من الأفكار لحل مشكلة محددة، والقاعدة الأساسية في العصف الذهني هي أن تفصل عملية توليد الأفكار عن تقويمها ونقدها، لأن المبادرة إلى نقد الأفكار يُعيق الإبداع فيها.
(أنظر الشكل 3 الموجود في الصفحة 37 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
تمر هذه المرحلة بثلاث خطوات هي:
الصفحة 37
2-اختيار الحل الأفضل وذلك وفق مجموعة من المعايير منها:
3-الاحتفاظ بمجموعة من البدائل التي من المتوقع أن تحقق الهدف في حالة إخفاق الحلول الرئيسة.
وضع الحلول المختارة موضعَ التطبيق من خلال تكليف كل شخص أو مجموعة بأداء ما كلفت به من مهام محدّدة. وحتى يكون التطبيق فعالاً، لا بد من توفير خطة عمل تفصيلية، وخطة طوارئ مصاحبة.
تتم مراجعة الحلول وتقييمها من خلال طرح عدد من الأسئلة مثل:
الصفحة 38
وعلى ضوء نتائج التقييم يمكن لنا أن نتمسك بالحلول المناسبة، أو نعدلها، أونستغني عنها بناءً على مدى ارتباطها بحل المشكلة وتحقيق الأهداف.
النماذج المختلفة لحل المشكلات
تختلف خطوات حل المشكلات وتسمياتها من منظر إلى آخر، وهو ما أتاح لنا عددا
لا بأس به من نماذج حل المشكلات منها:
1-نموذج ديوي: ويقوم على الخطوات التالي (72. Dewey, 1997, p):
ومما أعجب له أن بعضهم (السامرائي، 1994؛ القطامي،1990) يجعل نموذج "ديوي" أربع مراحل فقط، وهو غير ما نص عليه الرّجل في كتابه، وهو م ما يكشف وجها من وجوه المشكلة في الترجمة العربية لبعض النصوص أو في نقلها غير المتثبت مما يجعل الخطأ، بقطع النظر عن درجته وأثره، ينتشر وينتقل من كاتب إلى كاتب مـن غـير مراجعة، ويُنسى النّص الأصلي.
الصفحة 39
وأعجب منه ما قاله عبد الدايم (1998، ص. (171) شارحا نموذج ديوي: إنها ما بين عملية الشعور بالمشكلة من جهة، والتوصل إلى حل لهذه المشكلة، نجد أن عدة عمليات عقلية تأخذ مسارها داخل العقل يمكن تلخيصها فيما يلي:
فغابت مراحل نص عليها ديوي صريحا مثل مرحلة تحديد المشكل وتعريفه، وحضرت مراحل لم يذكرها ديوي مثل "تحليل الموقف المحيط بالمشكلة" ....
2ـ نموذج سوخ سوخمان: ويتكون من ثلاثمراحل وهـي (السامرائي وآخرون،1994):
3ـ نموذج كيسلر: ويقوم على الخطوات التالية (كاظم،1973):
الصفحة 40
4-نموذج "جيورجي بوليا" (1973 ,Polya):
فقد ألف كتابا سماه "كيف تحلها" ، وعلى الرغم من أن الهدف هذا الكتاب هو أن يجعل الرياضيات أكثر تشويقا، إلا أنه كُتب بطريقة تجعل المبادئ التي يتعلمها الطلاب في مقرر الرياضيات قابلة لأن ينتقل أثرها إلى أوسع نطاق ممكن. وهذا الكتاب يفيد جميع المدرّسين الذين يأملون في استخدام حلّ المشكلات على نطاق واسع. وقد سمّي هذا الأسلوب طرق الاكتشاف الذاتي، وهي أربع مراحل:
الصفحة 41
5-نموذج برانسفورد وشتاين (1943 Bram ford & Brain):
لقد صمم هذا النموذج كي يساعد الشخص في تحديد المكونات المختلفة الخطوات حل المشكلة. وقد استخدمت كلمة Ideal لوصف هذا المنحى المسمى: المنحى المثالي في حل المشكلات، ويشير كل حرف من كلمة (id.e.a.l) إلى مكون مُهم من مكونات خطوات حل المشكلة وعملية اتخاذ القرارات تساعد الشخص في عملية حل المشكلات التي يواجهها، وفي تنمية تفكيره ومهارات التعلم لديه:
الصفحة 42
وأود أن أشير مرّةً ثانية إلى ما تسبّبه "الترجمات " العربية أو عمليات "النقل" عن المصادر المترجمة من اضطراب فبينما يؤكّد كلّ من "برانسفورد" و "شتاين" (24,p,1993)على أن "التعريف " المقصود هو تعريف الأهداف لا المشكلات، ويتوقفان مع ذلك حتى لا يلتبس الأمر على القارئ فيقولان: "وهذا يختلف عن تحديد المشكل" ، فإن بعض المراجع العربية تتحدّث عن "تعريف المشكلات" (السامرائي وآخرون, 1994)، وهو ما اضطره إلى تبرير ما قد يلحظه القارئ من تقارب بين المستوى الأول والمستوى الثاني فيقول:
الصفحة 43
" وتجب الإشارة هنا إلى الفرق بين هذه الخطوة والخطوة السابقة لها، بحيث إن إمكانية تحديد المشكلة لا تؤدي بالضرورة إلى تعريفها تعريفا صحيحا. فقد يتفق الناس على وجود مشكلة ما، ولكنهم لا يتفقون بالضرورة على تعريفهم لهذه المشكلة، فقد يعرفها كل منهم بالطريقة التي يريد. "
وكل هذا التبرير لا وجه له بالنسبة إلى النّصّ الأصلي في طبعة سنة 1994، لأنها تنص صريحًا على أن المقصود تعريف الأهداف"، وليس تعريف المشكلات.
وقد تصوّرت للحظة أن يكون النّاقل قد استعاض عن العناوين التي وضعها المؤلفان للمراحل الخمس بصياغات واردة داخل الشريح رآها أكثر دلالة أو وضوحا من عناوين الكاتب، ثم سرعان ما هجرت تلك الإمكانية حين لم أجد للصياغات الوارد أصلا: لا في العناوين ولا في الشرح.
ثم راودني الشك في أن سبب الاختلاف أنّ تلك المراجع قد اعتمدت طبعةً أخرى غير التي اعتمدتُ، وأن تطويرًا في النص قد وقع بين الطبعيتن، ولم أقدر إلى حد الساعة أن أبدد ذلك الشك لأنني لم أعثـر بعـد عـلـى طبعة 1084 التي اعتمدها المترجمون في الظاهر.
هل هو اختلاف في الطبعات، وقد طوّر الكاتبان نموذجها بين 84 و93؟ أم أن المشكلة في الترجمة؟ وأن نقل النصوص الإنجليزية لم يكن من الأصـل بـل من مصدر آخر يَنقُل عن الأصل؟
الصفحة 44
ثم عثرت بعد مدة على تقرير فنّي يُقدّمه برانسفورد وآخرون تحت عنوان ((Teaching Thinking and Problem Solving يعرضون فيه خلاصات حول فكرة (Ideal)، وقد وجدت في هذا التقرير كثيرا من الصياغات التي اعتمدها الناقلون، فترجّح عندي حينها أنّ الذي نقل وترجم، لم يعتمد الكتاب الأصل،
وإنّما اعتمد خلاصةً صيغت حول الأصل في إحدى الجامعات الأمريكية.
وتتطلب هذه المرحلة استعما المناهج التحليلية المناسبة، وتقطيع المشكلة إلى مكونات جزئية، واستخدام الأدوات والرسوم الخارجية التي تساعد على تمثل المشكلة، والعمل على حل المشكلات من نهاياتها لا من بداياتها، واعتماد المصطلحات والطرائق المناسبة لطبيعة المشكلة...
وهي الخطوة الرابعة في منحى حلّ المشكلات، فبعد أن حدّدت الإستراتيجية المناسبة، لا بد من تصوّر النتائج والمخرجات المتوقعة لتلك الإستراتيجية، ثم
الصفحة 45
تبدأ عملية "التنفيذ". ومن شأن عمليات الاستشراف التي تسبق تنفيذ الإستراتيجية أن تجنّبك " أعمالا" ونتائج قد تندم عليها بعد ذلك.
ورغم أن مثل هذه الخطوة تظهر للوهلة الأولى شديدة البداهة، إلا أن التأكيد عليها ضروري لأنّ التجربة التعليمية أظهرت أنّ المتعلمين لا يعتنون كثيرا بهذه الخطوة ولا ينقذونها.
ويمثل (قطامي،1990) المنحى المثالي لحل المشكلات لبرانسفورد وشتاين بالتسلسل الموضح في الشكل (٤):
(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 46 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
ألاحظ فقط أنني غيّرت لفظة "تصرف " بكلمة "نفّذ" لأنني قدرت أنها أقرب إلى الأصل الإنجليزي الذي ترجمت عنه وهوact)).
الصفحة 46
6-نموذج جراي: ويشتمل على ست خطوات وهي (السامرائي وآخرون1994):
7-نموذج المراحل الأربعة لـ " جراهام والاس «: وقد بناه على مراحل أربعة (Wallas, 2014):
الصفحة 47
ومن الأمثلة الكلاسيكية لتوضيح هذه المراحل، الطريقة التي سلكها أرشيميدس" في حلّ مشكلة عرضت عليه. لقد طلب منه أن يتبين ما إذا كان التاج مصنوعا من الذهب الخالص، أم أنه مطلي بالذهب فحسب. وذلك دون أن يتلف التاج بأية طريقة:
ورغم بعض الاختلاف الشكلي بين النماذج المعروضة سابقا، فإنّ الأدب التربوي العلمي يتفق حول العناصر الأساسية المشتركة في الطريقة العلمية لحل المشكلات، وهي (زيتون، 2004ب):
الصفحة 48
عوامل معوقة لحل المشكلات:
ثمة مجموعة من العوامل تعوق حلّ المشكلة، وذلك لأنها تؤدي إلى صدور استجابات غير ملائمة، ومن أهمها:
الصفحة 49
الصفحة 50
مفهوم التعلم بالاكتشاف
كانت المدرسة السلوكية ممثلة في سكينر تقترح أن يركز المدرسون أولا على المادة الدراسية، والحرص على تشجيع الإنتاجية والمثابرة على نحو منظم، وذلك من شأنه أن. يدعم ا القدرة على حل المشكلات. فالتعامل مع المشكلات يكون خاتمة التعليم وليس بدايته. (2005 ,Gauthier & Tardif)
أما المدرسة المجالية (الجشطلت) فتذهب إلى أن طريقة الاكتشاف أفضل من التعلم المبرمج كوسيلة لتنمية سلوك حل المشكلة ذلك أن جلسة واحدة من جلسات الاكتشاف قادرة على توفير أنواع التعلم التي يحققها برنامجان أو أكثر، لأن التلميذ في جلسة الاكتشاف يتعلم المادة في نفس الوقت الذي يتعلم فيه حل المشكلة. وهم يعترضون أيضا على استخدام برامج مُعدّة على أساس أن مثل هذا التعلّم يؤدي بالتلميذ إلى الاعتماد على المواد، أما حين يكتشف التلميذ الأشياء بنفسه، فإنّه يُنمّي الثّقة في ذاته والشعور بالاستقلال كقادر على حل المشكلات.
وتلتقي أفكار المدرسة المجالية مع الفلسفة التربوية عند جون ديوي الذي يرى أن التعلم الذي يتفرّد المدرّس بتوجيهه له عيوبه وقصوره، وهو يذهب إلى أن التربية الحقة تتعدّى نقل المعلومات، وأنها ينبغي أن تشجع على تنمية الميول والاتجاهات الطبيعية للطفل، وخاصة اتجاهاته نحو البحث والاستقصاء. وهو يصر على أن الخبرات المدرسية ينبغي أن تساعد التلاميذ على أن يتعلموا طريقة
الصفحة 51
البحث عن الأشياء بفاعلية بدلا من أن تساعدهم على اكتساب المعلومات فحسب.
ويشرح هذا المعنى J. Richard suchman عندما يقول: "المفاهيم... يكون لها معنى أكبر، ويمكن الاحتفاظ بها أطول مدة ممكنة، وتكون متوافرة بأعظم درجة للتفكير المستقبلي حين يجمع المتعلم عن طريق نشاط ذاتي البيانات، ويصوغها
لتنبثق منها المفاهيم. وهذا يصدق للأسباب الآتية (جابر،1977):
وقد بدأ "سشمان" التدريب على الاستقصاء معتمدا المشكلات العلمية كمنطلق، فيعرض على أطفال الصف الرابع أو الخامس أفلاما قصيرة عن بعض الظاهرات الفيزيائية على النحو التالي:
يمسك بسكين مصنوعة من معدنين وتعرض للهب فتنثني إلى أسفل، ثم توضع في الماء فتستقيم، ثم تقلب وتعرض للهب مرة أخرى، فتنثني إلى أعلى، وتوضع في الماء فتستقيم. ويشجع الأطفال على أن يتوصلوا إلى أسباب هذا التغيير، وذلك بطرح أسئلة يمكن الإجابة عنها بنعم أو لا. ثمّ تسجل كل هذه الجلسات
الصفحة 52
وتحلل بحيث يستطيع المجرب في الجلسات التالية أن يساعد الأطفال على أن يسألوا أسئلة أكثر فاعلية، وهو يفعل هذا بإبراز أن الأسئلة القيمة نسبيا. التي تحدد الوقائع وتضيق مجال الاستقصاء أي تجعله مركزا، والتي تتناول ظروف التجربة وتؤدي إلى نتائج معينة، وتختبر فروضا عن السبب والنتيجة، وتراجع صحة هذه النتائج، وبعد أن يشاهد التلاميذ عدة أفلام، ويشاركوا في مجموعة من الجلسات، فإنهام يصبحون أكثر مهارة في أساليب الاستقصاء.
ولنفس الأهداف يعترض برونر على تدريس الجغرافيا الذي يقوم على يجعل التلاميذ يحفظون الحقائق. وبدلا من ذلك يزود تلاميذ الصف الخامس ابتدائي بخرائط صماء ويتركهم يحاولون تحديد مواقع المدن الرئيسية وخطوط السكك الحديدية وطرق السيارات السريعة... الخ.
وهكذا تعرض الجغرافيا لا على أنها مجموعة من المعارف الجاهزة، وإنما على أساس أنها مجموعة من المجاهيل وعلى الطلاب أن يصلوا إلى الأفكار معتمدين على أنفسهم وعن طريق طرح الأسئلة.
وفي سبيل الدفاع عن منهجه، كتب برونر عام 1961 مقالا بعنوان "فعل الاكتشاف" وذهب فيه إلى أنّ تدريس الاستقصاء بطريقةالاكتشاف تفيد المتعلم من نواحي أربع (Bruner1961):
الصفحة 53
الآنشطة المعرفية الفعّالة هو تحريره من السيطرة المباشرة التي تمارسها عليه المكافآت والعقوبات في محيطه التعليمي.
أصبح الاكتشاف مع برونر مفهوما بنائيًّا، أَوْلاه عنايةً كبيرةً حتى عرف به، وقد تناوله بالبحث والعرض في مواطن كثيرة، من ذلك مقالته (1961 ,Bruner) التي محضها لهذا المفهوم وعنونها بـ"فعل الاكتشاف" ، وفي كتب كثيرة ومنها كتابه "مسار التعلّم".
ويقوم التعلم بالاكتشاف حسب برونر على دمج المحتويات والإستراتيجيات بشكل يُساعد الأطفال على إدراك تنوّع الطرائق في حل المشكلات، وعلى تحويل المعلومات لاستخدامها على نحو أفضل، ويُدرّبهم على تعلّم كيفية القيام بمهمة التعلم. (Bruner, 1966)
وفي نفس السياق وبعد عدة تجارب على مدى صحة فرضيات برونر، يقول Bert Kerch Y.:" إن التعلم بالاكتشاف الذاتي يفوق التعلم بالتوجيه الخارجي، طالما أنه يزيد من دافعية التلميذ على متابعة العمل التعلّمي. فإذا كانت لدى التلميذ دافعية
الصفحة 54
كافية، فقد يستمر في عملية التعلم باستقلال ذاتي إلى ما هو أبعد من الفترة الشكلية للتعلم... " (جابر، 1977).
الاكتشاف الموجه:
في نموذج الاكتشاف الموجّه، يتم توفير البيئة والمحتوى المناسبين للطلاب، لاستكشاف مشكلة محدّدة مسبقا. ويُرشِد الدّعم التعليمي الذي يُوفّره المدرّس المتعلم إلى إجراء سلسلة من الاكتشافات التي تؤدّي إلى هدف محدد سلفًا. (Bruner,1999)
يناسب هذا الأسلوب طلابَ المراحل الأولى، في مرحلة التعرّف إلى المشكلة والتفكير في أسابابها قبل أن يُشكّلوا مجموعاتهم ويختاروا مشاريعهم التي سيعملون عليها. ويُمثل الاكتشاف الموجه أسلوبا تعليميا يسمح لهم بتطوير معرفتهم من خلال خبرات عملية مباشرة.
وفيه يزوّد المتعلمون بتعليمات تكفي لضمان حصولهم على خبرة قيمة، ويضمن نجاحهم في استخدام قدراتهم العقلية لاكتشاف المفاهيم والمبادئ العلمية. ويُشترط أن يُدرك المتعلمون الغرضَ من كل خطوة من خطوات الاكتشاف.
ولا بد، لضمان نجاح الاكتشاف الموجه، أن تقدَّم المشكلة للطالب مصحوبة بكافة التوجيهات اللازمة ليحلها بصورة تفصيلية، مستعينا بالتوجيهات المرفقة.
ويُعدّ العمل على هذا المستوى مجرد تدريب على استخدام الأدوات والأجهزة والمواد والتفاعل مع البيانات والتعرف على كيفية استخلاص النتائج. فالاكتشاف
الصفحة 55
الموجه يحدث من خلال موقف تعليمي يحرص فيه المدرّس على توجيه تلاميذه نحو مفهوم أو مبدأ أو ظاهرة معيّنة، باستخدام إمكانياته الذهنية والعملية.
ومما سبق يتضح أن المدرّس في الاكتشاف الموجّه، يقود تفكير تلاميذه في اتجاه المفهوم المراد اكتشافه، ولذلك فهو يقدم لهم التوجيه بدرجة تكفي لمساعدتهم على التعرف إلى المفهوم المتوقع منهم تعلّمه، ويكون عنصر الذاتية والمبادأة في هذا المستوى محدودا، حيث أن الاكتشاف الذي يصل إليه يكون قد سبق أن خطط المدرس للوصول إليه خطوة بخطوة، وبالتالي فإن فرصة اختيار التلميذ لطريقة الوصول إليه تكون ضيقة بعض الشيء.
ويُفضّل استخدام هذه الطريقة عند تدريب المتعلمين على اكتشاف أولي لبعض المفاهيم أو القواعد أو العلاقات.
ومن الخطوات الإرشادية التي يمكن للمدرّس أن يتبعها في تنفيذ هذه الطريقة:
1-أن يعرض المدرّس بعض المعلومات أو البيانات التي تربط بينها علاقة ما.
2 -أن يوجه المدرّس تلاميذه خطوة بخطوة لفحص المعلومات التي عرضها لإدراك العلاقة بين عناصرها.
4 -أن يوجه المدرّس تلاميذه لاكتشاف القاعدة أو العلاقة المطلوبة.
5-أن يتحقق التلاميذ بمساعدة المدرّس من صحة ما توصلوا إليه بالنسبة إلى حالات أخرى مماثلة.
الصفحة 56
طريقة الاكتشاف الإرشادي "شبه الموجه":
يناسب هذا الأسلوب طلابَ المراحل العليا، وتأخذ حصص الاكتشاف شبه الموجه بين ساعة وساعتين قبل بدء المجموعات في العمل على مشروعاتها. وفي هذا النوع من التعلّم يقدم المدرّس المشكلة للمتعلمين في شكل فيديو أو صورة أو نص، ومعها بعض التوجيهات العامة التي لا تقيّدهم ولا تحرمهم من فرص النشاط العملي والعقلي. ويكاد يقتصر دور المدرّس في هذا النوع من الاكتشاف على المساعدة في عمليات الملاحظة والاكتشاف ووضع الخطط المناسبة.
وهو يسأل المتعلمين أسئلة تساعدهم على التفكير في حل المشكلة بدلاً من أن يخبرهم بشكل مباشر عمّا يجب فعله، ويتيح لهم الوقت حتى يصلوا إلى الاكتشاف دون توجيه ملح أو مكلّف، وبذلك يتعوّد المتعلمون على التفكير الذاتي.
ومن الخطوات الإرشادية التي يمكن للمدرّس أن يتبعها في تنفيذ هذه الطريقة:
1-أن يهيئ المدرّس الموقف التعليمي بحيث يتضمن بعض المعلومات والبيانات المناسبة.
2-أن يطلب من تلاميذه اكتشاف معلومة معينة أو قاعدة ما من البيانات المتاحة ويتركهم يعملون دون تدخل منه.
3-أن يتيح المدرّس الفرصة للمتعلّمين لكى يتبادلوا الآراء فيما توصلوا إليه من اكتشاف.
الصفحة 57
الاكتشاف الحر:
وهو أرقى أنواع الاكتشاف، ولا يجوز أن يُمارسه المتعلمون إلا بعد أن يكونوا قد مارسوا أحد النوعين السابقين، وكسبوا قدرا من المفاهيم والقوانين الأولية المساعدة على فهم الظواهر وتحليلها.
ويمثل التعلم المبني على المشروع الفرصة المثل لتحقيق هذا النوع من التعلم، وفيه يوضع المتعلمون أمام مشكلة محدّدة، ثم يُطلب منهم الوصول إلى الحل المناسب لها، من خلال العمل الجماعي على مشروع، ويترك لهم حرية صياغة الفروض وتصميم التجارب وتنفيذها.
ويختلف هذا النوع من الاكتشاف عن الاكتشاف الموجه والاكتشاف شبه الموجه في أن الطلاب هم الذين يحددون ما يرغبون في دراسته، تنمية لحب الاستطلاع الطبيعي والفضول العلمي لديهم.
ولا تكون البداية في هذه الطريقة للمعلّم، ولكن يحتفظ بدوره التربوي الهام في إظهار الاهتمام بما يفعله الطلاب وتحفيزهم وتقديم النصح لهم، وفي المساعدة على توفير كل ما يلزم من أدوات وأجهزة، دون أن يزودهم بأية تعليمات أو توجيهات تتعلق بالتعامل مع المشكلة، أو باختيار المشروع إلا على سبيل الحوار والتفاعل، ودون أن يتدخل في النتائج النهائية لحل المشكلة.
الصفحة 58
ويعود هذا النوع من التعلم الطلاب على مواجهة مشكلات حقيقية، وعلى إجراء التجارب المعملية إذا كانت مشكلة علميّة، أو خوض التجارب الاجتماعية إذا كانت المشكلة اجتماعية للوصول إلى حلّ تلك المشكلات.
ويمكن للمعلم أن يستعين بمجموعة من الأسئلة حتى يُساعد الطلاب على اختيار المشاريع التي يُريدون أن يعملوا عليها، والحلو التي يريدون أن يجربوها، ومن هذه الأسئلة:
الصفحة 59
البناء الذّاتي للمعرفة
تعتبر "البنائية" التعلّم مسارا ذاتيا لبناء المعرفة يتحقق عبر التفاعل ما بين الشخص المفكر والمحيط الذي ينمو فيه. ويُولي هذا الطرح اهتماما خاصا بالدور الذي تلعبه أنشطة الشخص وأفعاله في بناء التفكير والتعلم.
وللمعارف السابقة" أهمية بالغة في عملية التعلّم، فلبناء معارف جديدة، يعمد الشخص إلى معارفه السابقة كوسيلة يفهم من. خلالها نشاطه ويراجعه ويتفكر فيه. وبذلك تلعب المعارف السابقة دور المهيئ لاستيعاب المعارف الجديدة وترسم معالم المسار الذي سيتوخاه. وبعبارة أخرى فإن ما سيتعلمه شخص ما. من المعارف الجديدة، هو رهين ما يعرفه سلفًا".
وبناءً على هذا التصور، تقترح الأطروحات البنائية نموذجا عاما لتطوّر الذكاء الشخصي المعتبر نوعا من "التكيف (1988 Piaget). فهي ترى أن تطوّر الذهني يحصل داخل الذات، وأن تطوّره يكاد يكون مستقلا عن المحيط الثقافي والتربوي ومن باب أولى عن "التعليم".
ومثل هذه التصوّرات هي التي وهبت الطرق التربوية النشطة والفعالة مشروعيتها، تلك الطرق التي أكد فيها روادها أمثال "ديوي" و "دكرولي"
الصفحة 61
و "كلاباراد" على أهمية النشاط الذاتي للطالب، والحاجة إلى طرائق تعليم تتمحور على "الاكتشاف" و"الجدوى" و"الاهتمام " و "الرغبة".
ووسط هذا الطرح، يتمثل دور المدرّس في اقتراح بيئة تعليمية محكمة البناء وغنيّة، تسمح للتلميذ بأن يكتشف ذاتيا المشكلات والتناقضات التي تصدّع بنية توازنه" في مرحلة أولى، ولكنه سرعان ما سينجح في مواجهتها وابتكار الحلول التي تناسبها، وبذلك يتمكن من اختراع بنيات ذهنية جديدة، محققا توازنًا جديدا " مضيفا ".
وإذا أردنا أن نقدم وجهة نظر البنائية في شيء من الوضوح والبساطة، اختزلناها في المعالم التالية (1988، Piaget):
وقد ولد هذا الموقف ما سُمّي بـ «التريث البيداغوجي". وهو ما دفع Vygotsky إلى القول بأن "التعلّم عند بياجيه -هو مقطورة النمو"، ولا يخفى ما يستبطن هذا القول من أبعاد نقديّة تستحضر أهمية التفاعل مع الميحط والمدرّس والمتعلّم في تفعيل عملية النمو (1984,Vygotsky).
الصفحة 62
وقد حاول بياجي (1995: 38) تلخيص هذه المنظورات في شيء من الإسهاب فقال:
"الخلاصات الرئيسة التي تُقدّمها أبحاث سيكولوجيا الطفل لفنّ التربية تتعلق إذن، على تنوّعها، بطبيعة النموّ الذهني نفسه. فمن جهة، يرتبط هذا النمو جوهريًا بنشاطات الشخص، ويجد مرتكزة الدائم في نشاط إجرائي تلقائي غير قابل للاختزال، بدءا بالأفعال الحسية -الحركيّة، وانتهاءً بالعمليات المستنبطة.
ومن جهة ثانية، ليست هذه الإجرائية جاهزة سلفا وبشكل نهائي، وليست كذلك قابلة للتفسير بالرجوع فقط إلى المساهمات الخارجية لكل من التجربة والتلقين الاجتماعي، بل هي نتاج تأسيسات متعاقبة، والعامل الرئيس لهذا المنحى البنائي هو صيرورة التوازن المتحقق عبر إجراءات الضبط الذاتي الذي يسمح بمعالجة الاختلالات الطارئة على التناسق والتواز ن، ويتيح حلّ المشاكل وتجاوز الأزمات عن طريق إنشاء البنيات الجديدة باستمرار، وقد تُغفل المدرسة هذه البنيات أو تعزّزها حسب المناهج المتبعة. "
ويجد التعلم المبني على المشروعات مُلائِمَه النظري في كل من البنائية والبنائية الاجتماعية وحتى المعرفية، وهي تجد فيه الإستراتيجية التعليمية المناسبة والفعالة لأنه
الصفحة 63
يوفّر للطالب الفرصة لكي يبني معارفه بنفسه، في إطار التفاعل مع زملائه ومع معلمه طبعا. ولكي يتفكّر في تعلّماته ويعلل اختياراته، وينقد مساراته.
ونعرض عليك في الشكل (5) عددا من المقارنات والآنظار التربوية التي تُساعدك على تبين هذه المميزات المرجعية التي يتنزل في إطارها المشروع كآلية من آليات تفعيل دور المتعلم في عملة التعلّم.
أما في الشكل (6)، فنُلخص كيفية تشكل المعرفة في الذهن الإنساني -حسب التصوّر البياجستي، محيلين على مفاهيم مركزيّة في فكره التربوي مثل التكيف والتوازن والبنى الذهنية والاستيعاب والمواءمة.
(أنظر الجدول الموجود في الصفحتين 64و 65، والشكل الموجود في الصفحة 66، ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الصفحة 64
مفهوم (6):
التعلم المبني على الأهداف:
يذكر دي لانديشير (1984 , De Landsheere & De Landsheere) أن مفهوم التعليمية بدأ في التبلور منذ خمسينات القرن الماضي وستيناته، استجابة لحاجة فرضت نفسها بسبب تطوّر المعارف ووسائل الإنتاج، ألا وهي إدخال مزيد من الدقة والصرامة في آليات التعليم والتأهيل.
ففي سياق تميز بالزيادة المزدوجة في المعارف وفي عدد الطلاب الذين سيتم تعليمهم، كانت الحاجة جليّة لصياغة عقد تعليمي دقيق بين المدرّسين والطلاب، والتنصيص بوضوح على ما يجب على الطلاب تعلمه.
وقد كان تبلور مفهوم الهدف وتطبيقاته الإجرائية مرتبطا ارتباطا وثيقا بفكرة التخطيط المنهجي لأنشطة التعلم، وفقًا لمسار منظم يبدأ بتحليل الاحتياجات، ويتدرّج إلى تحديد أهداف التعلم، واختيار طرق التدريس، وينتهي بتقويم التعلم للتحقق من بلوغالأهداف.
وبدءا من هذه الغاية المبدئية، حصل انقسام (1997 Raynal & Runnier) بين نوعين من المؤلفين:
الصفحة 67
يري بلوم (1956 ,. Bloom and al) ، أن الهدف التعليمي هو بيان واضح لما يجب أن يُحدثه العمل التربوي كتغيير في التلميذ والغرض الأساسي من صنافة الأهداف التعليمية هو تصنيف مستويات النشاط الفكري الذي يتطلبه الهدف.
بينما يؤكد ميجر (1971 al.Bloom et ) على أن الأهداف يج ب أن تصف مجموعة من السلوكيات التي يمكن ملاحظتها، والتي من المفترض أن تشهد بشكل صحيح على التعلم المتقن من قبل التلميذ، كما يشير إلى أن الهدف يجب أن يصف شروط تحقيق السلوك المتوقع، وتحديد الحد الأدنى للأداء المطلوب تحقيقه.
ومن هذا المنظور، فإنّ ما يجب أن يصفه الهدف هو النتيجة المراد تحقيقها، وليست عملية التعلم.
وبشكل عام، تحدد أهداف التعلم التغييراتِ الدائمة والمرغوبة لدى التلميذ، والتي تحدث أثناء وضعية تعلم أو بعدها (1993 ,Legendre) وهي تحيل، بدرجة أقل، على الآنشطة التي تجعل هذا التغيير ممكنا.
الصفحة 68
وما يُمكن استخلاصه. من هذا العرض الأولي أن الأهداف التربوية تنتمي إلى المدرسة السلوكية في علم النفس. وهي تُشكّل مع التربية على التمكّن والتعليم المبرمج، أهم التوجهات التربوية التي قدمتها المدرسة السلوكية (Behaviorism) للتربية. وكان البلوم وميجر وزملائها الفضل في بناء التربية المستندة إلى الأهداف وإرساء قواعد التعلم من أجل التمكن.
وقد قدّمت هذه الأهداف الإجابة الأولى عن سؤال أساسي طالما شغل بال واضعي المناهج والمربين والمدرّسين، وهو ماذا نُعلّم؟
فجاءت الأهداف التربوية لتدخل التنظيم والوضوح إلى المناهج التعليمية وإلى العملية التعليمية والعملية التقويمية أيضا، وذلك لأنه على قدر ما نعرف ماذا نعلّم، يسهل علينا أن نعرف كيف نخطط لتعليمه، وكيف نعلمه، وكيف نقومه؟ ونستطيع بالتالي أن نسير بالعملية التربوية على نحو أفضل.
تقويم عام للتربية المستندة إلى الأهداف:
لقد أسْدَت التربية المستندة إلى الأهداف خدمات أساسية للتربية:
فقد توصلت إلى تنظيم المناهج وتحديد ما الذي ينبغي علينا تعليمه للأطفال.
كما أدت إلى تحقيق نقلة نوعية في تنويع التعليم ليغطي أهم جوانب الشخصية والسلوك بعد أن كان مقتصرًا على البعد المعرفي، وهذا ما يبينه تنوع مجالات الأهداف.
وشكلت أيضًا محاولةً علمية أدخلت الدقة إلى تصميم المناهج وتحضير الدروس وبناء الآنشطة التعلمية المحققة للأهداف، وصولاً إلى بناء اختبارات التقويم. فحققت الاتساق
الصفحة 69
التربوي، وضمنت قدرًا لا بأس به من التناسق بين عناصر العملية التعليمية، حيث كانت بنية المناهج وأنشطة التعليم وصولاً إلى التقويم، تتمحور كلّها حول الأهداف.
كما كانت التربية المستندة إلى الأهداف عاملاً من بين عوامل أساسية، إن لم تكن العامل الأساسي، الذي حدا بالكثيرين إلى الكلام عن تمهين التعليم واحترافيته.
وقد بدا للكثيرين أن صياغة الأهداف التربوية تساعد المدرّس على تحديد وقت التعلم وإدارته، وتتيح له المزيد من الفهم لبنية المادة، والمنهاج وتكسب عمله المزيد من الدقة والفعالية.
مثلما أن معرفة المتعلّم للهدف الذي سيصل إليه في نهاية الدرس، توجه انتباهه وتحفزه للتعلم، وتجعله يتابع تحقق الهدف وتشعره بالرضى كلّما تقدّم نحو تحقيق الهدف.
أما الانتقادات التي واجهتها التربية بالأهداف فكانت عديدة منها (,Pelpel, 2002; Eisner
2014 ,Mezianne : 1983 قطامي،1998):
الصفحة 70
الصفحة 71
الصفحة 72
التعلم المبني على نواتج التعلم
يُقصد به التحديد المسبق لمجموعة من نواتج التعلم المستهدفة التي ينبغي أن يتعلمها التلميذ ويصبح قادرا على إنجازها عند إنهاائه البرنامج التعليمي، ويساعد ذلك في تنظيم محتوى المقررات الدراسية وطرق التعليم والتعلم وأنشطتها وأساليب تقويمها وتوجيهها، ضمانا لتحقيق النواتج المستهدفة. (مصطفى، 2014)
1 -أسباب التفكير في التربية المبنية على مخرجات التعلم:
لقد حدثت تغييرات نوعية في المجتمع وفي الاقتصاد المعاصرين وأسهمت بشكل مباشر في تشكيل الإصلاحات المدرسية خلال التسعينات من القرن الماضي، ومن أهم هذه التغييرات
(Toffler, 1990; $pady, 1994, p. 29 Snyder 2004):
الصفحة 73
وسط هذه التحديات تبلور مفهوم التعليم المبنى على النواتج خلال العقدين الماضين، ليعبر عن مجموعة المعارف والمهارات والسلوكيات التي تمثل ناتج التجربة التعليمية". وترى مصطفى (2014) أنّ هذا المفهوم قد أحدث تغييرات عميقة في بيئة التعلم من ذلك أنه:
الصفحة 74
ومما يجدر التنبيه إليه، أن التعريف الذي ساقته الباحثة أعلاه، يتعارض مع التحديدات الصريحة لمؤسسي هذا النهج وروّاده، فبينما تقول المعرفة أن نواتج التعلم هي "مجموعة المعارف والمهارات والسلوكيات التي تمثل ناتج التجربة التعليمية"، يؤكّد روّاد التربية القائمة على نواتج التعلّم على أنّ ما يعنيهم فقط هو "ما يفعله المتعلم بما قد تعلّمه".
الصفحة 75
2-مفاهيم أساسية:
يطرح سبادي Spady))، أحد الآباء المؤسسين لهذا النهج، عددا الأسئلة من المفتاحية المساعدة على التعرف من قريب إلى التربية المستندة إلى نواتج التعلم، ثم يجيب عنها بطريقة تكشف إلى حد كبير مرجعيات هذا المنهج والمنطق الذي يتحرّك في إطاره: أما الأسئلة فهي:
ثم جاءت الإجابات على النحو التالي:
"فأما النواتج فهي نتائج تعلّم واضحة نريد من الطلاب أن يظهروها في نهاية تجارب تعلم مهمة.
وهي ليست قيما، أو كليشيهات أو مواقف أو حالات نفسية للعقل. بل النواتج هي ما يمكن أن يفعله المتعلمون فعليًّا بما يعرفونه وما قد تعلموه، وهي التطبيق الملموس لما قد تم تعلمه.
وهذا يعني أن النواتج تتمثل في الإجراءات والأداءات التي تجسّد كفاية المتعلّم وتعكس نجاحه في استخدام المحتوى والمعلومات والأفكار والأدوات. فجعل المتعلمين يقومون بأشياء مهمة بما يعرفونه خطوة كبيرة وراء المعرفة نفسها «. (2. Spady, 1994, p)
الصفحة 76
ويشدّك في هذا التعريف ما استثناه سبادي، فقد أخرج القيم والمواقف والمستويات النفسية للعقل، واهتم فقط بما يمكن ملاحظته الأداء من الفعلي ولما يفعله المتعلمون بالفعل بما يعرفونه وما قد تعلموه"، وهو في ذلك يجسّد معاني الوفاء للمنهج السلوكي، ويمهد لأول انتقاد وجه لهذه المقاربة في ظل مرجعيات نفسية وتربوية تولي الجوانب النفسية والسلوكية أهمية خاصة، وتنظر إلى العملية التعلمية باعتبارها فعلا عميقا ومتعدد الأبعاد يُحدثه المتعلّم ذاتيا ...
وأما التعليم القائم على النواتج، فهو يعني التركيز بوضوح، وتنظيم كل شيء في نظام تعليمي ما حول ما هو ضروري لجميع الطلاب حتى يكونوا قادرين على النجاح في نهاية تجاربهم التعليمية. وهذا يعني البدء برسم صورة واضحة لما هو هام للطلاب، ثم تنظيم المناهج والتعليم والتقويم للتأكد من أن هذا التعلم يحدث في نهاية المطاف.
وتتمثل المفاتيح الخاصة بوجود نظام قائم على النواتج في ما يلي ) .spady. 1994 p
1):
1-بناء مجموعة من نواتج التعلم التي يمكن أن تركز عليها جميع مكونات النظام.
2-تهيئة الظروف والفرص داخل النظام لتمكين جميع الطلاب من تحقيق النتائج المرجوة وتشجيعهم عليه.
الصفحة 77
وإجابة عن السؤال الثالث يثير سبادي قضيّة يتجاوز فيها مشكلة "الأهداف" والمدرسة السلوكية" و"تشذير المعرفة"... تلك القضايا التي يعرضها أنصار الكفايات مثلا لتبرير حركتهم من الأهداف إلى الكفايات، إنهاا قضية الزمن المدرسي التي يعتبرها محورا رئيسًا حكم المدرسة التقليدية على مدى قرن من الزمن، وفي ذلك يقول:
إن إرساء نظام على شيء ما يعني تحديد ذلك النظام، واتخاذ قراراته، وتنظيمه، وبناءه، وتركيزه، وتشغيل ما يقوم به وفقا لمعايير أو مبادئ متسقة مع ذلك الشيء.
وفي مجال التعليم كان الزمن المدرسي هو المعيار الذي لم يتغيّر والقاعدة الثابتة في معظم القرن العشرين. وعمليا، فإنّ كلّ مكونات النظام الحالي يتم تحديدها وتنظيمها وتشغيلها مع الوقت باعتباره العامل المحدّد الرئيس. (Spady, 1994. P.3)
إن السنة الدراسية التي مدتها تسعة أشهر كانت هي المعيار لكيفية عمل كل شيء في النظام. وبالتالي، فإن الطريقة الأكثر استخدامًا في تشغيل المدارس تعتمد على الزمن.
وقبل إرساء نظام على "النواتج":
الصفحة 78
مهارات المناهج الدراسية المحددة. وهذا يعطي جميع الطلاب في المنطقة والموظفين الهدف النهائي الذي يمكنهم التركيز عليه وتوجيه تجاربهم التعليمية والتعلمية لتحقيقه.
ومما ينبغي ملاحظته في هذا السياق، أنّه كثيرا ما يتطلب نهج النواتج وضع محددات النظام التقليدية وتعبيراته، مثل: الوقت والإجراءات والبرامج والتدريس والمناهج الدراسية، في مرتبة ثانوية. وهذا التحول من اعتبار الوقت إلى اعتبار الإنجازات، غالبًا ما يضع نتائج التعلم الفعلية في مسار تصادمي مع الساعة والجدول الزمني. فإذا كانت الحالة تلك، ورأيت " الزمن" و"الإنجاز" غير متناغمين، فإن مصطلح "قائم على النواتج" يعني مباشرة أن النتائج يجب أن تكون لها الأسبقية على الزمن. (3-4. Pady 1994, p) وبذلك، فإنّ "التعلّم المستند إلى النواتج" يختلف عما كانت المدارس تفعله دائما في أمور أهمها :(( Spady, 1994, p. 6
الصفحة 79
ومن المفارقات أن بعض الباحثين العرب ينقلون إلنا هذه الأفكار بطريقة غريبة لا ترعى الأفكار وحقها من الدقة، ويغلب عليها العموميات التي قد تقتل خصوصيتها وتذهب تميّزها تقول مصطفى (2014) في موطن من دراستها: "وبصفة عامة يتمثل ناتج التعلم لبرنامج معين في ما تم تعلمه من قبل الطلاب من معارف وما لديهم من اتجاهات وقيم وما هم: قادرون على القيام به من مهارات حال الانتهاء من البرنامج. ويمتاز ناتج التعلم بأن يصف الأداء المتوقع من التلميذ بعد انتهاء التعلم، ويجب أن يكون هذا الأداء قابلاً للملاحظة والقياس، بالإضافة إلى أن يكون الناتج واقعيًّا ومحددا وقابلا للتحقيق".
وأجدني مضطرا إلى إيراد الملاحظتين التاليتين:
الصفحة 80
ثم تقول في موطن ثان (مصطفی 2014): تتشابه تعريفات نواتج التعلم في معظم المراجع، مع الإشارة إلى أن الاختلاف بينهما اختلاف شكلي لا يمس الجوهر. بل إن هناك شبه إجماع على معنى موحد لمصطلح نواتج التعلم، نتيجة حداثة المفهوم وظهور تعريفات محددة له ومصاحبة لعمليات إصلاح التعليم العالي في أوروبا التي بدأت منذ نهاية التسعينيات:
فقد عُرفت نواتج التعلم بأنها:
الصفحة 81
وفي تقديري أن الحكم بوحدة التعريفات فيما يتعلق بنواتج التعلم غير وجيه، ومن يتابع الأدبيات التربوية في هذا المجال وما تشهده من التطور والتغيير، يُدرك موطن التسرع فيما قالت الباحثة. وأما التبرير بحداثة فأقل وجاهة، لأنّ حداثة العهد بالمفهوم هي التي تزيد من أسباب المفهوم الاختلاف حوله، لأنّ الجدّة قرينة الضبابية وعدم الوضوح عادة.
3-ملامح أساسية للتربية المبنية على نواتج التعلم:
يُمكن أن نلخص الملامح الأساسية للتعلم المبني على النواتج في الأمور التالية:
الأول: له مرتكزات لخصتها مصطفى (2014) في ثلاثة أشياء:
الصفحة 82
الثاني: فلسفته الأساسية "النجاح متاح لكل الطلاب ولكل القائمين على الوظائف التعليمية"، ويترجمها هذا النوع من التعلم في غايتين أساسيتين وهما (9. Spady, 1994, p):
الثالث: يستند إلى ثلاث أطروحات أو مقدمات أساسية، مدعومة بأبحاث ضخمة وأكثر من 30 عاما من ممارسات المربين. وهذه المقدّمات هي: (، Spady9. P, 1994):
الصفحة 83
الرابع: على الذين يُنفّذون التربية المستندة إلى نواتج التعلم عن وعي، توجيه ما يفعلونه حول أربعة مبادئ واضحة يتخذون في إطارها القرارات، ويبنون أعمالهم وهي (Spady, 1994, p. 10):
هذه المبادئ الأربعة هي قلب التربية المستندة إلى نواتج التعلم حسب الآباء المؤسسين، وهي. إذا عملت مع بعضها في تناغم، هيأت الظروف التي تُقدر المدرّسين والتلاميذ على النجاح.
الخامس: أهم الأشياء التي يجب أن تتذكرها عن التعليم المستند إلى النواتج وتأخذها بعين الاعتبار (24. Spady, 1994, p):
الصفحة 84
(أنظر الشكل 7 الموجود في الصفحة 85 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الصفحة 85
4-تقويم شامل لمدخل التعلم المستند إلى النواتج:
في السنوات الأخيرة أصبح موضوع جودة نواتج التعلم من الموضوعات الهامة والحيوية التي نالت قدرًا كبيرًا من النقاش والبحث، بهدف تقويم نواتج التعلم في مؤسسات التعليم. وتمثل نواتج التعلم، بالنسبة إلى كثيرين، واحدة من أهم الركائز الضرورية لتحقيق الشفافية في أنظمة التعليم، ومن المهم ألا يكون هناك أي خلط أو مفاهيم خاطئة حول ما تعنيه هذه النواتج وطبيعتها ووظيفتها. ويُمكن إجمال ما يُميّز هذا المنهج في الأمور التالية:
أما النقد الموجه إلى هذه المقاربة، فيُمكن إجماله في النقاط الأساسية التالية:
الصفحة 86
يمكن أن يفعله المتعلمون بالفعل بما يعرفونه وما قد تعلموه، وهي التطبيق الملموس لما قد تمّ تعلّمه"، أما "القيم، أو الكليشيهات، أو المواقف، أو الحالات النفسية للعقل" فلا علاقة لها بنواتج التعلم الحقيقية بالنسبة إلى هذه المقاربة.
الصفحة 87
ومثل هذا المنطق يعكس "براجماتية" قد لا تجد ترحيبا كبيرا لدى شرائح التربويين الذي يهتمون بالنتائج إلى قدر كبير، ولكن اهتمامهم بالخدمات التعليمية، ولو نظريا، لا يقل عن اهتمامهم بالنتائج.
الصفحة 88
التعلم المبني على المعايير
يظهر للمطلع على الأدبيات التربوية أنّ حركة المعايير من أبرز الاتجاهات التربوية المعاصرة في مجال تقويم المناهج الدراسية وتطويرها، فقد " انتشرت كثقافة وفلسفة بقوة في الآونة الأخيرة، وحظيت بقبول وتفاعل من قبل المختصين في مجال التربية والتعليم على مستوى العالم حتى أصبحت سمة العصر وخاصة في العقد الحالي الذي يكاد أن يطلق عليه مسمى عقد المعايير" (زيتون، 2004).
وقد كان من بين أهم أسباب ظهور حركة المعايير، نشر تقرير "أمة في خطر " عام 1983 في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي كشف عن الضعف الذي أصاب القاعدة التعليمية في المجتمع الأمريكي في ذلك الوقت، تما حتم القيام بتقويم العملية التعليمية ومراجعتها، والتوصية بالاهتمام بمحتوى التعليم والمستويات والتوقعات لأداء التلميذ. (طعمه، 2014)
انطلقت حركة المعايير في الولايات المتحدة الأميركية بعدما سادت فيها التربية المستندة إلى الأهداف مع اهتمام أولي بالكفايات وكانت انطلاقتها في العام 1983 مع صدور التقرير الشهير بعنوان "أمة في خطر" والذي أعدته اللجنة الوطنية للجودة في التربية.
الصفحة 89
1-ملامح أساسية للتربية المستندة إلى المعايير:
يمكن تحديد التربية المستندة إلى المعايير بأنها عملية تخطيط المناهج الأكاديمية وتقديمها وإدارتها وتحسينها على أساس معايير واضحة، وتقدم فيها معايير المحتوى الأكاديمي المحدّدة بوضوح الأساس لمحتوى التعليم والتقويم. وفي هذا النوع من التربية، تساعد المعايير على التأكد من أن المتعلمين يتعلمون ما هو مهم، بدل إعطائهم كتبا تُملي عليهم الممارسة الصفية. وبذلك يكون تعلم الطلاب محور التربية المستندة إلى المعايير.
وتهدف هذه التربية إلى تحقيق مستوى من الفهم عالٍ وعميق لدى المتعلمين، وهو فهم يتخطّى التعليم المستند إلى الكتب المدرسية أو إلى الدروس.
وترى ديانا رافيتش (2011 ,Ravitch) وزيرة التربية السابقة في الولايات المتحدة الأميركية، أن اعتماد المعايير في التربية يتماشى مع متطلبات الحياة العصرية، لأنّ الأميركيين يتوقعون وجود معايير دقيقة تضبط تشييد البنايات وبناء الجسور وشق الأوتوسترادات والآنفاق... وهم يتوقعون وجود معايير صارمة لحماية الماء الذي يشربون والطعام الذي يأكلون، والهواء الذي يستنشقون... وإذا كان وجود المعايير يؤدي إلى تحسين حياة الناس اليومية، فإنّ وجودها في التربية سيؤدي إلى تحسين فعاليتها.
تستند حركة المعايير إلى مبادئ أساسية تشدّد على الأمور التالية:
-الجودة التربوية والمساواة هما حق لجميع الأطفال.
الصفحة 90
-التعاون چوالمشاركة بين المربين والأهل وسوق العمل والمجتمع المحلّي يدعمان الإنجاز الأكاديمي العالي والجودة وإتاحة فرص متساوية أمام جميع الأطفال.
- البيئة السليمة والداعمة، تلك التي تحترم تنوّع المتعلمين هي حاجة ملحة.
- الشعور بالحيوية والطاقة والالتزام بالتعليم والتعلم الناجحين، أحد أهم ضرورات العصر.
- من حق كل متعلّم أن يشارك في الخبرات التربوية الحقيقية وذات المعنى بالنسبة إليه.
وتحتل مبادئ المساواة موقعا أساسيا وهي تعني أن كل متعلّم يتلقى الدعم المناسب الذي يحتاج إليه للنجاح. ويتمثل مبدأ المساواة أيضًا في تحرير معايير المضمون وأدوات التقويم من أي شكل من أشكال الانحياز عند المتعلمين، والعمل على إلغاء تفضيل جماعة منهم على أخرى سواء أكانت هذه الجماعة أطفالاً تابعين لعرق معيّن أو إثنية معينة أو لوضع اقتصادي معيّن أم كانوا أطفالاً موهوبين أو معوقين يشكون من صعوبات معينة.
إضافة إلى ذلك، فإن المساواة تظهر أيضًا في الحرص على إشراك مختلف الفئات التي تؤلّف المجتمع في المنهج ومعايير المحتوى، أو الحرص على أن يعكس المنهج والمعايير حاجاتهم وتطلعاتهم، كما تظهر أيضًا في إشراكهم في تحمّل المسؤولية.
3 -أهداف التربية المستندة إلى المعايير:
تهدف التربية المستندة إلى المعايير إلى (2007 ,The Ohio Department of Education):
الصفحة 91
الصفحة 92
4-في الفرق بين التعليم المستند إلى المعايير والتعليم المستند إلى الأهداف:
حددتها مرتضى وزملاؤها (2014) في النقاط التالية:
(أنظر الجدول الموجود في الصفحة 93و94 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الصفحة 93
5 -قويم عام للتربية المستندة إلى المعايير:
كان للتربية المستندة إلى المعايير مؤيدوها ومعارضوها في الولايات المتحدة. وقد تعرضت لبعض الانتكاسات مثل استقالة المجلس المكلف بمتابعتها وذلك بسبب التغير الحاصل في سياسة الكونغرس الأميركي في عهد الرئيس بيل كلينتون. (طعمه،2014)
كما اتهمت بأنها كانت منفذا لتبديد الموارد التي كان من الأجدر أن تصرف على سدحاجات أكثر إلحاحا في المدارس كالتجهيزات والمعدات التربوية.
وتتفق معهذه الملاحظة الحملة التي أطلقتها لين شيني (Choney) على مضامين المعايير المتصلة بالتاريخ فمعايير هذه المادة الدراسية تخدم تفوّق الذكور البيض.
الصفحة 94
وتضحي بالأقليات وبالمرأة. كما أنها تتجاهل شخصيات تاريخية كلاسيكية مثل جورج واشنطن وروبرت لي بهدف استرضاء مناصري التنوع الثقافي، ولقد أدت مثل هذه الانتقادات إلى إدخال التعديلات على معايير التاريخ وإعادة إصدارها في طبعة جديدة في العام 1996.
وانصب قسم من الانتقادات على الناحية الإصلاحية في حركة المعايير، وشبهت بغيرها من الحركات الإصلاحية السابقة كحركة الفعالية التي قادها فريدريك تايلور (Taylor) منذ العام 1914 وحتى الثلاثينيات من القرن الماضي، وحركة الأهداف التربوية مع بلوم (Bloom) ثم ميجر (Mager) في الستينيات (1962).
وكان تايلور قد درس علاقة الزمن بالحركة في إطار الإدارة وتوصل إلى أنه عبر تحديد المخرجات المرجوة من جهود العامل تحديدا دقيقا، وعبر حذف الحركة المبذرة أو الضائعة فإن المخرجات ستزداد، والمنافع سترتفع، وسترتفع معها الأجور وفي النهاية ستعم المنفعة.
لكن تبين أن المفهوم الرئيس الذي استندت إليه حركة الفعالية وهو أن بالإمكان أتمتة التعلم والتعليم هو مفهوم لا يعمل استنادا إلى أيسنرفي نقده التعليم المبني على الأهداف (1983. Eisner).
وقد عمل ميجر (1975 ,Mager )على أتمتة بناء الأهداف التربوية إلى حد أنه أغرق المدرسين والمدارس بعدد الأهداف وحده. والأمر نفسه حصل للمعايير التربوية استلزمت آلاف الصفحات تعرض المعايير والمؤشرات والأدلة والشواهد،
الصفحة 95
رغم أن الأمر رُشد بعض الشيء في هذه السنوات الأخيرة بعد أن اصطدمت الممارسة الواقعية بأن مئات المعايير وأجزاء المعايير والمؤشرات غير قابلة للمتابعة.
وبالإضافة إلى ذلك فقد واجهت حركة المعايير انتقادا أساسيا تجلّى في ضعف المعايير نفسها. فاستنادًا إلى الدراسات التي قام بها الاتحاد الفدرالي الأميركي للمعلمين(1975,Gandal) :
الصفحة 96
التعلم المبني على الكفايات
يقول بوتان: "إن تيار المقاربة بالكفايات على الأقل في نسخته الأولية، هو وليد التيلرة وتنظيم العمل، وباختصار هو وليد عالم الصناعة وقد غزا هذا التيار النظام المدرسي الأمريكي لأول مرة في أواخر الستينيات، وظهر بمظهر المعارض للنّهج المتمحور حول الشخص والذي كان ماسلو وروجرز قادته.
وسرعان ما فرضت الكفاية نفسها في عالم التعليم في الولايات المتحدة أولاً، وفي أستراليا ثم في أوروبا. وكانت المملكة المتحدة وسويسرا وبلجيكا من بين الدول الأولى التي رغبت في إعادة النظر في نظمها التعليمية بناء على هذا المنهج الجديد.
ونتيجة لذلك، انتقل صناع القرار من ثقافة الأهداف إلى ثقافة الكفايات، بالرغم من أن تمييز أحدهما عن الآخر لم يكن واضحا ". (28. Boutin, 2004, p)
ومن هذا المنطلق، يتصوّر بعضهم أنه للوهلة الأولى، لا يبدو الفرق شاسعا بين التربية المستندة إلى الأهداف والتربية المستندة إلى الكفايات. يتحلى لك ذلك فيما يقوله بعضهم على سبيل المثال: إذا صغت هدفًا تعلميا مثل: "في نهاية هذه الحصة التعلمية يتوصل المتعلمون إلى جمع عددين مثل 17+25-... و39+ 21¨ -، إلخ.... في مدة لا تتعدى الدقيقة والنصف لكل عملية
الصفحة 97
جمع ولا يتخطى حاصل العددين المجموعين المائة"، يكون تحويل هذا الهدف إلى كفاية أمرا سهلا، إذ يكفي أن تضع هذا الهدف في إطار ذي معنى، وعلى الأخص في سياق وضعية – مشكلة تدعو المتعلمين إلى التفكير فيها وإيجاد حل لها وترفعه إلى مستوى الهدف الوسيط أو العام حتى تصبح على الطريق المؤدي إلى الكفاية (طعمه،2014).
وهو نوع من التبسيط الذي كثيرا ما يجني على التصورات والممارسات العلمية. وقد ا يكون مرده إلى شيء من التسرع أو إلى نوع من السطحية في معالجة المفاهيم. ويصل التبسيط حده، حين يقول بعضهم:
بدل أن تضع أمام المتعلمين عددين تفصل بينهما علامة الجمع وينتهيان بإشارة – (أي تساوي).
ضعهم أمام مسألة تتضمن المعادلة نفسها كان لدى أحمد 17ليرة، ثم أعطاه جده 25 ليرة، فكم ليرة أصبح لدى أحمد؟ وهكذا يستخدم المتعلم الجمع ليحل مشكلة واستخدام المتعلم لعمليات الجمع ليحل مسائل حسابية يضعنا أمام الكفاية.
ومثل هذا القول تبسيط شديد، لأن وضع المتعلم أمام مسألة تطبيقية يستخدم فيها عملية الجمع ليحل تلك المسألة لا يضعنا أمام كفاية، فلكم استعملنا عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة في حل مسائل معقدة، ونحن في أوج التعليم بالأهداف وربما قبل زمن الأهداف، وما قال أحد إننا بصدد المقاربة بالكفايات. لأن الفرق كبير بين حل مسائل في سياق تطبيق قواعد وقوانين قد أخذناها سلطا من المدرس، وبين وضع للمتعلمين في مواجهة مسائل ليتعلموا القوانين ويدركوا
الصفحة 98
القواعد بأنفسهم مستثمرين مكتسبات سابقة تساعدهم على بناء تعلمات جديدة.
وقد يجد هذا التبسيط شيئا من المشروعية في ما يشير إليه البعض مثل حنفياف ماير (1995 ,Meyer) من أنّ التربية المستندة إلى الأهداف عرفت حقبتين: حقبة أولى اتصفت بالأهداف المصغرة كأن يعين المتعلم الفاعل في عدد من الجمل المفيدة، وحقبة ثانية حاولت أن تتخطى التجزئة الحاصلة في التعليم لتخلق سلسلة . الأهداف بجد في من نهايتها على سبيل المثال "يصبح المتعلم قادرا على أن يستخدم الجمع ليحل مسألة "
في الحساب.
وإن هذه الصياغة الأخيرة تضعنا أمام هدف أكثر طموحا. إنها هدف ينتمي إلى الأهداف المتوسطة أو الوسيطة التي تحتل موقعا بين الأهداف العامة البعيدة المدى (التي تتحقق في نهاية فصل دراسي أو سنة دراسية) من جهة، والأهداف التعلمية القريبة أو الخاصة بدرس (التي تتحقق في درس أو حصة تعلمية).
وفي ضوء ما تقدم يقول بعضهم: إن الكفاية تتشكل ابتداء من هدف وسيط أو أكثر، كما يمكن اعتبار الهدف العام موازيا لكفاية معينة. ومثل هذا الكلام ينطوي على تبسيط كبير، وذلك لأن الكفاية، وإن كانت توازي في حجمها أو كبرها أهداها وسيطة وما فوق، فإنهاا تتضمن خصائص وشروطا أساسية مثل التعرف إلى الوضعيات المشتملة على مشكلات واقتراح الحلول المناسبة لها. (طعمه،2014)
2-الكفايات بين السلوكية والبنائية:
يعود مصطلح "الكفاية" عند فريق أوّل إلى عمل واتسون في الشرطية الكلاسيكية، وأن التعريفات الأولى للكفايات التي أشار إليها الإصلاحيون هي في الواقع ذات
الصفحة 99
طبيعة سلوكية (2004 Boukin et Julien 2000 Boutin). ووفقا لتوبان (1995 ,Toupin)، فإن تعاريف كثيرة تتنزل في هذه العائلة من التعاريف:
يقول بوتان إن تيار المقاربة بالكفايات على الأقل في نسخته الأولية، هو وليد التيلرة وتنظيم العمل، وباختصار هو وليد عالم الصناعة وقد غزا هذا التيار النظام الأمريكي لأول مرة في أواخر الستينيات، وظهر بمظهر المعارض للنهج
المدرسي المتمحور حول الشخص والذي كان ماسلو وروجرز قادته.
وسرعان ما فرضت الكفاية نفسها في عالم التعليم في الولايات المتحدة أولاً، وفي أستراليا ثم في أوروبا. وكانت المملكة المتحدة وسويسرا وبلجيكا من بين الدول الأولى التي رغبت في إعادة النظر في نظمها التعليمية بناء على هذا المنهج الجديد. ونتيجة لذلك، انتقل صُنّاع القرار من ثقافة الأهداف إلى ثقافة الكفايات، بالرغم من أن تمييز أحدهما عن الآخر الآخر لم يكن واضحاً". (28.p ،2004، Boutin)
أما الفريق الثاني (1998 ,Tardir et al., 1992: Désilets & Tardir, 1993; PERFORMA)، فإنها يرى أنه لا يمكن في الواقع أن تنقذ المقاربة بالكفايات إلا في إطار رؤية بنائية للتعلم، لأن تطوير الكفايات لا يمكن تحقيقه إلا إذا خضعت هذه الكفايات للعمل والممارسة.
وقد حددوا ثلاثة مبادئ بنائية تتحرك في إطارها المقاربة بالكفايات وهي: التفاعل، السياقية، البناء الموجه.
الصفحة 100
ويحاول فيليب ميريو أن يرفع اللبس.
عن علاقة الكفايات بالمدرسة السلوكية فيقول:
إننا فقط حين تحرى التعلم وتحلله إلى مهارات دقيقة نكون قد ربطنا مفهوم الكفاية
بأصوله السلوكية "المشينة" (2006 , Meirieu).
وهو يرى أن أعمال (Hainaut et RM … Gagné.L) تظهر كيف يمكن فصل مفهوم الكفاية من المدرسة السلوكية، وإلحاقه من خلال حل المشاكل بالآنشطة العقلية المركبة التي يمكن أن يتملكها المتعلم.
ويوافقه في ذلك مؤلفون كثيرون (b; 1998 , Tardif et al., 1992; Perrenoud, 1995; PERFORA2005 ,Meirieu)
، معلنين أننا في الكفايات بصدد مفهوم بنائي، كما هو محدد من قبل (1905 ,perreraud )مهارات عالية المستوى، تتطلب إدماج موارد معرفية متعددة في معالجة حالات مركبة".
ولم ينته النقاش بعد:
(16.Jean-Pierre Prouls, 2004, p)
3-حركة الكفايات الحديثة هي حركة بنائية اجتماعية بامتياز:
الصفحة 101
صحيح أن الكفاية بدلالاتها المختلفة يُمكن أن تُبنى في كلا السياقين النظريين: السلوكي والبنائي، وأن المعنى الممنوح لكلمة "الكفاية" يختلف
بحسب المرجعية الفكرية لمستعملها (28. Boutin, 2004, p):
غير أن "الكفاية" بتلك المكوّنات والمفاهيم الخليفة التي أوردنا الكثير منها في المباحث السابقة لا يُمكن أن تجد مرجعيّتها إلا في البنائية الاجتماعية متضافرة مع
المعرفية، لأننا لا يمكن أن نتحدث في السياق السلوكي عن طالب:
دون أن تذهب تصوّراتنا وأذهاننا إلى البنائية والبنائية الاجتماعية، إذ أن كل المفاهيم السابقة إنما تحد مرجعها في المقاربات البنائية بنوعيها وفي المقاربة المعرفية.
الصفحة 102
(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 103 ضمن النسخة الورقية نوف أعلاه).
ورغم أنّ بوتان قد أورد هذه القابليات المختلفة لمفهوم الكفاية في معرض التشكيك في مصداقية المفهوم وفي وضوحه، فإنها يقيم الحجة من حيث لا يشعر على أن للمفهوم جهة بنائية، وهذه الجهة البنائية بقطع النظر عن مدى نجاح أصحابها في بلورة تصوّرها وفي تحرير المراد منه بدقة. هي التي يستهدفها أنصار التطوير بحثا عن المقاربة الأمثل والأقدر على إعداد التلميذ لتحديات عالم جديد. وبمنطق الباحث عن الأفضل في توازن أقول:
الصفحة 103
قديمة ينسل نفسه منها بالتدريج حتى يستوي مفهوما جديدا مستقلا، رغم كل ما قد يربطه من التاريخ المشترك مع مفاهيم قريبة.
4-ملامح من تاريخ الكفايات:
في الثمانينيات، كانت الإشارة إلى الكفايات تحيل على قدرة معينة أو على استعداد للتصرف بفعالية في سياق معين ولم تعد المعرفة نفسها مهمة ولكن الاستخدام الذي يتعلق بها. فالكفايات تمكن الأفراد من تعبئة المعارف المكتسبة وتطبيقها وإدماجها في مواقف متنوعة ومعقدة لا يمكن التنبؤ بها.
الصفحة 104
ويشير تعريف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إلى أنه في جميع التخصصات تفشر الكفاية بشكل عام على أنها نظام متخصص من الاستعدادات أو المهارات اللازمة أو الكافية لتحقيق هدف معين
(14. INRP, 2003, p)
والتقت تلك التعريفات والمفاهيم مع دعوة صريحة من المفوضية الأوروبية إلى أن يعتمد التعليم أساليب تسهل عمليات التحويل (Transfert) الضرورية وتشجع عليها، حتى يتولى الأفراد مسؤولية حياتهم، وهو ما يتطلب تحولا من أساليب التدريس التي تتمحور حول المدرّس، إلى طرق التدريس المتمحورة حول المتعلمين، حيث لم يعد المدرسون يوفرون المعرفة للحفظ ولكنهم يساعدون الطلاب في عملية بناء مهاراتهم، انطلاقا من معرفتهم السابقة وخبرتهم.
فالمدرسون مدعوون إلى أن يعلموا المعارف المتعلقة بتخصصاتهم، وإلى أن يُعززوا في الوقت نفسه مهارات التفكير الإبداعي والنقدي والقدرة على التعلم من خلال إشراك الطلاب في العمل داخل الفصل. إن اكتساب المهارات يفرض التزاما من جانب المتعلم، إذ يصبح دوره تسهيل التعلم من خلال توفير التوجيه اللازم للطلاب في جهودهم لتطبيق معارفهم ومهاراتهم على وضعيات جديدة من أجل جعلهم بالغي أكفاء. (INRP, 2005, p. 18)
ويتميز السياق الذي بدأت تحدث فيه هذه الإصلاحات في المجتمعات الأوربية والأمريكية، بالتغيرات الكبيرة في اقتصاد الدولة، مثل التحول من اقتصاد الإنتاج الضخم إلى الاقتصاد القائم على المعرفة والابتكار التكنولوجي، وفتح الأسواق من خلال التوقيع على اتفاقات متعددة الأطراف، وزيادة استخدام أجهزة الكمبيوتر في تقنيات الإنتاج وبالتالي زيادة الطلب على قوة عاملة عالية
التأهيل ومتنوعة المهارات. (147.Quebec, 2006, p)
الصفحة 105
وإن الذي أدى في الكيبيك وغيرها، إلى إصلاح المناهج بناء على المقاربة بالكفايات أمور كثيرة أهمها عولمة المعايير، وظهور المعايير الدولية للكفايات (1993، Québec)، وتحرير التجارة، والتطور التكنولوجي، والاحتياج إلى يد عاملة مؤهلة، واللامركزية الإدارية، وتغير النموذج التعليمي (2002 ,Inchaarpd, 1992; Qudbec) .
ونستخلص من ذلك أن استخدام المقاربة بالكفايات في تطوير المناهج الدراسية لم يكن مفهوما تم تطويره بشكل تلقائي، أو نتيجة عمل عدد قليل من الموظفين العموميين أو المربين التربويين في الكيبيك أو غيرها من دول العالم. بل هو نموذج معتم في معظم الدول الغربية، ويختلف تطبيقه باختلاف التوجهات السياسية للحكومات والخصوصيات والثقافات الإقليمية أو المحلية.
ويتم التأكيد على هذه المقاربة في تطوير المناهج الدراسية لغايات واضحة أهمها:
ويبدو أن المقاربة القائمة على الكفايات (APC) آخذة في الحضور في جميع مجالات النشاط البشري تقريبا، وفي كل شيء يحدث في الوقت الحاضر، كما لو أنه لا توجد طريقة أخرى للتعرف إلى مسار الإنسان من الولادة حتى الموت، والحكم على قيمته، وتقويم أهميته. (25. Boutin, 2004, p)
الصفحة 106
5-تقويم عام للتربية المستندة إلى الكفايات:
تجد التربية المستندة إلى الكفايات جذورها في العديد من التحولات الحاصلة اليوم في العالم. وقد تتعدّد الظروف التي أدّت إلى توسّع هذه التربية ونذكر منها:
انطلاقا من هذه التحديات، حاولت الرؤى التعليمية مختفية بالكفايات أن تحتم في التربية بأبعاد جديدة أهمها:
الصفحة 107
منذ المدرسة.
المعرفة العمل والقدرة على الابتكار والإبداع...
الصفحة 108
غير أن الانتقادات التي واجهت التربية المستندة إلى الكفايات كانت عديدة: ولنبدأ مع انتقادات ينقلها بارونو ويتصدى للردّ عليها في أكثر من كتاب، ويجملها في بعض المواطن في خمسة (2001 ,Perrenoud):
1. إن مفهوم الكفاية ذاته لم يستقر ولم يرتكز على أسس نظرية، ولذلك فإننا سنبني إصلاحاتنا على رمال متحركة (27-25 ,2004 ,Boutin).
2.سوف تدير الكفايات ظهرها للمعرفة، وخاصة المعارف المتعلقة بالتخصصات والمواد الدراسية (١).
3. النهج القائم على الكفايات سيعود بنا إلى نفعية منخفضة المستوى، وإلى مفهوم ضيق للثقافة.
4. المناهج الجديدة ستكون لعبة الاقتصاد والذي لم يعد يُقسم إلا بالمهارات. ه. ستذهب إصلاحات المناهج بسرعة كبيرة، ولن يتم التفاوض بشأنها، ولن يتم إقناع المدرسين أو تدريبهم.
ومثل هذه الانتقادات مشروعة بالنسبة إلى أفكار جديدة لم يتعوّدها الناس، خاصة إذا كانت أفكارا تحاول أن تغيّر قواعد التعليم وأسس بناء المناهج بشكل شبه جذري، وتُحدث نقلة نوعية في حركة المفاهيم بعد أن تحذرت، والأهم من ذلك أن تنجز زحزحة في مواقع المواد التعليمية بعد أن أصبحت حصونا تتمترس وراءها مصالح كثيرة ...
إن الانتقادات المبنية على حجج تستحق النقاش حتى ولو كانت تخفي أحيانا تحفظات أخرى أقل إثارة للإعجاب. ولكن ما يمكن أن يكون مخيفا في هذا المجال
الهوامش
(1) يمكن الاطلاع على ردّ لبارونو في موقع آخر من هذه الورقة.
الصفحة 109
هو التسرع للمبالغ فيه، أو التبسيط المفرط، وغياب النقاش العام. ولذلك، فإن منتقدي النهج القائم على الكفاية يستحقون مناقشة حقيقية عندما يقوم انتقادهم مؤشسا، كما أن بعض هذه الانتقادات تخفي أحيانًا مقاومات أقلّ قبولا، لا بد من كشفها وتحليلها، ويُمكن أن تميز منها حمنا (2001، Permous):
1.الدفاع غير المشروط عن المناطق والمساحات التي تحتلها المواد.
2. تصميم المدرسة النخبوية.
3. الرؤية المحافظة للثقافة.
4. الخوف من التغيير.
5. نقص في المهارات التربوية والتعليمية.
إنها من المشروع جدا إذن إجراء حوار مع أولئك الذين بحسن نية، يقومون بصياغة اعتراضات أو مخاوف، لأنّ أي فكرة مهما كان تميزها، ليست عن النقد، بمنأى والعاقل ولو كان من المدافعين منذ عدة سنوات عن نهج قائم على الكفايات، فإن ذلك لن يؤدي به إلى الانخراط في أي إصلاح للمناهج الدراسية بشكل غير مشروط، ولا للنظر إلى أي نقد باعتباره "مقاومة غير عقلانية للتغيير". (2001,Perrenoud )
لم تكن تلك هي الانتقادات الوحيدة التي أثيرت حول المقاربة بالكفايات، فقد كانت الملاحظات تُسجّل هنا وهناك وتُطرح القضايا والأسئلة حول عدد من الأمور لعل أهمها (2004 ,Boutin et Julien, 2000; Boutin)
الصفحة 110
وإن مما أستغربه حقا في نقد فكرة الكفايات الإشارة إلى أنها وليدة الطرح التيلوري، وأنها وفية لروح الشوق والمصنع بالدرجة الأولى... فهل كانت الأهداف خالية من هذا النقد وهذا الانتماء التيلري وهذا الوفاء للسّوق؟
إن بلوم نفسه، وهو يضع صنافات أهدافه يشير بوضوح إلى أن القسم المتعلق بالأهداف في علاقتها بالمناهج رُسمت خطوطه عند تايلر في بعض كتاباته التربوية (25. P،1956، Bloom) ومن هذا المنطلق، لا وجاهة لأن تتخذ هذه القضية حجة لرد المقاربة بالكفايات، إلا إذا كان بهدف التنبيه إلى ضرورة التفطن لمحاولة السوق أن يخترق المجال التربوي ويحدّد منهجه وفقا لمصالحه فقط، ومثل هذا النقد يمكن أن يوجه إلى التعليم بالأهداف أو التعليم بالكفايات، أو أي مقاربة يمكن أن تقدم مصالح السوق على مصلحة الإنسان أو المدرسة أو المعرفة...
الصفحة 111
القرن الماضي. وكانت في البداية معدّة لتلبية الحاجة إلى الإنتاجية كما كانت منطلقة من مبادئ المدرسة السلوكية في علم النفس(1).
واليوم فإن المسؤولين عن الإصلاح المستند إلى الكفايات يحاولون تعويض نقصها بالحاقها بتيار البنائية الاجتماعية ولكن يصعب تبرير هذا الجمع أو هذه المزاوجة. وأيضا فإن مزج الكفاية بالبنائية الاجتماعية قد أدى إلى الغموض والالتباس بين الكفايات والإنجاز والكفايات والقدرات والكفايات والقيم.
أما (روغيرز)، فينبه إلى بعض الصعوبات الأساسية في تطبيق منهج الكفايات ومنها:
الهوامش:
الصفحة 112
في هذا السياق النقدي، وتفاعلا مع الطبيعة المفتوحة لفكرة الكفايات، ولاستمرارية الجدل حولها باعتبارها مفهوما حادثا مازال يطرح التساؤلات، ويثير الأفكار والأفكار المقابلة، يطرح لوبوتارف (2008، Le Boterf) مشروعا تعديليا تطويريا في خمسة عشر مقترحا تدخل كلها في إطار ما سماه بإعادة التفكير في الكفاية، وتتمثل هذه المقترحات في مسارات التفكير التالية:
الاقتراح 1: معاملة الكفاية كعملية (مسار) وليس كمجموعة من الموارد.
الاقتراح 2: التمييز بين النشاط المحدد والممارسة المهنية الفعلية.
الاقتراح 3: عدم الخلط بين الممارسات المهنية والبنى أو المخططات العملية.
الاقتراح 4: إدارة الناس، وليس مجرد إدارة المعرفة والمهارة والسلوك.
الاقتراح 5: الاهتمام بالتفكير وليس فقط بالممارسات والموارد.
الاقتراح 6: التأكيد على الانتقائية بدلاً من كل شيء.
الصفحة 113
الاقتراح 7: تصميم تحويل الكفايات كعملية بناء وليس كعملية نقل من مكام إلى مكان.
الاقتراح 8: اعتماد منهج احتمالي بدلاً من اتباع منهج آلي.
الاقتراح 9: فكر في قابلية التوظيف " وليس فقط في "الوظيف"
الاقتراح 10: التعامل مع الكفاية الجماعية بمنطق "التعاون" لا يمنطق "الجمع".
الاقتراح 11: عدم تقويم الكفايات ولكن ما يسمى كفايات.
الاقتراح 12: تقدير الوضوح والملاءمة وليس مجرد تقويم الفجوات.
الاقتراح 13: التوقع بدلاً من التنبؤ أو الاستقراء.
الاقتراح 14: اعتماد هندسة مسار بدلاً من هندسة برامج.
الاقتراح 15: اعتماد مناهج تكرارية ترابطية وليست خطية.
الصفحة 114
مفهوم الكفاية
تشير الكفايات في عالم الصناعة إلى:
"مجموعة مستقرة ومهيكلة نسبيًّا من الممارسات الخاضعة للرقابة والسلوكيات المهنية والمعارف التي اكتسبها الناس من خلال التدريب والخبرة، والتي يمكنهم تفعيلها دون تعلّم ،جديد، في السياقات المهنية التي
تقدرها شركتهم" (Boutin, 2004, p. 26).
وبالتالي، فهي ترتبط بالأداء المطلوب حتى يتولى شخص ما، بشكل فعال، وظيفة محدّدة من خلال عدد من المحكات المسماة "معايير الأداء".
أما في عالم التربية، فيعرف دوكيتال De Ketele (1996) الكفاية بأنها:
"مجموعة منظمة من القدرات ممارس على جملة من المحتويات في إطار أصناف معينة من الوضعيات قصد حل المشكلات التي تطرحها".
وهو تعريف يستحضر ثلاثة عناصر للكفاية وهي: "المحتويات" و"القدرات" و "الوضعيات". ومنها يمكن أن نصوغ تعريفا دقيقا للكفاية وهو:
الكفاية = {قدرات X محتويات X} وضعيات مشكلة => حل المشكلات
الصفحة 117
فإذا أضفنا إلى هذا التعريف أنّ الهدف الإجرائي إنما هو حاصل (قدرة محتوى)، فإن تعريف الكفاية يُمكن أن يختزل في التالي:
الكفاية = {أهداف إجرائية X وضعيات مشكلة => حل المشكلات
وهذا الاختزال التوضيحي كاريكاتوري في الحقيقة، لأنّ الكفايات تريد لنفسها سياقا مفاهيميا ونظريا غير السياق المفاهيمي للأهداف، ورغم هذه النزعة التبسيطية التي قد تثيرك للوهلة الأولى وأنت تتابع عملية تفكيك المفهوم، فإنّ الأمر في هذا التفكيك أعمق بكثير مما قد يكون وصل إليك:
الصفحة 118
وبذلك تكون للكفاية جهتان أساسيان
ومثل هذا التصوّر يحدد بدقة نقاط التمايز بين الكفاية والهدف وكل المفاهيم الأخرى ذات العلاقة، في ظل أن الهدف، لا يهتم كثيرا بكيفية البناء المعرفي بقدر ما يهتم بالنتيجة
حسب ما تبينه تعريفات الرواد في التربية المبنية على الأهداف:
فبلوم (1956. Bloom and al) يرى أن الهدف التعليمي هو بيان واضح لما يجب أن يحدثه العمل التربوي كتغيير في التلميذ. والغرض الأساسي من صنافة الأهداف
التعليمية هو تصنيف مستويات النشاط الفكري الذي يتطلبها الهدف.
بينما يؤكد ميجر (1971 ,Bloom and al )على أن الأهداف يجب أن تصف مجموعة من السلوكيات التي يمكن ملاحظتها، والتي من المفترض أنها تشهد بشكل صحيح على التعلم المتقن من قبل التلميذ، كما يشير إلى أن الهدف يجب أن يصف شروط تحقيق السلوك المتوقع، وتحديد الحد الأدنى للأداء المطلوب تحقيقه.
ومن هذا المنظور، فإن ما يجب أن يصفه الهدف هو النتيجة المراد تحقيقها، وليست عملية التعلم.
وبشكل عام، تحدد أهداف التعلم التغييرات الدائمة والمرغوبة لدى التلميذ، والتي تحدث أثناء وضعية تعلم أو بعدها (1993، Legendre)، وهي تحيل، بطريقة أقل، إلى الآنشطة التي تجعل هذا التغيير ممكنا.
الصفحة 119
وهذا التصور للكفاية، والذي يقوم على العناية بمسار التعلم وبنتيجة التعلم في أن يحل مشكلة أثارها بوتان عندما أشار إلى عدم التوافق بين المعرفين على المراد بدقة من الكفاية
فقال:
"إن هذه الكلمة التي نجدها اليوم على شفاه الجميع، لا يزال من الصعب تحديدها بشكل مرض: ففي بعض الأحيان، يتم تعريفها باعتبارها نقطة وصول يميزها مستوى من الأداء مرتفع، وأحيانًا أخرى تعرّف باعتبارها مسارا أو عملية، يُحدّد تقدّمها من خلال تقارير التقويم" (-2625Boutin, 2004, p.)فالكفايات هي الأمران معا، ومن عرفها بأحدهما، فقد عرفها ببعض حقيقتها التي تبلورت وفقها بعد هذا الكم الهائل من الدراسات والتجارب.
ومن هنا نستشف أن "التعلّم المبني على الكفايات" هو استدراك على التعلم المبني على الأهداف ومحاولة لإضفاء شيء من الواقعية والحيوية عليه في آن، مع الحرص على تعويد المتعلم ملاحظة "التعلّمات" التي يكتسبها في سياقاتها الحقيقية، وإقداره على تعبئة موارده من قدرات ومعارف لحل مشكلات حقيقية تطرحها وضعيات ومواقف عملية.
أما لي بوتارف (1995 ، Boterf Le)،ما فقد عرف الكفاية بأنها:
"مهارة التصرف، أو هيا القدرة على إدماج مجموعة من الموارد من معارف، ومعلومات، واستعدادات، واستدلالات... الخ، وتعبئتها وتحويلها في سياق معين لمواجهة مختلف المشكلات التي تعترضنا، أو لإنجاز مهمة".
الصفحة 120
ويختار في وقت متأخر أن يقف وقفة مراجعة مع تعريف الكفاية، محبذا أن يُعرفها ويدخل إليها من طريق مختلف بعد أن لاحظ شيئا من التداخل في التعريفات التي تتناول "الكفاية" وشيئا من السطحية فقال (2011، Le Boterf):
لقد دفعتني هذه الملاحظات، منذ منتصف التسعينيات وفي أوائل العقد الأول من القرن الحالي إلى النظر في أنه في مواجهة هذا الطلب على الثقة فإن السؤال الأساسي الذي كان لا بد من الإجابة عنه هو: "من هو المهني الكفي (أي ذو الكفاية) الذي يبعث على الثقة؟" وليس "ما هي الكفاية؟".
في سعينا للإجابة عن هذا السؤال، توصلت إلى هذا الاستنتاج، وهو المحور الرئيس لمقاربتي تجاه "الكفاية": أخصائي مهني كفي وجدير بالثقة ليس الذي يملك قائمة في الكفايات ولكنّه الذي يعرف كيف يتصرف بطريقة دقيقة ومسؤولة ومهنية، في مختلف الحالات التي يجب عليه التعامل معها أو إدارتها. ولذلك كثيرا ما أقول: يمكن أن يكون لديك الكثير من الكفايات ولكنك لا تكون كفئا.
ويُعرف فيليب بيرنو (2000) الكفاية بأنها:
"قدرة على توظيف مجموعة من الموارد المعرفية (معارف ومعلومات وقدرات لمواجهة طائفة (أو مجموعة منسجمة) من الوضعيات بحذق وفعالية. "
الصفحة 121
ويُعرفها في موضع آخر بأنها:
"قدرة على العمل بفعالية إزاء طائفة من الوضعيات نتوصل إلى ضبطها أو السيطرة عليها، لأننا نمتلك في آن معا المعارف الضرورية والقدرة على توظيفها بدراية في مدة زمنية مناسبة، بهدف التعرف إلى مشكلات حقيقية وحلها " (3. Perrenoud, 1999, p).
أما روجيرز فبعد أن يطرح سؤالا: ما الكفاية؟ يجيب كالتالي:
"لا يكفي أن يمتلك الشخص قدرًا من المكتسبات (معارف ومهارات وإجراءات ومواقف...إلخ)، لنقول: إنّه يمتلك الكفاية، ولكن الأهم من ذلك، أن يتمكن من تعبئة هذه المكتسبات بطريقة فعلية لحل وضعية مشكلة
معينة." (4. Roegiers, 2006, p)
ثم يضرب عليها الأمثلة التالية:
- محادثة هاتفية يُجريها الإنسان في لغته الأم ولا تستدعي منه مصطلحات
متخصصة.
- تعبئة فاتورة عادية تتضمّن من خمسة عناصر إلى عشرة.
- انطلاقا من وضعية حية تسلّط الضوء على عدد من المشاكل البيئية مثل تلويث المياه، والهواء، والضجيج، يتصوّر المتعلّم حلولا مناسبة لمختلف المشاكل المحدّدة
سابقا.
الصفحة 122
وتشدّد بعض التعريفات على البعد الإدماجي والتكاملي في الكفاية إضافة إلى توظيف الموارد واستخدامها فلا يمكن فهم هذا النهج الكفائي، إلا من خلال الإشارة إلى مفهوم الإدماج وظهور الحاجة إليه: فبدءًا من الثمانينات، وعى عالم التعليم، مثله في ذلك مثل عالم الأعمال والشركات ضرورة ربط المعارف ببعضها للتمكن من حل وضعيات معينة. وانطلاقا من هذا الوعي، ظهر مفهوم الكفاية.
(Gérard, 2011)
وهكذا يحدّد لو" بوتيرف (Le Boterf) الكفاية بأنها القدرة على العمل أو التصرف، أي أنها مهارة دمج مجموعة من الموارد (المعلومات، المعارف، المؤهلات، وعمليات التفكير إلخ...) أو مكاملتها، وتوظيفها ونقلها إلى إطار معين وذلك لمواجهة مشكلات مختلفة تعترضنا أو لتحقيق مهمة معينة.
ويوضح روجيرز (Roegiers) أن أهمية هذه المقاربة تكمن في مفهوم الموارد: فأن تكون أصحاب كفاية لا يعني فقط مجرد توظيف القدرات والمعارف ولكنه يعني أيضًا توظيف أنواع أخرى من الموارد كالمعارف المتعلقة بالتجربة، والأفعال الآلية، وأنواع التفكير، والخطاطات، إلخ...
وبعبارة أخرى، يُوصف شخص بأنه ذو كفاية، إذا كان قادرا على أن يستخدم قدرا من الموارد من معارف ومهارات واتجاهات وقيم... إلخ، ينظمها مع بعضها، التمكنه من حل الوضعية المشكلة التي تواجهه.
فمفهوم الموارد كما ترى، يوجد في قلب الكفاية، لأنها (أي الموارد) هي التي يتم تعبئتها وإدماجها مع بعضها البعض لحل الوضعية ولذلك لا توجد كفاية بدون موارد. ولكن امتلاك هذه الموارد غير كاف لبناء الكفاية، فلا يزال من
الصفحة 123
الضروري "تعبئتها" و "دمجها ". وهذا يعني أن الشخص يجب أن يكون قادرا على تحليل الوضعية التي تواجهه، وتحديد الموارد ذات الصلة بهذه الوضعية،
واستخدامها بطريقة منسقة لتوفير إجابة مناسبة للوضعية (2003 ,Gerard & Braibant).
ويقترح روجيرز في الموضع عينه التحديد التالي:
"الكفاية إمكانية توظيف الفرد مجموعة من الموارد المدمجة بطريقة هي مستدخلة وذلك لحل طائفة من الوضعيات -المشكلة". (2001 ,)
وطالما أن التعليم المبني على الكفايات قد أصبح أساسا رسميا لبناء المناهج والتعليم في عديد الدول، فإنّي أقترح عليكم ولو نموذجا واحدا من التعريفات
الرسمية للكفاية: فقد عرفها البرلمان الأوروبي(CE/962/2006) :
"مجموعة من المعارف والمهارات والمواقف المناسبة للسياق. وكل كفاية تتطلب من الشخص الذي يعمل عليها "التفكير النقدي، والإبداع
والمبادرة، وحل المشكلات وتقويم المخاطر، واتخاذ القرارات، وإدارة المشاعر بشكل بناء «. (17. GSA-APC, 2016, p)
1- خصائص الكفاية:
يشير روجيرز (1988، Perrenoud، 2001، Roegiers) إلى خمس خصائص تتصف بها الكفاية وهي:
- أن الكفاية توظف مجموعة من الموارد المتعددة كالمعلومات والمعارف المتصلة بالتجربة والأفعال الآلية والقدرات والمهارات المختلفة... وتكون هذه الموارد
الصفحة 124
في أغلب الأحيان مجموعة مندمجة وتتعدّد إلى حدّ يصعب معه تحليل ما يتم توظيفه منها في أثناء التمرس بالكفاية....
- ترتبط الكفاية بغايات معينة، وتتمتع بوظيفة اجتماعية بالنسبة إلى المتعلم، وتمكنه من توظيف موارد مختلفة بقصد إنجاز فعل ما، وحلّ مشكلة تطرح في ممارسته المدرسية أو في حياته اليومية، وتتصف بخصائص ذات دلالة ومعنى بالنسبة إليه.
تكون الكفاية متصلة بطائفة معينة من الوضعيات: إذ يمكن أن يكون المتعلم ذا كفاية في حل مسألة في الرياضيات ولا يكون كذلك في حل مسألة في الفيزياء.
- تتصف بخاصية ترتبط غالبًا بالمادة التعليمية فالكفاية تعرف في الغالب من خلال صنف من الوضعيات تتناسب مع مشكلات خاصة ترتبط بالمادة، وتكون بالتالي مشتقة من متطلبات هذه المادة ولكن تجدر الإشارة إلى ان بعض الكفايات التي تنتمي إلى مواد مختلفة تقترب من بعضها البعض ولذا يسهل نقلها ولا يمكننا تعميم القول إن للكفاية دائما خصائص تتعلق بالمادة فبعض الكفايات لها خصائص مشتركة تعبر المواد الدراسية أفقيا.
- تكون الكفاية قابلة للتقويم، ويمكن قياسها استنادًا إلى نوعية المهمة المراد يعني أن تنفيذها، ونوعية النتيجة المراد بلوغها. ولكن هذا لا الكفاية قابلة للتقويم بشكل كلي بالمعنى الحصري للكلمة، لأنها لا تقوم إلا
الصفحة 125
من خلال وضعيات خاصة تنتمي إلى طائفة متجانسة من الوضعيات -المشكلات ويتطلب تقويمها مجموعة من المعايير والمحكات.
- تتناول الكفاية مضموناً واضحًا تابعا لمادة تعليمية واحدة أو أكثر.
- تنعكس في سلوك مركب يتحقق من خلال سياق تعلمي.
- ذات بعد اجتماعي تتنوع فيها القدرات من معرفية ووجدانية وسيكوحركية واجتماعية، وقد يتفوّق أحيانا نوع من القدرات على الآنواع الأخرى وفقا
لطبيعة المادة التعليمية.
2-العناصر المكونة للكفاية:
نجحت الكفايات في أن تصنع لنفسها معجما مفاهيميا متميزا، وهي: تتألف من عناصر متعدّدة ومتنوعة، ومن أهم هذه العناصر:
الصفحة 126
3- أنواع الكفايات:
يمكن الحديث عن ثلاثة أنواع من الكفايات على الأقل. (Keddar, 2012):
- كفايات المواد: وهي كفايات قريبة من الأهداف في تقدير بعضهم، ولها تعلّم عميق بالمواد الدراسية والتخصصات العلمية المختلفة. كأن تقول مثلا:
" يستخدم المتعلّم، في حالة تحاكي الواقع، قاعدة نحوية، مع استخدام العمليات المعرفية المناسبة: التحليل، التفسير، الحكم، الاستقراء،
الاستنتاج. "
الصفحة 127
4 -المشهد التعليمي بألوان الكفايات:
يفترض التعلم المبني على تنمية الكفايات جملة من التغييرات على المشهد التعليمي / التعلمي في أكثر من مستوى مثل: طرائق التعلم، وموقع البعد المعرفي من الدرس، ومسار الدرس، وموقع الوضعيات، ودور المدرس...
في طرائق التعلم:
إذ تُصبح "المشكلة" التي تطرحها الوضعية داخل هذا النوع من التعلم هي المنظمة للمعارف لا إملاءات الحديث ولا إرادة المحاضرة، وهو ما يستتبع اعتماد منهج اكتشافي يجمع فيه المتعلم عن طريق نشاط ذاتي البيانات، ويصوغها لتنبثق منها المفاهيم...
كانت المدرسة السلوكية ممثلة في سكينر تقترح أن يركز المدرسون أولاً على تدريس المادة الدراسية، ويحرصوا على تشجيع الإنتاجية والمثابرة على نحو منظم، وذلك من شأنه أن يدعم القدرة على حل المشكلات. فالتعامل مع المشكلات يكون خاتمة التعليم وليس بدايته. ( 5200 Cauthier & Tarait)
الصفحة 128
أما المدرسة المجالية (الجشطلت) فتذهب إلى أن طريقة الاكتشاف أفضل من التعلم المبرمج كوسيلة لتنمية سلوك حل المشكلة، ذلك أن جلسة واحدة من جلسات الاكتشاف قادرة على توفير أنواع التعلم التي يحققها برنامجان أو أكثر، لأن التلميذ في جلسة الاكتشاف يتعلم المادة في نفس الوقت الذي يتعلم فيه حل المشكلة. وهم يعترضون أيضا على استخدام برامج مُعدّة على أساس أن مثل هذا التعلم يؤدي بالتلميذ إلى الاعتماد على المواد، أما حين يكتشف التلميذ الأشياء بنفسه، فإنها ينمي الثقة في ذاته والشعور بالاستقلال كقادر على حل المشكلات.
وتلتقي أفكار المدرسة المجالية مع الفلسفة التربوية عند جون ديوي الذي يرى أن التعلم الذي يتفرد المدرّس بتوجيهه له عيوبه وقصوره، وهو يذهب إلى أن التربية الحقة تتعدى نقل المعلومات، وأنها ينبغي أن تشجع على تنمية الميول والاتجاهات الطبيعية للطفل، وخاصة التجاهاته نحو البحث والاستقصاء. وهو يصر على أن الخبرات المدرسية ينبغي أن تساعد التلاميذ على أن يتعلموا طريقة البحث عن الأشياء بفاعلية، بدلا من أن تساعدهم على اكتساب المعلومات فحسب.
ويشرح هذا المعنى Richard suchman، عندما يقول: "المفاهيم... يكون لها معنى أكبر، ويمكن الاحتفاظ بها أطول مدة ممكنة، وتكون متوافرة بأعظم درجة للتفكير المستقبلي حين يجمع المتعلم عن طريق نشاط ذاتي البيانات، ويصوغها لتنبثق منها المفاهيم. وهذا يصدق للأسباب الآتية (جابر،1977):
الصفحة 129
وقد بدأ "سشمان" التدريب على الاستقصاء معتمدا المشكلات العلمية كمنطلق، فيعرض على أطفال الصف الرابع أو الخامس أفلاما قصيرة عن بعض الظاهرات الفيزيائية على النحو التالي:
يمسك بسكين مصنوعة من معدنين وتعرض للهب فتنثني إلى أسفل، ثم توضع في الماء فتستقيم، ثم تقلب وتعرض للهب مرة أخرى، فتتثني إلى أعلى، وتوضع في الماء فتستقيم. ويشجع الأطفال على أن يتوصلوا إلى أسباب هذا التغيير، وذلك بطرح أسئلة يمكن الإجابة عنها بنعم أو لا. ثم تسجل كل هذه الجلسات وتحلل
بحيث يستطيع المجرب في الجلسات التالية أن يساعد الأطفال على أن يسألوا أسئلة أكثر فاعلية، وهو يفعل هذا بإبراز أن الأسئلة القيمة نسبيا هي: تلك التي تحدد الوقائع وتضيق مجال الاستقصاء أي تجعله مركزا، والتي تتناول ظروف التجربة وتؤدي على نتائج معينة، وتختبر فروضا عن السبب والنتيجة، وتراجع صحة هذه النتائج، وبعد أن يشاهد التلاميذ عدة أفلام، ويشاركوا في مجموعة من الجلسات، فإنهام يصبحون أكثر مهارة في أساليب الاستقصاء.
ولنفس الأهداف يعترض برونر على تدريس الجغرافيا بأن يجعل التلاميذ يحفظون الحقائق وبدلا من ذلك يزود تلاميذ الصف الخامس ابتدائي بخرائط
الصفحة 130
صماء ويتركهم يحاولون تحديد مواقع المدن الرئيسية وخطوط السكك الحديدية وطرق السيارات السريعة... الخ. وهكذا تعرض الجغرافيا لا على أنها مجموعة من المعارف الجاهزة، وإنما على أساس أنها مجموعة من المجاهيل، وعلى الطلاب أن يصلوا إلى الأفكار معتمدين على أنفسهم وعن طريق طرح الأسئلة.
وفي سبيل الدفاع عن منهجه كتب برونر عام 1971 مقالا بعنوان "فعل الاكتشاف" وذهب فيه إلى أنّ تدريس الاستقصاء بطريقة الاكتشاف تفيد المتعلم من نواحي أربع (Bruner, 1961) :
5ـ تؤدي إلى زيادة القوة العقلية لدى المتعلم.
6ـ تحلق تحولا من المكافآت الخارجية إلى المكافآت الداخلية، إذ أن واحدا من أهم تحديات قيادة الطفل إلى الآنشطة المعرفية الفعّالة هو تحريره من السيطرة المباشرة التي تمارسها عليه المكافآت والعقوبات في محيطه التعليمي.
7ـ تزوده ببعض المهارات العقلية للاكتشاف وهو يتعلّم.
8ـ أنها تيسر الحفظ والتذكر، فالمشكلة الرئيسة لذاكرة الإنسان لا تكمن في القدرة على التخزين ولكن في القدرة على الاسترجاع، ومفتاح الاسترجاع هو أن تكون المعرفة مُحكمة التنظيم في
الصفحة 131
الذهن، والتعلم بالاكتشاف يساعد المتعلم على الاسترجاع لأن المادة منظمة في ذهنه على أساس ميوله وتكويناته المعرفية.
وفي نفس السياق وبعد عدة تجارب على مدى صحة فرضيات برونر، يقول Bert Y.
: Kresh" إن التعلم بالاكتشاف الذاتي يفوق التعلم بالتوجيه الخارجي، طالما أنه يزيد من دافعية التلميذ على متابعة العمل التعلمي. فإذا كانت لدى التلميذ دافعية كافية، فقد يستمر في عملية التعلم باستقلال ذاتي إلى ما هو أبعد من الفترة الشكلية للتعلم..." (جابر،1977).
في موقع البعد المعرفي:
يؤسس التعلم المبني على تنمية الكفايات لتصوّر نفعي في التعامل مع المعرفة باعتبارها موردا مساعدا على التعلم وليست كل التعلم، لأن المتوقع من الدرس الناجح ليس أن يجلب كما هائلا من المعرفة ويوفّره للمتعلم، بل أن يصنع عقول المتعلمين ويشحذ تفكيرهم على ضفاف المعرفة....
فنحن إذا انطلقنا من كون "الكفاية" هي القدرة على التصرف بكفاءة وفعالية في مواجهة وضعيات ومواقف محدّدة، تلك القدرة التي ترتكز على المعارف ولكنها لا تقف عندها أو تقتصر عليها، تبيّنا أي موقع تتبوأه المعارف في مثل هذا النوع من التعلم.
وحري بنا في هذا السياق أن نبين بأن تعريف في بوتارف السابق يستبطن الإجابة عن مشكلة يطرحها كثير من المتوجسين خيفة من العناية بتنمية المهارات داخل الصف وبناء الكفايات والمنتصرين لموقع المعرفة في المدرسة، أولئك الذين يظنون
الصفحة 132
أن تطوير "الكفايات" داخل الدرس وتنمية "المهارات" قد يعني تراجع الإمداد بالمعارف.
ومثل هذا التراجع لمنزلة المعرفة أمر غير مطروح البتة من عاقل، لأنه "ليس هناك من تطبيق أفضل من نظرية جيدة" على حد تعبير Kurt Lewin، وليس هناك من كفاية ناضجة ومهارة واعية دون معارف عميقة ومعلومات جيدة وكافية دقيقة...
غير أن التحول الذي لا بد من أن تنجزه في دروسنا هو أن نعيد النظر في المعارف التي نختارها لدرسها آخذين بعين الاعتبار عددا من المعايير المهمة في هذا الشأن مثل: مدى مناسبتها للمشكلات المطروحة، ومدى مساعدتها على وصول التلميذ إلى المراد بأقصر السبل وفي أوجز الأوقات، دون التحليق بعيدا في متاهات النظر المهدر للوقت، وهذا هو عنوان جودتها...
ولعل أوضح الأمثلة على قصور "المعرفة العميقة" إن لم تسعف بـ «الكفاية"، هو ذلك المحامي الذي لا يكفيه معرفته العميقة بالقانون لينجز مرافعة ناجحة في قضية معينة، فالأمر يتجاوز المعرفة النظرية العميقة إلى القدرة على ربط صلات بين معرفته تلك بالقانون وبالمناهج القضائية... وبين عرضه للمشكلة الذي يريد حلها، مستثمرا قدراته على الاستدلال القانوني وعلى ذائقته الحقوقية.
ويثير مثل هذا الطرح نقدا متعجلا من بعضهم قائلا إن المعرفة ليس لها مكان في المناهج الموجهة نحو الكفايات ويرة بارونو (2001 , 9719 ,Peneround) بأن أحدا لا يستطيع دعم . هذا الطرح بحسن نية، إلا إذا كان ناتجا عن سوء فهم كامل لمفهوم الكفايات ذاته:
الصفحة 133
للكفاية، والتي يطلق عليها (1998 ,Boterrf )من الموارد.
المشكلات، وبناء الاستراتيجيات واتخاذ القرارات، والعمل بأوسع معاني الكلمة.
ثم يطرح بارونو السؤال التالي: هل من الضروري في المناهج الدراسية، أن تربط جميع المعارف بكفاية واحدة أو أكثر؟
ويجيب: هناك في تقديري أسباب أخرى لأن أعرف فالمعارف المدرسية يمكن أن تبرر وجودها في المناهج الدراسية باعتبارها:
الصفحة 134
في مسار الدرس:
إن العمل على بناء كفايات، يعني القبول بجلب الحدّ الأدنى المطلوب من المعارف أو الإجابات علما بأن الباقي سيأتي مرّة أخرى، بطريقة قد تكون موزّعة ومقتضبة، ولكنها على حسب الحاجة الحقيقية التي يعيشها التلميذ في وضعية بذاتها.
في موقع الوضعيات من الدرس:
ليست الوضعية مجرد تمرينات تُجلب للفهم أو لترسيخ المعلومة فقط، بل تقتضي الكفايات منهجا جديدا للتعامل مع الوضعيات، إذ تصبح مركزا أساسيا من مراكز التعليم والتعلم، فالمدرّس - وفق المقاربة بالكفايات - يبلغ مادته حول مشكلة أو وضعية.
في دور المدرس:
المدرّس في المقاربة بالكفايات ليس إلا "مدربا" ، يستثمر تخصصه لا في استعراض معارفه والتلويح بها بمناسبة وبدون مناسبة، وإنما في حفز تلاميذه إلى إدراك العلاقات التي تربط معارف ما بوضعيات معينة، ويقترح عليهم استثمارها فيها.
ليس دور المدرس إذن أن يلقي الدروس، وإنما ينصرف أساسا إلى تعديل سير نشاط تلاميذه وهم يواجهون الوضعيات المعقدة ويسعون إلى حلها، وقبل ذلك يجتهد في بناء "وضعيات " محكمة ذات صعوبات متدرجة.
إن التحديات المطروحة على الإنسان في مطلع هذا القرن الجديد تتطلب كفايات تتجاوز مجرد الحفظ والتكرار، أهمها:
الصفحة 135
وهذه التحديات تتطلب تربية تولي مبادرة المتعلم ونشاطه التلقائي أهمية مركزية وتهيئ له مساحة لإبداء الرأي والاقتراح والانتقاد والمشاركة في اتخاذ القرار وتحمل
المسؤولية وقيادة الذات.
الصفحة 136
الوضعية المشكلة
تحدد الوضعية المشكلة) المحيط القريب الذي يتحقق فيه نشاط تعلمي معين، أو يجري فيه حدث يطرح مشكلة ويثير الرغبة في إيجاد حل.
وقد بدت الكفاية، حين عرفناها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالوضعيات وعلى الأخص الوضعيات التي تتضمن مشكلات تتطلب حلا فهي مجموعة منظمة من القدرات، تمارس على جملة من المحتويات في إطار أصناف معينة من الوضعيات قصد حلّ المشكلات التي تطرحها." (1996De ketele)
وبذا يأخذ مفهوم "الوضعية المشكلة" موقعا مركزيا في التربية المستندة إلى الكفايات، لأنه ضمانة لأن تتحرك الكفايات داخل التوجه البنائي والبنائي الاجتماعي للتعلم. فالمشكلة التي تتضمنها الوضعية تدعو المتعلم إلى التفكير وإعمال قدراته العقلية واستخدامها بفعالية لإيجاد الحل.
وتعني الوضعية المشكلة مجموعة معلومات، توضع في إطار أو سياق معين، يتبيّن المتعلم ما بينها من الروابط، بهدف الوصول إلى إنجاز عمل معيَّن أو إيجاد حل.(Roeglers, 2001)
الصفحة 137
ویرى روجيرز (Roegiers) أنه في كل مرة يكون المقصود وضعيات مكونة للكفايات، ينبغي أن يتم فهم عبارة الوضعية بمعنى الوضعية – المشكلة أو الوضعية الدالة (2001 ,Roegiers).
ويُعرف فيليب ميريو (1988 meierieu) الوضعية المشكلة باعتبارها موقفا تعلميا يعده المدرس ويكون خاضعا للمواصفات التالية:
يطوّر رغبة التعلم لدى المتعلم.
أما أستولفي. (1993 ,Astolfi) فيعرفها من خلال العناصر التالية:
الصفحة 138
الصفحة 139
وتعرّفها بارتوز (2002 ,Partoune) بأنها مهمة محدّدة تُكيّف للطلاب، ليتعلموا من خلالها شيئًا جديدا، يضمن التحقيق مهمة معينة.
أو هي مهمة ملموسة للتنفيذ، في ظل ظروف معينة تفترض أن يتغلب المتعلمون على عدد من العقبات التي لا مفرّ منها لتحقيق تلك المهمة.
وتقوم دائما على "خيال" أو محاكاة تحت السيطرة وهي أداة من الأدوات التعليمية المبنية على البناء الذاتي للمعرفة.
ومن أمثلة هذه الوضعيات المشكلة:
الصفحة 140
1-أهم خصائص الوضعية:
يمكن أهم خصائص الوضعية من خلال الأمور التالية:
وحركية و/ أو اجتماعية عاطفية للعديد من مكتسبات التلميذ (2001 ,Roegiers).
الصفحة 141
- لا تكون وضعية تعليمية أي وضعية ينظمها المدرّس، بل المقصود وضعية -مشكلة تكون ملموسة يدركها المتعلّم بمفرده أو مع أقرانه... إنهاا وضعية يمكن للمتعلم أن يحلها في إطار غير مدرسي... وذلك لأنه ينبغي أن يتم استبطان الكفاية على نحو يسمح بتوظيفها خارج كل سياق مدرسي (2001 ,Roegiers).
- تتصف بالواقعية، أي أنها تشبه الوضعيات التي يواجهها المتعلم في الحياة. توظف قدرات متنوعة (قدرات معرفية ووجدانية وسيكو حركية ومعارف
وإجراءات. (لجنة التقييم والامتحانات،2004)
أما بارتون، فتحدّد للوضعية المثالية عددا من الخصائص أهمها (2002 ,Partoune) :
إلى شيء من الاعتمادية يمارسه مع المدرس أو مع زملائه.
- يجب أن تكون الوضعية المشكلة حاملة لشيء من الازدواجية في طبيعتها:
الصفحة 142
ـ تبنى الوضعية على خيال مسيطر عليه (متحكم فيه):
- تساعد الوضعية المشكلة على البناء الذاتي للمعرفة:
الصفحة 143
- يعتمد البناء الذاتي للمعرفة على مدى ثقتنا فيما نمتلكه ونبنيه من موارد عميقة في نفوسنا.
2-عناصر الوضعية أو مكوناتها:
ثلاثة عناصر أو مكونات تؤلف الوضعية، إنهاا حسب دوکیتیل (De Ketele):
الصفحة 144
المستند: هو مجموع العناصر المادية التي تقدّم للمتعلم. فقد يكون المستند نصا مكتوبًا أو رسما أو صورة الخ... وهو يحدّد بثلاثة عناصر:
المهمة: هي التنبؤ بالمنتوج المرتقب أو هي الإنتاج المتوقع من المتعلم.
التعليمة أو التعليمات: وهي مجموع توصيات العمل التي تُقدَّم للمتعلم بشكل واضح لتوجهه في أداء مهمته.
الصفحة 145
القدرات
القدرات جمع قدرة، وتعني نشاطا نمارسه يعكس "أهليتنا" لفعل شيء ما، من ذلك مثلا قدرة "المقارنة" أو "التحليل" أو "التأليف" أو "الملاحظة" أو "الترتيب".
وهي تفيد في الأصل عدة معان منها:
ويتم الحديث عن القدرة في الحالة التي يكون فيها الفرد متمكنا من النجاح في
إنجاز معين ولذلك تعتبر لفظة "الاستعداد قريبة من لفظة "القدرة".
وتعيد القدرة عن استطاعة الشخص فعل أمر معين، أو إمكانية القيام به. وهي نشاط يُمارس. فالمطابقة والمقارنة والتذكر والتحليل والتأليف والتصنيف والترتيب والتجريد والملاحظة ... كلها قدارت (2001 ,Roegiers).
ویری روغيرز أن عبارة الإمكانية أو الاستعداد أو المهارة تقترب كلها من عبارة القدرة.
الصفحة 147
وتتنوع القدرات بين قدرات معرفية وحركية واجتماعية عاطفية. وتجمع بعض القدرات البعد المعرفي إلى البعد الحركي والبعد العاطفي الاجتماعي في آن. وقد شدّد فيليب میریو (Meirieu) على وجود البعد المعرفي في كل القدرات.
ويُنظر إلى القدرات باعتبارها سياقية، أي أنها تتجلّى عبر ممارستها من خلال مادة تعلمية وضمن أطر معينة، أو عبر تطبيقها على محتوى معين. (لجنة التقييم والامتحانات،2004، ص. 22-25)
فالقدرة لا تأخذ معناها إلا من خلال المحتوى الذي تتعلق به مثل القدرة على التصنيف أو لقدرة على الترتيب مثلا قد لا تعنيان شيئا في ذاتهما إلا إذا ربطناهما بـ"محتوى" معين، لأننا نقدر أن ترتب ما لا ينتهي من المعطيات.
وللقدرات قابلية دائمة للتّطوّر بطريقة أو بأخرى إلا في حالة الإصابة بإعاقة جسمية. وأحسن طريقة لتطوير القدرات هو تعلم ممارستها في محتويات مختلفة وبالأخص في مواد مختلفة.
أما من حيث العلاقة بين المهارة والقدرة، فالمهارة أكثر تخصيصا من "القدرة" وذلك لأن "المهارة" تتمحور حول فعل أي "أداء" تسهل، ملاحظته، لأنها ترتبط بالممارسة والتطبيق، أما القدرة فترتبط بقدر واسع من المعارف والمهارات.
3ـ تصنيف القدرات:
يمكن تقسم "القدرات" إلى أكثر من نوع:
الصفحة 148
علما بأن بعض القدرات قد تأخذ من كل الآنواع الثلاثة الفائتة كالقدرة على
الكتابة مثلا.
4-خصائص القدرة:
من أهم خصائص القدرات أنها:
الصفحة 149
- تعتبر قاعدة أساسية وضرورية لحدوث تعلمات أكثر تعقيدا، فالمتعلم لا يمكنه أن يتعلّم، ما لم تكن له قدرات أخرى كالتحليل والتركيب والنقد.
الصفحة 150
تعبئة الموارد
الموارد هي كل ما يستخدمه المتعلم في أدائه لمهمته. وتقسم إلى موارد ذاتية خاصة بالمتعلم وموارد خارجية (لجنة التقييم والامتحانات 2004، ص.22) أما الموارد الذاتية فتتضمن المعارف والقدرات المعرفية والوجدانية والنفس -حركية. وأما الموارد الخارجية فتتضمن المستندات بأنواعها ومختلف الوسائل والأدوات التي يستخدمها المتعلم. ويوظف المتعلم موارده الذاتية إلى جانب الموارد الخارجية كي يتوصل إلى حل الوضعية المشكلة.
والموارد ليست هامة في ذاتها، بل فيما تستدعيه من التعبئة لحل مشكلة معينة، لأن الكفاية لا تكمن في الموارد (المعرفة والقدرات ...) التي يجب تعبئتها، ولكن في كيفية تعبئة تلك الموارد إن الكفاية هي نوع من "مهارة (معرفة كيفية التعبئة". ومن الضروري، لكي تبنى الكفاية، أن تستثمر لائحة من الموارد ونعني بالاستثمار والتعبئة عملية البناء، وليس مجرد التطبيق أو التجميع. (1995 ، Boterf Le) ويوضح الشكل (9) المثلث التعليمي/ التعلمي من منظور النهج القائم على الكفاية.
الصفحة 151
(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 105ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
إن من أهم مسؤوليات المدرسين أن يتصوّروا لوائح في الموارد التي يحتاجها المتعلم لحل المشكلة التي تطرحها الوضعية، ويفكّروا في كيفية مساعدة الطلاب على تطوير مواردهم وتعبئتها للعمل في مواقف مختلفة. وفي ضوء ذلك، فإنّ التعلّم الحقيقي لا ينطوي على اكتساب المعرفة النظرية والعملية فحسب، بل يشمل قدرة المتعلّم على إعادة استثمار مكتسباته وفقا لمتطلبات المهمة التي عليه تنفيذها. وبالتالي فهو يتطلب ما اصطلح المنظرون للتعلم المبني على الكفايات بإدماج التعلمات وتحويلها. (1000. Lauzon)
الصفحة 152
تضافر المواد (تكامل المواد)
إن مفهوم تضافر المواد، في أبعاده الحالية، هو مفهوم حديث، بل ومعاصر (1998 ,Lenoir & Sauvé). وقد ازدهر في الولايات المتحدة ثم في أوروبا، خلال السبعينيات، وسط تيار واسع من الطرق النشطة التي وصفها البعض بأنها مفتوحة أو تقدمية أو غير توجيهية، والتي جمعها نوت (Not) تحت عبارة "أساليب البناء الذاتي للمعرفة " (1998 ,Lenoir & Sauvé)
و" في دلالته الأكثر عمومية وتجريدا، يقتضي تضافر المواد، في مجال العلوم، علاقة وحدة وتفاعل وتداخل بين فروع المعرفة المختلفة التي تُسمّى "التخصصات العلمية" (1993، Lenoir)
ويلاحظ لونوار أن المفهوم قد عانى من التبسيط الذي غالبا ما دفع المدرسين إلى أن يأخذوا تضافر المواد بعين الاعتبار فقط في مستوى الممارسة البيداغوجية (أي في إدارة الصف وأنشطته). بينما كان من الواجب أن يفعل هذا المفهوم في مستوى المناهج الدراسية وفي علم تدريس المواد.
وعلى هذا الأساس يقترح تعريفا لتضافر المواد أكثر عمقا واتساعا فيقول: إنها يعني الربط بين مادتين دراسيتين فأكثر، يُمارس في الوقت نفسه على المستويات المنهجية
الصفحة 153
والديداكتيتكية والبيداغوجية، ويؤدي إلى إقامة روابط تكامل أو تعاون، وروابط تداخل أو تفاعلات متبادلة بين مجالاتها المختلفة: الأهداف والقضايا المدروسة، والمفاهيم والتصورات ومسارات التعلم والمهارات التقنية... إلخ، بهدف تعزيز إدماج عمليات التعلم والمعرفة لدى الطلاب.
ويشير في أكثر من موطن إلى العلاقة التي تربطه بمفهوم الإدماج، فإذا كان التكامل بين المواد يقتضي التركيز على المحتويات تضافر) المواد في المناهج الدراسية)، وعلى العلاقة مع المحتويات من جانب المدرّس التكامل الديدكتيكي الذي يتطلب اختيار نماذج تعليمية تقوم على التكامل)، وعلى العلاقة داخل الصف الدراسي مع عمليات تعلم التلاميذ (التكامل البيداغوجي باعتباره تفعيلا للتكامل الديداكتيكي)، فإنّ الإدماج من ناحية أخرى، يقتضي التركيز على العناصر البشرية سواء المتعلم أو المدرس. ومن المهم عندئذ التمييز بين التكامل الخارجي المرتبط بظروف التعلّم ومحيطه، والتكامل الداخلي المرتبط بالغايات والأهداف.
إذا كان كما أشار مورفالMorval))، لا يمكن إجراء أبحاث متكاملة التخصصات إلا حول مشكلة مشتركة فقط، ومن خلال مواجهة العديد من التخصصات حول نفس القضية وانطلاقا منها، فإنّ التدريس القائم على تكامل المواد لا يُمكن أن يستغني عن "وضعية مشكلة"، بالمعنى الذي يقصده فراير (Freire)، أو عن فكرة مشروع يصبح قائدا أو مؤطرا، لأنه في كلتا الحالتين، يريد هذا المنهج نفسه في الوقت ذاته باحثا في الحقيقة التي يعترف بها في تعقيدها، ومستغرقا في مسار البحث عن إجابة، أي البحث عن معنى. (1993، Lenoir)
الصفحة 154
ديثة .
ومن المهم التأكيد على أن تضافر المواد لا يعني إحداث مادة جديدة ذات محتويات خاصة، وإنما هي مقاربة منهجية ترتكز على إبراز أوجه التكامل بين مواد التدريس من خلال إنجاز مشروع يُكسب التلميذ كفايات أفقية.
وهي مقاربة تجعل التلميذ يتعامل مع مواد التدريس تعاملا مختلفا عما هو سائد. فتدعوه إلى استحضار معارف وتفعيل كفايات امتلكها في مواد ودروس مختلفة لإنجاز عمل ما ينتج عنه امتلاك كفايات أفقية تضفي معنى على التعلمات وتظهر اندماجها ومدى التناسق بينها.
ومن أهداف هذه المقاربة:
الصفحة 155
تحويل التعلمات
يُعرف فيليب ميريو (1996، meierieu) مفهوم التحويل(1) باعتباره الحركة التي يتمثل بها طالب المعرفة، ويدمجها في مكتسباته عن طريق إعادة استخدامها بمبادرته المائية.
ومن أجل حدوث هذه الحركة، يجب على التلميذ اكتشاف أوجه التشابه
بين وضعية التعلم (الوضعية المصدر) ووضعية الاستخدام (الوضعية المستهدفة). وهذا التعرف على أوجه التشابه بين الموقفين من قبل المتعلم، ليس أمرا في المتناول كما قد يعتقد المرء. (2009 ,Ait Djida)
بالإضافة إلى ذلك، يؤكد meierieu أن التحويل المتوقع لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان المتعلم يدرك النقاط المشتركة بين وضعية التعلم ووضعية الإدماج: وهي الوضعية التي يستثمر خلالها التلميذ ما تعلمه سابقا لينفذ مهمة جديدة. ولذلك فهو يتحدث عن
الهوامش
(1) يترجها بعضهم بلفظة الترحيل، واخترتُ لفظة التحويل، لأن معنى النقل المكاني قريب جدا من لفظة الترحيل، وهو غير مقصود من المصطلح الأصلي، ثم لأن "التحويل" كمصطلح يستعمل في مجالات أخرى مثل الصناعات التحويلية باعتباره تغيرا داخل المادة ذاتها وإعادة تصنيع واستثمار لها دون أن يعني نقلا مكانيا تستدعيه لفظة الترحيل بالضرورة.
الصفحة 157
الوضعيات المتسلسلة التي يجب على المتعلم أن يحتفظ بها في ذاكرته، ليتمكن من أن يقارن بها أي وضعيات أخرى يمكن أن يواجهها في وقت لاحق.
يجب أن نتذكر مرة أخرى وجود وضعيتين: يكتسب المتعلم خلال الأولى منهما المعرفة، ثم يعيد استخدامها في الوضعية الثانية. ومثل هذا التحويل بين الوضعيتين، بالنسبة إلى meierieu، لا يمكن أن يحدث إلا إذا تمكن المتعلم من تنفيذ نوعين من الإسقاط لا يمكن تجنبها (انظر الشكل ١٠):
1. إسقاط استباقي يحققه المتعلم في وضعيّة التعلم، ويقوم على توقع حالات مشابهة أخرى، وإمكانيات إعادة استخدام التعلّم المكتسب.
2. إسقاط بأثر رجعي يحدث في وضعيّة الاستخدام، ويحصل في شكل بحث في الماضي عن وضعيات من نفس النوع وهو ما سيستتبع عملا كاملا من التحليل والمقارنة والبحث عن العناصر المشتركة معتمدًا بشكل أساسي على الذاكرة.
الصفحة 158
(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 159ضمن النسخة الورقية بدف).
إن تحويل التعلمات لا يعني نقل المعارف من نقطة إلى أخرى من خلال البحث عن أوجه تشابه بين الحالتين، بل هو عملية تعبئة الموارد المعرفية التي
تعتبر ضرورية لإنجاز مهمة مركبة.
يحاول perrenoud أن يفك رموز بعض نقاط الاختلاف بينهما فيقول:
" إن الموارد التي تعبتها الكفاية تشمل المعارف بالمعنى التقليدي لهذا المفهوم، ولكن لا تقتصر عليها. وتُعرّف الموارد من خلال استخداماتها
الصفحة 159
(التعبئة)، بدلاً من الإشارة إلى حالات مشابهة تم بناؤها فيها. وتبقى مسألة من أين أتت هذه الموارد مفتوحة وهي تغطي كلاً. من المعارف المجردة والمقطوعة من سياقها، بالإضافة إلى مخزون الوضعيات الملموسة في الذاكرة، وعمليات التفكير والإجراءات التي جعلت من الممكن التعامل معها". (1999 ,Perrenoud)
وهو من هذا المنطلق يرى أن استعمال صيغة تعبئة الموارد" تبدو مثمرة أكثر من نقل المعرفة :
الصفحة 160
وتبدو هذه النقطة الأخيرة ضرورية فعقلنا يمارس إعادة تركيب دائمة للموارد، أما نقل المعرفة المبنية في وضعية ما وإعادة استثمارها في وضعية مماثلة فتبقى مجرد
حالة خاصة.
بين التحويل والإدماج:
ينطوي التحويل على إعادة استثمار التلميذ تعلماته في حل مشكلات، أو تنفيذ مشاريع، أو إنجاز مهام معرفية واجتماعية عاطفية ونفسحركية.
وهو يفترض أن التلميذ يواجه وضعية حقيقية لم يتم تحديد مهمتها بالضبط في البداية. ويجب على التلميذ حينئذ استخدام ما يعرفه للتعرف على المشكلة والتصرف بالشكل المناسب لها. وبالتالي يشمل التحويل تعريف المهمة وتحقيقها.
ويقتضي التحويل أن يأخذ الطلاب سلسلة من القرارات في مواجهة مشكلة تتطلب الحل وموارد متاحة للعمل على نحو فعال. وبهذا المعنى، فإن التحويل يتجاوز بكثير مجرد التطبيق البسيط للمعرفة. (2000 ,Lauzon)
ویری تارديف (tardif.1999) أن التعلم من منظور تحويل التعلمات، يقتضي من الطلاب أن يأخذوا في الاعتبار المهارات التي يقومون بتطويرها والمعارف التي يبنونها كأدوات ضرورية للتفكير والفهم والعمل وفي هذا السياق، يرتبط كلّ من الإدماج والتحويل بشكل وثيق.
والحقيقة أن دمج التعلمات ونقلها يفترض أنّ التلميذ إذا كان في وضعية جديدة، فإنها بإمكانه إدراك المهمة التي يجب القيام بها والعمليات التي يتطلبها، بالإضافة
الصفحة 161
إلى الموارد التي يجب أن يعبئها لاختيار إجراء والتخطيط له وتنفيذه وتقويمه ذاتيا وتعديل عمله إذا لزم الأمر، وفقا للنتيجة المتوقعة.
ووفق هذا الترتيب للأفكار، تُعِدّ المعارفُ الشرطية المرتبطة بـ "متى" و "لماذا" في عمل معين لعملية تحويل التعلم ويجب على التلميذ قصد تحويل تعلمه، أن يدرك في موقف معين ما يجب القيام به وما يمكن أن يفعله، ويوضح الشكل
(11) مسار إدماج التعلمات وتحويلها.
(أنظرالشكل الموجود في الصفحة 162 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الصفحة 162
المعايير والمؤشرات
المعيار في اللغة هو "ما يقاس به غيره، وهو النموذج المحقق لما ينبغي أن يكون عليه الشيء " (ابن منظور،2014).
وأما في الاصطلاح فقد عرف المعيار بالعديد من التعريفات تختلف وفقاً لوجهات نظر من تناوله، وسياق الجوانب التي استخدم فيها، إذ عرفه عبد السلام بأنه "محكات أو ضوابط أو أسس أو مقاييس للحكم على الكيفية أو النوعية أو الجودة في التربية العلمية" (عبد السلام،1998).
بينما عرفه زيتون (2004) بأنه تحديد للمستوى الملائم والمرغوب من إتقان المحتوى والمهارات والأداءات وفرص التعلم ومعايير إعداد المدرس.
وأفاد عبد السلام (2003) أن كلمة معيار في التربية والتعليم تعني مستوى من التحصيل أو من الجودة يُفترض أن يكون مقبولا وهو يقيس جودة أو درجة شيء ما. يقدم المعيار إذن أسسا ومقاييس للحكم على الكيفية أو الجودة أو النوعية، سواء تعلق الأمر بنوعية ما يجب أن يتعلّمه التلاميذ ليكونوا قادرين على أدائه، أو نوعية البرامج التي تعطي الفرصة للمتعلمين ليتعلموا العلوم، أو نوعية تدريسها، أو نوعية النظام الذي يدعم المدرسين، أو
البرامج، أو نوعية الممارسات التقويمية.
الصفحة 163
ويمكن تحديد المعيار عموما بأنه درجة التطلب أو مستواه، أو المعارف المفروضة بهدف اتخاذ قرار بالقبول أو النجاح، أو الإتقان والجودة إلخ... وإذا أخذنا المعيار باعتباره صفة فإنها سمة ما هو مطابق لقاعدة معينة أو نموذج
معين. (276.De Landsheere, 1979, p)
أما دوكوتال فيعرف المعيار باعتباره الجودة التي يجب أن تحترمها مخرجات مهمة مركبة. فهو يؤخذ بمعنى محك أو مقياس لتصحيح إنتاج. فالمعيار، بهذا المعنى، هو الجودة المتوقعة من إنتاج التلميذ مثل: إنتاج دقيق إنتاج متماسك، إنتاج أصيل، إلخ. ولذلك فإن المعيار هو وجهة نظر نضع أنفسنا فيها لتقدير الإنتاج.
إنها يشبه إلى حدٍ ما نظارة نضعها لفحص الإنتاج فإذا أردنا تقويم الإنتاج من خلال عدة معايير، فعلينا أن نغيّر نظاراتنا في كل مرة، كما أن علينا اختيار أزواج
مختلفة من النظارات بحيث تبدو النظرة كاملة قدر الإمكان (2006 ,Roegiers).
فلو قام التلاميذ على سبيل المثال، بأداء رياضي جماعي، يمكن اختبار هذا الأداء الرياضي من عدة جهات: روح الفريق البراعة الآناقة، احترام القواعد، إلخ. فهي نظارات كثيرة نضعها بعدد الجوانب التي سنختبرها.
ومن المهم في سياق تقويم مهمة مركبة، أن نميز بين فئتين من المعايير: معايير الحد الأدنى، ومعايير التميز. (De Ketele, 1996)
فأما معايير الحد الأدنى فهي تلك التي تحدد النجاح، أي التمكن من الكفاية وتملكها.
الصفحة 164
وأما معايير التميز، فهي ليست معايير ضرورية، بقدر ما تحدد موقع إنتاجات المتعلمين بين الإنتاج المرضي والإنتاج المتميز، ومن هذه المعايير ما يتعلّق بالعرض والأصالة والدقة.
ويمكن تحديد ما إذا كان المعيار معيار حد أدنى أو معيار تميز من خلال النظر في مدى تأثير المعيار في تحصيل الكفاية فلو تعثّر التلميذ في معيار واحد، ولكنه نجح في جميع المعايير الأخرى:
وأما المؤشرات فهي جوانب قابلة للملاحظة في الوضعية، ولها وزن إيجابي أو سلبي. ويتمثل دورها في تحديد المعيار وإضفاء شيء من الإجرائية ومن القابلية للقياس عليه تحتاج المؤشر لتوفّر لأنفسنا طريقة للتعامل مع المعيار بشكل أكثر دقة، لأن المعيار يأخذ عادة طابعا عاما ومجردًا. ولذلك لا يمكن تقويم
المعيار إلا على صعيد إجمالي، ما لم نوفّر لأنفسنا طريقة للتعامل مع المعيار بشكل أكثر دقة. فمثلا (2006 ,Rooglers) :
الصفحة 165
يمكن أن يترجم معيار العرض المناسب للوثيقة" إجرائيا في المرحلة الابتدائية، من خلال المؤشرات التالية وجود عناوين محددة، وغياب آثار المحو، وغياب البقع....
كما يمكن أن يترجم معيار "سلامة التراكيب في الإنتاج الكتابي" إجرائيا، من خلال المؤشرات التالية: وجود فعل في محله المناسب من الجملة، الترتيب الصحيح للكلمات في الجملة الاستخدام الصحيح للمركبات.....
ويختلف الدور الذي يلعبه المؤشر من حالة إلى أخرى:
الصفحة 165
مفهوم الإدماج
تعتبر مفهوم "الإدماج " أحد أهم المفاهيم التي يقوم عليها التعلم الحديث، وهو يعبر بصورة عامة عن تلك القدرة التي يتملكها المتعلم خلال تعلمه والتي تساعده على تمثل العلاقة بين مجموعة من العوامل أو الفئات أو التصنيفات أو المجالات المختلفة والمتباينة، والقدرة على تحقيق التضافر والناعم الفعال بينها، بحيث تؤدي إلى تحقيق هدف محدد.
وهو بهذا المعنى يُمثل مهارة ضرورية يسعى الفعل التعليمي الرشيد إلى إكسابها للمتعلم حتى يتمكن من الانتقال في سلم التعلم والمعرفة من مستوى التذكر والفهم، إلى مستويات أرقى مثل التطبيق والاستثمار والتحليل والتركيب.
1ـ تعريف الإدماج:
استعمل العرب قديما صيغة "الإدماج" في علوم كثيرة، ولكنها تدور في عمومها حول المعنى ذاته من ذلك قول "الخطيب" القزويني " معددا ضروب البديع: " ومنه الإدماج وهو أن يضمن كلاما سيق لمعنى معنى آخر فهو أعـم من الاستتباع ومثاله قول أبي الطيب (القزويني،1998: 348/1):
أقلب فيه أجفاني كأني أعد بها على الدهر الذنوبا
الصفحة 167
وأما لغة فقد عرفه الجرجاني في تعريفاته فقال: "الإدماج في اللغة اللف وإدخال الشيء بالشيء يقال أدمج الشيء في الشوب إذا لفه فيه" (التعريفات،1988).
واستعمال هذه الصيغة -أي الإدماج -غير غريب عن لغة العرب، فهي أصيلة وبنفس الدلالة تقريبا، ولكن ليس في المجال التربوي طبعا، وإنما في مجالات حياتية أخرى، ثم استعيرت في عصرنا الراهن من تلك المجالات لتكون مرادفا لكلمة (integration).
ويستعمل بعضهم صيغة "دمج " عوضا عن إدماج، وأؤكد في هذا المقام أن كلا الصيغتين سليم لغويا، ودال على المعنى المراد إلى حد كبير، غير أن صيغة "دمج " تستعمل كفعل لازم غالبا، بينما تستعمل صيغة "أدمج " كفعل متعد إلى مفعول. ويكفي على ذلك دليلا ما قاله صاحب أساس البلاغة معرفا بمعاني "دمج " و "أدمج " (الزهري،1991: ص272):
دمج الوحشي في الكناس واندمج: دخل.
قال الراعي:
غداة تراءت لابن ستين حجة ... سقية غيل في الحجال دموج
ودمج الشيء دموجا واندمج اندماجا إذا استحكم والتأم.
قال يصف فرساً طويلاً:
شرجب سلهب كأن رماحاً ... حلمته وفي السراة دموج
يقال: اندمج الثعلب في الجبة والسيلان في النصاب.
الصفحة 168
وأدمجت الماشطة ضفائر المرأة: أدرجتها وملستها وله أعضاء مدمجة. وأدرج هذا الطومار وأدمجه أي شدّ أدراجه.
ومن المجاز دمج أمرهم صلح والتأم. وصلح دِماج ودماج: مُحكم.
وقال ذو الرمة:
وإذا نحن أسباب المودة بيننا ... دماج قواها لم يخنها وصولها
أي مدمجة ودامجتك على هذا الأمر وافقتك عليه. وتدامجوا عليه: توافقوا. وتدامج القوم عليّ: تألبوا. ووجد البرد فتدمج في ثيابه: تلفف. وليل دامج دامس: ملتفّ الظلام، قد دمج بعضُه في بعض. وأدمج كلاميه: أتـى بـه
متراصف النظم واندمج الفرس: انطوى بطنه وضمر.
قال النابغة يصف إبل الحاج:
قود براها قياد الشعث فاندمجت ... تنكي دوابرها محذوة خدما"
فأنت ترى كيف أنّ "دمج " استعملت غالبا: لازمة: (دمج الوحشي ... -دمج الشيء... -دميج أمرهم...). بينما استعملت "أدمج " متعدية في أكثـر مـن موطن في كلام الزمخشري: (أدمجت الماشطة ضفائر المرأة... -أدمــج الطومار ... -أدمج كلامه...)
وعلى هذا الأساس، رشّحت صيغة "أدمج "، لأنها أنهض بالدلالة التي نريد إيصالها، من حيث اقتضاؤها لمفعول هو المعارف الجديدة التي يزرعها التلميذ وسط معارفه القديمة.
الصفحة 169
ويعني الإدماج في مفهومه العام "العملية التي تقدر من خلالها أن تحقق ترابطا بين عناصر مختلفة لا يربط بينها شيء في البداية، وذلك لضمان اشتغالها في تمفصل تام قصد تحقيق هدف معين". ومن هنا فإن أهم ثلاثة مكونات للإدماج هي:
وقد عرف "روغيرز" (2000) الإدماج في المجال التربوي بأنه "استنفار التلميذ مكتسبات مدرسية مختلفة لحل مشكل تطرحه وضعية دالة"، وهو ما سماه بـ "إدماج المكتسبات " أو بـ"الإدماج الوضعياتي".
ومن الوجوه الثانوية للإدماج بحسب الرجل:
الصفحة 170
أما المجلس الأعلى للتربية بـ " الكيباك " فقد عرف الإدماج بأنه مسار" يزرع التلميذ من خلاله معرفة جديدة وسط معارفه السابقة، ثم يعيد على ذلك الأساس هيكلة عالمه الداخلي، ويُطبق معارفه المكتسبة في وضعيات حقيقية جديدة " (1991 ,Bordage & Prouls).
2ـ مستويات الإدماج:
يوظف التعلم الميني على المشروعات مستويات متعددة لمفاهيم الإدماج ويمكن عرض هذه المستويات على النحو التالي:
في هذا المستوى يوظف المتعلم جملة من القوانين والمفاهيم التي اكتسبها من موضوعات مختلفة لحل مشكلة مطروحة أو التعامل مع موقف تتضمنه المهمات التعليمية، ويتضمن هذا المستوى عدة مجالات فرعية:
الصفحة 171
لفهم موقف معين أو التعبير عن ظاهرة معينة: اجتماعية أو طبيعية أوتكنولوجية.
ويرتبط هذا المستوى بطبيعة الخبرات التعليمية وبيئات التعلم وسياقاته التي يجري تصميمها بهدف توفير فرص تعلم فاعلة للمتعلم. ويمكن تقسيم هذا النوع من الإدماج إلى المجالات التالية:
الصفحة 172
المادتين ظاهرة، ويُمثل له بتضافر أهداف ومعارف ومهارات مادتين أو أكثر التحقيق أداء أو هدف تعليمي معين.
تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعلم المبني على المشروعات باعتبارها أدوات يتعلمها التلميذ ويتعلم بها ويتعلم معها، فهي ليست مقصودة لذاتها، بل هي مُعِينة للمتعلم في تحقيق أهدافه. ويُعتبر إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المناهج عموما وفي التعلم المبني على المشروعات بشكل خاص ضرورة تربوية ملحة. وقد لخص "جوهانسن" وزملاؤه مستويات إدماج تكنولوجيا المعلومات
والاتصالات الخمسة كما يلي (2003 Johansen, Howland, Moor & Marra):
الصفحة 173
العلاقة بالعالم الواقعي، أو تلقي التوجيهات والتغذية الراجعة من برمجيات جاهزة.
2 . تلوين الخلايا في ورقة عمل "إكسل" لتخطيط حديقة.
الصفحة 174
3 . استخدام برنامج الوورد" للتعليق على موضوع مكتوب بصورة جماعية.
4. استخدام التقنيات المتعددة لبناء تعبيرات عن الفهم.
5 . استخدام التقنيات لحل مشكلات حياتية.
إذا لم يستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
الصفحة 175
الكفايات الأفقية
الكفايات الأفقية هي: تلك الكفايات العابرة لمجالات التعلم، والتي تشترك في تحقيقها كل المواد التعليمية والآنشطة التي تنجز داخل الفضاء المدرسي. كما أنها تتميز بالديمومة والقابلية للتعميم، ويمكن نقلها من سياق المدرسة إلى سياق الحياة العامة خارج المدرسة، كما يمكن توظيفها لحل مشكلة طارئة أو لاستنباط حلول بديلة يستعاض بها عن الحلول المتداولة.
لذلك لا تبنى هذه الكفايات العامة على تعلم وحيد أو على اختصاص بعينه وإنما هي نتيجة تضافر تعلمات كثيرة يبلغ المتعلّم من تحصيلها، في كل مرحلة، مستوى من إدراك معناها وفائدتها ووجاهتها يمكنه من تصريفها تصريفا مناسبا ومطواعا ومتكيفا.
اعتنت المنظومات التربوية الحديثة بـ"المشروع" كوسيلة لتنمية كفاية المبادرة لدى الطلاب، وتنمية روح الابتكار عندهم، فبرأنه مكانة خاصة في الكفايات الأفقية الثماني التي اشتهرت في أكثر من نظام تربوي على مستوى العالم، فأنت لا تكاد تتمعن في أي واحدة منها، إلا وتتبين تقاطعا ما بينها وبين بيداغوجيا المشروع. وقد حاولت وأنا أعدّ لهذه الدراسة أن أميز بخط ثخين كل كلمة في الكفايات الأفقية الثماني يمكن أن تكون محل تقاطع بينها وبين "المشروع"، فكانت دهشتي أن نقاط التقاطع تلك كادت أن تستغرق دون أي تكلف كامل نص الكفايات، ويكفي أن أعرضها عليك لنتبين ذلك دون الحاجة
الصفحة 177
إلى أن أصاحبك بتعليق، ولذلك فإنّي أحيلك مباشرة على الكفايات الأفقية والتي جاءت
في أكثر من وثيقة تربوية في العالم على النحو التالي (1):
ويمكن تفصيل هذه الكفايات الأساسية كالتالي:
(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 178 و179 و180 و181و182ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الهوامش
(1) وقد اعتمدت في المنظومة التربوية التونسية رسميا على هذا النحو خلال إصلاحات 2002، ووردت في أكثر من وثيقة من وثائقها (برنامج البرامج...)
الصفحة 178
إدماج تكنولوجيات المعلومات والاتصال في التعلم
يعتمد التعلم المبني على المشروعات على مبدإ "إدماج تكنولوجيات المعلومات والاتصال في التعلم". ولا يعني إدماج هذه التكنولوجيات إضافة مادة مستقلة تتعلق محتوياتها بالحاسب وبمكوناته وبرمجياته، بل يعني توظيف المهارات والمعارف المتصلة بتكنولوجيات المعلومات والاتصال في أنشطة التعلّم بهدف بناء المعرفة.
إن إدماج تكنولوجيات المعلومات والاتصال أداة تمنح عملية التعلم بعدًا إضافيا من شأنه أن يجعل المتعلم قادرا على بناء مسار تعلّمه بشكل فعّال ويبحث بنفسه عن المعلومة أينما وجدت حتى يُغني مكتسباته ويطوّر اقتداراته ويوسّع آفاقه الذهنية ويُثري تجاربه بدخوله في علاقات تواصل متعدّدة ومتنوّعة مع مصادر متنوعة وأطراف متعدّدة. ويتم الإدماج في مختلف مراحل إنجاز المشروع من خلال استعمال وسائل وأدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصال لاكتساب الكفايات التالية:
- تحكم المتعلم في استعمال الأدوات التقنية اللازمة لتكنولوجيات المعلومات
والاتصال.
المعرفة.
الصفحة 183
وتنمو هذه الكفايات من خلال مساعدة التلميذ على ممارسة الآنشطة التالية: أن يتدرب على منهجيات البحث عن المعلومات (تحديد الموضوع، البحث عن المصادر، اختيار الوثائق، انتقاء المعلومات، استثمارها، تبليغ المعلومة..... أن يستعمل مصادر متعددة (المكتبة الافتراضية، أقراص، مواقع مختارة من شبكة الآنترنات، محركات بحث...)
الصفحة 184
ملاحظات منهجية:
- تعرف الطلاب إلى التكنولوجيات الحديثة والتعامل معها يتم:
- تدخلات المدرّس منهجية أساسا، توجّه التلميذ إلى التعويل على ذاته قصد تجاوز الصعوبات.
- يتم التعامل مع الوثائق تعاملا نقديا وذلك بالاعتماد على مؤشرات من شأنها الكشف عن مدى مصداقيتها.
- يمكن توظيف تكنولوجيات المعلومات والاتصال لـ:
الصفحة 185
من المكاسب الممكن تحقيقها بتوظيف تكنولوجيات المعلومات والاتصال:
ثمة أنواع عديدة من المكاسب التي يمكن أن يجنيها المتعلم إذا تعود إدماج تكنولوجيات المعلومات والاتصال وهو يعمل حول مشروع:
أ-التواصل:
يتمثل هذا النشاط في ربط صلات بين المتعلم والمدرّس أو بين متعلم وآخر، عن طريق استعمال مواقع التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني أو غيره من الأدوات التي تتيحها تكنولوجيات المعلومات والاتصال كالمحاضرات البصرية ومنتديات الحوار....
ويسمح التواصل بتنمية المهارات الخاصة بالتعبير الكتابي وتطوير ملكة النقد لدى المتعلم، كما يسمح باكتساب عادات العمل الجماعي في إطار تنفيذ مشروع مشترك، ما يعنيه ذلك من تخطيط مسبق وتقاسم للمهام، ووضع كل متعلم نتيجة
مع مجهوداته على ذمة باقي زملائه...
الصفحة 186
وبذلك يصبح بوسع عدة فصول من نفس المؤسسة التربوية أو من مؤسسات تربوية متباعدة من نفس الدولة أو من دول مختلفة الانخراط في مشاريع من هذا القبيل، تثير اهتمام المتعلمين المتعطشين للتواصل وإلى اكتشاف تجارب وثقافات أخرى، فضلا عن تبادل الآراء والأفكار، واستعمال لغة أجنبية استعمالا جيدا....
ويمكن أن يتوسع نطاق التواصل ليشمل خبراء وأخصائيين في مجالات ذات صلة بموضوع العمل الذي يباشره المتعلمون:
فالفريق الذي ينجز مشروعا حول المياه أو البيئة أو علوم الفضاء يمكنه على
سبيل المثال الاتصال بعلماء مشهورين أو بمراكز بحث متخصصة....
ويمكن للفريق الذي ينجز مشروعا أدبيا أن يتصل بكتاب معروفين، وبأخصائيين في الوسائط المتعددة لإنجاز رواية متعددة الوسائط، فيتفقون على الإطارين المكاني والزماني والشخصيات، ثم يقوم كل فريق بتقديم تصوره الخاص التطور الأحداث، وبذلك فإن القارئ يجد نفسه في كل مرحلة أمام مجموعات مختلفة من السيناريوهات التي يؤدي كل منها إلى نهاية مختلفة، وبذلك تتحول الرواية الواحدة إلى مجموعة مشوقة من الروايات المتقاطعة التي ترغب القارئ في مطالعتها واستكشاف مختلف مسالكها.
وأيا كان مجال المشروع المشترك، فقد بينت التجربة أن أغلب أهل الاختصاص يشاركون عن طواعية ضمن هذا النوع من الآنشطة متى تم الاتصال بهم وتقديم مشروع المتعلمين إليهم بشكل واضح ومقنع.
الصفحة 187
ب ـ جمع المعطيات وتقاسمها مع بقية المتعلمين:
خلال وضعيات البحث الوثائقي، يُطوّر المتعلمون كفايات خاصة بمنهجيات البحث عن المعطيات ومعالجتها والتأليف بينها ضمن منطق لا يختلف كثيرا عن منطق ما يمارسونه من ألعاب، بحيث يتم في الحالين توظيف المهارات والمعارف السابقة لرفع تحد ما وتحقيق غاية معلومة، وهو ما يمكن المتعلم من تقويم مستوله بالنظر إلى مدى تمكنه من تحقيق تلك الغاية.
ومن الضروري التأكيد هنا على الحاجة إلى أن تكون هذه الغاية مرتبطة بتمكين بقية أعضاء المجموعة من المعارف التي سيصل إليها كل فرد، وهو ما يعني تقاسما مسبقا لمحاور البحث وتوزيعا لأهدافه، بحيث تكون الفائدة عند عرض نتائجه عامة ومتبادلة.
وفي سياق استعراض الآنشطة البيداغوجية التي يمكن إقامتها حول تكنولوجيات المعلومات والاتصال، يمكن أن نذكر أيضا الزيارات الميدانية الدراسية، حيث يتم الاستعداد لكل زيارة من خلال إجراء بحث وثائقي حول موضوعها، ثم عرض نتائج البحث على المشاركين بحيث تكون الزيارة مجالا لترسيخ معارف حاصلة واكتشاف معارف جديدة لم يفرزها العمل الوثائقي، فتتكامل المصادر ضمن مسار بنائي يلعب فيه المتعلم الدور الأهم.
ج -حل المشاكل باستعمال تكنولوجيات المعلومات والاتصال:
إن أطرف ما يمكن أن تفرزه الإمكانيات التي توفرها تكنولوجيات المعلومات والاتصال، هي هذه المشاريع التي يشترك في تنفيذها طلاب لا يحملون
الاستعدادات نفسها، ولا يعيشون ضمن الإطار عينه، ولا يمتلكون المواهب ذاتها،
الصفحة 188
ولا الميولات نفسها... ورغم ذلك، فإنهام يجدون أنفسهم مدعوين إلى حل المشكل ذاته والاشتراك في إنجاز المشروع عينه.
إنها تجسيد لمفهوم "الذكاء الجماعي" الذي يدفع أفراد الفريق الواحد إلى تقاسم
المعارف وتبادلها واستغلالها بصورة جماعية.
إنَّ أنشطة من هذا القبيل تساهم في تنمية حب الاطلاع لدى المتعلمين، ومن ثمة تعزيز حماسهم وإقبالهم على التواصل عبر التعبير الكتابي.
دـ إعداد الوثائق ونشرها:
إن استعمال الموارد متعدّدة الوسائط لا يمكنه أن يكون مولدا التعلمات فعالة إلا متى وجد المتعلمون أنفسهم مطالبين في مرحلة ما بإنتاج موارد مماثلة، ويمر ذاك عبر اكتسابهم مهارات إضافية تتعلق بإنتاج الصور والمشاهد المتحركة والناطقة، وجملة من الكفايات التقنية الأساسية الأخرى.
فوجود إنتاج نهائي يتوج عمل المجموعة، يعطي قيمة مضافة لهذا العمل، وهو ما لا يمكن بلوغه ضمن وضعيات تربوية تقليدية، ولا في إطار ما يمكن أن يمارسه المتعلمون من أنشطة أخرى أو العاب.
إن عملية إعداد الوثائق الإلكترونية ونشرها تتجاوز عمليات الإنتاج المألوفة، حين كان الأمر يقف عند حدود تقديم نصوص موجزة أو إجابات معينة أو رسومات لا رابط بينها، فالأمر هنا يتعلق بإنشاء مورد رقمي متعدد الوسائط،
تندمج فيه كل هذه العناصر وفقا لرؤية واضحة وتخطيط مسبق، مما يسمح للمستعمل بالإبحار ضمن هذا المورد الجديد واكتشاف مكوناته.
الصفحة 189
وحين يتحوّل التلميذ إلى متعلم مبتكر ومنتج، فهذا يعني أنه قد صار يتقن التعبير الشفوي والتعبير الكتابي والقراءة والفهم، ويدرك ما يمكن أن يحمله نص أو صورة أو صوت من دلالات، ويحذق ربط الصلات بين هذه الوسائط، ويتحكم باقتدار في تقنيات إنتاجها.
هـ -التعلم الذاتي:
إن الموارد متعدّدة الوسائط تيسر تعلما فرديا فعالا بفضل ما توفّره من أنشطة
تفاعلية فورية، وهو ما يتكامل مع ما تقترحه مواقع التعليم عن بعد من أنشطة جماعية تعتمد ما تفتحه تكنولوجيات المعلومات والاتصال من قنوات ...
وإذا ما أضفنا إلى هذين العنصرين ما يتطلبه إنجاز المشاريع من بحث مستقل عن المعلومة ومن وضع لنتائج هذا البحث على ذمة بقية أفراد المجموعة، فإن النتيجة تكون كالتالي:
"متعلمين يتمتعون بقدر كبير من الاستقلالية في تحصيل المعارف واستغلالها، ويمتلكون في الآن نفسه روح العمل الجماعي بعيدا عن كل ما يمكن أن يوحي به
للوهلة الأولى لفظ استقلالية من انعزال أو انطواء أو أنانية".
مقترحات في كيفيات إدماج تكنولوجيات المعلومات والاتصال:
هذه جملة من المقترحات العمليّة في كيفيات إدماج تكنولوجيات المعلومات والاتصال، نعرضها موزّعة على مراحل إنجاز مشروع:
(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 191 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الصفحة 190
التعلم المبني على المشروع
يؤكد المعجم الموسوعي للتربية والتدريب (1994 ,Champy & Etive) أن فكرة المشروع التعليمي ارتبطت بالتجارب التي كانت تخوضها التيارات التربوية الحديثة بحثا عن تقنيات تعليمية أكثر فعالية، وأكثر عناية باهتمامات المتعلّم ودافعيته الذاتية ومشاركته في بناء تعلمه.
أما بارونو، فيشير إلى أنّ نهج المشروع "كان في البداية شأن بعض التيارات التربوية النشطة. وينخرط "مشروع التعلم"، و "مدرسة العمل"، و"النص الحر"، و"المراسلات" و "الفصول التعاونية" وما يُشبهها من المفاهيم، في مسيرة طويلة قامت لمعارضة المدرسة التقليدية في تسلّطها وتركيزها على الحفظ عن ظهر قلب وعلى التمارين. " (1.Perrenoud, 1991: p)
فمنذ قرنين من الزمن تقريبا، وفي إطار الثورات المعرفية والتغيرات النوعية التي حدثت في حياة البشرية، أخذت المجتمعات كلّها تسعى إلى كسب التحدي التربوي باعتباره العامل الرئيس في صناعة شخصية الإنسان وتشكيل عقله، ومن ثم في بناء المجتمع وضمان استقراره واستمراره
وقد بدأ التأكيد على أهمية العامل التربوي في تشكيل المجتمع وضمان وحدته في القرن الماضي مع عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي "دوركايم" وهو يُعلن:
الصفحة 193
"إن المجتمع لا يقدر على الاستمرار إلا إذا كان بين أفراده حد أدنى من التوافق. والتربية هي المسؤولة عن ضمان هذا الحد الأدنى من التوافق الاجتماعي من خلال تنشئة اجتماعية تساعد على غرس التوافقات الضرورية التي تقتضيها الحياة المشتركة «. (Durkheim, 1963: p. 101)
ثم يستدرك دوركايم بقوله:
"ومن ناحية أخرى، فإنّه دون حد أدنى من الاختلاف ليس هناك من إمكانية لتحقيق التعاون والتكامل والتربية هي المسؤولة مرة ثانية عن ضمان هذا الحد الضروري من الاختلاف من خلال تنوّعها في ذاتها وتخصصها «)
.(Durkheim, 1963: p. 102)
وهذا التنوع الذي تحدّث عنه دوركايم يكفله التنوع في المحتويات، كما يكفله التنوع في الطرائق والأساليب والآليات. ولذلك كان التفكير في تنويع أساليب التدريس أمرا مركزيا في المنظورات التربوية الحديثة حتى تتواءم العملية التعليمية مع تنوع أنماط التعلم لدى المتعلمين من ناحية، وحتى تُضمن دافعية أكبر لإقبال المتعلم على التعلم.
وعلى هذا الأساس عرفت طرائق التدريس وأساليبه تغيرا نوعيا على مدى القرن الماضي. حيث شهدت التربية انتقالا متدرّجا من اعتماد الطرائق التقليدية إلى اعتماد الطرائق الحديثة.
وقد نجح "التعلم المبني على المشروعات " في سياق هذه التغيرات النوعية في التربية ومفاهيمها، أن يطرح نفسه إستراتيجية من إستراتيجيات التعلم والتعليم الكفيلة برعاية أغلب هذه المبادئ، إن لم يكن كلّها، ولذلك اعتبر بعضهم ظهور فكرة التعلم المبني على المشروعات بمثابة "ثورة كوبارنيكية" في مجال التعليم، وذلك بالنظر إلى التغير الذي أحدثته هذه الإستراتيجية في مواقع كلّ من المدرّس والمتعلّم: فقد نجح مشروع التعلم في
الصفحة 194
أن يجعل المتعلم في قلب العملية التعليمية بشكل عملي بعد أن كان المدرّس هو ا الذي يتبوأ هذا الموقع في المنظورات التربوية التقليدية. (803. Champy & Etévé, 1994: p)
وما فتئ التعلم المبني على المشروعات يشهد مع الأيام تطوّرا، وتتخلّله تيارات تدخل إليه الأبعاد الجديدة، بعدا تلو الآخر: فبعد أن كان المشروع فرديا بامتياز في خطواته الأولى، انقلب إلى مشروع تعاوني ذي طبيعة اجتماعية في مرحلة ثانية، وبنيت دعوات التغيير تلك على أن المشروع الفردي لا معنى له إلا بالمقارنة مع مشاريع أخرى، ومع أنشطة متعدّدة الأطراف تُنسج في شيء من التناغم والتكامل لتصنع المشروع التعلمي
التعاوني. (Champy & Etévé, 1994)
وقد حان الوقت الآن بعد هذا التمهيد الإطاري أن نبدأ في تحليل مفهوم التعلم المبني على المشروعات وتحديد أهدافه.
تعريف التعلم المبني على المشروع:
المشروع في معناه العام هو "كل مكوّن من مجموعة من الوسائل البشرية والمادية والمالية، مجتمعة لفترة محدّدةٍ قصد بلوغ هدف واضح، باتباع خطة عمل دقيقة التحديد".
أما في المجال التعليمي، فقد عرف المشروع باعتباره:
"نشاطاً عمليا دالا، ذا قيمة تربوية، يسعى إلى تحقيق هدف دقيق أو أكثر، وهو يتطلب إجراء جملة من البحوث وقدرة على حل المشكلات، ويستدعي في أغلب الأحيان استعمال وسائل وأدوات محسوسة. ويستوجب مثل هذا النشاط تخطيطا وتنفيذا يشارك فيها كل من المدرّس والمتعلم في
سياق واقعي وحقيقي" (1999 ,Share & Rogers).
ولو أردنا تفكيك هذا التعريف إلى عناصر أولية تساعدنا على تبين أبعاد "التعلم المبني
على المشروعات " ومقوماته لقلنا هو نشاط (انظر الشكل 13):
الصفحة 195
"الهدف الذي نصبو إلى تحقيقه، والذي من أجله تستنفر الوسائل المناسب وترسم الخطط والاستراتيجيات المؤدّية إلى الغرض" (,Arénilla, Gossot, Rolland
Roussel, 2000: p. 234&).
وتهتم تعريفات أخرى بالتلميذ باعتباره المحور الرئيس في كل عملية تعليمية، وفي التعلم المبني على المشروعات بدرجة أولى فتنص على أن المشروع هو:
"نشاط تلقائي ومنظم لمجموعة صغيرة من الطلاب انكبت جادة على تنفيذ عمل يتصف بالشمولية قد وقع اختياره بحرية من قبل الطلاب. وهكذا
الصفحة 196
تتوفر لديهم إمكانية هيكلة مشروع بصفة جماعية، وتنفيذه بفضل تقاسم
الأدوار" (1999 ,Share & Rogers).
(أنظر الشكل الموجود في الصفحة 197 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الصفحة 197
أما إستراتيجية التعلم المبني على المشروعات، فقد عُرفت بأنها عملية تعلّم تضع مجموعة من الناس (الطلاب أو المتدربين، أطفالا كانوا أو بالغين، خلال عملية التدريب الفعلي أو في أوقات الفراغ) في حالة:
والمدرّس في هذه العملية، لم يعد المصدر الوحيد للمعرفة وصاحب السلطة عليها، بل أصبح
الشخص المرافق والمستشار المساعد يوفّر قدرًا لا بأس به من التغذية الراجعة. (2007، Bouquet & ai )
ويختار "بارونو" أن يسمي التعلم المبني على المشروعات بمسار المشروع معللا اختياره بأن في ذلك من احتراما لمن لا يريد أن يحصر نفسه في طريقة تعليمية بعينها، وعدم تجاهل لأولئك الذين لا يُشكل لهم العمل على المشروع توجها عاما وأساسيا، بل يعتبرونه مجرّد مسار من المسارات وإحدى الطرائق العديدة التي يمكن أن يتعلم الطلاب من خلالها. ويُعرف مسار المشروع من خلال العناصر التالية: (Perrenoud, 1991)
- هو مؤسسة جماعية تدار من قبل مجموعة الفصل المدرس يحفّز، ولكن لا يقرر كل شيء)
- موجهة نحو إنتاج ملموس بالمعنى الواسع للكلمة: نص، صحيفة، عرض، معرض، نموذج، خريطة، تجربة علمية، أغنية، إبداع فني أو حرفي، حفل، تحقيق، رحلة، حدث رياضي، مسابقة، لعبة الخ...)؛
- تؤدي إلى مجموعة من المهام التي يمكن الجميع التلاميذ أن ينخرطوا فيها ويلعبوا دورا نشطا، يختلف وفقا لإمكانياتهم واهتماماتهم؛
الصفحة 198
- تحفّز على تعلم معارف جديدة ومهارات، وتطوّر القدرة على إدارة المشاريع اتخاذ قرار، التخطيط التنسيق، الخ...)؛
- تعزّز في الوقت نفسه تعلّما محدّدا يتضمنه برنامج تخصص دراسي واحد أو أكثر (اللغة التربية البدنية، الجغرافيا الخ...)
وبمقارنة التعريفات السابقة يمكن أن نتبيّن المقومات الأساسية التي يُنسج منها مفهوم المشروع وهي:
-أهداف يرسمها التلميذ بنفسه وفي تفاعل مع زملائه ومدرّسه.
ـ خطط مناسبة يضعها التلميذ لتحقيق أهدافه.
ـ وسائل مساعدة يعتمدها الطلاب في كل مرحلة.
ورغم أن "مجموعة المتعلّمين" ليست شرطا ضروريا في تحقيق التعلم المبني على المشروعات على حد رؤية بعضهم، إلا أنها أضحت كاللازم في عديد التعريفات والتصورات خاصة إذا لاحظنا أهمية "التعلم التعاوني" في طرائق التعلم الحديثة، واعتبارها قدرة التلميذ على التعاون مع زملائه والتواصل مع أقرانه معيارا من معايير الجودة في العملية التعليمية.
ومما ينبغي الاهتمام به أن المشروع ليس فكرة مقصودة لذاتها، بل هو أداة تساعد على تنمية الفعل التربوي الذي تقوم به المدرسة في مستويات ثلاثة:
1-تنمية قدرة التلميذ على الاختيار وبناء رؤية واضحة: وهنا يتدخل "المشروع" باعتباره غاية ورؤية تعزم مجموعة على تحقيقها.
2-تنمية قدرة التلميذ على التنفيذ وتجاوز الصعوبات: وهنا يتدخل "المشروع" باعتباره برنامجا أو خطة عمل تضع الخطوات العملية لتنفيذ تلك الرؤية،
الصفحة 199
وتتحسب للعوائق التي تتطلب تعديلا للمسار، وتحدّد الآليات المعتمدة، والطرق المنتهجة، والتدرج الواجب احترامه، والمحتويات الواجب تناولها...
3-تنمية قدرة التلميذ على تحقيق التغيير المنشود: وهنا يتدخل "المشروع" باعتباره عملية تغيير تهدف إلى الانتقال من وضعية انطلاق غير مرضي عنها غالبا)، إلى وضعية منشودة عبر وضعيات وسيطة يمر بها المشروع من مرحلة إلى مرحلة. ويمكن أن يتعلق هذا التغيير بالسلوكات والاتجاهات، أو بطرائق العمل وكيفياته، أو بالقدرة على التواصل، أو ببناء العلاقات وتنميتها، أو بخوض التجارب العملية وتنفيذ الإجراءات المناسبة...
أهداف التعلم المبني على المشروع:
يهدف التعلم بالمشروع إلى تحقيق عدد من التغييرات الإيجابية في المشهد التعليمي التعلمي وذلك من خلال عمله على:
1ـ التنويع في التعلمات وفقا للفروق الفردية والتقدم في الإنجاز حسب النسق الشخصي.
2- تنمية ثقة التلميذ في نفسه والنظرة الإيجابية للذات.
3-تعميق قيم التفتح والتسامح واحترام الرأي المخالف.
4-التعويد على التفكير النقدي والحكم المتبصر والترشد الذاتي.
5ـ جعل التعلمات إجابات عن حاجات فعلية وبذلك يضحي لها معنى ودلالات بالنسبة إلى المتعلم.
6-بناء المعرفة بالذات عوض تمريرها وإسقاطها، والمشاركة في تحديد أهداف التعلم بما يضمن دافعية قوية له.
7-تنمية الاستقلالية في نفوس المتعلمين وتغذية روح المبادرة والتعاون الإيجابي مع الغير.
الصفحة 200
8-تعميق التواصل بما يضفي معنى على اللغة، ويصبغ المهمات والأدوار المدرسية بصبغة الواقعية.
9-إقدار المتعلمين على التصرف المحكم في الوقت.
ويجعل بارونو أهداف التعلم المبني على المشروعات عشرةً، مؤكدا على أن العمل على المشروع في إطار المدرسة قد يكون له هدف واحد أو أكثر من هذه الأهداف وهي
(Perrenoud, 1991):
الصفحة 201
يستهدف التعلم المبني على المشروعات إذن مستويات مختلفة من التغيير، تتجاوز بعد التحصيل المعرفي إلى الأبعاد المهارية والسلوكية والوجدانية (2007 ,Bouquet et al ):
الأدوار التربوية التي يلعبها التعلم بالمشروع:
حددها كل من "مارك برو" و"لوي نوت" في أدوار خمسة (1994 ,Champy & Etévé) :
الصفحة 202
حيث يعمل التعلم بالمشروع على تعويد التلميذ أن يأخذ العوامل التالية بعين الاعتبار:
- دور علاجي:
حيث يُضفي هذا النوع من التعلم معنى جديدا على المدرسة من خلال تمكين التلاميذ من الانخراط في أنشطة دالة على المستويين التعلّمي والاجتماعي...
- دور تعليمي:
لأن المشروع يتطلب تعبئة المعارف والمهارات السابقة، وتطوير كفايات جديدة...
- دور اجتماعي:
وذلك تعويد التلميذ الانفتاح على الآخرين، والتعاون معهم. وعلى أن يعرف وأن
يُعرف. وإتاحة الفرصة لمناقشة الرؤى والتصورات....
- دور سياسي:
لأن المشروع من شأنه أن يُعوّد التلميذ على قيم المواطنة ومفاهيمهـا مـن خـلال
المشاركة الفعالة في المحيط المحلّي وحياة المجتمع ...
وهذه الأدوار إنّما تُولد على ضفاف ما يفتحه العمل حول مشروع من فرص لـ:
الصفحة 203
الخصائص المميزة للتعلم المبني على المشروعات:
لقد أحدث التعلم المبني على المشروعات تغيرا نوعيا في علاقة المتعلم بالمعرفة والمدرس والمحيط المحلي وبنفسه، بل بالكون كله (1994 ,Champy & Etévé) .
فالتعلم بالمشروع وسيلة لجأت إليها المناهج الحديثة قصد إعادة الاعتبار الشخصية المتعلم من حيث اهتماماته ومهاراته وسلوكه، دون ظلم للمعلومة طبعا.
وعلى هذا الأساس انتصرت هذه المناهج لتعامل جديد مع المعلومة يجعلها موردا ومساعدا أكثر من أن تكون هدفا نهائيا. ويجعلها أداة لشحد قدرة المتعلم على توليد المعلومةوعلى نشرها، لا على استهلاكها استهلاكا سلبيا، وهو ما يشرحه بوضوح الشكل (14) فيما يطرحه من المقارنات بين عدد من الثنائيات:
الصفحة 104
(أنظر الشكل 14 الموجود في الصفحة 205 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الصفحة 205
لقد تغيرت أدوار المدرسين واهتماماتهم مع البثاق فكرة مشروع التعلم:
الصفحة 206
خصائص التعلم (1) بالمشروع:
أجملت "بوكيه" وزملاؤها خصائص أسلوب التدريس المبني على المشروعات على النحو التالي (2007 ,Bouquet et al) :
الهوامش:
1 -أن "تُعلّم" لا يعني أن "نتكلّم"، أو على حدّ تعبير "الآنجلوسكسونيين": " Teaching is not telling"، فقد يكون الأستاذ عميق الصمت في فصله، وهو يعلم في ذات الوقت مادام " يدير" وضعية محفزة ومثيرة للتعلم. 2- "التعليم" و"التعلم" مفهومان متلازمان لا يمكن الفصل بينهما، كـ "البيع" و"الشراء": فإن البيع محاولة إقناع الحريف، ولكنه في العمق هو إثارة لرغبة الشراء، لأنه إذا لم يكن شراء لم يكن بيع، وقياسا عليه، إذا لم يوحمد تعليم لم يوجد تعليم حقيقي.
3- "المدرس" الجيد هو ذلك الذي يحسن "تنظيم وضعيات التعلم"، وبالتالي فالمدرس هو شخص ذو مهمّة "إدارية" بمعنى ما ، أي أنه يدير الآنشطة والمعارف والوسائل وينسق بينها بقصد بلوغ أهداف معينة.
الصفحة 207
إذا نظرت في خارطة المفاهيم السابقة أدركت أن التعلم المستند إلى المشروعات يُعيد بناء "التعلم" و"المدرسة" و"المحتوى" و "العلاقات" مع النفس ومع الآخر... ويؤسس لفصول تتجاوز "الرتابة" و"الاستظهار الببغائي" الذي يُمارسه التلميذ وهو لا يعي كثيرا مما يقوله، ولا يحسن استثمار كثير مما يحفظه في مواقف حقيقية ليحل به مشكلات أو يتغلب به على تحديات حمل الحمار يحمل أشفَارًا" (الجمعة: ......
انظر المقارنة بين نموذجين من الفصول في الشكلين: (10) و(17):
(أنظر الشكل 15 الموجود في الصفحة 208 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الصفحة 208
(أنظر الشكل 16 الموجود في الصفحة 209 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الصفحة 209
بين التعليم التقليدي والتعليم بالمشروع:
يقوم التعليم التقليدي على فلسفة قوامها أن الحقيقة واحدة، وأن مصدرها واحد، ومن هنا جاءت كل المواقف التي تتعلق بسلبية الخطأ وبالزامية خطة العمل التي يراها المدرس، وباعتبار الإنتاج النهائي وحده مجالا للتقييم. وبالمقابل قام التعلّم القائم على المشروع على فلسفة أخرى يوضحها الشكل (17):
(أنظر الشكل 17 الموجود في الصفحة 210 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الصفحة 110
مراحل مشروع التعلم:
تعددت النماذج والتصورات في تحديد مراحل المشروع التعلمي، وسأعرض في البداية نبذة من هذه النماذج الأخلص في الأخير إلى أوضحها عرضا، وأقربها منالا، وأكثرها ملاءمة لما سنعرضه من الإجراءات:
المشروع. (Boutinet, 1999)
ويحلّل بوتيني هذين الزمنين على الطريقة التالية:
الصفحة 211
الصفحة 212
وإذا أردنا أن نضع تصوّرا المراحل المشروع موجزا وواضحا حتى ولو لم يكن الأحسن تقسيمها وتفصيلا، قلنا: إنّه يقوم بصفة عامة على مراحل أساسية ثلاث تتخللها
محطات ومكونات فرعية:
1-المرحلة الأولى: الإعداد للمشروع: وفيها يتم عادة:
- اختيار المشروع.
-تحديد الموارد الضرورية.
-التخطيط وتوزيع الأدوار.
2-المرحلة الثانية: تنفيذ المشروع: وتتضمن عادةً:
- الإنجاز المتدرّج للفكرة.
-تنسيق الجهود وتنظيم الإضافات.
-إدارة التواصل وتجاوز الصعوبات.
الصفحة 213
3-المرحلة الثالثة: المراجعة والتقويم والمتابعة: ونلاحظ أن هناك نوعا من التقويم يسكن كل مرحلة من المراحل السابقة ويمشي. معها يوفّر التغذية الراجعة، ويقترح التعديلات الضرورية، وهو غير مقصود بهذه المرحلة الثالثة، وإنّما نقصد التقويم النهائي الذي يتوّج العمل على المشروع.
وتقوم هذه المرحلة عادةً على:
علما بأن هذا التصوّر الثلاثي يلتقي مع التصور البياجستي لبناء الدروس (2-3 , Crawford
Saul, Mathews, & Makinster, 2005 P ) والذي يقوم على مراحل ثلاث اصطلح على تسميتها ب (ABC): حيث يرمز كلّ حرف إلى مرحلة أساسيّة من المراحل الثلاث (Anticipation) و (Building) و (Consolidation).
مرحلة التمهيد:
يبدأ كلُّ درس بمرحلة تمهيد، وخلالها يُوجّه الطلاب إلى التفكير في الموضوع الذي سيتناولونه بالدّراسة وطرح الأسئلة حوله. وتعمل هذه المرحلة من الدرس على
الأمور التالية:
الصفحة 214
مرحلة البناء المعرفي:
فبعد بدء الدرس، يقود التدريس، بما صُمّم فيه من الآنشطة والمواقف التعلمية، الطلاب إلى الاستفسار، والتعرّف، وفهم المادة، وتوفير الإجابات المناسبة لما في نفوسهم من الأسئلة، وتوليد أسئلة جديدة وهذه المرحلة من الدرس تسمّى مرحلة البناء المعرفي، وهي تتيح الفرصة لعدد من الأمور أهمها:
مرحلة الإدماج:
نحو نهاية الدرس، يكون الطلاب قد أدركوا الكثير من أفكاره، ولكنّ الأمر لم ينته بعد، فلا يزال هناك الكثير مما ينبغي عمله : يطلب المدرسون من الطلاب التفكير في ما تعلموه، ويسألونهم عما يعنيه لهم هذا الذي تعلّموه، ويدعونهم إلى التأمل في كيفية تغيير ما يُفكرون فيه، والتأمل في كيفية استخدامه وهذه المرحلة . الدرس تسمّى مرحلة الإدماج، وهي تعمل على:
الصفحة 215
ورغم أن هذا التصور البياجستي يطرح مشروعًا عاما للدروس العادية، فإن شيئا لا يمنع من أخذه بعين الاعتبار في درس مبني على التعلم بالمشروع:
- لأنه هو نفسه يحتاج إلى مرحلة تمهيد يتعرّف فيها المتعلّم على المشكلة ويُعرفها محددًا سياقا عالما لدرسه ومتعاقدا مع معلمه وزملائه على خطة المشروع الذي سيعملون عليه.
التلميذ وشخصيته، عبر رحلة من التوازنات المضيفة على حد تعبير بياجيه.
المشروع في ثقافتنا العربية:
الصفحة 216
أخرت هذا المبحث حتى لا أزعج به الذين يبحثون عن الفوائد العملية سريعا، وهم في هذا الباب التربوي كثر، خاصة في مثل هذه القضايا ذات الطبيعة العملية والتي يبحث فيها الناس عادة عن "إجراء" يُضفي الدقة على أعمالهم، أو "آلية" تغني أداءهم، غير أني لا أرى ما يمنع من عمليات تأصيل لغوي للمفاهيم تجتهد في أن تسلّط الضوء على ولادة المفهوم، وتفتح في الآن نفسه آفاقا جديدة للتفكير والإثراء... ولذلك لم أحذفه مرة واحدة حتى لا أحرم من تستهويه عمليات التحليل والحفر العلمي في أصول المصطلحات وجذورها التاريخية...
إن مصطلح "المشروع"، بهذا المعنى الاقتصادي والإداري المستحدث طارئ على اللغة العربية المأثورة إلى حد القرن السابق تقريبا، فقد جاء ترجمة للفظة (Project) الإنجليزية أو لفظة (Project) الفرنسية... غير أن اللغة الحية هي القادرة على أن تتطور وفق آلياتها وتقدر على استيعاب الحادث والجديد من المعاني وتولّد له الأواني اللفظية المناسبة...
علما بأن الجذر اللغوي للفظة المشروع متوفّر أصلا في المعجم العربي مغرق في الأصالة، وارد بجذره الثلاثي ومشتقاته في النص القرآني كثيرا "شرع لكم"... "شرعة ومنهاجا "...
وكذلك الشأن بالنسبة إلى صيغة "مشروع " التي هي اسم مفعول من شرع، فهي أصيلة بمعناها في المعجم الاصطلاحي العربي في الجوانب التشريعية والقانونية، والمعنى الغالب عليها في ثقافتنا القديمة "المشروع " هو الجائز في منطق الدين وحكمه (Lawful).
وقد أحببنا أن نخوض عملية حفر للدلالات الأصلية للفظة المشروع وجذرها "ش-ر-ع " علنا نجد مشروعية تفسر لنا السبب الذي حدا ببعضهم في هذه القرون الأخيرة على أن يختار لفظة المشروع للمعنى المقابل لها اليوم في المجال الاقتصادي.
الصفحة 217
فأما الخليل فقال: "شرع: شَرَعَ الوارد الماءَ شروعاً وشَرْعاً فهو شارع، والماء مشروع فيه إذا تناوله بفيه. " (الفراهيدي،2004).
وقد أفاض ابن منظور (2014: 8/59-61) في البحث في جذور معنى المشروع على عادته، وقد اصطفيت منها ما رأيته مناسبا ليقرب مصطلح "المشروع" من المعاني الأصلية لجذر "شرع «، ويفسر سبب اختيار تلك اللفظة لتكون آنية لدلالات المشروع بمعناه الاقتصادي الحديث:
الصفحة 218
فلنجمع في البداية خلاصة الدلالات الواردة في هذا التعريف المستفيض:
(أنظر الجدول الموجود في الصفحة 219 و220 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الصفحة 219
وإذا نظرت معي إلى هذه الدلالات المحصلة، أدركت أن من فكر في استيراد هذا اللفظ
ونقله ليستعمله في سياقه الاقتصادي الجديد لم يكن مرتجلا للأمر، إلا إذا كان محظوظا
الصفحة 220
وحالفه التوفيق في ارتجاله فإنّك إذا نظمت هذه الدلالات الواضحة وضممت نشرها وجدتها وثيقة العلاقة بمعنى المشروع المستحدث من أكثر من وجه:
أليس المشروع عزما على الدخول في شيء ما قصد تحقيق عائد مادي أو معنوي هو المشربة؟
أليس المشروع خوضًا في أمر ما، والأخذ فيه (بمعنى البدء فيه) لتحقيق النجاح (الظهور) على قدر وضوح الأهداف والطريق؟
أليس المشروع طريقا كبيرا، نافذا غير مسدود، مفضيا إلى الربح والنجاح على :
قدر "الدنو" من المجتمع ومن "الناس"؟
تميّزه على قدر قربه من الناس والطريق والإشراف عليهما" وسهولة الوصول إليه وهو ما يسمّى بمصطلحنا المعاصر: القابلية للتحقيق....
وهو يقوم على "العقد" و "الربط "... ويسهم في "توجيه" الحياة والاقتصاد.... ويعمل على تحقيق "العلو"... ويستهدف "النماء"... ويقتضي العدل والمساواة حتى ينجح في الاستمرار ويحقق أهدافه ... يتطلب "الجرأة"...
وقد وجدتُ عند ابن فارس في مقاييس اللغة شيئًا من هذا المعنى وهو يحاول أن يُلخّص الدلالات المختلفة للفظة "شرع " فقال:
"الشين والراء والعين أصل واحد، وهو شيء يفتح في امتداد يكون فيه.... ويقال أشرعت طريقاً، إذا أنقذته وفتحته، وشرعت أيضاً... هذا هو الأصل ثم حمل عليه كلُّ شيءٍ يُمدُّ في رفعة وغير رفعة ... ومن ذلك يتراع السفينة، وهو ممدود في علو ... " (ابن فارس،1979: 3/262)
الصفحة 221
فالمشروع حسب الرجل هو "شيء يُفتح في امتداد يكون فيه"، وفي ذلك ما لا يخفى من الالتقاء مع المشروع الاقتصادي من حيث:
ويقف الجرجاني (1988، ص .167) مع معنى الإظهار والبيان في المشروع، فيقول:
"الشرع في اللغة عبارة عن البيان والإظهار يقال شرع الله كذا أي جعله طريقا ومذهبا ومنه المشرعة." وهو بذلك يؤكد على معنى التحديد الواضح للأهداف والإجراءات والمراحل والأدوات...
ويؤكد الآنصاري (1411، ص .70) هذا المعنى وهو يعرف الأمر "المشروع " :
"ما أظهره الشرع والدين، ما ورد به الشرع من التعبد، ويُطلق على الطاعة
والعبادة والجزاء والحساب".
أما حديثاً فقد ساقت المعاجم للفظ المشروع دلالته كلها: القديم منها والجديد، فقال المعجم الوسيط (مجمع اللغة العربية،2004: 1/479):
"المشروع " ما سوّغه الشرع، والأمر يهيَّاً ليُدْرَس ويُقرر. (مو) (ج) مشروعات".
واستفاض معجم! اللغة العربية المعاصرة في طرح الدلالات التي يحتلمها لفظ المشروع في
خطابنا المعاصر قائلا (عمر،2008: 2/1190):
"مشروع [مفرد]: ج مشروعات ومشاريع:
الصفحة 222
1. اسم مفعول من شرَعَ / شرع في وشرَعَ.
2. ما يسوغه الشرع ويبيحه "وسيلة مشروعة".
الطرق المشروعة: الوسائل القانونية. كسب غير مشروع: حصول الموظف الحكومي على أموال مستغلاً مركزه الحكومي، لقضاء حاجة
النَّاس التي يحصلون عليها كحق من حقوقهم مجانًا أو برسوم.
3. أمر يُهيّاً للدرس والتحليل تمهيدًا لأخذ قرار بشأنه "عرض المشروع على مجلس الإدارة -مشروع اتفاقية".
خُطَّة مشروع: وثيقة تصف النهج التقني والإداري الواجب اتباعه من جل تنفيذ مشروع ما.
4. منشأة أو تنظيم يهدف إلى الإنتاج أو المبادلة أو تداول الأموال والخدمات: "نفّذ المشروع بكل دقة -المشروع قيد البحث".
مشروع خيري: يهدف إلى تقديم خدمات للفقراء والمحتاجين.
مشروع قومي: يعود بالنفع على الصالح العام.
5 . مشروع قانون: نص يقترحه وزير ويقدّمه إلى الهيئة التشريعية للموافقة
عليه وإقراره.
أما معجم لغة الفقهاء (قلعه جي، 1988، ص.431)، فقد اقتصر على دلالتين أسايتين للفظ فقال:
"المشروع: بفتح فسكون اسم مفعول من شرع الشئ: أعلاه وأظهره.
الصفحة 223
وفي الأخير، أرجو ألا أكون مخطئًا إذا قلت: إنّ من مارس عملية النقل للفظ "المشروع" من صيغة الصرفية المعروفة باعتباره اسم مفعول من فعل شرع، ليؤسس مصطلحا جديدا ذا علاقة بعالم الاقتصاد والإدارة في مرحلة أولى، ثم دخل المجالات كلّها حتى صرنا نتحدث عن مشروع فكري ومشروع سياسي ومشروع تربوي. إنّ من فعل ذلك قد راعى المناسبة بين المعنى الأصلي للفظة المشروع والمعنى الجديد المنقول إليه...
وهو بذلك يستجيب لشرط من شروط النقل في تأسيس المصطلحات، فقد جرت العادة أن يُعرف المنقول بأنه اللفظ الذي تتعدّد معانيه، وقد وضع للجميع كالمشترك، ولكن يفترق عنه بأنّ الوضع لأحدهما مسبوق بالوضع للآخر ملاحظة المناسبة بين المعنيين في الوضع اللاحق.
هذا، وليس بالإمكان الجزم إن هذا النقل الذي طرأ على مصطلح "المشروع" قد حصل بشكل تعييني: أي أن ناقلا معيّنا قد قام بعملية النقل عن قصد واختيار واع، أم أن ذلك قد حصل بشكل تعيني: أي أن جماعة من النّاس قد استعملوا اللفظ في غير معناه الحقيقي والمعهود لا بقصد الوضع له، ثمّ يكثر استعمالهم له ويشتهر بينهم، حتى يتغلب المعنى الطارئ على الفظ في أذهان النّاس، فيكون كالمعنى الحقيقي يفهمه السامع منهم بدون قرينة، ويحصل الارتباط الذهني بين اللفظ والمعنى حتى يصبح حقيقة في هذا المعنى الجديد.
الصفحة 224
الجذور التربوية والحضارية لفكرة التعلم بالمشروع:
تحيلنا فكرة التعلم بالمشروع على عدد من المفاهيم الأساسية مثل:
وإذا لم يكن للمشروع، كمصطلح تربوي وكمنهج متكامل للتعلم والتعلم، حضور واضح باعتباره مصطلحا ومنهجا حادثا، فإنّ لتلك المفاهيم ذات العلاقة بفكرة المشروع جذورًا في ثقافتنا التربوية العربية، وسأضرب عليها أمثلة تكشف وجه النضج في بعض التنظير التربوي العربي وإن لم تسعفه قرون التراجع بأن يسهم بفعالية في تطوير الشأن التربوي عبر العالم:
الصفحة 225
يستعمل ابن خلدون لفظ "العمليّ" بطريقة صريحة في مقدمته، قارنا إياه بمصطلحات هامة ذات علاقة مثل "الملكة" و"الدربة " فيقول:
" اعلم أن الصناعة. هي ملكة في أمر عملي فكري، وبكونه عمليا هو جسماني محسوس. والأحوال الجسمانية المحسوسة فنقلها بالمباشرة أوعب لها وأكمل، لأنّ المباشرة في الأحوال الجسمانية المحسوسة أتم فائدة والملكة صفة راسخة تحصل عن استعمال ذلك الفعل وتكرّره مرة بعد أخرى حتى ترسخ صورته. وعلى نسبة الأصل تكون الملكة. ونقل المعاينة أوعب وأتمّ من نقل الخبر والعلم. " (ابن خلدون، د.ت.: 2/38).
ويضرب مثلا على البعد العملي بمسألة تعليم الخط، فيقول متحدثا عن نمو ملكة الخط إذا كان التعليم فيها جامعا بين النظري والعملي:
"كما يحكى لنا عن مصر لهذا العهد وأن بها معلمين منتصبين لتعليم الخط يلقون على المتعلم قوانين وأحكاماً في وضع كل حرف ويزيدون إلى ذلك المباشر بتعليم وضعه فتعتضد لديه رتبة العلم والحس في التعليم و تأتي ملكته على أتم الوجوه. " (ابن خلدون، د.ت.: 2/62)
ويؤكد المعنى نفسه في مقام آخر فيقول:
"درست معالم بغداد بدروس الخلافة، فانتقل شأنها من الخط والكتابة بل والعلم إلى مصر والقاهرة، فلم تزل أسواقه بها نافقة هذا العهد، وله بها معلّمون يرسمون لتعليم الحروف بقوانين في وضعها وأشكالها متعارفة بينهم، فلا يلبث المتعلم أن يُحكم أشكال تلك الحروف على تلك الأوضاع، وقد لقنها حسنا،
الصفحة 226
وحذق فيها دربة وكتابا، وأخذها قوانين علمية فتجئ أحسن ما يكون." (ابن خلدون، د.ت: 2/67)
ابن سينا: الصبي عن الصبي القن...
يؤكد ابن سينا في كتابه السياسة حقيقةً تربوية قديمة جديدة، وهي أن الأقران يأخذون عن بعضهم بعضا، ويتأثرون ببعضهم بعضا فيقول: "وَيَنْبَغِي أَن يكون مَعَ الصَّبِي في مكتبه صبية من أولاد الجلة حَسَنَة أدابهم مرضية عاداتهم فَإِن الصَّبِي عَن الصَّبِي ألقن وَهُوَ عَنهُ أَخذ وَبِهِ أَنس." (ابن سينا، 2007، ص.85)
ولعل الجاحظ (1964) أراد الإحالة على ابن سينا حين قال: " وقد قالوا: الصبي عن الصبي أفهم، وبه أشكل " ، ليؤكد على أنّ هذه الفكرة مما استقر أمره في ثقافة العرب التربوية حتى أصبح من مسلّماتها.
ويؤكد ابن سينا على حاجة الصبي إلى رفيق في الصف لأن صحبة الطفل لزملائه أبعد عن الضّجر وأدوم للنّشاط وأدعى للمنافسة، وفي ذلك يقول:
" وَانْفراد الصَّبِي الْوَاحِد بالمؤدب أجلب الْأَشْيَاء لضجرهما، فَإِذا راوح المؤدب بين الصَّبِي وَالصَّبِيِّ، كَانَ ذَلِك أنفى للسآمة، وأبقى للنشاط، وأحرص للصَّبِي على التَّعَلُّم والتخرج، فَإِنَّهُ يباهي الصبيان مرة، ويغبطهم مرة، ويأنف من الْقُصُور عَن شأوهم مرّة." (ابن سينا، 2007، ص.85)
كما يؤكد على حاجة المتعلّم إلى أن يحادث زملاءه لأن ذلك عامل مساعد على شحذ العقل وتفعيل التفكير وحسن الفهم:
الصفحة 227
"ثم يحادث الصبيان، والمحادثة تفيد انشراح العقل، وَتَحلَّ مُنْعَقدِ الْفَهِم، لِأَن كل واحد من أُولَئِكَ إِنَّما يتحدث بأعذب ما رأى، وَأَغْرب ما سمع، فتكون غرابة الحديث سببا للتعجب مِنْهُ، والتعجب مِنْهُ سَببا لحفظه وداعيا إلى التحدث به".
ولا يقصر تعلّم الأقران على الصف وحده، بل هو يستمر أثره حتى خارجه، بل خارج المدرسة كذلك، وفي ذلك يقول:
"ثم أنهم يترافقون ويتعارضون الزِّيَارَة ويتكارمون ويتعاوضون الحقوق وكل أسباب المباراة والمباهاة والمساجلة والمحاكاة وَفِي ذَلِك تَهذيب
ذلك من لأخلاقهم وتحريك لهممهم وتمرين لعاداتهم".
موقف سجله ابن العربي على طريقة النّاس في زمانه في تحفيظ الطفل ما لا يفهم، ناقدا ممارساته وممارسات أقرانه من المدرّسين في زمانه، ويلاحظ النواتج المحصلة لعمليات التربية في بلده ليقتنع في الأخير بأن في الأمر ما ينبغي أن يغيّر، وعلى هذا الأساس بنى نظريته التعليمية التي أكبرها ابن
خلدون في مقدمته كما سترى. يقول ابن العربي:
((ويا غفلة بلادنا في أن تأخذ الطفل بكتاب الله في أول أمره، فيقرأ ما لا يفهم وينصب في أمر غيره حينئذ عنده أهم، ولا يتبسط لهذا
المطلوب العظيم ببساطه ويعد له نشاطه " (ابن العربي،1990).
ويقترح ابن العربي نهجا بديلا يقوم على البدء بتعلم علم العربية والأشعار ثم الانتقال "إلى الحساب فتتمرن فيه حتى ترى القوانين، فإنها علم عظيم
الصفحة 228
لها خلقت السماوات والأرض (ابن العربي،1990)، وبعد ذلك يدرس القرآن فإنها يتيسر بما مر من مقدمات.
وفي هذا النهج المقترح قال ابن خلدون
" وهو لعمري مذهب حسن إلا أن العوائد لا تساعد عليه وهي أملك بالأحوال... ولو حصل اليقين باستمراره في طلب العلم وقبوله التعليم لكان هذا المذهب الذي ذكره القاضي أولى مما أخذ به أهل المشرق وأهل المغرب". (ابن خلدون:4 / 1362 -1363)
من مواقف ابن خلدون في الشأن التربوي أنه عقد فصلا حول مسألة الشدة في تربية الأطفال سماه " في أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم". ثمّ أخذ في تحليل كلامه تحليلا نفسيا طريفا في مبناه، غريبا في معناه، لا يقدر عليه إلا من أرهف السمع طويلا لصوت الحكمة، ووقف متمعنا في آفاق التجربة فقال (ابن خلدون: 2/283)
وذلك أن إرهاف الحد بالتعليم مضر بالمتعلم سيما في أصاغر الولد لأنه من سوء الملكة ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر وضيق عن النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه وعلمه المكر والخديعة لذلك وصارت له هذه عادة وخلقا وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمرن وهي الحمية والمدافعة عن نفسه
الصفحة 129
ومنزله وصار عيالا على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها فارتكس وعاد في أسفل السافلين".
إن جذور التفكير النقدي في الممارسات التعليمية في الحضارة الإسلامية راسخة، وتجليات ذلك كثيرة من أهمها المناظرات التي كان التلاميذ يجرونها بين بعضهم بحضور أساتذهم، ووسط إكبارهم لما يفعلون، من
ذلك ما رواه ابن العربي في أكثر من موطن من كتابه قانون التأويل. إن التفكير المستند إلى المشكلات ليس بالغريب عن حضارتنا الإسلامية ويكفي عليه دليلا طبيعة النص القرآني التي ربّي في أحضانها العقــل الإسلامي، فلم يكن محكما كلّه، ولم يخو حقائق جاهزة دائما، بل "منه آيات محكمات، هن أم الكتاب، وأخر متشابهات". وقد تساءل العلماء مـن القديم:
" لماذا المتشابه في القرآن؟ "
وأجاب أكثر من واحد، إجابات تكاد تجمع على المعاني ذاتها، وأضرب على هذه الإجابات مثلا بقول محمد بن أبي بكر الرازي:
((أراد (الله) أن يشتغل العلماء بردّ المتشابه إلى المحكم بالنظر والاستدلال والبحث والاجتهاد، فيُثابون على هذه العبادة. ولو كان كله ظاهرا جليا لاستوى فيه العلماء والجهال، ولماتت فيه الخواطر
الصفحة 230
لعدم البحث والاستنباط فإن نار الفكر إنّها تقدح بزناد المشكلات.» (الرازي، 1990، ص. 56)
وقد ساهم هذا المنهج القرآني في فترات العطاء الحضاري في صناعة عقل إسلامي، ومنهج تربوي كانا مجلبة الثناء من البعيد قبل القريب، فهذا الشاعر الألماني الكبير "جوته " يقول في كلمات تقطر إعجابا :
(إن المسلمين يستهلون درسهم في الفلسفة بمناقشة المبدأ القائل بأنه ما من شيء في الوُجُود لا يُمكن القول بشأنه قولا يخالفه مخالفة النقيض.
وهكذا يُدربون عقول شبابهم عن طريق تكليفهم بالإتيان بآراء تنقض ما يصوغونه لهم من مزاعم، الأمر الذي يؤدي حتما إلى يقظة العقل ولباقة اللسان...
وبعد أن يعثر على النقيض المطلوب لكلّ فكرة مزعومة، ينشأ الشكل الذي يكون في الواقع هو الأمر الصادق مقارنا بكلا الطرفين...» (مومزن، 1990، ص. 176).
سجل ابن العربي موقفا طريفا مع أستاذه الغزالي يكشف رسوخ مبدأ الاحترام للمتعلم في الثقافة الإسلامية بما لم يقدر الخلف أن يصيبوه من أسلافهم بالدرجة ذاتها وبالوعي ذاته، يقول ابن العربي:
الصفحة 231
((فاوضتُ يوما الطُّوسِيَّ (1) في ذكر تأليفه، فأعرض عن بعضها، ثُمّ نظرت في كتاب "المعيار (2) فأعجبني، فاستحسنته، وجئتُ إليه وعلى كُمّي كرّاسة منه، فقال لي: ما معك ؟ فاستحييت ورفعته إليه، فقرأه مليا وأنا أسارقه النظر وأرْفضُّ عرقا، ثم رفع رأسه إليَّ وقال لي:
كتاب حسن، ولكن لا تغتر بمخالفتنا فيه)) (ابن العربي،1990).
وقد كان ما أشار به عليه الغزالي فقد انتقد ابن العربي على شيخه فيه " أغراضا صوفية فيها غلو وإفراط " (ابن العربي، 1987، ص. 106)، بل بلغ تميزه في هذا الشأن حد وضع قانون في المعرفة خاص أشار إليه ابن تيمية بقوله: " وكان للغزالي قانون هو المنطق، أما أبو بكر بن العربي فقد وضع قانونا
الهوامش:
(1) يعني الغزالي، والدليل الصريح يأتي سريعا عند حديثه عن كتاب "معيار العلم" مدار الموقف.
(2) الكتاب "معيار العلم" وهو أحد كتب الغزالي المنطقية اعتنى به كثيرون أمثال سليمان دنیا وأحمد شمس الدين طبع أكثر من طبعة من ذلك طبعة دار الكتب العلمية سنة 1990.
232 الصفحة
آخر مبنيا على طريقة أبي المعالي ومن قبله كالقاضي أبي بكر الباقلاني". (1)
(ابن تيمية، 1391هـ ابن خلدون، د.ت.: ص.326 -327)
فثقافتنا لا تختلف عن أي ثقافة أخرى آمنت بحق الاختلاف، وتربيتنا تلتقي دون أي تكلف مع كل المرجعيات التربوية التي ترى بأن الاختلاف طبيعي بل وضروري، ولذلك تجد نفسها فيما قاله دوركايم في كتابه "Education et sociologie" عندما اعتبر أنّه "من دون حد أدنى من الاختلاف، فإنّ كلّ تعاون يُضحي متعذرا" (102.p,1963,Durkheim).
الهوامش:
(1) هو محمد بن الطيب بن جعفر بن القاسم المعروف بالباقلاني البصري المالكي، رأس المتكلمين في عصره، صنف التصانيف الشهيرة كشرح الإبانة والتقريب والإرشاد وإعجاز القرآن، توفي سنة 403 هـ. انظر شجرة النور الزكية:92.
الصفحة 233
إستراتيجيات التدريس
نعني بالإستراتيجية في معناها العام "تطبيق مجموعة من الإجراءات لإنجاز شيء ما «(Rinaldi, 2014). وقد عرّفها (De Villiers) بأنها "فن تخطيط مجموعة من العمليات وتنسيقها لتحقيق هدف" (2015 ,Souhila).
أما إستراتيجية التدريس فقد عُرّفت تعريفات كثيرة منها:
" وصف لكلّ. من أسلوب التعليم والمواد المستخدمة في عملية التعليم " ( & Weston
1986,Cranton القاسم والشرفي، 1426هـ).
أو هي "عملية أو مجموعة عمليّاتٍ تُصمَّم لاستخدام المصادر وتنظيم العناصر الأساسيّة في عمليّة التدريس". (2001 ,oliva & Pawlas القاسم والشرفي، 1426هـ)
واخترتُ أن أتبنّى تعريف الكَنَدِي لوجندر لوضوحه، وقد فرّق في معجمه بين الطريقة والإستراتيجية والوسيلة على النحو التالي (Legendre, 1988):
- طريقة التدريس هي كيفية تنظيم نشاط تعليمي، من أجل جعل الطلاب يتعلمون. نقول على سبيل المثال: إنّ "المحاضرة" و"فريق العمل" هي طرق تدريس.
وسوف تدرك بسهولة، بناء على ما مرّ من تعريف، أن الطريقة تستبعد النزوة، والارتجال، والصدفة، على
الصفحة 237
الرّغم من أنها يمكن، وربما يجب عليها (أي الطريقة المعتمدة)، أن تترك لتلك العناصر مكانًا معينا، لأنّ الواقع يُعلّمنا أنه من النادر أن يسير كل شيء في الدرس كما خُطط له....
- الوسيلة التعليمية هي وسيط يُستخدم للمساعدة ولجعل طريقة التدريس فعالة بأكبر قدر ممكن. وكثيرًا ما يخلط النّاس بين وسيلة التدريس وطرق التدريس. إن وثيقة بوربوينت مثلا، أو مقطع الفيديو، أو الوثيقة المكتوبة، أو البرمجية الإلكترونية هي مجرّد وسائل تعليمية، ويجب استخدامها فقط كوسيلة لجعل الطريقة أكثر فعالية وليس لتقوم مقامها.
ونحن إذا استعملنا هذه المصطلحات في هذا الكتاب، إنما نستعملها بهذه الدلالات المبينة سابقا، غالبا، وقدر الإمكان، دون أن تعفي أنفسنا من شيء من التداخل الواعي أحيانا، سببه ما في طبيعة الجانب الاصطلاحي من تداخل، بسبب الاختلاف في التقدير من لدن الواضع للاصطلاح، ولكن كذلك بسبب التقاطع الطبيعي بين المصطلحات وعدم القدرة على رسم حدود واضحة ونهائية بينها.
الصفحة 238
وتُستخدم الإستراتيجية لعدد من الأهداف أهمها (1976 ,smith ; عـن القـاسم والشرفي، 1426هـ):
ويمكن أن نعتبر الإستراتيجية التعليمية نمطا يتفق عليه كل من المدرّس والمتعلّم، يتبعه المتعلم بإشراف المدرّس أو بدونه، بهدف اكتساب معرفة أو مهارة أو تغيير سلوك، لتتحقق الأهداف التربوية للوصول لمستوى أفضل.
ومن مواصفات الإستراتيجيات الناجحة:
الصفحة 239
موجهات مساعدة على اختيار الإستراتيجية التعليمية المناسبة:
يمكن أن نضع لهذه الموجّهات أُسسًا أربعة، سيكون لها الأثر الكبير على إعداد
الممارسات التقويمية وإدارة المحتويات التعليمية واستثمار الموارد الرقمية وحتى في اختيار نموذج الصف وكيفية توزيع الطلاب فيه (Comité de développement
Pédagogique, 2016):
يُعرف الإبداع اليوم على أنّه القدرة على ابتكار حلول جديدة للمشاكل. ولا يمكن للمتعلّم أن يحل المشكلات، إلا إذا امتلك القدرة على أن يشعر بها، ثم أظهر براعة في كيفية إنشاء روابط بين الأشياء، حتى تلك التي يتوهم الناظر، في الوهلة الأولى، أن لا رابط بينها.
ومن المهم، تعزيزًا للتفكير الإبداعي لدى المتعلمين، وضعهم في مواجهة المواقف المركبة، وتطوير موارد "مكتباتهم الداخلية"، واستثارة خيالهم، والموافقة على تقاسم قيادة مسار الدرس معهم.
عندئذ يكون المدرّس قد أدى دوره التدريبي بالكامل: مرافقا لعملية التعلم، بدلاً من أن يكون مجرد مراقب للنتائج النهائية.
إن من أهم التحديات التي يطرحها العصر بظروفه الجديدة وحركة المعرفة فيه، أن يكون التعلم الذي يقوم به الطلاب اليوم مستداما.
الصفحة 240
وللطالب دور فعال في الاتجابة لذلك التحدي، وعليه أن يتحمل مسؤولياته في ذلك كمتعلّم.
ولكن على المدرس كذلك من خلال الأدوار التي يلعبها والخيارات التربوية التي يأخذها، أن يوفّر أسباب الاستدامة لهذا التعلم.
وما تؤكده النتائج التي توصلت إليها أبحاث الدماغ الحديثة، أن تنمية الكفايات والإستراتيجيات التعليمية التي تثير ممارسات فوق معرفية، من شأنها أن تُعمّق الممارسات التعلمية الناجحة والمستدامة.
إنها التفكير الذي يمتلك القدرة على تحديد مشكلة، وتحليلها، وإيجاد حل لها، وتقييم أثره.
وهو التفكير الذي يمتلك القدرة على الملاحظة، والتأمل، وردود الأفعال المناسبة، كفرد أو كعضو في مجموعة.
وهذا يتطلب مهارات كبيرة في القراءة والكتابة، والتفكير التحليلي، والتفكير النقدي، والقدرة المتطورة على التأليف والاستنتاج.
التعلم عمل مثير ومحفز، ومع ذلك، فإن تطوير المهارات يتطلب من المتعلم أن يبذل جهودا، ويُثبت القدرة على الالتزام بمهامه وعملياته،
الصفحة 241
ويُظهر الإصرار في مواجهة الصعوبات. فإذا نجح في تحقيق ذلك، فإنّ ما يتعلّمه سيبقى أثره لفترة طويلة، إن لم يكن دائما. ولذلك، فإنّ المثابرة موقف أساسي يجب على المدرّس من خلال دوره كمدرب ومرافق، أن
يحاول تطويره لدى التلميذ.
المبادئ التدريسية التي تحكم اختيار الإستراتيجيات:
المبادئ هي النوايا التربوية الكبرى التي ينبغي أن توجه المدرّسين في اختيارهم لإستراتيجيات التدريس وطرقه. وقد تم اختيار هذه المبادئ نتيجة
البحث والخبرة في أفضل الممارسات في مجال التربية والتعلم (2016, CDP)، وهي:
الصفحة 242
الاتجاهات الحديثة للتدريس
نطرح مفهوم الاتجاهات الحديثة للتدريس في إطار تحديد الموجهات العامة للتفكير في إستراتيجيات التدريس واختيار التقنيات المناسبة. وإنّ الناظر في خارطة المفاهيم التربوية الفاعلة في مدرسة القرن الحادي والعشرين، وفي الطرائق والإستراتيجيات المهيمنة، سيدرك سريعا أن بينها خيطا ناظما يمكن أن تُرسم ملامحه في الأمور الخمسة التالية:
يؤكد التربويون منذ عقود على ضرورة الانتقال من الاهتمام باكتساب المعارف والمفاهيم التي تشكل البنى المعرفية الدنيا، إلى الاهتمام بالعمليات التفكيرية العليا التي تشكل النتاجات التعلمية الأكثر دوامًا في المتعلم، والتي يمكن انتقالها من موقف إلى موقف آخر باعتبارها مهارات محورية مكتسبة وغير قابلة للنسيان. كما أنها تشكل الاستثمار الأمثل الذي يجب أن ينصرف إليه الاهتمام في تربية الإنسان المتعلم.
من هنا بدأت الدوائر العالمية المهتمة بالتربية العلمية تتخذ خطوات إجرائية وعملية نحو تنمية آليات التفكير العلمي وأدواته، بطريقة تسمح للمتعلمين بامتلاك المهارات الكافية التي تصنع منهم متعلمين مدى الحياة.
الصفحة 243
كما بدأت تؤطر لمفاهيم جديدة في التربية مفادها "عدم الاهتمام بالمعار الجامدة على حساب المعارف المرنة"، حيث تُشكّل الأولى البنى المعرفية للموضوعات الدراسية، في حين تشكل الثانية العمليات التفكيرية العلـ وبدأت هذه المفاهيم تتجدّر في كلّ من الفكر التربوي وما ينبثق عنه سلوك.
ومن المسوغات التي تسند هذا المنهج وتؤيده، ما أكدته الدراسة العلمية من أن:
الصفحة 244
اختلف بعضها عن بعض. وهو ما من شأنه أن يحقق لدى المتعلمين تناسقاً في مداخلهم للتعلّم، حتى يصلوا إلى درجة من الالتزام في تطبيق هذا المنهج في مواقف حياتية عديدة.
2-تنمية التعلم بالاكتشاف
الدعوة إلى مساعدة الطلاب على اكتشاف الحقائق وتعميمها على الظواهر المشابهة مفهوم ليس بجديد على التربية وقد عرفه العلماء والمفكرون على مدى التاريخ: فقد عرف سقراط بطريقته التوليدية في حواراته التعليمية، فكان يوجه سلسلة من الأسئلة المتتابعة للمتعلم ليجيب عنها، ومن خلال إجاباته يكتشف ما قد وقع فيه من أخطاء ويطوّر أفكاره ويعدلها.
وكثيرا ما نادى جان جاك روسو المدرّسين أن يُتيحوا للمتعلم الفرصة ليدرك الحقيقة بنفسه، وأكد سبنسر على أهمية توجيه الأطفال ليقوموا بالاستفسار والاستنتاج مع مدهم بأقل قدر ممكن من المعلومات التي تثير اهتمامهم وتمكنهم من اكتشاف الحقائق بأنفسهم، ولذلك فقد اتبع طرق التدريس الاستقرائية التي تبدأ من تتبع الحالات الخاصة وصولاً إلى الأحكام العامة.
وقد عرف الاكتشاف تعريفات كثيرة منها:
1967, Their).
الصفحة 245
1961)
وأما التعليم بطريقة الاكتشاف فقد عُرّف (1973 ,Sund & Trowbridge) بأنه تصميم الدرس بحيث يستطيع المتعلّم أن يكتشف المفاهيم والمبادئ العلمية
باستخدام عمليات عقلية خاصة مثل الملاحظة والوصف والتصنيف.
أو هو الطريقة التي تضع المتعلّم في موقف استقصائي، فيفترض الفروض، ويضع خطة التجارب التي تمكنه من التحقق من صحة هذه الفروض بمفرده أو مع آخرين، وهذا يتوقف على توجيه المدرس داخل الفصل.
وهو، في المقام الأول، لا يستهدف نقل المحتويات، وإنما يعمل على تقويم نتائج تعليمية ذات مغزى، وتعويد الطلاب على تقنيات حل المشكلات وعلى تقدير المنهج العلمي، والوعي بمصادر المعرفة وهو في الوقت نفسه يساعد على التحقق من أن الطلاب الواعدين يفهمون حقا فكرة مجردة معينة ولا يقتصرون على حفظها فقط. (1982 ,Ausubel)
ومن خلال المفاهيم السابقة يتضح أن الطريقة الاكتشافية (الاستقصائية) في التدريس تعتمد على استخدام الملاحظة العلمية باستخدام الآنشطة التي تساعد المتعلمين على أن يتوصلوا إلى المعرفة بأنفسهم.
وهذه الطريقة تتيح للطالب الفرصة للتفكير المستقل في المشكلات التي تعترضه، والحصول على المعرفة بنفسه، وهى تضعه في موقف المكتشف والمبادر، وليس مجرد المنفذ. فالمدرّس في مثل هذه الطرائق النشطة، يضع
الصفحة 246
المتعلمين أمام مشكلات تحتاج إلى حلّ ويدعوهم إلى أن يخططوا بأنفسهم لحلها من خلال أنشطتهم الذهنية والعملية.
ويمكن أن تجمل أهداف التعلّم بالاكتشاف في النقاط الأساسية التالية:
3-إعداد المتعلمين للمشاركة الفعالة في الاقتصاد المعرفي:
يُشكّل الانفجار المعرفي والانتقال من الاقتصاد الكلاسيكي إلى اقتصاديات المعرفة محركين أساسيين لعمليات التغيير التربوي التي يشهدها العالم المعاصر، إذ فرضا نمطًا جديدًا من أنماط الأهداف التربوية وكفايات تلك الأهداف المرتبطة بالعمليات والتي تحقق ما يُسمّى
الصفحة 247
التعلم مدى الحياة، ومن هنا برزت أهمية التحول التربوي نحو تنمية الكفايات لدى المتعلّمين بطريقة تكسب المتعلمين القدرة على استثمار المعرفة وإنتاجها والتعامل معها بوعي، ومن هذه الكفايات الأساسية كفاية إنجاز مشروع وإدارته (۱).
وعموما، ينبغي أن توفّر الإستراتيجيات والتقنيات المعتمدة إطارا للتعامل الإيجابي والفعّال مع تحديات الاقتصاد المعرفي من خلال الاهتمام بعدد من المفاهيم والمهارات تترجم في أسلوب:
الهوامش:
(1) يُمكن الرجوع إلى تفصيل هذه الكفاية في كتابنا الموسوم بالموسوعة الشاملة للتعلم بالمشاريع.
الصفحة 248
يرتكز التعلم الحديث على الاعتبارات النظرية التي تُعلي من شأن الطرائق التي يتم وفقها تحصيل المعرفة وإنتاجها وتداولها، ولا تكتفي بالمعارف في ذاتها. ويؤدي ذلك إلى التحول نحو الممارسات المعتمدة على الطرائق ، مما يُكسب الفرد مهارات دائمة تلازمه طيلة حياته، بدل إكسابه البنى المعرفية التي لا تلبث أن تتلاشى بالنسيان أو التقادم. ومن أهم الأسس التي يستند إليها هذا المنهج:
الصفحة 249
الصفحة 250
5 -صناعة الاتجاهات الإيجابية لدى المتعلمين:
يعمل التعلم الفعال بقوة على تكوين الاتجاهات المرغوب فيها لدى المتعلمين سواء عن طريق الخبرات والمداخل التدريسية التي يتضمنها هذا النوع من التعلم، أو عن طريق المدرّسين القائمين على إدارة أنشطة البرنامج، باعتبار ما يوفرونه للمتعلمين من قدوة في تفكيرهم وسلوكهم وأنماط تعلّمهم وطرائقهم في التعامل مع القضايا.
ومن أبرز الاتجاهات التي يعمل التعلّم في مناهجه الحديثة على إكسابها للمتعلمين ما يلي:
الصفحة 251
ومما يجب التأكيد عليه في الأخير، أنّ تنمية الاتجاهات والقيم والعادات الإيجابية في أي برنامج تعليمي، مثلها مثل أي جانب آخر من جوانب
خلال السلوك، تحتاج إلى وقت فهي لا تتم بين عشية وضحاها، أو . من درس واحد أو عدد محدّد من الدروس، إذ لابد من توفير خبرات متعدّدة ومتنوعة ومستمرّة تهدف إلى تنمية الاتجاهات المرغوب فيها، ولابد من
الصفحه 252
إعطاء النماذج الحية للمتعلمين لمساعدتهم على نمذجة هذه الاتجاهات والميول والعادات والقيم والعمل على تمثلها والاستفادة الشخصية منها. وإتاحة فرص تعلّم تساعد على استنبات هذه القيم، وبناء هذه العادات، وتعود المتعلمين على التفاعل الحي مع المشكلات التي لها تعلق بهذه القيم والاتجاهات، مما يجعل الدروس المحصلة في الأخير أكثر عمقا وأوضح أثرا.
الصفحة 253
خصائص نمو الطفل
لا يمكن للمدرس أن ينجح في عمله التعليمي إذا لم يملك حدا أدنى من المعرفة بخصائص نمو الطفل في كل مرحلة من مراحل عمره، وقدرًا من القواعد التي تساعد على اختيار الآنشطة وتحديد الإستراتيجيات وتقنيات التنشيط المناسبة لكل مرحلة من المراحل العمرية التي يمر بها المتعلّم خلال حصص التعلّم المختلفة.
فالمدرّس المحترف هو الذي ينوّع في مواقفه التعليمية من حيث أسس بنائها وطبيعتها من مرحلة تعليمية إلى أخرى، ويختار الإستراتيجية التي تفي بحق تلك المرحلة وتناسب احتياجات المتعلم فيها:
الصفحة 255
ومن سمات الموقف التعليمي المتميز أن يضع المتعلّم أمام سلسلة من القرارات التي عليه أن يتخذها لبلوغ هدف اختاره بنفسه، وأن يتسم بشيء من الصلابة والتمنع، ويُظهر بعض المقاومة الكافية لحمل المتعلّمين على استنفار معارفهم وتعبئة مكتسباتهم السابقة، حتى يُوَلّدوا آراء ومواقف جديدة.
المرحلة الابتدائية الأولية (من 6إلى 9 سنوات):
خصائص النمو في هذه المرحلة:
هي مرحلة طفولة متوسطة، وهي مرحلة هامة في حياة الطفل، ونقطة تحول اجتماعي هام في حياته، إذ ينتقل من محيط الأسرة إلى محيط المدرسة التي تعتبر مجتمعا جديدا عليه، له متطلبات جديدة تفرض عليه سلوكاً واستجابات وعلاقات معينة، وأخذ وعطاء من نوع جديد فتتسع مجالاته الاجتماعية، وتنمو علاقاته وتتحدد ضوابطه الاجتماعية التي تحكم وتنظم السلوك الاجتماعي الجديد.
يتميز الأطفال في هذه المرحلة بالحيوية والنشاط، وإذا فرضنا عليهم الجلوس في غرفة الصف والقيام بأعمال لا يميلون إليها، فإنّهم يصرفون طاقتهم على هيئة عادات عصبية مثل قضم الأظافر ومضغ الأقلام وبرم الشعر والتململ (الفنيش،1991).
الصفحة 256
وتزداد حاجة الطفل في هذه المرحلة إلى الاستطلاع والسعي للتعرف على بيئته، وكثيرا ما يسبب الضيق للكبار من كثرة سؤاله عن الأشياء؛ ثم يتحول السؤال إلى الحل والتركيب، وهو يميل للعب بالأشياء التي يمكنه تشكيلها كالصلصال والرمال، واللعب الإيهامي مثل: الاختباء وغيرها.
حاجات المتعلم في هذه المرحلة:
توصيات لمراعاة خصائص النمو لدى الطلاب في هذه المرحلة: (عوض،1999)
الصفحة 257
المرحلة الابتدائية العليا (من 9 إلى 12سنوات):
خصائص النمو في هذه المرحلة:
إن لجماعة الأقران في هذه السِّنّ تأثيرًا كبيرًا على المتعلم، لدرجة أنها تحلّ محلّ الراشدين كمصدر رئيس للسلوك (القنيش (1991). ففي هذه المرحلة يتجه التلميذ إلى زمرة من الأصدقاء ويحب الاندماج فيها والالتزام بقوانينها وعاداتها وقيمها. وبذلك تصبح الزمرة ذات تأثير بالغ على تفكيره، وتُعدّ العامل الأول لمسايرته المجتمع وانخراطه في أنشطته وفعالياته، وهذه هي الخطوة الأولى للتنشئة الاجتماعية.
وفي هذه المرحلة يهتم الطفل بمظهره، ويميل للخير ومعاونة الضعفاء، ولكن ليس حبا في الخير، ولكن لأنه وسيلة تمهد له نوعا من الانتماء وتتيح له موقعا خاصة بين أفراد زمرته التي يبحث لنفسه. عن مكانة فيها وأدوار يؤدّيها، وبذلك يُشبع حاجته إلى الانتماء.
الصفحة 258
حاجات المتعلم في هذه المرحلة:
1-الحاجة إلى التقدير الاجتماعي، والحرية والاستقلال.
2-الحاجة إلى احترام الذات.
توصيات لمراعاة خصائص النمو لدى الطلاب في هذه المرحلة:
الصفحة 259
المرحلة الإعدادية (من 12إلى 15سنوات):
خصائص النمو في هذه المرحلة:
يتميز متعلّم هذه المرحلة (بداية المراهقة) بميزات خاصة من أهمها (الفنيش،1991):
حاجات المتعلم في هذه المرحلة:
تتمثل أهم حاجات متعلم هذه المرحلة فيما يلي:
1-الحاجة إلى الأمن والاطمئنان.
2-الحاجة إلى الثقة بالنفس.
الصفحة 260
3-الحاجة إلى التقدير من الآخرين.
4-الحاجة إلى التقبل من المجتمع.
5-الحاجة إلى الفهم الصحيح للجنس الآخر.
6-الحاجة إلى المعرفة.
7-الحاجة إلى تحمل المسؤولية.
8-الحاجة إلى الارتباط بالمثل والقدوة.
9-الحاجة إلى الانتماء والولاء.
توصيات لمراعاة خصائص النمو لدى الطلاب في هذه المرحلة:
الصفحة 261
المرحلة الثانوية (من 15إلى 18 سنوات):
خصائص النمو في هذه المرحلة:
يتميز متعلم هذه المرحلة بالخصائص التالية (الفنيش،1991):
1-الإحساس بأنه عضو في مجتمع الكبار، وحرصه على أن يكون مقبولا لـهذا المجتمع.
2-نضوجه الفكري والثقافي يدفعه -أحيانا -إلى الوقوع تحت مؤثرات ثقافية توقعه في الصراع والشك في قناعاته.
3-تصوره لمفهوم السلطة يدفعه أحيانا إلى التمرد.
4-تتجمع لديه تساؤلات حادة حول جميع أمور حياته.
حاجات المتعلم في هذه المرحلة:
تتمثل أهم حاجات المتعلم في هذه المرحلة فيما يلي:
الصفحة 262
توصيات لمراعاة خصائص النمو لدى الطلاب في هذه المرحلة:
الصفحة 263
التعلم التعاوني
يُعتبر التعلم التعاوني بما يتيحه من فرص التفكير الجماعي، والتفاعل بين الأقران، والنزاعات العرفانية الاجتماعية، إحدى أهم إستراتيجيات التعلم التي لم تتوقف عن التطوّر من تيار تربوي إلى آخر.
وهو معنى نجد له جذورًا في ثقافتنا التربويّة العربية فيما يؤكده ابن سينا من أنّ
الأقران يأخذون عن بعضهم بعضا، ويتأثرون ببعضهم بعضا فيقول:
" وَيَنْبَغِي أَن يكون مَعَ الصَّبِي في مكتبه صبية من أولاد الجلة حَسَنَة آدابهم مرضية
عاداتهم فَإِن الصَّبِي عَن الصَّبِي ألقن وَهُوَ عَنهُ آخذ وَبِه آنس. " (ابن سینا، 2007، ص.85)
ويؤكد ابن سينا على حاجة المتعلّم إلى أن يحادث زملاءه لأن ذلك عامل مساعد على شحذ العقل وتفعيل التفكير وحسن الفهم:
"ثم يحادث الصبيان، والمحادثة تفيد انْشِرَاح العقل، وتحلّ مُنْعَقد الْفَهم، لأَن كل وَاحِد من أُولَئِكَ إِنَّما يتحدث بأعذب ما رأى، وَأَغْرب ما سمع، فتكون غرابة
الحديث سببا للتعجب مِنْهُ، والتعجب مِنْهُ سَببا لحفظه وداعيا إلى التحدث به".
ولا يقصر تعلّم الأقران على الصف وحده، بل هو يستمر أثره حتى خارجه، بل خارج المدرسة كذلك، وفي ذلك يقول:
الصفحة 265
"ثم أنهم يترافقون ويتعارضون الزِّيَارَة ويتكارمون ويتعاوضون الحقوق وكل ذلك من أسباب المباراة والمباهاة والمساجلة والمحاكاة وَفِي ذَلِك تهذيب
لأخلاقهم وتحريك لهممهم وتمرين لعاداتهم".
1-تعريف التعلم التعاوني:
هو هيكلية تنظيمية أو خطة تعليمية تقوم على:
ويُستنتج من هذا التعريف أن من مقتضيات التعلم التعاوني (جونسون وآخرون،1991):
الصفحة 266
(أنظر الشكل 5 الموجود في الصفحة 267 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الصفحة 267
2-الحاجة إلى التعلم التعاوني:
التعلم في مجموعات تقنية من التقنيات التي أصبحت ملحة على العمليات التربوية في هذ العقود الأخيرة خاصة بعد ولادة مفاهيم مثل "التفاعل الاجتماعي المعرفي" أو "حيوية المجموعات"، وزادها تأكيدا متطلبات "البيداغوجيا الفارقية" عندما أعلنت عن الحاجة إلى "مجموعات دعم" ما كان منها خاصا بالقسم الواحد وما كان عابرا للأقسام.
وأماً عمل الأساتذة في فرق، فقد أغنتنا الحاجة التي فرضتها المسؤوليات الجديدة المطروحة على الأستاذ والتي تنوء بحملها ذمّة أستاذ واحد عن كل عملية تبرير: فإعداد "الوضعيات" المتجددة والمتنوعة التي تتطلبها العملية التربوية الحديثة في إطار "الفارقيات" أو "الكفايات"، وتوفير الجذاذات "التقييمية" سواء ما كان منها "تشخيصيا" أو "تكوينيا" أو "تحصيليا"، وغير ذَيْنك من متطلبات التربية الحديثة هي أمور لا يقدر أستاذ واحد مهما تعددت مواهبه، وصدقت نيته على النهوض بها، وحده، ومن هنا جاءت ضرورة أن. يجتمع الأساتذة في فرق "آحادية الاختصاص " أو "متعدّدته " حتى يقدروا على مواجهة هذه التحديات في كثير من الكفاية والاقتدار...
في هذا الإطار تتحدث هذه الوثيقة الموجزة، هادفة إلى الإثارة وطرح الأسئلة على عادة البدايات، مع اقتراح الحد الأدنى من التقنيات التي يمكن أن تكون أرضا للتأسيس، وربّما للدعم بالنسبة لأولائك الذين ساقتهم مبادرتهم إلى أن يخوضوا التجربة من أنفسهم، وكثير ما هم...
الصفحة 268
3-تعريف العمل في مجموعات:
"العمل في المجموعات" هو محاولة لوضع التلميذ في مواقف و"وضعيات" بناء ذاتي للمعرفة، وذلك بجعله نشطا وفاعلا خلال عملية التعلم. وهو ما يقتضي الانطلاق من "حقيقة" التلميذ وواقعه عبر جملة من الآليات التي تكفل تنوعا في الإجابات تناسب الفروق الكثيرة بين الطلاب.
بينما يلحظ فيه "فيليب ماريو " ملحظا آخر، لأنه يعني بالنسبة إليه وضع الطلاب في وضعية تعلم جماعي، لأن التعلم ليس مجرد تلق للمعلومة (10٪ فقط يتعلمون جيدا بمجرد الإنصات) ولكنه كذلك، وأهم من ذلك معالجة تلك المعلومة لامتلاكها. (Meirieu, 1987)
وقد بينت الدراسات أنه عندما تتوفر في مجموعتين نفس الشروط بحيث لا تختلفان إلا في طريقة العمل، فإن الأطفال الذين يشتغلون جماعيا يحققون تقدما أكبر من الذي يحققه المشتغلون فُرادى. وليس سبب ذلك اقتداء بعضهم ببعض، بل إنّ الاختلاف في وجهات النظر يجبر الأفراد على إعادة تنظيم تصوّراتهم المعرفية، وبذلك تنتج حركية العمل الجماعي تقدّمًا معرفيا فرديا. (Perret-Clermont, 1979; Doise
Mugny, 1981&)
فالمسألة، وفق هذا الطرح، تأخذ "طبيعة اجتماعية في المقام الأول"، لأن كل واحد سيحاول إثبات وجهة نظره أمام الآخر، ومن هنا جاءت عبارة "النزاع الاجتماعي العرفاني" وتستمد هذه المواقف والمقولات روحها من تيارين أساسين:
الصفحة 269
Clermont, 1979; Doise & Mugny, 1981)
4-مجموعات المتعلمين:
يتعلق "التعلم في مجموعات" بمجموعات طلاب لا تصل في عدد أفرادها إلى حد تكوين فصل بالمعنى العادي للكلمة وتنبثق هذه المجموعات سواء عن طريق تقسيم الفصل إلى عدد من الأجزاء الصغرى، أو عن طريق ضم طلاب لا ينتمون عادة إلى نفس الفصل.
وقد أريد للمجموعة أن تكون فضاة لتعويد الطلاب على المخاذ القرار، وبالتالي فهي مساحة لتحمل المسؤولية وللترشد الذاتي. كما توفّر المجموعة الآلية التي تنخرط فيها جهود الجميع للبحث والإبداع والابتكار، وبذلك تصبح "منظومة" قادرة على تفعيل القدرات الكامنة وعلى تعديلها في آن.
الصفحة 270
5-أهداف العمل في مجموعات:
يساعد العمل في مجموعات على تجاوز جملة من المعوقات مثل:
الصفحة 271
6- أسس العمل في مجموعات:
يقوم العمل في مجموعات على مجموعة من الأسس، أهمها:
الصفحة 272
وذلك من خلال:
ومن شأن هذه الطريقة في التحليل أن تُسهم في بناء شخصية الطلاب لأسباب ثلاثة على الأقل:
الصفحة 273
7-أوقات العمل في مجموعات:
يمكن أن يلجأ المدرس إلى إستراتيجية التعلم التعاوني في كل وقت:
الصفحة 274
8-إستراتيجيات لإدارة المجموعات:
هناك أكثر من إستراتيجية لإدارة المجموعات لا يمكن استيفاؤها في مثل هذا السياق، ولكن سنقتصر هنا على بعض ما كثر استعماله وظهرت فعاليته، مع الإشارة إلى أنها في تنوعها قابلة لأن تتناسب مع اختلاف الفصول والظروف التي يُنفّذ فيها المدرّس أو الطلاب نشاطهم أو درسهم. كما نشير إلى أن الوقت المقدّر لكل مرحلة نسبي يُحدّد المدرس والتلميذ بحسب عدد العناصر وطبيعة المسائل المطروحة.
1 -إستراتيجية 1 .2 .4 .8 .16
وهي إستراتيجية صالحة جدا لفصل ذي طاولات ثابتة يعسر نقلها، وعدد من الطلاب كبير. ويمكن رسم ملامحها من خلال الخطوات التالية:
الصفحة 275
2-الإستراتيجية الكلاسيكية لتجميع الطلاب في خمسة أو ستة أفراد:
الصفحة 176
3-إستراتيجية السفير:
4-إستراتيجية "فيليبس6، 6 VanGundy, 2005) "Philips)
"فيليبس" هو اسم مبتكر هذه الإستراتيجية، و6، 6 تعني 6مشاركين مدة 6 دقائق. وتقوم هذه الإستراتيجية على الأسس التالية:
الصفحة 177
5 -إستراتيجية المحادثة:
6- إستراتيجية العينة:
إستراتيجية "العينة " هذه مجدية جدا في تعليم الطلاب أن يُنصتوا إلى بعضهم البعض، وأن يتحكموا في وقت تدخلاتهم، وأن يستدلوا على أفكارهم. وتقوم
هذه الإستراتيجية على الأسس التالية:
الصفحة 278
7-إستراتيجية العصف الذهني:
هي إستراتيجية هامة لإثارة الخيال والابتكار ولذة الاكتشاف، ولتنشيط الذاكرة. وتقوم على الأسس التالية:
الصفحة 279
(أنظر الشكل 18 الموجود في الصفحة 280 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الصفحة 280
9-وسائل عمل مساعدة:
بإمكان الأدوات مهما كانت بساطتها أن تُضفي مسحة من الحيوية على حصة الدرس، وأن تثير معاني جديدة في نفوس المتعلمين، ولكن بشرط أن تكون مناسبة الأهداف الدرس، مساعدة على تحقيقها، وأن تأتي في الوقت المناسب وبالقدر
المناسب. والأكيد أنها تختلف في طبيعتها باختلاف الفئة المستهدفة.
وقد اصطفينا لك في هذا المقام نماذج تساعد على تنظيم مسارات الحصة، وعلى وعي كل طرف بدوره. وبإمكانك أن تبتكر – قياسا عليها – ما لا ينتهي من الأدوات والوسائل
(أنظر الأشكال الموجود في الصفحة 281 و282 و283 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الصفحة 281
فريق المدرسين أو التعليم التعاوني
العملية التربوية والتعليمية أعمق وأشدّ تركيبا من أن ينهض بها فرد واحد مهما كانت مهاراته، وهي حقيقة مسلّمة بالنظر إلى طبيعة الإنسان المربى في حالي تفرّده واجتماعه مع نظرائه، وتزداد تأكدًا كلّما ازدادت الحياة تركيبا، تراكمت التحديات التي تعرفها الحياة الحديثة بكل أبعادها ومستجداتها.
ومن هنا يأتي التفكير في الفريق التعليمي أو ما سمّيته "التعليم التعاوني" لتوفير إحاطة تربوية مركبة على قدر تركيب العملية التعليمية وما تطرحه من مشكلات.
ويأخذ التعليم التعاوني بعدًا آخر في ظلّ فكرة "المشاركة " التي تتبوأ مكانة متميزة في التنظير الاجتماعي الحديث، ويرتبط إلى قدر كبير بمفهومي المشروع التربوي والمشروع التعليمي اللذين يحتاجان تضافر جهود أطراف متعددين من داخل المدرسة ومن خارجها.
1-تعريف الفريق:
نعني بالفريق عددا من المدرّسين لا يقل عن اثنين ينتميان إلى الاختصاص نفسه أو اختصاصات مختلفة، تجمعهم غايات موحدة تتعلق بالطلاب أو المنهج أو المحتوى المعرفي أو الحياة المدرسية أو التقويم ويتفقون على مشروع أو خطة عمل موحدة لتحقيق ما اجتمعوا من أجله تشخيصا أو تطويرا أو كليهما معا.
الصفحة 285
والفريق ليس غايةً في حدّ ذاته، بل هو وسيلة لتحقيق أهداف أعمق تتعلق باهتمامات تُوحّد أصحابها. وليس من شأن الفريق الناجح أن يكون:
الصفحة 286
الذي يرعى التوازن داخل المدرسة أو التخصص. (1987,Meirieu)
فضاء متعدد الأبعاد: تُتحمّل فيه المهام، وتتخذ فيه القرارات، وتراجع فيه المواقف، وتنمى فيه المهارات، ويُصنع فيه التغيير والتغير والتجديد.
2-من السمات الأساسية للفريق:
3-الفريق والمشروع التعليمي أو التربوي:
من الناحية العملية الفريق والمشروع كلمتان قريبتان فمن الصعب تصوّر فريق دون
مشروع، وإن أمكن تصوّر العكس، ويمكن أن ترسم ملامح العلاقة بين المشروع والفريق من خلال النقاط التالية:
الصفحة 287
4-معوقات وحلول:
من شأن الفريق أن يقع في معوقات بعضها يتعلق بالعلاقات والتواصل، وبعضها بالموارد، وبعضها الآخر بالانضباط والالتزام بخطة العمل..
وكثيرا ما يتصور الناس أن الاختلاف سبب طبيعي للوقوع في المشاكل، والحقيقة أن المشاكل لا تأتي من الاختلاف، لأنّ الاختلاف عامل دفع وحيوية في الأصل، وبعض الدراسات تؤكد أنه كلما كنا متماثلين ثقافيًا أو إيديولوجيا كلما كنا أقرب إلى التنازع. وإنّما تأتي المشاكل عندما لا يملك أعضاء الفريق القدرة على التعايش رغم الاختلاف.
ومن الطبيعي أن تكون بدايات العمل داخل الفريق حذرةً، وهو أمر راجع إلى عوامل نفسية، ولا يصبح معوقا حقيقيا إلا إذا استمر أكثر من اللازم، فلا بد عندها من اتخاذ القرار المناسب حتى يتحقق الانطلاق ويبدأ العمل الفعلي.
كما أن البدايات قد تكون حادة في بعض الأحيان، إذ في البداية يكون كل واحد مندفعا للتشبث برأيه، حريصًا على أن تطبق طريقته( 1992، Marion). وهنا يأتي. وهنا يأتي دور منسف الفريق حتى يسهل عملية التواصل، ويساعد فريقه على الاستفادة من كل المقترحات.
الصفحة 288
ومن غريب ما تقع فيه الفرق في أحيان كثيرة، غلبة العواطف على المعرفة، وذلك حين تولد فرق يتعايش أعضاؤها مجاملة وتغيب الإنجازات بل تُجتنب خوفًا من الوقوع في المشاكل، وفي مثل هذه الحالات، تنقلب الفرق إلى هدف في ذاته وتغيب الفعالية وتغلب البروتوكولات والشكليات.
5-التنظيم روح الفريق:
يتعلق التنظيم بمستويات ثلاثة:
1 -العلاقات بين الأعضاء سير الاجتماعات توزيع المهام والأدوار.
2 - الآنشطة من حيث كيفية تنفيذها وتوقيتها وتوزيعها الزمني.
3- المحتويات وأنواع المضامين (تعلّمية - تربوية...).
ومن السمات الضرورية التي تكفل نجاح هذا التنظيم:
1 - أن يكون مرنا ومتدرّجا.
2 - أن يعتني بتوفير الوسائل والأدوات ولكنه يعتني كذلك بتيسير سبل تداولها.
3- أن يعتني بالبحث عن المعلومة وبمعالجتها، ولكنه يعتني كذلك ببتها وتيسير الوصول إليها.
6- ذاكرة الفريق :
من معالم الجدية في نشاط الفريق الأثر المكتوب الذي يسمح بمراجعة النشاط. ولذلك يحسن بالفريق أن يتخذ سجلا يسجّل عليه آثار اجتماعاته وإنجازاته وقراراته لتكون مرجعا للمتابعة والتقويم. ويمكن التفريق بين أنواع ثلاثة من التسجيلات الضرورية:
الصفحة 289
7-الإعداد الجيدة لعمل فريق :
تنجح اجتماعات الفريق وأنشطته وفعالياته في تحقيق أهدافها على قدر حسن الإعداد والدقة في التهيئة، ومن ملامح الإعداد الجيد:
الصفحة 290
الصفحة 291
ملاحظة: هذه الوظائف لا تضفي أي سلطة على القائمين بها، وإنما تسعى إلى ضمان نشاط يشترك فيه كل الأطراف ويتفاعلون، فهي مسألة فعالية وجدوى
أكثر منها مسألة سلطة وتراتب.
8- نماذج تمثيلية لكيفية تسيير اجتماع تربوي.
أ- النموذج الأول: اجتماع لدراسة الصعوبات التي تعترض بعض الطلاب الأهداف:
- تحديد المشكلات والصعوبات.
- اقتراح نشاط تشخيصي.
الصفحة 292
(أنظر الشكل 23 الموجود في الصفحة 293 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الصفحة 293
ب- النموذج الثاني: اجتماع لصياغة وضعيات تعلمية قصد المعالجة. الأهداف:
(أنظر الشكل 24 الموجود في الصفحة 294 و295 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الصفحة 294
9-محاذير النشاط الجماعي:
فلاحرج في أن نخسر بعض الوقت في البدايات لنربح منه الكثير في النهايات.
الصفحة 296
10- أنواع الفرق:
وقد أكدت بعض البحوث أن من بين أسباب الفشل في الدراسة ما يجده التلميذ من صعوبة لربط مختلف المعارف ببعضها، ولذلك فهي تقترح "مشاريع الفرق المتعدّدة الاختصاصات كوسيلة لإقامة هذه العلاقات وتيسير سبل الربط، خاصة وأنه لن تعدم القضايا التي تلتقي فيها كل المواد: كالقضايا المتعلقة بالسلوك، أو القضايا المتعلقة بـ "القدرات" العامة: كالقدرة على التعلم الذاتي.
الصفحة 297
ومن باب أولى أن لا نُعدم القضايا التي تلتقي فيها بعض المواد على الأقل: كقضايا الكتابة والتأليف بالعربية بالنسبة إلى المواد التي تستعمل العربية أداة تبليغ، أو بالفرنسية في المستويات التي تستعمل الفرنسية أداة تعبير.
11- نماذج من أنشطة الفرق:
تتنوع أنشطة الفرق التربوية والتعليمية، وتتعدّد مشاغلها على قدر تعدد المجالات التي للمدرس بها نوع علاقة مثل تطوير المناهج، وحلّ مشكلات إدارة الصف، وقضايا صعوبات التعلم، وتجويد البيئة المدرسية، والتقويم المدرسي.
وفي سياق هذه المجالات وغيرها يمكن أن تنبثق أنواع كثيرة من الفرق مثل:
أ- الفرق التي تعمل على دعم أنشطة الطلاب تقدّر الصعوبات التي قد تعترضهم وتحللها ثم تبحث لها عن حلّ، سواء في إطار المادة الواحدة أو في إطار أكثر من مادة.
ب- الفرق التي تعمل على تطوير قدرة الطلاب على بناء المفاهيم : تحدّد العمليات العقلية الضرورية لاستيعاب هذا المفهوم أو ذاك، مع البحث عن إستراتيجيات متنوعة تتناسب مع الهدف وتكون في إطار المادة الواحدة أو في إطار أكثر من مادة.
ت- الفرق التي تسعى إلى تعميق القدرات التي تشترك فيها أكثر من تقوم في مقام أول بتحديد تلك القدرات العابرة للمواد وما تقتضيه من مادة: عمليات عقلية، ثم تتصوّر لها المحتويات والآليات التي تناسب كل مادة.
ث- الفرق التي تبحث في عمليات التعلم وتعمل على تطوير قدرة الطلاب على بناء معارفهم بأنفسهم تتصوّر مسارات التعلم المناسبة، وتضع
الصفحة 298
الخطوات التعليمية الموحدة، مع مراعاة الآليات التي تستوجبها كل مادة،
والصعوبات التي تطرحها.
ج- الفرق التي تهتم بالحياة المدرسية تدرس واقع العلاقات المدرسية، وتحلل السلوكات قصد تطوير أشكال الإنصات والتفهم، ووضع قواعد التعايش
وتؤسس لنوع من "التعاقد " بين مختلف الأطراف.
ح- الفرق التي تعتني بصياغة الوضعيات المختلفة (وضعيات انطلاق وضعيات مشكلة..) الدرس معين أو المحور أو المستوى، وتكون هذه الفرق
داخل المادة الواحدة.
خ- الفرق التي تعمل على صياغة الأسئلة التقويمية بأنواعها، سواء ما كان منها موضوعيا أو إنشائيا، وسواء أكان هذا التقويم تكوينيا أم جزائيا.
وهي فرق تنتمي غالبا إلى المادة الواحدة.
وفيما يلي جدول ينظم أنواع الفرق السابقة مشيرا إلى الأطر التي يمكن أن ينشط فيها:
(أنظر الشكل 25 الموجود في الصفحة 299ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الصفحة 299
(أنظر الشكل 26 الموجود في الصفحة 300ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الصفحة 300
إستراتيجيات التفكير الإبداعي
يحرص التعليم الحديث على أن يُوفّر للمتعلّم مناخًا بيئيا مشجعًا على الابتكار، حيث الإستراتيجيات التعليمية المشجّعة، والاهتمام والاحتفاء بجميع أنواع الابتكارات والمواهب، وحيث المرونة والتفاعل الإيجابي من كل الأطراف. ففي مثل هذه البيئة التي تحترم فيها أسئلة التلميذ، ويُستجاب فيها لفضوله المستمر نحو التعرف على الأشياء والأمور التي تخفى عليه، ينمو الإبداع وتتفتح براعمه. خاصة وأن الطفل الذي لديه الاستعداد للإبداع، يتميز عادة يشيء من الحيوية، ويكون كثير التساؤل، وعظيم الاهتمام بالأمور التي تبدو لسواه عادية وغير مثيرة للفضول والاكتشاف.
1- تعريف الإبداع والتفكير الإبداعي :
الصفحة 301
الصفحة 302
وبناءً على ما مرَّ، يُمكن القول إنّ الإبداع، باعتباره عملية نفسية (سيكولوجية)، هو أن تنظر بطريقة غير مألوفة إلى الأشياء أو الأمور، وأن ترى ما لا يراه الآخرون، أو أن تمتلك قدرةً خارقة على التخيل والتأمل.
ويرى بعضهم أن ثمَّة فَرْقًا بين الإبداع والابتكار، حيث إن الإبداع يتناول الجانب النظري، والابتكار هو الجانب التطبيقي، وبمعنى آخر: إن أية فكرة أصيلة فكرة مبدعة، ولكن إذا تحوّلت هذه الفكرة إلى واقع حقيقي ملموس،
جديدة هي فإنهاا تغدو ابتكارا، ويبقى هذا التفريق مجرّدَ وجهة نظر اصطلاحية محتملة.والمهم أن التفكير الإبداعي يرتبط على حد تعبير "دي بونو"- ارتباطا وثيقا بالإبداع، ولكن الإبداع يصف الناتج، أما التفكير الإبداعي فيصف العمليات نفسها.
وعلى ذلك يعرف بعض الباحثين التفكير الإبداعي بأنه الأسلوب الذي يستخدمه الفرد في إنتاج أكبر عدد ممكن من الأفكار حول المشكلة التي يتعرض لها، وتُسمّى الطلاقة الفكريَّة، وتتصف هذه الأفكار بالتنوع والاختلاف (المرونة)، وعدم التكرار أو الشيوع (الأصالة).
ويُعرف آخرون التفكير الإبداعي بأنه نشاط عقلي مركب وهادف، تُوجّهه رغبة قوية في البحث عن حلول أو التوصل إلى نتائج أصيلة لم تكن معروفة سابقا. ويتميز التفكير الإبداعي بالشمولية والتركيب فهو ينتمي إلى المستويات العليا والمركبة من التفكير، لأنه ينطوي على عناصر معرفية وانفعالية وأخلاقية متداخلة تشكل حالة ذهنية فريدة.
الصفحة 303
2- شروط الإبداع وعناصره:
ينمو الإبداع عندما يُوضع الطلاب في بيئة تعليمية تساعدهم على المرور بالمراحل الأربعة للتفكير الإبداعي (1991 ,Osbom) وهي:
1. مرحلة التحضير أو الإعداد :وهي الخلفية المعرفية الشاملة والعميقة في الموضوع الذي يبدع فيه الفرد وفسّرها (جوردن Gordon) بأنها مرحلة الإعداد المعرفي والتفاعل معه.
2. مرحلة الكمون والاحتضان: وهي حالة من القلق والخوف اللاشعوري والتردد بين القيام بالعمل والبحث عن الحلول، وهي أصعب مراحل التفكير الإبداعي.
3. مرحلة الإشراق: وهي الحالة التي تحدث بها الومضة أو الشرارة التي تؤدي إلى انبثاق مفاجئ لفكرة الحل والخروج من المأزق. وهذه الحالة لا يمكن تحديدها مسبقا، وقد تلعب الظروف المكانية والزمانية والبيئة المحيطة دورا في تحريكها، ويصفها الكثيرون بلحظة الإلهام.
4.مرحلة التحقيق: وهي مرحلة الحصول على النتائج المفيدة والمرضية، وحيازة المنتج الإبداعي على الرضى الاجتماعي. فالإبداع هو إنتاج ملموس جديد ونادر ومختلف ومفيد فكرًا أو عملاً.
ولا يُمكن التحدّث عن الإبداع إلا في حالة توفّر عناصر أربعة:
تجدر الملاحظة بأن المناخ البيئي المشجّع على الابتكار يشمل الأسرة والمدرسة وحتى المجتمع، حيث النظم والقوانين المشجعة والاهتمام
الصفحة 304
وتشجيع جميع أنواع الابتكارات والمواهب، واعتماد المرونة والتوق نحو الحرية والانطلاق. ففي تلك البيئة يتم احترام أسئلة التلميذ والإجابة على فضوله المستمر نحو التعرف على الأشياء والأمور التي تخفى عليه. ومن المؤكد أن الطفل الذي لديه الاستعداد للإبداع، يكون طفلاً حيوياً كثير التساؤل، وعظيم الاهتمام بالأمور التي تبدو لسواه عادية وغير مثيرة للفضول والاكتشاف.
3- خصائص التفكير الإبداعي:
یری عدد من المختصين أن الإبداع عبارة عن مجموعة من القدرات العقلية التي يمكن التعرف عليها وقياسها بواسطة اختبارات معدة لذلك، ويُركز العلماء في قياس التفكير الإبداعي على أربع قدرات، هي:
الصفحة 305
هذه الخصائص الأربع حدّدها جلفورد، وتُشكل ما يُسمّى بالتفكير المنطلق (المتشعب)، وهو يعني استنتاج حلول متعددة قد تكون صحيحة من معلومات معينة، وهذا اللون من التفكير يستخدمه المبدع أكثر من التفكير المحدّد (التقاربي ) وهو استنتاج حلٌّ واحد صحيح من معلومات معينة.
الصفحة 306
4- آليات عملية لتوليد أفكار إبداعية:
التفكير في الشيء بصورة عكسية يُعتبر من أسهل الطرق لتوليد فكرة جديدة، ولذلك حاول أن تقلب تفكيرك في أي شيء، ستجد نفسك وصلت إلى فكرة إبداعية. فتقول مثلاً من المعروف والمسلّم به أن "التلاميذ يذهبون إلى المدرسة"، فماذا لو قلبتَ تفكيرك وقلت "لم لا تأتي المدرسة إلى التلاميذ؟"
وقد تحققت هذه الفكرة الإبداعية بالفعل من خلال الدراسة بالإنترنت والمراسلة وغيرها.
وإليك أمثلة أخرى للتفكير بطريقة عكسية:
الصفحة 307
أي إدماج عنصرين أو أكثر للحصول على فكرة إبداعية جديدة، مثل: سيارة + قارب = مركبة برمائية، وقد تم تطبيق الفكرة.
انظر إلى المشكلة أو المسألة من أكثر من زاوية ولا تحصر رؤيتك بمجال نظرك فقط
الصفحة 308
5- معوقات التفكير الإبداعي:
تتعدد المعوقات والمثبطات لكل أشكال الإبداع، لكن يظل أهمها ما يلي:
وتصوّراتنا، والخوف من الظهور بمظهر الأغبياء...
الصفحة 309
6- أساليب محفّزة للتفكير الإبداعي:
ابتكر المهتمون بالتفكير والإبداع أساليب كثيرة محفّزة على التفكير الإبداعي، يحتاج كل أسلوب منها إلى دراسة معمقة. والإنسان في حياته اليومية وتفاعلاته المجتمعية أقدر على صُنع نظريَّات أخرى أكثر فعالية ونجاعة، وأكثر انسجاما مع
البيئة المحلية، لكن لا بأس من استعراضها تمهيدًا للاستفادة الحكيمة والمرنة منها:
أهم إبداعاته نظرية القبعات الست" و "التفكير الجانبي".
الصفحة 310
الصفحة 311
أ- ماهية نظرية :TRIZ هي منهجية منتظمة ذات توجّه إنساني تستند إلى قاعدة معرفية تهدف إلى حل المشكلات بطريقة إبداعية.
الصفحة 312
ب - المفاهيم الأساسية في نظرية تريز وأدواتها :الإستراتيجيات الإبداعية، التناقضات النتاج المثالي النهائي، مصفوفة التناقضات.
ج- مرتكزات ومضامين نظرية تريز:
الصفحة 313
أما سبب التفكير في العصف الذهني، فلأن العقل يعصف بكم هائل من الحلول والأفكار والمفاهيم، بما يُسهم في فحص المشكلة وتمحيصها يهدف التوصل إلى الحلول الابتكارية المناسبة لهذه المشكلة.
وتمر إستراتيجيات حل المشكلة بالمراحل التالية:
الصفحة 314
ويتحل الشخص المتميز في حل المشكلات عادة بالاتجاه الإيجابي نحو المشكلات، والحرص على الدقة، وتجزئة المشكلة، والتأمل والتخمين والصبر والمثابرة، والحيوية والنشاط، والمعرفة والاطلاع.
الصفحة 315
(أنظر الجدول الموجود في الصفحة 316 و317 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الصفحة 316
تقنيات التعلم الفعال
هي جملة من ا تقنيات التعلّم تتيح الفرصة للمتعلّم أن يكونا فاعلا في تعلمه فرديا أو جماعيا، قادرًا على أن ينفذ إلى أعماق ذاته باحثا عن الفكرة الواضحة والموقف العميق. وهذه التقنيات كثيرة جدًّا، ويقدر المدرّس أن يبتكر منها الكثير بنفسه وينسج على منوالها مستهدفا تخليص درسه من أمر الرتابة وتلميذه من أسر السلبية والتعويل على الجاهز.
وسنضرب عليها في هذا الكتاب النماذج التالية:
العصف الذهني:
يُطلق تعبير "العصف الذهني" على استخدام العقل في التصدي النشط للمشكلة . وهي عملية جمعية لتوليد الأسئلة والأفكار والأمثلة، وتُستعمل لتوضيح فكرة أو استكشاف موضوع مركزي.
والعصف الذهني وسيلة سريعة وسهلة لتوليد أفكار جديدة لحل المشكلات والابتكار. وهو، كما يوحي الاسم، يهدف إلى تحفيز الذهن وإثارته للتفكير في القضايا بطريقة جديدة، ويشجع الناس على تجاوز التفكير التقليدي، واحتضان العفوية والأصالة
والخيال.( 2015 ,Arivananthan)
الصفحة 319
وتتطلب هذه الإستراتيجية انخراط التلاميذ في قضية معينة ينتجون الأفكار حولها، ويقومون بتدوينها دون أية درجة من النقد. ويمكن استخدامها للتعرف على ما يعرفه المتعلمون للتو، أو ما يودون معرفته، ولتقديم التوجيهات اللازمة للتعلم والتأمل.
ويمكن أن تستخدم هذه الإستراتيجية في المجموعة ككل أو في المجموعات الفرعية في الصف،وهي توفر فرصا للمعلمين لتنمية تفكير التلاميذ من خلال توسيع الفكرة الأولية التي يتم طرحها.
وتهدف جلسة العصف الذهني أساسا إلى توليد قائمة من الأفكار التي يمكن أن تؤدي إلى حل للمشكلة مدار البحث. وحتى يحقق استخدام هذا الأسلوب أهد الله يحسن الالتزام بعدد من المبادئ والقواعد أهمها:
- المبدأ الأول: تأجيل إصدار أي حكم على الأفكار المطروحة أثناء المرحلة الأولى من عملية العصف الذهني.
-المبدأ الثاني: الكمية تولّد النوعية، بمعنى أن أفكاراً كثيرة من النوع المعتاد يمكن أن تكون مقدمة للوصول إلى أفكار قيمة أو غير عادية في مرحلة لاحقة من عملية العصف الذهني.
أما القواعد الأربع فهي( Adams, 1979, p. 115):
1. لا يجوز انتقاد الأفكار التي يشارك بها أعضاء الفريق أو طلبة الصف مهما بدت سخيفة أو تافهة، وذلك انسجاما مع المبدأ الأول المشار إليه أعلاه حتى يكسر حاجز الخوف والتردد لدى المشاركين.
2. تشجيع المشاركين على إعطاء أكبر عدد ممكن من الأفكار دون التفات لتوعيتها، والترحيب بالأفكار الغريبة أو المضحكة وغير المنطقية.
الصفحة 320
3. التركيز على الكم المتولد من الأفكار اعتماداً على المبدأ الثاني، الذي ينطلق من الافتراض بأنه كلما زادت الأفكار المطروحة كلما زادت الاحتمالية بأن تبرز من بينها فكرة أصيلة.
4. الأفكار المطروحة ملك للجميع، وبإمكان أي من المشاركين الجمع بين فكرتين أو أكثر أو تحسين فكرة أو تعديلها بالحذف والإضافة.
وحتى تنجح جلسة العصف الذهني، لا بد أن يكون المشاركون على دراية معقولة بموضوع المشكلة وما يتعلق بها من معلومات ومعارف كما لا بد أن تكون لديهم معرفة معقولة بمبادئ وقواعد العملية ذاتها قبل ممارستها. وقد يكون من الضروري توعية المشاركين في جلسة تمهيدية، وتدريبهم على اتباع قواعد المشاركة والالتزام بها طوال الجلسة. أما معرفة المدرس أو قائد الجلسة بموضوع المشكلة ومعرفته بقواعد العملية وخبرته في ممارستها فإنهاا تشكل عاملاً حاسماً في نجاح العملية، ذلك أنه مطالب بتحضير صياغة واضحة ومحددة للمشكلة وعرض موجز الخلفيتها وبعض الأفكار المتصلة بها، بالإضافة إلى دوره في الإبقاء على حماس المشاركين في أجواء من الاطمئنان والاسترخاء والانطلاق.
في نهاية جلسة العصف الذهني تكتب قائمة الأفكار التي طرحت وتوزع على المشاركين لمراجعة ما تم التوصل إليه. وقد يساعد هذا الإجراء على استكشاف أفكار جديدة ودمج أفكار موجودة تمهيداً لجلسة التقييم التي قد تعقب جلسة توليد الأفكار مباشرة وقد تكون في وقت لاحق.
ولا بد من التأكيد على أن أهم عناصر نجاح عملية العصف الذهني تتلخص في ما يلي:
الصفحة 321
وتتطلب الإستراتيجية عددا من الخطوات التنفيذية أهمها:
لعب الأدوار :
عرف (Alex Mucchielli) لعب الأدوار باعتباره عملية إخراج لوضعية مشكلة، تنخرط فيها شخصيات لها دور معيّن، وبمراقبة مسؤول النّشاط. وهذا التعريف يسلّط الضوء على
عدد من الجوانب المركزية للعب الأدوار (OLIBET, 2015) :
الصفحة 322
- يقوم لعب الأدوار على أساس وضع إشكالي، مستلهم من سياق حقيقي أو خيالي، يقدّم مشكلة أو أكثر لحلها.
- حلّ هذه المشاكل هو الهدف الجماعي الذي يجب أن يصل إليه اللاعبون في حالات التعاون تلك.
-يستند لعب الأدوار على وجود مجموعة من المشاركين، مما يجعله تمريناً منظما على ديناميات المجموعة.
- يُعطى كل مشارك دورًا معيَّنا، ليُجسّد شخصية خيالية أو حقيقية. وهذا "التجسيد" يمثل بوابة الدخول إلى اللعبة من ناحية، وهو من ناحية ثانية يمثل تحديا فعليا للقائم بالدور.
- اختيار الممثلين ينبغي أن يكون في تناغم مع الأدوار التي سيلعبونها.
-اللاعب مدعو إلى الالتزام بهوية الدور على مدار اللعبة، وهو ما يختلف فيه تمثيل الأدوار عن المحاكاة.
- تلعب الأدوار تحت مراقبة المدرس، الذي يُسمّى في بعض الأحيان سيد اللعبة.
- المدرس ليس لاعبا حقيقيا لأنه لا دور له في ما يُمثل، إلا أنه يقوم بمهمتين أساسيتين: تيسير التواصل والتفاعل بين اللاعبين، وتعديل المسار لضمان حسن سير اللعبة والتزام كل لاعب بدوره.
فإسترايتجية لعب الأدوار إذن هي نشاط إرادي يؤدى في زمان ومكان محددين، وفق قواعد وأصول معروفة ويختار فيها المشاركون الأدوار التي يقومون بتأديتها. ويرافق الممارسة شيء من التوتر والتردّد والوعي باختلافها عن الواقع. ويطوّر الطلاب في
الصفحة 323
ممارسة هذا النشاط من قدراتهم على التعبير والتفاعل مع الآخرين، وينمون شخصياتهم بأبعادها المختلفة.
وفي هذا السياق التقويمي، يمكن أن يلعب جزء من المجموعة دور لجنة التحكيم، بينما يتولّى الجزء الثاني عرض ما أنجز من المشروع، ويدور بين الفريقين حوار جادّ يساعد على اكتشاف الثغرات فيما أُنجز من العمل، ويدرّب الطلاب على مواجهة التقويم النهائي.
يتيح لعب الأدوار فرصة التعلم عن طريق المواقف التمثيلية، مما يتيح للمتعلمين فرصة استكشاف طبيعة العلاقات الداخلية للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية... ويُمكّن المشاركين من الاطلاع على عينات من أساليب التفاعل بين الناس وتحليلها لغرض توضيح الصراعات والقيم والبدائل السلوكية. (الفنيش،1991)
وقد أظهرت التجارب لتمثيل الأدوار فعالية كبيرة في تناول مشكلات ذات العلاقة بقضايا اجتماعية مثل:
القبعات الست للتفكير:
تقوم هذه الإستراتيجية على تصنيف التفكير إلى ستة أنواع، واعتبار كل نوع قبعة يلبسها الإنسان أو يخلعها حسب طريقة تفكيره في تلك اللحظة، ولتسهيل الأمر فقد أعطى "إدوارد" لونًا مميزا لكل قبعة وتستخدم في طريقة تحليل تفكير المتحدثين أمامك بناءً على
الصفحة 324
نوع القبعة التي يرتدونها. فالقبعة رمز للدور الذي يمارسه كل شخص: فقبعة الممرض غير قبعة الجندي، وهكذا ترمز القبعة للدور (1990 ,De Bono).
هدفها : مساعدة الأفراد ومجموعات العمل أثناء التفكير على:
فلسفتها: أنّ الناس تختلف مواقفهم وآراؤهم ووجهات نظرهم حول الأشياء والأحداث والقضايا من حولهم لأن:
الصفحة 325
وأن الفرد عندما يُفكر في قضية معينة فهو محكوم بنمط تفكيره، مما يجعله غير قادر على رؤية الأمور من زوايا أخرى، قد تكون ذات أثر كبير. كما أن المجموعة عندما تفكر في قضية معينة تتحول الأمور إلى ضجيج وتداخل ومجادلات، لأن الأفراد يتعجلون في طرح رؤاهم قبل أن يحين وقتها.
ولذلك فإننا بحاجة إلى (أداة ) أو (إستراتيجية) تساعدنا أثناء التفكير بصورة فردية على رؤية الأشياء من زوايا مختلفة، ومنع التداخل والجدل أثناء التفكير مع مجموعة عمل، وقد تصوّرها (دي بونو) في القبعات الست للتفكير.
آليات عمل القبعات :
هي فرصة لتوجيه الشخص إلى أن يفكّر بطريقة معينة، ثم تطلب منه التحول إلى طريقة أخرى، مما يجعل الشخص يفكّر دون حواجز، وتتكون القبعات من الألوان الفكرية التالية( 44 .Gillies, 2016, p) :
الصفحة 326
وليس هناك ترتيب ملزم للتنقل بين القبعات ولكن يُفضّل الابتداء بالقبعة البيضاء، ثم الصفراء، وتُترك القبعة الخضراء والزرقاء في النهاية.
الصفحة 327
المنظمات البصرية
نعني بـ بالتنظيم البصري للمعلومات تلك العملية الداخلية التي تجمع بين التصور الذهني وتوظيف عمليات أخرى ترتبط بباقي الحواس، من أجل تنظيم الأفكار وعرضها في صور ذهنية يرسمها الفرد عن طريق الأشكال والخطوط والتكوينات والألوان وغيرها من عناصر اللغة البصرية.
وتتأثر عملية التمثيل هذه بالعديد من المتغيرات منها: الخبرات السابقة للفرد والثقافة السائدة في المجتمع وعناصر البيئة التي يعيش فيها، وتُعدّ هذه المتغيرات بمنزلة مصادر للتمثيل الذهني للمعلومات.
وقد عرفت هذه المنظمات تطوّرا كبيرا في هذه العقود الأخيرة متأثرة بتطوّر الوسائل والتقنيات من ناحية، وبالاكتشافات الحديثة المتعلقة بالدماغ البشرية وكيفية عمله. وسنضرب عليها في هذا الكتاب نموذجين: خريطة المفاهيم والخريطة الذهنية.
خريطة المفاهيم :
هي تمثيل مميز لمدى فهم التلاميذ للمفاهيم المدروسة، لأنّ الشخص الذي يخلط المفاهيم مع بعضها ولا يُميز بين درجاتها يفتقد الدقة العلمية( 2006 ,Novak, 2010; Johnstone & Otis).
ومن الإجراءات العملية المساعدة على تنفيذ هذه التقنية:
الصفحة 328
الصفحة 329
(أنظرالأشكال الموجودة في الصفحة 330ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الصفحة 330
الخريطة الذهنية :
يُعرفها بوزان (2006) بأنها أداه فكرية مثالية لتنظيم الأفكار وهي الأسهل في تخزين المعلومات واسترجاعها تساعدنا على التدرج من الفكرة الرئيسة إلى الأفكار الثانوية ورؤية الصورة كاملة وهو ينظر إليها باعتبارها البوابة للدخول إلى المكتبة العملاقة المتواجدة في عقولنا.
أما هلال (2007) فيعرفها باعتبارها أداة تساعد على التفكير والتعلم، وتعتمد نفس الطريقة المتسلسلة للخلايا العصبية فهي تبدأ من الأصل إلى الفروع.
ویری محمود (2006، ص. 301) أن الخريطة الذهنية وسيلة يستخدمها الدماغ لتنظيم الأفكار وصياغتها بشكل يسمح بتدفّق الأفكار، ويفتح الطريق واسعا أمام التفكير الإشعاعي الذي يعني انتشار الأفكار من المركز إلى كل الاتجاهات".
فمنذ وقت بعيد، كان الناس ولا يزالون يستخدمون الجداول والرسوم والأشكال التوضيحية، بهدف تنظيم المعرفة وإيضاحها وتلخيصها. فمثلا: استخدموا شبكات التصنيف، ودوائر المقارنة، والتنظيم الهرمي للمعلومات، واللوحات التدفقية ... الخ.
ثم وجدت هذه الوسيلة دعما قويا من العلوم والدراسات المتعلقة بالمخ، حيث لاحظ العلماء أن هناك تمايزا في الأدوار التي يؤديها جانبا المخ (الأيمن) و(الأيسر). كما لاحظوا أن استخدام الأشكال والرسوم التوضيحية يساعد على تشغيل جانبي المخ وتوظيفهما في التعلم والحفظ. وبتشريح خلايا المخ، وجد العلماء أن الخلية العصبية في المخ البشري ذات صورة شجرية.
الصفحة 331
ربط توني بوزان بين الصورة الشجرية للخلايا المخية، وبين رسوم تنظيم المعرفة، وصمّم ما أسماه (الخريطة الذهنية) وهي كما أسلفناء رسم إيضاحي لتلخيص المعلومات وتصنيفها وتيسير حفظها على صورة شجرة، وهي تشبه في بنيتها خلية المخ البشري.
عناصر الخريطة الذهنية:
تتكون الخريطة الذهنية من أربعة عناصر أساسية، وهي:
فوائد الخريطة الذهنية:
يمكن تلخيص أبرز فوائد الخريطة الذهنية في الآتي:
- تزيد من كفاءة عمل الدماغ وذلك بربطها بين شقيه الأيمن والأيسر.
- تعمل كالمرشح والمفلتر للمعلومات أثناء عملية رميزها فتساعدنا على الاحتفاظ بالمعلومات المهمة والمفصلية، مما يساعد على حدوث ما يُسمَّى التعلم ذا المعنى.
- تسهل عملية تنظيم المعلومات وترميزها وتخزينها، ومن ثُمَّ فهي تسهل عملية تذكرها واسترجاعها.
الصفحة 332
- تسهل إيجاد علاقات بين المتغيرات والربط بينها.
- تساعد على التفكير الإبداعي.
-تسهم في توليد أفكار جديدة.
-تجعل المهام ممتعة، فهي تدمج بين التعلم واللعب باستخدام الرموز والرسومات والألوان.....
- توفر الوقت وتزيد من كفاءة الدراسة، وتجعلها أكثر سهولة وتركيزا، وتمكن من رؤية الصورة من جميع جوانبها .
مفاتيح مساعدة على بناء خريطة ذهنية:
- أحضر ورقة بيضاء غير مسطّرة وأقلاما ملونة، وابدأ الرسم في منتصف الورقة تماما.
- اختر موضوعا تُريد تلخصيه.
- ضع العنوان العام للموضوع في منتصف الورقة داخل إطار مناسب.
- استخدم شكلاً أو صورة معبرة عن الفكرة الرئيسة.
- ابدأ بعمل خطوط عريضة ( وصلات) للعناوين الرئيسة منطلقة من العنوان العام.
- استخدم الألوان خلال الرسم لأن الألوان تعمل على لفت الانتباه وتزيد من التشويق.
- اعرض المعلومات من اليمين إلى اليسار لمحاكاة اتجاه ذبذبات الدماغ.
الصفحة 333
- صل الفروع الرئيسة بالشكل المركزي - بحيث تبدأ بخطوط عريضة من المركز ثم تقل تدريجيا.
- ارسم فروعا بخطوط أصغر للأفكار المتضمنة في كل عنوان رئيس، لاحظ أنه كلما ابتعدت عن المنتصف كلما صغر الخط.
- اجعل التوصيل بين الفروع يأخذ شكل منحنيات لمحاكاة طريقة عمل الدماغ.
-استخدم كلمة واحدة فقط لكل سطر.
-راع توزيع الرسم على الورقة.
استخدامات الخريطة الذهنية :
الخريطة الذهنية أداة عالية القيمة لتنظيم الحياة، والعمل، والتعلم). فكما تستخدمها في تلخيص كتاب قرأته أو محاضرة استمعت إليها، يمكنك أيضا استخدامها لأهداف أخرى، مثل: التخطيط لعمل تقوم به، أو لرحلة سفر، أو لتنظيم أوقاتك ... أو لأي هدف آخر تحتاج فيه إلى تنظيم نفسك وعملك.
الصفحة 334
التقويم باعتباره تعلّما
لقد تغيّر دور المدرّس كثيرا في السنوات الأخيرة. ففي سياق تنازل فيه "نموذج التعليم" وأخلى مساحةً كبيرةً لـ "نموذج التعلّم"، أصبح عمل التدريس، باعتبار ما ألحق به من المسؤوليات الجديدة، يتطلب درجة كبيرة من الاحترافية.
واحدة من هذه المسؤوليات التي تتطلب حرفية عالية: "تقويم التلميذ بطريقة مهنية في ظروف أقرب ما تكون من الواقع " ، أي "باستخدام مجموعة متنوعـة مـن أساليب التقويم تكون أكثر ملاءمة لتقويم المهارات، في سياق دال وذي معنى بالنسبة إلى التلميذ".
هذه المسؤولية المهنية تجعل تقويم التعلم أداة دعم للتعلم، وووسيلة للاعتراف بالمهارات التي نجح التلميذ في تطويرها خلال فترة معينة.
وتسوجب هاتان الوظيفتان من المدرّس استخدام مجموعة متنوعة من أساليب التقويم وأدواته من أجل الحصول على صورة عادلة عن كل طالب من تلاميذه. وبالتالي، فإن معلوماته التي يجمعها عنهم إنّما يستقيها عبر قنوات متنوعة ومن
الصفحة 337
خلال آثار عديدة تترسب من الحالات المركبة التي يعيشها التلميذ خلال عملية التعلم.(Meunier, 2015)
وفي سياق الاستجابة لهذه الضرورة وما تقتضيه من تنويع في أساليب التقويم وإستراتيجياته وأدواته من أجل الحصول على صورة أكثر ما تكون قربا من العدل عن كل طالب من الطلاب ولدت نماذج كثيرة في تقسيم التقويم باعتبارات مختلفة:
الصفحة 338
فهو يحيل على تلك التقويمات التي تجريها في جميع مراحل التعليم والتعلم لتشخيص احتياجات الطلاب، والتخطيط الخطواتنا التالية في التدريس، وتزويد الطلاب بالتغذية الراجعة التي يمكنهم استخدامها لتحسين جودة عملهم، ومساعدتهم على أن يشعروا بالتحكم في رحلتهم إلى النجاح ومشاهدة عواملها وأسبابها.
وهذا التعريف أوسع من التعريف الذي سيعطيه مجموعة من الخبراء الكنديين للتقويم في خدمة التعلم في تقسيمهم الثلاثي الذي سيأتي بعد
حين . (, Western and Northern Canadian Protocol for Collaboration in Education
2006)
الصفحة 339
ويتم استخدام هذا النوع من التقويم لإعطاء بيانات عن حالة تعليم الطلاب في وقت محدّد لأولئك الذين خارج الفصل الدراسي، كما هـو الحال عند إعداد إحالات عن الطلاب أو اتخاذ القرارات حول البرامج.
ويقيم ستيغن مقارنة بين النموذج الذي يعرضه والنموذج الأول القائم على تقسيم التقويم إلى تكويني وختامي فيقول( 36-37 .stiggins et al., 2007, p): لعلك تتصوّر أن "التقويم من أجل التعلّم" و"تقويم التعلّم" يُحيلانك على "التقويم التكويني" و"التقويم الختامي".
إذا ظننت ذلك فأنت محق: التقويم من أجل التعلم هو نفسه التقويم التكويني. وتقويم التعلم هو نفسه التقويم الختامي، ولكننا نستعمل هنا كلمتي (For) و(of) لأنهما أكثر رشاقة وجاذبية ، والأهم من ذلك أنّ لكلمة "التقويم من أجل التعلّم" دلالة أوسع من "التقويم التكويني".
الطريقة التقليدية للتفكير في استخداماتللتقويم هي أنه تقويم يقوم به المدرّسون بشكل متكرّر ويستخدمون نتائجه لتخطيط الخطوات التالية في التعليم.
أما "التقويم من أجل التعلّم " فيتجاوز ذلك: فهو ينطوي على تزويد الطلاب بتعليقات وصفية واضحة وليست مبهمـة حول نتائج تقويماتهم. كما يشمل الطلاب بدءًا من توضيحهم الأهداف من تقويم الذاتي، إلى التواصل مع الآخرين حول ما حققوه من تقدّم.
الصفحة 340
إن هذه الملاحظات الوصفية، ومشاركة الطلاب في التقويم للتعلم، هي التي تؤدي إلى الإنجازات الرائعة التي نتوقعها للتقويم من أجل التعلم. أما إذا كنت تحب مصطلحي "التكويني" و "الختامي"، فاستخدمها. تذكر فقط إضافة "ملاحظات وصفية للطلاب " و "مشاركة الطلاب في التقويم" إلى الجانب التكويني.
ويُعلن ستيغن أنّه من أجل التبسيط، سوف يستخدم في كتابه أحيانًا كلمتي "formative" و "summative " ، وأنه عندما يفعل ذلك، فإنّما يعني التكويني بأوسع معانيه.
الصفحة 341
وفي إطار الفلسفة التقويمية التي بيّنا ملامحها في المبحث الأول، رأينا أن نتخذ هذا النموذج الأخير واجهة لعرض الإستراتيجيات التقويمية المناسبة للتعلم الأكثر المبني على المشروعات، ليس لأنه أحسنها تقسيما (2) ، ولكن لأنّ عناوينه هي ا ملاءمة للتعلم بالمشروع، لما فيها من روح "التقويم التكويني" حسب الاصطلاح
الهوامش :
(1) يقسمها في الأصل إلى خمسة أقسام، إلا أننا استغنينا عن "إستراتيجية القلم والورقة" لأنها إستراتيجية تعتمد في كلّ أنواع التعلم وليس لها من علاقة خاصة أو مهمة بالتعلم المبني على المشروعات.
(2) هذا التقسيم لا يمنع من التداخل ومن شأنه أن يُوقع في شيء من الاضطراب، لأنه لا يعتمد معيارا واحدا أو جهة واحدة في التقسيم: فالتقويم الواقعي أو الحقيقي إجابة على سؤال ماذا نقوم ؟ أو متى تقوم؟، أما التقويم بالملاحظة فهو إجابة عن سؤال كيف نقوم؟
وهذا من شأنه أن يوقع في التداخل، لأن كثيرا من أنشطة التقويم الحقيقي (تقويم الأداء) يعتمد الملاحظة طريقة وكيفية وأداة... ورغم ذلك اتخذته سبيلا لعرض التقويمات الملائمة للمشروع لأن ميزته أنه يجعل العناوين المهمة في الواجهة مثل الملاحظة والتقويم الواقعي
ومراجعة الذات....
الصفحة 342
الشائع، أو حرصها على "التقويم من أجل التعلم " حسب تقسيم ستيغن وزملائه، أو حرصها على "التقويم باعتباره "تعلّما " حسب اصطلاح بيوت الخبرة الكندية (WNCPCE, 2006) .
إن هذه الإستراتيجيات الأربع التي يعرضها النّموذج الرابع، وإن تنوعت في طرائقها وآلياتها، يجمع بينها أنها لا تهتم بالمنتجات النهائية للمشروع بدرجة أولى، بل تُولي كامل العناية بمسارات الإنجاز وتفاعلاته، وأنّها تستهدف الشمولية في تقويمها لأداء الطلاب في أبعاده المعرفية والمهارية والنفسية والاجتماعية وغيرها....
ونعرض في المبحث الموالي أهم ملامح هذه الإستراتيجيات.
الصفحة 343
إستراتيجيات التقويم
لقد طغت الاختبارات على عملية التقويم لفترة طويلة، وارتبط مفهوم التقويم بالاختبارات بمختلف صورها، ولم يكن لمثل هذا النوع من التقويم كبير أثر في تجويد العمليّة التعليمية، لأنه يقيس في الغالب مستويات دنيا من مراقي المعرفة ويهتم بالنتاجات المعرفية للتعلّم أكثر من غيرها، ولا ننسى أن التقويم التقليدي اعتبر أن الطلاب هم المحور الأساس لكنهم لا يشاركون في تقويم أنفسهم.
إن التحوّل من المدرسة السلوكية إلى المدرسة المعرفية التي تهتم بما يجري داخل الذهن من عمليات عقليّة تؤثر في سلوك المتعلّم كان واحدا من ثمرات هذا الانفجار المعرفي الهائل والتقنية المتسارعة، فأصبحت الحاجة ملحة إلى متعلّم يمتلك مهارات تفكير عليا مثل تحليل المواقف ونقدها، وبلورة الأحكام، واتخاذ القرارات، وحل المشكلات، وإبداع السيناريوهات. (1998 ,Freedman & Lee)
ولم يكن التقويم التقليدي، بنزعته الجزائية ،والختامية، قادرًا على مواكبة تلك النظرة التربوية الجديدة، فكان من الضروري البحث عن أسلوب آخر في التقويم يتماشى مع متطلبات العصر، ويضع المتعلّم أمام تحديات حقيقية ليواجهها،
ويتصوّر لها الحلول المناسبة.( 1999 ,Cumming & Maxwell)
الصفحة 345
ونعرض فيما يلي تبدا من هذا التقويم البديل مقيماً إلى أنواع أربعة (الفريق الوطني للتقويم، 2004؛ السعدوي، 2010؛ الخوالده، 2017؛ العبيدي،2006):
إستراتيجيات التقويم المعتمد على الأداء أو التقويم الحقيقي :
لقد ظهر التقويم الحقيقي (أو الواقعي في اصطلاح بعضهم وترجمته) كمفهوم للتقويم الشامل والمتكامل والمباشر، الذي يُتيح للمتعلم لعب دور إيجابي في تقويم المهارات المعرفية والأدائية والوجدانية التي يمتلكها ومشاركة المدرس بوضع معايير تقويم الأداء ومستوياته، فضلا عن إعطاء كلّ من المدرّس والمتعلم فرصة تعديل إجراءات ومهام التقويم، بناء على التغذية الراجعة التي يحصلون عليها، وصولاً . بهم إلى أعلى مستويات الجودة، مع احتفاظ المتعلم بحق الدفاع عن رأيه وأدائه بالحجج والبراهين المنطقية.
تعريف التقويم الحقيقي:
تعدّدت التعاريف للتقويم الحقيقي بتعدد علماء التقويم، فمنهم من ركز على الأدوات المستخدمة في التقويم، ومنهم من ركّز على أهداف عملية التقويم، واهتم آخرون بمحتويات عملية التقويم.
ويُعرّفه ستيقنز وآخرون بأنّه تقويم يعتمد على الملاحظة والتقدير، حيث ينخرط الطلاب أثناءه في أنشطة تتطلب استخدام مهارات أدائية، أو إعداد منتج، ومن ثم الحكم على جودته (2007 ,.Stiggins et al).
ويعرفه علام (2004) بأنه التقويم الذي يتطلب قيام التلاميذ بأنشطة ذات معنى ودلالة، تُظهر تمكّنهم من مهارات أدائية متنوّعة في مواقف حقيقية، وقدرتهم على ابتكار نتاجات تُحقق مستويات جودة معينة.
الصفحة 346
ويمكن تعريف التقويم الحقيقي تعريفا شاملا بقولنا: إنها "عملية تعتمد على قياس أداء المتعلم في مواقف حقيقية، باستعمال مقاييس وأدوات متعددة تُقدّر مستوى الأداء ودرجته، بهدف جمع المعلومات لغرض استخدامها في التشخيص وإصدار الأحكام، ومن ثمّ اتخاذ القرارات المناسبة".
المبادئ الأساسية للتقويم الحقيقي:
يرتكز التقويم الحقيقي على مجموعة من المبادئ يُمكن تلخيصها في الأمور التالية:
1- تهتم عملية التقويم بجوهر التعلّم وتعمل على التحقق من مدى امتلاك الطلاب للمهارات بهدف مساعدتهم جميعًا على التعلم في ضوء محكات أداء محددة مسبقا.
2- يعتني التقويم الحقيقي بالعمليات العقلية العليا ومهارات الاستقصاء والاكتشاف عند الطلاب، ويعمل على إشغالهم بنشاطات تستدعي حل المشكلات وبلورة الأحكام واتخاذ قرارات تتناسب ومستوى نضجهم.
(Morrisson & Akerson, 2003)
3- يقتضي التقويم الحقيقي أن تكون المشكلات والمهام أو الأعمال المطروحة للدراسة والتقصي واقعية وذات صلة بشؤون الحياة العملية التي يعيشها التلميذ في حياته اليومية.
4- يُراعي التقويم الحقيقي الفروق الفردية بين الطلاب في قدراتهم وأنماط تعلّمهم وخلفياتهم، وذلك من خلال التنويع في نشاطات التقويم.
الصفحة 347
5 - يهتم التقويم الحقيقي بالتعاون بين الطلاب، ويشجع على أسلوب التعلم في مجموعات حتى يهيئ للجميع فرصًا أفضل للتعلم، ويساعد استثمار آلية القرين والنظير لمعالجة بعض مشكلات التعلم.
التحولات التي أحدثها التقويم الحقيقي:
أحدث التقويم الحقيقي تحولات جذريةً في فلسفة التقويم التربوي، وانتقل بالتقويم إلى آفاق جديدة من حيث إستراتيجياته وأدواته، ومن أبرز هذه التحولات:
والناظر إلى هذه التحولات يرى مدى الاهتمام الذي يُوليه التقويم الواقعي بالمتعلم، بهدف إكسابه المعرفة والقدرة على توظيف المعرفة والقدرة على التواصل من أجل المعرفة.
إستراتيجيات التقويم المعتمد على الملاحظة:
هي من الإستراتيجيات الشديدة الالتصاق بمشروع التعلم والأكثر ملاءمة لروحه. وهي تعتمد على جمع المعلومات عن سلوك المتعلم ووصفه وصفا
الصفحة 348
لفظيًا، وهو من أنواع التقويم النوعي، حيث تدون فيه سلوكيات المتعلم من قبل المدرّس (الملاحظ)، أو الأقران أو صاحب القرار.
يتطلب هذا النوع من التقويم تكرار الملاحظة فترة زمنية محددة، وتنويع مصادر المعلومات للمساعدة في التعرف على اهتمامات، وميول واتجاهات المتعلمين، وتفاعلهم الاجتماعي مع زملائهم، وتُعطي الملاحظة دلائل مباشرة عن تعلم المتعلمين، وتشمل ما يعملون وما يستطيعون عمله وما لا يستطيعون عمله، حيث توفّر هذه المعلومات الفرصة للمعلّم وضع خطة لاستثمار قدرات المتعلمين والبدء بتعزيز نقاط القوة لديهم.
تعريف الملاحظة:
ويُقصد بالملاحظة مراقبة عمل التلميذ عن طريق إثارة المناقشة مع الطلاب، ومتابعة أسلوب عمل الطلاب مع مجموعات العمل، وطرح الأسئلة للكشف عن أفكارهم.(آدمز وهام، 1999؛ عن فتح الله، 2006)
فهي عملية يتوجه فيها المدرس أو الملاحظ بحواسه المختلفة نحو المتعلم، بقصد مراقبته في موقف نشط، وذلك من أجل الحصول على معلومات تفيد في الحكم عليه، وفي تقويم مهاراته وقيمه وسلوكه وأخلاقياته وطريقة تفكيره. ويُعرفها قاسم (1972) بأنها المشاهدة الدقيقة لظاهرة ما، مع الاستعانة بأدوات البحث والدراسة التي تتلاءم مع طبيعة هذه الظاهرة.
أنواع الملاحظة:
يمكن تقسيم الملاحظة إلى أنواع عديدة من أهمها:
الصفحة 349
خصائص الملاحظة:
1. الحصول على معلومات عن بعض نتاجات التعلم التي لا يمكن توفيرها بواسطة طرق التقويم الأخرى.
2.توفير معلومات كمية ونوعية عن نتاجات التعلم مما يوفر درجة عالية من الثقة عند اتخاذ القرارات، وتوفر كذلك نوعًا من الشمولية في تقويم النتاجات التعليمية.
3. تتمتع بمرونة عالية بحيث يمكن تكييفها أو تصميمها بما يتناسب مع النتاجات التعلمية المختلفة ومع المراحل العمرية المختلفة.
4. توفر معلومات عن قدرات المتعلم في مواقف حقيقية، حيث توفر فرصة للتنبؤ بتقدم المتعلم ونجاحه في مهنته في المستقبل.
5.تحتاج إلى وقت وجهد عال كما تحتاج إلى تدريب الملاحظ على التوثيق والتحليل.
فوائد الملاحظة:
الصفحة 350
خطوات تصميم الملاحظة:
إستراتيجيات التقويم بالتواصل :
يُعد التواصل بمفهومه العام نشاطًا تفاعليًّا يقوم على إرسال الأفكار والمعلومات واستقبالها باستخدام اللغة، ويمكن إجراؤه إلكترونيا.
الصفحة 351
وتتم عمليات التقويم باعتماد "إستراتيجية التقويم بالتواصل" عن طريق جمع المعلومات، من خلال عدد من فعاليات التواصل، حول مدى التقدم الذي حققه المتعلم، وكذلك معرفة طبيعة تفكيره، وأسلوبه في حلّ المشكلات.
ويُستخدم هذا النوع من التقويم أثناء الأداء كتقويم تكويني، وعند اكتماله كتقويم ختامي، ويُترجم في شكل عملية تعاونية بين المدرّس والمتعلم.
فوائد التقويم بالتواصل:
خطوات تصميم التقويم بالتواصل :
الصفحة 352
إستراتيجية التقويم بمراجعة الذات:
وهي إستراتيجية تساعد المتعلمين على تشخيص نقاط قوتهم وتحديد حاجتهم. وتعرف هذه الإستراتيجية بأنها عبارة عن تحويل الخبرة السابقة إلى تعلّم
بتقويم ما تعلمه، وتحديد ما سیتم تعلّمه لاحقا.
خصائص إستراتيجية التقويم بمراجعة الذات :
تمتاز إستراتيجية التقويم بمراجعة الذات بأنها عملية مستمرة تعزّز قدرة المتعلمين على تحمل مسؤولية تعلّمهم، وتُعزّز مهارات التفكير العليا
لديهم وتنمي فيهم مهارة حل المشكلات.
خطوات تصميم التقويم بمراجعة الذات:
أولاً: مرحلة الإعداد
الصفحة 353
ثانياً: مرحلة التنفيذ
ثالثاً : مرحلة المعالجة:
وتشمل تقويم مراجعة الذات مع المدرس.
الصفحة 354
التقويم الحقيقي ( الواقعي )
لا معنى لتغيير "إستراتيجيات التعليم " إذا لم يرافقها تغيير مكافئ لإستراتيجيات التقويم"، وإذا كانت النماذج التعليمية الحديثة تسعى إلى تفعيل دور المتعلم في عملية التعلم، وإلى تهيئة الظروف حتى يقدر المتعلّم على تنمية شخصيته وشحذ مهاراته وتطوير كفاياته، فإنّ من مقتضيات ذلك أن تحدث تغييرات نوعية في "مجالات اهتمام" العملية التقييمية وآلياتها ومعاييرها....
إن الموقع من التقويم داخل عمليات التعلّم أن يسعى إلى جعل التلميذ يتابع نشاطه بنفسه، ويرصد مواطن النجاح، ويشخّص الصعوبات، ويعدّل مساراته عند الاقتضاء، أو يصوب خياراته إن لزم الأمر، وإلى أن يمكن المدرّس من متابعة نشاط المتعلم، والتدخل بالتوجيه عند الحاجة، وإلى تثمين العمل النهائي.
فهو بطريقة أخرى أداة ينبغي أن تساعد كلاً من المدرّس والمتعلّم على تطوير التعلم وليس غاية في حدّ ذاته. والأجدر به أن ينوّع في طرائقه فيكون ذاتيا فرديا وجماعيا ويتخلل مختلف مراحل الدروس والعروض، ويتم التركيز فيه على مسارات الإنجاز المعتمدة وعلى مدى التقدم الذي حققه التلاميذ بالنظر إلى الأهداف التي وضعت منذ البداية قصد تبين
الصفحة 355
مواطن النجاح ودعمها والوقوف على الأخطاء لاستثمارها في تعديل المسارات وتطوير مناهج التعلم وطرق العمل.
وعلى هذا الأساس لم يعد مقبولا أن يقتصر "التقييم" على قياس التحصيل الدراسي العادي للطالب في المواد المختلفة، بل من الضروري أن يتعداه لقياس مقومات شخصية
التلميذ بشتى جوانبها وبذلك تتسع مجالاته وتتنوع طرائقه وأساليبه.
1- نشأة التقويم الحقيقي :
يُعتبر التقويم أحد أهم الأدوات التي تؤثر في تشكيل النموذج التربوي ورفع كفايته وفاعليته. وإذا كنا ننشد تعلما نوعيا نخرج به من الجمود التعليمي القائم على التلقين وحفظ المعلومات واسترجاعها، إلى حيوية التعلم الناتج عن الاستكشاف والبحث والتحليل والتعليل وحل المشكلات، فإنّ ذلك سيتطلب منا توظيف إستراتيجيات وأدوات تقويم مختلفة عن التي تسود المشهد التعليمي الراهن.
فإذا أضفنا إلى ذلك الثورات العلمية والتقنية والرقمية التي اتسم بها العصر. الحديث، بما فيها من تكنولوجيا وحوسبة للمناهج، واستخدام مصادر تعلم جديدة مثل الإنترنت والفيديوهات وغيرها، فهمنا وجه الحاجة الملحة في البحث عن إستراتيجيات تقويم حديثة تستخدم أدوات مختلفة . عن تلك السائدة في مناهجنا الآن، والتي تعتمد في جلّها على الاختبارات.
وقد وجدت دعوات التجديد هذه مرجعا لها فيما حصل داخل الساحة النظرية لعلوم التربية من التحول من المدرسة السلوكية التي تؤكد على أن يكون لكل درس
الصفحة 356
أهداف عالية التحديد مصوغة بسلوك قابل للملاحظة والقياس، إلى المدرسة المعرفية التي تركز على ما يجري بداخل عقل المتعلم من عمليات عقلية تؤثر في سلوكه، والاهتمام بعمليات التفكير وبشكل خاص عمليات التفكير العليـا مثـل بلورة الأحكام واتخاذ القرارات وحل المشكلات باعتبارها مهارات عقلية تمكن الإنسان من التعامل مع معطيات عصر - المعلوماتية، وتفجر المعرفة، والتقنية المتسارعة التطور.
إذن كان التحوّل من المدرسة السلوكية إلى المدرسة المعرفية التي تهتم بما يجري داخل الذهن من عمليات عقليّة تؤثر في سلوك المتعلم، كان واحدا من ثمرات هذا الانفجار المعرفي الهائل والتقنية المتسارعة، فأصبحت الحاجة ملحية إلى متعلّم يمتلك مهارات تفكير عليا مثل تحليل المواقف ونقدها، وبلورة الأحكام، واتخاذ القرارات وحلّ المشكلات، وإبداع السيناريوهات.
(Freedman & Lee, 1998)
ولم يكن التقويم التقليدي، بنزعته الجزائية والختامية، قادرًا على مواكبة تلك النظرة التربوية الجديدة، فكان من الضروري البحث عن أسلوب آخر في التقويم يتماشى مع متطلبات العصر، ويضع المتعلّم أمام تحديات حقيقية ليُواجهها، ويتصوّر لها الحلول المناسبة.( 1999 ,Cumming & Maxwell)
في هذا السياق نفهم ما شهده مفهوم التقويم في هذه السنوات الأخيرة من ثورة وما عرفته أدواته من تنويع وتجديد ، إذ أصبح للتقويم أهداف جديدة ومتنوعة.
لقد شهدت هذه العقود الأخيرة توجّها للاهتمام بنتاجات تعلم أساسية، مـن الصعب التعبير عنها بسلوك قابل للملاحظة والقياس يتحقق في موقف تعليمي
الصفحة 357
محدد. وهكذا فقدت الأهداف السلوكية بريقها الذي لمع في عقد الستينات، ليحـلّ مكانها كتابة أهداف حول نتاجات التعلموالتي تكون على شكل أداءات أو إنجازات يتوصل إليها المتعلم كنتيجة لعملية التعلم. وهذه النتاجات يجب أن تكون واضحة لكل من المدرّس والمتعلم حتى يستطيع المتعلم تقويما ذاتيا، ليرى مقدار ما أنجزه مقارنة بمستويات الأداء المطلوبة.
ويسمى التقويم الذي يراعي توجهات التقويم الحديثة بالتقويم الحقيقي. وهو التقويم الذي يعكس إنجازات التلميذ ويقيسها في مواقف حقيقية.
يُعرفه ستيقنز وآخرون بأنّه تقويم يعتمد على الملاحظة والتقدير، حيث ينخرط الطلاب أثناءه في أنشطة تتطلّب استخدام مهارات أدائية، أو إعداد منتج، ومن ثمّ الحكم على جودته (2007 ,Stiggins, Arter, Chappuis & Cappuis).
فهو تقويم يجعل الطلاب ينغمسون في مهمات ذات قيمة ومعنى بالنسبة إليهم، فيبدو كنشاطات تعلم وليس كاختبارات سريعة يمارس فيه الطلاب مهارات التفكير العليا ويوائمون بين مدى متسع من المعارف لبلورة الأحكام أو لاتخاذ القرارات أو لحل المشكلات الحياتية الحقيقية التي يعيشونها. وبذلك تتطور لديهم القدرة على التفكير التأملي الذي يساعدهم على معالجة المعلومات ونقدها وتحليلها ؛ فهو يوثق الصلة بين التعلم والتعليم، وتختفي فيه مهرجانات الامتحانات التقليدية التي تهتم بالتفكير الانعكاسي لصالح توجيه التعليم بما يساعد التلميذ على التعلم مدى الحياة.
الصفحة 358
2-أسس التقويم الحقيقي :
يقوم التقويم داخل تعلّم مبني على المشروعات على عدد من الأسس والمبادئ التي يجب مراعاتها عند تطبيقه ولعل أبرز هذه المبادئ ما يأتي:
الصفحة 359
3-أهداف التقييم الحقيقي :
يهدف التقييم الحقيقي إلى:
4-مجالات التقويم الحقيقي :
يعتني التقييم الواقعي بقياس مهارات التلميذ في سياق واقعي، ويهتم بمدى قدرته على استثمار مهاراته لإنجاز أنشطة ومشاريع حقيقية.
الصفحة 360
الصفحة 361
أدوات التقويم
لقد ابتكرت الأدبيات التقويمية الحديثة قدرًا لا بأس به من أدوات التقويم الفعّال أو البديل، أدوات تهتم بمتابعة الأداء أكثر من الإنتاج النهائي، وتُلاحظ المتعلم في معارفه ومهاراته وكفاياته ومواقفه وسلوكاته.
وإذا كانت الاختبارات التقليدية تميل إلى الحدود القاطعة في الإجابات: فإما أن تكون صحيحة أو خاطئة، فإنّ تقويمات الأداء، لا تتضمن إجابات صحيحةً أو خاطئة بالمفهوم المتعارف عليه، ولكن تتضمّن محكات تحدد مستويات الأداء بالنسبة إلى الفرد أو المجموعة. ونعني بمحكات الأداء: الأدلة والقواعد والخصائص أو الأبعاد التي تُستخدم للحكم على جودة أداء التلميذ. (الفريق الوطني للتقويم 2004؛ السعدوي،2010)
ومن أهم الأدوات التي ا ابتكرها التقويم الحديث:
قائمة الرصد.
الصفحة 363
وسنعرض بشيء من التفصيل لبعض ما نُقدّره الأهم منها في مثل هذا السياق، أما التناول المفصل لكل الأدوات فيرجع فيه إلى المراجع الممحضة للتقويم وإستراتيجياته المختلفة: (عودة، 2005؛ الفريق الوطني للتقويم، 2004؛ السعدوي، 2010؛ دعمس،2008) :
أولا : قوائم المراجعة ( قوائم الشطب )
وهي عبارة عن قائمة المعايير التي يرصدها المدرّس أو التلميذ أثناء تنفيذ المهمة، ويمكن أن تكون قائمة مهاراتٍ أو مفاهيم أو اتجاهات. وهي أداة مناسبة لمعرفة مدى تحقق النتاجات التعليمية لدى المتعلم، وتكون طريقة الاستجابة باختيار إحدى الكلمتين (نعم)، (لا) أو (موافق) غير موافق)، أو (مناسب، غير مناسب).(السعدوي،2011)
خطوات تصميم قوائم المراجعة :
يتطلب بناء قوائم المراجعة ثلاث خطوات على الأقل:
الصفحة 364
(أنظر الشكل 28 و 29 الموجود في الصفحة 365 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه ).
الصفحة 365
ثانيا : سلم التقدير
وهو قائمة من الأفعال / السلوكيات التي يُقدّرها المدرّس أو التلميذ، حيث تخضع كل فقرة فيه للتدريج إلى عدة فئات تمثل كلّ فئة درجة من درجات التمكن من المعيار.
ويُمثل أحد طرفي التدريج وجود الصفة بشكل متدن، والطرف الآخر وجودها بشكل عال وما بين الطرفين تكون درجة وجود الصفة متفاوتة (عودة،2005).
وعلى المدرس أن يشرك المتعلم في تطوير المعايير وبناء السلم التقديري، ويشجعهم على تقويم أعمالهم باستخدام ذلك السلّم ..(McMillan, 2007)
خطوات إعداده:
تقوم عملية بناء سلّم التقدير على ثلاث خطوات على الأقل:
1 - تجزئة المهارة أو المهمة إلى مجموعات من المهارات أو المهام الجزئية، أو إلى مجموعات من السلوكيات المكونة للمهارة المطلوبة.
2- ترتيب السلوكيات المكونة للمهارة التي يتم قياسها حسب تسلسل حدوثها.
3- اختيار التدريج المناسب لتقدير الأداء في هذه المهارات الجزئية ، وذلك وفقا لطبيعة المهمة أو المهارة وطبيعة السلوكيات المكونة لها.
الصفحة 366
تقسيمات سلم التقدير :
ويستطيع المدرّس تحويل الصورة اللفظية إلى عددية وخاصة بغرض إجراء الحسابات والتحليل الإحصائي وفيما يلي نموذج مقترح لعملية التحويل:
وتعتمد هذه الفئات على أحكام المقدرين (المدرّسين) والتي يجب أن تكون موضوعية.
(انظر الأشكال الموجودة في الصفحة 367 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه ).
الصفحة 367
(انظر الشكل 30 و31 الموجود في الصفحة 368 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه ).
الصفحة 368
ثالثا : مصفوفة التصحيح
وهي عبارة عن مصفوفة تتضمّن بعدين هما: "محكات الأداء"
وهي عبارة عن مكونات جزئية أو مجالات فرعية تؤخذ بعين الاعتبار في تقويم مُهمَّة تعليمية معينة، و"مستويات
الأداء" مع وصف إجرائي لما يُتوقع من التلميذ تحقيقه في ذلك المستوى مع كل محك:
(انظر الشكل 32 الموجود في الصفحة 369 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه ).
الصفحة 369
رابعا : بطاقة الملاحظة:
يمكن استخدام بطاقة الملاحظة داخل حصة المشروع من أجل:
وتقوم عمليّة قياس الأداء طبقا لمعايير محدّدة يضعها المدرّس في ضوء الأهداف السلوكية والمهارية المحددة مسبقا. هذا وتختلف ينود بطاقة الملاحظة من مهمة إلى أخرى طبقا لطبيعة المهمة وخطوات تنفيذها. (فتح الله،2009)
الصفحة 370
* إستراتيجية التقويم: مراجعة الذات. * أداة التقويم: سجل سير التعليم.
سجل التلميذ الملاحظات الآتية بعد مناقشة ضمن فريقه، وقد تم خلالها تصنيف نباتات الحديقة المدرسية. وبناءً عليها سجّل المدرّس ملاحظاته.
(أنظر الشكل 33 الموجود في الصفحة 371 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاة ).
الصفحة 371
مجالات التقويم
نقصد بمجالات التقويم الفعاليات والآنشطة المقوّمة خلال الدرس مهما كان نوعه وطبيعته. وقد جرت العادة أن يضيق نطاق التقويم ليتعلق فقط بأوقات معينة حددتها النصوص المنظمة لتقويم عمل التقويم في المدرسة، وليأخذ طبيعة واحدة تقريبا وهي الطبيعة الجزائية.
الفعالية 1: البحث
لا غرابة في اعتبار هذه المهمة إحدى أكثر المهام التصاقا بالتعلم المبني على المشروعات والأقدر على النهوض بأهدافه، ذلك أنّ الطلاب يستغرقون خلال العمل البحثي في استقصاء المشكلات الملحة، ويشاركون بفعالية في وضع الفرضيات وخوض التجارب والتخاذ القرارات وصياغة الخلاصات والاستنتاجات وهي تخدم أهدافا تعليمية هامة قد لا تنجح تعلمات عادية كثيرة
في تحقيقها.
مراحل البحث:
يمر البحث بعدة مراحل تشكل في مجموعها حزمة من الإجراءات التي تؤدي إلى إنجاح البحث وهي:
الصفحة 372
ومن الجوانب الفنية التي يجب الاهتمام بها داخل البحث:
ويتطلب استخدام البحث كأداة تعلّم أن يقع التركيز فيه على هدف أو أهداف تعليمية محدّدة، وأن يكون لكل طالب فيه دور واضح، وأن يحصل كل طالب على الفرصة نفسها في استخدام المصادر اللازمة لإنجاز العمل، وأخيرا أن تتوفّر إستراتيجيات ومعايير دقيقة تضمن التقويم العادل لبحوث التلاميذ.
الصفحة 374
(أنظر الشكل 34 الموجود في الصفحة 375 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه ).
الصفحة 375
الفعالية 2: حلّ المشكلات
يُعرف أسلوب حلّ المشكلات بأنه سلسلة من العمليات المعرفية والمهارات التي يستخدمها التلميذ للوصول إلى حل مشكلة ما، وتهدف هذه الطريقة إلى تشجيع التلميذ على استخدام عمليات عقلية عليا من أجل إنجاز المهمة، وذلك عن طريق تحديد المشكلة بطريقة صحيحة والقيام بعمليات استكشاف ووضع الحلول المؤقتة والقدرة على الوصول إلى الحل الصحيح للمشكلة وتقويم العملية ككل.
وقد وضعت لأسلوب حلّ المشكلات خطوات محددة تقوم على ما يلي:
1. الشعور بالمشكلة.
2. تحديد المشكلة.
3. وضع حلول مؤقتة بطريقة العصف الذهني.
4. تحديد الحل المناسب.
5. تقويم الحل.
فقد تبدأ الرحلة بعرض المشكلة على التلاميذ في شكل فلم أو قصة أو صورة، ويُشفع العرض بمناقشة المفاهيم المرتبطة بها ليُصار إلى تحديدها تحديدا دقيقا، ومن ثم تقترح الحلول المناسبة، ليتم تقويمها واختيار الحل الآنسب وتقويمه مرة أخرى للتأكد من فعاليته.
الصفحة 376
(أنظر الشكل 35 الموجود في الصفحة 377 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه ).
الصفحة 377
الفعالية 3: لعب الأدوار
يتيح لعب الأدوار (تمثيل الأدوار فرصة التعلّم عن طريق المواقف التمثيلية، مما يتيح للمتعلمين فرصة استكشاف طبيعة العلاقات الداخلية للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية... ويُمكّن المشاركين من الاطلاع على عينات من أساليب التفاعل بين النّاس وتحليلها لغرض توضيح النزاعات والقيم والبدائل السلوكية. (الفنيش، 1991)
ويقوم تمثيل الدور على أن يُنفّذ الطلاب حوارًا أو نقاشا بكل ما يرافقه من حركات وإيماءات يتطلبها الدور في موقف يشبه موقفًا حياتيا حقيقيا، لإظهار مهاراتهم المعرفية والأدائية ومدى قدرتهم على اتباع التعليمات، والتواصل وتقديم الاقتراحات وصنع القرارات من خلال تنفيذ مهمة أو حلّ مشكلة، في حين يقوم المدرس أو لجنة التحكيم بتقويم السّلوك من خلال تسجيل الملاحظات.
ويمكن أن يكون الموقف تقنيا محوسبا، حيث يندمج المتعلم في موقف محاكاة محوسب، وعليه أن ينفّذ نفس النوع من الأعمال والقرارات التي يتوقع مصادفتها في عمله مستقبلًا.
وفي حين تُصنع المواقف في لعب الأدوار من خلال حوارات وأنشطة مباشرة مع عناصر بشرية أو غير بشرية، فإن مواقف المحاكاة المحوسبة المبنية تقنيا تقدم موقفًا على شاشة الكمبيوتر ، ويُمكن خلال هذا الموقف أن يُظهر المتعلم قدرته على اتخاذ القرارات حيث يقدّم البرنامج المحوسَبُ مئات من المواقف والعناصر المختلفة.
الصفحة 378
يمكن استخدام لعب الأدوار في كثير من المواد الدراسية، وقد بينت الدراسات أن التلاميذ ذوي الصعوبات يزداد نموهم المعرفي في حالة دمجهم في لعب الأدوار، ومن المهم تحديد الدور بدقة للطالب ليتسنى له جمع البيانات المتعلقة بدوره. وأظهرت التجارب لتمثيل الأدوار فعالية كبيرة في تناول مشكلات ذات العلاقة بقضايا اجتماعية مثل:
(أنظر الشكل 36 الموجود في الصفحة 379ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه ).
الصفحة 379
الفعالية 4 :الدراسة المسيحية
(أنظر الشكل 37 الموجود في الصفحة 380 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه ).
الصفحة 380
الفعالية 5: المقابلة
وهي في الحقيقة شكل من أشكال التفاعل اللفظي، يتم عن طريق مواجهة مباشرة يحاول فيها الشخص القائم بالمقابلة أن يستثير معلومات شخص آخر وآرائه ومعتقداته، بالإضافة إلى حصوله على بعض البيانات الموضوعية الأخرى. (خيري، 1978؛ عن فتح الله الله ،2006)
وتُعتبر المقابلة طريقةً من طرق جمع المعلومات في عملية التقويم، ويُمكن أن نضرب عليها مثلا بالاختبارات الشفوية. وتُعرَّف المقابلة على أنها لقاء بين المدرّس والمتعلّم محدَّد مسبقا، يمنح المدرّس فرصة الحصول على معلومات تتعلق بأفكار المتعلّم واتجاهاته نحو موضوع معين، وتتضمن سلسلة من الأسئلة المعدة مسبقا.
أنواع المقابلة:
تقسم بالنظر إلى طبيعة الأسئلة إلى:
وتقسم بالنظر إلى طبيعة المشاركين فيها إلى:
الصفحة 381
وتعتبر المقابلة من الأساليب المهمّة في العملية الإرشادية في مواقف
متعدّدة منها :
إرشادات مقترحة للمقابلة :
الصفحة 382
الفعالية 6: الأسئلة والأجوبة
تُعد طريقة الأسئلة من الطرق المهمة في جمع المعلومات بهدف تقويم التلميذ في هذه المهارة، ويحقق استخدام الأسئلة عدة وظائف منها تشجيع الطلاب على التعلم الذاتي والتفكير والبحث وإثارة الدافعية وجذب الانتباه وتحمل المسئولية.
أنواع الأسئلة:
(أنظر الشكل 38 الموجود في الصفحة 384 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه ).
الصفحة 383
الفعالية 7 : المشاركة في جلسة نقاش
(أنظر الشكل 39 الموجود في الصفحة 384 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه ).
الصفحة 384
الفعالية 8 : المناظرة
(أنظر الشكل 40 الموجود في الصفحة 385 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه ).
الفعالية 9 :العمل في مجموعة
(أنظر الشكل 41 الموجود في الصفحة 385 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه ).
الصفحة 385
الفعالية 10 : المشاركة في جلسة نقاش
(أنظر الشكل 42 الموجود في الصفحة 386 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه ).
الفعالية 11: الواجبات غير الصفية
يعتبر الواجب المنزلي مهمة يحدّدها المدرّسُ في الدرس العادي للطالب ليقوم بها خارج الفصل أو في المنزل، بهدف التهيئة والاستعداد أو التدريب والترسيخ: فالواجبات التي تستهدف التدريب تركّز على المهارات المطروقة حديثا، بينما تُركز واجبات التهيئة على موضوعات جديدة تساعد التلاميذ على الاستعداد لأنشطة جديدة يتضمنها الدرس، أما الواجبات التي تهدف إلى الترسيخ، فهي تعتمد على تطبيق ما تعلمه التلميذ.
أما في التعلم المبني على المشروعات، فيمكن أن يحدد الواجبات غير الصفية المدرس أو مجموعة التلاميذ في إطار خطة العمل، أو التلميذ نفسه في إطار القيام بدوره داخل
الصفحة 386
المشروع. وتنبع أهمية الواجبات غير الصّفّية من كونها أداة لزيادة فرص الطلاب للتعلّم الذاتي من خلال زيادة وقت التعلم.
(أنظر الشكل 43 الموجود في الصفحة 387 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه ).
الفعالية 12: العرض الشفهي
تحضر هذه المهمة بكثافة داخل التعلّم المبني على المشروعات، ونعني بها العرض الشفوي الذي يقوم به المتعلم لتوضيح مفهوم أو فكرة، ويأتي تتويجا لعملية جمع معلومات وتنظيمها وتحليلها، ثمّ إعادة تأليف العناصر المتناثرة في كلّ متكامل، يُظهر قدرة المتعلّم على إعادة عرض المفاهيم بلغة واضحة وطريقة مبتكرة.
الصفحة 387
(أنظر الشكل 44 الموجود في الصفحة 388 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه ).
الصفحة 388
الفعالية 13: المعرض
تتبوأ هذه المهمة كذلك مكانة خاصة في التعلم المبني على المشروعات، خاصة في المرحلة الثالثة والأخيرة منه، باعتبارها فعلا تعلميا نوعيا مميزا يقوم على العمل والتعلم الذاتي، وهي تعني أن ينفّذ المتعلمون عرضا لإنتاجهم الفكري والعلمي في مكان ما ووقت متفق عليه، ويرتبط في الغالب بمنتج أو عمل قام به التلميذ، ويتولى عرضه على مستوى الصف أو المدرسة، متضمنا نماذج أو مجسمات أو صورا أو لوحات أو أعمالاً فنية أو منتجات أو أشغال يدوية.
(أنظر الشكل 45 الموجود في الصفحة 389 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه ).
الصفحة 389
الفعالية 14: التقويم الذاتي
ويُعرف التقويم الذاتي بأنه "التقويم الذي يحكم خلاله الطلاب على جودة عملهم، بناءً على أدلة ومعايير واضحة لغرض القيام بعمل أفضل في المستقبل" .( 1 .Rolheiser & Ross, 2013, p)
أما ماكميلان وهارن فيُعرّفانه باعتباره "عملية يقوم بها الطلاب من أجل:
1) مراقبة جودة تفكيرهم وسلوكهم عند التعلم وتقويمه.
2) تحديد الإستراتيجيات التي من شأنها أن تحسن فهمهم ومهاراتهم. أي أن التقويم الذاتي يحدث عندما يحكم الطلاب على عملهم الخاص لتحسين أدائهم، حيث يحدّدون المسافات بين الأداء الحالي والأداء المرغوب " .( 1 .McMillan and Hearn, 2008, p)
وقد اقترحت رولهايزر وروس نموذجًا من أربع مراحل لتدريب الطلاب على ممارسة التقويم الذاتي و وتتمثل هذه المراحل الأربع في (Rolheiser & Ross, 2013, p. 6-8):
الصفحة 390
(أنظر الشكل 46 الموجود في الصفحة 391 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه ).
الفعالية 15 : ملف إنجازات التلميذ
ملف يتضمن نماذج من أعمال التلميذ واهتماماته، يتم انتقاؤها بعناية لتظهر مدى تقدمه عبر الوقت. ويحتاج الملفّ وقتاً أطول من أية أداة تقويم أخرى
(الفريق الوطني للتقويم، 2004؛ السعدوي، 2010).
ومن أهم فوائد ملف الإنجازات:
وعادة ما يتكوّن ملف الإنجاز مما يلي:
الصفحة 391
(أنظر الشكل 47 الموجود في الصفحة 392 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه ).
الصفحة 392
الفعالية 16: يوميات التلميذ
هي أقرب إلى الوسيلة منها إلى الإستراتيجية. وهي بمثابة مذكرة يكتبها التلميذ، تتضمن خواطره حول ما قرأه أو شاهده أو سمعه، و ه، وتوضع هذه المذكرة في ملف التلميذ وتُستخدم لتطوير مهارات الاتصال والتأمل الذاتي
حول عمليات التعلم( الفريق الوطني للتقويم، 2004 السعدوي، 2010).
اليوم....... التاريخ.......
(أنظر الشكل 48 الموجود في الصفحة 393 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه ).
الصفحة 393
الفعالية 17: تقويم الأقران
لقد خلصت الدراسات إلى أنّ تقويم الأقران يُعزّز الفهم العميق، ويزيد من مشاركة المتعلّمين في الحياة الأكاديمية، ويساهم في تطوير مهارات التفكير، ويزيد من الوعي بمجموعة واسعة من الحلول الممكنة للمشاكل، ويُسهم في تطوير المتعلمين الذين يعتمدون على الذات والتوجيه الذاتي، ويزيد من التعاون والتفاعل
التواصل مع الاجتماعي عن طريق تقليل التنافس بين المتعلّمين . (, Nyaumwe & Mtetwa
p. 36, 2006)
ويرتبط تقويم الأقران ارتباطًا وثيقا بالتقويم الذاتي، وهو يُفيد في استكمال الجوانب التي قد لا يُغطيها التقويم الذاتي تغطية جيدة، خاصة فيما يتعلّق بتقديم تغذية راجعة خارجية للمتعلم.
وهو يقوم على تقويم التلميذ أعمال أقرانه: إذ يمكن لطالبين مثلاً أن يتبادلا الإنجازات أو المهام أو الأعمال التي أداها كل منها، ليتولّى كلُّ منهما تقويم عمل صاحبه من حيث جودته ودقته وملاءمته للأهداف، وهو ما يتطلب تنظيما وإعدادًا مُحكميْن حتى يُحقق تقويم الأقران هدفه، وتكون الأحكام النّاجمة عنه أقرب إلى الصواب.
ولتقويم الأقران أثر كبير على عملية التعلم، فهو:
الصفحة 394
التلميذ الذي يقوم بعملية التقويم...... التلميذ المقوم ........
(أنظر الشكل 49 الموجود في الصفحة 395 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه ).
الصفحة 395
خاتمة
عندما تكون المجتمعات في أفضل حالاتها، فإنّ نظمها المعرفية بمختلف أشكالها
ومستوياتها، تلد مفاهيم ومصطلحات وتئد أُخرى...
وتخوض تجربة، وتقوم تجربة، وتجني ثمار تجربة، وتُعدّل تجربة...
تعيش حركة مفاهيمية واصطلاحيّة وأدواتية على قدر حركة الحياة في ربوعها، وعلى قدر
إرادة الإبداع في نفوس أبنائها....
أما في الحالات الأخرى، فإنّها ترفض حتى أن تعرف المفاهيم الجديدة، فضلا عن تجريبها وتقويمها عمليا ودون أحكام مسبقة....
وهي تعجز حتى أن تُغيّر ما تعلم يقينا أنه لم يعد مناسبا من طرائق عملها وتعليمها...
لقد حاول الكتاب، أن يقطع بعض أعذار النفس وهي تعلّل صاحبها (مهما كان موقعه التربوي قائلة : التغيير التربوي، ولو بتجريب إستراتيجية تعليمية لم تألفها مناهجنا
وطرائق تدريسنا، غير متاح لأننا لا نملك الرّؤية الواضحة والإجراءات الدقيقة...
فاقترح الكتاب نفسه على جمهور المربين والتعليميين مفاهيم ومرجعيات، وإستراتيجيات عمل وإجراءات ونماذج ..
الصفحة 397
آملا أن يكون قد أثار دافعيتك لتجريب ما لم تتعوّده أو آنسَك بعض الشيء في ما قد تستشعره من الصعوبة أو التوجس وأنت تقدم على ما لم تفكر فيه من قبل أو لم تجد الفرصة لتجريبه...
غير مدع أنه قد جمع لك كل ما استجد من مفاهيم، أو حتى كل ما تحتاجه منها، ولم يقصد ذلك، بل جمع لك مفاهيم قد تكون بوّابة إلى أخرى، وقضايا وأدوات قد تساعدك على التفكير في ممارستك والتأمل في أدائك، وتفتح لك آفاقا بعض الآفاق لتطويره...
الصفحة 398
(أنظر المراجع الموجودة غي الصفحة من 399 إلى416 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه).
الصفحة 416