تعلم العلوم بالاستكشاف
المؤلف: روزالند درايفر
التصنيف: كتب أخرى
عرض PDFالوصف:
روزالند درايفر، تعلم العلوم بالاستكشاف، ترجمة محمد سعيد صباريني وأياد أحمد محمد وعبد الرؤوف قبلاوي، ذات السلاسل للطباعة والنشر والتوزيع، الكويت
تقديم الترجمة
يسعى هذا الكتاب إلى تمكين معلمي العلوم وطلاب اقسام العلوم في كليات التربية ومعاهد المعلمين من فهم تفكير التلاميذ في دروس العلوم وبخاصة من هم في بداية سن المراهقة، ويشير بشكل خاص الى الصعوبات التي تواجه مثل اولئك التلاميذ في فهم الأفكار الاكثر تجديداً. وينفرد الكتاب في كونه يستند إلى امثلة واقعية استخلصتها المؤلفة من مناقشات ومشاهدات مع التلاميذ في دروس العلوم.
ويؤكد الكتاب على ضرورة ان يدرك معلمو العلوم المفاهيم السابقة للتلاميذ واطرهم البديلة (الأفكار المكنونة لديهم (التي يأتون بها إلى حجر الدراسة، وعليهم ان يطوعوا اساليب تدريسهم في اتساق معها.
والكتاب بالرغم من واقعيته أولاً، إلا أنه يثير تساؤلات حول اعادة تقييم تدريس العلوم في ضوء التطورات في مجال علم النفس المعرفي وفلسفة العلم.
هذا عن الكتاب، اما الترجمة فحرصنا ان تكون دقيقة بحيث تعكس افكار المؤلفة تماماً، ولم نتدخل إلا ببعض الهوامش التوضيحية، إلا أن الأمانة تقتضي الاشارة إلى الآتي:
الصفحة 5
1- استبعدنا الأسماء الأجنبية للتلاميذ الواردة في الكتاب واستبدلناها باسماء عربية
2- الغينا ثلاثة اشكال (3 ، 4 ، 5 في الصفحتين 14 ، 15 من الأصل في الفصل الثاني ) التي تمثل تسجيلات وتعليلات للتلاميذ حول بعض التجارب ، وذلك لعدم وضوح الخط ، مع العلم ان هذا الالغاء لم يؤثر في طبيعة المحتوى .
3- استر شدنا في ترجمة المصطلحات التربوية بقاموس التربية للدكتور محمد علي الخولي - اصدار دار العلم للملايين - الطبعة الأولى ، 1981 .
وأما عن مبدأ الترجمة نفسه ، فإننا نؤمن ان الترجمة تساعد على الاستيعاب وتشجيع الابتكار ... ولنا في اليابان عبرة فهم هناك نقلوا ولا زالوا ينقلون من لغات العالم وبذلك استوعبوا وسبقوا في الكثير من الميادين
....وقديماً ترجموا
والله نسأل ان نكون قد قدمنا ما فيه نفعاً لتعليم وتعلم العلوم في مدارسنا.
المترجمون
د. محمد سعيد صباريني
اياد احمد ملحم
عبد الرؤوف شفيق تبلاوي
الصفحة 6
تصدير
طرق الاستكشاف في تدريس العلوم تضع التلاميذ في مكانة الباحث لمتقصي أو المستكشف بإعطائهم فرصاً ليقوموا بأنفسهم بإجراء التجارب واختبار لأفكار. ولكن ما الذي يحدث بالفعل في حجرات الدراسة عند استخدام هذا الاتجاه؟ إن أفكار التلاميذ مع إنها، بالطبع، أقل تعقيداً وصقلاً من أفكار العلماء الممارسين، إلا أنه يمكن استخلاص بعض الموازنات الممتعة. توماس کوهن (Thomas Kuhn) يشير في اعماله إلى أنه عند وضع أو ترسيخ نظرية علمية أو نموذج علمي، فإن تفكير العلماء في هذا الشأن يتغير عادة ببطء والتلاميذ، مثل العلماء، يرون العالم من خلال مفاهيمهم السابقة بحيث يصعب على الكثير منهم الانتقال من حدسهم الذاتي الى الأفكار التي تقدمها دروس العلوم
هذا الكتاب يحاول أن يصف الأحداث في المسار التعليمي للتلميذ كعالم دون جنوح إلى الارشاد والتوجيه. ومن أجل ذلك فإنه يعطي العديد من الأمثلة على مناقشات التلاميذ واعمالهم الكتابية. وقد جمعت معظم الامثلة خلال دراسة استغرقت أربعة شهور لتلاميذ صف دراسي في العلوم يتبع المختبر المناهج بجامعة الينوي. وكما تبين المقتطفات فإن المعلم شجع تلاميذه على ظاهرة الاستكشاف وتكوين استنتاجاتهم أو استدلالاتهم الخاصة. ومن اجل تبين نمو
الصفحة:7
تفكير التلاميذ بشيء من التفصيل، فقد اختيرت مجموعة صغيرة من التلاميذ، كما استخدمت أمثلة اضافية من دروس علوم أخرى. ومعظم هذه الأمثلة هي من أعمال تلاميذ شاهدتهم في فصولهم أو قمت بتدريسهم بنفسي.
الفصل الأول من الكتاب يوضح بأن التلاميذ يأتون إلى دروس العلوم بأفكار متكونة لديهم مسبقاً أو بأطر بديلة. وقد تكون هذه الأفكار أو الأطر على درجة من التباين عن النظريات التي يهدف المدرس إلى تنميتها لدى التلاميذ. وتوضح الأمثلة في هذا الفصل مغالطة أو عدم مصداقية الطريقة الاستقرائية1 في تدريس العلوم
وتعطي الفصول الأخيرة مزيداً من الامثلة على الاطر العامة البديلة وكيفية تأثيرها على مشاهدات التلاميذ وادراكهم لها.
وتركز الابحاث حالياً فيما يتعلق بتفكير التلاميذ اثناء دراسة العلوم، على تنمية قدراتهم المنطقية. ويشير فصل متقدم في الكتاب، بالاستعانة بالأمثلة، إلى حدود هذه الوضعية في فهم تفكير التلاميذ والتوصية بإعطاء مزيد من الاهتمام لتنمية افكار ومفاهيم خاصة في مقابل مهارات التفكير العامة.
وبالتأكيد فإن هذا الكتاب يثير أسئلة حول الممارسة الفعلية للتدريس. كما وإنني اعترف بخطورة اعطاء ارشادات وتوصيات تتعلق بحلول بسيطة المشكلات معقدة. ومع ذلك فإن الكتاب يتضمن اموراً حول تدريس العلوم بالمرحلة الثانوية، كما أن الفصل الأخير منه يعطي توصيات عامة لممارسة التدريس في الفصول
ويشتمل الكتاب على ملحق يلخص طريقة تمثيل الأطر العلمية عند التلاميذ بالاعتماد على امثلة مستمدة من موضوعات علم الديناميكا
الهوامش:
1- الاستقراء: عملية الانتقال من الجزئيات إلى الحكم الكلي أي إلى التعميم.
الصفحة:8
الفصل الأول: مغالطة الاستقراء في تدريس العلوم
العلم ليس مجرد مجموعة من القوانين أو قائمة من الحقائق، ولكنه ابتكار يبدعه العقل الانساني بما يخترعه، بحرية، من حقائق ومفاهيم. وتحاول النظريات الفيزيائية تكوين صورة عن الحقيقة وترسيخ ارتباطاتها بعالم الانطباعات الحسية
A.Einstein and L. Infield
The Evolution of Physics (1938).
نحن كبالغين نتعامل في حياتنا اليومية مع الأحداث بمجموعة من المعتقدات والتوقعات شديدة التعقيد. عندما تتدحرج بيضة على طاولة المطبخ فإننا نعرف متى نمسك بها قبل أن تسقط على الأرض وتتهشم. وحقيقة أن كثيرين منا يقودون سياراتهم في الشوارع بدون حوادث، في غالب الأحيان، ترجع إلى مجموعة التوقعات التي نمت لدينا ومكنتنا من التنبؤ بسرعات وحركات السيارات الأخرى وكذلك تصرفات المشاة المحتملة. ويعني ذلك أن مجموعة التوقعات تلك اعطتنا القدرة على أن نعيش حياتنا اليومية دون أن نكون باستمرار في حالة من عدم التكيف والتعرض للصدمات
وبمثل ذلك يكون التلاميذ مجموعة من التوقعات والمعتقدات حول مدى واسع من الظواهر الطبيعية اثناء جهودهم لفهم خبرات الحياة اليومية.
الصفحة:9
تلميذ في العاشرة من عمره لاحظ عندما اغلق مفتاح الراديو أن الصوت لم يختف إلا بعد أكثر من ثانية، وقد علق التلميذ على ذلك قائلاً، عندما نفكر بالسرعة الكبيرة للتيار الكهربائي، لا بد وان يكون سلك الكهرباء في الراديو طويلاً جداً». إن هذا التلميذ قد كوّن، دون تعليم نظامي، افكاراً عن الكهرباء من حيث انتقالها بالأسلاك وحركتها السريعة فيها
تنشأ عند الطفل منذ أيامه الأولى معتقدات حول الاشياء التي تحيط به. يترك مثلاً خشخاشة تسقط على الأرض ويلتقطها ويعيد العملية عدة مرات بنفس النمط، كما يدفع كرة ويلاحظها وهي تتدحرج على الأرض. وبهذه الطريقة تتكون لدى الطفل مجموعة من التوقعات تمكنه من البدء بالتنبؤ بحدوث أشياء. وفي البداية تكون التوقعات المتكونة معزولة ومستقلة بعضها عن البعض الآخر. ولكن مع استمرار نمو الطفل فإن خبراته في دفع وسحب ورفع ورمي الأشياء والشعور بها ورؤيتها تدفع على تنمية مجموعة من التوقعات العامة تمكنه من التنبؤ بخبرات متدرجة الاتساع وعندما يحين الوقت الذي يبدأ فيه الطفل تعليمه النظامي يكون قد كون لنفسه مجموعة من المعتقدات حول نطاق واسع من الظواهر الطبيعية. وفي بعض الحالات تكون هذه المعتقدات أو البصيرة الداخلية (الحدس) متأصلة وراسخة في الأطفال ويمكن أن تتباين مع النظريات المقبولة التي يسعى تدريس العلوم إلى تداولها
من ملامح برامج تدريس العلوم التي طورت خلال العشرين أو الثلاثين سنة الماضية، رفض اعتبار العلم كمجموعة من الحقائق. وبدلاً. من ذلك فإن برامج التدريس تقدم العلم كنظام مترابط من الأفكار بالتركيز على المفاهيم المتكاملة أو الكبرى مثل النظرية الذرية في الكيمياء أو النظرية الحركية في الفيزياء. وهذا الاتجاه عدا عن إنصافه للنظرية العلمية نفسها، فإنه يلقي تأييداً من برونر Bruner) مفاده أن ذلك الاتجاه يساعد التلاميذ على تطبيق الأفكار في حالات جديدة إذا تم توضيح الارتباطات بين هذه الأفكار في التدريس. ويعني ذلك في لغة علماء النفس التشجيع على (التحول).
الصفحة:10
واحدة من المشكلات المتعلقة بهذا الرأي تتعلق بالارتباطات التي تكون واضحة بالنسبة للعالم ولكنها ربما تكون غير واضحة بالنسبة للتلميذ، لأن المهم في التعليم، بعد كل شيء، هو الترابط كما يدركه التلميذ. وفي تطوير المواد التعليمية للعلوم، اعطيت الأفكار التي يأتي بها التلاميذ إلى حجر الدراسة اهتماماً قليلاً، مع أنها يمكن أن تكون ذات أثر هام على ما يتعلمه أو يمكن أن يتعلمه التلاميذ في دروس العلوم. ومنذ عقد من الزمن علق عالم النفس ديفيد أوزبل David Ausbel على أهمية ما اسماه المفاهيم السابقة للتلاميذ مبدئا أنها متماسكة وثابتة بدرجة تدعو إلى العجب ومقاومة للانقراض والتلاشي... "وأن" . . . عدم تعلم المفاهيم السابقة يمكن أن يثبت بانه العامل المحدد الوحيد في اكتساب المعارف التي تقدمها المواد الدراسية والاحتفاظ بها (2)
هذه الرؤيا في التعلم تقول بأهمية الأخذ بالاعتبار وتفهم افكار التلاميذ الخاصة عند التدريس وتطوير المناهج حتى يمكن عرض النظريات العلمية بوضوح. وعلى سبيل المثال إذا اتصل بك زائر تلفونياً موضحاً انه قد ضــل الطريق إلى منزلك، فإن سؤالك المتوقع له يكون « اين انت الآن » ؟ ، لأنه من الصعب وصف المنزل للزائر بدون معرفة المكان الذي يتواجد فيه . وقياساً على ذلك فإنه لمن المهم جداً في تدريس العلوم أن نأخذ بالاعتبار عند تصميم برامج التدريس كلا من الأفكار الخاصة للتلاميذ والأفكار السائدة في المجتمع
وعندما يبدأ التلاميذ تعلم العلوم في المدرسة، تكون توقعاتهم ومعتقداتهم حول الظواهر الطبيعية قد نمت بشكل جيد. وفي بعض الحالات يتلاقى حدس التلاميذ مع الأفكار التي تقدم لهم في دروس العلوم، ومع ان الارتباط بينهما ربما يكون ضعيفاً، إلا أن ذلك يشكل اساساً للتعلم النظامي. ومن الممكن في حالات أخرى ان تتناقض النظريات المقبولة المراد تعليمها مع معتقدات التلاميذ وتوقعاتهم. مثل هذه المعتقدات سوف اسميها «بالأطر البديلة». هذا الكتاب يستكشف جوانب العلاقة بين اطر التلاميذ البديلة وتدريس العلوم، أي كيف
الصفحة: 11
يمكن أن تؤثر هذه الأطر على مشاهدات التلاميذ وتفسيراتهم للخبرات العملية التي تعطى في دروس العلوم
وهناك خاصية أخرى لبرامج تدريس العلوم التي طورت في العقود الأخيرة، هي التركيز على الطريقة الاستكشافية التي تشجع التلاميذ على ممارسة بعض من امور العلوم المثيرة - (يكون عالماً ليوم واحد(3). ونحن نعترف الآن بمأزق اتباع هذا الاتجاه في حجر الدراسة والمختبرات. ولا يتأخر تلاميذ المرحلة الثانوية في التعرف على قوانين اللعبة حيث يسألون: «أهذا هو ما يتوقع حدوثه؟» أو "هل حصلت على الاجابة الصحيحة؟ " (5،4). إن عدم الامانة الفكرية في هذا الاتجاه تأتي من توقع نتيجتين غير متطابقتين لنشاطات التلاميذ المخبرية، فمن ناحية يتوقع من التلاميذ استكشاف ظاهرة ما بأنفسهم، إلى جانب جمع بيانات وبناء استدلالات على اساسها؟ ومن ناحية أخرى فإن هذه العملية تهدف للوصول إلى القانون العلمي أو القاعدة العلمية المتداولة
إن شيئاً من التبصر في هذه المشكلة يمكن أن يكون مجدياً إذا ما اخذت بالاعتبار مختلف وجهات النظر فيما يتعلق بطبيعة العلم. وجهة النظر التجريبية هي الاكثر بساطة وتقول بأن المعرفة كلها تستند إلى المشاهدة أو الملاحظة، ويتم التوصل إلى القوانين العلمية بطريقة استقرائية من "حقائق" وبيانات محسوسة وعليه فإن الملاحظات في هذه النظرية العلمية، موضوعية، والحقائق ثابتة لا تقبل التغيير. وتؤكد هذه الوضعية، أيضاً، على أن العلم سوف ينتج حالة من النمو الثابت للمعرفة: ويشبه ذلك باللعبة العالمية (مرر الرزمة أو اللفة)، فحقيقة العالم الطبيعي سوف "تكشف ويعرف الكثير بالتدريج "
ولقد واجهت الوضعية الاستقرائية الانتقاد منذ ان اقترحها بيكون Bacon قبل حوالي 400 سنة، إلا أنها عادت وأكدت نفسها في اوائل هذا القرن من خلال الحركة الاستكشافية، وكذلك مؤخراً في بعض التفسيرات البسيطة لطريقة التعلم بالاستكشاف التي تبنتها مشروعات نفيلد في العلوم
الصفحة:12
ومنذ أمد بعيد أدرك فلاسفة العلم والعلماء أنفسهم حدود الوضعية الاستقرائية واعترفوا بالدور الهام الذي يلعبه التخيل في بناء النظريات العلمية. وفي هذه النظرة البنائية البديلة أو الافتراضية الاستنتاجية، لا تعزى النظريات إلى الاستقراء من البيانات المحسوسة، ولكنها تبنى بفعل العقل الانساني الذي يأتي ارتباطه بعالم الخبرة من العمليات التي يمكن اختبارها وتقويمها
تتباين حالياً وجهات النظر حول معايير قبول أو رفض النظريات العلمية (6). يؤكد الفيلسوف بوبر (Popper) على أنه يوجد، إلى جانب العالم العقلي للفرد، عالم للمعرفة الموضوعية (7) يتسم بخصائص يمكن قيامها على أسس منطقية دون اعتبار للشخص أو مجموعة الناس التي نتجت عنها تلك المعرفة. وبولاني Polanyi(8) على سبيل المثال، يشير في كتاباته إلى أهمية التزام الفرد بنظرية ما، ويمكن لهذا الالتزام أن يتأثر بعوامل أخرى غير المنطق بحيث تلعب المعايير الجمالية دوراً هاماً. وتؤكد كتابات كوهن Kuhn(9) ولا كاتوس Lakatos(10) على العلم كنشاط تعاوني وليس مغامرة فردية. ومن منظور اجتماعي فإن هؤلاء الكتاب يرون بأن المعيار القبول نظرية علمية هو تفحصها واقرارها من قبل مجتمع العلماء
هذا ومع تباين وجهات النظر حول موضوعية المعرفة العلمية والمعايير التقديرية للنظريات، فإن هناك اتفاقاً عاماً على أمرين هامين للعلوم المدرسية الأمر الأول هو الاعتراف بالتعددية في النظريات العلمية، ويتبع ذلك القبول بالطبيعة الثورية للعلم؛ أي أن التقدم في المعرفة العلمية يأتي خلال تغييرات كبيرة في نظريات العلماء (نماذجهم). ويعطي هذا للتربويين العلميين واجب) تدريس الاجماع دون تحويله إلى معتقد (11). أما الأمر الثاني في الاتفاق العام فيدور حول طبيعة الملاحظات، فهي لم تعد تعتبر موضوعية بــل انها تتأثر بالمنظور "النظري" للملاحظ (12). وكما يقول بوبر Popper، «... إننا سجناء محصورون في إطار نظرياتنا (13). وهذا أيضاً له ابعاده على العلوم
الصفحة:13
المدرسية، فالأطفال أيضاً يمكن أن يكونوا حبيسي مفاهيمهم السابقة ويلاحظون العالم من خلال «نظارات مفاهيمهم» الخاصة
إن متضمنات اعطاء اهتمام أكبر المنظرة البنائية في العلوم تظهر بشيء من التفصيل في هذا الكتاب. وسوف أوضح هنا بعض النقاط بمثالين من فصول دراسية. المثال الأول يعرض الطبيعة الافتراضية الاستنتاجية للتقصي في العلوم، ويبين حدوث عملية استكشاف وليس من الملاحظة إلى التعميم، ولكن بدءاً بافتراض ينطلق من الإطار البديل للتلميذ.
أحمد وحسن تلميذان في سن الحادية عشرة يقومان بتجارب بسيطة حول امتداد الزنبركات عندما تحمل بأثقال، وقد عملا الزنبركات بنفسيهما عن طريق لف سلك حول قضيب خشبي. ثبت أحمد طرفي الزنبرك بحامل، وعلق بالطرف الآخر كوب بلاستيكي (شكل1). قاما، تبعاً لتعليمات معينة، باستكشاف امتداد الزنبرك عند اضافة كريات معدنية إلى الكوب. حسن يضيف الكريات واحدة في كل مرة ويقيس الطول الجديد للزنبرك بعد كل اضافة. أحمد يلاحظ ذلك ويقاطع قائلا:
(أنظر الشكل 1 الصفحة: 14 من البي دي إف أعلاه)
الصفحة:14
كم يبعد ذلك عن الأرض؟ اسحبه إلى أعلى ولاحظ تحرك الزنبرك من عدمه.
بعد ذلك قام أحمد بفك الزنبرك عن الحامل وثبته في نقطة أعلى على الحامل وقاس طوله فوجده لم يتغير ثم تابع التجربة. وعندما سئل بعد ذلك عن سبب ما قام به، اجاب بأنه فكر بأن وزن كوب الكريات سوف يزداد برفعه إلى أعلى. ولتفسير ذلك التقط كرتين من الزجاج (تيلة) ومسك واحدة أعلى من الأخرى ثم قال:
هذه في موقع أعلى والجاذبية تسحبها إلى أسفل بشكل أقوى ... وأعني أن الجاذبية هي في الحالتين واحدة ولكن السحب إلى الأسفل يكون أقوى كلما زاد الارتفاع. ويمكن أن نشبه ذلك بإلقاء حصاة صغيرة على شخص من مسافة قريبة، فالحصاة تلسع ولكن اذاها ليس كبيراً. اما إذا سقطت الحصاة من طائرة على رأس شخص فإنها تندفع بتسارع ويمكن أن تقتل هذا الشخص
يبدو أن فكرة أحمد عن الوزن تتضمن مفهوم طاقة الوضع فتجعله يتوقع حدوث امتداد أكبر في الزنبرك عندما يعلق في موقع أبعد عن الأرض. إنه يستخدم نفس الإطار عند اعتبار القوة اللازمة لتثبيت عربة في مواضع مختلفة على سطح مائل، فصعوبة التثبيت تكون أكبر في أعلى الانحدار منها في أسفله.
إن هذا المثال لا يشير فقط إلى كيفية تدخل الاطر البديلة للتلاميذ، عنوة، بأنشطتهم في دروس العلوم، ولكنه يوضح أن تلك الاطر هي أكثر من استجابة خاصة لعمل معين ويمكن أن تكون أفكاراً عامة تطبق في حالات كثيرة.
وتتوفر أدلة مستمدة من عدد من التجارب الاستكشافية تثبت أن التلاميذ يمتلكون أطراً بديلة مشتركة في مجالات متعددة تتضمن ظواهر فيزيائية مثل انتشار الضوء والدوائر الكهربية البسيطة، وأفكار عن القوة والحركة، والتغير الكيميائي، وتتضمن كذلك مفاهيم بيولوجية حول النمو والتكيف
ويتبع ذلك من الفلسفة البنائية للعلوم أن النظرية لا ترتبط استنتاجيـاً
الصفحة:15
بالملاحظات (أو هي غير مقصورة على الملاحظات)؛ فهناك تفسيرات متعددة للأحداث التي يأخذ كل منها البيانات في حسبانه، ونلاحظ في المثال الخاص بفكرة أحمد عن الوزن أنه قد كونها على أساس خبرات عامة بالأجسام الساقطة، ولكنه فسرها لنفسه بطريقة مختلفة عن نظرة الفيزيائي. ونقدم فيما يلي مثالاً من عمل قامت به تلميذتان في الثانية عشرة من العمر في درس للعلوم لبيان احتمال تعدد التفسيرات لحدث ما. التلميذتان أجريتا تجربة بوضع سخان كهربائي في قوالب من معادن مختلفة لكل منها نفس الوزن (شكل 2). وطلب من التلميذتين رسم خط بياني للحرارة / الزمن لكل قالب عندما يسخن. كان الغرض من التجربة ايجاد السعة الحرارية النوعية لمعادن مختلفة. واختارت التلميذتان قوالب من الحديد والألومنيوم، وفي نهاية الدرس طلب منهما النظر في الخطوط البيانية التي قامتا برسمها لمقارنتها واقتراح تفسير للاختلافات ان وجدت. وفيما يلي تعليقاتهما:
(أنظر الشكل 2 الصفحة 16 من البي دي إف أعلاه)
ندى: طلب منا أن نرسم خطاً بيانياً للألومنيوم.
منى: جيد. الألومنيوم ليس كذلك.
الصفحة:16
ندى: لا تنسي أنه كان عليها أن تمر خلاله، اليس كذلك؟ خلال السمك لتصل إلى هناك... الترمومتر.
مني: أنه كان رقيقاً للوصول إليه.
ندى: علينا أن نترك هذا العمل الآن.
تتدخل المعلمة بالمناقشة:
المعلمة: ماذا أظهرت تجربتكما؟
مني: كيف تنتقل الحرارة خلال المواد المختلفة
المعلمة: ماذا وجدتما؟
ندى: وجدنا أن الحرارة قد عبرت خلال الحديد أسرع من
مني: الألومنيوم
التلميذتان قامتا هنا بإجراء التجربة وجمع البيانات، ولكن يظهر من تعليقاتهما أنهما فسرتا الفرق بين الرسوم البيانية لقالبي الحديد والألومنيوم ليس على أساس كمية الحرارة اللازمة لرفع درجة الحرارة في كل قالب بمقدار معين ولكن على أساس توصيل المعادن المتباين للحرارة.
التفسيرات الأكثر بساطة للاتجاه الاستكشافي في العلوم تقول بأننا نريد اعطاء التلاميذ فرصة لاستكشاف الأحداث والظواهر بشكل مباشر، بحيث يكونوا قادرين على استقراء التعميمات والقوانين بأنفسهم. والوضعية المقترحة هنا أن يتوصل التلاميذ إلى التعميمات من تجاربهم المباشرة، ولكن هذه التعميمات قد لا تكون تلك التي يقصدها المعلم. التفسيرات لا تنطلق بوضوح من البيانات أو لا تعتمد عليها فقط
ومن وجهة نظر أولئك الذين بدأوا النظريات العلمية المقبولة حالياً، فإن العروض المدرسية المشتركة مثل العربات، والعداد الزمني ذو الشريط، وتجارب
الصفحة:17
البطاريات والمصابيح الكهربية، أو العمل بصناديق الأشعة والمرايا والمنشورات الزجاجية، تبدو أنها تعطي رضاً ذاتياً لدعم القوانين المقصودة من اجراء العروض والتجارب، سواء قوانين نيوتن في الحركة أو قوانين انكسار الضوء.
وإذا فشل التلاميذ في استخلاص وفهم هذه القوانين من التجارب التي قاموا بها، فإن السبب يمكن أن يرجع إلى خطأ أما في الملاحظة الدقيقة أو عدم التفكير المنطقي في نمط النتائج
أما النظرة البنائية في العلوم، فإنها تشير هنا إلى المغالطة أو عدم المصداقية. فإذا كنا نريد من التلاميذ أن ينموا لأنفسهم فهماً للقواعد والمفاهيم العلمية المتفق عليها، فإن المطلوب هو أكثر من التجارب العملية؛ فالنماذج النظرية والقواعد العلمية السائدة لا يمكن للتلاميذ استكشافها بتجاربهم العملية، بل لا بد أن تقدم لهم. وعليه فإن التوجيه مطلوب حتى يمكن للتلاميذ استيعاب تجاربهم العملية فيما يمكن أن يكون طريقة جديدة في التفكير حول القوانين والمفاهيم العلمية المتفق عليها
يشيع استخدام شعار «أنا أعمل فأنا أفهم» لتعزيز موقف التجارب العملية في تدريس العلوم، فهناك فصول دراسية تلعب فيها الأنشطة دوراً رئيسياً. والتلاميذ يمكن أن يقضوا جزءاً كبيراً من وقتهم في دفع العربات في مجاريها، وجمع وتقطيع ولصق أشرطة العداد الزمني؛ والتيل التي تتحرك في أطباق لمحاكاة الأجسام الصلبة والسوائل والغازات، والبطاريات التي تضيء وتطفئ مصابيح كهربية في دوائر كهربائية مثبتة على ألواح. ولكن إلى أين يؤدي كل ذلك؟ إنني أتخوف أن يصدق على كثير من الفصول الدراسية القول: "أنا أعمل ولكنني مع ذلك أكثر تشوشا".
إن هذه العملية التي تؤدي إلى الفهم يمكن أن يكون لها أهمية أكبر عند الأخذ بالاعتبار الاطر البديلة عند التلاميذ، حيث المطلوب منهم ليس فقط استيعاب النماذج أو القوانين الجديدة المقدمة إليهم، ولكن عليهم أن يقوموا
الصفحة:18
بقفزة فكرية ربما لاستبعاد إطار بديل اثبت حتى ذلك الوقت فاعليته بشكل جيد.
وإذا ما أردنا استخدام لغة فلسفة العلوم، فإن التلاميذ يحتاجون أحياناً للقيام بنقلات بالنماذج في تفكيرهم، وكما يقول ماكس بلانك Max Planck أن النظريات الجديدة لا تغير الناس، ولكن الناس المسنين يموتون. فإذا كان العلماء يواجهون هذه الصعوبة في إعادة تشكيل مفاهيمهم عن العالم، فهل من عجب أن يواجه التلاميذ الصغار صراعاً من أجل ذلك؟
المراجع
1- J.S. Bruner, The Process of Education, Randon House (1963).
2- D.P. Ausubel, Educational Psychology : A cognitive View, Holt, Reinhart (1968).
3- Nuffield Physics Teachers' Guide, No. 1, Longmans / Penguin (1966).
4- R. Driver, The name of the game, Sch. Sci. Rev., 56, 800 - 5 (1975).
5- J.J. Wellington, «What's supposed to happen, sir?» : some prob- lems with discovery learning, Sch. Sci. Rev., 63, 163 73 (1981).
6- An account of current aspects of the philosophy and sociology of science is given in What is Science?, ASE Study series, No. 15 (1979).
7- K.R. Popper, Objective Knowledge, OUP (1972).
8- M. Polanyi, Personal Knowledge, Routledge (1958).
9- T. Kuhn, The Structure of Scientific Revolutions, Chicago (1963).
الصفحة:19
10- I. Lakatos, Criticism and the Growth of Knowledge, CUP (1974).
11-J. Ziman, Public Knowledge, CUP (1968).
12- N.R. Hanson, Patterns of Discovery, CUP (1958).
13-K. Popper، Normal science and its dangers، I. Lakatos and A. Musgrave (eds.)، in Criticism and the Growth of Knowledge
الصفحة 20
الفصل الثاني: تعلم الملاحظة
عند دخولك المختبر تقدم من الطاولة المزدحمة بمجموعة من الأدوات والأجهزة: خلية كهربية، وأسلاك نحاسية مغطاة بشبكة من الحرير، وجفنات صغيرة للزئبق، وملاعق مثبتة على ساق حديدي، والمجرب منهمك في إدخال رؤوس دبابيس في فتحات صغيرة، الساق الحديد يهتز والمرآة المثبتة عليه ترسل حزمة ضوئية على مقياس مدرج من السليوليد* . والحركة الاهتزازية لهذه البقعة المضيئة تمكن الفيزيائي من ملاحظة الاهتزازات الدقيقة في ساق الحديد. ولكنك عندما تسأله عما يفعل، فهل سيجيب «انني اقوم بدراسة اهتزازات ساق من الحديد يحمل مرآة؟ كلا، بل يقول انه يقيس المقاومة الكهربية للملعقة. وإذا اعترتك الدهشة، وعند سؤاله عن معنى كلماته، أو ما علاقة تلك الكلمات بالظاهرة التي كان يلاحظها ولاحظتها انت أيضاً، فإنه سيجيب بان سؤالك يحتاج إلى تفسير مطول وإنك تحتاج إلى درس في الكهرباء
P.Duhem, The Aim and Structure of Physical Theory Philip
P. Weiner Trans. (1962).
توضح الفقرة السابقة كيف يرى ملاحظ عادي مختلف جوانب جهاز
الهوامش:
* السليوليـد: مادة صلبة شفافة قوامها السليلوز والكافور تصنع منها الافلام والأمشاط والدمى الخ.
الصفحة:21
لتجربة في الكهرباء: دبابيس، وجفنات للزئبق، ومرآة، ومقياس مدرج من السليوليد. وبالتالي، وبدون إطار المفاهيم للفيزيائي، لا يمكن التمييز بين الجوانب الموائمة وغير الموائمة، ولا يتمكن من فهم علاقاتها مع بعضها البعض
أحد الأسباب التي تعطى لتدريس العلوم بالمدارس هو تدريب التلاميذ ليكونوا ملاحظين موضوعيين ودقيقين في تسجيل ونقل الأحداث. ولكن كما يوضح المقتطف من دوهام Duhem) فإن للأشخاص نظرة مختلفة عنـدمـا يلاحظون الشيء نفسه. ولا يعني تعبير "النظر إلى" تسجيل لصورة تشبه تلك المأخوذة بآلة تصوير، بل هي عملية نشطة يقوم فيها الملاحظ بالتحقق من ادراكه للمحسوسات في مقابل توقعاته
فعندما يطلب من التلاميذ القيام بالملاحظة في إطار دراستهم للعلوم، فمن الواضح انهم سيرون في اوقات ما يتوقعون رؤيته. وتسجيلهم للملاحظات بالرسم أو الكتابة، يعبر عن فهمهم للظاهرة، وكالملاحظ المعتاد في مختبر للفيزياء، فإن التلاميذ لا يعرفون أي الجوانب يجب ان تشد انتباههم وأي الجوانب يهملون
من خلال المجهر
الكثير من المدرسين على دراية وخبرة في مساعدة التلاميذ لمشاهدة يفترض مشاهدته خلال المجهر. التلاميذ الذين يشاهدون الخلية الحية تحت المجهر الأول الاول مرة غالباً ما تظهر رسوماتهم ليس فقط الصعوبات التي يوجهونها في التعرف على المعالم الرئيسية ولكنهم يسجلون وباهتمام معالم غير موائمة مثل فقاعات الهواء.
الحركة البراونية وخلية الدخان
غالباً ما يقدم هذا الدليل الى تلاميذ المدارس لإثبات وجود الحركة
الصفحة:22
الجزيئية. وقد تم توضيح استخدام خلايا الدخان لتلاميذ أحد الفصول ثم طلب من التلاميذ تفسير ما شاهدوه بالكتابة والرسم.
وبالرغم مما هو معروف عن تفاوت نوعية الكتابة لتلاميذ بسن 14 سنة إلا أن التقارير المقدمة تتضمن ملامح جديرة بالاهتمام خاصة فيما يتعلق بتفسير التلاميذ لما شاهدوه
خلال قيام التلاميذ بإجراء النشاط كان المدرس يمر عليهم ويناقشهم بملاحظاتهم. وخلال المناقشة ادخل المدرس تعبير "حركة عشوائية"، وقد لوحظ استخدام معظم التلاميذ له في تقاريرهم. ولقد كانت ملاحظات التلاميذ حول سبب "الحركة العشوائية" جديرة بالاهتمام:
عندما تتصادم دقائق الدخان وتتحرك باتجاهات عدة فإننا نسمي ذلك الحركة العشوائية
دقائق الدخان يتصادم بعضها مع البعض الآخر وكذلك مع جزيئات الهواء.
اعتقد بعض التلاميذ ان التغير المفاجئ في اتجاه دقائق الدخان يرجع إلى التصادم فيما بينها. وقد لاحظ المدرس أن بعض التلاميذ قد دون ذلك، فسأل تلاميذ الفصل حول من منهم فكر بذلك ومن منهم يعتقد أن تغير الاتجاه لا يرجع إلى اصطدام الدقائق بعضها بالبعض الآخر. انقسم الفصل بالتساوي بين الفكرتين، وبعد ذلك طلب من التلاميذ الرجوع ثانية الى المجهر والتأكد من حقيقة تلك الحركة وسببها. ففي هذه المرة عاد التلاميذ للمشاهدة بغرض معين، ومن ثم حل المسألة
ولذلك ما لم يكن هناك سؤالاً واضحاً للإجابة عليه بالملاحظة فإن التلاميذ لا يسجلون مشاهداتهم بدقة. في أحد الفصول (11سنة) كان التلاميذ يرسمون حشرة قمل الخشب من عينة امامهم. وخلال مرور المدرس بينهم لاحظ رسمهم الذي يتميز بالجسم البيضاوي المعقل وبروز الأرجل منه.
الصفحة:23
قام بعد الأرجل في احدى الرسومات. ثم في أخرى، ووجه كلامه للتلاميذ:
سبعة وثمانية وعشرة أرجل ... هل أنتم تنظرون جميعاً إلى نفس حشرة قمل الخشب؟ كم رجلاً لها؟». مرة أخرى تم شد انتباه التلاميذ المقارنة مشاهداتهم برسوماتهم. أعاد التلاميذ الرسومات، ولكن هذه المرة لم يكتفوا رد النظر إلى الحشرة بل بالتدقيق لملاحظة مظاهر معينة. يمكن تشجيع التلاميذ على الملاحظة الدقيقة للعينات البيولوجية بالطلب إليهم تحديد أكثر الرسوم تمثيلاً للعينة. يشار أيضاً إلى المظاهر التي حذفت ومناقشة ما اختير من بمجرد المظاهر الموائمة وغير الموائمة
المغناطيسات وبرادة الحديد
رسم العينات البيولوجية هو أحد الامثلة التي تدلنا على مدى تجاوب التلاميذ عند الطلب منهم ملاحظة ظاهرة أو نمط دون ان يكونوا على دراية تامة بالمطلوب مشاهدته. ففي مثل هذه المواقف لا بد من اعلامهم بالذي يشاهدونه، وان يميزوا بين الجوانب الموائمة وغير الموائمة في الظاهرة التي يلاحظونها. ومن الأمثلة الأخرى على الملاحظات الأولية للتلاميذ تلك التي تمت على انماط انتظام برادة الحديد حول المغناطيسات
في شكل 3 و4 رسمين لتلميذين من نفس الفصل. في شكل 3 محاولة لتلميذ لإبراز ما هو مهم بالنسبة له حيث اظهر حدود المغناطيس الواضحة تماماً بسبب برادة الحديد. ولكن الاهم من ذلك حركة برادة الحديد لتأخذ وضعها الجديد بعد ان طرق على لوح الورق، والتي شدت انتباه التلميذ فأبرزها بالرسم.
اما شكل (4) فهو تخطيط تلميذ لنمط انتظام برادة الحديد، وأما الخطوط الداكنة فهي من وضع المدرس خلال عملية التصحيح.
الصفحة 24
(أنظر الشكلين 3و4 الصفحة:25 من البي دي إف أعلاه)
هذه حالة لا يتوقع من التلاميذ فيها أن يروا ما قام المدرس برسمه، حيث أن «خطوط القوى» من بناء الفيزيائيين وهي لا تصف ما يحدث لبرادة الحديد. بل هي بالأحرى طريق مناسبة لربط النظرية بالمشاهدة، ولعلها ليست مفاجأة الا تتطابق رسومات التلاميذ مع توقعات المدرس. وأما الربط بين انتظام
الصفحة:25
برادة الحديد حول المغناطيس وتمثيلها في إطار «خطوط القوى» فهو امر يجب تدريب التلاميذ عليه. الشكلان 5 و6 يوضحان تطور نظرة التلميذ لتلك الظاهرة. شكل 5 يوضح محاولة التلميذ لرسم كيفية انتظام برادة الحديد حول مغناطيس واحد هناك إشارة يمكن استخلاصها من الرسم لتفكير معين لدى التلميذ لكن ذلك ليس واضحاً تماماً.
(أنظر الشكل 5 الصفحة 26 من البي دي إف أعلاه)
بعد انتهاء جميع تلاميذ الفصل من ذلك الرسم، قام المدرس بوضع المغناطيس على جهاز العرض الرأسي مشيراً إلى النمط المطلوب ملاحظته في المسمم برادة الحديد. ثم طلب من التلاميذ بعد ذلك نمط انتظام برادة الحديد عند استخدام مغناطيسيين بالقطبين المتشابهين مرة متقابلين ومرة اخرى عند تقابل القطبين المختلفين. شكل (6) يوضح رسم التلميذ نفسه لحالة برادة الحديد، والذي يؤكد على ازدياد الوعي بالطريقة التقليدية لتمثيل توزع برادة الحديد حول المغناطيس. أما الرسوم المعلمة فيها خطوط المجال المغناطيسي فتمثل ما نقله التلميذ عن رسم المدرس على السبورة.
حوض التموجات
غالباً ما تثير انماط الموجات في حوض التموجات اهتمام التلاميذ. إن التغير في الشكل واللون يبهج، ويثير الفضول، وبالرغم من ذلك فإن التلاميذ يجدون صعوبة في تسجيل ما يشاهدونه من الأعمال التي يمكن الاستفادة منها في حوض التموجات ملاحظة
الصفحة:26
(أنظر الشكل 6 الصفحة:27 من البي دي إف أعلاه)
انعكاس الموجات الافقية من عائق عامودي. عندما تصطدم الموجة بالعائق بزاوية معينة فإن انماط الموجات الناتجة غالباً ما تكون معقدة، بعض التلاميذ في تدوين الملاحظات يوضحون ان الموجة المنعكسة تكون على زاوية قائمة مع الموجة الساقطة مهما كانت زاوية السقوط. وفي هذه الحالة كما في دقائق الدخان، فإن
الصفحة:27
النظرة الثانية الى الظاهرة تكون مفيدة. ويصعب في الانماط المعقدة، كما هو الحال في حوض التموجات، التقاط اشكال محددة، ولذا تطغى توقعات التلاميذ على تصوراتهم كما أن بعض المؤثرات يختفي وراء الظواهر الأكثر وضوحاً.
شكل (7) يوضح تسجيل أحد التلاميذ في حالة استخدام مصدرين للموجات في الحوض. كان الغرض من هذا النشاط التعليمي توضيح نمط من انماط التداخل عندما تتطابق الموجات بعضها فوق بعض، ورسومات التلميذ لم توضح ذلك وكان لا بد من تصحيحها.
(أنظر الشكل 7 الصفحة 28 من البي دي إف أعلاه)
إن الانماط المعقدة الناتجة في حوض التموجات يصعب رؤيتها أو تمثيلها. شكل (8) يوضح محاولة وحيدة لتلميذ (14 سنة) تمكن فيها من التقاط النمط الذي رآه بالفعل
الصفحة:28
(أنظر الشكل 8 الصفحة:29 من البي دي إف أعلاه)
إن رسومات برادة الحديد وانماط الموجات تقدم أمثلة الحالات يتوقع فيها أن تسلك الأشكال سلوكاً تقليدياً (متعارف عليه) لا يمكن تعلمه من الظاهرة نفسها. ولذلك فإن التوجيه في مثل هذه الحالات التقليدية المتعارف عليها ضروري، ويجب نقله إلى التلاميذ.
الانكسار وقوس قزح
سبق وذكرنا امثلة عديدة لحالات تؤثر فيها توقعات التلاميذ على رسوماتهم. ومثال واضح لذلك ما حدث في درس استهلالي عن خصائص الضوء مع مجموعة من التلاميذ (15سنة). كان التلاميذ يعملون في مجموعات، وكل مجموعة لديها صندوق ضوئي ومرايا وعدسات ومناشير متنوعة. وكان المطلوب تسجيل ما تفعله كل اداة في الضوء، ويمثل الشكلان 9 و10 ما سجله اثنان من التلاميذ.
الصفحة:29
(أنظر الشكلين 9 و10 الصفحة 30 من البي دي إف أعلاه)
الصفحة:30
لقد رأى التلاميذ الألوان ولاحظوا أنها تتجه بمسار يختلف عن مسار الضوء الساقط . . . ولكن بمسار منحني؟ في هذه الحالة هل كان لأفكار التلاميذ عن الضوء الملون وقوس قزح تأثيراً على رسوماتهم؟ .
أما الرسم الثاني فعن الانعكاس، وعدا عن المسائل التي جابهت التلاميذ، فإنه يوضح فكرة عامة متداولة مفادها أن المرايا تعكس الضوء باتجاه عامودي على سطحها.
وفي الخلاصة يمكننا القول بأن تسجيل التلاميذ للمشاهدات في الأنشطة العلمية يعتمد على مجموعة من العوامل.
أولاً، قد تتركز الملاحظة لدى التلاميذ على تصوراتهم أو توقعاتهم كما هو الحال في الانماط بحوض التموجات وجزيئات الدخان. وفي مثل هذه الحالة يكون دور المدرس تشجيع التلاميذ على اعادة النظر، والتأكد من ملاحظاتهم، وربما مقارنتها مع بعضهم البعض حتى يصبح غير المتوقع مرئياً بوضوح.
وقد تكون الظاهرة التي يلاحظها التلاميذ معقدة لدرجة انهم لا يكونوا قادرين على معرفة المظهر المطلوب التركيز عليه. وكانت هذه هي المشكلة في رسم الخلية الحية أو تجربة برادة الحديد والمغناطيس. في مثل هذه الحالة يكون دور المدرس مساعدة التلاميذ على تحديد المظاهر الموائمة من غيرها وذلك بتدخله في توجيه المشاهدة. ومن الامثلة على تنمية الملاحظات المركزة الدرس الخاص بالمجال المغناطيسي والحركة البراونية، وتعتبر صورة من التوضيحات المفيدة عن أثر المدرسين في هذا المجال
وأخيرا، يتوقع من التلاميذ أحياناً تسجيل ملاحظاتهم باستخدام اشياء معينة متعارف عليها مثل خطوط القوى المغناطيسية والأشعة الضوئية. وهذه لا تمثل الظاهرة بأمانة، ولذلك لا بد أن تعطى للتلاميذ بدلاً من أن تترك لهم لاستكشافها.
الصفحة:31
الفصل الثالث: تكوين المعاني
الفصل الثالث تكوين المعاني
...من الملفت للنظر ان تكون المفاهيم السابقة متماسكة ومقاومة وقد يثبت ان عدم الوعي بالمفاهيم السابقة، قد يكون أكثر للانقراض.... عامل منفرد يحدد اكتساب المادة العلمية والاحتفاظ بها.
Ausbel(1968)
المشابهة والفهم
يخفق التلاميذ، خاصة من هم في بداية سن المراهقة، في بيان اسباب الظواهر المثيرة وغير المتوقعة. ولدى غالبية مدرسي العلوم حصيلة من تلك الأفكار المثيرة وغير السوية التي يطرحها التلاميذ عادة في دروس العلوم.
في أحد الدروس الاستهلالية عن الكهرباء الساكنة لتلاميذ في سن الثالثة عشرة احضر المدرس بالوناً، وبعد أن نفخه دلكه على أحد اكمامه، وعندما قربه من قصاصات على الطاولة تبعثرت تلك القصاصات.
سأل المدرس: «بماذا نفسر ما حدث؟» رفع معظم التلاميذ ايديهم وأجاب أحدهم:
من فضلك سيدي، عندما قمت بدلك البالون خرجت منه كمية من
الصفحة 33
الهواء هي التي ادت إلى تبعثر القصاصات».
مثل هذه الأفكار كثيراً ما تطرح من قبل التلاميذ، وليس من المستغرب ان تكون بعيدة عن الاجابة المتوقعة. لكن في حدود خبرة التلاميذ تعتبر اجاباتهم معقولة. وعندما يواجه التلاميذ بظاهرة جديدة فإنهم يبحثون عن احداث مألوفة يمكنهم ربطها بالخبرة الجديدة، ويحاولون تفسير غير المألوف بمشابهته بالخبرات المألوفة.
من التجارب الاستهلالية المعروفة في الكهرباء الساكنة تلك التي يطلب فيها من التلاميذ ملاحظة التجاذب بين اشرطة من البير سبكس (*) والبولي اثيلين (* *) . ومن المألوف ان يقوم التلاميذ على التو بفحص طرفي الشريط المدلوك لرؤية ما إذا كان الشريط يعمل مثل المغناطيس.
وفي نهاية أحد الدروس وبعد أن شاهد التلاميذ سقوط ريشة وقطعة نقود بنفس السرعة في انبوبة مفرغة، نهض أحد التلاميذ وسأل المدرس:
ألهذا السبب لا توجد جاذبية على القمر؟ فليس هناك هواء يدفع بالأشياء إلى أسفل؟».
وهنا فقد تم تشبيه ظاهرة الجاذبية الغريبة بخبرة أكثر إلفة ومحسوسة عن ضغط الهواء كل الأفكار التي طرحت حتى الآن ما هي إلا محاولات من التلاميذ لفهم أحداث جديدة بربطها بمعرفة قائمة لديهم. وهي أفكار أعدت للتجريب وسرعان ما يتخلى عنها التلاميذ عند توفر الأدلة المضادة والتفسيرات البديلة
إلا أن بعض الأفكار أو الأطر البديلة تكون أكثر رسوخاً في أذهان التلاميذ. وبعكس الأمثلة التي سبقت مناقشتها والتي قد تكون مجرد اقتراحات
الهوامش:
* Perspex وهي مادة بلاستيكية ، شفافة مقواة كتلك التي تصنع منها المساطر.
** Polyethelene وهي المادة الاولية في صناعة الأدوات البلاستيكية
الصفحة 34
فطرية من بعض التلاميذ، فإن الأطر الأكثر رسوخاً هي الأكثر عمومية في تفكير العديد من التلاميذ.
الأطر البديلة الأكثر عمومية:
تركز الدراسات الخاصة بإدراك التلاميذ للمفاهيم في العلوم بشكل رئيسي على النسبة من التلاميذ، في أعمار مختلفة، الذين يعطون اجابات مقبولة أو صحيحة» على الأسئلة. أما احتمال ایجاد معلومات مهمة بدراسة انماط في أنواع «الأخطاء» فإنه تطور حديث نسبياً.
وهناك العديد من الدراسات التي قدمت قوائم من الأخطاء أو المفاهيم الخاطئة عن الظواهر الطبيعية لدى التلاميذ. وقد وجدت دراسة عن طلاب المدارس والجامعات في لبنان (1) عشرين مفهوماً خاطئاً سائداً أو مشتركاً في مجالات الفيزياء، وعلوم الأرض، والكيمياء، والاحياء. كما أشارت دراسات أخرى إلى وجود المفاهيم الخاطئة بين التلاميذ الذين يدرسون العلوم وبين أولئك الذين لا يدرسونها على حد سواء.
إن مثل هذه « القوائم » تعتبر مؤشرات مفيدة في حقل المشاكل ولكنها تميل إلى التقليل من أهمية طبيعة المشكلة بإعطاء انطباع بأن أصل الأخطاء يعود إلى تعلم خاطئ ( للحقائق » . ويمكن أن تكون الأخطاء في بعض الحالات سطحية ويمكن تصحيحها بالتدريس . ولكن في كثير من الحالات يكون مصدر الخطأ ناجماً عن وجود النماذج أو الأطر البديلة لدى التلاميذ والتي تختلف عن مثيلاتها في المجتمعات العلمية.
ومن أجل استكشاف مثل تلك الأطر البديلة لا بد من الغوص في تفكير التلاميذ بالتفصيل؛ حيث أن الأسباب التي يعطيها التلاميذ في إجاباتهم هي المهمة وليست الاجابات نفسها .
إن الطرق التي يفسر بها التلاميذ احداثاً طبيعية معينة، قد اكتشفت
الصفحة 35
بوساطة جان بياجة (Jean Piaget في أعماله الأولى المعروفة جيداً (4)، (5) ، والتي سأل التلاميذ فيها أسئلة مثل : « ما الذي يسبب الليل ؟ » « كيف تتحرك السحب ؟ » « أي من هذه الأشياء حي ؟ ) وقد كررت هذه الدراسات(6) كثيراً، ولا زالت النتائج جديرة بأن نمعن النظر فيها في ضوء الأفكار التي يطرحها التلاميذ في مختلف الأعمار . وربما يتساءل المرء، على سبيل المثال ، عن تأثير ذلك في مقرر تمهيدي لعلم الأحياء إذا ما أخذنا بجدية ما تم التوصل إليه من أن أكثر من %100من التلاميذ بعمر 11 سنة في بريطانيا قد امتد مفهومهم عن الأشياء الحية » ليشمل الشمس والريح والنار (7)
وتعتبر الديناميكا من المجالات التي تعم فيها الأطر البديلة وتترسخ والمثال المعطي في المناقشة التالية مع تلميذة في سن الحادية عشرة ( لبنى ) حول ما يجعل تحمل الكريات (*) المتدحرج على الأرض يتوقف
لا أعرف لماذا تتوقف؟ أنها دائماً تتوقف. بعد أن ندفعها تتحرك بمقدار وبعد انتهاء مفعولها تعود إلى ما كانت الدفعة كم كانت شديدة عليه .
يبدو أن لبنى في هذا المثال تعتبر السكون أو الثبات هي الحالة الطبيعية لأي جسم، وعندما ينتهي مفعول القوة الدافعة الأولى يعود محمل الكريات لحالته الطبيعية
في تجربة أخرى قامت لبنى مع زميلتها رشا بسحب الأجسام على سطح أفقي باستخدام ميزان زنبركي لمعرفة مقدار القوة المطلوبة للسحب. توقعت لبنى ورشا أن القوة سوف تعتمد على السرعة التي سحبت بها الأجسام، كما أن المدرسة زودتهما بعربة صغيرة ذات محرك لاستخدامها في التجارب بهدف توفير سرعة ثابتة . لقد قامت التلميذتان بقياس القوة المطلوبة لسحب سلسلة من
الهوامش:
* Ball Bearing عجلة تدور فيها أجزاؤها المتحركة دوراناً سلساً على كرات معدنية مرنة
الصفحة 36
المكعبات على السطح ، وهما الآن أوصلتا الميزان الزنبركي إلى عربة ديناميكية :
لبنى :حسناً ، حددي قراءة الميزان عندما يمر من جهتك
رشا :أوه ، لا أستطيع
لبنى: يا الهي إنها صفر ! إنها لا تحتاج شيئاً لسحب ذلك .. صفر ! لا يمكن عمل ذلك . جربيها مرة ثانية جيئة وذهاباً
رشا :حسناً ، إنها صفر .
لقد قبلت التلميذتان النتيجة ولكنهما لم تفهماها . ولعل ذلك يظهر عندما قامتا باجراء تجربة أخرى وسجلتا حركة العربة عندما يتم سحبها بقوة ثابتة . ولعمل ذلك ربطتا بمؤخرة العربة كأس تنقيط لاعطاء مؤشر عن المسافة التي تقطعها العربة في فترات زمنية متساوية .
المدرسة: ماذا تتوقعان عند سحب هذا بنفس القوة؟ .
لبنى تساوي المسافات بين النقط .
رشا :الآن ابقيها على قراءة ثابتة .
لبنى :سوف أبدأ بـ 100 ( 100 ثقل جرام حسب قراءة الميزان الزنبركي ) .
رشا :حسناً لنبدأ
تقوم التلميذتان بقياس المسافات بين النقط وذلك باستخدام مسطرة.
رشا : 12 8، 12 16، 12 19.
لبني :هل تقيسين المسافات بين كل نقطتين ؟
رشا :نعم نحن نقيس المسافات بين كل نقطتين
لبني :إذن فالسرعة تزداد !
الصفحة 37
رشا :طبعاً
لبني : (منادية على المدرسة ) انظري ! هذه 12 8، ثم 12 16، وبعدها 12 19. وبالرغم من ثبات القوة إلا أن العربة تزداد سرعتها، هل يعقل أن يحدث ذلك؟
من الواضح أن التلميذتان كانتا تتوقعان أن تتحرك العربة بسرعة ثابتة عندما تكون القوة ثابتة. ولكن عندما ظهرت العربة بسرعة متزايدة اعترتهما الدهشة وشكتا في النتائج التي حصلنا عليها والتي بينت تزايد سرعة العربة في الفترات الزمنية المتساوية.
لقد حصل بياجه (8) على أفكار أرسطو طاليسية مشابهة حول الحركة والتي ثبت بقاؤها في اتجاهات حل المشكلات لدى طلبة الفيزياء الجامعيين . قامت فينوت(9) Viennatبتقصي استجابات عدة مئات من تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات المسائل متعلقة بالقوة والحركة . وبينت الدراسة استمرار بقاء أنواع من التفكير التلقائي » بالرغم من التعليمات المعطاة للتلاميذ والطلاب . وعلى وجه التحديد فقد اشارت دراسة فينوت إلى وجود فكرتين حول القوة لدى التلاميذ : الأولى ترتبط بالحركة المتسارعة والثانية ذات علاقة بالمتجهات ، وهي أفكار شبيهة بالقوة الدافعة في ديناميكا ما قبل الجاليلية ( نسبة إلى جاليليو ) . أما في مشكلات القوى المتضادة فقد أبدى التلاميذ ميلاً إلى القول بأنه : « في وجود حركة يسبق الفعل رد الفعل وبالعكس ، ومحصلة القوة الناتجة تكون في اتجاه الحركة . وقد توصل سجبورك و لي(10) Sjoberg and Lie إلى نتائج مشابهة عندما أعطيا أكثر من ٤٠٠ مسألة مكتوبة في الديناميكا لتلاميذ في المرحلة الثانوية العليا ( 16 - 19 سنة ) في الترويج ( شملت الدراسة طلاب معاهد المعلمين والجامعات ) . وأظهرت الدراسة ما يدل على وجود التفكير الأرسطو طاليسي لدى جميع المشمولين بالدراسة. كما وجد المؤلفان ميلاً لدى الطلاب للربط بين الجاذبية ووجود الغلاف الجوي.
الصفحة 38
تظهر أفكار التلاميذ عن الحرارة أيضاً الأطر البديلة المنتشرة بين التلاميذ.
وهذه الأفكار تشير إلى أن كثيراً من التلاميذ حتى خلال الدراسة الثانوية، يعتبرون الحرارة نوعاً من المادة تحوي طبيعياً قوة حركية.
في الفقرة التالية نرى كيف يفسر ثلاثة تلاميذ في سن الثانية عشرة مشاهدتهم البالون موضوع على صفيحة ويزداد انتفاخه عندما تسخن الصفيحة بهدوء
جمال: باعتقادك يا محمد ماذا سيحدث؟
محمد: على ما اعتقد بأن البالون سينتفخ وينفجر بفعل قوة الحرارة.
جمال: ولكن من أين تأتي القوة؟
محمد: من الأسفل خلال هذه (يشير إلى الصفيحة) وبعدها . . . (توقف عن الإجابة).
جمال: ماذا تعتقدين يا سوزان؟
سوزان: الحرارة تصل وتتجمع في الصفيحة وهي التي ستؤدي إلى ازدياد انتفاخ البالون
جمال: على أي حال الهواء موجود في البالون منذ البداية، تصل الحرارة إلى داخله وترتفع وهي التي تجعل البالون يزداد في الانتفاخ
المدرس: ولكن ما الذي يدفع البالون إلى الخارج؟
الجميع: الهواء داخل الصفيحة
المدرس: كيف يتمكن الهواء من القيام بذلك؟
جمال: الحرارة تدفع الهواء الذي بالتالي يدفع البالون إلى أعلى
المدرس: هذه الحرارة، ماذا تجعل الهواء يعمل
الصفحة 39
سوزان: يرتفع.
جمال: يندفع إلى أعلى - إنها تدفع الهواء إلى أعلى
العبارة الأولى لمحمد تشير إلى قوة الحرارة». وتتبع سوزان ذلك بالقول بأن «الحرارة تأتي وتتجمع في الصفيحة». كلا العبارتين تعكسان فكرة أن الحرارة عامل نشط. إنها الحرارة التي تؤثر مباشرة على البالون. لقد كان جمال أول من أشار إلى الهواء، وبالرغم من ذلك فلم يظهر من عبارته أنه يعتبر الهواء قابلاً للتمدد في جميع الاتجاهات، بل على العكس فقد اعتبر أن الحرارة هي التي دفعت الهواء إلى أعلى.
قام اريكسون ((11)) (Erickson) الانجليزي بدراسة تفصيلية لأفكار التلاميذ حول الحرارة. ومن مقابلات أجراها مع تلاميذ كثيرين في سن 2 - 13 سنة قام ببناء قائمة مفاهيم بالأفكار الأكثر عمومية بينهم عن تركيب الحرارة) على سبيل المثال هناك نوعين من الحرارة: حرارة باردة وحرارة ساخنة) وحركة الحرارة، وتأثيرات الحرارة، ودرجة الحرارة.
أما اندرسون((12)) (Anderson) فقد أعطى لتلاميذ سويديين في سن 12 -15 سنة مسائل مكتوبة عن درجة غليان الماء . ولقد بينت نتائجه أن الكثير من التلاميذ لم يتمكنوا من التمييز بين الحرارة ودرجة الحرارة
وكذلك كشفت دراسة لشتراوس (13) (Strauss) عن مشكلات في فهم فحوى طبيعة الحرارة المجردة. وخلال سلسلة من الواجبات طلب شتراوس من التلاميذ التنبؤ بدرجة الحرارة النهائية عند خلط الماء من وعائين مختلفين وأوضحت نتائجه اتجاهاً مثيراً للاهتمام. التلاميذ صغار السن ظهر أنهم يميلون إلى «الحكم الكيفي» ، وعلى سبيل المثال فإن تنبؤهم عن درجة الحرارة الناتجة بعد خلط ماء من وعائين بنفس درجة الحرارة يكون صحيحاً . أما عند التلاميذ الأكبر سناً فإنهم يعطون اهتماماً للأرقام الواردة في المسألة ويقولون بأن درجة
الصفحة 40
الحرارة النهائية هي عبارة عن مجموع درجتي الحرارة للماء في كل من الوعائين . وأما التلاميذ في سن الوسط بين المجموعتين فقد أعطوا اجابات صحيحة. وقد توصل شتراوس أيضاً إلى منحنى شكل (U) لأداء الأطفال في واجبات أخرى تتضمن كميات أكثر شمولاً
ولقد تم في اسكتلندا القيام بدراسة حول مجالات مختارة في المفاهيم الكيميائية التي أظهرت صعوبة في تدريس موضوعات معينة. ففي دراسة لمفهوم المول (14) رصدت الصعوبات التي تواجه التلاميذ من سن 14 - 15 سنة الذين يأخذون مقرراً في المستوى العادي (O) - Grade) ، وتم تحديد ثلاثة مجالات صعبة تتضمن ، على سبيل المثال ، الفهم الخاطئ بأن المول الواحد من أي مادة يتفاعل دائماً مع مول واحد من أي مادة أخرى . وفي دراسة أخرى اجريت في اسكتلندا (15) حول الديناميكا الحرارية وأفكار لتلاميذ في سن 16 - 18 سنة تبين وجود ثمانية مفاهيم خاطئة بما فيها فكرة أن التفاعلات حتى تكون طاردة للحرارة لا بد أن تكون آنية
كما درست الأطر البديلة في مادة علم الاحياء أيضاً . وقد بينت إحدى الدراسات باسكتلندا (16) أن لدى التلاميذ مدى واسعاً من الأفكار حول نمو النبات . ومن الأشياء الملفتة للنظر أن التلاميذ في المستوى العادي (O) - Grade) يعتقدون بأن « معظم غذاء النبات الأخضر يحصل عليه من التربة » بالرغم مما درسوه عن عملية البناء الضوئي . وأشارت دراسة (17) في بريطانيا إلى أن تفكير تلاميذ المرحلة الثانوية حول التطور والتكيف هو لاماركي الاتجاه.
وهناك دراسات انجزت حول أفكار التلاميذ عن الضوء (18) والكهرباء (19) والضغط الجوي (20) والفلك (21) . ومن العسير أن نتمكن في مثل هذا الكتاب الصغير استعراض كل تلك الدراسات بعدالة وانصاف
الصفحة 41
ومع ذلك فإن الصورة الكلية تظهر أن عدداً لا بأس به من تلاميذ المرحلة الثانوية يتمسكون بأفكار حدسية معينة بالرغم من دروس العلوم التي يتلقونها في المدارس.
المراجع
1- G. J. Za’rour, Interprétation des phénomènes naturels par les écoliers libanais, Sci. Éduc., 60, 227-97 (1976).
2- L. J. Koethe, Concepts scientifiques : une étude des erreurs
3- C.A. Boyd, Une étude des croyances sans fondement, Sci. Éduc., 50, 396 - 8 (1966).
4- J. Piaget, La Conception du monde par l'enfant, Harcourt Brace (1929).
5- J. Piaget, La conception de la causalité physique par l'enfant, Routledge (1930).
6- M. Laurendeau et A. Pinard, La pensée causale chez l'enfant, Presses universitaires internationales (1962).
7- W. H. King, Symposium : études sur les concepts et les intérêts scientifiques des enfants, Brit. J. Éduc. Psychol., 31, 1-20 (1961).
8- J. Piaget, Comprendre la causalité, Norton (1974).
9- L. Viennot, Raisonnement spontané en dynamique élémentaire, Eur. J. Sci. Éduc., 1, 205 - 22 (1979).
10- S. Sjoberg et S. Lie, Idées sur la force et le mouvement parmi les élèves et étudiants norvégiens, Rapport 81 11, Série de rapports de l'Institut de physique, Université d'Oslo.
11- G. Erickson, Conceptions des enfants sur la chaleur et la température, Sci. Éduc., 60, 221 - 30 (1976).
12- B. Andersson, Quelques aspects de la compréhension des enfants par rapport à l'ébullition
الصفحة 42
point d'ancrage, dans W.F. Archenhold, R.H. Driver, A. Orton et C. Wood-Robinson (éd.) Recherche sur le développement cognitif en sciences et mathématiques, Université de Leeds (1980).
13- S. Strauss, Educational implications of U-shaped behavioural growth, document de position pour la Fondation Ford, Université de Tel-Aviv, 1977.
14- I.M. Duncan et A. H. Johnstone, Le concept de mode, Éduc. Chimie, 10, 213 - 14 (1973).
15- A. H. Johnstone, J.J. MacDonald et G. Webb, Une approche thermodynamique de l'équilibre chimique, Phys. Éduc., 12, 248 -51 (1977).
16- B. Arnold et M. Simpson, Une enquête sur le développement du concept de photosynthèse jusqu'au niveau SCE O, Aberdeen College of Education (1980).
17- J.A. Deadman et P.J. Kelly, que comprennent les élèves du secondaire de l’évolution et de l’hérédité avant qu’on leur enseigne ces matières ? J. Biol. Éduc., 12, 7-15 (1978).
18- E. Guesne, «Lumière et vision des objets: un exemple de repré-sentations des phénomènes physiques préexistant à l'enseign-ment», in Proceedings of GIREP, Taylor and Francis (1976).
19- D. Wilkinson, Une étude de quelques concepts impliquant l'électricité, thèse de maîtrise, Université de Leeds (1973).
20- E. Engel et R. Driver, « Enquête sur la compréhension des aspects de la pression par les élèves », dans Actes de l'atelier international sur les problèmes concernant la représentation des connaissances en physique et en chimie par les élèves, Ludwigsburg, 1981.
21- J. Nussbaum et J. Novak, Une évaluation des concepts de la Terre chez les enfants à l'aide d'entretiens structurés, Sci. Éduc., 60, 535-50 (1976).
الصفحة 43
الفصل الرابع: معتقدات التلاميذ والتعلم داخل الفصل
أوضح الفصل السابق كيف يمكن أن يكون لدى التلاميذ افكار أو معتقدات حول الظواهر التي تقدمها دروس العلوم. وهذه الأفكار تؤثر في ملاحظات التلاميذ للتجارب التي يجرونها وتفسيراتهم لها. كما أن هذه الأفكار أو المعتقدات تبقى في حالات كثيرة كما أنها تقاوم التغيير ايضاً. وأنا أهتم هنا بهذه التأثيرات على تعلم التلاميذ في حجر الدراسة.
عندما يقوم التلاميذ بعمليات استكشاف بأجهزة غير مألوفة لهم فإن اكتشافاتهم يمكن أن تتضمن ما يبدو غير موائم للتجارب.
علي وأمين قاما بأداء سلسلة من الأنشطة بميزان بسيط (شكل 11) عملوه من ورق مقوى معلق بمسمار على حامل، واستخدما بعض الحلقات المعدنية كأوزان علقت بمشابك. أما التجارب التي اجرياها فكانت تتعلق بقانون العزم.
وفي تمرين اضافي اقترح تعليق وزن على بكرة وربطها بأحد طرفي الميزان وذلك للتحقق مما إذا كان باستطاعتهما وضع قاعدة حول كيفية إبقاء ذراع الميزان متزناً. بعد تركيب الجهاز بدأ علي في تعليق حلقتين على الخطاف أعلى البكرة وحلقتين على الخطاف اسفلها -الذراع متوازن. بعد ذلك لاحظ علي أن البكرة
الصفحة:45
(أنظر الشكل 11 في الصفحة 46 من البي دي إف أعلاه)
مكونة من ثلاث عجلات مثبتة على محور واحد ولكنها بإنصاف اقطار مختلفة
قام علي بتحريك الخيط على العجلات الثلاث ليرى ما إذا كان ذلك يؤثر على الاتزان، ثم تابع أمين العمل بنقل الخطاف عمودياً على ثقوب أخرى في الذراع ليرى اثر ذلك على التوازن. وعلى الرغم من كون المحاولتين الاخيرتين تعتبران غير موائمتين بالنسبة للفيزيائي فقد قام التلميذان باختبارهما
ومن السهل في التدريس وصف سلسلة من الأنشطة لاستخلاص قانون معين. ولكن ما لا يلفت انتباه المدرس أن هناك أنشطة لا بد للتلاميذ من القيام بها لإشباع رغباتهم. فالتلاميذ قد يحتاجون إلى اختبار بعض الأفكار حتى يرفضوها.
قام كول ورافين(1) (Cole and Raven) بدراسة تأثير اكتشاف المتغيرات غير الموائمة على تعلم التلاميذ « للطفو ». وقد قارنوا تعلم مجموعتين من التلاميذ. احدى المجموعتين قامت بالتجارب التي تركز على الجوانب الموائمة من المشكلة ( مثل كثافة الاجسام والسائل ). أما المجموعة الثانية، فبالإضافة إلى ذلك، اتيح لها أن تكتشف بعض الجوانب غير الموائمة مثل عمق الماء. وفي النهاية كان اداء المجموعة الثانية أفضل في الاختبار النهائي الذي تضمن تطبيقات ما تم تعلمه على مشاكل جديدة
إن أطر أو توقعات التلاميذ يمكن أن تؤثر في استكشاف الجوانب (غير
الصفحة:46
الموائمة» في نظام ما، كما أنها يمكن أن تكون سبباً في تجاهل المظاهر الموائمة تفسيرات التلاميذ للحركة البراونية والتي نوقشت سابقاً، وضحت كيف أن بعض التلاميذ لم يتمكنوا من رؤية الجوانب المهمة في حركة جزيئات الدخان أي أن جزيئات الدخان تغير اتجاهها بدون تصادم مع عوامل مرئية.
وبالعودة إلى موضوع الديناميكا مرة أخرى فإن كثيراً من التلاميذ لم يتمكنوا من ملاحظة الحركة المتسارعة إلا بعد أن قدمت لهم الفكرة بالتحديد.
قبل البدء بإجراء بعض التجارب سئل علي عما يمكن أن يحدث عندما تدفع عربتا ديناميكا بعيداً عن بعضهما بوساطة زنبرك مضغوط بداخل احداهما، علما بأن واحدة من العربات كانت محملة بطابوقتين. وقد كانت اجابته صحيحة خطاً حيث ذكر أن العربة الأخف هي الأسرع. وقد طلب من علي أن يرسم. بيانياً (شكل 12) يمثل تغير السرعات من لحظة إطلاق الزنبرك. وعندما سئل عما حدث لسرعات العربتين عندما كان الزنبرك يدفعهما، أجاب: «انها تحدث في الحال». (بعد مواصلة خطوات التدريس، سئل علي مرة أخرى سؤالاً شبيهاً، وفي هذه المرة بين الخط البياني الذي رسمه الجزء المتسارع من الحركة) .
(أنظر الشكل 12 في الصفحة 47 من البي دي إف أعلاه)
أشير في السابق إلى أن التلاميذ عندما يواجهون ظاهرة لأول مرة أو ظاهرة مألوفة بنظرة جديدة فإنهم يحاولون ربطها بفكرة سبق لهم فهمها ويفسرونها وفق ذلك
الصفحة:47
طرح في الفصل الأول مثال لتلميذتين فسرتا الفرق بين خطين بيانيين للحرارة / الزمن وفق اختلاف معدلات التوصيل. ونظراً لأن التلميذتين لم يسبق لهما التعرف على السعة الحرارية فلم تكن مفاجأة عندما قدمتا تفسيراً وفق افكار مألوفة لديهما.
غالباً ما يفسر التلاميذ التجارب الأولى في الكهرباء أو الدوائر الكهربائية بطريقة غير سوية، والمقتطف التالي يوضح ذلك. كان ثلاثة تلاميذ في سن ثلاثة عشرة سنة يتحدثون مع مدرسهم عن ماذا يمكن أن يضعوا في الفجوة الموجودة في الدائرة (شكل 13) حتى يضيء المصباحان (*)
(أنظر الشكل 13 الصفحة:48 من البي دي إف أعلاه)
المدرس: كيف يمكنني إضاءة المصباح؟
حسام وطارق: بوضع وصلة في الفجوة.
حسام: سيدي، سيدي ولكنهما سينقسمان
المدرس: ما الذي سينقسم؟
حسام: الكهرباء سيدي، واحد سوف يذهب بهذا الطريق والآخر بالطريق الثاني وبالتالي تكون الاضاءة ضعيفة جداً
الهوامش:
*الاقتباس قدمه بيتر بيرتون (Peter Burton) .
الصفحة:48
طارق: طبعاً لأن هناك بطارية واحدة
المدرس: هل ستكون الاضاءة واحدة في الاثنين ام أحدهما أكثر سطوعاً من الآخر؟ .
الجميع: نفس الاضاءة.
طارق: تقوم البطارية بتقسيمها.
حسام: الاجزاء المتساوية من البطارية تنقسم بالتساوي
توضح الفقرة السابقة ان واحداً من التلاميذ على الأقل يمتلك فكرة بأن الكهرباء تخرج من كل طرف من طرفي البطارية لإضاءة كل من المصباحين لكن هذه الفكرة تسبب صعوبة عندما يُقترح إضافة مصباح ثالث للدائرة الكهربائية
حسام: سيدي، ولكن الاضاءة تخفت أكثر فأكثر.
طارق: اعتقد ان كلامك صحيح يا حسام لأن هناك بطارية واحدة عليها أن تشحن جميع المصابيح
حسام: سيدي، إذن تنقسم البطارية إلى ثلاثة اقسام.
خالد: لا تكن سخيفاً، لا يمكن أن تنقسم إلى ثلاثة اقسام لأنه لا يوجد في البطارية سوى مخرجين
حسام: ولكن عند ادارة المفتاح يا سيدي، اعتقد ان بعضاً من الكهرباء يمر من هذا المصباح إلى ذلك المصباح
الملاحظ هنا أن فكرة خروج الكهرباء من كل طرف من طرفي البطارية إلى المصابيح لتعطي ضوء، واضحة تماماً. ولكن مع ادخال مصباح ثالث في الدائرة الكهربائية بدأت تظهر فكرة أن بعضاً من الكهرباء يمر خلال اجزاء الدائرة الكهربائية.
الصفحة:49
وحتى بعد فترة من التدريس فإن الحدس الداخلي أو الأطر البديلة الموجودة لدى التلاميذ لا زالت تؤثر في تفكيرهم. يوضح المثال التالي كيف أن الحدس الداخلي لدى التلاميذ يكون له اثراً عندما يجابهون بمشاكل جديدة وعليهم ان يقرروا القاعدة والفكرة الموائمة لحلها.
وبعد سلسلة من العمل الصفي حول فكرة "القوى الثنائية" عرض الجهاز الموضح في شكل (14) على فاطمة وكانت الاثقال مثبتة في المكان الموضح في الشكل وطلب من فاطمة أن تتنبأ بما يمكن حدوثه عندما يتم إطلاق الأثقال
(أنظر الشكل 14 في الصفحة:50 من البي دي إف أعلاه)
فاطمة: (مشيرة إلى الثقل الأعلى) سوف يتحرك الى أسفل إلى أن يصبح الثقلان في نفس المستوى.
المدرسة: لماذا؟
فاطمة: حسناً، هذا الثقل سوف يبدأ بالنزول الى أسفل لأنه مساو للثقل الآخر -وسوف ينزل بسرعة حتى مستوى الثقل الآخر. ونظراً لأنه لا يتمكن من التوقف فسوف يبدأ بالنزول والصعود (مشيرة بيدها لحالة التوازن شيء يشبه الزنبرك).
في هذا المثال تقوم فاطمة بتمثيل ما يحدث بشيء مألوف لديها هو الميزان
الصفحة:50
أو الزنبرك الضاغط. ولكن عندما عرض عليها ما يحدث فعلاً بعد ترك الاثقال غيرت تفسيرها في الحال وقالت:
"اعتقد بأنهم ما زالا متساويين (أي الثقلين) ومهما حدث فلا زالا متساويين ولن يتحركا"
وبالرغم مما يبدو بأن فاطمة متفهمة لفكرة القوى المتساوية والمتضادة، إلا أنها عندما جوبهت بظاهرة جديدة لم تتمكن من استخدام تلك الفكرة في التنبؤ برأي، ولكنها كانت تنظر إلى الجهاز في إطار تشابه مختلف.
إن هذه الصعوبة شائعة بين التلاميذ خاصة عندما يقومون بحل مسائل عددية. والصعوبة لا تكمن في تداول الاعداد أو الرموز بقدر ما هي في اختيار القاعدة المناسبة بالدرجة الأولى وكيفية ربطها بالسؤال المطروح. ويرى توماس كون Thomas Kuhn بأن المسائل النموذجية تساعد في تشكيل تصورات التلاميذ لأنواع المسائل المختلفة، وتلعب هذه النماذج دوراً مهماً في تقديم التلاميذ للأفكار العلمية المتداولة فهو يشير إلى أن:
... التلميذ يكتشف طريقه للحل بناء على مسألة سابقة تعامل معها. وغالباً ما وبمجرد ان يرى التلميذ ذلك التشابه تبقى لديه صعوبات تناولها يجد التلاميذ صعوبة في حل مسائل الفيزياء في نهاية فصل ما بالرغم من قراءتهم المفصلة له وفهمه بدقة (2)
وفي النهاية وبالرغم مما يبدو على التلاميذ من فهم لفكرة أو لقاعدة إلا أنهم يلجؤون إلى اطر بديلة لحدسهم الداخلي عندما يواجهون بواجبات جديدة نوعاً
وفي نهاية خطوات التدريس عن الفعل ورد الفعل، طلب من حسن أن يتنبأ بما يمكن حدوثه عندما يتم دفع عربتي ديناميكا (إحداهما حمراء والاخرى خضراء) بعيداً عن بعضهما البعض بوساطة زنبرك مضغوط في إحداهما، قال:
الصفحة:51
"... العربة الخضراء تسلك هذا الطريق بينما العربة الحمراء قد تتحرك قليلاً بهذا الاتجاه -ولكن ليس بمقدار حركة العربة الخضراء. وصحيح ان الزنبرك سوف يؤثر بقوة في هذا الاتجاه وتكون له قوة رد فعل مساوية، إلا أن قوة رد الفعل (ولسبب ما) المساوية لن يكون لها نفس التأثير. ولن يكون تأثيرها بنفس القوة".
يتضح من العبارة السابقة ان حسن على وعي بالمسألة باستخدامه مبدأ الفعل ورد الفعل، وحتى أنه يدرك ان القوتين يجب ان تكونا متساويتين إلا أن حدسه الداخلي جعله يقترح بأن العربة التي تقوم بالدفع سوف تسلك سلوكاً مختلقاً عن تلك التي تم دفعها. وبذلك يكون قد اظهر برأيه الذي اعطاه ثقة بحدسه الداخلي.
ولقد اقترح كثير من التربويين بضرورة اخذ المفاهيم الخاطئة بعين الاعتبار في تصميم أي سلسلة من الخطوات التدريسية، وأن ذلك مهم جداً لمساعدة التلاميذ في التخلص من تلك المفاهيم الخاطئة وفي تقديم وجهات النظر المقبولة.
وحتى يتمكن الفرد من فهم اعمال التلاميذ الفورية، فإنه لن يقدر على شرح حدود هذا الاتجاه لهم (3).
ويمكن للمدرسين ومطوري المناهج الاستفادة بدراسات الاطر البديلة لدى التلاميذ (4). ومع ذلك فإن هذا المدخل يكون ممكناً عندما يعي المرء أولاً طبيعة مثل تلك الأطر البديلة
المراجع
1- H. Cole and R. Raven, Principle learning as a function of instruc- tion on excluding irrelevant variables, J. Res. Sci. Teach., 6, 234-42 (1969).
الصفحة:52
2- T. S. Kuhn, Second Thoughts on Paradigms, Paper Presented at the Illinois Symposium of Philosophy of Science, (1969).
3- R. Case, A Developmentally Based Theory and Technology of In- struction, The Ontario Institute For Studies in Education, Toronto (1976).
4- J. A. Rowell and C. J. Dawson, Teaching about floating and sink- ing: an attempt to link cognitive psychology with classroom practice, Sci. Educ., 61, 245-53 (1977(
الصفحة 53
الفصل الخامس: الابتكار والتخيل
هناك دلائل على احتفاظ التلاميذ بجوانب من حدسهم الداخلي واطرهم البديلة في بعض فروع العلم (مثل الديناميكا، والحرارة، والكهرباء) عندما يجابهون بمشاكل في إطار جديد. وبالرغم من أن دروس العلوم تؤثر في معارف التلاميذ إلا أنه يبدو من الصعب احياناً تغيير الجوانب الرئيسية من افكارهم وهذا يثير تساؤلاً مهماً جداً للمهتمين بتدريس العلوم هو: كيف يمكن العمل على احداث تغيير في طريقة إدراك التلاميذ للمشكلات.
ومع أن اعطاء الفرصة للتلاميذ لدحض مفاهيمهم الخاطئة قد يكون مفيداً لهم، كما سبق وأشرنا، إلا أن ذلك ليس حلاً كاملاً. فالأطر البديلة المعبرة عن خبراتهم قد نمت لديهم على مدى فترات زمنية طويلة، ولذا يتطلب الأمر نشاطاً أو نشاطين صفيين لإمكان احداث التغيير.
وإضافة لذلك فإن أهمية فكرة أو إطار سوف لن يدحض أو يرفض إلا بعد توفر البديل الملائم. فيمكن أن يعطى التلاميذ خبرات لا تتفق مع توقعاتهم، ولكن هذه الخبرات نفسها لا تكون كافية لإعادة بناء وجهة نظر بديلة ملائمة للنظام.
ويعتبر ما ورد في الفصل الثالث مثالاً على ذلك. فوجئت لبنى ورشا
الصفحة:55
عندما وجدتا انه لا لزوم لأية قوة لاستمرار تدحرج عربة على سطح افقي.
وكتبت لبنى في تقريرها:
لم تلزم أية قوة لدفع العربة. لماذا؟ لا أدري! (قد تكون القراءة خاطئة).
فقد قامت لبنى بإجراء التجربة، وجمعت البيانات، ولكنها فشلت في تمثيلها بإطار جديد. الدلائل والبيانات يمكن اكتشافها ولكن الإطار المعلل هو بناء في العقل لا بد من ابتكاره.
احياناً قد يتوصل التلاميذ إلى ابتكار ملائم تماماً للبيانات التي يتم جمعها، ولكن في مرات كثيرة، كما هو الحال مع لبنى، يترك التلاميذ مع مشكلة ولكن دون حل. في مقالة تحت عنوان «الاستكشاف ام الابتكار» يشير اتكن وکاربلوس (۱ (Atkin and Karplus) إلى أن الكثير من الأفكار الأساسية للعلوم هي بناءات أو ابتكارات اثبتت قوتها في تفسير الأحداث والتنبؤ بها. وبالرغم من أن التلاميذ خلاقين في تفكيرهم، إلا أنه من السذاجة توقع ان يقوموا بإعادة ابتكار الأفكار الهامة في العلوم. وبدلاً من ذلك اقترح اتكن وكاربلوس أن تلك الأفكار الهامة، سواء كانت عن المجال المغناطيسي أو الجزيئات، يمكن أن يعرضها المدرس على أنها ابتكارات ويشجع التلاميذ على رؤية قيمة وقوة تلك الأفكار من خلال تطبيقاتها في مجموعة من الأنشطة.
وقد استخدم هذا المدخل كأساس للمنهج الامريكي (دراسة تحسين مناهج العلومSeience Curriculum Improvement Study Scis )2 المصمم لتلاميذ تتراوح اعمارهم بين 6 - 13 سنة . وبنيت المواد التعليمية في دورة تعليمية من ثلاثة مراحل تتضمن انشطة التقصي أو الاستقصاء والابتكار والاكتشاف. في المرحلة الأولى من الدورة التعليمية يتاح للتلاميذ بأن يقوموا بأنفسهم باستقصاء مجموعة من الظواهر الموائمة لأية فكرة أو مفهوم، لتوسيع معرفتهم حول الظواهر الموائمة في العالم الطبيعي. يلي ذلك مرحلة المدخلات من المدرس الذي يقوم بتقديم أو «ابتكار» مفهوم أو قاعدة جديدة تمكن
الصفحة:56
التلاميذ من تنظيم خبراتهم. أما في المرحلة الثالثة، وهي مرحلة الاكتشاف، فيعطى التلاميذ فرصة لتطبيق المفهوم على مجموعة من الحالات أو المواقف
ومن الجدير بالذكر ان المنهج الأمريكي هذا الذي صمم ليغطي ست سنوات من الدراسة، احتوى فقط على عشرين مفهوماً اساسياً في مجال العلوم الطبيعية. وخصص الجزء الأكبر من وقت التدريس للمرحلة الثالثة أو مرحلة الاكتشاف الهامة.
إنه من المخاطرة الاعتقاد بأن تقديم مفهوم جديد للتلاميذ يتحول ايضاً إلى أداة لقوة جديدة في تفكيرهم، فالتلاميذ يستطيعون حفظ القوانين والقواعد، ولكنهم يفشلون في تطبيقها. ففي مناقشة مع احمد حول حركة محمل الكريات على طول ممر افقي:
المدرس: لماذا لا تذهب ابعد من ذلك؟
احمد: بالطبع درسنا ذلك! الطاقة؟ اعتقد بأن طاقة الحركة هي الطاقة الوحيدة التي استخدمت وبعد برهة ذهبت الطاقة وهذا ما جعل العجلة تتوقف ... والسبب انه لا يمكن عمل أو اتلاف الطاقة فيما عدا طاقة الحركة هذه
إن قانون بقاء الطاقة أداة قوية على احمد، كما هو واضح، أن يتعلم كيف يستخدمها
من الأفكار العلمية الأخرى التي يمكن ادخالها مبكراً أو تعزيزها بجهد غير كبير نظرية الحركة الجزيئية. في أحد الفصول الدراسية أنهي تلاميذ في الثالثة عشرة من عمرهم ستة اسابيع متصلة من الدراسة عن (الحركة الجزيئية). وفي النهاية اعطوا واجباً منزلياً يتضمن استخدام نظرية الحركة في تفسير مجموعة من الظواهر، تتضمن تمدد الزئبق في الترمو متر عند التسخين. وفيما يلي اجابات من تلك التي اعطيت:
الصفحة:57
يرتفع الزئبق في الترمو متر هرباً من الحرارة، وبعد ذلك يبقى الزئبق في مكانه إلى حين ذهاب الحرارة.
يرتفع الزئبق عند تسخينه بسبب وجود مادة في الزئبق تندفع إلى اعلى عند التسخين.
يرتفع الزئبق في الترمو متر عند تسخينه لأن سخونته تزداد والجزيئات تتحرك بعيدا عن الحرارة الى اعلى في الترمو متر.
الزئبق يفضل ان يكون بارداً ولذلك عند تسخينه تحاول الجزيئات الابتعاد عن الحرارة وتتحرك إلى أعلى لأنه المكان الوحيد الذي يمكنها الذهاب اليه بعيدا عن الحرارة.
الزئبق عند تسخينه يدفع الجزيئات بعيداً بعضها عن البعض الآخر وهكذا تصبح كتلة الزئبق أكبر ويرتفع الى اعلى في الترمومتر معـطـيـاً قـراءة درجة الحرارة.
الحرارة تؤدي إلى تمدد الجزيئات، وهي لذلك تحتاج إلى مكان واسع تتحرك فيه، لذا تندفع إلى أعلى جاعلة الزئبق يرتفع كذلك
الاجابة الأولى لا تشير إلى الجزيئات على الاطلاق ولكنها تعكس تفسيراً انسانياً (تأنيساً) في القول بأن الزئبق (يرغب في الهروب) من الحرارة. وتحمل الاجابتان الثالثة والرابعة نفس الفكرة بالرغم من "تغليفهما" بكلمة "جزيئات". الاجابة الثانية تشير إلى مادة في الزئبق، وفكرة انغماس الجزيئات في المادة كانغماس الزبيب في الكعكة وهي فكرة منتشرة. اما الاجابة السادسة فتشير إلى مفهوم خاطئ عام حيث تتضمن اعتقاداً بأن الجزيئات نفسها تتمدد.
إن عملية اكتساب ما يقدمه المدرس من أفكار واستخدامها بإطار جديد لا تتم بصورة مباشرة. والحوار الذي نقدمه فيما يلي حدث في أحد دروس العلوم مع تلاميذ تتراوح اعمارهم بين 13-14 سنة. عرضت للتلاميذ افكار نظرية الحركة الجزيئية للمادة وطلب منهم استخدام تلك الأفكار في تفسير بعض التجارب مثل تمدد ساق معدنية عند التسخين (شكل 15).
الصفحة:58
(أنظر الشكل 15 ص:59 من البي دي إف أعلاه)
- نعم، جزيئات الحرارة تدفع الـ. ..
- كلا الحرارة لا تفعل ذلك
- حسناً، على أي حال ذلك الشيء (مشيراً للمؤشر) ينزل الى أسفل.
- إنها تتمدد ، فجزيئات الحرارة تعطي طاقة اضافية وبذلك تحتاج إلى مكان أكثر تتحرك فيه لذلك تستطيل الساق وتدفع الابرة إلى أسفل*.
- إذا كانت تلك هي الحرارة ، ولا بد للجزيئات ان تتمدد ، صحيح ؟ وذلك الشيء موجود هكذا، فعندما تلفه الجزيئات هكذا يقوم ذلك الساق بدفع الابرة، التي تدفع الاشياء حولها وتنزل إلى أسفل .
مرة أخرى تظهر هنا فكرة تمدد الجزيئات نفسها بالإضافة إلى اننا نرى التلاميذ وقد استخدموا فكرة جزيء للإشارة الى الحرارة (جزيئات الحرارة).
من المحتمل أن تكون فكرة النظرية الحركية للجزيئات قد اعطيت للتلاميذ ولكنها تحتاج إلى امعان نظر دقيق من قبلهم ليروا كيفية تطبيقها بثبات في عديد من الخبرات
توضح هذه الامثلة حاجة إلى ضرورة استخدام التلاميذ لقواهم التخيلية. فقد طلب منهم تفسير ما هو مرئي في إطار نموذج، وهو غير مرئي.
الهوامش:
* المقتطف مقدم من مايك توربو (Mike Torbe)
الصفحة:59
وهذا يتطلب من التلاميذ تكوين بناء عقلي من اجل تفسير الاحداث. انه من النادر التركيز على دور التخيل في تعلم العلوم، إلا أنه يلعب جانباً بارزاً في تمكين التلاميذ من التقاط الأفكار الجديدة
رکز جونز (R.M. Janes) في مقالته الانتقادية لكتاب برونر (Bruner) "الإنسان - مساق دراسي" (Man- Acourse of Study) على أهمية التخيل في الطريقة التي يتعلم بها التلاميذ وذلك بتمثيل المعلومات الجديدة وتكييف تفكيرهم لها
من المهم الأخذ بالاعتبار انه من أجل ان يولد مبدأ بياجه الأساسي هذا قوة تعليمية مثلى، فإن عنصري الأهمية والمصداقية (الموثوقة) يجب ان تسري على المجالات المألوفة وغير المألوفة. وانه لمن المهم ايضاً الأخذ بالاعتبار ... ان نقاط المقارنة التي هي بطبيعتها الأكثر اهمية تكون احياناً غير مصدقة بالحال، ويجب اولاً جعلها مصدقة. وبعبارة أخرى، فإن التلاميذ، احياناً، يجب ان يتخيلوا الحقيقة كأفضل اختبار لها.
قبل ان نتوقع من التلاميذ ان يتخلوا عن افكارهم القديمة، لا بد أن يكونوا على الأقل، قادرين على استيعاب الأفكار التي تقدم إليهم. ويمكن أن يتضمن ذلك عملية تخيل في مدى امكانية الفكرة الجديدة قبل تصديقها.
سبقت الاشارة إلى مشاكل واجهت التلاميذ في فهم قوانين الحركة. وحتى عندما قام المدرس بتوضيح حركة التسارع تحت قوة ثابتة، فإن بعض التلاميذ لم يتمكنوا من تقبل الفكرة، وقد قال أحدهم:
طبعاً أنها زيادة السرعة لأنك تقوم بسحبها أسرع فأسرع.
وبالرغم من ذلك فإن ملاحظة حسن على التجربة مفيدة لتوضيح كيفية تفسير الحركة لنفسه:
آه إني اراها وكأنها تأخذ دفعات عديدة متتالية وكل دفعة تجعلها تسرع، فهي لا تبطىء بين دفعة وأخرى.
الصفحة: 60
ونلاحظ هنا أن حسن قد كوّن لنفسه فكرة القوة على أنها سلسلة نبضات متتالية كل منها يُضيف إلى السرعة... وفي مناسبة اخرى يظهر حسن تخيلاً في توضيح الاجابة لمسألة اثيرت في مناقشات فصلية بعد سلسلة من خطوات تدريسية عن التوازن وقوانين العزوم. فقد تناول المدرس قطعة خشبية مثلثة الشكل ووازنها على أصعبه وطلب من التلاميذ رأيهم حول النقطة التي يلامس فيها اصبعه لقطعة الخشب
محمد: الوزن كله يدفع إلى أسفل في تلك النقطة
جمال: انها مركز الثقل
حسن: إذا رسمنا خطاً من تلك النقطة فإنه يقسم قطعة الخشب الى قسمين متساويين في الوزن
عقب المدرس على ذلك ثم سأل عن عدد التلاميذ الذين يوافقون على رأي حسن. رفعت غالبية الأيدي تعبيراً عن الموافقة. بعدها ترك المدرس خطته للدرس جانباً واقترح على التلاميذ ان يقوموا باختبار تلك الفكرة، ووفر للتلاميذ مقصات وقطع ورق مقوى، وبدأوا بقص الأشكال المناسبة وتحديد مركز الثقل لكل منها ثم قطعها إلى نصفين ووزنها. وقد لوحظ ان غالبية التلاميذ قامت بقص اشكال هندسية منتظمة كالدائرة والمستطيل فيما عدا احمد الذي قام بقص دائرة بذراع جانبي. وقد تعارضت نتائجه مع ما توصل إليه بقية زملائه، وعندما سئل احمد عن سبب اختياره لهذا الشكل، تناول قطعة مستطيلة ووازنها على اصبعه وقال مفسراً:
انظروا، القطع لا يمكن ان تتساوى في اوزانها. هذا الجزء (مشيراً إلى رأس المثلث) أخف وزناً، ولكن يبرز الى الخارج أكثر ... إنها العزوم التي تتساوى وليست الأوزان. انظروا هنا، هذا متوازن الآن. ولكن عندما ألف هذا الجزء (شكل 16) هكذا فأنا لم أغير الوزن ولكن البطاقة متجهة إلى أعلى. عندما اثني هذا إلى الأعلى فأنا اغير العزم بينما يبقى الوزن كما هو ... قريباً جداً من نقطة التوازن
الصفحة: 61
(أنظر الشكل 16 الصفحة: 62 من البي دي إف أعلاه)
ومن الواضح هنا أن احمد قد تمكن من عمل القفزة التخيلية لتصور الجهاز في إطار توزيع الوزن ومساعدة هذا التصور على عمل نتاج هذا العرض الصغير ليثبت ذلك لنفسه. الذين قاموا باختبار الفكرة بالتجريب يمكن أن يكونوا قد توصلوا إلى نتائج تثبت صحة الفكرة، ومع ذلك لم يتمكنوا من فهم السبب الحقيقي. ومن وجهة نظر فلسفة العلوم، فإنه لمن المثير ملاحظة ان التلميذ نفسه الذي قام بعمل "القفزة" التصورية هو الذي صمم التجربة "الحاسمة ".
من الصعب في الغالب ان يميز التلاميذ بين الملاحظات وتفسيراتها. فمعرفة ان المادة تتكون من دقائق تعتبر حالة مماثلة لملاحظة ان المعادن تتمدد بالحرارة
يوجد عدة طرق يمكن بوساطتها، عند التدريس، التمييز بين الملاحظة والتفسير. احدى هذه الطرق تتبع ما اقترحه برنامج العلوم الامريكي (SCIS) بخصوص تقديم الفكرة النظرية على انها ابتكار علمي. والتلاميذ يميلون لتقدير هذا مع انه في بعض الحالات تكتشف تفسيرات بديلة. اما مخططات برامج مشروع نفيلد (Nuffield) في العلوم فإنها تتضمن في بنيانها فرصاً للتلاميذ لاعتبار التفسيرات البديلة، مثل الطبيعة الموجية أو الجسيمية للضوء. هذه الفرص تميل لأن تكون خاصة بالأفكار الكبرى في العلوم والتي يتطلب تقييمها من التلاميذ ليس فقط فهم النظريات البديلة في الدرجة الأولى، ولكن ان يألفوا مدى واسعاً من الظواهر.
الصفحة:62
هناك مواقف كثيرة ذات متطلبات أقل يمكن اكتشاف التفسيرات البديلة لها، مثال ذلك تعددية طبيعة النظرية العلمية وتمييزها عن عالم البيانات المحسوس. وإن مجرد وجود الأطر البديلة لدى التلاميذ يعني أنه يمكن ظهور عدة فرضيات بديلة بين تلاميذ أي فصل. وقبول هذه الفرضيات واستخدامها، كما في مثال التوازن الذي تمت مناقشته في هذا الفصل، يعتبر استراتيجية لتوسيع فهم التلاميذ لعملية بناء النظرية واختبارها في العلوم. وقد وردت اقتراحات للقيام بمثل هذا العمل في مخططات برامج نفيلد في العلوم وضعها بيديلي(4) (Baddeley)
كتاب المادة العلمية في برنامج العلوم الأمريكي SCIS يميزون بوضوح بين نوعين من المدخلات في دروس العلوم. النوع الأول يمثل الخبرات التي توسع معرفة التلاميذ بالظواهر من خلال الملاحظة، مثل معرفة أن المعادن تتمدد بالحرارة، وأن بعض المواد تذوب في الماء، وأن النباتات الخضراء تستهلك ثاني أكسيد الكربون في وجود الضوء. وهذه يتم تمييزها، على أية حال، عن الابتكارات التي تقدم لتفسير المشاهدات. إن استرجاع المناقشة المتعلقة بفلسفة العلم في الفصل الأول تجعل مثل هذا التمييز بطريقة واضحة في تدريس العلوم أمراً مهماً حيث أن ذلك يعكس بوضوح أكثر طبيعة العلم نفسها.
تدريس العلوم التقليدي اعتاد التركيز على معادلة معينة يتبعها التلاميذ في كتابة تقاريرهم عن التجارب التي يجرونها، وهذه المعادلة تفصل بين الطريقة والنتائج، والاستنتاجات. وقد انتقد هذا الاتجاه لعدة أسباب. فالتلاميذ يتعلمون من كتابة التقارير بلغتهم الخاصة، والتراكيب المنطقية تعيق ذلك. واستخدام كلمة "استنتاج" توحي بوجود تفسير واحد للبيانات، وقد وجه لذلك النقد الكثير واعتبر من مخلفات الطريقة الاستقرائية أو الاستنتاجية. وعلى أي حال فإن تشجيع التلاميذ على التمييز بين الملاحظات والتفسيرات التي يقدمونها في تقاريرهم المكتوبة يعتبر مفيداً في تعزيز هذا التمييز.
الصفحة:63
هذا ويمكن اعطاء الأفراد أو المجموعات فرصاً لإعطاء تفسيرات بديلة لحدث ما، وهذا يعني ابتكار الفرضيات. وهذه الفرضيات يمكن أن تستخدم فيما بعد كأساس لتصميم التجارب العملية التي تعطي التلاميذ قواعد التجريب للاختيار بين البدائل.
التحول من تدريس تقدير طبيعة العمل العلمي إلى تدريس مجموعة من الأفكار العلمية المقبولة، يواجه بالكم الهائل من المادة العلمية التي تقدم إلى تلاميذ المرحلة الثانوية: القوة، والطاقة، والمجال الكهربائي والمغناطيسي، والدائرة الكهربية وفرق الجهد، وموجات الصوت والضوء، والذرات والجزيئات، والشحنات والايونات، والجينات والكروموسومات. مع العلم أنه ولا واحدة مما سبق ذكره يمكن للتلاميذ إدراكها بالحس مباشرة. إنها أفكار أو بنيات يمكن ادراكها من الخبرات المحسوسة ذات الصلة بها. ولكنها قبل أن تكون ذات فائدة للتلاميذ لا بد لهم من أن يقوموا بتكوين تلك الأفكار في مخيلتهم. وربما عندما ننظر في عدد الابتكارات الجديدة التي تقدم في مقررات العلوم بالمرحلة الثانوية، لا نندهش عندما يجد كثير من التلاميذ أن مقررات العلوم صعبة.
كان التركيز في العقدين الماضيين على أنشطة التلاميذ أنفسهم في دروس العلوم. لقد وضعنا ثقتنا بالاستكشاف، أي بالقيام في التجارب لفهم التلاميذ الأفكار بشكل أفضل. إن ذلك يمكن أن يكون له دور، ولكن الخبرة وحدها لا تكفي، وهذا الاتجاه لن يُقدَّر له النجاح إذا لم يؤخذ بالحسبان الدور المكمل للتخيل ويعطى الوقت الكافي لتشجيع تنمية هذا الجانب في تعلم العلوم
ومن الأمور الدارجة أن نرى دروس العلوم تنتهي بانتهاء التجارب العملية(5). فلا يعطي الوقت الكافي للمناقشة المهمة التي تساهم في ربط الخبرة المكتسبة بالأفكار الجديدة. فالنشاط العملي وحده غير كاف، والمهم الاحساس الذي يتولد من خلاله. ومن هنا تنشأ الحاجة إلى استراتيجية تعليمية تهتم
الصفحة:64
بمساعدة التلاميذ على التفكير والحديث عن أهمية خبراتهم وكذلك، وهو الأكثر أهمية، إعطاء الوقت للمدرسين للتحدث مع التلاميذ من خلال خبرات التلاميذ أنفسهم .
المراجع
1- J.M. Atkin and R. Karplus, Discovery or invention?, Sci. Teach., 29, 45 - 51 (1962).
2- SCIS Teacher's Handbook, University of California Press (1974).
3- R.M. Jones, Fantasy and Feeling in Education, Penguin (1972). 4- J. Baddeley, Teaching and philosophy of science through Nuffield schemes, Sch. Sci. Rev., 62, 154 - 9 (1980).
5-M.K. Sands، Group work in science: myth and reality, Sch. Sci. Rev., 62, 765-9 (1981).
الصفحة:65
الفصل السادس: تعليم العلوم ونظريات النمو المعرفي
عرضت في الفصل الأول من هذا الكتاب وجهة النظر القائلة بأن النظريات العلمية لا تستنتج من البيانات ولكنها بنيات أو تراكيب من الفكر الانساني. ويعتبر عالم المعرفة جان بياجيه Jean Piaget) ) من أبرز أنصار هذه النظرة، وقد قدم مع معاونيه في جنيف اضافات رئيسية إلى فهمنا حول تفكير الأطفال. وتستند أعمالهم إلى وجهة نظر ترى بأن معارف الأطفال هي من نوع متدرج وأكثر موضوعية وتبنى من خلال التفاعل مع البيئة.
يوجز هذا الفصل المعالم الرئيسية لنظرية بياجيه دون توسع أو مراجعة وافية لها، ولكن من يرغب في مراجعة التفاصيل عليه أن يرجع إلى مطبوعات أخرى (1)، (2). والتعرض لنظرية بياجيه هنا يأتي لمساهمتها في وجهة النظر البنائية أو التركيبية للمعرفة.
تتعرض نظرية بياجيه حالياً إلى بعض النقد الذي نشير إليه في نهاية الفصل عند مناقشة النماذج البديلة في التعلم.
عمل بياجيه في أول حياته بيولوجياً وظهر أثر ذلك في أفكاره عن التعلم التي يربطها بالتكيف البيولوجي. ويرى بياجيه أنه كلما تعلم التلاميذ أكثر عن بيئتهم أصبح تكيفهم معها أفضل، وهذه العملية للتكيف سمـاهـا بياجيه
الصفحة:67
بالتوازن. ويحصل ذلك عندما يتمثل الفرد خبرة معينة ويكيف بناءه المعرفي السابق لها.
اعطي في الفصل الثالث مثال لتلميذتين قامتا بتجربة حول القوة اللازمة لسحب عربة حيث قامتا بسحب العربة افقياً باستخدام ميزان زنبركي ولاحظتا أن قراءة الميزان كانت صفراً. وهذا ما قامتا بتسجيله، وهي معلومة تم تمثيلها، ومع ذلك فإن تعليقاتهما دلت على أنهما غير فاهمتين لسبب حدوث تلك الظاهرة، وتوقعاتهما كانت مختلفة. وعليه لم يكن بإمكانها تطويع اطارهما الفكري لاستيعاب المعلومة الجديدة أي لم يحصل التوازن كما يقول بياجيه والتعلم من وجهة نظر بياجيه عملية نشطة يقوم فيها المتعلم ببناء معرفة من خلال التفاعل مع البيئة والتغلب على التناقض المعرفي الذي يمكن أن يحصل بين التوقعات والمشاهدات. وفي الحقيقة فإن الحاجة للتغلب على التنافر المعرفي هي التي تعطي الدافعية الذاتية للتعلم.
وكلما ازدادت خبرات التلاميذ فإن التراكيب التي تنمو أو تتطور لديهم تصبح أكثر احاطة، ويمثل الشكل (17) جوانب من عملية التطور هذه حيث يتمثل المتعلم معلومات من البيئة. وهذه تتفاعل مع البناء المعرفي القائم فعلاً والذي يتغير تبعاً لذلك؛ وعليه يكون قد حصل التكيف والنتيجة بناء معرفياً أكثر تطوراً أو نماءً
إن ما يتم تمثيله لا يعتمد على البيئة فقط ولكن على البناء المعرفي القائم لدى المتعلم. وإذا كان التنافر كبيراً فلا يمكن أن يحصل التمثل، وفي حالة عدم وجود تنافر بين الخبرة أو البناء المعرفي للمتعلم فإن المعلومات تمثل دون تغيير في البناء المعرفي. ويمكن الاستنتاج من ذلك أن التعلم الفعال يتطلب تطبيق مبدأ الجدة المعتدلة التي توضحها تسجيلات مشاهدات التلاميذ التي عرضت في الفصل الثاني
الصفحة:68
(أنظر الشكل 17 ص:69 من البي دي إف أعلاه)
وخلال عمليات عدم التوازن وما يتبعها من توازن، تنمو أو تتطور بنيات فكرية تندمج بالبنيات السابقة وعليه يكون النمو في استمرار وثبات في مراحل منتظمة المراتب. ومع أن بياجيه يرى أهمية للنضج ولمختلف الخبرات الاجتماعية والجسمانية، للنمو أو التطور، إلا أن التوازن يبقى العملية الديناميكية الأساسية.
إن النظرة إلى التعلم كتوازن أو تكيف بين المتعلم وبيئته تعطي المتعلم دوراً نشيطاً في ذلك ، فالطفل هو المهندس المعماري الذي يقوم ببناء معرفته الخاصة .
ومن الملامح التطورية التي وضعها بياجيه، التقدم من الفردية إلى التفكير الأكثر موضوعية. الأطفال الصغار يبدؤون الشعور بالأحداث من خلال احساساتهم الجسمانية الخاصة، فهم يرون العالم وكأنهم وكلاء له. والأطفال الصغار يصعب عليهم تخيل الأحداث من منظور مخالف لمنظورهم الخاص، فهم على سبيل المثال، لا يتصورون كيف يمكن أن يظهر منظر طبيعي خاص لشخص آخر في موقع آخر بصورة مغايرة لما شاهدوه هم من موقعهم. ويميل الأطفال أيضاً إلى تفسير الأحداث من منطلق تأثيرهم على النظام وليس وفق
الصفحة: 69
خصائص النظام نفسه. إن تلاميذ في سن 12 سنة كانوا يقومون بمشاهدات عن الطفو والغطس، وقد أعطوا كأسين زجاجيتين يحوي كل منهما سائلاً شفافاً.
وعندما وضعت بيضة في كل كأس، طفت في واحدة وغطست في الأخرى.
وطلب من التلاميذ أن يقترحوا أسباباً لما شاهدوه من فرق بين الحالتين. وفي معظم الحالات أعطيت أسباب تتناول الفرق بين خصائص البيضتين أو السائلين. ولكن هناك تلميذاً عزا الفرق إلى أن بيضة وضعت في أحد الكأسين بخفة أكثر من وضع البيضة الثانية في الكأس الآخر. إن التفسير في هذه الحالة جاء في إطار أثره على النظام وليس على خصائص النظام نفسه. الفردية واضحة في جوانب متعددة من تفكير الأطفال حول الظواهر الطبيعية. إن معلمي العلوم يجدون مشكلة في تدريس المبادئ الأولية عن الأشعة الضوئية ومساراتها، حيث يقوم بعض التلاميذ بوضع الأسهم على الأشعة الضوئية وكأنها ساقطة من العين على الأجسام، فالتلاميذ بذلك يعتبرون أنفسهم نقطة البداية ويأخذون بالاعتبار خط الرؤية وليس مسار الضوء. وحتى يمكن الأخذ بالنظرة الأخيرة (أي مسار الضوء) فإن الأمر يتطلب ألا يضع المشاهد نفسه في موقع مركزي وأن ينظر إلى النظام في إطار مرجعي خارجي
وهناك مثال آخر عن الفردية التي تنشأ في فهم التلاميذ حول الفراغ كعامل نشط. «الفراغ يمص الماء إلى أعلى كما أمص أنا الحليب خلال المصاصة». إنه لمن الصعب على التلاميذ في الأعمار من 11 -12 سنة أن يعزلوا أنفسهم عن الظاهرة ويفسروها في إطار عدم التوازن بين ضغط الهواء الخارجي والداخلي.
لقد أعطيت إلى الآن صورة مختصرة عن نظرية بياجيه في النمو، إلا أن اسهامات أعمال بياجيه لم تكن الوصف العام لبنيات التفكير لدى التلاميذ، ولكنها الاستكشافات العميقة والتفصيلية التي قام بها بياجيه ومعاونوه لوصف الخصائص الخاصة لتفكير الأطفال في مختلف الأعمار. إنهم قاموا بتوصيف
الصفحة:70
شكل تفكير الطفل في مقابل محتواه، ويرى بياجيه بأن هذه البنيات أو التراكيب تنمو في مراحل، منها مرحلتين تهتمان بتلاميذ المدارس وهما: مرحلة العمليات المحسوسة التي تنمو بين سن 5 - 12 سنة ، ومرحلة العمليات العقلية أو المجردة والتي تنمو في مرحلة البلوغ .
مرحلة العمليات الحسية تعرف على أنها تلك العمليات التي تمارس مباشرة على الأشياء التي يمكن أن تكون محسوسة أو رمزية مثل الأرقام أو الجمل الاخبارية. والتفكير العكسي من أهم خصائص هذه المرحلة، فالطفل يقدر امكانية انعكاس عمليات معينة في نظام. إن صفاً واحداً من عشرة حجارة يمكن أن يتبعثر وتعود الحجارة إلى وضعها الأصلي ويكون العدد بذلك خاصية ثابتة. وإن كرة مشوهة من البلاستوسين يمكن أن يعاد تشكيلها إلى حجمها الأصلي. ولعل فهم ذلك يمكن الطفل من تقدير أن الكميات مثل الأرقام، وكذلك الحجوم والأوزان يمكن أن تبقى في تحولات معينة
ويمكن للطفل أيضاً أن يكون قادراً على تصنيف الأشياء إلى فئات بعدة طرق بما في ذلك فئات المراتب المتدرجة أو المتسلسلة. ويمكن أن يضع الأشياء في نظام مستخدماً متغيرات متعددة مثل الطول أو الوزن. كما أن بإمكانه أيضاً أن يستخدم المنطق الاستدلالي البسيط في حل مسائل من النوع التالي:
إذا كان الماء في الكأس ( أ ) أسخن من الماء في الكأس ( ب ) ، والماء في الكأس ( ب ) أسخن من الماء في الكأس ( جـ ) ، فأي الكؤوس يحوي الماء الأبرد ؟
إن حدود تفكير الطفل في هذه المرحلة يأتي من عدم قدرته على التفكير الافتراضي. فعند اجراء تجربة فإنه لا يفرض فرضاً عن وعي ليختبره ولا يعمل على ضبط المتغيرات الضرورية في عملية الاختبار. ونتيجة لذلك فإنه يصل إلى حلوله بالتجربة والخطأ
أما مرحلة العمليات العقلية، والتي تبدأ مع سن البلوغ، فإن خاصيتها
الصفحة:71
الأساسية تتجلى بالمقدرة على التعامل مع الفروض. والمثال الواضح على ذلك هو استخدام التفكير الافتراضي الاستنتاجي حيث يضع التلميذ مجموعة من الاحتمالات ويختبر حقيقة كل منها. ويمكن للتلاميذ في هذه المرحلة أن يأخذوا بالاعتبار الارتباطات بين المتغيرات، ويقدروا الحاجة إلى ضبط متغيرات معينة في التجريب، كما يمكنهم فصل العوامل المتوائمة عن غير المتوائمة في الخطوات الاختبارية التي يتبعونها.
وهناك خاصية أخرى لهذه المرحلة من التفكير وهي وضع النماذج الرياضية، وبالتحديد ما يتعلق بمفاهيم النسبة والتناسب. وهذا يمكن التلاميذ من فهم مجموعة من القوانين العلمية والمفاهيم المستندة إلى التناسب الخطي ولا يمكن للتلاميذ، قبل الدخول في مرحلة العمليات العقلية، أن يفهموا أو يقوموا بعمليات اجرائية أكثر من مستوى الحدس بمبادئ من قبيل السرعة والكثافة، وقانون العزوم.
إن نتائج بياجيه ترى بأن الأطفال يدخلون في مرحلة العمليات العقلية في حوالي سن الثانية عشرة. إلا أن الدراسات المسحية التي اجراها شاير 3 (Shayer)في بريطانيا ولوسن ورينر (4) (Lawson and Renner) في أمريكا قد بينت أن غالبية الأطفال لا يدخلون في مرحلة العمليات العقلية إلا في سنوات متقدمة من المرحلة الثانوية. وقد أثار ذلك جدلاً حول مناهج العلوم بالمرحلة الثانوية من حيث ما إذا كان ما يعطى للتلاميذ يجب أن يكون في متناول إدراك معظمهم.
ويثور حالياً جدل حول مدى صلاحية ونفع ما يعرف بنظرية المراحل. فقد تبين أن مقدرة تلميذ على استخدام عملية منطقية معينة - التفكير التناسبي على سبيل المثال - يعتمد على فئة الاطار أو السياق الذي وضع فيه واجب ما. ويمكن للتلاميذ أن يضبطوا بكفاءة متغيرات في واجب دون آخر. وهذا يعني أن سلوك التلاميذ واستجاباتهم - وليس بالضرورة التلاميذ أنفسهم - هي التي يمكن
الصفحة:72
أن تكون مناسبة لمرحلة محددة. إن تأثير هذا الإطار أو السياق على الأداء يدعو للنظر بمدى فائدة تطبيق "نموذج المطابقة أو الموائمة" في تحديد المواد التعليمية المناسبة لمرحلة نمو المتعلم.
نموذج المطابقة هذا الذي وصف بالتفصيل بوساطة شاير وادي(٥) (shayer and adey) يتألف من ثلاثة مكونات:
1 - يحلل مستوى الحاجة المعرفية الموضوع معين في المنهج ويخصص الموضوع لأحد المستويات في تصنيف المراحل البياجيه .
2 - يختبر التلاميذ لتحديد مستوى نموهم المعرفي .
3- يخطط المنهج بحيث يطابق أو يواءم مستوى الحاجة المعرفية مع مستوى نمو المتعلم
هذا الاتجاه يمكن أن يعطي ارشادات يستفاد منها في التخطيط العام المقررات العلوم للتلاميذ في الأعمار 5 - 16 سنة . ولكن هناك مشكلات تواجه تطبيقه في فصول معينة وأطفال معينين. بعض هذه المشكلات تنظيمية وتثير استفسارات حول نجاح تفريد التعليم ليقابل متطلبات جميع التلاميذ في الفصل الواحد. هناك مشكلات رئيسية أخرى نوقشت في جهة أخرى (٦) ونكتفي هنا بالتعليق عليها باختصار
أولاً، هناك مسألة التحليل المناسب لمستوى حاجة موضوع معين في المنهج، فمستوى الحاجة لموضوع ما يمكن أن يعتمد على طريقة تدريسه. وعلى سبيل المثال يمكن أن يوصي دليل للمعلم بتناول موضوع معين بطريقة تتطلب التفكير الافتراضي الاستنتاجي يقوم فيها التلاميذ بفرض الفروض واختبارها عملياً، ومع ذلك يمكن أن يتم التعلم ذو المعنى دون هذه المتطلبات
المسألة الثانية المتعلقة بهذا النموذج تأتي من افتراض ارتباط مفهوم معين بمرحلة نمو معينة. فإذا صنف تلميذ بعد اختباره في مرحلة ما، فما احتمال أن
الصفحة:73
يقوم التلميذ بالأداء في هذا المستوى في إطار آخر؟ الدراسات تتباين في اجابة هذا السؤال، إلا أن محكمة التنفيذ منها تشير إلى ارتباط بين الاداء في واجب ما وواجبات أخرى (۷، ۸). ومع ذلك يثور استفسار عن مدى امكانية الاستناد إلى هذه النتائج في اعطاء تنبؤات تربوية على مستوى الأفراد.
أما المسألة الثالثة فتتعلق بالأولويات في المناهج، فهناك أدلة على امكانية تعليم عمليات خاصة في إطار تدريس موضوع علمي معين. فالعمليات التناسبية الضرورية يمكن تدريسها في إطار حسابات المول، وقانون العزوم يمكن استخدامه بوساطة تلاميذ لم يُعرف بعد ما إذا كانوا قد دخلوا في مرحلة العمليات العقلية أم لا. مثل هؤلاء التلاميذ قد لا يكونوا قادرين على تعميم التفكير التناسبي في موضوعات أخرى، ولكننا كمربين علميين يمكننا اعتبار ذلك نهاية هامة بحد ذاتها، أي أن هذه القواعد العلمية الخاصة تعتبر مفهومة.
إن الجدل القائم حول صلاحية نظرية المراحل لا يتعرض لنتائج دراسات بياجيه، ولكن يتناول التفسيرات التي استندت اليها.
وهناك حالياً ثلاث تفسيرات لكل منها أثر هام مختلف على بناء مقررات العلوم. أولاً، هناك الوضعية التركيبية أو البنائية التي تقول بأن كل مرحلة تنمو فيها لدى الفرد مجموعة من التراكيب أو البنيات في الفرد تحدد العمليات التي يقدر على ادائها. واضافة لذلك فإن عوامل النمو هي المحددات الرئيسية في معدل ظهور هذه التراكيب أو البنيات. وفي هذه الطريقة من التفكير فإن العمليات التي يقدر الطفل على ادائها وكذلك قدرته الاستيعابية على التعلم، تعتمد على عمره. أما الأثر التربوي لهذه الوضعية فهو تبني نموذج "الاستعداد"، أي انتظار وصول الفرد إلى العمر الضروري لتقديم موضوع معين.
الوضعية الأخرى التي تدعمها بعض الأدلة (9،10) ، هي أن العمليات التي يقدر على ادائها الأطفال ترتبط بالعمر ، ولكن العامل المحدد هو الذاكرة
الصفحة:74
الفعالة، أي كمية المعلومات التي يقدر الفرد على الاحتفاظ بها في أي وقت.
أما التفسير الثالث فيرفض فكرة أثر العمر على التعلم، ويقترح بدلاً من ذلك أن العمر وتسلسل اداء الواجبات بنجاح هي ببساطة الدالة على تعقيد الواجبات والخبرة السابقة للفرد.
إن هذه الوضعية قد ناقشها نوفاك(11) (Novak) الذي توصل إلى أن بيانات مجموعة من الدراسات "تدعم نموذج النمو المعرفي الذي لا يعتمد على المرحلة" ولكن يعتمد على الإطار الخاص للمفاهيم وإن التكاملات بين هذه المفاهيم تكتسب على مدى حياة الفرد.
ويرى نوفاك بأن نظرية أوزوبل (Ausubel) حول التعلم ذي المعنى توفر للتربويين العلميين نموذجاً للتعلم أكثر صلاحية ونفعاً من نموذج المراحل لبياجيه. إن أوزوبل، كما بياجيه، يفترض بأن كل فرد ينظم ويبني معرفته الخاصة. ولكن، بينما نموذج بياجيه يركز على المحتوى بمعزل عن التركيب المنطقي أو العمليات، فإن أوزوبل يفترض بأن المعرفة تبنى كإطار من مفاهيم محددة. ويركز على دور التعلم اللفظي ويميز بين التعلم الاستظهاري والتعلم ذي المعنى حيث ترتبط المعرفة الجديدة لدى التعلم بما يلائمها من مفاهيم قائمة في البنية المعرفية عنده. وبناء على ذلك يقول أوزوبل بأن:
"أهم عامل وحيد يؤثر في التعلم هو ما يعرفه المتعلم بالفعل. أكد عليه، وعلم وفقاً لذلك "
وكما أشير هنا، فإن نظرية بياجيه تركز على العمليات المنطقية التي يؤديها التلميذ، بينما تهتم نظرية أوزوبل ببناء المحتوى. والمهم جداً ألا ينظر إلى النظريتين كأنهما متناقضتان، أو تلغي واحدة الأخرى، لأنه عند تصميم مواد تعليمية فإن المرء يحتاج إلى الأخذ بعين الاعتبار الأفكار التي درست وكذلك الطريقة التي يرتبط بعضها بالبعض الآخر. وعلى سبيل المثال، فعند تدريس مفهوم الكثافة، فإن المرء يحتاج للأخذ بالاعتبار خبرة الأطفال السابقة عن
الصفحة:75
الأفكار الخاصة بالكتلة والحجم وربط التدريس بهما. ولكن هناك مسألة الطريقة التي ترتبط بها أفكار الكتلة والكثافة بالفهم النظامي أو المنهجي (عكس الحدسي) للكثافة الذي يتطلب التفكير التناسبي
إن كثيراً من مفاهيم العلوم الأساسية لا تأخذ معانيها من مفاهيم أساسية أخرى ذات علاقة بها، ولكن يتم ذلك من خلال طبيعة أو تركيب العلاقة بينهما. المحتوى والتركيب لا بد أن يؤخذا بالاعتبار متكاملان عند بناء المنه
ولكن هناك تمييزاً هاماً بين هذين الاعتبارين المتناميين. فإذا كان تعلم أفكار جديدة يعتمد مبدئياً على الأفكار التي يمتلكها الطفل بالعقل، فإنه يصبح من الممكن باستخدام أسلوب تدريس متسلسل مناسب، تعليم أية أفكار لأي طفل في أي عمر.
ولكن، مع ذلك، هناك تراكيب من التفكير تنمو فقط مع العمر وبالخبرة، وعليه يصبح من غير المناسب البدء بتدريس مثل تلك الأفكار في عمر مبكر.
وحتى الآن فإن تجارب بياجيه هي أفضل مؤشراتنا حول الأعمار التي تنمو فيها مثل تلك البنيات الفكرية. ومع ذلك، وكما هو مبين في الفصل التالي،
فإن خبرة التلاميذ السابقة والفتهم بمحتوى المشكلة المعروضة سوف تؤثر في أشكال التفكير المنطقية التي يستخدمونها في حل تلك المشكلة
المراجع
1-H. Ginsburg and S. Opper، Piaget's Theory of Intellectual Develop-ment: An Introduction، Prentice Hall (1969).
2-k. Lovell، The Growth of Basic Mathematical and Scientific Con-cepts in Children، ULP (1961).
الصفحة:76
3- M. Shayer, D. E. Kuchemann et H. Wylam, La distribution des stades piagétiens de la pensée chez les élèves des collèges et lycées britanniques, Brit. J. Éduc. Psychol., 46, 164-73 (1976).
4- A. Lawson et J. Renner, Relations entre les matières scientifiques et les niveaux de développement des apprenants, J. Res. Sciences Enseignant, 15, 46578 (1978).
5- M. Shayer et P. Adey, Vers une science de l'enseignement des sciences, Heinemann (1981).
6- G. Brown et C. Desforges, La théorie de Piaget : une critique psychologique, Routledge (1979).
7- M. Shayer, La construction de la pensée opérationnelle formelle de Piaget a-t-elle une utilité ?, Brit. J. Éduc. Psychol., 49, 265 - 76 (1979).
8- A. Lawson, R. Karplus et H. Adi, L'acquisition de la logique propositionnelle et des schémas opérationnels formels au cours des années d'école secondaire, J. Res. Enseignement des sciences, 15, 46578 (1978).
9- P. Bryant. Perception et compréhension chez les jeunes enfants, Methuen (1974).
10- R. Case, Le développement intellectuel de la naissance à l'âge adulte : une interprétation néo-piagétienne, dans R.S. Siegler (éd.), La pensée des enfants : qu'est-ce qui se développe ?, Wiley (1978).
11- J. Novak. Une alternative à la psychologie piagétienne pour l'enseignement des sciences et des mathématiques, Stud. Sciences Éduc., 5, 1- 30 (1978).
12- D.P. Ausubel, Psychologie de l'éducation : une vision cognitive, Holt, Rinehart (1968).
الصفحة:77
الفصل السابع: الحدس والمنطق في تفكير التلاميذ
ميز بياجيه في كتاباته حول تفكير الأطفال بين نوعين من المعرفة: معرفة مبنية على خبرة جسمانية مادية سماها معرفة عملية أو اجرائية، ومعرفة رياضية -منطقية
لقد تم مؤخراً التأكيد بشكل كبير على القدرات المنطقية للتلاميذ أو مستوى التفكير العلمي في تخطيط نشاطات العلوم (1). وهناك من يجادل اليوم بأن كثيراً من توجهات مقررات العلوم الحديثة تضع التلميذ في موضع العالم وتتطلب وجود القدرات التي يقرنها بياجيه بعمليات التفكير المجرد، القائم على التعليل الاستدلالي، وبالقدرة على فرض الفروض واختبارها، وعلى إدراك الحاجة إلى ضبط المتغيرات عند القيام باستخلاص الاستنتاج من البيانات المعطاة وفرض نماذج كمية على المشاهدات وخصوصاً المتعلقة بالتناسب
يعتبر التفكير المجرد طريقة للتعامل مع الفرضيات والمقترحات، بل وطريقة لمعالجة الأفكار. والذي يتعلمه التلميذ ويستوعبه من الخبرة لا يعتمد ببساطة على الهياكل البنائية التي يضيفها التلميذ إلى الخبرة.
ميز إميل ميرسون (2) (Emile Meyerson) في كتابه "الهوية والحقيقة" ( Identitéet réalité ) بين العلية (السببية) والشرعية ( التي طورها بياجيه
الصفحة:79
مؤخراً في أول عمل له عن التفكير العلي لدى الاطفال(۳) ووصف عمليتين يمكن بوساطتهما التوصل إلى الاستنتاجات أو التنبؤات حول الظواهر المختلفة ففي العلية تبقي التنبؤات أو التفسيرات على الهياكل البنائية للفرد، وتكون البراهين قد بنيت في خبرة سابقة. أما الشرعية فتشير إلى إدراك الفرد للحاجة المنطقية لبعض التنبؤات؟ وهذه مقولة مبنية على شكل العبارات دون أي اعتبار لمحتواها أو معناها.
يظهر هذا الجزء من الفصل كيفية تبادل العلاقة بين نمطين من التفكير.
أولاً، هناك من يجادل بأن الفكر العلي يسبق الفكر العملي أو المجرد في تحديد نشاطات التلاميذ وفهمهم.
ثانيا، هناك امثلة مقدمة تبين كيف أن التلاميذ في سن المراهقة يخلطون بين العلية والشرعية في استدلالاتهم واستنتاجاتهم وأخيراً، سوف يُقدم الدليل الذي يظهر انه عندما يتعلق الأمر بقبول التلاميذ للأفكار وفهمهم لها فإنهم يعتمدون على تفكيرهم العلي.
إن بعض المقتطفات الواردة في هذا الفصل تمت مناقشتها بتوسع في تقرير اشتمل عليه الملحق في آخر الكتاب، حيث يقدم التقرير وصفاً للجانب شبه الكمي من تفكير التلاميذ في العلوم ويوجز طريقة لعرض ذلك النوع من التفكير.
كريم وعمر في منتصف نشاط علمي حول الاحتكاك بين الاسطح المختلفة وقد قاما بسحب كتلة خشبية فوق أسطح مختلفة باستخدام ميزان زنبركي وسجلا القراءة في كل حالة
كريم: لقد سحبناها فوق أرض الحجرة الخشبية، وكراسة الملاحظات، وبساط خشن، ولوح أملس، وأرض مكسوة بالآجر.
عمر :دعنا نضعها فوق الزجاج
يعيد التلميذان القياس بعد سحب الثقل فوق طاولة كبيرة مغطاة بالزجاج.
الصفحة:80
كريم: 200 جرام! انها ملساء، وكنت أظن ان القراءة ستكون أقل. (يستمر كريم في سحب الكتلة فوق الزجاج حتى حافته).
كريم: 175 جرام.
عمر: أين؟
كريم: يبدو الأمر غريباً. عندما وضعتها فوق لوح الزجاج، وحالما وصلت قريباً من الحافة احتاجت قوة أقل لسحبها، بينما كانت القوة ثابتة عندما سحبتها في الوسط وفي النهاية انخفضت القوة.
إن ما شاهده كريم أدهش التلميذين معاً، حيث أنهما كانا يتوقعان قراءة ثابتة لمؤشر الميزان. وبتكرار التجربة حصلا على النتيجة نفسها. ولما كان التلميذان غير راضيين على ترك المسألة دون حل أو تفسير، قاما باقتراح عدة فرضيات واختبراها حتى اقتنعا بانها وجدا تفسيراً لما حدث. قال عمر «ربما نحن لم نسحبها بسرعة منتظمة». وهذه العبارة تعني أن الاحتكاك سوف يعتمد على السرعة التي تسحب بها الكتلة. وقد حاول عمر ضبط هذا العامل باستخدام عربة اطفال تسير بالبطارية لسحب الكتلة بسرعة افترض انها ثابتة، واعاد العملية مرة ثانية.
كريم: هل تغيرت؟ (مشيراً إلى قراءة الميزان الزنبركي).
عمر: بلا، لكنها تتدنى باستمرار. اعتقد ان ذلك ربما كان بفعل عامل القصور الذاتي
وما أن فرغ عمر من ضبط واحدة من المتغيرات المحتملة حتى أثار فرضية أخرى مفادها أن تغير القراءة مرجعه القصور الذاتي. (شرح فكرته هذه فيما بعد قائلاً بأنه يلزم لتحريك شيء ما قوة أكبر من تلك التي تلزم لجعل الشيء يستمر في حركته وربما كان هذا هو السبب في تدني قراءة الميزان الزنبركي)
الصفحة:81
ولاختبار صحة هذه الفكرة، قام بتغيير اتجاه العربة اللعبة وجعلها تبدأ الحركة من حافة الطاولة
عمر: عندما تسير في هذا الاتجاه فإن القوة تقل. وإذا سارت في الاتجاه الآخر فإنها تزيد.
كريم: ربما أنها ليست مستوية. والقوة سوف تقل أثناء الانحدار نظراً لأن الجاذبية تساعدك.
عمر: مع أنها تبدو مستوية
بعد أن استبعدت فرضية القصور الذاتي، يقترح كريم فكرة جديدة مفادها أن تغير القراءة سببه انحدار السطح. لكن عمر يشك في ذلك لأن السطح يبدو مستوياً. وعلى أية حال، فقد حلّت المسألة في النهاية عنـدمـا استخدم التلميذان شاقولاً ووجدا أن سطح الطاولة ينحدر في الــواقــع عـنـد الطرفين. وهكذا حلت المعضلة، واجيب على السؤال. لقد فسر التلميذان المشاهدة التي اثارت في الأصل دهشتهما على ضوء تفسير ارتضياه وقبلا به: إلا وهو انحدار السطح
إن هذا التسلسل يظهر دون شك قدرة التلميذين على استخدام التفكير الافتراضي الاستنتاجي وانتقاء المواقف التجريبية التي تصلح لاختبار صحة تلك الفرضيات. ومع ذلك، هل كان بالإمكان إثارة الفرضيات أصلاً بدون أطر التفكير العلي المتعلقة بعامل القصور الذاتي أو أثر الانحدار؟ أضف إلى أنه لولا الدهشة التي نتجت عن عدم ثبات قراءة الميزان الزنبركي التي كان من المتوقع أن تكون ثابتة، لما كان هناك بحث واستكشاف أصلاً.
وفي تجربة مماثلة قامت رشا ولبنى باللجوء ايضاً إلى التفكير العلي عند اقتراح العوامل التي يجب ضبطها في تلك التجربة. فقد سحبت لبنى الكتلة الخشبية على أرض الحجرة مستخدمة ميزاناً زنبركياً ولاحظت زيادة في القراءة
الصفحة:82
اثناء قيامها بالسحب. وقد اعادت التجربة مرة ثانية.
لبني: إنها أكثر
بعدئذ لاحظت أن زاوية الميزان الزنبركي مع سطح الأرض كانت تزداد اثناء السحب، فأضافت: من الأفضل أن نبقيه موازياً على القوة موازياً للأرض المؤشر الذي يدل
والآن اصبحت القراءة ثابتة مهما اعيد القياس وتكرر.
في المثالين اللذين تم بحثهما حتى الآن، نجد لدى التلاميذ الفهم الضروري للعوامل المؤثرة في التجارب العملية، وأطر التعليل اللازمة لحل المعضلات مثار التساؤل حلاً مرضياً. وهذا بالطبع لا يحدث دائماً. ففي المثال التالي وصف لسلوك أحد التلاميذ، ابراهيم، الذي يقوم باختبار صحة فرضية مستخدماً تجربة حسنة التصميم، ومع ذلك لا يستطيع التوفيق بين مشاهداته وافكاره
إن الجهاز الذي يلاحظه ابراهيم مصمم لتوضيح التمدد الطولي لقضيب معدني عند تسخينه، وهو يماثل الجهاز الموضح في شكل (15). يبدأ ابراهيم بتسخين القضيب بوساطة لهب بنزن كما طلب منه، ويلاحظ أن القضيب يتوهج ويصبح احمر اللون. يبعد اللهب ويلاحظ ما يحدث ويسجل تغير لونه مرة ثانية. وبتكرار التجربة يلاحظ اهتزاز المؤشر. وكان كلما استمر في التسخين يتحرك المؤشر إلى اليمين. وعندما يبعد اللهب يعود ببطء إلى وضعه ثانية. لقد احتار في هذا الأمر برهة قصيرة ثم فحص الابرة والمؤشر. بعدئذ استبدل الابرة المعدنية بعود ثقاب خشبي واعاد التجربة. تأرجح المؤشر ثانية
وعندما سئل ابراهيم عما كان يختبره أجاب مفسراً:
الحرارة جعلت المؤشر يتحرك. دفعته بعيداً عنها. وهذه (مشيراً إلى الابرة) من المعدن وسوف توصل الحرارة، ولهذا قمت بتغييرها بعود ثقاب خشبي رديء التوصيل للحرارة -لكن المؤشر ظل يتحرك. لست أدرى لماذا؟
الصفحة:83
إن فكرة ابراهيم حول الحرارة كنوع من القوة المحركة المنبعثة من اللهب والتي تنقل إلى المؤشر أوحت بالتجربة التي قام بإجرائها وعندما لم تدعم المشاهدة هذه الفكرة، عجز عن تفسير النتائج. وبرغم أنه كان يمتلك مهارات التفكير اللازمة لإثارة الفرضيات واختبار صحتها، إلا أن ادراكه لما كان يحدث جعل مشاهداته بدون معنى.
لذلك فإن إدراك التلاميذ للأحداث مهم، من حيث اقتراح التجارب العملية المثمرة، ومن حيث تمكينهم من اقتراح فرضيات يمكن اختبار صحتها والتحكم بالعوامل التي يعتبرون انه من المهم ضبطها في تجاربهم.
لكن الهياكل البنائية يمكنها ايضاً أن تعيق التجريب. ففي بعض الحالات، حيث يمكن أن تصاغ تلك الهياكل البنائية بشكل جيد وحيث يتمسك بها التلاميذ، فإنها تحد من المشاهدات العملية وتقيدها بدلاً من أن تعمل كمصدر للأفكار المطروحة للفحص والاختبار، والمثال التالي يوضح هذا الأمر.
تقوم لبنى بتجربة بندول بسيط للتعرف على ما سوف تفعله لجعل فترة تردده أقصر. تحاول تغيير وزن الثقل المعلق بطرف البندول، مع الاهتمام بضبط الموضع الذي تطلقه منه، ومع طرق الطاولة طرقة خفيفة في كل مرة كان البندول يرجع نحوها. بعدئذ قامت بتقصير خيط البندول وكررت مشاهداتها
واخيراً، أطلقت الثقل بسعة ابتدائية للاهتزازة كانت في الأول صغيرة ثم جعلتها أكبر. ولا شك في أن جميع هذه الخطوات تدل على وعي لبنى بالحاجة إلى تغيير أحد العوامل في كل مرة على حدة حتى يمكن الخروج بنتائج واستنتاجات صحيحة. وعندما سئلت ماذا ستفعل لجعل فترة اهتزاز البندول أقصر ما يمكن، أجابت:
لبني: أرفعه إلى أقصى حد ممكن ... (تتوقف) وأدفعه بقوة.
المعلمة: قوة الدفع لها تأثير، أليس كذلك؟
الصفحة:84
لبني: نعم
المعلمة: كيف عرفت؟
لبني: حسن، إني أعرف ذلك، لقد قمت بعملها من قبل ... فهي كالكرة إذا دفعتها بقوة تتحرك بسرعة أكبر.
نلاحظ هنا في حالة العامل المتغير (الدفعة الابتدائية، إن لبني بدلاً من الاحتكام إلى نتائج تجربتها (الشرعية)، تعتمد على خبرتها السابقة، أي على تفكيرها العلي، في التنبؤ بأن دفع البندول سيجعل فترة اهتزازه أقصر. وعلى أية حال، فقد مضت توضح فكرتها للمعلمة قائلة:
لبني: وهكذا (تدفع الثقل فيتأرجح حول محوره) كأنك إذا دفعته فيتحرك المسافة ذهاباً وعودة، لكن إذا تركته ينطلق فإنه يتحرك هكذا. (تدعه ينطلق دون أن تدفعه) آه ... لقد اختلط على الأمر، انتظري.
تدفع لبنى البندول دفعة خفيفة وتطرق الطاولة، ثم تكرر العملية تاركة البندول ينطلق دون أن تدفعه
إذا دفعته سوف يتحرك مسافة أبعد.
لولا تدخل المعلمة واعتراضها، لما قامت لبنى باختبار أثر الدفع على فترة اهتزاز البندول، ولكانت اعتمدت على خبرتها السابقة في الوصول إلى الاستنتاج الذي قررته. وقد أدركت بدلاً من ذلك أن السرعة الابتدائية الكبيرة عوضتها وعادلتها المسافة الأكبر التي قطعها البندول في الاهتزازة، وكيفت أو لاءمت هذه النتيجة غير المتوقعة (الدفع لم يؤثر في فترة الاهتزازة) مع تصورها السابق
لقد كيفت لبنى توقعاتها، وإطار تفكيرها العلي، مع نتائج تجربتها التي قامت بضبطها. وهكذا تم التوفيق بين العلية والشرعية
الصفحة:85
خلط التلاميذ بين العلية والشرعية:
كان أحمد، وهو تلميذ في الحادية عشرة من عمره، يقوم بإجراء بعض التجارب التمهيدية حول الزنبركات. وقد مهد المعلم لهذا النشاط بجعل التلاميذ يلفون زنبركاتهم الخاصة بهم حول أنابيب متباينة السمك، مستخدمين اسلاكاً مختلفة. لف احمد مجموعة من الزنبركات ذات الأسلاك المختلفة حول انابيب متنوعة. وعلق اثقالاً بكل منها، ثم أبعد الأثقال ليرى ما إذا كانت الزنبركات قد عادت إلى طولها الأصلي. وفي نهاية الدرس علق أحمد موجهاً حديثه للمعلم فقال:
حسن، لقد قمنا بلف سلك من الالومنيوم حول انبوبة غليظة ومثلها حول انبوبة رفيعة، ولفينا كذلك سلكاً نحاسياً رفيعاً حول كليهما ثم سلكاً نحاسياً غليظاً حول كل منهما ايضاً. تبدو الأنبوبة الرفيعة انها ... كل شيء قد تم لفه بشدة واحكام. لم تنسحب كثيراً بعد تخليصها من الثقل. وقد حصلنا على زنبرك من الالومنيوم حول الانبوبة الرفيعة الذي لم يتغير بتاتاً بعد نزع الثقل منه حيث انه كان ملفوفاً بشدة واحكام.
نجد احمد هنا لا يقدم تقريراً فحسب حول استنتاجه المستخلص من تجربة محكمة الضبط: «بأن الزنبركات الملفوفة حول انبوبة رفيعة لا تستطيل بقدر تلك الملفوفة حول أنبوبة غليظة» -بل وهو يقدم ايضاً تفسيراً لذلك ـ «كل شيء ملفوف ومشدود بأحكام؟ ومن الناحية العملية هناك ما يبرر الاستنتاج الذي تم التوصل اليه، ولم يكن ذلك من حيث الضرورة المنطقية لطريقة إجراء التجربة والنتائج المستخلصة، إذ كان عليه أن يجعل النتائج «ذات معنى» بالنسبة اليه وذلك عن طريق تقديم صيغة تفسيرية أو تفكير تعليلي
واحدة من الصعوبات التي يتعرض لها صغار المراهقين من التلاميذ تتمثل في مساعدتهم للتفريق بين هذين الجانبين: البيانات العملية المستسقاة من التجارب والتفسير النظري. فعندما يطلب من التلاميذ أن يخططوا لتصميم تجربة ما نجد انه من المألوف جداً بالنسبة إليهم ان يذكروا ـ بدلاً عن ذلك -
الصفحة:86
النتائج التي سوف تحدث ولماذا حدثت. وقد طلب من أحد التلاميذ، وعمره ١٣ سنة، أن يخطط لتجربة حول البندول. وقد عرض عليه نوعان من البندول يختلفان في زمن اهتزازهما، وقيل له بأن الاختلاف بينهما قد يكون بسبب الاختلاف في طولهما أو الاختلاف في ثقلهما أو كلا السببين معاً. كان عليه أن يصف التجارب التي سيجريها ليتوصل إلى الاجابة الصحيحة، فكتب يقول:
باستطاعتك إجراء تجربة لأن الثقل أصغر ونظراً لأنه كلما صغر الثقل كلما كانت الاهتزازة أسرع ولأن النوع الآخر يرفع وزناً أكبر عندما يهتز، لكن الخيط ليس له تأثير مطلقاً
وغني عن البيان، أن القيام بالتجريب العملي يعني أحكاماً معلقة، فإذا اعتقد تلميذ بأنه يعرف الإجابة مسبقاً، تصبح التجربة غير ذات معنى وبالتالي غير ضرورية.
المعارف والمعتقدات:
يحتاج التلاميذ إلى القدرة على "فهم" النتائج في ضوء ما يمتلكونه من تفسير تعليلي، وليس من مجرد حصولهم على نتائج التجربة العملية. ويتضح هذا الأمر بجلاء عندما تتعارض المسألتان، فعندما كانت لبنى ورشا تقومان بعمل الزنبركات الخاصة بهما، علقت لبنى أثقالاً بالزنبركات وقاست اقطارها وامتداد اطوالها. وقد كتبت في تقريرها ما يلي:
لم ترجع الزنبركات كلية إلى طولها الأصلي. لكن برغم ذلك لم يتغير القطر.
لماذا؟
من المحتمل أنها كانت تفكر بأن تمدد الزنبرك شبيه بلف قطعة من الصلصال، حيث يقل القطر كلما زاد الطول. ولهذا فإنها لم تتمكن من حل المسألة وفهمها
أما كريم فكان يستقصي مسألة تمدد الزنبركات تحت تأثير أثقال متزايدة. وجاء الرسم البياتي الذي رسمه بعيداً عن النوع الخطي (شكل 18).
الصفحة:87
(أنظر الشكل 18 الصفحة:88 من البي دي إف أعلاه)
وفيما يلي تعليق لكريم يظهر تحفظاته حول مشاهداته:
يتمدد الزنبرك على هيئة قفزات مفاجئة. وأنا لا اصدق هذا لكن الرسم البياني الذي رسمته يشير إلى ذلك
ولكيلا يصدق كريم النتائج، فإنه كان لديه بعض التوقعات سلفاً، وشيئاً من الاحساس بما سوف تكون عليه البيانات مما قاده إلى الشك فيما توصل اليه وبالتالي إلى اعادة التجريب. إن الشرعية أو شكل البرهان بحد ذاته غير كاف. حيث أن الاقتناع الفكري يأتي من بناء إطار تفسيري مناسب
هناك عدة شواهد في تاريخ العلم تبين أن معتقدات العلماء وليست نتائج تجاربهم العملية هي التي كانت تتحكم في ابحاثهم العلمية وتسيطر عليها. فقد شهد الجزء الأخير من القرن الثامن عشر وجهات نظر متضاربة حول طبيعة الحرارة، وعلى الأخص حول ما إذا كانت أوزان الاجسام تتغير بالتسخين أم لا. وفي بحث للكونت رمفوردCount Rumford) ) بعنوان «تحقيق حول الوزن المنسوب للحرارة» قدم الباحث وصفاً لسلسلة من التجارب التي أجراها للتوصل الى اجابة لهذا السؤال. أشار إلى أن التحقيقات الأولية أقنعته بأن الجسم لا يكتسب وزناً اضافياً إذا تم تسخينه. بعد ذلك وصف تجربة تم فيها وزن دورقين يحتويان على وزنين متساويين من الماء والكحول في مكان دافئ ثم في مكان بارد. وقد عبر عن دهشته عندما وجد أن الدورق الذي يحتوي على الماء المجمد يزن أكثر من الآخر. وقد تمت إعادة التجربة، بل أن العالم المتشكك قام بالتيقن من دقة ميزانه في درجات حرارة مختلفة. بعد هذه النتيجة
الصفحة:88
عقب على مضض قائلاً: «لا أستطيع أن أتصور سبباً آخر للزيادة الظاهرة في وزن الماء عند تجمده غير فقدان نسبة كبيرة من حرارته الكامنة، حيث أنه من المعروف ان ذلك السائل يطلق حرارة عندما يتجمد». لكن المسألة على أية حال لم تنته عند هذا الحد. فبعد أن طوّر أساليبه في القياس أكثر عاد فأجرى التجربة مرة ثانية، لكن مع الحرص هذه المرة على التأكد من أن الوعاءين كانت درجة حرارتهما واحدة عندما تمت مقارنة وزنيهما. وفي هذه المرة لم يسجل أي تغيير في الوزن. وهنا افترض رمفورد بأن السبب في نتيجته السابقة يعود إلى:
تيارات الحمل العمودية التي تحدث في الجو عندما يتم فيه التسخين أو التبريد، أو إلى الكميات غير المتساوية من الرطوبة العالقة بسطحي الدورقين، أو إلى تأثير كلا هذين السببين معاً». وهكذا ختم كلامه قائلاً: «. . . يمكن التسليم بأننا لن نستطيع استنباط تجربة نجعل بوساطتها وزن الحرارة محسوساً».
إن الإصرار الذي تظهره سلسلة التجارب هذه يلفت النظر: فالمرء قد يتساءل هل كان رمفورد سيتابع هذا النوع من البحث والاستكشاف لو أن توقعاته الأولية كانت مختلفة. كما أن تتابع التجارب يوضح أيضاً الشبكة المعقدة للأفكار التي كان رمفورد يعمل بمقتضاها عندما كان يصمم تجاربه ويفسر نتائج تلك التجارب، كالأفكار حول قابلية الطفو، وتيارات الحمل، والتكثيف، وكذلك العوامل التي يحتمل انها تؤثر في أدوات قياسه، وموازينه. ان وعي العالم بهذه العوامل وبالطريقة التي تؤثر فيها هذه العوامل بعضها على البعض الآخر هو الذي يتحكم في تصميم التجارب والضوابط المستخدمة.
وبالمقارنة فإن بعض الواجبات التي يستخدمها التلاميذ كتدريبات في تصميم التجارب، وفي التجارب النفسية، أو في دروس العلوم المدرسية تبدو عقيمة جداً. وهناك اتجاه لفرض بنية مصطنعة على التمرينات التي يجب استكشاف متغيراتها المحددة وضبط متغيراتها الأخرى، دون الرجوع إلى الهيكل البنائي الذي نتجت عنه هذه المتغيرات المحددة التي هي قيد الفحص والمعاينة،
الصفحة:89
وفي الواقع إذا راجعنا الاجراءات التي يقوم بها التلاميذ لحل هذه المشكلات، سوف لا نعجب إذا وجدناهم يغرقون حججهم وبراهينهم في إطار التفكير التعليلي كما يوضح العديد من الامثلة في هذا الفصل
أنا لا اجادل هنا بأن شكل تفكير التلاميذ أو بنيانه ليس مهماً، ومع ذلك فالذي يجب أن نهتم بالتحقق منه هو أن شكل البرهان ليس المظهر الوحيد الذي يجب ان نراعيه. فهناك أيضاً السياق أو الإطار الذي تقدم به المشكلة، ومدى تألف التلاميذ مع الافكار، وكلها تؤثر في البناء المنطقي الذي سوف يلجأ إليه التلميذ في حل الواجب.
هناك سلسلة من التجارب قامت بها دونالدسون (4) (Donaldson) تبين تأثير السياق أو الإطار على مدى فهم التلاميذ للمشكلات وقدرتهم على حلها وقد توصلت إلى الخلاصة التالية:
عندما يعبر التلميذ عما نقوله له يتأثر تعبيره بثلاثة اشياء على الأقل -معرفته باللغة، وتخمينه لما نقصده ونعنيه (كما يدل عليه سلوكنا غير اللغوي)،
واسلوبه في تمثيل الموقف الطبيعي لنفسه في حالة عدم وجودنا بتاتا (5)
قام واسون وجونسون -ليرد (Wason and Johnson-Laird) بإجراء سلسلة من التجارب لدراسة التفكير العقلاني لدى الكبار.
إن ما يهمنا هو ببساطة انه: إذا أعطي المرء مجموعة من حقائق مؤكدة، إلى أي حد يمكنه أن يقدر كل ما تستتبعه تلك الحقائق عن طريق المنطق وحده، وأن يظل بمنأى عن الاستنتاجات التي تبدو معقولة ولكنها خاطئة (6)؟
لقد دلت نتائج دراساتهم على أن محتوى المشكلة مهم. أما إذا تعارضت متطلبات الواجبات العلية من جهة والمنطقية من جهة أخرى، فإن الموضوعات تميل إلى تأسيس براهينها على المظاهر العلية وليس على التفكير المنطقي
لقد علق في أذهاننا فترة لا بأس بها من الزمن فكرة وهمية مفادها أن ... الخصائص التركيبية للمشكلة هي فقط المهمة. وقد أدركنا بالتدريج أنه لا يوجد
الصفحة:90
تفاضل وتكامل منهجي يؤدي بصورة صحيحة إلى تشكيل استدلالات موضوعاتنا واستنتاجاتها، وان التفاضل والتكامل المنهجي وحده بالتالي لن يفوز. المحتوى أمر حاسم، وهذا يعني أن أي نظرية عامة تتعلق بالتفكير البشري يجب أن تشتمل ضمن مكوناتها على علم دلالات المعاني (7)
قامت لن(8)) (Linn) بدراسة العلاقة بين التفكير المنطقي والتفكير العلي (السببي) في واجبات العلوم. وقد استكشفت أثر توقعات التلاميذ على تفكيرهم المنطقي فيما يتعلق بالتجارب العملية. عُرض على التلاميذ موقف تجريبي وطلب إليهم في البداية ان يكتبوا قائمة بالمتغيرات التي يعتقدون انها مرتبطة بالموقف التجريبي. بعدئذ تم إعلامهم بالمتغيرات وثيقة الصلة بالموضوع. وقد وجد اثناء التجارب التي قام التلاميذ بإجرائها فيما بعد أنهم يميلون إلى ضبط المتغيرات التي اشاروا منذ البداية إلى أنها وثيقة الصلة بالموضوع، وتختتم لن قائلة:
يوحي بحثنا بأن المعرفة الدقيقة للمتغيرات وملاحظة المتغيرات الهامة لهما أثر كبير في الاستخدام الفعال للتخمينات البارعة أو الواعية. وهكذا فإن احدى عوامل أي اجراء لتحسين التفكير المنطقي المستخدم في هذه المواقف يتمثل في تقديم معلومات نافعة حول المتغيرات.
يبدو أن إدراك التلاميذ للمفاهيم يشكل العامل الحاسم الذي يحدد سلوكهم التجريبي. وقد أضحى تعليم العلوم بالنسبة للبعض أداة لتطويـر التفكير العقلاني ونموه. وتم وفقاً لهذه الغاية تطوير المواد التعليمية للمنهج (9)
ويبدو من الدراسات التي عرضت هنا انه إذا تعارضت النتائج المنطقية لشخص ما مع توقعاته فإن الافضلية تكون للأخيرة (التوقعات).
ولذلك يمكن الجدل بأن حدس الناس في دراسة العلوم، وليس قدرتهم على التفكير المنطقي، هو الذي يحتاج الى الاهتمام التربوي
الصفحة:91
المراجع
1--M. Shayer, Exigences conceptuelles du cours de physique de niveau Nuffield ùOs, Sch. Sciences Rev, 54, 26-34 (1972), M. Shayer, D. E. Kuche-mann et H. Wylam, La distribution des stades piagétiens de la pensée chez les élèves des collèges et lycées britanniques, Brit. J. Éduc. Psychol., 46, 164-73 (1976).
2- E. Meyerson, Identité et réalité, Alcan.
3- J. Piaget, La conception de l'enfant sur la causalité physique, Routledge (1930).
4- M. Donaldson, L'esprit des enfants, Fontana/Collins (1978).
5- Ibid., p. 69.
6- P. C. Wason et P. N. Johnson-Laird, Psychologie du raisonnement, Batsford (1972).
7- Ibid., pp. 244-5.
8- M. C. Linn, Quand les adolescents raisonnent-ils ?, Eur. J. Sci. Éduc., 2, 249-40 (1980).
9- Voir, par exemple, les objectifs de l'étude sur l'amélioration du programme scientifique, SCIS Teacher's Handbook, Université de Californie-Nia (1974).
الفصل الثامن: من النظرية إلى التطبيق
نحتاج كلما خططنا أو شرعنا في تدريس مقرر علمي، إلى تحديد أهداف وغايات هذا المقرر، سواء تم ذلك بشكل صريح ومحدد أو بشكل ضمني فعلى سبيل المثال علينا أن نحدد هل سيخصص المقرر لجميع التلاميذ في المرحلة الثانوية، أو يقتصر على إعداد الذين سيتخصصون منهم في دراسة العلوم؟ هل يستجيب المقرر لرغبات وأفكار الشباب أم يعكس بالدرجة الأولى بنيان المقرر؟ وما الصورة التي يقدمها للعلم -أهو علم كجسم من المعلومات والمعارف أم هو علم يتيح للتلاميذ فرصة التقصي والتأمل؟
لقد أصدر اتحاد التربية العلمية (1) في عام 1981 وثيقة أدرجت فيها قائمة من ستة أهداف يمكن تحقيقها من خلال تدريس العلوم، وفيما يلي موجز لهذه الأهداف:
1 -إدراك المفاهيم العلمية.
2 - تنمية المهارات المعرفية والنفس حركية .
3 -القدرة على القيام بالبحث والتقصي.
4- فهم طبيعة العمل العلمي
الصفحة:93
5 -إدراك العلاقة بين العلم والمجتمع
6 -تنمية الشعور بالكفاءة الشخصية للفرد وتعزيز ثقته بنفسه ...
تشير الوثيقة إلى أنه يجب على الشباب أن يحصلوا في وقت ما خلال دراستهم على خبرات تؤدي إلى تحقيق هذه الأهداف الستة جميعاً، على الرغم من أن الوثيقة تسلم بأن الحاجات المختلفة لهم قد تتطلب التركيز على أهداف دون غيرها في أوقات مختلفة خلال حياتهم المدرسية
إن تطوير وتدريس مقررات دراسية تعكس مثل هذا التوازن في تحقيق الأهداف تشكلان تحدياً حقيقياً لعدة أسباب ليس أقلها وجود تناقضات ضمنية محتملة وتضارب بين الأهداف نفسها. وقد حاولنا في هذا الكتاب أن نستكشف بعض القضايا المعنية بالتوليف بين اثنين من الأهداف هما: اكتساب المعرفة واستخدام التلاميذ لملكة الاستفسار وحب الاستطلاع لديهم في البحث عن مزيد من المعرفة. ولقد شهد تدريس العلوم هذا التوتر بين هذين الهدفين منذ أن أخذ مكانه في المنهج المدرسي
إن الوثائق التي تناولت دور العلم في الثقافة العامة خلال المئة سنة الأخيرة عكست هذا التوتر. وفي تقرير بعنوان "العلوم الطبيعية في التربية" نشر عام 1918(2)، طالب واضعو التقرير بمكانة مرموقة للعلوم في المنهج المدرسي تبعاً لما ينميه من قدرات عامة لدى التلاميذ:
إن باستطاعته (العلم) أن يستثير ويشبع عنصر الحيرة في نفوسنا. وهو كتدريب فكري ينظم قوانا العقلية. كما أن نفعه وقابليته للتطبيق والاستعمال جلية واضحة. إنه ينشط ويتعهد بشكل مباشر ملكة الملاحظة بالرعاية. وهو يجعل المتعلم يتمرس بتعليل الحقائق التي يلاحظها. وبوساطته تتم تقوية ملكة التعميم السريع والدقيق وتعزيزها، وبدونه، يبرز خطر حقيقي يخشى معه استحالة اكتساب النهج العقلي في التنظيم والتفكير.
وفي عام 1936 نشر اتحاد مدرسي العلوم تقريراً بعنوان «تعليم العلوم
الصفحة:94
العامة» تضمن عرضاً لثلاثة اسهامات رئيسية تقدمها مادة العلوم للتعليم العام:
1 -الاسهام النفعي أو المهني: حيث تساعد مادة العلوم التلاميذ في حياتهم اليومية، أو قد تكون ضرورية لهم في مستقبل حياتهم العملية
2 -الاسهام الانضباطي أو النظامي: حيث تعلم مادة العلوم التلاميذ التفكير، وتشحذ عقولهم
3-الاسهام الثقافي: وهو إسهام مرغوب فيه نظراً لأنه يشكل جزءاً أساسياً من إرثنا الاجتماعي
مرة ثانية يتم التأكيد على أن مادة العلوم تسهم بشكل فعال في تنمية القدرات العامة للتلاميذ، على الرغم من أن التقرير أضاف فيما بعد ملاحظة تحذيرية تنص على ما يلي:
سوف نشير، على أية حال، إلى أن الدليل العملي أظهر بوضوح تام أن احتمالات نقل التدريب أقل بكثير مما كنا نفترض
لقد حظيت «العملية» في أهداف التربية العلمية أيضاً باهتمام مطوري المناهج الأمريكية منذ الخمسينات (4). كما حاولت مشروعات تطوير منهج العلوم للمرحلة الثانوية التي تمت في كل من بريطانيا وأمريكا منذ الخمسينات أن تنمي مهارات التقصي وتعزز فهم المبادئ العلمية وتطبيقاتها العملية في الحياة اليومية
إن التوفيق والتوليف التقليدي بين هذين الهدفين يمثل، كما أشرت سابقاً، إلى تعزيز رؤية استقرائية للعلوم مبنية على فرضية مؤداها أن المعرفة العلمية تستمد جميعها من الخبرات الحسية. وقد تعززت هذه النظرة عبر السنين بآراء تؤكد على دور التلميذ في عملية التربية والتعليم، كما عبر عنها بوضوح مربون مثل فروبل وديوي وبياجيه
الصفحة:95
وبالمناسبة نحن نخطئ عندما نوحي بان علماء علم النفس والفلاسفة المنظرون للعلوم كان لهم تأثير ملحوظ في تشكيل العلوم وجعلها تبدو على ما هي عليه اليوم في مدارسنا. وبالأحرى فإن رجال العلم هم الذين دعموا بالنظريات الأفكار الفطرية السليمة المتعلقة بطبيعة العلم وتعلم التلاميذ وأعطوها مصداقيتها الموثوقة. هذا وقد تم الحديث في فصول سابقة عن المعضلات التي تثيرها كل من وجهة النظر الاستقرائية فيما يتعلق بطبيعة العلم ووجهة نظر المنادين بتنامي المعرفة وتعاظمها فيما يتعلق بتعلم التلاميذ. ويبدو أنه من الضروري الخروج بتوليفة جديدة توحد بين المحتوى والعملية في تدريس العلوم فينشأ عن ذلك كله فلسفة علمية جديدة وكذلك نظرة جديدة لعملية التعلم وهذا يتضمن الاعتراف بأن العلوم التي يدرسها التلاميذ بعد المرحلة الابتدائية هي شيء أكثر من دراسة التاريخ الطبيعي حيث أنها تتعدى استكشاف الظواهر البيئية وتصنيفها. وهنا يصبح على التلاميذ أن يتعاملوا مع الأفكار النظرية واعراف المجتمع العلمي وتقاليده، أي مع الأفكار المستمدة من الخيال والتي قد تبطل ويثبت عدم صحتها مع مرور الأيام.
إذا نظرنا بجدية إلى هذه الرؤية البناءة لطبيعة العلم فإنه يترتب على ذلك مراعاة أمور معينة فيما يتعلق بمقررات العلوم الدراسية في المرحلة الثانوية ويقدم هذا الفصل وجهة نظر شخصية في عدد من هذه الأمور.
اتجاه تنموي في تعليم وتعلم العلوم:
هناك أدلة تم إيرادها خلال هذا الكتاب تشير إلى أن التلاميذ يلجؤون إلى استخدام عدد كبير من الأفكار البديهة أو الحدسية ليجعلوا خبراتهم ذات معنى. بعض هذه الأفكار، أو الأطر البديلة، تميز تفكير العديد من التلاميذ ويصعب طمسها حتى عن طريق التعليم. ولعلنا لا نفاجأ عندما نلاحظ التشابه بين بعض من أفكار التلاميذ والنظريات الهامة في تاريخ العلم نفسه (كنظرية السيال الحراري على سبيل المثال وآراء أرسطوطاليس في الحركة). إن التعامل
الصفحة:96
اليومي مع الظواهر يجعل بعض التفسيرات أو النماذج أكثر وضوحاً من غيرها .
ومع ذلك من السهل جداً النظر إلى الانطباعات والأفكار العامة الشخصية التي
يقدمها التلاميذ على أنها بسيطة وساذجة ، وربما المرور عليها بلا اكتراث . لكن ربما يجدر بنا أن لا ننسى أن بعض هذه الانطباعات والأفكار كانت تحظى في الماضي باهتمام بالغ في الأوساط العلمية . وبالرجوع إلى أفكار وبحوث العلماء القدامى ، يمكن استكشاف بعض أفكار الشباب ذات الشأن والتعامل معها بطريقة تتسم بالاحترام والتقدير. ويمكن لبرامج تعليم العلوم ، وفقاً لأحد المقترحات ، أن تستفيد من الأفكار والأطر البديلة التي كونها الأطفال بدلاً من إهمالها وتجاهلها . وعندما نجعل نظرياتهم أكثر وضوحاً في مواقف التعليم النظامي يصبح بإمكان الأطفال أن يتحروا عن متضمنات نظرياتهم وأفكارهم وأن يقارنوا بين ( اطار تعليمي » أو « نظرية » وأخرى . كما يمكن تزويدهم بخبرات تساعدهم في تطوير أفكارهم ، أو تتحداها ، عند اللزوم . وقد حاولت القيام بهذا العمل مواد متباينة لتدريس العلوم . ومن خير الأمثلة على ذلك المعالجة التي قدمتها مواد مشروع الفيزياء في جامعة هارفرد لعلم الديناميكا (5) ، حيث تتم دراسة آراء أرسطو طاليس بشيء من التطويل .
أدرك المربون على الدوام الحاجة إلى ( البدء مما يعرفه الطفل » . وقد أكد هذا الأمر أوزوبل (Ausabel) عندما ميز بين التعليم « ذي المعنى » والتعليم الاستظهاري » ، ويعبر عادة عن هذا الأمر في الواقع من حيث علاقة تعليم العلوم بالخبرات العلمية المألوفة للتلاميذ في حياتهم اليومية
ومع ذلك ربما يحتاج التعليم بالاضافة إلى ما تقدم ، إلى الربط بما يعرفه التلاميذ ، ليس على مستوى عالم الأحداث والخبرات الملموسة فحسب ولكن في عالم الأفكار الخاص بهم كذلك . فإذا ما شجعنا التلاميذ على توضيح نظرياتهم بشكل أكثر صراحة وتحديداً ، تصبح هذه النظريات مفتوحة للفحص والاختبار في حجرة الدراسة . وفي الحقيقة فإن باستطاعة أفكار التلاميذ أن توفر المادة الخام الضرورية لتمثيل الطبيعة المتعددة الجوانب للنظرية العلمية ، وأن تكون
الصفحة 97
كنقطة انطلاق للتلاميذ في قيامهم بتصميم الاختبارات الفاصلة للتمييز بين التفسيرات المختلفة.
إن وجهة النظر القائلة بأن عملية التعلم تحدث عن طريق تغيير المفاهيم، تقف وراء الاعتراف بأنه يجب أن نأخذ بالحسبان أفكار التلاميذ وخبراتهم كذلك عند اعداد المقررات الدراسية. ومهمة المربين تزويد التلاميذ بالخبرات التي تعزز اجراء تغيير كهذا. أما مقررات العلوم في المرحلة الثانوية فقلما حظيت عند إعدادها بما هو معروف عن تنمية التفكير لدى التلاميذ. إن مشروعات كمشروع العلوم للتلاميذ بين سن 5 -13 سنة والمشروع الاسترالي للتربية العلمية بنت تسلسل موادها التعليمية على نمط المراحل الذي نادى به بياجيه وفي هذا النمط، لم تقدم الأفكار التي تضمنت بناء التفكير العقلي المجرد كالجدل الافتراضي الاستنتاجي -حول التحكم بالمتغيرات أو استعمال العللية النسبية إلا في سنوات المراهقة
قام شاير وأدي (6) (Shayer and Adey) بكتابة تقرير حول تحليلهما للحاجات المعرفية لعدد من مقررات العلوم في المرحلة الثانوية وفقاً لمستويات بياجيه، وكذلك لنتائج دراسة حول مستويات تفكير تلاميذ المدارس البريطانيين. وقد دلت النتائج التي توصلا إليها على أن هناك عدم توافق بين المتطلبات المنطقية للمقررات العلمية التي تم تحليلها ومستوى تفكير معظم تلاميذ المدارس الثانوية.
إن تحليلاً كهذا قد يعطي مؤشراً عاماً على مجاراة متطلبات مقرر دراسي معين للقدرات المنطقية المعقولة للتلاميذ الذين يدرسون ذلك المقرر. كما أن باستطاعته أن يفيد في تقديم مؤشر عام على الطريقة التي يمكن بوساطتها أن نسلسل الأفكار ونعدها للتعليم وأن نحدد في أي سن يمكن تقديمها. وعلى أية حال، فإن الاهتمام بتفكير التلاميذ يشتمل على أكثر من مجرد الالتفات إلى محتواه المنطقي. هذا، وقد تم التعبير في فصل سابق عن الشك بنموذج بياجيه
الصفحة:98
في المزاوجة، وتمت الاشارة إلى أن محتوى الواجب وكذلك تركيبه المنطقي يؤثران في اداء التلاميذ وسلوكهم
إن استكشاف أفكار التلاميذ في بعض الموضوعات العلمية يدل على أن هذه الأفكار قد تمت تنميتها مع تقدم عمر التلميذ في تسلسل واضح، ومعرفة هذا الأمر يساعد في تحديد السن المناسبة لتعليم الموضوع وفي كيفية تنظيم الخبرات الملائمة للتلاميذ؛ تلك الخبرات التي سوف تساعد في ادراكهم المفهوم ذلك الموضوع. وقد تم في فصول سابقة بحث ومراجعة بعض الاتجاهات الهامة والمجربة، المبنية على هذه النظرة للتعلم التي تعتمد على تغيير المفاهيم. ومن الأساليب التقنية التي اشتملت عليها هذه الاتجاهات توفير الفرص للتلاميذ لشرح أفكارهم الخاصة بوضوح وجلاء، وتشجيعهم على توليد واختبار التفسيرات البديلة للظواهر، بالاضافة إلى تزويدهم بالخبرات التي تتحدى أفكارهم الحالية.
مسألة البناء في منهاج العلوم:
إن مثل هذه النظرة إلى التعلم من خلال تغيير المفاهيم العامة تؤثر في التنظيم العام لمنهج العلوم. وقد نبه جيروم برونر (Jerome Bruner) في كتابه "عملية التربية" إلى أهمية بناء الموضوع المراد تعليمه فقال:
... يجب أن يُحدد منهج مادة ما بأكثر ما يمكن تحقيقه من فهم أساسي للمبادئ التي ستبنى عليها تلك المادة. وتدريس مهارات أو موضوعات معينة دون توضيح محتواها في البنيان الأساسي العام لمجال ما من مجالات المعرفة هو أمر غير اقتصادي من عدة نواح(7).
إن الكثير من عمليات تطوير منهج العلوم التي أجريت في العقدين الأخيرين على كلا جانبي المحيط الأطلسي دلت على هذا الاهتمام ببناء المنهج وتركيبه. وقد تم تحديث محتوى مقررات العلوم الدراسية وتغيير بنيانها بحيث أصبحت تعكس آخر التطورات المعاصرة فيما يتعلق ببناء المفاهيم. ومن
الصفحة:99
المفارقات الغريبة أن هذا قد اقترن بتغيير في علم أصول التدريس بحيث أصبحت طرق التدريس تركز على المزيد من التجريب العملي، هذا التجريب الذي يقدم في معظم الأحيان للتوضيح أو لتأكيد حقائق النظريات المعروضة. ونحن نميل إلى الاعتقاد بأن هذا الاتجاه «العملي» يجعل الموضوع أكثر صلة بالتلاميذ ويساعدهم على الفهم بسهولة. ومع هذا، هناك شعور بأن هذا الاتجاه يفرض على التلاميذ مزيداً من المطالب الذهنية بحيث يتطلب منهم أن يربطوا الخبرات التي حصلوا عليها في المختبر بالنماذج النظرية المقدمة. ويحتاج التلاميذ أنفسهم إلى أن يقوموا بعمل الربط بين الظواهر والعناصر النظرية:
كربط حركة مستويات السوائل في الأنابيب، مثلاً، بالحركة المتزايدة للجزيئات غير المنظورة التي «تكون» السائل، وكربط تغير لون المحلول في أنبوبة الاختبار بتركيز أيونات الهيدروجين الموجودة فيه. ومن الجدير بالملاحظة أن التلاميذ يتعلمون في دروس العلوم على مستويين في وقت واحد: فهم يتعرضون لكل من الظواهر الجديدة والتأويلات النظرية لها. وإذا كان التعليم المبني على الهياكل البنائية يسبب بعض المشكلات، إلا أننا يجب ألا نتورع عن تجربته. ومع هذا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار المتطلبات التي يفرضها على التلاميذ. فإذا عجز التلاميذ عن ربط الخبرات التي تعطى لهم في المختبر بمغازي مفاهيم المقرر الدراسي، يصبح عندها الترابط المنطقي الظاهر لواضع المنهج أو للمدرس غير واضح بالنسبة للتلاميذ الذين قد يتذكرونه ببساطة كسلسلة من الخبرات غير المترابطة. وقد اتفق أن الجدال الدائر الآن حول تدريس العلوم كمساقات منفصلة أو كمقرر موحد متكامل قد لا يعني العديد من التلاميذ الذين يتذكرون خبراتهم كسلسلة من الدروس، بصرف النظر عن اسم المادة المدرجة في الجدول والمهم في الأمر هو «ما الذي تم توحيده وتكامله في ذهن المتعلم؟».
على الرغم من أن بعض التلاميذ يجدون صعوبة في ربط الظواهر الطبيعية بالنظرية المعروضة، فإنهم مهيؤون لعدم التسرع في اصدار الأحكام ولتعلم القواعد والقوانين برغم أنهم لا يستطيعون ربطها بخبراتهم. بل أنهم قادرون
الصفحة:100
على الاحتفاظ بالاعتقاد بأن ما يتعلمونه اليوم سوف يكون له معنى وفائدة في المستقبل. لكن العديد من تلاميذ المدارس الثانوية، وربما الأغلبية، يتوقعون من جهة ثانية الحصول مباشرة وفي الحال على مزيد من الاشباع الفكري والرضا. وهم غير مهيئين لأن ينتظروا الأسابيع وحتى السنين حتى يروا الأفكار النظرية التي تعلموها في المدرسة وقد ارتبطت بخبراتهم الخاصة. كما أن العديد من هؤلاء التلاميذ سوف لن يتابع دراسته النظامية للعلوم بعد تركه المدرسة.
ويحتاج تلاميذ كهؤلاء إلى المقدرة على إضفاء المعنى وفهم الأفكار العلمية التي تقدم إليهم بصورة مباشرة.
إن موضوعات العلوم المدرسية يمكن تذكرها، لكن المتعلم يسترجعها كخبرات منفصلة، حيث يمكن تذكر بعض أنشطة المكعبات الزجاجية والدبابيس بشكل يشبه لقطة من قصيدة للشاعر الانجليزي وردزورث (Worsworth) أو حقيقة تاريخية لا معنى لها. فهي لم تصبح جزءاً من طريقة فهم المتعلم الشاب لعالم الطبيعة. وما لم يتم تعلم النظريات أو الشكليات المقدمة إلى التلاميذ بطريقة مفهومة وذات معنى، فإنها سرعان ما تنسى كمعلومات نافعة ويصعب استرجاعها في المستقبل: حيث يرجع التلاميذ إلى حدسهم أو معلوماتهم السابقة. أما المشكلات التي تنتج عن هذا فقد تم توضيحها في فصول سابقة. إن تصميم المنهج حول هياكل بنائية كبرى (أو مفاهيم كبرى) قد يعني أن معظم التلاميذ ينهون تعليمهم النظامي في مادة العلوم وهم لا يفهمون النظريات التي قدمت إليهم ولا يرون الظواهر التوضيحية ذات معنى أو شيقة.
إذا كانت العلوم تهدف من حيث التعليم العام إلى مساعدة التلاميذ على تنمية الفهم النظري الذي يمكنهم من التعبير عن خبراتهم اليومية ويجعلها ذات معنى، وعلى الانتماء أكثر فأكثر إلى العالمين الطبيعي والمصطنع الذي يحيون فيهما، فإن هذا يعني عندئذ إعادة تقويم منهج العلوم وفقاً لمستويين اثنين. إنه
الصفحة:101
يعني اختيار الظواهر التوضيحية ليس لمجرد الدعم الذي تقدمه لفكرة نظرية، لكن نظراً لكونها عملية وتستخدم أساساً في الحياة اليومية. وهو يعني أيضاً تقريب الأفكار النظرية ووضعها ضمن نطاق فهم التلاميذ.
باستطاعتنا في العديد من مجالات العلوم، التعبير عن الظواهر العلمية بمستويات متدرجة من التعقيد، جميعها مفيدة إلى حد ما. فنحن على سبيل المثال، نتوقع من التلاميذ في السنوات الأولى من دراستهم الثانوية، أن يفهموا الكهرباء التيارية على أنها شبيهة بجريان السائل في الأنابيب. هذا النموذج في التفسير يكون فعالاً في جعلنا نتنبأ أو نفسر مجموعة من الظواهر اليومية المتعلقة بالدوائر الكهربائية، وبهذا المعنى يكون «النموذج» صحيحاً، حيث أنه يفي بالغرض المقصود. أما التلاميذ الأكثر نضجاً فيقدم لهم نموذج في التفسير أكثر تعقيداً حيث يترجم التيار الكهربائي في الأسلاك على أنه اندفاع للجزيئات المشحونة خلال بنيان شبكي دقيق. وهذا النموذج يعتبر «أفضل» من سابقه من حيث أنه يفسر مجموعة أكبر من الظواهر. ونصادف مثل هذا التدرج في مستوى التعقيد النظري في موضوعات عديدة أخرى كالروابط الكيميائية، مثلاً، وخصائص موجات الضوء، والوراثة، ونظرية الحركة الجزيئية للحرارة
ربما يكون من الأجدى أن نعيد النظر في مستوى النظرية المقدمة للتلاميذ الذين يجدون صعوبة في فهم الأفكار النظرية في العلوم. فهل يحق لنا، مثلاً، أن نركز على نموذج الحركة الجزيئية في مقررات العلوم الأساسية عندما نعلم أن التلاميذ يجدون صعوبة في فهمها بشكل جيد يؤهلهم للاستفادة منها؟ أليس من الأفضل أن نقبل من التلاميذ في بداية المرحلة الثانوية فكرة السيال الحراري العامة؟ وفوق ذلك، فنحن نجد العاملين في تجارة البناء يحسبون بنجاح المـواه الموصلة للحرارة بالاعتماد على تقدير ومعرفة (كميات الحرارة) و «معدلات التدفق الحراري في وقت ما». ولربما كان من الأفضل، من وجهة نظر
الصفحة:102
التلاميذ، الاعتماد على نموذج عملي لتفسير الظواهر وتعليلها، حتى ولو كنا سنغيره في وقت لاحق، ذلك لأنه أفضل من الاعتماد على أفكار أكثر تعقيداً تؤدي فقط إلى تشويش المفاهيم بدلاً من توضيحها وتفسيرها.
لكن هناك أولئك الذين سيعارضون هذا الاتجاه بحجة أننا يجب أن لا نُعلّم أبداً أي شيء سوف نستغني عنه فيما بعد. وردنا على ذلك أن وجهة نظر كهذه لا تعكس الواقع، لا في محيط التعليم النظامي ولا في المواقف الحياتية اليومية، حيث أننا نتعرض باستمرار لمواقف تحتم علينا مراجعة وتطوير الأفكار أو طرحها جانباً على ضوء معلومات وأدلة جديدة. والتحدي الذي يواجهنا في تعليم العلوم هو كيف نقدم للتلاميذ نظريات يستطيعون فهمها دون أن نجعلها بالنسبة إليهم حقائق ثابتة غير قابلة للتغير. وهنا يجب التمييز بين أمرين هامين هما الفهم والمعتقد: حيث أنه من الممكن أن تكون قادراً على « فهم » التفسيرات البديلة التي يقترحها تلاميذ آخرون أو علماء آخرون ، دون أن تعتقد » بالضرورة بها .
تعليم العلوم والتجريب العملي:
عند تقويم دور التجريب العملي في دروس العلوم بالمدرسة الثانوية، يمكن تمييز عدد من أنواع النشاط وأنماطه. فهناك الأنشطة التي تهدف إلى زيادة معرفة التلاميذ بالظواهر العلمية، بينما هناك أنشطة أخرى تستخدم لتوضيح وتأكيد المبادئ "المقبولة " . أضف إلى أنه يمكن اتاحة الفرصة للتلاميذ لأن يقوموا بأبحاثهم الخاصة، ليس من أجل الوصول إلى مبدأ هام، ولكن لاكتساب الخبرة في التخطيط للتجارب وتصميمها باستخدام مبادراتهم الخاصة
ويكون محور أنشطة كهذه ليس الحصول على نتائج، وإنما الخطوات التي تتخذ: مثل تصميم التجربة، واختيار واستخدام الجهاز المطلوب، والتسجيل الدقيق والتفسير الصحيح للنتائج. هذا، ويجب عدم الالتفات إلى عامل الوقت في
الصفحة:103
البرنامج التعليمي إذا كنا نريد للتلاميذ أن يقوموا بأبحاث كهذه بطريقة تكون صادقة وتامة قدر المستطاع.
إن هذه التدريبات العملية توفر فرصة لتشجيع وتعزيز ملكة التخيل والمبادرة الفردية. وقد تكون هذه مهمة من حيث أنها تعطي التلاميذ الخبرة العقلية -التجريبية في حل المشكلات. ومع ذلك، فإن المهارات التي تنميها كمهارات الملاحظة الدقيقة، والقياس والجدل المنطقي لا تقل أهميتها للعالم عن أهميتها للعامل الفني في الكراج أو للكهربائي أو الخياط. والقصد من تدريبات كهذه في دروس العلوم ليس توضيح الطريقة التي تتقدم بموجبها مادة نفسها، ولكن لتشجيع التفكير العقلي بوجه عام، ولإعطاء التلاميذ إحساساً بالثقة في قدراتهم الخاصة
أما إذا أردنا تبيان الطريقة التي تتقدم بموجبها مادة العلوم نفسها، فيجب التركيز على الأنظمة المتنافسة من حيث مفاهيمها المختلفة. وقد أوردت نورتا كورتج (Noretta Koertge) في تقرير بعنوان (نحو تكامل المحتوى والطريقة في منهج العلوم» الخلاصة التالية:
كي نفهم تنامي العلم ونحصل على صورة متوازنة لكل من قابليته للخطأ وادعائه للصحة، على المرء ان يستخدم اسلوب التعددية وان يدرس نظامين متنافسين على الأقل بالتفصيل (8) حتى نصل إلى تلك الخلاصة ، هناك محاولة لتقديم البرهان على أن العلوم تتقدم ليس بالأسلوب الاستقرائي الذي يعمد إلى التعميمات من البيانات المعطاة ، ولكنها تتقدم عندما تتنافس نظرية مقبولة مع نظرية جديدة على تفسير البيانات . ويختلف مسعى كهذا كثيراً عما كان يوصف بأنه « الطريقة العلمية » .
اقترحت كورتج بان دراسة حالات النظريات المتصارعة في تاريخ العلوم يمكن أن تكون مادة مناسبة لتدريس طرق العلم. ومع ذلك، لا يحتاج المرء إلى البحث فيما كتب حول تاريخ العلم عن أمثلة لأنظمة ونظريات متنافسـة:
الصفحة:104
فالتعددية فيما يتعلق بالأنظمة ذات المفاهيم المتنوعة موجودة فعلاً بين التلاميذ في حجرات تدريس العلوم
توفر الأطر البديلة التي يقترحها التلاميذ فرصاً جاهزة للمعلمين يوضحون فيها مميزات المتابعة العلمية من خلال تقويم التفسيرات المتنافسة أو المفاهيم العامة للأحداث. هذا، وليس من الضروري استحداث انماط جديدة في تدريس العلوم: وكما اشار بادلي(9) (Baddeley) هناك عدة فرص ضمن برامج نفيلد الحالية للعلوم لتوضيح واختبار النظريات المتنافسة التي تستمد إما من أفكار التلاميذ أو من تاريخ العلم.
التجارب العملية ومشكلة الوقت:
العلوم ليست مجرد تاريخ طبيعي، والتربية العلمية تشتمل على ما هو أكثر من مجرد تعزيز مجال الخبرات الحسية للتلاميذ وتوسيعه (برغم انها قد تفعل هذا ايضاً). وهي تُعنى بتعريض التلاميذ للتفسيرات العلمية التقليدية للأحداث وبمساعدتهم على اعادة تنظيم افكارهم وفقاً لذلك. ويحتاج التلاميذ إلى ما هو أكثر من الخبرات العملية لكي يحققوا اعادة تنظيم افكارهم. ومع هذا، وخصوصاً في بداية المرحلة الثانوية، نجد التجارب العملية، وخاصة التي تقوم بها المجموعات، هي التي تشغل في الغالب الجزء الأكبر من وقت التدريس . إن العمل في المختبر يشكل مظهراً مهماً في تدريس العلوم، برغم أننا قد لا نفيد الفائدة المرجوة من هذا المصدر التعليمي الهام. وقد افاد اعضاء مكتب التفتيش في بريطانيا (HMI)* في دراستهم المسحية للمدارس الثانوية (10) بما يلي:
يؤمن (مورسو العلوم) بأن على التلاميذ ان يحصلوا مباشرة على الخبرات العملية في المختبرات لكي يكتسبوا مهارات تداول الاجهزة، واجراء القياسات
الهوامش:
HMI اختصار لـ Her Majesty Inspectorate ويمثل المكتب المركزي للتفتيش (أو التوجيه) في بريطانيا.
الصفحة 105
الدقيقة، بالإضافة إلى توضيح المفاهيم والمبادئ العامة. ولسوء الحظ، لا يتجاوز التجريب العملي في أغلب الأحيان هذا الحد ولم تتوفر للتلاميذ سوى فرص قليلة لإجراء تجارب الاستكشاف التي تتحدى قدراتهم وذكائهم. وقد أشاروا إلى أن أحد الأسباب المهمة التي تقف وراء هذا الأمر يتلخص في القيود التي تفرضها لائحة الامتحانات.
إن التلاميذ لا يحتاجون فقط إلى وقت للقيام بأنشطتهم العملية، لكنهم يحتاجون إلى المزيد من الوقت كي يحصلوا على أكثر فائدة ممكنة من الأنشطة التي يقومون بإتمامها. وحيثما كان القصد من الأنشطة توضيح بعض المفاهيم أو المبادئ العلمية، تطلب الأمر وقتاً يسمح للتلاميذ بدراسة نتائجهم وتعميم ما توصلوا اليه على مواقف جديدة.
في دراسة حول العمل في مجموعات في تدريس العلوم، كتبت ساندز(11) (Sands)تقول بأن هناك أمر يتم اغفاله بدرجة كبيرة في الدروس، إلا وهو ضرورة "متابعة" العمل الجماعي ومراجعته. فكثير من دروس عملية كهذه ينتهي بشكل مفاجئ عند اتمام العمل المقرر، والقليل من الوقت، إن وجد، يخصص لتفسير النتائج التي تم الحصول عليها، على الرغم من أن هذا الأمر مهم بالضبط كأهمية النشاط نفسه، كما أن التلاميذ يحتاجون إلى وقت للتأمل في الأفكار الجديدة المقدمة إليهم وتعزيزها. فهم قد تكون لهم افكارهم الخاصة التي كونوها بعد عدة سنوات من الخبرة. ومن غير المحتمل انهم سوف يتبنون بسهولة طرقاً جديدة في التفكير بعد درس أو درسين في العلوم. وكما تم اقتراحه في فصل سابق، فإن فرص تطبيق افكار أو مفاهيم جديدة في عدد من المواقف مهمة في تعزيز فهم التلاميذ والمساعدة في إقامة جسر بين النظرية المعروضة والخبرة. وهنا قد نستعير تقنيات تعليمية من مواد دراسية أخرى. وعندما يتم لمدرسي العلوم تنمية المهارات اللازمة لتنظيم التجارب العملية التي تجري في مجموعات، فربما يكون قد حان الوقت للتفكير في تنمية خطط بارعة تساعد التلاميذ على مزيد من الفهم لتلك التجارب العملية والافادة منها. وهذا الذي
الصفحة:106
نقترحه ليس عودة إلى مزيد من التعليم التلقيني، ولكنه امتداد وإثراء لأنماط الأنشطة التي تجرى في حصص العلوم.
إن المقترحات التي تم ايرادها حتى الآن تشترك جميعها في مطلب واحد، إلا وهو "الوقت". فالأمر يحتاج إلى وقت لإتاحة الفرصة لإجراء مناقشات فكرية في الفصل، بل ان الأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت إذا كان التلاميذ سيتابعون التأمل في الأفكار المتصارعة أو سيقومون بإجراء ابحاثهم الخاصة.
وعندما يتاح الوقت اللازم فإنه يبدو انه لا مناص من اجراء تقويم دقيق المحتوى المنهج. وقد نحتاج بطبيعة الأمر إلى اتخاذ بعض القرارات الصعبة فيما يتعلق بأي الموضوعات نأخذ وأيها نترك. لكن ربما يكون تقليص المنهج واختصاره ليس بالثمن الباهظ الذي ندفعه لقاء ما يجنيه التلاميذ من ثقة عظيمة في فهمهم للأفكار التي تمت دراستها، أضف إلى أنهم قد يحصلون على بعض الوقت الذي يكرسونه بشكل خاص لأبحاثهم الخاصة واستكشافاتهم، مهما كانت بسيطة
إن الأفكار التي عرضت في هذا الفصل تدل على طرق يمكن للمعلمين بوساطتها مساعدة التلاميذ ليس فقط لزيادة خبراتهم الحسية خلال دروس العلوم، ولكن لفهم النظريات التقليدية وأعراف الأوساط العلمية كذلك وربطها بخبراتهم بطريقة مفهومة ذات معنى. كما أن تلك الأفكار تعطي المعلمين دوراً كوسطاء بين خبرات التلاميذ ومفاهيمهم وبين الأوساط العلمية.
وفي الفقرة التالية يذكرنا أولئك الذين كتبوا تقرير بـولـك (bullock report) بالذي قد يتضمنه هذا المعنى:
إن الذي يدور في ذهن المعلم قد يكون الغاية المنشودة لعملية التفكير، لكن المتعلم يحتاج إلى اقتفاء الخطوات التي تتدرج من المألوف إلى الجديد ، ومن الحقيقة أو الفكرة التي يعرفها إلى تلك التي سيكتسبها . وبتعبير آخر، على المتعلم ان يقوم برحلة فكرية يجريها هو بنفسه(12)
الصفحة:107
المراجع:
1- Déclaration de politique de l'ASE, Éducation par la science (1981)
2- Rapport du Comité sur la position des sciences naturelles dans le système éducatif de Grande-Bretagne, dans Natural Science in Education, HMSO (1918).
3- Association des maîtres en sciences, L'enseignement des sciences générales, Murray Z1936).
4- NSJA : Comité des programmes de l'Association nationale des professeurs de sciences, De la théorie à l'action (1974).
5- Projet Harvard de physique, Holt, Rinehart (1970)
6- M. Shayer et P. Adey, Vers une science de l'enseignement des sciences, Heinemann (1981).
7- J. Bruner, Le processus d'éducation, Harvard (1960).
8- N. Koertge, Vers une intégration du contenu et de la méthode dans le programme scientifique, Curriculum theory network, 4, 26-44 (1970).
9- J.Baddeley, Enseigner la philosophie des sciences à travers les schémas Nuffield, Sch. Sci Rev., 62, 154-9 (1980).
10- DES, Aspects de l'enseignement secondaire en Angleterre, HMSO (1979).
11 M. K. Sables, Travail de groupe en sciences : mythe et réalité, Sch. Sci Rév., 62, 765-9 (1981).
12- Le rapport Bullock, Un langage pour la vie, HMSO, 141-2 (1975).
الصفحة:108
ملحق: تمثيل التفكير شبه الكمي لدى تلاميذ العلوم في سن المراهقة
(جزء من تقرير قدم في ندوة " الملاحظة في تدريس العلوم " التي عقدت في جامعة باريس، في شهر مارس -آذار -عام 1978).
تفترض وجهة نظر التجريبيين في العلوم بأنه يمكن التوصل إلى النظريات والأفكار العلمية عن طريق عملية الاستقراء. وعلى الباحثين، سواء من التلاميذ أو العلماء المحترفين ، أن يباشروا عملهم من خلال سلسلة من العمليات المنظمة المتدرجة التي تبدأ بملاحظة ( الحقائق » . ومن مثل هذه الحقائق» يمكن التوصل إلى التعميمات والأحكام الكلية وإلى استقراء الفرضيات أو النظريات. وعلى اية حال، تفترض فلسفة العلوم المعاصرة بأنه يوجد هناك مغالطة مفادها أن الفرضيات أو النظريات لا ترتبط بأية طريقة استنتاجية مع ما يسمى بالبيانات «الموضوعية»، ولكنها بنيات من انتاج التخيل البشري . كما أن ارتباطها بالعالم المادي الملموس يأتي من خلال عملية الاختبار وامكانية الدحض والتفنيد. وبهذه الطريقة من التفكير تتخذ عمليات الملاحظة معنى مختلفاً. حيث لا يعود باستطاعتنا ان ننظر اليها باعتبارها موضوعية تماماً، لكنها متأثرة بالمفهوم النظري العام للملاحظ ، سواء الخاص بالعالم أو التلميذ
قد يكون هناك عدة "تفسيرات" للأحداث لأن النظرية لا ترتبط
الصفحة:109
بالمشاهدات بطريقة استدلالية وحيدة. وباستطاعة التلاميذ اللجوء إلى أطر ومفاهيم عامة متبادلة، بل هم يلجؤون إليها فعلاً، لتفسير المشاهدات التي تتفق مع خبرتهم وهي من هذه الناحية ليست «خطأ». وعلى أية حال، يمكننا النظر إلى تلك المفاهيم والأطر باعتبارها محددة في مداها وجزئية
يمكننا إذن أن نلخص ما تقدم فنقول بأن «الأطر البديلة» توجد من خلال محاولات التلاميذ إضفاء المعنى على جوانب من خبرتهم لأنفسهم وهم غير مخطئين من حيث استيعاب أطرهم لتلك الخبرات، لكنها ربما تكون غير شاملة بعكس ما هو عليه الحال في النظرة «العلمية» المقبولة. وكما هو الحال بالنسبة للنظريات المقبولة فإن تلك الأفكار تستمد جزئياً من خيال التلاميذ وتكون أكثر من مجرد وصف للأحداث . وهي تؤثر أيضاً في ملاحظات التلاميذ فيما يتعلق بالأحداث في المستقبل وتلقي عليها الأضواء ، كما وقد تؤثر بشدة فيما قد يتعلمه التلاميذ من دروس العلوم المنظمة
لقد قمت بدراستي هذه وفي ذهني هذا المفهوم الذي يتضمن أول ما يتضمن تعريفاً وتحديداً للأطر البديلة للتلاميذ الذين تقارب سنهم 11 عاماً ، ومن ثم تتبع التلاميذ خلال سلسلة من الدروس لرصد إلى أي حد وتحت أي ظروف تم تغيير هذه الأفكار .
إطار الدراسة وخلفيتها:
تمت إجراءات الدراسة في المختبر المدرسي بجامعة الينوي، والتلاميذ الذين يدرسون العلوم في سن الحادية عشرة. قام بتدريس التلاميذ معلم شاب يتميز بحماس ظاهر للعمل. قام المعلم بتنظيم التلاميذ فقسمهم إلى مجموعات تشكل كل مجموعة « فريق بحث » . كما قام بتشجيع التلاميذ على التوصل بأنفسهم إلى اجابات للأسئلة المطروحة . وفي نهاية سلسلة من التجارب العملية حول موضوع معين ، كان من المفترض أن يقدم التلاميذ تقارير أمام زملائهم ، وأن
الصفحة:110
يناقشوا النتائج التي توصلوا إليها والاستنتاجات التي يمكن أن يستخلصوها من تلك النتائج. وقد حاول المعلم متعمداً التقليل من دوره ونفوذه العلمي، مؤكداً على وظيفته كميسر، ومنظم، ومدير للمناقشات . هذا ، وتمت ملاحظة التلاميذ خلال عملهم في ثلاث وحدات دراسية : ( انظمة التوازن » ، زنبركات الشد » ، و القوى والحركة » . وكان التلاميذ يلتقون ساعة في كل يوم . أما الفترة الدراسية فقد امتدت إلى اكثر من ثلاثة شهور.
تم خلال هذا الوقت اختيار اربعة تلاميذ : ولدان وبنتان ، لمراقبتهم بشيء من التفصيل . وقد أعطي جميع التلاميذ خمسة من الواجبات المنهجية التي استخدمها بياجيه ، فاجتاز التلاميذ الأربعة المختارين مراحل الانتقال من المحسوس إلى مستوى التفكير المجرد . كما تم خلال فترات التعليم المتعاقبة رصد نشاطات هؤلاء الأربعة بوساطة شريط فيديو وشريط صوتي . وقام المؤلف باجراء مقابلة معهم كذلك قبل كل وحدة وبعدها للتأكد من مدى تغير أطرهم من خلال تتابع خطوات الدراسة . أما الاشرطة فتم تفريغها لتحليلها فيما بعد .
خلاصة النتائج:
كان هناك أربعة انواع من المسودات لكل وحدة من الوحدات الدراسية الثلاث:
1 - مسودات الأفكار التي كانت لدى التلاميذ عند بدء دراسة الوحدة، والتي بينت الفهم الخاطيء أو المحدود
2 - مسودات عمل المجموعة بالأجهزة والأدوات . وهذه بينت كيف أثرت أطر التلاميذ في نشاطاتهم. كما اظهرت أيضاً مدى تغير أطرهم من حيث الاستدلالات التي استخلصوها من خبراتهم
3- مسودات بينت تفاعل التلاميذ مع المعلم . وهذه تبين احياناً صعوبة التفاهم القائمة بين التلاميذ والمعلم بسبب اختلاف اطرهم
الصفحة:111
4- تفريغ لتسجيلات مناقشات التلاميذ في نهاية كل وحدة ، وهذه تبين التفسيرات البديلة التي يعطيها التلاميذ عن الخبرات المتشابهة
طريقة التمثيل:
كان باستطاعتي أن اكتب عن كل من انواع الاحداث المذكورة آنفاً واناقشها بالتفصيل. ومع ذلك، حاولت تطوير طريقة للتمثيل لأوضح من خلالها تحليلي للمسودات المسجلة، ولألقي الضوء على التعقيدات في التفكير التي اظهرتها. ويجب أن أؤكد بأن طريقة التمثيل وصفية وليست تحليلية، والغرض منها توضيح مجموعة الملامح المنوعة التي اشتمل عليها تفكير التلاميذ فيما يتعلق بالأحداث المعللة. وهو أيضاً نموذج ديناميكي: حيث انه يمثل الملامح المتغيرة. وهو من هذه الناحية يختلف عن محاولة بياجيه مثلاً لتشكيل أفكار الأطفال باستخدام المنطق المنهجي، والتي تعطي بشكل أساسي تمثيلاً جامداً.
وهي تختلف أيضاً عن تشكيل بياجيه من حيث أنها تحاول تمثيل كل من الملامح أو السمات التركيبية للفكر (كعمليات التضمين مثلاً ، والتبادل ، والنقض أو الرفض والمظاهر القرينية التي تتوقف على سياق الكلام ( المحتوى الذي تؤثر عليه تلك الملامح ) . إن هذا ، كما اعتقد، فرق مهم ، نظراً لأن هناك دلائل متزايدة على أن عمليات التفكير التي يستخدمها التلاميذ تعتمد إلى حد كبير على الاطار أو السياق للواجب ومدى معرفة التلميذ به
وسوف أوجز الملامح التي يشتمل عليها نظام التمثيل مستخدماً المسودات المأخوذة من أنماط الاحداث التي سبقت الاشارة اليها . وأنا آمل بهذا ، أن ابين بعضاً من النتائج الجوهرية للدراسة إضافة إلى طريقة التمثيل .
ملامح أو سمات التفكير شبه الكمي.
إن العبارات التي يوردها التلاميذ حول عالم الطبيعة كثيراً ما تعكس العلاقات التي يرونها وهم بين جوانب الاحداث
الصفحة:112
إذا دفعت هذه فإنها ستنزلق.
إن لف الزنبرك بشدة يجعله أقوى.
في كلا هذين المثالين يقوم التلميذ بتجريد مظهرين في نظام ما ويربط بينهما . أما العبارة الأولى فيمكن تمثيلها كما في شكل (19) ، حيث يمثل الحرف ن النظام الذي اخذت منه التجريدات . ويمثل الحرفان أوب المظهرين المقصودين. ويتم توحيد هذين المظهرين في مفهومين أكثر عمومية (يمثلهما الحرفان أوب) ، يرتبطان معاً وفقاً لما يوضحه السهم
(أنظر الشكلين 19 و 20 الصفحة:113 من البي دي إف أعلاه)
وأما العبارة الثانية فهي شبيهة بالأولى، لكنها تدل على مزيد من البناء
الصفحة:113
الداخلي من حيث أن المفهومين «شد الزنبرك» و«أقوى» يدلان ضمناً على مقدار العمل وحجمه، كما ن العبارة تدل على اتجاه العلاقة بين هاتين الكميتين من العمل. وفي شكل (20) تمثيل لهذا الأمر. حيث يتم في هذا الحالة تمثيل المفهومين «شد الزنبرك» و «أقوى» بخطين مرقمين ( [[ ) والعلاقة بينهما بالخط الموجه أو السهم . كما أن توصيل السهم بين قمتي الخطين المرقمين ( [[ ) يول على اتجاه العلاقة ( زيادة « شد الزنبرك » تعني زيادة « القوة » ) . والعكس ممثل في شكل(21).
(أنظر الشكل: 21 الصفحة:114 من البي دي إف أعلاه)
من المحتمل ألا يلجأ التلاميذ إلى الالفاظ للتعبير عن الجوانب التي تهمهم في نظام ما. وفي هذه الحالة، يقوم الملاحظ بحصر هذه الجوانب. ومن المهم في بعض الحالات أن نوضح للتلاميذ بعض ما هو مشوش باستخدام الكلمات التي تصف المعنى المقصود وتزيل كل لبس وغموض. هذا، ويمكن استعمال الكلمة نفسها لتصوير جوانب مختلفة من النظام، أو استعمال كلمات مختلفة لتعني الشيء نفسه. ولتوضيح هذا يجب ان يتضمن التمثيل جانباً لغوياً
وفي المثال التالي توضيح بسيط لذلك. عمر تلميذ في الحادية عشرة من عمره، يعمل على ميزان بسيط، ويستخدم حلقات معدنية كإثقال يمكن ان تتدلى من اربعة خطاطيف متساوية البعد على كل جانب من المحور. بدأ عمر
الصفحة:114
عملية الوزن بوضع حلقتين في الخطاف الثاني على كل جانب. ثم سُئل ماذا سيحدث إذا حركنا الحلقتين في الجهة اليمنى إلى مسافة أبعد؟ فأجاب:
سوف تنزل ... إنها أبعد عن نقطة الارتكاز، إنها أثقل ولها قوة شد أكبر . . .
علاوة على ذلك
الحلقتان لهما الوزن نفسه، لكن كلما قربتهما من الوسط، فان مثيلاتهما الأبعد سوف تنزلان إلى أسفل. لماذا؟ لست أدري
(أنظر الشكل 22 الصفحة:115 من البي دي إف أعلاه)
سوف اتناول الآن مقتطفاً أطول، خاصاً بتلميذين كريم واحمد، اللذين قاما بإجراء تجربة حول قوة الزنبركات التي عملاها بنفسيهما عن طريق لف أسلاك مختلفة حول وتد
قام التلميذان دون إجراء أي نقاش فيما بينهما، بجمع أنواع مختلفة من الاسلاك ، وقضيبين للف الاسلاك عليها ) وتد قطره حوالي ٢ سم وقضيب زجاجي قطره حوالي ٠,٧٥سم) وكوب يحتوي على كريات معدنية. أخذا هذه الأشياء إلى طاولة المختبر وبدءا بلف زنبركات من مختلف الأقطار مستخدمين الأنواع المختلفة من الأسلاك.
الصفحة:115
1 - كريم : دعنا نلف سلكاً نحاسياً حول أنبوبة رفيعة وسلكاً من الألومنيوم ۱ حول أنبوبة واسعة ونلاحظ ماذا يحدث
2- احمد : ( احمد يشبك زنبركاً بكوب الكريات دون ان يلتفت الى كريم ) . سوف أقوم الآن باختبار هذا الزنبرك لأدرس مدى تأثير الأوزان عليه
3 - كريم : ماذا تحاول ان تثبت الآن يا احمد ؟
4- احمد : لا ( يترك الثقل معلقاً ويُنزل الزنبرك ( دعنا نحضر مسطرة ونلاحظ كم يستطيل الزنبرك ( يذهب التلميذان معاً لإحضار المسطرة ).
5- احمد : طول زنبرك الالومنيوم ٧,٥ سم ) وهو يقيس طول الجزء الممطوط ) - وطول الزنبرك النحاسي ٥,٥ سم ( مدلياً الكوب من زنبرك الالومنيوم ).
6 - كريم : كم يبعد ذلك عن الأرض
7- احمد : إن هذا لا لمات
8- كريم : اسحبه ولاحظ إذا كان الزنبرك سيتحرك ام لا .
يمسك احمد بيده الزنبرك والكوب متدل منه وفي اليد الأخرى يحمل المسطرة بشكل عمودي . ثم يرفع الزنبرك ببطء استجابة لطلب كريم .
9 - كريم : حسن .
يفسر كريم فيما بعد لأحمد فيقول :
هذه أعلى والجاذبية تشدها إلى أسفل بقوة أكبر ( يمسك كريم تيلتين ، واحدة أعلى من الأخرى) أعني أن قوة الجاذبية ما زالت هي نفسها لكن في النهاية تصبح قوة شدها للبعيدة أكبر . كلا، من الأفضل أن أعبر ثانية عن ذلك بكلمات أخرى . كلما
الصفحة:116
زاد ارتفاعها كلما زاد تأثير الجاذبية عليها نظراً . . . . . . . نظراً لأن الأمر يشبه كما لو أنك وقفت هنا وأسقط أحدهم حصاة عليك حيث ستجد أن الحصاة لن تؤذيك . لكن لو أسقطت الحصاة من طائرة فإن سرعتها ستتزايد وتتزايد حتى إذا ما أصابت شخصاً ما على رأسه فإنها ستقتله
وفي الشكل (23) تمثيل لإطار أحمد
(أنظر الشكل 23 الصفحة:117 من البي دي إف أعلاه)
لقد حدد أحمد بأن العامل الذي يبحث عنه هو الثقل، ومن ثم ركز بوضوح على مدى مرونة الزنبرك. بعدئذ قام بقياس تمدد زنبركين مصنوعين من نوعين مختلفين من السلك. وقد ركز أحمد على العلاقة بين نوع الزنبرك ومدى التمدد، لكنه عرف، كما أظهرت إحدى نتائج الدراسة فيما بعد، بأن الثقل المستعمل له تأثير أيضاً .
أما كريم فركز مبدئياً على نوع السلك وسمك الأنابيب التي تم لف
الصفحة:117
السلك حولها ، متجاهلاً بوضوح ضبط المتغيرات . ثم قام بعدئذ بمقاطعة أحمد عندما وجه له السؤال « كم يبعد ذلك عن الأرض ؟ » (العبارة رقم 6) . وهذا يعكس جانباً من إطار كريم، وهو جانب لا وجود له عند أحمد (أنظر شكل 24). إن خبرات كريم السابقة وتفكيره (25 -س) جعلته يقترح بأن وزن كوب الكريات (مفهوم أ)، وبالتالي مدى تمدد الزنبرك، يعتمد على ارتفاعه عن الأرض (مفهوم هـ).
(أنظر الشكل 24 الصفحة:118 من البي دي إف أعلاه)
لقد قام كريم بالتجريب في هذا الوضع ووجد أن طول الزنبرك لا يتغير عندما يرفعه. وعلى أية حال، فإن تأثير هذا الدحض على تفكيره فيما بعد حول الارتفاع والوزن لم يكن عظيماً كما تدل الفقرة الأخيرة ( العبارة رقم 10 ) .
تمثيل أطر أكثر تعقيداً:
ناقشت فيما سبق أمثلة لتلاميذ يستخدمون علاقات شبه كمية بين المفاهيم . وفي بعض الحالات من الواضح أن التلاميذ يسبغون على العلاقة شكلاً رياضياً معيناً ، ويتمثل الشكل الأكثر شيوعاً بالتناسب الخطي . فإذا ما حدث هذا فإنه يمثل كما في الشكل (25) . وهناك أمثلة يدرك فيها التلاميذ
الصفحة:118
مفهومين يصور كل منهما مفهوماً ثالثاً للتعويض عن بعضهما البعض. ويظهر هذا التمثيل في الشكل (26) .
(أنظر الشكلين 25 و26 الصفحة:119 من البي دي إف أعلاه)
سوف أتناول الآن مثالين يوضحان شكلاً من أشكال التعويض. المثال الأول مستمد من مقابلة أجريت مع كريم حيث قدم له مسار أفقي باستطاعته أن يقذف عليه كريات معدنية من مختلف الأوزان.
1 - الملاحظ : هل تلاحظ ماذا يفعل هذا ( المكبس ) ؟
2 - كريم : إنه يجعل الكريات تتدحرج هنا ( على المسار ) .
3- الملاحظ : كيف يعمل؟
الصفحة:119
يقذف كريم كرة ثم يتأمل المسافة التي تقطعها الكرات .
4- كريم: حسن ، هذه الشدة ( المكبس ) . إذا ضبطت المكبس على الشدة
الأولى فإن ذلك لا يعطيها قوة كبيرة
بعدئذ شرع كريم في رفع الكريات مقارناً بين أوزانها .
5 - كريم : هذه يجب أن تصل إلى أبعد مدى
سوف لا يكون احتكاكها كبيراً، سوف لا يكون إضعاف سرعتها أكثر شيء والمهم هو وزنها
6- وفي الواقع ربما تقطع الكريات الثقيلة مسافة أكبر نظراً لقصورها الذاتي. حيث أنها بدأت تتحرك وسيكون ايقافها أصعب لكني كنت أفكر بالوزن الذي يزيد الاحتكاك
7- أظن بأنها لو كانت خفيفة أكثر مما يجب فإنها لن تذهب بعيداً ، ولذا يجب أن يكون هناك نقطة معينة يؤدي فيها الوزن إلى زيادة الاحتكاك قبل أن تتوازن ثم يبدأ الوزن بابطاء حركتها أكثر وهكذا فيجب أن يكون هناك وزن متوسط .
يقذف كريم عدة كريات .
8- كريم: يجب أن يكون هناك وزن متوسط ( مشيراً إلى الكــريــة التي بلغت أقصى بعد ) . إن احتكاكها ليس كبيراً جداً، وقصورها الذاتي ليس قليلاً جداً .
يعكس هذا التسلسل اطاراً معقداً ( شكل 27 ) . فقد أوضح كريم بأن وضع القاذف الزنبركي (المتغير أ) سوف يؤثر في المسافة التي ستقطعها الكريات ( عبارة رقم 4 ) . بعدئذ يحول انتباهه إلى تأثير وزن الكريات (المتغير د). يبدو أن الوزن يؤثر في المسافة المقطوعة بطريقتين: كلما خف وزن الكريات قل
الصفحة:120
الاحتكاك (المتغير هـ)، وبالتالي زادت المسافة التي تقطعها الكريات (العبارة 5). ومن ناحية أخرى، يجادل كريم أيضاً فيقول: ما أن تبدأ الكريات الثقيلة بالتحرك حتى تستمر في حركتها نظراً لأن لها قوة قصور ذاتي أكبر (العبارة 6). بعدئذ يهتم هو بالتأثير المتكامل لكلا هذين الأثرين. وبدلاً من جعلهما يعوض أحدهما عن الآخر بطريقة بسيطة، وبالتالي مستبعداً الوزن كعامل متغير، فإن فكرة كريم في التعويض تنطوي هنا على علاقة غير خطية بحيث يسير «الوزن المتوسط» إلى أقصى بعد.
(أنظر الشكل:27 الصفحة 121 من البي دي إف أعلاه)
وقد لجأ كريم إلى هذه الفكرة نفسها عندما قام بتجاربه حول العوامل المؤثرة في زمن تردد البندول
الصفحة:121
وضع كريم كرة الجولف على شريط طويل وجعلها تتأرجح. وقد قام بلف الشريط بينما كانت ما تزال تتأرجح
1 - كريم: لقد شرعت في تأرجحها ... عليك أن تقصر الشريط .
يلتفت كريم إلى الملاحظ وكأنه قد أنهى عمله .
2- الملاحظ : ( بعد 5 ثوان من التأمل) هل هناك شيء آخر يمكنه أن يحدث فرقاً ؟
3- كريم : لست متأكداً ، لكنني اعتقد أن هناك وزناً مساوياً آخر كـالـذي هناك.
4- سوف يكون هناك وزن متوسط تتأرجح الأشياء معه بسرعة أكبر، ذلك لأن الشيء عندما يصبح ثقيلاً جداً لا يبتعد كثيراً بعد قذفه وإذ كان الشيء خفيفاً جداً فإن سرعته لا تكون كبيرة أيضاً فلا يبتعد كثيراً.
من الآن فصاعداً بدأ كريم يبحث عن "الوزن المتوسط". قام بتعليق كرة البولسترين (مادة خفيفة الوزن) بأحد الخيوط وكرة المطاط بخيط آخر، ثم جعل طول الخيطين واحداً، وجذبها بحذر إلى الخلف بالسعة نفسها وأطلقهما
5- كريم : إن هذه ( كرة المطاط ) في الواقع تقطع المسافة نفسها كالتي تقطعها هذه ( كرة البولسترين ) في زمن أقصر . إن هذه (المطاط) لا بد أن تكون أقرب إلى «الثقل المتوسط «.
يستبدل كريم كرة المطاط بكرة معدنية صغيرة ويعيد اجراء التجربة .. ويتابع التجريب على أزواج من الكرات.
6 - كريم : ربما لا يكون هناك شيء متوسط . وتبدوان هاتين بطريقة أو بأخرى متساويتين إلى حد كبير(في زمن التأرجح). إحداهما تزن أكثر
الصفحة:122
من الأخرى، وهكذا اعتقد بأن هذا سيجعل ( الوزن المتوسط ) في مكان ما في الوسط
نظم كريم الكرات في صف تبعاً لأوزانها .
7- كريم : اعتقد أن الثقل المتوسط الذي يتحرك بأقصى سرعة هو على الأرجح شيء موجود هناك بالضبط . ( يشير إلى موضع في الصف )
8- الملاحظ : هل يمكنك اجراء تجربة تبين فيها للمرء ما إذا كانت الأشياء المختلفة الأوزان تستغرق فترات مختلفة ؟
يختار كريم الكرة المعدنية والكرة الفلينية.
9 - كريم : انهما في حجم واحد .
10 - الملاحظ : لماذا هذا الأمر مهم ؟
11 - كريم : حسن ، إن ذلك سيبرهن إذا ما كان للحجم تأثير عليها ... انهما بالحجم نفسه ، وإلا فإنك كنت ستجادل بأن السبب يعود إلى اختلافهما في الحجم .
المثال الثاني الذي سوف أناقشه الآن مستمد من مقابلة مع لبنى حول العوامل التي تؤثر في زمن تردد البندول البسيط
لقد أظهرت لبنى قدرة على ضبط المتغيرات أثناء التجريب. فهي وضعت أولاً كرة معدنية صغيرة على الحبل، جعلتها تتأرجح وطرقت الطاولة طرقة خفيفة بدقة حالما رجعت الكرة إليها. ثم أبعدت الكرة المعدنية وعلقت مكانها كرة تنس، جذبتها إلى الخلف وجعلتها تتأرجح تماماً مثل الكرة المعدنية وبالسعة نفسها وطرقت الطاولة ثانية عندما كانت الكرة ترجع إليها. بعدئذ أبعدت كرة التنس وأوقفت الحبل، ثم علقت كرة التنس مرة ثانية وكررت ملاحظاتها. ثم
الصفحة:123
عادت فأوقفت الحبل وجعلته يتأرجح بكرة التنس مبتدأه بسعة أولية صغيرة ثم أكبر .
1 - الملاحظ : ماذا يمكنك أن تقولي ؟
2- لبنى: إنها تتحرك بسرعة كبيرة جداً عندما تكون أعلى
3- الملاحظ إذن ماذا ستعملين لجعل البندول يهتز بأقصر فترة زمنية ؟
4- لبنى : سوف أخذ هذه (كرة معدنية صغيرة) وأرفعها إلى أقصى حد ممكن (تصمت برهة) وأدفعها بقوة
5 - الملاحظ : قوة الدفع لها تأثير ، أليس كذلك ؟
6 - لبني : نعم . .
7- الملاحظ : كيف عرفت ؟
- 8-لبنی : حسن ، إني أعرف ذلك . لقد عملتها من قبل فهي كالكرة إذا دفعتها بقوة تزيد سرعتها هكذا . . . ( توضح لبنى هذا بدفع البندول )
9- كأنك إذا دفعتها فإنها تندفع ، لكن إذا تركتها مجرد ترك فإنها تتحرك هكذا ( تتركها تتحرك دون دفع ) .
10- آه ... لقد جعلت الأمر مشوشاً ، انتظري . ( تدفع لبنى البندول وتنقر على الطاولة ، ثم تكرر ، تاركة البندول يهتز ) .
11- إذا دفعته ، فإنه سيتحرك إلى مسافة أبعد .
إن عمل لبنى يشير بوضوح منذ البداية إلى قدرتها على ضبط المتغيرات
فهي قامت بعزل نوع الثقل، وسعة الاهتزازة، وطول الحبل لدراسة كل منها على حدة. وقد حدث شيء مثير عندما سئلت ماذا يمكنها أن تفعل لتجعل البندول يهتز بأقصر فترة زمنية (العبارة (3). فهي بالإضافة إلى اقتراحها بتقصير
الصفحة:124
الحبل، زادت قائلة بأنها سوف تعطيه دفعة قوية (العبارة 4). ومن المثير أنها اعتمدت على الخبرة السابقة في تبرير هذا الأمر، ولعلها لم تشعر أبداً بالحاجة لاختبار هذا العامل (حالة تؤثر فيها النظرية على المشاهدات). على أية حال، لقد أوضحت وبينت ما تعنيه وتوجب عليها أن تعيد النظر فيما تنبأت به
يمثل الشكل (28) القسم الأخير من هذه المقابلة (العبارات 3 - 11) . في البداية أوحت لبنى بأن الدفعة الأقوى تجعل الثقل يتحرك بسرعة أكبر، أي في وقت أقصر. وعلى أية حال، فهي عندما قدمت عرضاً عملياً لهذا أدركت أن الأمر يتضمن عاملاً آخر - كلما كانت الدفعات أقوى ابتعد الثقل أكثر، مع التعويض للسرعة الأكبر
(أنظر الشكل 28 الصفحة:125 من البي دي إف أعلاه)
الصفحة 125
تمثيل التغير :
هناك أمثلة عديدة لمناقشات وأنشطة صفية تبين أن التفكير يصبح أكثر وضوحاً واتقاناً كلما شارك التلاميذ أكثر في دراسة نظام أو مشكلة ما. وهذا يعكس ملاحظات ديفيد هوكنز (David Hawkins) ، الذي أوحى بالحاجة إلى خلط الأمور والخبطتها في دراسة العلوم بالتقصي قبل القيام بمزيد من الاستكشاف المنظم .
لقد قدمت لنا لبنى في تجربة البندول مثالاً على تنمية التفكير . وسوف أقدم هنا باختصار بعض الأمثلة التي تدل بشكل خاص على تنمية الأطر خلال ممارسة النشاط العملي . ونستمد المثال الأول من التلميذين كريم وعمر اللذين يقومان بسحب كتلة خشبية فوق أسطح مختلفة لملاحظة الاختلافات في الاحتكاك .
كان التلميذان يختبران القوة اللازمة لسحب كتلة خشبية فوق أسطح مختلفة إنهما الآن يأخذان كتلتهما وميزانهما الزنبركي ويجربان سحب الكتلة فوق لوح من الزجاج موضوع على أرض الحجرة .
1 - كريم : 200. إنها ملساء، وكنت أظن ان القراءة ستكون أقل.
2 - عمر : أين ؟
3 – كريم: يبدو الأمر غريباً. عندما وضعتها فوق لوح الزجاج وحالما وصلت قرب الحافة احتاجت قوة أقل لسحبها، بينما كانت القوة متماثلة عندما سحبتها في الوسط. وفي النهاية انخفضت القوة .
4 - عمر : ربما نحن لم نسحبها بشكل متساوٍ . ( يغادر المكان ويعود ومعه جرار صغير - لعبة أطفال - ويقوم بتجربة أخرى ) .
5 - كريم : هل حدث تغيير ؟
6 ـ عمر : نعم حدث ، لكن أقل باستمرار . اعتقد أن ذلك ربما كان بفعل
الصفحة:126
عامل القصور الذاتي.
يدير عمر الجرار ويجعله يجري في الاتجاه المعاكس
7 - عمر : عندما يسير في هذا الاتجاه فإن القوة تقل . وتزيد إذا سار في الاتجاه الآخر .
8- كريم : ربما أنها ليست مستوية حيث تقل القوة أثناء النزول نظراً لأن الجاذبية تساعدك
9۔ عمر : مع أنها تبدو مستوية
يستعير التلميذان شاقولاً () أفقياً ويجدان بوساطته أن لوح الزجاج لم يكن في الواقع أفقياً تماماً
عندما بدأ تسلسل الخطوات ( شكل 29 ) ، لم يكن لدى التلميذين سوى اطار بسيط يبنيان عليه نشاطهما . لقد ربط ذلك الاطار ببساطة بين خشونة المادة المستخدمة في التجربة وبين قراءة الميزان الزنبركي ( جـ ) . لكن عندما سحبا كتلتهما الخشبية فوق لوح الزجاج لاحظ كريم أن قراءة الميزان الزنبركي لم تكن منتظمة -حيث أنها تغيرت عند حافة اللوح الزجاجي (العبارة 3). وقد افترض عمر أنهما لم يكونا يسحبان بشكل منتظم (العبارة 4) . وحاول علاج الموقف بسحب الكتلة بوساطة جرار آلي (لعبة أطفال). وهذا مثير بحد ذاته حيث أنه يوحي للتلميذين بعلاقة قوية بين قوة ثابتة وسرعة ثابتة. وقد قام التلميذان بإجراء تجربة أخرى مستعينين هذه المرة بالجرار، ولكن قراءة الميزان الزنبركي ظلت تتغير (العبارة 6). وفي هذه المرة اقترح عمر فرضية أخــرى تتعلق بمبدأ القصور الذاتي. (هل كان يعني أن الجسم حالما يتحرك فإنه يحتاج إلى قوة أقل لسحبه؟) التجربة التي أجراها توحي، على أية حال، بأنه كانت لديه فكرة أخرى حول السطح غير المستوي
الصفحة:127
(أنظر الشكل: 29 الصفحة:128 من البي دي إف أعلاه)
وقد خلص التلميذان في النهاية إلى تفسير يُرجع الاختلاف في قراءة الميزان الزنبركي إلى عدم استواء السطح.
الصفحة:128
هناك مثالان آخران يظهران «تعامل » التلاميذ مع المواقف التجريبية العملية . ويقوم بالتجريب في كلا المثالين لبنى ورشا . تقوم التلميذتان في المثال الأول بالنشاط نفسه الذي قام به كريم وعمر : سحب أشياء فوق أسطحمختلفة . ويُظهر التسلسل كيف أنهما درستا تدريجياً سلسلة من العوامل كزاوية الميزان الزنبركي مع السطح ، والسرعة التي كانتا تسحبان بها للحصول على نتائج تثقان بها
( أنظر الشكل 30 الصفحة 129 من البي دي إف أعلاه)
تقوم التلميذتان في هذا المثال باستكشاف القوة اللازمة لسحب أجسام على أسطح أفقية .
1 - لبنى : نعم ، دعينا نجرب أولاً على أرض الحجرة ثم نكنس مكاناً جيداً
الصفحة 129
ونجرب عليه وننظر إذا كان هناك أي فرق أو اختلاف . أتوافقين ؟
2 - رشا : ( تومیء رشا برأسها موافقة ) سوف لا يظهر أي فرق على هذا ) ناظرة باتجاه الميزان الزنبركي ) .
3- لبنى : ربما يظهر . إذا كان لدينا موازين دقيقة . . دقيقة حقاً فإني أراهنك أنه سيظهر فرق
4- رشا : في الحقيقة قليل جداً .
5 - لبنى : كنصف جرام مثلاً .
تسحب لبنى الكتلة فوق أرض الحجرة. وبينما كانت تقوم بذلك جعلت زاوية الميزان الزنبركي مع سطح الأرض تتغير من الوضع الأفقي الموازي للأرض لتعمل زاوية مقدارها حوالي ٣٠
6 - لبنى : إنها أكثر ! من الأفضل أن نبقيه موازياً . . أي نبقي مؤشر القوة
موازياً للأرض .
تسجل التلميذتان هذا في تقريرهما
7- رشا : حسن ... مؤشر القوة ... مواز ... ل - الـ ـ أرض .
8- لبنى : كم القوة ؟
تسحب لبنى الكتلة على الأرض جاعلة الميزان الزنبركي مواز باستمرار لسطح الأرض
9 - لبنى : 25 .
10 - رشا : 25 ماذا ؟
11 - لبنى : هؤلاء ... انظري أنها ارتفعت إلى هنا .
12 - رشا : كيلو .
الصفحة:130
13 - لبنى : كيلو غرام ، لا ، إنما جرام ! جرام يا رشا، ورمزها جم.
16 () - لبنى : حسن . دعينا نجربها على هذه الطاولة (تتحسس سطح الطاولة باليد) هل نعتبرها خشنة إلى حد ما؟
17 - رشا : نعم
18 - لبنى : الكتلة نفسها وكل شيء نفسه فيما عدا السطح مختلف عن السابق . شرعت لبنى بسحبها فوق الطاولة وفجأة توقفت.
19 - لبنى: لكننا يجب سحبها بالسرعة نفسها ، أليس كذلك ؟
تعودان ومعهما جرار ( لعبة اطفال )
20 - لبني : من الأفضل إعادة التجربة يا رشا ، نظراً لأننا ربما لم نكن نسحبها بالسرعة نفسها عندما سحبناها على الأرض
تعلق لبنى الميزان الزنبركي بالجرار، وتدعه يسير عبر الطاولة وهي تلاحظ قراءة الميزان الزنبركي.
21 - لبني : حوالي 25 إلى 50 . يفضل اعادتها مرة أخرى (تجريان التجربة ثانية).
22 - لبنى : 50 ، صح ؟
23 - رشا : نعم
24 - لبنى : حسن
تسجل التلميذتان البيانات وتعيدان القياس على الأرض.
25 -رشا: 25. انها اقل
) يقترب منهما المدرس)
الصفحة:131
(أنظر الشكل:31 الصفحة:132 من البي دي إف أعلاه)
26 - المدرس : أرى أنكما تسجلان نتائجكما . إنه أمر جيد.
27 - لبنى : أنني افعل ذلك دائماً . فأنا لا أستطيع تذكرها.
35 - لبني : دعينا نكتب كل المتغيرات... بإمكاننا الحصول على كتلة اخرى
وسحبها على السطح نفسه
الصفحة:132
36 - رشا: لا، دعينا نجربها أولاً على أسطح أخرى . دعينا نجربها على ورق السنفرة. (يجربانها).
37 - لبنى : (وهي تنظر إلى الميزان الزنبركي) 125 . دعينا الآن نحضر كتلة مختلفة ونجري التجربة نفسها بالضبط. كلا، رشا دعينا أولاً نضع اثقالاً فوق كتلتنا.
استبدلت التلميذتان في المثال الثاني الكتلة الخشبية بعربة صغيرة على عجلات وقامتا بالتجريب عليها للتعرف على القوة اللازمة لتحريكها، على السطح المستوى أولاً، وبعدئذ على سطح مائل متباين الانحدار. وفي الشكل (31) توضيح لهذا التسلسل.
في اليوم التالي نصبت التلميذتان سطحاً مائلاً بوضع لوح خشبي على عدد من قطع القرميد وخططتا لسحب العربة الى اعلى باستخدام الجرار الصغير مرة ثانية والميزان الزنبركي لقياس قوة السحب
1 - لبنى : سوف نجد اولاً كم من القوة يلزم لسحبها على سطح منبسط .
تربط لبنى الميزان الزنبركي والجرار بالعربة .
2- لبنی : حسن . ها هي تتحرك. خذي القراءة عندما تصلك
3- رشا : آه. لا أستطيع
تنحني لبنى وتحاول قراءة الميزان الزنبركي. لكن العربة كانت في هذا الوقت قد قطعت اللوح الخشبي بأكمله مما اضطرها الى اعادة العربة مرة ثانية وجعلها تسير بالاتجاه الآخر.
4 - لبنى: آ ... صفر!! يا إلهي، إنها لم تأخذ شيئاً لسحب ذلك ... إن القراءة
5 - رشا : صفر .
الصفحة:133
6- لبني : جربيها مرة ثانية إلى الخلف وإلى الأمام . (لقد كررتا القراءة عدة مرات) .
7 - رشا : حسن ، إنها صفر.
8- لبنی : حسن ، صفر عندما تكون درجة الزاوية صفراً . دعينا نرتب هذا، انه في حالة من الفوضى يرثى لها (تشير إلى كومة الكتب، وكتل الخشب، وغيرها من الأشياء التي جمعتاها على طاولتهما).
تتقدم التلميذتان الآن لإجراء التجربة نفسها على سطح مائل وتدركان انهما بحاجة إلى شيء ما تقيسان به الزاوية
9- لبنى : يجب ان نجد شيئاً لنقيس به الزاوية ، يا استاذ.
تشير التلميذتان إلى المدرس بانهما تريدان شيئاً لقياس الزوايا بالدرجات، فيحضر لهما منقلة. تقولان بأنهما سبق لهما واستخدمتا واحدة مثلها من قبل. تضع لبنى اللوح الخشبي فوق قطع القرميد بحيث جعلت الزاوية 10°، ورشا تنظر إلى الميزان الزنبركي
10 - رشا : حوالي 75 .
تنظر لبنى إلى المنقلة ثانية وتقيس الزاوية فتجدها 6◦. ترفع المستوى المائل بحيث يصبح الميل .°10
11 - رشا : 150 - كلا ، 125 جرام . (تنظر لبنى الى الميزان الزنبركي).
12 - لبني : بين ذلك و 125
13 - رشا : كانت القراءة 150 . يجب ان تكون كذلك. جربي مرة ثانية.
الصفحة:134
14 - لبنى : كلا كانت 125 . لا، هذه كانت 6، يا رشا، وضعفها يكون 12. إن ذلك سوف يكون حوالي -وهكذا ترين ان كل 2 جرام سوف تكون 25
15 - رشا: ( تتحدث مثل لبنى وفي الوقت نفسه ) لكن انظري ، انك في الواقع تضاعفين الدرجات ويجب ان نحصل على 75◦ ( تصرخ ) إنك تضاعفين الدرجات !
16 - لبنى : اننا لا نضاعفها - سوف نفعل ذلك الآن إذا أردت ! (تضبط الدرجة) كم هي الآن ؟ (تفحص وتجد الزاوية 120) هل انت مستعدة ؟
17 - رشا : تقريباً. (تهيء لبنى الجرار كي يصعد اللوح الخشبي مرة ثانية) .
18 - لبني : 150 ؟
19 - رشا : نعم. وهكذا إذا كان عندك 12 تكون القراءة 150
20 - لبنى : يمكنني إذن ان استنتج من هذا بأن كل درجتين تساوي 25 جرام.
لاحظنا في هذا التسلسل ان الفتاتان كانتا تتوقعان قراءة محددة على الميزان الزنبركي عند سحب العربة على السطح الأفقي. وقد دهشتـا كثيراً عنـدمــا لاحظتا ان القراءة كانت صفراً، ولم تدركا بالمرة لماذا كان يجب ان تكون كذلك. إن هذا مثال واضح جداً على الفجوة بين الملاحظة والتفسير. وكما حدث بالنسبة للمثال المذكور آنفاً حول مفهوم احمد للارتفاع والوزن، فإن التلميذتان هنا قامتا بملاحظة شيء لم تستطيعا استيعابه وفقاً لمفهومهما الحالي. ومهما يكن من أمر، فإن الملاحظة بحد ذاتها لا توحي بمفهوم بديل لتفسير البيانات فلبني تركت ببساطة "غير مدركة" لما شاهدته
الصفحة:135
إن هذا يرجعني إلى نقطة أثرتها في مقدمة هذا التقرير، حيث أشرت إلى قصور النظرة التجريبية العقلية في تعلم العلوم.
وهنا لدينا مثال على ذلك. فلبني ورشا جمعتا بياناتهما، وكررتا القياس للتأكد من صحته، ومع ذلك لم تتمكنا من فهمه أو جعله معقولاً بالنسبة إليهما. وهما لم تتمكنا بمفردهما من القفز بخيالهما بحيث تستبعدان الإطار الارسطو طاليسي وتتبنيان الإطار النيوتوني بهذا الخصوص. فالمساعدة كانت مطلوبة هنا بشكل جلي.
الصفحة:136