الذكاء الانفعالي وعلم النفس التربوي



المؤلف: سعاد جبر سعيد

التصنيف: علم النفس التربوي

عرض PDF

الوصف:

سعاد حبر سعيد، الذكاء الانفعالي وعلم النفس التربوي، عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2015، الأردن.

المقدمة



 الحمد لله الواحد القهار العزيز الغفار مقدر الأقدار مصرف الأمور، مكور الليل على النهار، تبصرة لأولى القلوب والأبصار، الذي أيقظ من خلقه من اصطفاه فأدخله في جملة الأخيار، ووفق من اجتباه من عبيده فجعله من المقربين الأبرار، وبصر من أحبه فزهدهم في هذه الدار فاجتهدوا في مرضاته والتأهب لدار القرار واجتناب ما يسخطه والحذر من عذاب النار، واخذوا أنفسهم بالجد في طاعته وملازمة ذكره بالعشي و الأبكار ، وعند تغاير الأحوال وجميع أناء الليل والنهار، فاستنارت قلوبهم بلوامع الأنوار، احمده ابلغ الحمد على جميع نعمه، وأسأله المزيد من فضله وكرمه، وأشهد أن لا اله إلا الله العظيم، الواحد الصمد العزيز الحكيم واشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وحبيبه وخليله، أفضل المخلوقين، وأكرم السابقين واللاحقين صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين.

      أما بعد؛ فقد تنوعت النظريات التربوية عبر مسيرتها التاريخية وشكلت تراكماً معرفياً، في ضوء مدارس نفسية متنوعة، وفي الجانب الأخر هناك النظام التربوي ومؤسساته ومسيرة التربية والتعليم السائدة فيه والمتتبع لذلك يجد أن هناك فجوة بينهما، حيث تبرز النمطية والجمود والتلقين والتقليد في المسيرة التربوية والتلقائية في العمل التربوي.      

    والأصل أن يكون هناك التحام بينهما في اختبار النظريات التربوية، وترجمتها عملياً في الواقع التربوي، وقياس مستوى فاعليتها كمياً ونوعياً، فطالما كنا في هذه الميدان كانت العملية التربوية في أطر علمية موضوعية.

    ومن المهم بمكان هنا أن نؤكد بأن هذه المعادلة الارتباطية بين النظرية النفسية في التعلم والواقع التربوي، أمراً حتمياً في الواقع التربوي المعاصر، لما استجد من نظريات التعلم في ضوء المدرسة النفسية المعرفية المستندة إلى معالجة المعلومات، والمدرسة الإنسانية التي تركز على أنماط التعلم الفردي، وتحقيق الذات وحركة علم النفس الإيجابي التي تركز على الإيجابية والسعادة والتفوق والبرمجة الذاتية في ضوء تلك القيم الإيجابية.

الصفحة 1                                       


     ويبدو في الواقع المعاصر تحديا متعددة في واقع علم النفس التربوي وترجمته في الميدان التربوي في أطر مهارات التفكير العليا ومجالات التعليم الوجداني والاجتماعي والتركيز على الذكاءات المتعددة في التعاطي مع المتعلم في ضوء التفرد والإبداع والاستقلالية، والتأكيد على دراسات استشراف المستقبل في نسق المدرسة المستقبلية والجامعة المستقبلية.

     مفردات علم النفس التربوي متنوعة ما زالت تقتضي البحث والدراسة، والترجمة العملية في الواقع العملي، ربما حاولت في هذه الكتاب استجلاء الكثير منها، ولكن تبقى النظريات التربوية متنوعة ومتعددة ذات زخم تربوي، وربما حاولت في هذه الكتاب إلقاء الضوء على اغلبها، وتجلية النقاب حوله، في ضوء دراسة تربوية وعلمية موضوعية، حيث ابتعدت ما أمكن عن التعقيد والتفلسف في العرض، وبذلت جهدي في التناول العلمي للموضوعات بعيداً عن التنظير الممل في الخوض في الفرعيات والتفصيلات، وحاولت التركيز ما أمكن على الهدف الرئيس والفكرة الكلية المتوخاة من هذا المشروع التربوي الذي يصب في النطاق الفكري.

    وفي نهاية عملي هذا؛ أرجو أن أكون قد وفقت؛ وقدمت للمكتبة النفسية، في عالمنا العربي؛ ما يشكل زاداً في علم النفس المقارن، ومادة لها مكانتها وجاذبيتها لدى مرتادي علم النفس بكافة أبعاده، فإن وفقت فالحمد لله وذلك فضله تعالى علي ومنته وتدبيره، واثر يده المبدعة، وفعله الجميل اللطيف، وتدبيره لأمري في إنجاز هذا العمل، ومشتته العلية في أن ينجز، ويخرج إلى الوجود على الصفحات وما نالني من خطأ في الاجتهاد في هذا العمل، فمن نفسي، واستغفر الله العلي العظيم.

الصفحة 2                                                



الفصل الأول: علم النفس العام وعلم النفس التربوي



تمهيد


       انطلقت الرؤية الوضعية لعلم النفس من منطلقات تجريبية، تستخلص من الجزئيات، القوانين العامة في السلوك، فتشكلت منظومة تلك المنجزات الفكرية في علم النفس، من خلال جمع الوقائع وصوغ المبادئ والقوانين التي يمكن فهم السلوك من خلالها،وتفسيره .

      ونالت الشخصية وما يعتريها من أفاق فكرية ونظريات متنوعة، مكانة هامة في علم النفس، في أوج قوتها، وزخم صراعاتها، ومنزلقات انحرافاتها، وما يرتبط بها من سبل للعلاج النفسي، وتجاوز الأزمات.

    وبرزت قضايا متنوعة أخذت مساحات من اهتمامات علم النفس الحداثية، منها موضوعات التفكير، والكشف عن المتغيرات والعوامل التي تعطل تفكيرنا، واليات بلوغنا في التفكير مناص الإبداع وتجاوز التحديات.

     وما زالت الجهود مبذولة في أطر فهم عملية التعلم، وبالأخص في أطر المدرسة المعرفية ومدرسة علم النفس الإيجابية، لغاية البلوغ إلى ماهية التعلم النشط، الذي ينطلق من معادلة بذل الطاقة في زمن محدود لغاية تعلم فعال، فضلاً عما يرتبط بهذه الموضوعات، من قضايا التعلم المستند إلى الدماغ وتحليل عناصر عملية التعلم من خلال فهم آليات التفكير ومحطاته، وأبعاد الذاكرة ومستوياتها، في الدماغ.

   ونالت الانفعالات مكانة هامة في حركة علم النفس الحداثية، في أطر نظرية الذكاء الانفعالي، وتفعيل تطبيقاتها السيكولوجية، لغاية تجاوز ضغوطات الحياة، وتفعيل مسارات السلوك الإنساني الواعي في التعامل مع الآخرين من خلال الوعي بذات وإدارة الانفعالات وتحفيز الذات والتعاطف وتفعيل المهارات الاجتماعية. 

الصفحة5                                          

       ونالت مفاهيم نفسية مكانة من البحث والدراسة ، في أطر الدراسات النفسية قديما ،وما زالت تأخذ تلك المساحات من البحث والتأمل والتجريب، في أبعاد دافعية الذات وتحفيزها، والبلوغ إلى مساحات تقدير الذات، من خلال ارتفاع مستوى مفهوم الذاتي وتعزيزه.

      وفي الإطار ذاته، أسهم الإسلام في تكوين إنتاج فكري معطاء، في فهم ! النفس الإنسانية، والوصول بها إلى مساحات الأمن والاستقرار، وربما ثمرة الاستقرار النفسي، هي الأمل الذي كانت ترنو إليه كافة النظريات النفسية الغربية، لغايات تحقيقه، من خلال نظريات متنوعة، وشبكة بحثية عملية نفسية، ما زالت تقدم الجديد في هذا المجال، وربما الواقع النفسي الذي يرسخه واقع الالتزام بالشريعة السمحة، والاستناد إلى نصوص القرآن الكريم والسنة الشريعة، هي : المساحات الأقصر جهداً ووقتاً، لتحصيل حقيقة الاستقرار النفسي، وبالتالي الخلاص من الآفات النفسية، لأنه يستحيل أن يلتقي الالتزام الشرعي، والعمل الصادق الواعي بمقتضي نصوص القرآن الكريم والسنة الشريعة، وينشأ من ذلك عقد نفسية وآفات سلوكية، والمحرافات اجتماعية.

      وربما هذه الحقيقة الساطعة التي تجاهلها الكثيرون، ولنقل ربما تعمد تجاهلها آخرون، الذي نأوا بعلم النفس ودراساته، بعيداً عن مقتضى الشريعة السمحة، وركنوا للنظريات الغربية، وكذلك الذين حصروا الرؤية الإسلامية لعلم النفس من خلال الرؤى الفلسفية الفلاسفة المسلمين الأوائل الذين عبروا عن طبيعة عصرهم، من خلال تنظيراتهم الفلسفية وغفلوا في زخم تلك التعقيدات الفكرية، عن سماحة نصوص القرآن الكريم والسنة الشريعة، فضاعت منهم لغة الأولويات في فهم العلوم والفكر، وبالتالي لم تحتوي منجزاتهم على يتضمن القرآن الكريم والسنة الشريفة من إعجاز نفسي أخاذ، يسهل فهمة وإدراكه، لأنه يقدم في أولوياته السلوكية البعد التطبيقي العملي، بعيداً عن اللغة الفلسفية وتعقيداتها. وكذلك يقال في حق الذين ركنوا جملة وتفصيلاً للنظريات الغربية، دون ربطها بروح الشرع ونصوصه، فكان نتاجهم اطر فكرية نظرية منزوية عن روح الشريعة، تشتمل على التعقيدات، وتعبر عن واقع تلك المجتمعات، ولا تعبر عن خصوصية مجتمعاتنا، فليس

الصفحة 6                                          

دائماً يصلح القياس، ويسهل ارتداء تلك التصاميم الغربية على أجسادنا، فقد تتطلب تكييف، وتوسيع في مساحة ما وتضييق في مساحة ما، وحذف وإضافة وتعديل، لتتطابق مع ثوابتنا الفكرية، حتى يصلح لنا التعاطي معها في أفاق متزنة بعيدة عن الإفراط والتفريط، في أطر الأصالة والانفتاح معاً. 

    خلاصة ما سبق لا بد من تأصيل واعي لغاية الوصول إلى حقائق نفسية قرآنية ونبوية، تتسم باللغة العملية التطبيقية، الميسرة السهلة، التي تعتمد لغة السهل الممتنع، بعيداً عن آفاق التنظير المملة، والتفلسف الذي لا فائدة منه، من خلال رموزه الغامضة التي لم تعد مفهومة في واقعنا المعاصر.

ماهية علم النفس في ضوء الرؤية الوضعية

    بدأ علم النفس الحديث مع إنشاء أول مختبر لعلم النفس التجربي في ألمانيا على يد فونت عام (1879)، وأصبح علماً له موضوعه ومنهجه القائم على التجربة مما أدى إلى إحداث تطور كبير في مسيرة هذا العلم.

  وظهرت مدارس عديدة في العالم، أدلت بدلوها في مجال علم النفس، منها المدرسة السلوكية، ومدرسة التحليل النفسي د ومدرسة الجشطلت، والمدرسة السلوكية المحدثة (الاجتماعية)، والمدرسة المعرفية، والمدرسة الإنسانية، ومدرسة علم النفس الإيجابي. وينقسم علم النفس إلى فروع كثيرة نذكر منها، علم النفس العام، وعلم النفس الفسيولوجي وعلم النفس التربوي وعلم نفس النمو وعلم النفس الاجتماعي وعلم النفس العسكري، وعلم النفس الجنائي وعلم النفس المهني. 

    ومن الاتجاهات الحديثة لعلم النفس علم نفس الأدب، علم نفس السياسة، علم نفس الأسرة (العائلة)، علم نفس الشخصية، علم نفس الطاقة. 

   وتعددت النظريات النفسية، في تحديدها لماهية علم النفس، بحسب المدرسة الفكرية التي تنطلق منها الرؤية النفسية، وفيما يلي منظومة من التعاريف المتنوعة، لماهية علم النفس

في ضوء الرؤية الوضعية: 

الصفحة7


܀    العلم الذي يدرس السلوك الإنساني دراسة علمية، من خلال كشف تطور السلوك الإنساني، وقوانين سلوك الجماعة، وطرق اكتساب العادات السلوكية المختلفة الاتجاهات، والقيم، وطرق التفكير والإدراك والتذكر، وسوية السلوك الفردي واللاسوية منه.

܀    الدراسة العلمية لسلوك الكائنات الحية، وخصوصا الإنسان، وذلك بهدف التوصل إلى فهم هذا السلوك وتفسيره والتنبؤ به والتحكم فيه.

܀    العلم الذي يدرس السلوك سواء كان هذا السلوك ظاهراً أو باطناً فهو يدرس السلوك الظاهر كالأفعال التي يقوم بها الفرد، والسلوك الباطن كالتفكير والتخيل والتذكر.

܀     العلم الذي يدرس أنشطة الكائن العضوي وبيئته المادية والاجتماعية.

 ܀   العلم الذي يمكننا من استخدام المعطيات السلوكية من فهم العمليات الداخلية التي تقود الناس أو أفراد الكائنات الحية 

الأخرى ليتصرفوا بالطريقة التي تصرفوا بها. 

܀    العلم الذي يتعامل بشمولية مع فسيولوجية الفرد (كيمائية الدماغ، علم الأعصاب والمورثات وسلوك العضوية البيولوجية.

܀    العلم الذي يدرس الحياة العقلية للإنسان، مثل الإدراك والتعلم والتذكر والتفكير وحل المشكلات والإبداع.

܀    العلم الذي يدرس آليات ضبط الذات الإنسانية، ويعزز حقيقة أن الناس ليسوا عبيداً للظروف البيئية والنزعات الجنسية والعدوانية اللاشعورية، ويؤكد على التفاؤل في البناء الفردي من خلال تمجيد الطبيعة الخيرة والقادرة على تحقيق الذات والتفرد في الحياة. 

܀    العلم الذي يؤكد على الأبعاد الإيجابية في الذات الإنسانية، وقيم التفاؤل والسعادة والحب والعمل والإبداع والموهبة والمهارات الاجتماعية البناءة.

الصفحة8

        ويبرز من خلال تتبع تلك التعريفات إنها تنطلق بحسب المدرسة الفكرية التي تتعاطي معها في فهم البناء النفسي للإنسان، فالتعريفات التي تركز على السلوك تنخرط في اطر المدرسة السلوكية، والتعريفات التي تركز على العقل والتعلم المستند إلى الدماغ ومهارات التفكير هي المدرسة المعرفية، والتعريفات التي تؤكد على تحقيق الذات والتفرد وعدم الخضوع للبيئة، تعود للمدرسة الإنسانية في علم النفس والتعريف الأخير الذي يؤكد على الحب والسلام والسعادة والتفاؤل والقيم البناءة في السلوك الإنساني، تعود لحركة علم النفس الإيجابية التي بدأت تنشر مفاهيمها النفسية في عام (2000) من خلال العالمان مارتن سیلجمان، عبر النشر الصحفي. 

         وفي هذا توطئة للرأي الذي يؤكد على أن فهم علم النفس، ينطلق من خلال فهم كافة تفرعاته، وهذا الرأي أكد عليه كانيغلام في دراساته في فلسفة العلوم وتاريخها، وإن كان هذا الرأي ينطوي على مساحة فلسفية في التعاطي مع ماهية علم النفس، ويقدم هذا المنحى وجهة نظره حول ماهية علم النفس من خلال بيان وحدة مجال هذا العلم رغم تعدد المشاريع المنهجية، وهذا الذي أشار إليه لاغاش (7194) ردا على مسألة طرحها (كلاباريد،193)، إن البحث من وحدة علم النفس يتم هنا ضمن إطار تحديده الممكن كنظرية عامة في التصرف، أي كتأليف بين علم النفس التجريبي وعلم النفس العيادي وعلم النفس التحليلي وعلم النفس الاجتماعي وغير ذلك، ولكننا حين نمعن النظر في ذلك، فإننا نتساءل عما إذا كانت هذه الوحدة أقرب إلى ميثاق تعايش سلمي معقود بين محترفين منها إلى جوهر منطقي هو حصيلة بروز خط ثابت وسط تغير الحالات فمن بين التيارين اللذين يبحث الأستاذ لاغاش عن اتفاق متين بينهما: الاتجاه الطبيعي ( علم النفس التجريبي) والاتجاه الإنساني( علم النفس العيادي)، يبدو لنا وكأن الاتجاه الثاني يتمتع في نظره، بمكانة أفضل، وبالفعل لا يمكن اعتبار علم النفس تجريبيا إلا من جهة منهجه وليس من جهة موضوعه، في حين أنه، وبالرغم من المظاهر يتحدد علم نفس ما كعلم نفس عيادي، تحليلي، اجتماعي أو أثنولوجي بالنظر إلى موضوعه أكثر مما يتحدد بالنظر إلى المنهج، وتدل كل هذه الصفات على موضوع واحد للبحث هو الإنسان بما هو كائن طلق اللسان أو صموت، الإنسان بما

الصفحة9


هو كائن اجتماعي أو لا اجتماعي هل نستطيع عندئذ أن نتكلم بدقة عن نظرية عامة في التصرف طالما لم تحل بعد مسألة معرفة ما إذا كانت ثمة استمرارية أو قطيعة بين اللغة الإنسانية و اللغة الحيوانية، بين المجتمع الإنساني والمجتمع الحيواني ؟ وفي هذه النقطة، قد يرجع القرار لا إلى الفلسفة، بل إلى العلم أي في واقع الأمر إلى عدة علوم بما فيها علم النفس، ولكن لا يستطيع علم النفس حينذاك، لكي يعرف نفسه، أن يحكم مسبقا على ما هو مدعو للحكم بشأنه؛ وإلا فلا مفر لعلم النفس، حين يطرح نفسه كنظرية عامة في التصرف، من أن يتبنى فكرة ما عن الإنسان. عندئذ يجب السماح للفلسفة بأن تسأل علم النفس من أين أتى بهذه الفكرة، أو ليست هذه الفكرة أساسا وليدة فلسفة ما؟.

http://www.edunet.tn/ressources/resdisc/philo/philoelev/lettres/Rs/rsh/txt2.htm

     وتحليلات كانيغلام تدور في أفاق اللغة الفلسفية في فهم علم النفس، من خلال امتدادت جسده في الأغراض التي يحققها للإنسانية، ولململتها في منظومة فكرية واحدة، تجسد حقيقة علم النفس، والوظيفة الحيوية التي يقدمها للإنسانية.

أهمية علم النفس وميادينه

       يهتم علم النفس بفهم الإنسان ومحاولة تغيير أو تعديل سلوكه، كما أن الغرض الرئيسي لكل علم ومن بينها علم النفس؛ وصف الظواهر التي يدور حولها مجال بحثه؛ وفهمها وأسباب ظهورها، أي أن العم يمر بمرحلتين وله جانبين:

ا .    علم النفس قبل أي علم له ناحية نظرية تتمثل في دراسة الظواهر النفسية التي تتضح في السلوك الخارجي؛ بغرض التوصل إلى القوانين العامة أو المبادئ التي تحكم هذه الظواهر.

ب.   ناحية تطبيقية تتمثل في الاستفادة من هذه القوانين في التحكم في السلوك الإنساني، وتغييره وتوجيهه التوجيه السليم.

      ومن بين اهتمامات علم النفس تصميمه لمقاييس السلوك العادي في مقابل السلوك

المرضى، ووضع حلول لكثير من المشاكل اليومية. 

الصفحة10


        وتظهر أهمية علم النفس وفوائدها بصورة أوضح إذا ما استعرضنا فروعه أو میادینه :

علم النفس العام:

     وهو مدخل لكل العلوم النفسية، يهتم بدراسة المبادئ و القوانين العامة لسلوك الإنسان الراشد السوي ويحاول أن يستخلص الأسس السيكولوجية العامة للسلوك الإنساني؛ التي تصدق بوجه عام على جميع الأفراد؛ وبصرف النظر عن الحالات الخاصة أو المواقف الاجتماعية الخاصة التي قد تختلف من فرد إلى آخر، فهو يدرس مفاهيم في السلوك وسمات مهمة في الشخصية، وقوانين التعلم، ومنظومة المبادئ في التعلم التي تستند إلى الدماغ، وتوظيف الذاكرة إيجابياً، ومبادئ التفكير، والدوافع والانفعالات، والعوارض النفسية التي تحدث خللاً في البناء الشخصي، والصحة النفسية السوية.

علم النفس الفسيولوجي:

           يعني بوجه عام بدراسة الأساس الفسيولوجي للسلوك الإنساني، والجهاز العصبي ووظائفه المتنوعة، وحدوث الإحساس، وكيف ينتقل التيار العصبي في الأعصاب، واليات سيطرة المخ على الشعور و السلوك، ويدرس أيضاً الوظائف المختلفة للغدد الصماء وغير الصماء، وكيفية تأثيرها على السلوك، ويعنى بالأساس الفسيولوجي للدوافع، وغير ذلك من الميكانزمات العصبية للنشاط النفسي.

علم النفس الفارقي: 

      يهتم بدراسة الفروق بين الأفراد و الجماعات والسلالات والأجناس، ويقف على أسباب تلك الفروق وطريقة تكوينها والعوامل المؤثرة فيها، ويستخدم علماء النفس في هذه الدراسة الاختبارات والمقاييس السيكولوجية المختلفة، لقياس الذكاء والقدرات العقلية المختلفة.

الصفحة11

علم نفس الطفل أو النمو :

   يعنى بدراسة نمو الطفل و المراحل المختلفة التي تمر بها عملية النمو، و العوامل التي تؤثر فيها، و الخصائص العامة التي تميز مراحل النمو، وتمدنا هذه الدراسات بكثير من المعلومات التي تجعلنا أكثر قدرة على فهم شخصية الطفل وسلوكه ودوافعه، واتجاهاته في مراحل حياته المختلفة، وتجعلنا أقدر على توجيهه وتربيته.

علم النفس الاجتماعي: 

 يهتم بصفة خاصة بدراسة علاقة الفرد بالجماعة، وعلاقة الجماعات بعضها ببعض، والتفاعلات الاجتماعية، فهو يهتم بدراسة التنشئة الاجتماعية للفرد، وكيفية تأثره بالنظام الاجتماعي والحضارة بالثقافة التي ينشأ فيها، وكيف يؤثر ذلك في تكوين اتجاهاته واعتقاداته وميوله، وهو يدرس سيكولوجية الجماهير والرأي العام والدعاية.

علم النفس التطبيقي:

      پدرس تطبيق القوانين النفسية التي توصل إليها علماء النفس في مجالات الحياة المختلفة، ومن فروعه علم النفس التربوي، علم النفس الصناعي والتجاري و الجنائي والحربي و الأكلينكي.

الصفحة12


ماهية علم النفس في ضوء التصور الإسلامي

         ويستمد هذا التصور من النصوص القرآنية العطرة، ونصوص السنة الشريفة، في ضوء تناولهما للنفس الإنسانية، في أطر إيجابية بناءة تستهدف تحقيق الأمن والطمأنينة والسكينة في أعماقها، والتفاعل الإيجابي الهادف في الحياة، والصورة الحضارية للمجتمع المسلم في ظل منظومة قيم ربانية خالدة.

     وفي نصوص القرآن الكريم، تطلق النفس على الذات الإنسانية، فالذات الإنسانية مرآتها النفس وهي تعكس ما فيها من السلوك العاقل والانفعالي، وفي ضوء تلك النفس تتبرمج الذات في سلوكها للآخرة في الدنيا.

     قال تعالى: ( إِنَّ السَّاعَةَ وَانِيَةً أَكَادُ أُخَفِيهَا لِتُجْرَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى )

 (طه :10  ).

           ويشير النص هنا إلى أنه ستتاب كل نفس امتحنها ربها بالعبادة في الدنيا بما تسعى، يقول: بما تعمل من خير وشر، وطاعة ومعصية (الطبري، 1984، 16/153). 

   وقال تعالى: ( أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَنحَسْرَى عَلَىٰ مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّخِرِينَ ) (الزمر:56).

ويقول السعدي (727.2002) أي تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله، أي: في جانب حقه، وإن كنت في الدنيا لمن الساخرين في إتيان الجزاء، حتى رأيته عياناً. وقال تعالى ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) (العنكبوت :(57

بمعنى أن كل نفس حية ذائقة الموت، ثم إلينا بعد الموت تردون وهكذا كل نفس منفوسة من خلقه، معالجة غصص الموت ومتجرعة كأسها. (الطبري، 1984،24/17)

الصفحة13

   ويشير النص إلى أن الموت لا بد أن ينزل بالعباد ثم ترجعون إلى ربكم، فيجازي من أحسن عبادته وجمع بين الإيمان والعمل الصالح بإنزاله الغرف العالية، والمنازل الأنيقة الجامعة لما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، وأنتم فيها خالدون (السعدي 2002،635). 

           وقال تعالى : ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرُ) (الحديد :22)

         يشير النص إلى أن ما أصابكم أيها الناس من مصيبة في الأرض يجدوبها وقحوطها، وذهاب زرعها وفسادها ولا في الفُسِكُم بالأوصاب والأوجاع والأسقام إلا في كتاب يعني إلا في أم الكتاب مِنْ قَبل أن نبرأ الأنفس، يعني من قبل أن تخلقها (السعدي 2002،842).

 قال تعالى ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبَّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مِّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) (الأنعام : 164 ).

    ويشير النص إلى انه لا تكسب كل نفس إلا عليها أي لا يؤخذ بما أنت من المعصية وركبت من الخطيئة سواها، قال علماؤنا المراد من الآية تحمل الثواب والعقاب، بدلالة قوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى (القرطبي، 1954، 7/156).

وقال تعالى: ( إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّا عَلَيْهَا ) (الطارق:4).

       أي أن كل نفس لعليها حافظ من ربها يحفظ عملها، ويخصي عليها ما تكسب من خير أو شر، وروي عن ابن عباس قوله: «إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْها حافِظ، قال: كل نفس عليها حفظة . من الملائكة (الطبري، 1984،141/30).

وقيل معناها أن يحفظ عليها أعمالها الصالحة ،والسيئة، وستجازى بعملها المحفوظ

عليها (السعدي، 2002،929).

الصفحة14


وقال تعالى ( يَتَأَيُّها النَّفْسُ الْمُطْمَينَةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةٌ

فَادْخُلِي فِي عِبَيدِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ) (الفجر: 27-30).

       وهنا يا أيتها النفس المطمئنة، يعني بالمطمئنة التي اطمأنت إلى وعد الله الذي وعد أهل الإيمان به في الدنيا من الكرامة في الآخرة، فصدقت بذلك، ويرى ابن عباس له بأنها المصدقة (الطبري، 1984، 30/190).

      وقال ابن كثير (1991، 4/ 125) فأما النفس الزكية المطمئنة . وهي الساكنة الثابتة

    الدائرة مع الحق فيقال لها: ( يَتَأَيَّها النَّفْسُ الْمُطْمَينَةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ)، أي إلى جواره وثوابه وما أعد لعباده في جنته {راضية} أي في نفسها{ مرضيةً} أي قد رضيت عن الله ورضي عنها وأرضاها، فادْخُلِي فِي عِبَادِى، أي في جملتهم، وأدخلي جنبي، وهذا يقال لها عند الاحتضار وفي يوم القيامة أيضاً، كما أن الملائكة يبشرون المؤمن عند احتضاره وعند قيامه من قبره.

         وقال تعالى ( وَمَا أُبَرِئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبي

إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (يوسف:53). 

        أي: لكثيرة الأمر لصاحبها بالسوء، أي: الفاحشة، وسائر الذنوب، فإنها مركب

الشيطان، ومنها يدخل على الإنسان (السعدي، 2002،400).

        وقال تعالى ( يَتَأيُّها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (النساء:1).

   وفي الإخبار بأنه خلقهم من نفس واحدة، وأنه بثهم في أقطار الأرض، مع رجوعهم إلى أصل واحد، ليعطف بعضهم على بعض، ويرفق بعضهم على بعض. وقرن

الصفحة15


الأمر بتقواه، بالأمر يبر الأرحام والنهي عن قطيعتها، ليؤكد هذا الحق. وإنه كما يلزم القيام بحق الله، كذلك يجب القيام بحقوق الخلق، خصوصاً الأقربين منهم، بل القيام بحقوقهم، هومن حق الله الذي أمر به. (السعدي، 2002،163).

     ويقول القرطبي بأن النفس هي الروح في تفسيره قوله تعالى: ( اللهُ يَتَوَلَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) (الزمر: 42) أي الأرواح (القرطبي، 1954، 1/368).

أقوال العلماء في النفس

         تاتي النفس بمعنى اللاشعور، وحديث الذات، وتغلغل الأفكار فيها إذ يقول أبن دقيق العيد إن حديث النفس على قسمين أحدهما ما يهجم هجما يتعذر دفعه عن النفس والثاني ما تسترسل معه النفس )الشوكاني 1973، 1/176).

   ومن ذلك الوسوسة، وهي حديث النفس والأفكار (الجرزي، 1979،5/185). 

   وتأتي بمعنى فكرة تتغلل في الذات والتحقيق أن العشق شدة ميل النفس إلى صورة تلائم طبعها، فإذا قوى فكرها فيها، تصورت حصولها وتمنت ذلك، فيتجدد من شدة الفكر مرض" (الجوزي، 1962، 1/293).

وتأتي بمعنى الداعية إلى الشهوة لكن إذا علم التحريم فاعتقده أثيب على اعتقاده، وإذا ترك ذلك مع دعاء النفس إليه أثيب ثوابا آخر، كالذي تدعوه نفسه إلى الشهوات فينهاها، كالصائم الذي تشتهي نفسه الأكل والجماع فينهاها، والذي تشتهي نفسه شرب الخمر والفواحش فينهاها، فهذا يثاب ثوابا آخر، بحسب نهيه لنفسه، وصبره على المحرمات واشتغاله بالطاعات التي ضدها (ابن تيمية، د.ت، 1/59).

    والنفس أنواع فهذه القسمة الثلاثية كما قيل الأنفس ثلاث؛ أمارة ومطمئنة ولوامة، فالأولون هم أهل الأنفس الأمارة التي تأمرهم بالسوء، والأوسطون هم أهل النفوس المطمئنة التي قيل ( يَتَأَيُّها النَّفْسُ الْمُطْمَينَةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةٌ

الصفحة16


فَادْخُلِي فِي عِبَدِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ) (الفجر: 27-30)، والآخرون هم أهل النفوس اللوامة التي تفعل الذنب ثم تلوم عليه وتتلوم تارة كذا وتارة كذا أو تخلط عملا صالحا وآخر سيئا، وهؤلاء يرجى أن يتوب عليهم إذا اعترفوا بذنوبهم (ابن تيمية، (251/2,1982

ومن ذلك أيضاً، ما ذكره القرطبي " إن هناك نفس مؤمنة ونفس كافرة، في تفسيره

 قوله تعالى ( وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَعَةٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ) (البقرة :(133)، وهنا ترتبط بأنواع النفس (1954، 1 /379 ).

    وتاني بمعنى سكينة الروح واستقرارها ففي رثاء محمد بن الحجاج، قال الحجاج يرثيه وحسبي بقاء الله من كل ميت، وحسبي بقاء الله من كل هالك، إذا ما أتيت الله عني راضيا، فإن شفاء النفس فيما هنالك (الجوزي، 1938، 6/302).

     وتأتي بمعنى أداة ضبط الذات إن النفس إذا أطمعت طمعت، وإذا فوضت إليها أساءت، وإذا حملتها على أمر الله صلحت، وإذا تركت الأمر إليها فسدت، فاحذر نفسك واتهمها على دينك وأنزلها منزلة من لا حاجة له فيها ولا بد له منها، وإن الحكيم يذل نفسه بالمكاره حتى تعترف بالحق، وإن الأحمق بخير نفسه في الأخلاق فما أحبت منها أحب، وما كرهت منها كره (الجوزي، 1962، 1/42).

   وتأتي بمعنى الإرادة الواعية ففي قوله تعالى ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ يَجِدْ لَهُ عَزْماً ) فالعزم في اللغة توطين النفس على الفعل  (الجوزي، 1981،5/328)

           ولما كان هذا العلم بهذه المنزلة الشامخة الأركان ،العالية البنيان ،المرتفعة المكان ،رغبت إلى الدخول من أبوابه، ونشطت إلى القعود في محرابه، والكون من أحزابه، ووطنت النفس على سلوك طريقة (الشوكاني، د.ت، 1/12). 

الصفحة 17


            وتأتي بمعنى مادة الخلق " فهناك فرق بين الصبر والقسوة، فالصبر خلق كسبى يتخلق به العبد وهو حبس النفس عن الجزع والهلع والتشكي، فيحبس النفس عن التسخط واللسان عن الشكوى، والجوراح عما لا ينبغي فعله، فالصبر ثبات القلب على الأحكام القدرية والشرعية، وأما القسوة فيبس في القلب يمنعه من الانفعال، وغلظة تمنعه من التأثير بالنوازل، فلا يتأثر لغلظته وقساوته، لا لصبره واحتماله وتحقيق هذا أن القلوب ثلاثة؛ قلب قاس غليظ بمنزلة اليد اليابسة، وقلب مائع رقيق جدا، فالأول لا ينفعل بمنزلة للحجر، والثاني بمنزلة الماء، وكلاهما ناقص، وأصح القلوب القلب الرقيق الصافي الصلب، فهو يرى الحق من الباطل بصفاته ويؤثره برقته، ويحفظه ويحارب عدوه بصلابته، وفي الأثر القلوب آنية الله في أرضه فاحبها إليه أرقها وأصلبها وأصفاها وهذا القلب الزجاجي؛ فإن الزجاجة جمعت الأوصاف الثلاثة، وابغض القلوب إلى الله القلب القاسي، قال تعالى (فَوَيْلٌ لِلْقَسِيَةِ قُلُوهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أَوَلَتَبِكَ في ضَلَالٍ مُّبِين ) (الزمر: 22)، وقــال تعالى (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةٌ ) وقــال تعالى ( لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَنُ فِتْنَةٌ لِلَّذِينَ فِي قُلُوهِم مِّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّلِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) (الحج: 53)، فذكر القلبين المنحرفين عن الاعتدال، هذا بمرضه، وهذا بقسوته، وجعل القاء الشيطان فتنة لأصحاب هذين القلبين، ورحمة الأصحاب القلب الثالث؛ وهو القلب الصافي الذي ميز بين القاء الشيطان وإلقاء الملك بصفاته، وقبل الحق بإخباته ،ورقته، وحارب النفوس المبطلة بصلابته وقوته، فقال تعالى عقيب ذلك ( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخَبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (الحج:54). (ابن القيم،1975 ، 1/242).

الصفحة18


       وفي ذلك أيضاً أن من أخلاق الأنبياء جهد النفس وقمعها من الشهوات ومنعها تطاولها( القرطبي ،1954 ،1 /327)، فهنا ترتبط بمادة الخلق.

      وفي ارتباط البدن بالنفس أن هذا البدن المشاهد محل لجميع صفات النفس وإدراكاتها الكلية والجزئية ومحل للقدرة على الحركات الإرادية، فوجب أن يكون الحامل لتلك الإدراكات والصفات هو البدن، وما سكن فيه أما أن يكون محلها جوهرا مجردا لا داخل العالم ولا خارجه فباطل بالضرورة، والنفس لو كانت مجردة عن الجسمية والتحيز، لا متنع أن يتوقف فعلها على مماسة محل الفعل لأن ما لا يكون متحيزا، يمتنع أن يصير مماسا للمتحيز، ولو كان الأمر كذلك، لكان فعلها على سبيل الاختراع من غير حاجة إلى حصول مماسة وملاقاة بين الفاعل وبين محل الفعل، فكان الواحد منا يقدر على تحريك الأجسام من غير أن يماسها أو يماس شيئا يماسها، فإن النفس عندكم كما كانت قادرة على تحريك البدن من غير أن يكون بينها وبينه مماسة، كذلك لا تمنع قدرتها على تحريك جسم غيره من غير ماسة له، ولا لما يماسه وذلك باطل بالضرورة، فعلم أن النفس لا تقوى على التحريك إلا بشرط أن تماس محل الحركة، أو تماس ما يماسه وكل ما كان مماسه للجسم أو لما يماسه فهو جسم، فإن قيل يجوز أن يكون تأثير النفس في تحريك بدنها الخاص غير مشروط بالمماسة، وتأثيرها في تحريك غيره موقوف على حصول المماسة بين بدنها وبين ذلك الجسم، فالجواب أنه لما كان قبول البدن لتصرفات النفس لا يتوقف على حصول المماسة بين النفس وبين البدن وجب أن تكون الحال كذلك في غيره من الأجسام، لأن الأجسام متساوية في قبول الحركة ونسبة النفس إلى جميعها سواء، لأنها إذا كانت مجردة عن الحجمية وعلائق الحجمية، كانت نسبة ذاتها إلى الكل بالسوية، ومتى كانت ذات الفاعل نسبتها إلى الكل بالسوية والقوابل نسبتها إلى ذلك الفاعل بالسوية كان التأثير بالنسبة إلى الكل على السواء، فإذا استغنى الفاعل عن مماسة محل الفعل في حق البعض، وجب أن يستغني في حق الجميع، وإن فتقر إلى المماسة في البعض (ابن القيم، 1975، 1/195).

وفي ماهية النفس والروح فالناس اختلفوا في معرفة الأرواح ومحلها من النفس، فقال بعضهم الأرواح كلها مخلوقة، وهذا مذهب أهل الجماعة والأثر، واحتجوا بقول النبي

الصفحة 19


صلى الله عليه وسلم الأرواح جنود مجنده، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، والجنود المجندة لا تكون إلا مخلوقة، وقال بعضهم الأرواح من أمر الله أخفي الله حقيقتها وعلمها عن الخلق، واحتجوا بقول الله تعالى: ( وَيَسْتَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) (الإسراء:85). (ابن القيم، 1975، 1/144).

    وفي ارتباط النفس ببذل الجهد فجهاد النفس؛ أربع مراتب أيضا، إحداها أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها عمله شقيت في الدارين والثانية أن يجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها، والثالثة أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات، ولا ينفعه علمه، ولا ينجيه من عذاب الله والرابعة أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق، ويتحمل ذلك كله الله، فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق  أن يسمى ربانيا، حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه فمن علم وعمل وعلم، فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات، وأما جهاد الشيطان فمرتبتان إحداهما جهـاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان، والثانية جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات؛ فالجهاد الأول يكون بعده اليقين؛ والثاني يكون بعده الصبر، قال تعالى: ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أيمة يهدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِايَتِنَا يُوقِنُونَ )، (السجدة:24) فأخبر أن إمامة الدين إنما تنال؛ بالصبر واليقين؛ فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة؛ واليقين يدفع الشكوك والشبهات. (ابن القيم، 1986،3/10).

وفي ارتباط النفس بقوام الشخصية قوله صلى الله عليه وسلم: كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها وخرج الإمام أحمد وابن حبان من حديث كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الناس غاديان فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها، وفي رواية

الصفحة 20


أخرى خرجها الطبراني: الناس غاديان ؛ فبائع نفسه فموبقها، وقائد نفسه فمعتقها، وقال الله عز وجل: ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوْنَهَا فَأَهْمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَنَهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّنَهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّها ) ، (الشمس: (7-10 (، والمعنى قد أفلح من زكي نفسه بطاعة الله، وخاب من دساها بالمعاصي، فالطاعة تزكي النفس وتطهرها فترتفع بها، والمعاصي ندسى النفس وتقمعها فتنخفض، وتصير كالذي يدس في التراب، ودل الحديث على أن كل إنسان؛ إما ساع في هلاك نفسه، أو في فكاكها، فمن سعى في طاعة الله فقد باع نفسه الله وأعتقها من عذابه، ومن سعى في معصية الله تعالى، فقد باع نفسه بالهوان وأوبقها بالآثام الموجبة لغضب الله وعقابه. (الحنبلي، 1987، 1/220).

وفي ارتباط النفس بالسلوك الدلالة الآتية أن الخشوع هو هيئة النفس تظهر فيها الجوارح في سكون وتواضع، وقال قتادة الخشوع في القلب وهو الخوف وغض البصر، فهنا ترتبط بقوام السلوك أو المادة المولدة للسلوك (القرطبي،1954).

ووردت في الأثر بمعنى المكنونات والأعماق قال سعيد بن جبير، في قوله تعالى: (أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ )( (الإسراء: 51)، كونوا الموت إن استطعتم،

فإن الموت سيموت قال وليس شيء أكبر في نفس ابن آدم من السموت. (الطبري.1984).

الصفحة21


رؤية مقارنة بين التصور الإسلامي والرؤية الوضعية للنفس الإنسانية 

          يرتبط فهم النفس البشرية، بالإياب إلى خالقها الباري، قال تعالى: ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ

خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ) ، (الملك:14) ، وهناك حقيقة هامة مفادها، انه لو اتبعت تعاليم الله عز وجل وقيم الدين الإسلامي الحنيف بروح صادقة، فأنها تخلق أفرادا لا يعانون على الإطلاق من الصراعات والإحساس بالذنب، بل أفرادا يتمتعون باستقرار عاطفي، ويكونون مجتمعا صحيا مستقرا، لذلك هناك حاجة ماسة لتكوين لجنة خاصة لتطوير علم النفس الإسلامي، ونظرية الشخصية والاختبارات النفسية الضرورية لكي تستخدم في العيادات النفسية، وفي التعليم للأمة الإسلامية في مختلف بقاع العالم.

  ويقدم الإسلام برنامجا عالميا لمنع الأمراض العقلية والنهوض بالصحة النفسية للجنس البشري، لأنه لا يخفى أن هناك ارتباط بين التوحيد والاستقرار النفسي، يقول تعالى ( أمن تجيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أُولَةٌ معَ اللهِ قَلِيلا ما تَذَكَّرُونَ ) (النمل :62)، فالله تعالى هو المستحق لإفراده بالعبودية والخلق، لذا يجب أن ينقى القلب من شوائب الشرك، والتعلق بالغير تدبيرا ورجاء وخوف لأن في ذلك الرزية والمحنة والشدة، كما أشار إلى ذلك الأمام الرازي، والسعادة في أن تعول الأمر في التدبير والخلق والعبودية والمحبة والرجاء والخوف الله تعالى، ومن هنا وجبت الطاعة والامتثال لمنهجه تعالى في الأرض، على اعتبار أن الإنسان خليفة الله في الأرض فالله هو الواحد الذي يعبد ويطاع وليس للإنسان سيد آخر غير الله جل جلاله، وليس هناك بين الناس سيد وعبد، فلا يعترف الإسلام في عقيدته بحاكم مطلق أو ديكتاتور مطلق، فلا أسياد ولا عبيد في الجهات الأرضية، ولهذا لا مكان للظلم في المجتمع الإسلامي، لأن قواعد السلوك السليمة للمؤمنين جاءت في القرآن كما قال تعالى: ( يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا

الصفحة 22


الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَتَزَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَالِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) (النساء: 59).

ويؤسس المجتمع المسلم مجتمعنا من المؤمنين، تتسم العلاقات بين افرداه بالتواد والتحاب والتناصح، وإسناد كل منهم للآخر، إذ أوصت النصوص القرآنية، على أن يخفض المؤمن جناحه لأخيه المؤمن، قال تعالى : ( يَتَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَن يَرْتَدٌ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ تُحِهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَفِرِينَ جهدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تَخَافُونَ لَوْمَةَ لَابِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعُ عَلِيمٌ) (المائدة:54)، وان يبادر إلى أداء حقوقه عليه من مؤازرته وعدم خذلانه وظلمه، ويصون ماله وعرضه ونفسه ولا يتعدى عليهم، فالمجتمع المسلم مجتمع متحاب متراص متكافل. 

           ومن الجدية بمكان الإشارة إلى أن الدراسات النفسية في ضوء الفكر الإسلامي، تحتاج إلى إثراء، في  ضوء الاتجاهات الحديثة في علم النفس، وبالأخص مع بروز احدث حركة في علم النفس التي تعنون بحركة علم النفس الإيجابي، ففي عام 2000 اصدر العالمان مارتن سیلجمان(seligmam.2000) وزميله(casiszentmihalyi) ،مجلة متخصصة برؤاهم النظرية حول ارتباط الإيجابية بعلم النفس، حيث يتطلع هذان العالمان إلى الأشياء الإيجابية التي يمكن لعلم النفس أن يحققها للبشرية، وقد بدأت أبحاث هذه الحركة تدور حول البنود الآتية:

الصفحة23


    ومن هنا فإن ما تحتاجه البشرية اليوم هو فهم للسلوك البشري بطريقة علمية في ضوء القرآن والحديث، وان علي علماء النفس المسلمين وكذلك المحللين النفسيين ومن يعملون في مختلف جوانب المهنة تطوير علم النفس الإسلامي ووضع خطوط عريضة ترشد الأمة الإسلامية وبهذا يحولون المجهول إلى معلوم ويبدلون الجهل بالمعرفة، فلقد جاء الوقت الذي يستعين فيه على المسلمين العاملين في العلوم الاجتماعية عامة وعلماء النفس المسلمين خاصة أن يتقدموا مستعينين بمواردهم وعملهم للعمل من أجل تحقيق الغايات الآتية: 

(www.islamset.com)

ومن الحقائق العلمية أننا عندما نواجه آلة جديدة فلن يمكننا أن ندرك طريقة تشغيلها بمجرد النظر إليها، والأسلوب الصحيح هو دراسة برنامج أو إرشادات الشركة المنتجة لنتعرف على طريقة الاستخدام، وهذا هو المبدأ نفسه ينطبق على دراسة السلوك

الصفحة24


البشري فإن الله سبحانه وتعالى قد علم الإنسان ووضع له معايير السلوك البشري، أن هذه التعاليم والمعايير أرسلت مرارا وتكرار للجنس البشري عن طريق الأنبياء والرسل ومنهم سيدنا إبراهيم وموسى وعيسي عليهم السلام، وأخيرا اكتملت على يد سيدنا محمد، ومن غير المعقول أن ننسى ونترك تعليمات الخالق وإرشاداته ثم ندعي وضعنا نظريات نفسية بصورة موضوعية وشاملة.

    ومن وجهة النظر الإسلامية يمكن تقييم الإنسان عن طريق علاقته بالله والكون كله، أن الاختبارات النفسية الموضوعة في الحضارة الغربية إذا طبقت في بيئة وثقافة مختلفة، فإنها تظهر التمييزات العنصرية والثقافية والدينية أكثر من إظهارها للمميزات والخصائص الشخصية لمن يجري عليه الاختبارات، لذلك فنحن في حاجة ماسة لتطوير علم نفس إسلامي، وبناء نظرية إسلامية للشخصية وفهم السلوك البشري في ضوء القرآن الكريم والحديث، لذا فإن من واجب عالم النفس المسلم أن يدمج معارفه واكتشافاته النفسية ويؤصلها في ضوء التصور الإسلامي أن تكوين مثل هذه المعرفة المتناسقة، ثم تطبيقها في مختلف مجالات الحياة، ستؤدي بنا إلى مجتمع خال من الصراعات وبهذا يكون علم النفس الإسلامي في نفسه نوعا من الاجتهاد في مواجهة التحديات التي تفرزها عصر العولمة والانفجار المعرفي وثورة الاتصالات اللامحدودة.

وهناك ارتباط بين الإسلام وفقه النفس الإنسانية، لأن من جذور معنى كلمة الإسلام هي أن يدخل المؤمن في سلام مع ربه ومع الناس، يقول تعالى ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَأَغْخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ) (النساء: (125). ويقصد بإسلام الوجه هنا أي أخلص دينه الله وخضع له وتوجه إليه بالعبادة (القرطبي، 1954، 5/399).

فالعبادات تسهم في تحقيق الذات وتدعيمها معنوياً، وهي عنوان الفلاح وقمة الإنجاز، يقول تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَشِعُونَ )

الصفحة 25


(المؤمنون: 1-2) واستعملت كلمة الفلاح لتحمل مفهوم التكوين الذاتي الكامل. ومن خلال الصلاة اليومية المنتظمة ونمو الذات يستطيع الإنسان أن يشكل تكيفه مع ضغوطات الحياة.

    ويسهم الإسلام، في دفع الاكتئاب والإحباط، وقد اكتشف اثر ذلك طبياً، فإن إنكار احتمال الموت في غرفة الإنعاش القلبي يزيد معدل الحياة في كثير من الأبحاث، وكثير من الاهتمام يوجه في هذه المواقف الطبية، إلى التركيز على الأفكار الإيجابية والثقة في الشفاء النهائي، لأن ذلك انعكاس هام ليس فقط في أحداث استرخاء، في وظائف الأعضاء، ولكن أيضا في مساعدة المريض في الصمود عن طريق تجاهل الحقائق التي تصاحب حالته، ولا يخفى اثر ذلك في تحقيق الصحة النفسية في حياة الأفراد ومساعدتهم على التغلب على ما يواجههم من عقبات واحباطات في الحياة.

 وهناك ارتباط بين الأخلاقيات وعلم النفس الإسلامي، لأنها تعتبر انعكاس له في السلوك الفردي والاجتماعي، فيقصد بالأخلاق في المفهوم الإسلامي؛ إن تقمع رغباتك وتخضع نفسك، وتخالف هواك، وتحكم شهواتك، لتفوز بوتبتك ومنزلتك العظيمة كخليفة الله ووارث للكون المسخر من أجلك، فأنت لا تستحق هذه السيادة على العالم؛ إلا إذا استطعت أولا أن تسود نفسك وتحكم مملكتك الداخلية.

(www.islamset.com)

   والأخلاق الدينية بهذا المعنى خروج من عبودية النفس إلى مرتبة عليا هي القرب من الرب، وهي ليست دعوة إلى حسن توزيع اللذات، وإنما دعوة إلى الخروج من اسر اللذات.

      وفي علم النفس الإسلامي فإن هناك سمات معينة للإنسان المؤمن، فهو تركيب نفسي مختلف، وأخلاقية مختلفة، ورؤية مختلفة، فهو يرى أن اللذات الدنيوية زائلة، وأنها مجرد امتحان إلى منازل ودرجات وراءها، وان الدنيا مجرد عبور إلى تلك المنازل، وان الله هو الضمان الوحيد في رحلة الدنيا والآخرة وانه لا حاكم سواه، لو اجتمع الناس على أن يضروه لما استطاعوا أن ينفعوه إلا بشيء كتبه الله عليه، ولهذا فهو لا يفرح لكسب ولا

الصفحة26


يأسي على خسران، وإذا دهمه ما يكره قال في نفسه ) وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (البقرة : 217).

       والتوحيد يجمع عناصر نفسه ويوحد اتجاه مشاعره لمحو مصدر واحد للتلقي، فهو لا يخاف إلا واحدا ولا يطمع إلا في واحد ولا يتقي إلا واحدا ولا يتقرب إلا لواحد، فيؤدي هذا التوحيد إلى أثر تركيبي في بناء الشخصية، فلا تتوزع مشاعره ولا تنقسم نفسه ولا تتشتت همته

(www.islamszt.com)

ماهية النفس الإنسانية

       إن الباحث المتتبع لماهية ما دار في التاريخ البشري، حول النفس الإنسانية والروح، ومعانيها، يجد فوضى فكرية في هذا الصدد، واختلافات في ذلك قديما وحديثاً، إذ هناك من يقول إنها جوهر روحاني متميز في حقيقته عن عالم المادة وهذا نجده عند الفلاسفة العقليين منذ أيام اليونان أفلاطون وأرسطو.

   وتناول المعتزلة موضوع البحث في النفس والروح، فسئل ابراهيم النظام: أي أمور الدنيا أعجب ؟ فأجاب :الروح، وكان لا يفرق بين ما يسمى الروح و النفس، ويقول إن الإنسان على الحقيقة هو الروح، وإنها جوهر لطيف سار في البدن كله، مشابك له! أو مداخل، كما يسرى الماء في الورد والنفس هي التي تدبر البدن، وهي التي تحس وتدرك وتفعل، والبدن آلة لها، وهو قيد، إن كان مصدر مواقف الأفعال الاختيارية عند الإنسان.

    ومن أولئك المعتزلة من ذهب إلى أن النفس جزء لا يتجزأ أي جوهر فرد يحرك البدن ويديره ولا يماسه، أو رأى أن الإنسان جسد وروح معا، وأن أفعال الإنسان لهما معا.

    لكن كان هناك من تصور أن النفس عرض كسائر أعراض الجسم، وأن الإنسان هو هذا المركب العضوي الذي نشاهده، وأنكر الوجود المستقل للنفس أو الروح، وقال أنههما هما البدن.

الصفحة27


       فإذا انتقلنا إلى ديكارت فالنفس عنده جوهر مفكر غير مادي، وهو يدرك وجود

ذاته في فعل التفكير وعبارته المأثورة هي أنا أفكر إذن أنا موجود، ومثل ديكارت الفيلسوف الفرنسي أيضا برجسون، الذي يرى أن الإنسان يدرك ذاته في وجودها الروحاني مباشرة، وغيره من الفلاسفة الروحانيين، وهناك من يقول بوجود النفس، لكنه يرى أن الإنسان لا يدرك ذاته الداخلية مباشرة، وإنما يدرك أحوالها، وهذا قول الفيلسوف الألماني کنت، وهناك من يتشكك في المعرفة بوجود مستقل للنفس، ويرى أن الإنسان إنما يدرك في ذاته جملة من التصورات أو الأحوال النفسية أو العواطف، ثم يفسر فكرة النفسي؛ بأنها تنشا عن إدراك الارتباط بين هذه الأشياء، وهذا هو تصور الفيلسوف الإنجليزي هيوم.

(www.islamset.com)

   وهنا من حدد ماهية النفس بالجهاز العصبي، وما يعرف بالدماغ (المخ)، على اعتبار ان ارتباط الموجود بكونه محسوساً، وهذا الكلام لا يؤخذ على اطلاقة، وفيه نظر. 

     وكبار مفكري الإسلام من فلاسفة وأطباء وعلماء دين متفلسفين، مثل الغزالي وفخر الدين الرازي والبيضاوي وغيرهم كان لهم دلوهم في هذا المجال، ورؤاهم الفكرية فهم جميعا يؤمنون بأن النفسي جوهر روحاني متميز في ذاته عن البدن، وكل نفس تختص ببدنها، وهي متعلقة به تعلق تدبير ،له بواسطته وباستعماله تتحقق لها كمالات ولذات حسية وعقلية ولذلك فهي تحبه وتعشقه.

     وكتب الشيخ الرئيس كثيرا في أمور النفس، وهو في كتاب القانون يفصل الكلام في قوى النفس المختلفة، ثم إنه في كتاب الإشارات والتنبيهات (النمط الثالث) يثبت، في فصل رائع من هذا الكتاب أن النفس تدرك ذاتها إدراك مباشرا، وهو يسبق إدراكها لأي فعل من أفعالها، وهو هنا، ومعه الفخر الرازي يخالف ديكارت الذي أدرك حقيقة ذاته في فعل التفكير، كما تقدم ثم إن ابن سينا يثبت أن النفس جوهر روحاني واحد هيا الله له بدنا مناسبا لوظائفه، وهو جوهر من طور أعلى من عالم المادة جاء إلى هذه الدنيا بحسب الحكمة الإلهية، ولا شك أن خلفية هذا التصور للنفس ترجع إلى ما أشار إليه القرآن من سر الروح وأنها من أمر الله أي أن الله هو الذي يعلم حقيقة هذا الجوهر، كما ترجع إلى أن في الإنسان

الصفحة28


نفحة من طور أعلى هي التي تميز الإنسان وترفعه فوق العالم الأرضي، كما أنها الأساس لرسالته الخاصة في الأرض وتأكيد القول بوجود النفس ذاتا حقيقية هو الأساس للكلام عن الصحة البدنية والنفسية، وإلا فإذا كان ليس في الإنسان إلا البدن، فإن المشكلة كلها ستكون علاجا للبدن فقط.

(www.islamset.com)

العلاقة بين النفس والبدن

          سادت أفكار تتسم بالاختلاف والحيرة، بشأن العلاقة بين البدن والنفس الإنسانية، إذ يعتبر اغلب الفلاسفة أن كل منهما جوهر مستقل بذاته عن الأخر، وهما مرتبطان في نفس الوقت وفي هذه الصورة النظرية، تتفاوت الآراء وتتمايز، وتبرز الاختلافات.

 فالفيلسوف الفرنسي ديكارت مع تشديده في تأكيد التمايز في الجوهر بين النفس فالنفس جوهر مفكر غير مادي، والآخر جوهر جسماني ممتد في المكان، يرى التناقض، وهما يلتقيان في الغدة الصنوبرية، في أسفل الدماغ (المخ).

      والفيلسوف الألماني ليبنتز يقول بأن الموجودات وحدات منفردة مقفلة، لا تأثير لبعضها في بعض يرى أنه ليس بين النفس وبدنها تأثير متبادل، وإنما سلسلة من ظاهرات نفسية توازيها سلسلة من ظاهرات بدنية بحسب تناسق سابق، من وضع الخالق تعالى. 

ويرى أبو زيد أحمد بن سهل البلخي، وهو بحسب ما نعلم حتى اليوم، أول من عالج موضوع الصحة البدنية النفسية، وذلك في كتابه مصالح الأبدان والأنفس الذي كان مخطوطا رقـم (3741)، في مكتبة أيا صوفيا، باستانبول، إذ قام معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية، في إطار جامعة فرانكفورت بألمانيا الاتحادية بعناية مديره الأستاذ الكبير فؤاد سيزكين، بوضع هذا الكتاب النفيس؛ مصورا في متناول القراء والمحققين لنصوص التراث العلمي العربي، إلى جانب الكثير من نفائس المخطوطات. وهو يستند في رؤاه الفكرية إلى مفهوم اشتباك أسباب الأبدان بأسباب الأنفس وأن النفس والبدن في الإنسان هما " قسما کنونه ووجوده في هذا العالم.

(www.islamset.com)


الصفحة29


اما رأي ابن سينا في العلاقة بين النفس والبدن فهو يذكر العناصر التي أبدعها الله

وصنع منها أجسام هذا العالم، وما فيه من أنواع المركبات، إذ يقول: أنظر إلى حكمة الصانع: بدأ فخلق أصولا ، ثم خلق منها أمزجة شتى، وأعد كل مزاج لنوع، وجعل أخرج (أبعد) الأمزجة عن الأنواع عن الكمال، وجعل أقربها من الاعتدال الممكن مزاج الإنسان لتستوكره نفسه الناطقة، وهنا يبرز في الاستنتاج المستخلص من كلام ابن سينا، التأثير المتبادل بين النفس والبدن، فهو يثبت وجود النفس جوهراً روحانياً مفكراً،، وهو الذات الإنسانية على الحقيقة والمدبر للبدن، إلا أن وصفه للمزاج البدني المتميز والمناسب للوظائف النفسية، قد مكنه من أن يتصور علاقة تأثير وفعل وانفعال بين النفس وبدنها. وهو مجدد رأيه بقوله عن ذلك الجوهر الموحد إن له فروعاً هي قوى منبثة في الأعضاء، والفعل والانفعال بين الطرفين يحصل من وجهين.

(www.islamset.com)

ويؤكد تلك العبارات النصوص القرآنية، فيما ينعكس في مشاعر المؤمنين من السكينة في القلب وظواهر بدنـية عند سماع القرآن الكريم، قال تعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ وَايَتُهُ، زَادَهُمْ

الصفحة30


إِيمَنًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) (الأنفال 2)، وقوله تعالى: ( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدِّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا ءَامَنَا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّهِدِينَ ) (المائدة : 83)، وقوله تعالى: ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كتبًا مُّتَشَبِها مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) (الزمر: 23).

             ويؤكد ابن سينا إلى أن تلك الانفعالات والملكات وما ينشأ عنها من أخلاق تتفاوت في القوة والضعف بحسب الأمزجة وما تعود عليه الإنسان، وبناء على ذلك فإنه يمكن للنفس أن تتخذ موقفها من تأثيرات البدن، وأن توجه وتجعله خادما لها، بحسب أهدافها العقلية والأخلاقية والسلوكية ،الإيمانية، دون أن تفرط في حقوق أو مطالب البدن الذي هو أداتها.

      وقال تعالى : ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَنِ مِن طِينٍ ) (السجدة : 7)، وقوله تعالى: ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) (التين:4) فهذه الآيات تشير إلى التكامل بين الوظائف في مكونات البدن التي تعمل معا، وتحفظ للإنسان، ويخدم بعضها بعضا، أو يحد من فعله ويوجهه بحيث يتحقق التوازن الذي لابد منه.

        ويستخلص مما سبق إن التقويم المحكم في خلق الإنسان، و التسوية التامة في كيانه النفسي؛ هما السند لإمكان إعادة الإنسان إلى الصحة بنوعيها إذا طرأ عليها ما يكدر الحالة الطبيعية السليمة.

الصفحة31


ويقول الكندي ولما كان الإنسان في حقيقته هو النفس الباقية لا الجسد الدائر، ولما كانت النفس أيضا هي السائس والبدن هو المسوس والآلة، فإن الواجب على الإنسان أن يتعهد نفسه، وأن يتحمل في سبيل ذلك من المعاناة أكثر مما يحتمل من الألم لإصلاح أمور بدنه، وهو يستطيع ذلك؛ إذا أخذ نفسه بقوة العزم والزمها في أخلاقها الأمر الأكبر، وضبطها بالإرادة عن المطالب والانفعالات التي ينشأ عنها الحزن، وعند الرازي وأساس ذلك ما كان يؤمن به الرازي؛ من علاقة وثيقة بين سلامة النفس وسلامة الجسد ؛ وتأثير الأحوال النفسية في البدن.

         وورد في التراث الإسلامي أيضاً في تلك الإشكالية بين النفس والروح والجسد، 

الآتي:



    ومن هنا فارتأي التعريف الآتي مفهوم النفس في التصور الإسلامي: هو العلم الذي يتناول المكنونات الداخلية للذات الإنسانية في اطر شمولية، تتسق مع الفطرة الإنسانية، وتستهدف البناء الإيجابي للشخصية في ضوء سلوكها الفردي والاجتماعي، وتحفيزها لغايات عليا في أطر تعبدية تتجه نحو إسلام الذات لربها وعمارة الكون المعنوية والمادية وفق المرجعية العقدية.

وفي النهاية يمكننا القول بأن مهمة عالم النفس والاجتماع المسلم؛ هي تجميع المعرفة الإلهية وفي اضطراد البحث ودراسة القرآن الكريم والسنة الشريفة، و هذا ضروري

الصفحة32


لاستكشاف وتعريف معايير السلوك الإنساني، ولإدراك منهج الله تعالى، وتعاليم الخالق عز شأنه وجلاله، للتفريق بين الخطأ والصواب، ومنظومة المقاييس والقوانين والسنن الكونية والسلوكية والاجتماعية هذا التجميع والبحث ؛ يجب أن يكون في ضوء رؤية تتسم بالأصالة والمعاصرة، وفي ضوء رؤية عالمية إنسانية، لا تخضع للتقليد، وتتسم بالاستقلالية عن أية حضارة أو مجتمع أخر، ومن هنا فإن تكوين علم نفس إسلامي، يصلح للتطبيق العالمي، اجتهاد فذ يخدم المشروع النهضوي العلمي في ضوء الشريعة الإسلامية والأعجاز النفسي في القرآن الكريم والسنة الشريفة.

علم النفس التربوي :

     ينظر البعض إلى علم النفس التربوي على انه الفرع الوسيط بين التربية وعلم النفس، لاهتمامه بالجوانب التربوية في الميدان التربوي واعتماده على القوانين والمفاهيم النفسية في مجال علم النفس.

    فعلم النفس التربوي يبحث في كل موضوعات علم النفس ويطبقها، بعد أن يكون قد خبرها فهو العلم التطبيقي من فروع علم النفس العام الذي يكون موضوعه التربية والتعليم، وغايته الإنسان فهو يبحث في مواضع منها التعلم وشروطه، والأسس النفسية للتعلم والعملية التعليمية، ونظريات التعلم والعمليات العقلية والقدرات العقلية، والتقويم التربوي والقياس النفسي والدوافع والانفعالات والاتجاهات، والنمو وأهميته للمتعلم، والإرشاد التربوي والأهداف التربوية العامة والخاصة، والشخصية، ونمو المتعلم وخصائصه النمائية، والعلاقات الاجتماعية.

       ويبتدئ علم النفس التربوي بملاحظات الأفراد وأسئلتهم التلقائية حينما تبدههم حقائق ماثلة في هذا العالم، ويعتبر علم النفس التربوي بوصفه دراسة مستقلة . من مستحدثات القرن العشرين، رغم تأصل جذوره الراسخة الممتدة إلى أيام روسو في القرن الثامن عشر، بل حتى قبل ذلك الزمن لم يكن بوسع الناس بطبيعة الحال الاستغناء عن علم النفس التربوي، فالحفظ غيباً والتأديب بالعقاب البدني، كانت تعد من المبادئ الأساسية في الممارسات التربوية عبر العصور، على أن لا شئ من هذا القبيل يقبل اليوم على علاته، كما

الصفحة33


أن هناك في الماضي السحيق من المنافحين والمختصين من ذوي النزعة الإنسانية المتسامحة التي قد لا تتورع عن ارتهانها بالتربية الحديثة، إن دراسة التربية وفلسفتها تتيح لعلم النفس التربوي اتجاها نافعاً، ولا غنى هنا، وكذلك فإن الاعتبارات السياسية والدينية والفلسفية دوماً وثيقة التواشج مع المشكلات التربوية، وذات ارتباط بها، فاستجلاء التاريخ ونظرياته التربوية، تعد مادة مهمة في علم النفس التربوي والنظرة الشمولية للتربية وارتباطاتها، ومن هنا تتشكل أهمية علم النفس التربوي، الذي هو في حقيقته دراسة منتظمة لسلوك الإنسان وخبرته، وعلاقة ذلك بمشكلات المعنيين بالتربية حيثما كانت الجسماني وآخرون،( 1994، 8 ).

ولا خلاف هنا بأنه من المهم بمكان أن يهتم الباحثين في علم النفس وعلم النفس

التربوي والتربية بترجمة نظرياتهم في التعلم إلى فن التعليم والعمل، حتى يتم التحقق من صدقها من خلال فاعلية ما ينبثق عنا من تقنيات أو إجراءات أو أساليب تعليمية، وإلا فلا عبرة بالنظريات إن لم تؤتي ثمارها في الواقع التربوي العملي (مرعي وبلقيس، 1985،17 ).

ويقع علم النفس التربوي في منظومة تربوية تتسم بعلاقات تبادلية تشابكية ترتبط بها، وفيما يلي بعض من تلك المفاهيم التربوية التي يرتبط بها علم النفس التربوي، التي أدرجها على النحو الآتي:

الصفحة34


وتنوعت تعريفات علم النفس التربوي ويمكن أدراجها على النحو الآتي:

ويمكن تعريفه بأنه فرع من فروع علم النفس الذي يهتم بدراسة السلوك الإنساني في المواقف التربوية وخصوصاً في المدرسة، وهو العلم الذي يزودنا بالمعلومات والمفاهيم والمبادئ والطرق التجريبية والنظرية التي تساعد في فهم عملية التعلم والتعليم والتي تزيد من كفاءتها ومستوى فاعليتها في تحقيق الأهداف التربوية المنشودة.

الصفحة35



أهداف علم النفسي التربوي

            يهدف علم النفس التربوي إلى تزويد المعلم بخلفية علمية واضحة عن خصائص المتعلمين النمائية وطرق تعليمهم والعوامل المؤثرة على ذلك سلباً أو إيجاباً، ولا يخفى ان المعرفة التي يكتسبها المعلم من خلال دراسته لموضوع عمل النفس التربوي تجعله أقدر على اتخاذ القرارات التربوية المناسبة، وأكثر إحاطة بخصائص طلبته وباحتياجاتهم وأكثر فاعلية في إدارة البيئة الصفية، ومن هنا يمكن القول بأن الموضوعات التي يتناولها علم النفس التربوي يمكن إجمالها كالتالي الوعي بخصائص المتعلمين، وفهم عملية التعلم، وكيفية خلق الجو الفعال للتعلم، وطرق مراعاة الفروق الفردية بين الطلبة، واستخدام التقويم بشكـ مناسب، ولا يخفى أن معرفة المعلم بكل الأمور السابقة لا تجعل منه معلماً فاعلاً ما لم يك التدريب الكافي على المهارات المتضمنة، وان يقوم بتوظيف المعرفة التي يكتسبها بشكل ـ لنشط وهادف (عدس، 1999،39).

ويمكن تحديد الأهداف الخاصة والتفصيلية لعلم النفس التربوي في الأبعاد الآتـية

(محمد، 2004،18)

الصفحة36


التعلم واهداف المدرسة :

هناك عدد من الوسائل التي يستطيع علم نفس التعلم أن يعين المعلم والمدرسة بها على معالجة الأهداف التربوية من أهمها (سلمان ونبهان، ٢٠٠٤، ٢٠):

أهداف علم نفس التعلم :


          يسعى علم نفس التعلم إلى تحقيق هدفين رئيسين كما حددهما جوردن و کلوز مایر هما

ويهدف علم نفس التعلم في نهاية المطاف في الوصول إلى المعرفة التي يستطيع بها تفسير العلاقة النظامية بين المتغيرات التي هي بمثابة السلوك في المواقف التعليمية والعوامل المؤدية إلى إحداث هذه السلوك ولا يتأتى ذلك من خلال تحقيق الأهداف الآتية:

الصفحة37


علم النفس المعرفي :

         هناك ارتباط وثيق الصلة بين علم النفس التربوي وعلم النفس المعرفي، ولابد هنا من توضيح ماهية علم النفس المعرفي، إذ يتناول علم النفس المعرفي العمليات المعرفية التي تعمل على صقل استجابات الإنسان، وان مهمة عالم النفس المعرفي هو السعي لتحقيق فهم طرق التعامل مع المعرفة من لحظة حدوث المثيرات حتى لحظة الاستجابة، وتنوعت التعريفات في تناول علم النفس المعرفي وأدرجها على النحو الآتي :

الصفحة38


الصفحة39



الفصل الثاني: الذكاء الانفعالي



تمهيد

تنوعت الاتجاهات النظرية في تعريف مفهوم الذكاء الانفعالي شأنه في ذلك شأن الذكاء بالمفهوم التقليدي، على الرغم من حداثة المفهوم في التراث النفسي.

        وتواترت التفسيرات العلمية لذلك عبر قراءة متأنية عميقة لهذا البعد من قبل جولمان (1995 ,Goleman) الذي اصدر كتابه في (الذكاء الانفعالي) وتناول فيه بإسهاب ارتباط حركة الانفعالات بالدماغ وتفاصيل تلك الارتباطات العصبية، وبالتالي تشكلت نظرية جولمان للذكاء الانفعالي في هذا الصدد، علماً بأن تلك الارتباطات قد أشار إليها ديكارت في القرن السابع عشر، ولكن لم يلتفت أحد المقولته بأن الانفعالات لا ترتبط بحركة المشاعر بقدر ما ترتبط بأعصاب بالدماغ، باعتباره المحرك والمؤجج (زيناتي، 31، 1994 ) ولكن المقولة أخذت شهرتها في أواخر القرن العشرين مع حركة جولمان لمحو الأمية الوجدانية، في ارتباط الانفعالات بالحركة العصبية بالدماغ، في حين توجهت رؤى باحثين آخرين نحو الذكاء الانفعالي من خلال دراسة مهاراته أو قدراته أو أبعاده، وانطلاقا مما سبق تبرز حالة تنوع الاتجاهات التي تناولت مفهوم الذكاء الانفعالي.

المعنى اللغوي:

الذكاء: حدة الفؤاد والذكاء سرعة الفطنة وقلب ذكي وصبي ذكي إذا كان سريع الفطنة، والذكاء في الفهم أن يكون فهما تاما سريع القبول. (ابن منظور، 14،1994/ 278 ).

الانفعال مستقاة من ردود الفعل، والفعل كناية عن كل عمل متعد أو غير متعد، فقولنا فعلت الشيء فإنفعل كقولنا كسرته فانكسر (ابن منظور، 1994، 11/529).

الصفحة43


وعرف (Wechcler) المشار إليه (أبو حويج والمرجل ، 1994،81) في الذكاء بأنه

القدرة الكلية للفرد على العمل الهادف والتفكير المنطقي والتفاعل الناجح مع البيئة. وعرفه بينية ( عالم النفس الفرنسي) المشار إليه في عيسوي (1984،93) بأنه القدرة على اتخاذ اتجاه محدد والاستمرار فيه والقدرة على التكيف والقدرة على النقد الذاتي. ويعرف قاموس اكسفورد المشار إليه {الأعسر و كفان 2000 ,72}في الانفعال بأنه اضطراب أو تهيج في العقل أو المشاعر أو العواطف، وبمعنى آخر استثارة في الحالة العقلية فهي مشاعر معينة تصاحبها أفكار محددة وحالة نفسية وبيولوجيه واستعدادات متفاوتة للسلوك.

            وهناك مترادفات متنوعة للانفعال تثير تساؤلات لدى علماء النفس، في مجال ماهية الفروق بينها، وقد تناولها سعفان (11.2003) إذ عرف الانفعال بأنه ظاهرة تجريبية ذاتية أو حالة نفسية مركبة، وهو جانب من جوانب الوجدان والسلوك الانفعالي استجابة مركبة تعتمد على الإدراك للموقف والاضطراب الانفعالي هو حالة تكون فيها الاستجابة الانفعالية غير مناسبة المثيرها سواء أبالزيادة أم النقصان والوجدان هو تنظيم من الأحاسيس والمشاعر والانفعالات وعن طريقه نستشعر الألم والسعادة، والعاطفة فكرة مركزية تتجمع حولها الانفعالات، وهي التي تكسب الحياة الانفعالية قدراً من التناسق والثبات، وإذا كان الانفعال له خاصية واحدة مثل {انفعال القلق أو انفعال الخوف أو انفعال الغضب) فإن العاطفة هي تنظيم من الانفعالات المتشابهة والمختلفة معاً

تعريف الذكاء الانفعالي :

تنوعت وجهات نظر الباحثين في تحديدهم لمفهوم الذكاء الانفعالي، ومضامينه الوجدانية والاجتماعية، وتدرج الباحثة تعريفات عدد من الباحثين على النحو الآتي: يعرف سالوني وماير وكاريوسو الذكاء الانفعالي بأنه القدرة على مراقبة المشاعر

والانفعالات الذاتية ومشاعر الآخرين {1999 ,Mayer& Carusoe aloney).

الصفحة44

ويعرفه جولمان بأنه مجموعة من القدرات المتنوعة التي يمتلكها الأفراد واللازمة للنجاح في جوانب الحياة المختلفة، والتي يمكن تعلمها وتحسينها وتشمل المعرفة الانفعالية وإدارة الانفعالات والحماس والمثابرة وحفز النفس وإدراك انفعالات الآخرين وادراك العلاقات الاجتماعية (40, 1995,Goleman).

وحدده جولمان بفهم الانفعالات الذاتية وإدارتها وتحفيز الذات والتعرف على انفعالات الآخرين وحسن التعامل معهم .(Goleman, 1996,49),

ويؤكد جولمان بأن مفهومه عن الذكاء الانفعالي مبني على مفهوم جاردنر في الذكاءات المتعددة ويتحدد بالآتي:

ويتشكل الذكاء الشخصي الذاتي بتشكيل نموذج صادق وواع عن الذات مشتق من التفكير فيما وراء المعرفة واستخدام هذه القدرة في الحياة، ويتمثل هذا الذكاء في أعمال الأطباء والنفسيين والمرشدين الاجتماعيين ويتحقق الذكاء الشخصي الاجتماعي من خلال إقامة العلاقات والتواصل والتعاون الاجتماعي بين الناس، ويتمثل هذا الذكاء في أعمال المعلمين والسياسيين. (1983,68 ,Gardner). يعرف بارأون (2005,41,Bar-On) بأنه مجموعة منظمة من المهارات والكفايات غير المعرفية في الجوانب الشخصية والانفعالية والاجتماعية والتي تؤثر في قدرة الفرد على معالجة المطالب والضغوط البيئية وهو عامل مهم لتحديد قدرة الفرد على النجاح في الحياة. ويعرفه سالوفي الوارد في (1995,43,Goleman) بأنه وعي الشخص بمشاعره وحسن إدارتها بحيث يكون مصدراً للدافعية في ذاته، ويمتلك القدرة على التعاطف وحسن إدارة علاقاته . مع الآخرين(1995,43,Goleman).

وعرفه ديولكس وهيكس Dulewicz Higgs المشار إليهما في (الدردير 2004، 28بأنه معرفة الفرد مشاعره وكيفية توظيفها من أجل تحسين الأداء وتحقيق

الصفحة45


الأهداف التنظيمية، مصحوبة بالتعاطف والفهم لمشاعر الآخرين مما يؤدي إلى علاقة ناجحة معهم.

      ويعرفه الأعسر وكفافي (2000، 9) بأنه بناء الخبرة الحية لدى المتلقي التي ينغمس فيها فيتخللها وتتخلله، ليخرج منها بخبرة جديدة تعدل خبراته ورؤيته، كما هو يعدل فيها ويتبع في ذلك منهجاً واضحاً، وينشأ من ذلك ماهية الذكاء الانفعالي.

      وعرفه مبيض (2003، 13) بأنه القدرة على التعامل مع المعلومات العاطفية من خلال استقبال هذه العواطف واستيعابها وفهمها وإدارتها، لذلك فإن من صفات الإنسان الذكي عاطفياً انه يمتلك الكثير من المفردات العاطفية، ويعرف الاستعمال الدقيق لهذه المفردات في التعامل مع عواطفه وعواطف الآخرين.

      وعرفه العيتي (2003،19) بأنه عملية تغيير أنماط التفكير، وطريقة النظر إلى الأمور، بحيث تولد في النفس اكبر قدر ممكن من المشاعر الإيجابية، ولأطول فترة ممكنة.

وتلخص الباحثة من خلال التعريفات السابقة ما يأتي:

من خلال مراجعة ما ورد سابقاً من تعريفات للذكاء الانفعالي يمكن ملاحظة ما يأتي

الصفحة46


ولقد تم تحديد مفهوم الذكاء الانفعالي من وجهة نظر الباحثة على النحو الآتي: منظومة من الكفايات الانفعالية والاجتماعية ناشئة عن المرور بخبرة ما؛ تستجيب لها الحركة العصبية في الدماغ فتشكل مكونا مندمجا بينهما، في ظل عمليات معرفية من المعالجة والتخزين لها، فيترتب عنها وعي بالذات وإدارة وضبط للانفعالات، وامتلاك مهارات التعاطف من خلال قراءة الرسائل الانفعالية غير المنطوقة، فضلا عن تحفيز ذاته ومواجهة العقبات بمرونة، والتواصل مع الآخرين في ظل مهارات الاتصال، مما يكسب الفرد لغة مرنة إيجابية مستقلة تسهم في التفاعل والنجاح في الحياة.

الاتجاهات النظرية في نماذج الذكاء الانفعالي :

تنوعت اتجاهات الباحثين في تحديد مفهوم ومهارات وابعاد الذكاء الانفعالي ضمن نماذج متنوعة، ومن خلال الدراسات التي تناولت الذكاء الانفعالي يمكن استخلاص النماذج الآتية في الذكاء الانفعالي:

نموذج جولمان للذكاء الانفعالي:

ويحدد جولمان مهارات الذكاء الانفعالي وفق النموذج الآتي : ( 1996,Goleman


الصفحة47


نموذج بارأون للذكاء الانفعالي:

حدد بارون (1997 Bar-on, (مكونات الذكاء الانفعالي بالاعتماد على ظريته ومفهومه للذكاء الانفعالي و أشار إلى أن الذكاء الانفعالي يتكون من (15) كفايه موزعة على خمسة مكونات بين الجوانب الشخصية والانفعالية والاجتماعية وهي:

الصفحة48


نموذج ماير وكاروسو وسالوفي: 

حدد ماير وكاروسو وسالوفي النموذج التالي للذكاء الانفعالي ويتكون من مجموعة من القدرات الرئيسة التي تم تصنيفها إلى أربعة مجالات وهي:

 وتتضمن القدرة على إدراك الانفعالات بدقة والتعبير عنها وتتضمن كذلك التقييم التدقيق للانفعالات الذاتية وانفعالات الآخرين.

وتتضمن القدرة على استخدام الانفعالات لتقوية وتسهيل التفكير وتتضمن كذلك القدرة على الربط الدقيق بين الانفعالات وبعض الأحاسيس.

وتتضمن القدرة على تحليل الانفعالات إلى أجزاء وفهم الانفعالات، وكذلك القدرة على فهم المشاعر المتداخلة والمعقدة في المواقف الاجتماعية.

وتتضمن القدرة على إدارة المشاعر الذاتية ومشاعر الآخرين وضبط المشاعر السلبية وتغيير الحالة المزاجية (1999,Mayer, Caruso, &Selove).

الصفحة49


نموذج وايز نجر

استند و ايزنجر (2004 ,Weisinger) في بناء هذا النموذج على نظرية سالوني وماير في الذكاء الانفعالي، حيث يتضمن هذا النموذج ثلاث كفايات متصلة بالبعد الشخصي وكفايتين متصلتين بالبعد بين الشخصي ويحتوي البعد الشخصي للذكاء  الانفعالي على الكفايات الآتية: 

نموذج مونتيماير وسبي:

أشار مونتيماير وسبي (2004 ,Montemayor & Spee) إلى أن الذكاء الانفعالي الذي قدمه بعض الباحثين الرواد في الذكاء الانفعالي مثل جولمان وماير وسالوني ومانيوز يمكن تصنيفه في فتيتين رئيسيتن تتضمنان مشاعر الفرد مقابل مشاعر الآخرين والوعي– مقابل

الصفحة50


إدارة الانفعالات وهكذا افترضا أن الذكاء الانفعالي يتضمن أربعة أبعاد هي:

مهارات الذكاء الانفعالي:

      يتشكل الذكاء الانفعالي من مجموعة قدرات أو كفايات أو مهارات انفعالية اجتماعية، وفق استقصاء ما قدمه الباحثون في هذا الصدد، حيث تسهم تلك المهارات في نجاح الأفراد في الحياة. 

        ويصنف سالوني انواع الذكاء الشخصي التي قدمها جاردنر في تحديده الأساسي للذكاء الانفعالي الذي اتسع ليشمل خمسة مجالات أساسية:

الصفحة51


درجة عالية من الإنتاجية و الاداء الأبتكاري,عبر التحفيز الذاتي و رفع مستوى الأمل لدى الأفراد.

ويرى جولمان أن الوعي الذاتي والتحكم في الإندفاعات والمثابرة والحماس والدافعية الذاتية والتعاطف واللياقة الاجتماعية هي أهم المهارات الانفعالية والاجتماعية التي تميز الأشخاص الأكثر نجاحا في الحياة وأن الناس يختلفون في تلك المهارات أو القدرات في مجالاتها المختلفة، فقد يكون بعضنا ذكيا في معالجته مثلا لحالات القلق التي تنتابه ولكنه يستطيع أن يخفف شعور شخص ما بالملل أو الضجر، ولا شك أن أساس ما نتمتع به من قدرات هو أساس عصي، ومع ذلك فالمخ طيع بصورة ملحوظة؛ لأنه دائم التعلم، والمخفاض القدرات الانفعالية بصورة مؤقتة أمر ممكن علاجه لأن هذه القدرات في أي مجال هي مجموعة من العادات واستجابة لهذه العادات ومن الممكن أن تتحسن مع بذل الجهد المناسب معها (1995,44 ,Goleman).

ويؤكد بارأون أن أهم الكفايات التي تميز الأشخاص الأكثر فاعلية ونجاحا في الحياة هي الوعي الانفعالي والتعاطف والمرونة والتفاؤل والسعادة والقدرة على حل المشكلات والكفاية الاجتماعية والقدرة على إقامة العلاقات الشخصية وضبط الاندفاع وتحمل التوتر (2005 ,Bar-On)

واكتشف ماير أن الناس يميلون إلى اتباع أساليب متميزة للعناية بانفعالاتهم والتعامل معها من بينها:


الصفحة52


إدراكهم لذاتهم سماتهم الشخصية، وهم شخصيات استقلالية، واثقة من إمكاناتها، ويتمتعون بصحة نفسية جيدة، ويميلون أيضاً إلى الإيجابية في النظرة للحياة، ويمتلكون مهارة الخروج من حالة المزاج السيئ، وهكذا تساعدهم عقلانيتهم على إدارة انفعالاتهم.

وأشار (التميمي0022،7(2 إلى أن هناك خمس مهارات للذكاء الانفعالي هي على النحو الآتي:

الصفحة53

وأشار حسين (2005،395 ) بأن هناك سبع قدرات حاسمة وقوية ترتبط ارتباطاً أ بالذكاء الانفعالي وهي على النحو الآتي:

الصفحة54

تعلم وتعليم مهارات الذكاء الانفعالي :

يؤكد الباحثون في مجال الذكاء الانفعالي على أهمية تغلغل مهارات الذكاء الانفعالي في المناهج التدريسية اليومية التي تساعد الطلبة على تطوير مهاراتهم لغايات تحقيق النجاح في الأداء الأكاديمي والحياة (1997 ,Mayer & salovey).

ولذلك يعنى الذكاء الانفعالي بطبيعة الأفراد والجماعات والمجتمع برمته. ويمكن للفرد من خلال تنمية مهارات الذكاء الانفعالي؛ أن يضع علاقة بين انفعالاته وتفكيره من ناحية، وبين تفكير الآخرين وانفعالاتهم الذين يتعامل معهم من ناحية أخرى، بحيث يجعل تلك العلاقة بمثابة الجسر الذي يؤدي به إلى الوصول إلى النجاح في المجالات المختلفة من الحياة، ويؤدي بالتالي من ناحية أخرى إلى تقوية الذكاء الانفعالي لدى ذلك الفرد، وهذه من أهم خصائص الذكاء الانفعالي، ومصدر الفائدة من دمج موضوعات الذكاء الانفعالي في المنهاج التربوي (المخزومي،20005).

وتتوجه حركة تطوير المناهج الحديثة إلى الاهتمام بالبناء النفسي والبناء الاجتماعي، وحفظ النشء من كل ما يهدد السلامة الشخصية والمجتمعية، من خلال موضوعات تسهم في إدارة الذات والعلاقات من خلال موضوعات الذكاء الانفعالي التي تجمع بين القدرة الذاتية على الوعي بالانفعالات وإدارتها وتنظيمها وبين القدرة الاجتماعية على فهم مشاعر الآخرين وتفهمهم ومشاركتهم وجدانياً وتحقيق النجاح في الاتصال بالآخرين. 

         ولقد أثبتت الدراسات أن التعلم الذي يحرك مشاعر التلاميذ، ويثير انفعالاتهم نحو التعلم، هو أقوى أنواع التعلم، لأن الانفعالات تحتل مكانة الصدارة في الدماغ، وتعمل على تنمية التفكير وتحفيزه، وتساعد على التعلم ،الفاعل وان تقييم التلاميذ باستخدام آليات تخزين الانفعالات وبرمجتها في الدماغ، تعطي الفرصة لتقييم الذكاء الانفعالي، ولابد من التأكيد على أن المناخ الانفعالي في الغرفة الصفية مهم للغاية، لإنجاح عملية التعلم، لذلك يدعو بعض علماء النفس إلى إدماج الانفعالات في العملية التربوية، لما تواترت به الدراسات من أن استخدام مهارات الذكاء الانفعالي في التعليم، يعد مؤشراً هاماً على التنبؤ بارتفاع مستوى التحصيل والنجاح الأكاديمي والمهني بدرجات تفوق الذكاء العام.(Engelberg ,2004)

الصفحة55 


     وأشار جولمان (1998 ,Goleman إلى أن الذكاء الانفعالي يتطور مع مرور الوقت، وأنه يمكن تعليمه في أي وقت، وكلما تم التدريب عليه في وقت مبكر، كان ذلك أسهل، وهو يتغير أثناء حياة الإنسان، ويمكن تحسينه من خلال البرامج التدريبية والتدخل العلاجي.

   ومن مزايا التدريب على مهارات الذكاء الانفعالي، أنه يُعد الفرد لمواجهة تحديات الحياة، ويُعده للتكيف بشكل أفضل مع متطلبات البيئة، ويزيد من فرص نجاحه في حياته العملية.

وهناك ارتباط بين مهارات الذكاء الانفعالي ومراعاة التدرج في تقديمها للمتعلم وهذا ما يشير إليه ماير وسالوفي لأن مهارات الذكاء الانفعالي الرئيسية والفرعية جميعها مرتبة بشكل تصاعدي من العمليات النفسية البسيطة إلى المعقدة. ويعرضها على النحو الآتي:

1 - إدراك الانفعالات وتقييمها والتعبير عنها :

وتتطلب عملية تعليمها مساعدة المتعلم على امتلاك مهارة إدراك الانفعالات في ذاته وإدراك انفعالات الآخرين بالإضافة إلى إدراكها في الأشياء، من خلال اللغة والقصص والموسيقى والمثيرات الأخرى. وتعتبر هذه المهارة من ابسط مهارات الذكاء الانفعالي، حيث

تتعلق بدقة تحديد الانفعالات والمحتوى الانفعالي، وتتضمن أربع مهارات فرعية هي:

الصفحة 56

2 - استخدام الانفعالات لتسهيل التفكير

وتتضمن مهارات توليد الانفعالات واستخدامها والإحساس بها بصفتها ضرورية لنقل المشاعر والأحاسيس وتوظيفها في عمليات معرفية أخرى. ويركز هذا البعد على الانفعالات في الذكاء، حيث يصف الأحداث الانفعالية التي تساعد في المعالجة العقلية، وتتضمن هذه المهارة الوظائف الانفعالية الآتية:

3_فهم وتحليل الانفعالات وتوظيف المعرفة الانفعالية :

وتتطلب هذه المهارة القدرة على فهم المعلومات الانفعالية، وكيفية ترابطها، وتكاملها وتطورها من خلال العلاقات من اجل تقدير معاني تلك الانفعالات، ويركز هذا البعد على القدرة على فهم الانفعالات واستخدام المعرفة الانفعالية، وتتضمن هذه المهارة المهارات الفرعية الآتية:

4- التنظيم التاملي للانفعالات لتعزيز النمو الانفعالي والمعرفي :

وتتمثل هذه المهارة في القدرة على الانفتاح على المشاعر والأحاسيس وتعديلها في الذات، وفي الآخرين من اجل فهم تلك المشاعر، وتطوير النمو الانفعالي للفرد، وتعد هذه المهارة أعلى مستويات الذكاء الانفعالي، حيث تركز على التنظيم الواعي للانفعالات من اجل تعزيز النمو الانفعالي والمعرفي للفرد، وتتضمن هذه المهارة المهارات الفرعية الآتية:


الصفحة 57

المهارة في إدراك الانفعالات عند الفرد، أو لدى الآخرين بتهدئة الانفعالات السلبية وتعزيز الانفعالات السارة.

واقترح جولمان (1998 ,Goleman) منهاجاً لتنمية الذكاء الانفعالي يمكن للمربين أن يستخدموه في المدارس، حيث تضمن هذا المنهاج تقنيات الوعي بالذات التي تشتمل على عمليات مراقبة الذات وإدراك العلاقات بين الانفعال والسلوك، واتخاذ القرار الذي يتطلب التركيز على إدارة الانفعالات والتعامل مع حالات الإجهاد أو الضغط، والتعاطف الذي يمكن تعليمه أيضاً للطلبة من خلال لعب الأدوار، كما تضمن المنهاج أيضاً خصائص أخرى يمكن تعليمها للطلبة، مثل كشف الذات والمسؤولية الشخصية، وآلية العمل الجماعي التي يمكن تعليمها من خلال نشاطات التعلم التعاوني.

ويمكن تناول تلك المهارات وكيفية تعليمها للطلبة على النحو الآتي:

أولا: الوعي بالذات Self-Awareness

ويقصد بها القدرة على معرفة الفرد مشاعره ومعتقداته واتجاهاته في اللحظة الراهنة، بحيث تستخدم هذه المعرفة كدليل في اتخاذ القرار وحل المشكلات، ومراقبة دوافعه واتجاهاته وتخيلاته وأفكاره بشكل واع. 

ويؤكد جولمان بأن الوعي بالذات ليس انتباهاً يحدث له تشنت أو تحريف مع الحالات الانفعالية المختلفة، لأنه حالة محايدة تظل على حيادها وتأملها حتى في حالة الهياج والتوتر والاكتئاب، فالمكتئب يلاحظ اكتئابه حتى لو لم يستطع الفرد مقاومة الذات وملاحظتها، وإذا احسن الفرد توظيف مهارة الوعي بالذات فإنها تؤدي إلى مساعدته على رؤية خبراته الشخصية من زوايا مختلفة، وهي رؤية موازية لمعايشة الخبرة، أو هي ما وراء الخبرة، وهي تزود الفرد بالوعي بما يحدث في موقف ما، وليس الانغماس أو الذوبان في الموقف.

الصفحة 58


ويتضمن الوعي بالذات تقييما واستجابة ، فالتقييم يكون مثل يجب أن لا اشعر بهذا الشعور أما الاستجابة فتكون مثل: علي أن أفكر في أشياء مبهجة لأخفف من الحزن وأحياناً يصل الوعي بالذات إلى إصدار تعليمات صارمة مثل: يجب أن لا أفكر في هذا الأمر (Mayer&Salovey, 1997) .

والكفايات الفرعية الثلاث التي حددها جولمان (Goleman1998) لتلك المهارة

هي:

لذلك تشكل المراقبة الذاتية تيار وعي مواز إلى جانب تيار الوعي الأصيل، بحيث الفرد ما يحدث له، ولكن دون أن ينغمس فيه أو يختفي في ثناياه، أنه يشبه سورة الغضب القاتلة، ثم العودة إلى حالتنا الطبيعية، لنقول انه الغضب، إن وعيك الذاتي يعني أن تدرك المزاج الانفعالي الذي أنت فيه وما يدور في خلدك من أفكار تدور حوله وتتعلق به (عدس، 1997،78).

ويعد الوعي بالذات الركيزة الأساسية في الذكاء الانفعالي، ويتمثل في القدرة على الانتباه والإدراك الجيد للانفعالات والمشاعر الذاتية وحسن التمييز بينها، والوعي بالعلاقة بين الأفكار والمشاعر الذاتية والأحداث الخارجية (عثمان ورزق، 1998،10)

ثانياً : التنظيم الذاتي:

ويقصد بها القدرة على التحكم بالانفعالات السلبية، وكسب الوقت في التحكم بها وتحويلها إلى انفعالات إيجابية من خلال تهدئة النفس عن طريق هزيمة القلق والاكتئاب وممارسة الحياة بشكل فاعل وتقتضي هذه المهارة تعليم الطلبة القدرة على ضبط الذات والتكيف في مواقف متنوعة.

الصفحة 59


والكفايات الفرعية الخمس التي تتفرع عن تلك المهارة كما حددها جولمان (1998 ,Goleman) تتكون من:

وهناك ثمة فارق جوهري بين أن نفعل شيئاً لأنه يجب علينا فعل ذلك تحت دواعي الخطـر والخوف من اعتبارات تخص الذات أو موضع اهتماماتنا أو أن نفعل شيئاً لأننا نريد فعل ذلك، لأنه يتعلق بقناعات منطقية هادئة، فهل أستطيع التحكم بمشاعري، انطلاقاً مما سبق، وهل أكون سيد انفعالاتي أو أنني أسير لها، وهنا يتدخل الذكاء الانفعالي في ظل هذه المعادلة بين المسؤولية العقلانية والراحة الانفعالية من خلال إدارة الانفعالات، والسيطرة على مواقف الغضب، وتجاوز الحزن وحالات الإحباط والاكتئاب (الحنبلي، 2004،35).

       ويتمثل تنظيم الانفعالات من خلال الارتقاء بها إلى حالة توازن من كلا الجانبين العقلي والانفعالي وتبدأ هذه المهارات بالظهور بعد تحديد المشاعر والانفعالات والانفتاح على الآخرين، ومع تعلم الفرد عدم التعبير الصريح عن انفعالاته، فقد يبتسم الفرد وهو حزين، وكذلك مع تعلم الفرد كيف يفصل أفعاله وانفعالاته، وبمعنى اشمل عندما يتعلم الفرد آليات واستراتيجيات التحكم في الانفعال والمشاعر، حيث يتعلم متى يستحوذ على الانفعال ومتى يستحوذ عليه الانفعال. (رزق، 2003،78)

ويتطلب تنظيم الانفعالات القدرة على قراءتها ومعرفة تأثيرها على الأفكار والتصرفات، وتحيد تأثيرها السلبي من خلال تغيير الانفعال عن طريق تغيير طريقة النظر إلى الموضوع، أو بالقيام بسلوك ما لتحييد الأثر السلبي لهذا الانفعال. (أبو سعد،2005 ).

الصفحة 60


     وانطلاقاً مما سبق فإن هناك انفعالات حادة تستحوذ علينا منها القلق الزائد الذي يتسبب في خلق مزيد من المشكلات، دون أن يوجد لها حل مع التوتر الناشئ من القلق المستمر، وهنا يعجز العقل عن تحديد الفرق بين الواقع والوهم، وهنا تبدو أهمية إدارة الانفعالات، لأنها تساعد على إيقاف هذه العملية من التوتر عندما ندرك عدم جدواها، علماً بأنه توجد دوائر في عقولنا تساعدنا في استعمال الكوابح العقلية تلقائياً عند اتخاذ القرار (برنشتاین، 2004 ،15).

وهذا يؤكد أن هناك انفعالات تمدنا بالقوة، وهناك ما يستنفذ قوانا، والذكاء الانفعالي يمكننا من استخدام أفضل السبل لتصبح انفعالاتنا أداة طبيعة قوية، تساعدنا على تحقيق أقصى ما عندنا من إمكانيات بدلا من أن تكون عائقا في وجهنا، وهنا تتأكد أهمية استراتيجيات إدارة الانفعالات في مواطن الصراع والاكتئاب في منحنا هذه القوة الخارقة، التي تمكننا من تجاوز المحبطات وتحقيق الأهداف. (المنيف،12,2005).

ويعتبر العتوم (2004، 211( أن مرحلة التنظيم الذا+تي تشير إلى حالة النضج الانفعالي للفرد، والقدرة على الانفتاح على المشاعر والأحاسيس وتعديلها من اجل تطوير النمو الشخصي للذات انفعالياً، وتعطي هذه المرحلة مؤشراً لما يعرف بما وراء الخبرة الانفعالية لذلك فإن الانفعال ما وراء المعرفي يمكن اعتباره نموذجاً من التفكير في التفكير في القضايا الانفعالية.

ثالثاً : الدافعية

وهي حالة استثارة وتوتر داخلي تثير السلوك وتدفعه إلى تحقيق هدف معين. والمكون الأساسي في الدافعية هو الأمل ويعني أن الإنسان لن يستسلم للقلق الغامر، والاتجاه الهازم للذات والتحديات الصعبة. كما يرى اتكنسون) أن الدافعية هي استعداد الكائن الحي لبذل أقصى جهد لديه من اجل تحقيق هدف معين (1998 ,Goleman) ويشير جولمان إلى أن الدافعية تعني عدم استسلام الفرد للقلق الغامر، أو الاتجاه الهازم للذات، والاكتئاب والتحديات المختلفة، بمعني أن يتوفر لدى الفرد هدف يسعى لتحقيقه،

الصفحة61 


وان يمتلك الحماسة والمثابرة واستمرار السعي من اجل تحقيق ذلك الهدف، ويؤكد جولمان على أن الأفراد الذين تتوفر لديهم درجات عالية من الأمل يكونون اقل عرضة للاكتئاب من غيرهم، لأنهم يناضلون خلال الحياة في محاولة منهم للبحث عن تحقيق أهدافهم، وهم اقل شعوراً بالقلق والمتاعب الانفعالية (1998 ,Goleman).

ويضيف سنيدر المشار إليه في جولمان (1996,Goleman) على أن اعتقاد الفرد بأنه يمتلك كلا من الإرادة والطريقة الصحيحة التي توصله إلى تحقيق هدفه مهما كان ذلك الهدف، فالأفراد ذوو المستويات العليا من الأمل يمتلكون سمات معينة تميزهم عن غيرهم، ومن هذه السمات أنهم يستطيعون إثارة أنفسهم، أي أنهم يملكون القدرة على رفع مستوى دافعيتهم، ولديهم شعور بقدرتهم على إيجاد الوسائل التي تساعدهم في تحقيق أهدافهم، وتتصف أساليبهم بالمرونة، وهم قادرون على تجزئة المهمات الصعبة إلى مهمات أصغر يمكن التعامل معها.

ولذلك فإنه بمقدار ما تكون مدفوعين بمشاعر الحماسة والمتعة فيما نعمل، فإن اندفاعنا يكون نحو حالة التدفق التي يرى جولمان أنها نوع من أنواع الذكاء الانفعالي، وذلك لأنها تحتل الدرجة القصوى من عملية كبح الانفعالات، ليكون ذلك خدمة الأداء والتعلم. ويعرف جاردنر المشار إليه في جولمان (1996,Goleman) التدفق بأنه حالة داخلية تشير إلى أن الفرد قد اندمج في عمل صحيح من شأنه أن ينمي قدراته العقلية والجسمية (1996 ,Goleman). وتسهم الدافعية في ترسيخ المرونة لدى المتعلم وهي مجموعة من الصفات التي توفر للأفراد القوة لمواجهة العقبات التي تعترض سبيل حياتهم. فالأفراد الذين يتصفون بالمرونة يتمتعون بالقدرة على إدارة العلاقات مع الآخرين ويتميزون بدرجة عالية من التفاؤل والنشاط والتعاون وتمتلكهم الرغبة في حب الاستطلاع، ويتحلون باليقظة، ومساعدة الغير وهذه كلها من صفات الفرد الذي يتمتع بدافعية عالية فالدافعية المرتفعة تعمل على تنظيم جهود الفرد وتساعده في التركيز والتخلص من عوامل التشتت كما تعمل الدافعية على

الصفحة62

تحويل العمل إلى متعة، فتصبح مصدراً للسعادة في حالة الوصول إلى الإتقان والإنتاج   (ciarrochi.Forgas &Mayer.2001)

               لذلك تسهم الدافعية بالحيلولة دون حصول مترتبات البأس، ولذلك  تساعد تلك المهارة في وضع الحلول لتجاوز حالات الإحباط، الناشئة من مشكلات مع الأصدقاء أو الشركاء أو ترك التدخين أو اتخاذ قرار بتحمل مسؤولية عن أحداث معينة، وهنا تتدخل تلك المهارة لتفعيل مهارات التفكير لدى الأفراد لاستخدام حلول مناسبة لتحسين الأوضاع المسببة للإحباط، والتقدم نحو الأمام والنجاح في الحياة (رشيد،2005). ويتفرع عن الدافعية الكفايات الفرعية الآتية التي حددها جولمان :(Goleman, 1998)-

رابعاً: التعاطف Empathy

يشير جولمان (1998 ,Goleman) إلى أن التعاطف هو عبارة عن مهارة يتم

اكتسابها عن طريق التفاعل الاجتماعي مع الآخرين ويعد أداة لتطوير الشخصية، وتعديل الذات، حيث يسهم في إيجاد علاقة ألفة مع الآخرين والحفاظ على هذه العلاقة، ويعرف على أنه القدرة على إدراك انفعالات الآخرين، والتوحد معهم الفعالياً، وفهم مشاعرهم، والتناغم والاتصال معهم دون أن يكون السلوك محملاً بالانفعالات الشخصية. ویری هوفمانالمشار إليه في (Goleman1998) أن التعاطف هو القدرة على فهم مشاعر الآخرين بمعايشتها مباشرة، أو أنه استجابة بديلة لا إرادية للإشارات الانفعالية الصادرة من شخص آخر. ويقوم التعاطف على أساس الوعي بالذات، فبمقدار ما يكون الفرد قادراً على تقبل مشاعره وإدراكها، فإنه يكون قادراً على قراءة مشاعر الآخرين.

الصفحة63


وينمو التقمص العاطفي ويتطور بشكل طبيعي منذ الطفولة، إذ تبدأ مرحلته من خلال المقدرة على رؤية الأشياء من وجهة نظر الآخرين والتصرف تبعاً لذلك، ويكون ذلك في سن السادسة من العمر، وذلك لأن الطفل يكون لديه في هذه المرحلة مرجعاً داخلياً؟ يوضح له الطريقة التي يجب أن يتصرف بها، وكيفية إظهار شعوره تجاه موقف سبب ألماً للآخرين، أو بعدم إظهار ذلك الشعور. (cirrochi.Forgas &Mayee.2001).

      أما في الطفولة المتأخرة فيما بين العاشرة، والثانية عشرة من العمر، فإن الأطفال يوسعون مدى تعاطفهم ليتخطوا مجال أولئك الأشخاص الذين يعرفونهم، أو يلاحظونهم مباشرة ليبلغ تعاطفه إلى مجموعات من الناس لم يسبق له اللقاء بهم، وفي هذه المرحلة التي يطلق عليها مرحلة التعاطف المعنوي، يعبر الأطفال عن اهتمامهم تجاه أناس لا يتمتعون بمزايا مثل التي يتمتع بها هؤلاء الأطفال سواء أكان هؤلاء الناس يسكنون في منازل مجاورة أم في بلاد بعيدة. وعندما يقوم الأطفال بإنجاز أعمال تجاه هذه الاختلافات التي يدركونها عن طريق تحقيق أعمال خيرة لصالح الآخرين، فإنه يمكننا أن نستنتج أن هؤلاء الأطفال قد تطورت لديهم مهارة التعاطف التي هي إحدى مهارات الذكاء الانفعالي ويصبح الأطفال قادرين على فهم المعاناة وراء المواقف المختلفة، فيدركون أن ظروف بعض الأفراد يمكن أن تكون مصدراً لمعاناة دائمة، وهنا يستطيعون الشعور بسوء حال جماعة ما، كالفقراء والمقهورين، والمنبوذين من المجتمع (cirrochi.Forgas &Mayee.2001).

وانطلاقاً مما سبق فإن التعاطف كمشاركة وجدانية هو انفتاح على عوالم الآخرين، وعملية لإدماجها في عالم الذات، ولا يمكن تصور حصول هذه الدرجة من النضج الوجداني دون أن تنشأ عنها بقية العواطف الغيرية كالتعاون والصداقة وما إليها (خوالدة 2004 ، 51.(

وفي نتائج اختبارات أجريت على أكثر من سبعة آلاف شخص في الولايات المتحدة وثمانية عشر بلدا أخرى، كان من بين الفوائد التي تعود على الإنسان القادر على قراءة المشاعر من التعبيرات غير المنطوقة أن هذا الإنسان يكون في حالة افضل من حيث التكيف العاطفي، ومحبوباً أكثر من غيره، صريحاً ولا يستغرب أيضاً أن يكون اكثر حساسية. كما أظهر

الصفحة64

 ا لاختبار أن النساء افضل من الرجال في هذا النوع من التعاطف، وقد تحسن أداء المشتركين في هذا الاختبار على مدى (45) دقيقة هي مدة الاختبار فالتعاطف هو شعور يمكن تعلمه ليكون عنصراً مساعدا في حياة نفسية هادئة مستقرة (الجبالي، 2000،143).

 وانطلاقاً مما سبق، فإن التعاطف يعد كفاية متعلمة لإدراك العالم من وجهة نظر شخص آخر، وتدريباً على استخدام خيال الفرد ليرى ويشعر كما يرى الآخرون ويشعرون، وحين لمحاول أن نفهم شخصا أو ثقافة فإننا نجاهد ونكافح لبلوغ التعاطف، لأنه اندماج وتزامن في انتقال المشاعر، وليس ببساطة استجابة أو مشاركة انفعالية (جابر 2000، 3۰3). ويعتبره هايكو ايرنست قانون الصدي لأن تفهم الآخرين واحترام مشاعرهم سيدفعهم إلى مبادلتنا هذا التفهم والاحترام، ويتطلب الإصغاء الدقيق والملاحظة المستبصرة، فالقدرة التعاطفية هي الاحتضان العاطفي من الذات نحو الآخرين، ويعتبر منجزاً رائعاً من منجزات الذات مع الآخرين، وأكبر منجزات الذات هو القدرة على الوعي بالذات وتفهمها، لأنه يعد دافعاً لوعي الآخرين واستيعابهم (أبو سعد،2005).

ويتطلب التعاطف الوعي بلغة الجسد، ومن هنا يشير شيخاني (1997،18) إلى أهمية تعلم واستخدام إيماءات صريحة إيجابية للاتصال بالآخرين، وحذف الإيماءات التي قد تعطي إشارات سلبية، لأن ذلك يجعلنا اكثر قبولاً عند الآخرين، ويسهل عملية تفهمهم لنا، وبالتالي تعاطفهم معنا، ولا يخفى أهمية ذلك تربوياً في المواقف التعليمية الصفية، وانعكاسه في تحقيق الدفء والمحبة في الغرفة الصفية.

ويشير الحسيني إلى أن التعاطف يتضمن منظومة انفعالات تتجمع لتكوين عالم جميل، باستعمالها الجسد كوسيلة للارتقاء بها، والمسألة هنا تختلف من حال إلى حال، ولكي ندرك دلالتها وغايتها، فمن الواجب أن نعرف كل موقف خاص وتحلله، وهنا تبرز أهمية التحليل الاجتماعية كأحد عناصر الكفايات الاجتماعية في الذكاء الانفعالي (الحسيني1982 ، 64).

الصفحة65


خامساً : المهارات الاجتماعية Social Skills

ويقصد بها مجموعة المهارات التي تمكن الفرد من التأثير القوي في الآخرين عن طريق إدراك انفعالاتهم ومشاعرهم ومعرفة متى تقود ومتى تتبع الآخرين وتساندهم، والتصرف معهم بطريقة لائقة.

وتتضمن هذه المهارات سلوكات لفظية وغير لفظية، وتقتضي من الفرد استجابات

ملائمة وفاعلة، ويتأثر أداؤها بخصائص تفاعل الفرد مع البيئة المحيطة به

 (Goleman, 1998).

ويقدم كومبس وسلابي (Combs&Slapy) المشار إليه في (1998 ,Goleman) تعريفهما للمهارات الاجتماعية بأنها القدرة على التفاعل الإيجابي في المواقف الاجتماعية بطريقة تتفق مع قيم ومعايير المجتمع بأسلوب يحقق توافق الفرد مع المجتمع، ويتفرع عن المهارات الاجتماعية ثماني كفايات فرعية حددها جولمان على النحو الآتي:

وقد أطلق جولمان على الكفايات الثلاث الأولى، وهي الوعي بالذات، والتنظيم الذاتي والدافعية أطلق عليها اسم الكفاية الشخصية، ويقصد بها الكفاية التي تحدد كيفية تنظيمنا لأنفسنا، في حين أطلق على الكفايتين الأخيرتين وهما التعاطف، والمهارات الاجتماعية اسم الكفاية الاجتماعية ، حيث قصد بها الكفاية التي تحدد إدارتنا لعلاقاتنا مع الآخرين (1998 ,Goleman).

الصفحة66


ومن الضروري تمكين المتعلم من تعلم الإشارات أو التلميحات غير اللفظية مثل: تعبيرات الوجه، والإيماءات، لأنها تنمي المهارات الاجتماعية لدى المتعلم، إذ أشار الكثير من الدراسات إلى أن ما يقرب من تسعين بالمائة من الارتباطات والاتصالات الانفعالية تتم بطريقة غير لفظية، ومثل هذه المهارة يمكن أن ترتفع بمستوى مقدرة الأفراد على فهم مشاعر الآخرين، والتصرف بشأنها بطريقة ملائمة، لذلك فإن الأفراد الأذكياء انفعالياً هم أفراد سعداء في نشاطاتهم الاجتماعية وبإمكانهم فهم الانفعالات بشكل دقيق وإدراكها، واستخدام طرق فاعلة في تنظيم هذه الانفعالات، أما الأفراد الذين يعانون من ضعف في قدرات الذكاء الانفعالي، فإنهم يواجهون مشكلات في التكيف، والتخطيط لحياتهم، وهذا يعود إلى عدم قدرتهم على فهم انفعالاتهم، ومن الممكن أن يؤدي هذا الأمر إلى حالة من الاكتئاب وهم لذلك يقومون بتطوير ثقافة فردية تدير انفعالاتهم بشكل غير ملائم، ولهذا يكونون غير سعداء في حياتهم. (1990 ,Mayer& Salovy).

ويؤكد مايرز وتاكر (2005 ,Myers & Tucker )على أهمية تعزيز وتنشيط الذكاء الانفعالي في المدارس والكليات من خلال تجسيد نظرية الذكاء الانفعالي في المنهاج وزيادة مهارات الاتصال البين شخصي، لأن نظرية الذكاء الانفعالي تقترح أن الأشخاص الأذكياء انفعالياً يعملون بشكل جيد مع الآخرين، ويكونون موضع تقدير واحترام، لأنهم يعملون على توظيف مهارات الذكاء الانفعالي في سلوكهم الشخصي.

ويشير سولتير إلى أن بناء المهارات الأساسية للذكاء الانفعالي عند الطلاب في المراحل الدراسية المبكرة يعد أمراً ضرورياً، وذلك من خلال دمجها بالمنهاج والأنشطة المدرسية المختلفة والبرامج التأهيلية والتدريبية المختلفة التي تركز على مهارات الذكاء الانفعالي (2000 ,Salter).

 ويشير جابر (2004، 227 ) إلى أن مهارات الذكاء الانفعالي تمكن المتعلم من فهم الجوانب الوجدانية والاجتماعية في حياته، والتصرف فيها والتعبير عنها على نحو يمكنه من الإدارة الناجحة لمهماته الحياتية كالتعلم وتكوين العلاقات وحل المشكلات الحياتية اليومية، والتكيف مع مطالب النمو المعقدة، وهي تضم الوعي بالذات، وضبط الذات،

الصفحة67

والعمل تعاونياً، ورعاية الذات والآخرين، وهذا يرسخ أهمية توظيف الجهود التربوية لغاية تعميم مهارات الذكاء الانفعالي عبر المواقف الصفية، واستثمارها لتنمية مهارات اتخاذ القرار وحل المشكلات، فضلا عن تنمية الاتجاهات والأنماط السلوكية والتكوينات المعرفية للطلبة؛ التي تتيح لهم تكوين مفهوم ذات يتسم بالصحة والكفاية، على نحو شامل وجدانيا واجتماعيا وأكاديمياً وجسميا، بسبب العلاقة الوثيقة بين هذه المجالات أو الجوانب التي تحققها تنمية مهارات الذكاء الانفعالي لدى الطلبة.

وترتبط مهارات الذكاء الانفعالي بمتغيرات ذات طابع انفعالي، تسهم بوزن نسبي مساو للوزن النسبي الذي تسهم به المتغيرات المعرفية في النجاح المدرسي والنجاح في الحياة بشكل عام، ويشير إليها عكاشة (2005) على النحو الآتي:

الصفحة68

 ويؤكد (السامرائي.2005) على ان مهارات الذكاء الانفعالي تسهم في تنمية الشخصية من اجل التفاعل الايجاي والتعايش مع الاخرين ومن خنا لا بد من الاشارة الى نمودج السلوك الذي يتضمن (15) عملية عقلية معرفية ووجدانية. وهي على النحو الاتي :

  1. المثابرة
  2. مقاومة الاندفاع
  3. الاستماع بتفهم وتعاطف 
  4. مرونة التفكير
  5. التفكير في التفكير
  6. السعي نحو الدقة 
  7. التساؤل
  8. تطبيق الخبرات السابقة في مواقف جديدة
  9. التعبير بدقة ووضوح في التفكير

10.استخدام كل الحواس

11.الابداع والخيار

12.الحماس للحياة

13.المخاطرة المحسوبة

14.المرح

15.التفكير مع الاخرين

ومما يساعد على تنمية مهارات الذكاء الانفعالي في المواقف التعليمية، وتقبل وجداناتنا وضبطها؛ استخدام منظومة الأنشطة التعليمية الآتية:

الصفحة69


ويستخلص مما سبق؛ أهمية توظيف الانفعالات إيجابياً في المدرسة، لأنها تدفع التعلم والذاكرة، والواقع التعليمي في أغلبه يفصل الانفعالات عن المنهاج، ويستبعد معظمها إلى مجال الفنون والتربية الرياضيه وبرنامج الأنشطة خارج المنهاج، وبفصلنا الانفعال من المنطق والعقل في حجرة الدراسة، فإننا نفصل وجهي عملة واحدة، ونفقد شيئا مهماً في العملية التعليمية (2004,50 ,Paul).

ومما يعزز أهمية توظيف مهارات الذكاء الانفعالي وبرامجه في المناهج التعليمية والسياسات التعليمية، ما تواترت به الدراسات من أن العوامل الانفعالية هي الأساس الضروري للنجاح المدرسي ولكل أشكال التعلم، ولذلك فإن الدراسات تؤكد أن الأداء الإبتكاري يعتمد إلى حد ما على الخصائص الانفعالية، مما يؤكد أهمية الذكاء الانفعالي في تفعيل عملية التعلم، ومساعدة الطلبة على تحقيق ما ينشدونه من الإنجاز الأكاديمي والإبداع المدرسي (راضي، 2001،176).

وتشير بعض الدراسات إلى مؤثرات متغير الجنس في مجال التعاطي مع مهارات الذكاء الانفعالي، مما يشير إلى أهمية إعطائها اعتباراً لدى المنظرين التربويين في مجال المناهج والذكاء الانفعالي، إذ يؤكد حجازي (2003.13) على أن الذكور الذين يتمتعون بالذكاء الانفعالي يبرز لديهم الحس الاجتماعي، والود والانفتاح، والالتزام مع الآخرين وبالقضايا العامة، والتعاطف، وتقديم الرعاية، والرضى عن الذات، والارتياح مع الآخرين، بينما تتصف الإناث اللواتي يتمتعن بالذكاء الانفعالي بالثقة بالنفس، والإيجابية نحو الذات والانفتاح، والتلقائية، وحب العشرة، والقدرة الجيدة على تحمل الشدائد، وتلك المؤشرات السابقة لدى كل من الذكور والإناث، تدل على النضج النفسي، لذلك فإن النضج النفسي والذكاء الانفعالي كلها أمور تنبع من الصحة النفسية، والتي تشكل أساس الشخصية والإقبال على الحياة.

الصفحة70


البرامج التعليمية في الذكاء الانفعالي

استطاعت مؤسسة كاسل (Casel) أن تحدد عدداً من الجماعات التي تعمل وتهتم

في مجال الذكاء الانفعالي، ولديها مكتبة مرجعية في مجال البرامج التعليمية المتعلقة به، وتبنت تربويا ما يتعلق بالتعلم الاجتماعي الوجداني، فضلاً عن توفير شبكة اتصالات لأولئك المهتمين بتحصيل معلومات حول هذه البرامج وموادها التدريسية، وتقديم استشارات في مجال التعلم الاجتماعي الوجداني، وتمكين المتابع من معاينة تلك البرامج وزيارة مواقع تنفيذها، في المدارس المختصة بذلك، وتسهيل كافة الترتيبات المتعلقة بذلك.

وادرج البرامج التعليمية التي تم ترجمتها من موقع مؤسسة كاسل الإلكتروني على النحو الآتي:

برامج مدرسة ( Lake Placid)

وهي مدرسة داخلية في نيويورك، وتوفر بيئة ذات توجه أسري، وتستهدف تنمية المتعلم ككل، وتكرس جهودها لتحقيق ذلك، إذ يتعلم الطلبة في بيئة ريفية؛ كلاً من المهارات الاجتماعية والوجدانية والعقلية التي يحتاجونها؛ لتحقيق حياة حافلة خصبة كاملة من التأمل والتفاعل الاجتماعي و تقدم المدرسة عبر برامجها التعليمية؛ حلولاً لما يواجه بعض الطلبة من صعوبة في التوافق مع الرفقة والمجتمع المحلي، والحياة الأسرية في بيوتهم، وهكذا فأن هذه المدرسة توفر بيئة يتعلم فيها الطلاب تجاوز ما يعترضهم من مصاعب، و تساعدهم على تقبل أنفسهم، وتقبل الآخر المختلف، وتقبل المدرسة طلبة المدرسة الابتدائية وطلبة المدرسة المتوسطة.

برنامج جامعة واشنطن التعليمي :

ويعتمد على منهج تعليمي، يتعلم فيه الطلبة كفاية الوعي بالانفعالات، وكيفية التعبير عنها، وكفاية السيطرة عليها وإدارتها، من خلال مواقف تستلزم التفكر، واستخدام

الصفحة71


اللغة اللفظية في التعبير عنها، ومنظومة مفرداتها في التعبير عن الكفاية الانفعالية الذاتية والكفاية الاجتماعية، ومهارات حل المشكلة اجتماعياً، ومهارات اللغة لضبط الذات ويباشر الفريق البحثي الخاص بهذا البرنامج في جامعة واشنطن؛ مهمة القيام بالتدريب وتقديم المساندة المطلوبة لهيئة العاملين في البرنامج التعليمي، وتوفر ورش التدريب للبرنامج مواد خاصة للطلبة الذين لديهم عيوب سمعية، ويركز البرنامج على جميع الصفوف الابتدائية.

برنامج ( Primary Mental Health Project.) (PMHP):

وهذا المشروع يمثل عدة برامج مختلفة، تختص بالصحة العقلية، ويتضمن تنمية كفايات انفعالية واجتماعية أكثرها انتشاراً يطلق عليه (PMHP)، حيث يكشف أعراض التعرض للمخاطر، التي تعزى إلى العزلة الاجتماعية والعدوان، والإخفاق الأكاديمي. وهذا المشروع يتعاون مع جمعية زملاء الطفل Child Associates ، والذين يلتقون معهم مرة في الأسبوع، لمساعدتهم على بناء علاقات إيجابية والقدرة على مواجهة الحياة، وتفعيل مهارات تعلم اجتماعي ووجداني في سلوكهم، ويتضمن برامج حل المشكلة الاجتماعية التي تضم Enhance الخاص بالأطفال في سن ما قبل ورياض الأطفال، فضلاً عن تنمية مهارات التفكير الناقد، وهناك برنامج أطفال الطلاق ومركزه المدرسة، ويقوم على منهج تعليمي قصير الأمد، ويعد برنامج تدخل خاص بالأطفال الذين يتعرضون لحدث حياتي ضاغط، ولقد حظي بالتثبت من صدقه بحثياً على المستوى القومي، والجماعات العمرية التي أفادت من هذا المشروع هم في سن ما قبل المدرسة والمدرسة الابتدائية.

برنامج ( (Resolving Conflict Creatively Program (RCCP)

وهذا البرنامج مبادرة من المربين لتنمية المسؤولية الاجتماعية، وحل المشكلات

بطريقة إبداعية، ويزود المدرسين بتدريب عميق ومناهج تعليمية، وتنمية هيئة العاملين

الصفحة72


ومساندتهم، ويقدم ورش عمل للآباء، وينفذ برامج تدريب تتعلق بالقيادة، لإداريي المدارس والهدف العام للبرنامج يتركز؛ في أن هناك اختيارات كثيرة لمعالجة الصراع، بعيدا عن السليبة والعدوانية، ويزود البرنامج المتدربين بمهارات توظيف تلك الخيارات في حياتهم الواقعية، فضلاً عن تقديرهم لثقافتهم وثقافات الآخرين، وتمكينهم من لعب دور قوي في خلق عالم اكثر سلاماً وأمناً، ويتعامل البرنامج مع عدة مستويات صفية، مع التركيز على المدرسة الابتدائية والمتوسطة.

حجرة الدراسة المتجاوبة أو المستجيبة ) The Responsive Classroom )

 وتعد حجرة الدراسة المتجاوبة مدخل يحقق التكامل بين تدريس المهارات الأكاديمية والمهارات الانفعالية والاجتماعية، كجزء من الحياة اليومية المدرسية، ويترجم البرنامج الرؤية والمعتقدات إلى ممارسات سليمة وتشكل هذه الممارسات مواقف تعليمية في حجرة الدراسة، ينمو فيها التعلم الأكاديمي المستند إلى الذكاء الانفعالي، وتنمو فيها السلوكات الإيجابية من خلال عمل المدرسين اليومي مع الطلبة، ويضم البرنامج اليومي لقاء الصباح وتنظيم حجرة الدراسة، والقواعد والعواقب المنطقية، ووقت الاختيار للمواقف، والاكتشاف الموجه، والتقييم وإرسال تقارير للآباء، وتدل الملاحظة والبحث على أن هذه الممارسات تقوي تقدير الذات، والسلوك الاجتماعي الإيجابي، وتقلل من المشكلات السلوكية في المدارس الحضرية والريفية، وحجرة الدراسة المستجيبة تضم استراتيجيات تعليمية، في تنمية التفكير والتفاعل مع الطلبة، وتشكل أساليب الإدارة الانفعالية ومهاراتها التي تدرس مجموعة من الخطوات أو الوصفات التعليمية ومدخل شامل للتدريس والتعلم والحياة.

برنامج ( Second Step Violence Prevention Curriculum)

وهذا البرنامج خاص بالمهارات الانفعالية والاجتماعية، حيث يدرس ويعلم الطلبة كيف يغيرون اتجاهاتهم وانماطهم السلوكية التي تسهم في العنف، وينمى مستوى الذكاء

الصفحة73


الانفعالي لدى الطلبة من خلال الوعي بالذات والتعاطف، وضبط الاندفاع، وحل المشكلات وإدارة الغضب والسيطرة عليه، وذلك بدروس متعددة الوسائط، والمناقشات الصفية، ولعب الأدوار. وللبرنامج دليل اسري بصاحبه، حيث يُدرس آباء الطلبة هذا النهج، ليمارسوا ويوظفوا تلك المهارات في تعاملهم مع أبنائهم، ودعم التنفيذ والمساندة للبرنامج، والبرنامج يستهدف الطلبة والمدرسين وآباء الطلبة من مرحلة ما قبل المدرسة حتى الصف التاسع.

البرنامج (Social Decision Making and Problem Solving) :

يستند هذا البرنامج على منهج تعليمي ينمى الكفايات الانفعالية والاجتماعية لدى الطلبة، ويقي ويمنع من العنف وتعاطي المخدرات وما يرتبط بها من مشكلات سلوكية، والمهارات الأساسية التي يقدمها البرنامج؛ تضمن كيف يفهم الطلبة المواقف الاجتماعية، ومشاعر الذات وقواعد التعاطف، والتهدئة عند الانزعاج أو تحت الضغط، وخلق أهداف موالية للمجتمع وذات مغزى شخصي، والالتفات إلى البدائل والعواقب التي تتعلق بطرق بلوغ الأهداف، ووضع . خطط فاعلة وتنفيذها، والتغلب على العقبات الشخصية وبين الشخصية في الحياة ويركز المنهج على مهارات الاستعداد (ضبط الذات، والوعي الاجتماعي والمشاركة الجماعية، واستراتيجيات اتخاذ القرار ومهارات تطبيق الكفايات الانفعالية والاجتماعية مندمجة في الأكاديميات والمواقف الشخصية وبين الشخصية، وتضم مواد المنهج التعليمي أدلة للأباء وللتدريب والبرنامج يتعلق بسن ما قبل رياض الأطفال وحتى الصف الثاني عشر مع التركيز على المدرسة الابتدائية والمتوسطة.

برنامج النجاح من اجل الحياة ( Success for Lif)

 أطلقت أكاديمية لاسال اسم النجاح للحياة أو النجاح من اجل الحياة على برنامج يختص بتنمية المهارات الانفعالية والاجتماعية مندمج في منهج تعليمي عبر ! المدرسة كلها ويتم من خلاله إشباع حاجات الطلبة في هذا المهارات من خلال مبادرات مدرسية متنوعة

الصفحة74


ومترسخة وجديدة، ولقد تم وضع أهداف السلوك المجتمعي فيه بجهود مشتركة بين مدير الأكاديمية وأعضاء هيئة التدريس بها وممثلي الطلبة، ويعمل البرنامج كتوجيه شامل للسلوك المقبول، ويضم البرنامج دروساً في المهارات الانفعالية والاجتماعية، تدرس على نحو صريح في كل مادة دراسية أكاديمية عدة مرات في السنة، ويعالج في كل صف دراسي، والبرنامج فريد في نوعه من حيث مزجه برامج محددة عبر المدرسة كلها، من خلال استراتيجيات التعلم المستند إلى الذكاء الانفعالي في كل مادة دراسية وموضوع تعليمي.

برنامج (( Preschool Stress Relief Project (PSSRP):

ويختص هذا البرنامج بموضوع الصحة النفسية ومنع تعاطي المخدرات، حيث صمم وطور لغاية توفير تدريب في هذه المجالات، وتقديم استشارات نفسية، تستند إلى إدارة الانفعالات، وتوفير مصادر تربوية في إدارة الضغوط، والرعاية المدرسية، ويقدم المشروع تعليماً يستند إلى مهارات المواجهة في مراحل ما قبل المدرسة، وفي المدرسة الابتدائية، للذين يعيشون في بيئات عالية المخاطر، لغاية خفض مستوى الضغوط في حياتهم، ليتمكنوا من الإدارة الإيجابية لانفعالاتهم، والمشروع يقدم ورش عمل للأباء تختص بأساليب تقليل الضغوط، وتضم المواد التعليمية في هذا البرنامج منهجاً تعليمياً يستند إلى إدارة الصراعات والضغوط، وشرائط فيديو ومسرحاً للعرائس وملصقات وأناشيد مغناه، وكتبا وكراسات عمل للآباء، وتتوافر فيه خدمات تدريبية أيضاً.

برنامج (School: Social Competency Program Reach Out Of): 

وهذا برنامج شامل متعدد السنوات للصفوف من رياض الأطفال حتى الصف الخامس، وهو منهج تعليمي طوال العام، ويحتوي على أربعين درساً، في ثلاثة مجالات، تدور حول الكفايات الانفعالية والاجتماعية، وقد حددها البرنامج؛ بخلق بيئة صفية تعاونية، وبناء تقدير الذات وعلاقات إيجابية مع الآخرين وحل مشكلات البين شخصية وتقدم الدروس في البرنامج مرتين كل أسبوع في صيغة دائرة مفتوحة وتتوافر فيه ورش عمل للأباء أيضاً.

الصفحة75


برنامج ( The Social Competence Program for Young Adolescents (SCPP-YA


وهذا برنامج وقائي خاص بالمدرسة المتوسطة، حيث يدرس الطلبة فيه مهارات معرفية وسلوكية وانفعالية، ويقدم البرنامج مساهمات في مجال تطبيق هذه المهارات في معالجة التحديات اليومية، والمشكلات واتخاذ القرارات ولقد كان ولا يزال عنصرا محوريا، للنظام التعليمي في مدرسة نيو ها فن (New Haven) من مرحلة رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر، عن طريق تعليم منهج النمو الاجتماعي، منذ1989. ويضم البرنامج خمساً وأربعين جلسة تدريبية، تضم ثلاث موديولات؛ حيث يشتمل الأول منها على سبع وعشرين درساً من التعليم المكثف في مجال مهارات حل المشكلات الاجتماعية SPS، ويلي هذه الدروس الأساسية، برنامجان يضم كل منهما تسع جلسات، حيث يتعلم الطلبة كيفية تطبيق مهارات حل المشكلات الاجتماعية في مجال تعاطي المخدرات، والسلوك الجنسي الضار، وتطوير مهارات البرنامج وتحسين توظيفها في أسلوب الحياة اليومية للطلبة، حيث يدرب المتعلم على استراتيجيات معينة في حل المشكلات، منها لعب الأدوار، بالإضافة إلى الدروس في حجرة الدراسة، حيث يشجع الطلبة على توظيف استراتيجيات حل المشكلة في حياتهم المدرسية والأسرية وقضايا المجتمع المحلي.

وتشير بحوث التقييم للبرنامج؛ إلى أن هناك ارتباطاً إيجابياً بين البرنامج و مهارات حل المشكلة، وإدارة الانفعالات ونبذ الإدمان على الكحول وغير ذلك من الاتجاهات الاجتماعية الإيجابية.

وتستخلص الباحثة مما سبق؛ دور المؤسسات التربوية الغربية ومنها مؤسسة كاسل، في تقديم الدعم والنشر لبرامج تربوية تستند إلى التعلم الوجداني الاجتماعي، وتعاونها مع مؤسسات تربوية متنوعة لغاية تنفيذها ودراسة أثرها في الميدان التعليمي، فضلاً عن دورها من جهة أخرى في التنويه بأهمية الذكاء الانفعالي، وتفعيل مهاراته في المدرسة من جهة؛ ودراسة أثرها في النضج الانفعالي للمتعلم، وترقية الكفايات الاجتماعية لديه، من خلال حل المشكلات وإدارة الصراعات وتحقيق بناء نفسي مستقر للأجيال. 

الصفحة76


تربية الانفعالات في التربية الإسلامية

اهتمت التربية الإسلامية بتشكيل الشخصية الإسلامية المتوازنة في الأبعاد العقلية والانفعالية والاجتماعية والإيمانية والجسدية كافة، وأولت المشاعر اهتمامها من خلال توظيفها في ظل المرجعية الشرعية، وتضمنت النصوص الشرعية منظومة متنوعة للانفعالات، تم التعامل معها بواقعية، وإبراز أبعادها، ومواطن الإيجابية في التعامل معها، مع التحذير من مغبة الانسياق مع الانفعالات الحادة السلبية، دون توجيهها وفق التوجيهات الشرعية في الكتاب الكريم والسنة الشريفة، ولقد قدم الشرع الإسلامي منهجا تربوياً متكاملاً في التعامل مع الانفعالات بإيجابية، وتوظيفها بفاعلية وحكمة في السلوك الفردي والاجتماعي.

وأكدت التربية الإسلامية على معالجة ضجيج ماديات الحياة من خلال المنهج الإسلامي الذي يتيح لنا معرفة اكثر عمقاً بأنفسنا، فمثل هذه المعرفة تمكن المرء من أن يفهم ما هي العمليات الميكانيكية التي تؤثر بها الحياة العصرية على وجداننا وجسمنا، فنكيف أنفسنا من خلال ما أتاحه لنا المنهج الإلهي من تهدئة النفس ونبذ العنف والسلوك القويم  (قطب، 1974،79). 

ويعد من سمات منهج تربية الانفعالات في الإسلام انه يعرف طريقه إلى النفس البشرية منذ اللمسة الأولى، ويعرف دروبها ومنحنياتها فيتسلسل إليها بلطف، ويعرف مداخلها ومخارجها فيسلك إليها على استقامة، ويعرف قواها ومقدراتها فلا يتجاوزها أبداً، ويعرف حاجاتها وأشواقها فيلبيها تماماً، ويعرف طاقاتها الأصيلة البانية فيطلقها للعمل والبناء، ويتسم بالرفعة والسمو وهو نظام وجداني يأخذ في اعتباره فطرة هذا الإنسان بكل مقوماتها، وخصائص تكوينه وتركيبه بكل مقتضياتها (قطب، 1982،30).

ونوهت التربية الإسلامية في ضوء هذا المنهج الرباني، بأهمية بث روح الود والبشاشة مع الآخرين وملاقاة الآخرين بالابتسامة الصادقة، لأنها مكون وجداني يسهم في إيجاد المجتمع المسلم المتحاب، فضلاً عن الأجر المترتب من بذلها للآخر، فالابتسامة هي

الصفحة77


انفراج الأسارير عن انفعالات صادقة داخل النفس ، تحرك الوجدان، وتحمل إشارات على الوجه؛ تتضمن لغة خاصة تلتقطها القلوب، فتنجذب، وتتألف (السيسي، د.ت،86). ولقد عاتب الله تعالى رسوله حين تجهم في وجه الصحابي ابن مكتوم . قال تعالى : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِكْرَى ) (عبس: 1-4).

ودعت التربية الإسلامية إلى اللجوء إلى الله في السراء والضراء، وشواهد ذلك متعددة؛ منها خطاب القرآن الكريم للمشاعر، عند تأججها في مواقف الخوف والترقب لتؤول إلى آمن وطمأنينة بالركون إلى الله تعالى، وتفويض الأمر إليه، وشاهد ذلك؛ قوله تعالى : ( فَرَجَعْنَكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرُ عَيْهَا وَلَا تَحْزَنَ ) (طه:40)، وفي شاهد آخر قوله تعالى: ( وَأَصْبَحَ فَوَادُ أُمِّ مُوسَى فَرِعًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (القصص:10).

وربت التربية الإسلامية أفرداها في ضوء هذا المنهج الرباني على دفع الحزن وعدم

الاستسلام إليه، يقول تعالى : ( فَنَادَنَهَا مِن تَحتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبِّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ) (مریم: 24،) ويستخلص هنا خصوصية الأمومة في الإسلام، وما يعتريها من انفعالات حول الأبناء، وفي مواقف البلاء والشدة، واثر التربية الإيمانية في تعزيز تهدئة تلك الانفعالات، وتوجيهها نحو الأمن والطمأنينة.

ومن هنا يستنجد المؤمن بربه عند الشدائد ليطلب العون منه على تجاوز المصاعب، ومن ذلك فتية الكهف الذين أووا إلى الكهف؛ يقول تعالى: ( إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَى لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ) (الكهف:10)، وتلك الثلة من الفتية تعد قدوة للمؤمنين في اللجوء إلى الله تعالى والاستنجاد به.

الصفحة78

وطلب الرحمة منه، والاستعانة به في الاهتداء إلى الرشد في الأمور والحياة، عند اشتداد الخوف من العدو، حيث يرتفع مستوى الانفعال، وهنا يبرز الشاهد في اثر الدعاء، واللجوء إلى الله تعالى في تهدئة الانفعالات، وتحقيق الأمن والطمأنينة في أعماق الفرد المسلم، وتوجيهه ربانياً نحو منصة الأمن في الحياة. (الخالدي، 1996،45).

ومما يسهم في دفع الحزن عقيدة الأيمان بالقضاء والقدر، لأن لها اثراً بالغاً في تهدئة النفس، لأن كل شئ بقضاء الله وقدره، ولا يقع شيء في الكون إلا بعلم الله وبإذنه وتقديره قال تعالى : ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَبْرأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحديد: ايه22)، وقال تعالى: ( وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصبرين ) (البقرة:155).

وهكذا فالأمور تجري بتقدير الله وحكمته، فمن هنا ينهزم الشعور باليأس والتشاؤم؛ لأنه ليس من شيم المسلمين مهما اشتدت المصاعب والتحديات التي يواجهها الفرد أو المجتمع في مسيرة الحياة على كافة الأصعدة.

وقدمت التربية الإسلامية منهجاً لمواجهة الابتلاءات في الحياة، إذ يعد الابتلاء من سنن ما يلاقيه الفرد في الحياة، حيث يتطلب الأمر تجاوزها وتعزيز الأمل، من خلال تحفيز الذات لمقاومة المصاعب والتحديات ولقد وظفت التربية الإسلامية نصوصها، حتى يثمر البلاء نتائجه من خلال الصبر الجميل والسيطرة على النفس وتحمل المصاعب في الحياة، لغاية تحقيق الأهداف الأخروية والأهداف الدنيوية السامية، وهذه وظيفة الابتلاء البنائية للفرد والجماعة المسلمة، إذ يقول: مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء (مسلم، د.ت كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب مثل المؤمن، 4/2123.(

والشاهد هنا أن تعرض الزرع للحركة الدائمة يكسبه قدرة على الثبات أمام الرياح الشديدة، فلا تتعرض للتحظم، ومن هنا فأن الخبرات المؤلمة تكسب قوة احتمال على

الصفحة79

مواجهة الصعاب وهذه معطيات التربية الإسلامية عوضا عن الركون للآلام والاستسلام إليها، وهذه متطلبات مهارة الدافعية في الذكاء الانفعالي.

       وهكذا فإن المؤمن يقر في قلبه ووجدانه بوعي وحكمة أن البلاء الذي يقع عليه، إنما يقع عليه بإذن الله عز وجل، لتجري عليه سنة الله في عباده، وأنه حينئذ يقبل على المحنة والابتلاء بنفس راضية وسكينة ربانية (أبو غنيمة، 1988 ،26)، وبالتالي تكون تلك الرؤية الوجدانية، مصدراً للسيطرة على انفعالاته في محنة البلاء، ودافعاً لتجاوزها، ومصدرا للأمل بانتهاء المحنة وبلوغ الهدف.

وربما عزز ذلك التوجيهات التربوية النبوية التي أكدت على تجاوز المصاعب التي تعترض المؤمن في الدنيا، ودعته إلى تعليق آماله وتطلعاته على الآخرة، لذلك من كانت الدنيا هدفه ومبتغاه، تنازعته الهموم وشدة الانفعالات، من كل حدب وصوب، يقول صلى الله عليه وسلم : من جعل الهموم هماً واحداً هم أخرته كفاه الله هم دنياه ومن تشعبت به هموم أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك (ابن ماجه ،1995 ، باب الانتفاع بالعلم والعمل به 97/1). 

          ويبرز في التربية الإسلامية دور العبادات في تهذيب الفرد، ومقاومة نزواته وامتلاك السيطرة عليها، وعدم الانجرار نحو مواقف الغضب وحدة الانفعالات، مما يحصنه من الانزلاق في سلوكات غير مهذبة تتعارض والنهج الإسلامي في السلوك.

      وحذرت ذلك التربية الإسلامية؛ من مغبة الانسياق للانفعالات؛ التي تؤججها الغيرة والأحقاد لأنها تسهم في إغلاق القلب عن الاستجابة للحق، وتلغي كل محاولة للتفكير الهادئ، وتغلق كل باب للمراجعة الذاتية، وتسهم في الانسياق لأهواء النفس، ولعل قصة قابيل وهابيل تعطي دلالة على ذلك من خلال استحواذ الانفعالات السلبية على الأخ الحاقد وعناده الذي ملأ قلبه فترجمه من خلال زوال كل معاني الإنسانية من قلبه تجاه أخيه (الخالدي، 1996،98). وهكذا فإن قيم ذلك المنهج التربوي الرباني تشكل حشداً للطاقات، وتقوية للهمم

والعزائم، وتنشيط للوسع والاحتمال وترقية بالانفعالات نحو مواطن الاستقامة السلوكية.

الصفحة80


        واهتمت التربية الإسلامية أيضاً بتعزيز المشاعر المتفائلة، لأن الخبرات التي يتلقاها الفرد في ظل إحساس الشؤم تنعكس سلباً عليه، فالأفكار المترسبة في الأعماق من خلالها تعمل آلياً وتستجيب للأحداث والمثيرات استجابة اليه، مما يجعل هناك مساحة للتقاعس والانهزام، فيربط الأحداث في مجموعها في ظل تلك الانفعالات السلبية، وتنعكس سلباً على سلوكه، في حين ترتبط تهدئة النفس ودفع حافزيتها بالرؤية المتفائلة للأحداث، مما ينعكس إيجاباً على سلوك الفرد وتعاطيه مع الآخرين، وتكون هناك مساحة بينه للصواب والإنجاز في حياته (سعید، 1989،108).

        وعنيت التربية الإسلامية بتربية الأفراد منذ الصغر على تلك المعاني الراقية للمشاعر المحفزة للطاقات ونبذ تلك المشاعر المحبطة، ومن هنا دعا الإسلام إلى تأطير المجتمع بمشاعر الألفة والمودة بين المسلمين، وحضهم على التسامي في ميادين الحب والتراحم فيما بينهم، وأكدت التربية الإسلامية على ذلك من خلال رؤية تربوية عميقة؛ تبتدئ تبربية الطفل، بحيث يكون محل محبة وعطف الأهل والآخرين، وهو يتغذى نفسياً بهذه المحبة، التي ينعم بها من أمه وأبيه وذويه ومجتمعه، وهو يربي على ذلك ليكون متعاطفا مع غيره، بحيث . ترسخ فيه سمة التعاطف من خلال توفير أجواء آمنة تغمرها المحبة والتواد. (الباني1994 ، 49(.

    وما سبق ذكره ليس غريباً لأن التربية الإسلامية بادئ ذي بدء هدفت إلى تكوين الشخصية المسلمة المتكاملة، التي تتمتع بحس اجتماعي مرهف، وتكون صاحبة مهنة فكرية أو يدوية أو كليهما معاً، ليكون عضواً نافعاً في المجتمع ، وليس سلبياً يعيش على المجتمع، حيث يستطيع أن يحب الإنسانية ويسهم في تطويرها (الفرحان، 34.1991). 

قال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَلَمِينَ ) (الأنبياء:107) وقال تعالى : ( يَنأيها النَّامِنُ إِنَّا خَلَقْتَكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَكُمْ شُعُوبًا وَقَبَابِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَلَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13).

الصفحة81


          واهتمت التربية الإسلامية بالدعوة إلى تربية العواطف الإيجابية في المجتمع، ومنها الخوف من الله تعالى:

قال تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَنُ مُخَوَفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) (آل عمران،175).

و مدح الله عباده الذين يخافونه ووعدهم بالثواب العظيم قال تعالى : ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ، جَنَّتَانِ ) (الرحمن،46).

وشكلت تلك العاطفة الربانية، مكوناً من مكونات الإنابة والخشوع في العبادات، التي يبلغ بها العبد منصة الإخلاص لله تعالى في العبادات (النحلاوي 209.1979(.

         وعززت التربية الإسلامية أساليب الحوار الهادئة في الأسرة، وحضت على نبذ العنف في حل الأزمات الأسرية، وأكدت على عدم اعتماده في تربية الأبناء، ونوهت بضرورة خلق أجواء من الثقة بين الأباء والأبناء تؤهلهم إلى مناص الحوار الهادئ، وحل المشكلات في إطار التزاوج بين هدوء الانفعالات ومنطقية الحوار (الكبيسي، (154.1987.

    ورسخت التربية الإسلامية أبعاد التواصل الاجتماعي؛ من خلال نبذ الانزواء والعزلة، التي تنشأ عن عدم التوفيق بين الفردية والجماعية، وإما ايثاراً للعافية والسلامة، لأن التواصل مع أفراد المجتمع يساعد على اتساع الأفق وتحصيل الخبرات وبعد النظر، وحين يخسر الإنسان الخبرة أو التجربة فإنه يظل ذا أفق ضيق ورؤبة قاصرة، يترتب عليها فوضى من الانفعالات وحالة من عدم الاستقرار النفسي، ومن هنا وجهت التربية الإسلامية إلى أهمية التواصل الاجتماعي ، وعززت كفاياته من خلال منصة الأخلاق الحميدة (نوح 81. ٬(1988

      وحفل الفكر التربوي الإسلامي بمنظومة من المهارات الاجتماعية، التي وحدت المجتمع الإسلامي، وجعلته في بوتقة متمازجة متعاونة متناسقة في بناء المجتمع الإسلامي

الصفحة82


 والحضارة الإسلامية، من خلال أصرة الحب وبشعور التطلع إلى وجهة واحدة، إذ بذل المسلمون الأوائل أقصى كفاياتهم الاجتماعية وصبوا خلاصة تربيتهم في ظل النبوة في وحدة متماسكة، وإنسانية صادقة، وهذا ما لم يجتمع لأي تجمع آخـر علـى مـدار التاريخ. (قطب، 1983،59).

     وحثت التربية الإسلامية على تحري الحلم والتزام العدل والأنصاف عند الاختلاف، ونبذت ما يكون عند ذلك من سرعة الغضب وحدة الانفعالات، وأكدت على أهمية الحلم والأناة في مواقف الاختلاف، وأكدت أن الغضب الله تعالى؛ لا يعني الجور وتجاوز الحد الشرعي في إنكار المنكر، ومن هنا تبرز أهمية ترويض الطبائع الشخصية؛ بطول المجاهدة لتستقيم مع النصوص الشرعية، ومن ذلك تربية الانفعالات وفق المنهج التربوي الإسلامي الذي يتسم بالواقعية والاتزان معاً (الصويان، 2002،4).

وقدمت التربية الإسلامية معالجات ناجعة لتهدئة النفس ومنها اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء عند الكروب والهموم ، إذ فيما يرويه ابن عباس رضي الله عنه  أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: لا اله إلا الله العظيم الحليم، لا اله إلا الله رب العرش العظيم، لا اله إلا الله رب السموات ورب الأرض. لا اله إلا الله رب العرش الكريم (مسلم، د.ت، کتاب الذكر والدعاء، باب دعاء الكرب 4/2092).

      ويستخلص مما سبق ثراء ما تقدمه التربية الإسلامية من توظيف للمشاعر في حياة المسلمين؛ ولذلك تؤكد للمتربين بأنه حتى يسود الحب والصفاء في النفوس والقلوب، فأنه لا بد من الالتزام بالآداب النفسية والاجتماعية في المجتمع المسلم، والمبادرة إلى نبذ البغضاء في القلوب، وهكذا يستعين الإسلام بهذه الآداب الرفيعة لتحقيق ذلك، لغاية تربية الفرد المسلم على السلوك المهذب في ظل انفعالات هادئة ذكية، وأدب جميل، ومعاملة طيبة، مما يشيع في جو الحياة الاجتماعية الرضى والبشاشة والطمأنينة (قطب، 1983،109).

    وتسهم تلك التربية الربانية للانفعالات في رفع مستوى الأمل، والثقة بالنفس لدى المتربي والالتزام بالمرجعية العقدية في التعامل معها، وسلامة الصدر من الأحقاد وليس هناك النجع مما سبق ذكره؛ في طرد الهموم، وقرة العين وسلامة القلب، والرضي عن الله

الصفحة 83


تعالى، من خلال تزويد الفرد المسلم والمجتمع المسلم؛ برؤية انفعالية ناضجة متفائلة، وسلوك إيجابي يتسم بالذكاء والاستقامة، مما يدعم قيام الجماعة المسلمة؛ على عواطف الحب المشترك، والود الشائع، والتعاون المتبادل، حيث إشاعة الرفق والتراحم؛ بعيدا عن الخصومة والتنازع (الغزالي، د. ت،101).

وأكدت التربية الإسلامية على تحفيز الفرد نحو تحقيق أهداف الشريعة في المجتمع، وتوجيه أهدافه في ظلها، وربته على تحمل المسؤولية التي تنعكس على انفعالاته، بحيث تقهر الخوف وتربيه على الشجاعة والأقدام، ولعل عقيدة الجهاد شاهداً على ذلك؛ من خلال اقتحام مواقف الخطر، والسيطرة على انفعالاته، والثقة بتحقيق أهداف أمنه، والتفاؤل بالنصر من الله تعالى.

     ولا يخفى أن بلوغ منصة التفاؤل في الحياة؛ تتطلب الإرادة التي تقاوم الانفعالات الهازمة للذات وتعلية الانفعالات التي تمكن صاحبها من السيطرة على مواقف الصراع، والمثابرة على العمل والابتسام الهادئ الرصين في معالجة المشكلات، وتلك هي سمات منهجية التربية على التفاؤل في الإسلام، ومن ذلك انعكاس تلك التربية في معالم الوجه وتعبيراته، التي تشكل انعكاساً لمكنونات الانفعالات في الذات، وانعكاس للشخصية، ومن هنا يستقرئ الفرح من أساريره، ويستقرئ الحزن من إشاراته، ولقد حفل القرآن الكريم بشواهد متعددة منها التعبير عن وجوه المؤمنين بأنها مشرقة فرحة نضرة، وان وجوه الكافرين مظلمة مسودة عبوسة.

قال تعالى : ( يَوْمَ تَبْيَضُ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُ بَعْدَ إِيمَنِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (3) وَأَمَّا الَّذِينَ أَبْيَضَتْ وجُوهُهُمْ فَفِى رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ ) (آل عمران: 106-107).

وقال تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَبِدٍ مُسْفِرَةٌ ) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) (عبس:38_39)

الصفحة84


         وكذلك تعبير القرآن عن وجوه الذين يمارسون وأد البنات بأنها مكفهرة تمتلئ بالغيظ الشديد؛ المعبر عن حالة النفور المطلقة؛ من ولادة البنات.

قال تعالى : ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًا وَهُوَ كَظِيمٌ)

(النحل:58).

              وقدمت التربية الإسلامية منهجاً متكاملاً لتهذيب النفس الإنسانية، ومن هنا فقد وجد

         النبي والصحابة له في القرآن الكريم ما أعانهم على فهم أنفسهم والسيطرة عليها بعد مجاهدة سماها )الجهاد الأكبر)، ولا يخفى أن مقاومة رغبات النفس وشهواتها ونزعاتها يكتنفه غموض وتعقد وتشابك؛ لا يجلبه إلا السير على منهج الله الذي يتسق مع الفطرة الإنسانية ويهذبها، وفي ذلك تحقيق للأمن النفسي، وهذا ليس بالمطلب الهين في حضرنا الحاضر الذي أخذت تسيطر على الإنسان بواعث القلق والخوف والضيق ودواعي التردد ومثبطات الحياة (الخراشي، 1987،28).

      ولقد أسهمت النصوص القرآنية في تقديم مبادئ المنهج القرآني في تهذيب النفس الإنسانية، وترقية انفعالاتها وأدرجها على النحو الآتي (سرسين، 1981،102):   

     وهكذا يستهدف المنهج القرآني إقامة المجتمع المسلم الطاهر من خلال البدء بترقية نفعالات الفرد والسمو بدوافعه، وتوزيع طاقاته بين متطلبات الدنيا والآخرة وبين الحاضر الآتي، وبين ذاته ودعوته من خلال تربية الأفراد في محضن الأسرة ابتداء؛ حيث اهتم

الصفحة85


      الإسلام بتحقيق الدفء والمشاعر المرهفة في الأجواء الأسرية، انطلاقاً من أن الأسرة هي الوحدة الأولى في المجتمع، والبيئة الصغيرة للفرد، ولذلك أقامها القرآن على أساس من الحق والعدل والإحسان، وأحاطها بفيض من البر والمواساة والحب، فالزوجية سكن ومودة ورحمة وإحسان في المعاملة، والبيت مقام الأمن والسكينة، والانفعالات الإيجابية التي تتسم بالوعي والحكمة( شديد، 1982،152).

     ومن هنا فأن المشاعر في الإسلام منهج رباني له حدود، وطريق ومعالم وقيود ومخطط تربوي إلهي سما بالعواطف، وهذب الأخلاق وشدّب الغرائز، وقدم لكل نفس ما يعصمها من الجنوح وما يمنعها من الزلل والانحراف ولعل النفس الإنسانية اليوم في صراعها المادي، بأمس الحاجة إلى ما يأخذ بيدها إلى آفاق الأمن والسلام النفسي، وأجواء الإخاء والنقاء الاجتماعي (الشريف، 1983،16).

        وترتقي أيضاً التربية الإسلامية بدافعية الفرد؛ انطلاقاً من أن الإنسان خلق لمهمة أعلى، وهيئت له الطبيعة والكون على قدر تلك المهمة، وعندما ترتبط النفس الإنسانية بتلك المهمة العليا، التي تبلغ مقام خلافة الله في الأرض، فإن دوافع الطاقة للعمل والإنجاز ترتفع رقيا وتسامياً مع تلك المهمة، وعندما ترتبط النفس الإنسانية مع تلك المهمة العليا بصدق وإخلاص، ووعي وحكمة، فإنه تتساقط عنها مشاعر اليأس والإحباط وكافة المثبطات، وتمتلئ بمشاعر الطموح والأمل نحو الكمال المقدر في مقامات الإيمان والتقوى والإحسان والعلم وغيرها من منظومة القيم الإسلامية في الحياة، وعندها ستشعر هذه النفس المؤمنة بسعادة لا حدود لها، وبكرامة وعزة لا ذل ولا هوادة معها، وستجد السكينة والأمن والأمل والرضى والثبات والقوة. (عز الدين، 1986،479).

    وانطلاقاً مما سبق فقد حثت التربية الإسلامية على استحضار الرؤية المتفائلة في المواقف كافة، ونبذ التشاؤم والتبشير بالخير والكلمة الطيبة، ومن هنا فقد اشتمل التوجيه النبوي على عدد من الوسائل الواجب اتخاذها في علاج التشاؤم، ومترتباته من منظومة الانفعالات الحادة، وأشار إليها( القضاة، 2003،125)

الصفحة86


الصفحة87


يدفعه إلى البحث عن وسائل عمل الخير والرغبة في فعله، والاستزادة منه.  



   وهكذا، فإن الإسلام نهى عن التشاؤم وحرم الاعتقاد بذلك، ووجهنا إلى كيفية معالجة هذه الظاهرة، حتى لا تصبح مرضاً يؤدي إلى الإحباط واليأس، بل ينبغي أن تكون رؤانا للوجود ومواقف الحياة المتنوعة، منبعثة من التفاؤل الذي يوصل إلى الأمل ومقامات الاستبشار بالخير، وهكذا يكون التفاؤل دافعاً إلى العمل والجد والنشاط.

      ويستخلص مما سبق عمق الدلالات التربوية بشأن تربية الانفعالات في التربية الإسلامية، وما تتسم به من شمول الرؤية وإنسانيتها من جهة، ومرونة النهج والطابع العملي من جهة أخرى، مما يؤكد أهمية تفعيلها في مناهج التربية الإسلامية، واستمداد مبادئها في تربية النشء وتمكينه من التعامل مع انفعالاته بنية مخلصة لله تعالى، وبوعي وحكمة.

الصفحة88


الانفعالات في الإعجاز النفسي في القرآن الكريم :

         نالت الانفعالات مكانة مهمة في موضوعات الإعجاز النفس للقرآن الكريم، من خلال انضباطها في إطار بناء نفسي طاهر ، يلتزم أحكام الشرع، ورسالة الاستخلاف في الأرض، في رسالة تربوية عالمية، تتسم بالإنسانية وتحضر السلوك، والسلام النفسي في حياة الفرد والمجتمعات ومن هنا تبرز أهمية استقصاء مضامين ترقية الانفعالات في هذا النوع من الأعجاز القرآني، وتحديد مكانتها فيه.

    وبادئ ذي بدء؛ تبرز أهمية التعريف بهذا النوع من الأعجاز القرآني، الذي يتناول النفس الإنسانية وتهذيبها، ويبرز اثر القرآن الكريم في تهدئة نفوس قارتيه وسامعيه في أجواء الأمن والسكينة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيهِمْ حَرُونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَنَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَتَخِرُونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) (الإسراء: 107-109

 إذ تشير هذه الآيات إلى تأثير القرآن الكريم في نفس المؤمن، مما يؤدي إلى أن تقشعر جلودهم؛ وهي حركة غير إرادية تدل على عظم التأثر، ثم تلين جلودهم وقلوبهم، وتطمئن بذكر الله تعالى، قال تعالى: ( الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَطْمَئِنُ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَينُ الْقُلُوبُ ) (الرعد:28)" (شکري، 2001،778).

  ويعرف الإعجاز النفسي في القرآن الكريم بأنه حديث القرآن عن النفس الإنسانية وتأثيره فيها، ويتناول الأعجاز النفسي جانبين هما (الخالدي، 1992،334):

الصفحة89


         ولقد اهتم الإعجاز النفسي من خلال النصوص القرآنية بالحديث عن أطياف الناس ومواقفهم ومشاعرهم، وما يفرحهم وما يحزنهم، وبيان لمكنونات النفس وخفاياها، ودوافعها في القرآن الكريم( عباس وعباس، 1991،344).

     وأكدت موضوعات الإعجاز النفسي في القرآن الكريم على عدم استسلام المؤمن لليأس، وقدمت له الإجابات الشافية التي جعلته آمنا بعيداً عن ميادين الشك والقلق والتساؤل عن مصيره، ورسخت نصوصه عقيدة الإيمان بقضاء الله تعالى وقدره، خيره وشره، والاستعداد لليوم الآخر، وعدم الركون إلى الدنيا، ومآلها الفاني الزائل، ولقد ثبت من خلال دراسات نفسية أن مرد اغلب الأمراض النفسية وحالات الانتحار، يعود في جوهره إلى عدم الأيمان بقضاء الله وقدره، ووجود نهاية عادلة للبشرية من خلال الإيمان باليوم الآخر (مارديني، 2002،339).

           وتضمنت مضامين الإعجاز النفسي في القرآن الكريم، لغة الجسد، ومعانيها في الاتصال غير اللفظي بين الناس، ومنها مضامين لغة العين في الاتصال غير اللفظي من خلال ازدراء الآخرين، قال تعالى : ( وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِيَ أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِهُمُ اللهُ خَيْرًا اللهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنّى إِذَا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ) (هود،31)، والعين خير معبر عن الخوف الذي يتجسد في اتساع بؤبؤ العين إنسان العين) وحركاتها السريعة، ودلالة ذلك قوله تعالى : ( فَإِذَا جَاءَ الخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُتُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أشحةٌ عَلَى الخَيْرِ أُوْلَتِبِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَلَهُمْ وَكَانَ ذَالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) (الأحزاب:19).

     وبالمقابل نجد أن العين تعكس الأمن والطمانينة من خلال تعبير القرآن عن ذلك بقرة العين وما في ذلك والفرح والسرور، والعين الدامعة من خشية الله تعالى، وكذلك

الصفحة90


عند الحزن الشديد، وهكذا فإن للعين وظيفة تواصلية في التعبير عن العواطف والمشاعر (احمد، 2003،126) والشواهد على ذلك من النصوص الشرعية

    قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا قُرَّةَ

أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) (الفرقان:74).

وقال تعالى : ( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا ءَامَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّهِدِينَ ) (المائدة: 83).

وقال تعالى: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلُّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ ) (التوبة: 91-92).

    وتضمنت موضوعات الإعجاز النفسي أيضاً التفريق بين الخوف الإيجابي والخوف السلبي، فالخوف الإيجابي هو الخوف من الله تعالى، وذلك مصدر للأمن والسعادة والحب والنجاح، والخوف السلبي هو الخوف مما سوى الله تعالى، وذلك مصدر القلق والاضطراب والآفات النفسية، واثمن شعور يملكه المرء في الحياة أن يكون مطمئناً آمناً (النابلسي.386.2005)

         والشاهد على ذلك قوله من أصبح آمناً في سربه، معافى في بدنه، وله قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها (القرطبي، 1998 6.1998/124)، والحديث الشريف

الصفحة91


يشير إلى الحاجات الأساسية في حياة الإنسان، حيث أن افتقادها يؤدي إلى الأمراض العصابية، وآفات الاكتتاب.

    وقدمت تلك المضامين التربوية للإعجاز النفسي في القرآن؛ رؤية إيجابية لمقاومة مصاعب الحياة؛ من خلال الصبر الجميل، وبالأخص في حياة الأنبياء ، قال تعالى: ( فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً ) (المعارج:5)، وكذلك من خلال خلق كظم الغيظ؛ الذي هو في جوهره؛ صبر على نقولات وفعل السوء، قال تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّراءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (آل عمران:134).

      وأكدت تلك المضامين على انعكاسات الردود الانفعالية، للصبر الجميل في الآخر، من كفه عن الإيذاء، أو إيقاظه من غفلته، فيؤوب إلى الله تعالى، والمتتبع لنصوص الصبر في القرآن ومواقفها في الدعوات والإبتلاءات، يجدها تشكل نوعاً من التوازن النفسي، في حياة الأفراد والمجتمعات، وطريقاً بيناً للاعتصام بالله تعالى والتسليم لأمره (حجازي، 1984،121)

         وتناولت مضامين الإعجاز النفسي للقرآن مسألة حوار الذات للذات، ومع الأخر، وأثر ذلك في تهدئة الانفعالات وترقيتها، وأكدت على أن مادة الحوار تتسم بالأبدية، لأنها تتناول الآخرة والحساب من الله تعالى لعباده، ومساءلتهم، ولا يخفى أن الحوار يسهم في تبريد الأجواء النفسية لدى المتحاورين، ويعينهم على الالتقاء على مفاهيم مشتركة، وهكذا يبدأ الحوار من الذات نفسها ليشمل الحياة كلها، فيمتد إلى كافة مناحي الحياة، إلى الآخرة، حيث يتناول المسؤوليات وتبعاتها، ومآل الأمور إلى نعيم أو جحيم (فضل الله، 1985،11)

   ويستخلص مما سبق أن مضامين الإعجاز النفسي القرآني التربوية تتسم بالربانية، والرؤية الشاملة المتكاملة للنفس الإنسانية، لأنه يتناول الشخصية من منظور الوحي الإلهي الذي يعلم خباياها ومـا يسعدها، ويتسق مع فطرتها الإنسانية، مما يحقق لها بناء متكاملاً،

الصفحة92


وضبطاً للذات ويمنحها التوافق والصحة النفسية، وهذا يعزز مرونة تلك المضامين النفسية للإعجاز النفسي في القرآن، وواقعيتها في التعامل مع النفس الإنسانية، الذي يتفق مع الطبيعة الإنسانية، فضلاً عن التوافق الرائع بين الشرع والعقل معاً، وما سبق ذكره يدعم تحفيز دافعية الفرد المسلم، للعمل والإنجاز في الحياة، ويحقق له مفهوماً إيجابياً حول ذاته ودورها الدعوي في الفكر الرسالي في الإسلام.

    وانطلاقاً مما سبق نشأ ما يسمي بالإرشاد النفسي المستند إلى المرجعية العقدية، الذي يهتم بتنمية وتكوين حالة نفسية متكاملة، يتمشى فيها السلوك مع تلك المرجعية، ويتكامل : معها بما يؤدي إلى توافق الشخصية والصحة النفسية التي تسهم في تحقيق الذات، والتغلب على المشكلات وتهدئة الانفعالات والسيطرة عليها، وتحفيز الطاقات، نحو تحقيق الأهداف الفردية والاجتماعية في ظل المنهج التربوي الإسلامي (موسي ومحمود، 2000،14). 

        ومما سبق تبرز معطيات الإعجاز القرآني النفسي في ترقية الانفعالات وتناول موضوعاتها، وتهذيبها في إطار بناء تربوي شامل يستهدف فيها السلام النفسي، والرؤية المتفائلة للحياة، ويعلي قدرها في إطار الكرامة الإنسانية ومكانة رسالة الاستخلاف في الأرض، في إطار رؤية متوازنة للدنيا والآخرة.

المضامين التربوية للإنفعالات في التربية الإسلامية :

         اهتمت التربية الإسلامية بتحقيق الاستقرار النفسي، وتوجيه انفعالات الفرد من خلال تنظيم علاقته بالله تعالى، ومع ذاته، ومع الآخرين، في ظل توجيه وجداني؛ يتسم بالربانية، والمرونة، والتوازن والاستقلالية المتحررة من التبعية للآخرين والسلوك الامعي ونصت على ذلك الأدلة الشرعية في الكتاب والسنة، وشكلت مادة تربوية للنشء، وكانت مصدر تربية المسلمين الأوائل في عهد النبوة، وخيرية القرون الثلاثة الأولى.

    وانطلاقاً مما سبق فإن الشواهد الشرعية للانفعالات متنوعة في القرآن الكريم والسنة الشريفة المطهرة، وتبرزها الباحثة في ظل الاستشهاد لا الحصر:

الصفحة93


ويقصد بها إدراك المسلم لانفعالاته وأسبابها الكامنة وتوظيف مبادئ الشريعة السمحة في حراكها الذاتي والاجتماعي، ومن الشواهد الشرعية لذلك:

قوله تعالى : ( قَدْ تَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْرُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّلِمِينَ بِنَايَتِ اللَّهِ تَجَحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَنهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبِإِن الْمُرْسَلِينَ ) (الأنعام:33 -34).

وموضع الاستشهاد في النص يتشكل في قوله تعالى: ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ) إذ يشير إلى ماهية ذلك الحزن الذي وقع في قلبه ، وتسرية الله تعالى له، بأن تكذيب الأنبياء سنة الدعوات في الأرض.

        واختلف العلماء في ذلك القول المحزن، ما هو ؟ فقيل كانوا يقولون أنه ساحر وشاعر وكاهن ومجنون، وقيل أنهم كانوا يصرحون بأنهم لا يؤمنون به ولا يقبلون دينه وشريعته، ويجيبه تعالى بأن القوم لا يكذبونك بقلوبهم ولكنهم يجحدون بنبوتك بألسنتهم وظاهر قولهم وأزال الله تعالى الحزن عن قلب رسوله في الآية التالية بأن تكذيبه يجري مجرى تكذيب الله تعالى وان سائر الأنبياء عوملوا بمثل هذه المعاملة وتعرضوا لإيذاء أقوامهم، وان أولئك الأنبياء صبروا على ما تعرضوا له من كذب وإيذاء حتى أتاهم النصر والفتح والظفر، فأنت أولى بالتزام هذه الطريقة لأنك مبعوث إلى جميع العالمين (الرازي،11.1995/214-216).

    والمضامين التربوية للنص؛ تؤكد أهمية تجاوز لحظات الحزن، وعدم الركون المعطياتها السلبية، والخروج منها من خلال تحفيز الذات لأداء أهدافها العليا السامية في الحياة، والتأسي بالأوائل السباقين في هذا الميدان نحو العطاء والأمل في الحياة وحمل رسالة

الإيمان وتحمل تبعاتها بإرداة صادقة وصبر عظيم.

الصفحة94


 ريت التربية الإسلامية أفرادها ووجهت مجتمعها إلى توثيق علاقة العبد بربه واللجوء إليه في السراء والضراء، وشكلت قصص الأنبياء عليهم السلام لموذجاً للأسوة والإقتداء في سمو : تلك المناجاة والإنابة لله تعالى.

   قال تعالى : ( قَالَ إِنَّمَا أَشْكُوا بَنَى وَحُزْنِيَ إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) (يوسف: (86).

أي أبث همي وما أنا فيه إلى الله وحده واعلم من الله ما لا تعلمون أي أرجو منه كل خير) ابن كثير 1996،469/2).

وموضع الاستشهاد في النص هنا في قوله تعالى: ( إِنَّمَا أَشْكُوا بَنِي وَحُزْنِي إِلَى الله ) ويشير إلى بث مكنونات الألم والحزن بين يديه تعالى، ووجوب اللجوء إليه تعالى.

    والمضامين التربوية للنص، تبرز أهمية التعلق بالله تعالى وبث مكنونات آلام الذات بين يديه، لأن في ذلك غاية الإسناد المعنوي الرباني للفرد في الحياة، حيث تشحنه تلك المناجاة الإيمانية في بث الأحزان بطاقات وجدانية؛ تسهم في استقراره النفسي، وتخفيف وطأة الأحزان والآلام لديه، وتعد علاجاً وقائياً ناجعاً من الوقوع ضحية للاكتئاب، وما يصحبه من انحرافات نفسية تضر الفرد والمجتمع معا، في حين أن انشغال الفرد عن ربه ويثه أحزانه للآخرين يسهم في تضخيم الحزن في ذاته من جهة، وملل الآخرين وتململهم منه من جهة أخرى، لأن هناك أيضاً ما يقض مضاجعهم ويؤلمهم في الحياة، فيكون النتاج تضخم الحزن وتعقد المشكلة الذاتية إلى مشكلة اجتماعية ناشئة من الشعور بعدم اهتمام الآخرين به وخذ لانهم له.

الصفحة95


       ويفاد مما سبق؛ إمكانية الخروج من حالة الحزن عبر تغيير موضوع الانفعال ومترتبات ذلك من تغيير الحركة العصبية في الدماغ، وتحويلها من خبرة مؤلمة إلى خبرة سارة في الحياة ناشئة من التعلق بالله تعالى واللجوء إليه.

 واهتمت الشريعة الإسلامية بتنظيم الانفعالات وإدارتها وفق مقاصد الشريعة من خلال الفعل والكف ومن الشواهد الشرعية لذلك:

قوله تعالى: ( فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَى قَوْمِهِ غَضَبَنَ أَسِفًا قَالَ يَنقَوْمِ أَلَمْ يَعِدُكُمْ رَبِّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن تَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن ربِّكُمْ فَأَخْلَفَتُم مَّوْعِدِى) (طه: 86).

      إذ رجع موسى إلى قومه بعدما استوفى الأربعين واخذ التوراة وفي أعماقه غضب وحزن عليهم لما صدر منهم من عبادة العجل واتباع أمر السامري، (البيضاوي، 1996،65).

       وموضع الاستشهاد هنا في قوله تعالى: (فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَنَ أسفا ) ويشير إلى اعتبار الغضب عند انتهاك محارم الله تعالى، وغضب موسى عليه السلام هنا على قومه لمخالفتهم مستلزمات التوحيد الله تعالى.

              والمضامين التربوية المستفادة من النص تؤكد أهمية ارتباط الغضب بأسباب مقنعة

ومنها الغضب عند انتهاك حرمات الله تعالى، وهذه من سمات المؤمنين التي امتدحها الشرع، بأن غضبهم الله تعالى لا لنزوات ذاتية ودنيا زائلة وهنا ترتبط الانفعالات بأهداف سامية في حراكها الوجداني في النفس الإنسانية، وهذا يؤكد مرونة الشرع وعدم حدية رؤيته للمنظومة الانفعالية، لأن الانفعالات جزء من حراك الفرد وعفويته في الحياة، فلا ينكرها الشرع إنما يبرمجها في إطار الفعل والكف في ضوء أهداف نبيلة وغايات سامية، ومن هنا يثيب الشرع الذات التي تتقد أنفعالاتها ومشاعرها غضبا الله تعالى.

الصفحة96


         واهتمت النصوص الشرعية بتربية الفرد على ضبط انفعالاته أمام الآخرين، ومن الشواهد على ذلك ما يرويه أبو هريرة الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب (مسلم، د.ت كتاب البر والصلة، باب فضل من يملك نفسه ثم الغضب، 2014/4).

     ويشير النص إلى أن من اعظم الأدلة على قوة الشخصية الحلم وضبط النفس عند الغضب، لأن الغضب ثورة نفسية عارمة، والتصدي لمقاومتها في عنفوانها ليس بالأمر السهل، ولا يستطيع ذلك إلا من قويت إرادته وكمل إيمانه واصبح له السلطان القاهر على انفعالاته النفسية، لأن الغضب وإن كان غريزة نفسية، إلا أنه يمكن مقاومته قبل وقوعه ولهذا قال العلماء إن للغضب دواءين أولهما؛ دواء وقائي قبل وقوعه وهو تجنب أسبابه والابتعاد عن المواقف المؤدية إليه، والإكثار من الاستغفار، وقول لا حول ولا قوة إلا بالله بصدق وإخلاص، ودواء بعد وقوعه؛ من خلال مقاومة النفس وكفها عن الظلم والعدوان والاستعاذة بالله من الشيطان والغسل والوضوء وتغيير الحالة التي يكون عليها الإنسان (قاسم، 1990، 5/254).

            وانطلاقاً مما سبق؛ فيمكن مقاومة انفعال الغضب من خلال الاستعاذة والسكوت عند الغضب، ففيما يرويه ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: علموا وبشروا ولا تعسروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت) ابن حنبل، د.ت، مسند عبد الله بن العباس، 239/1). 

   وكذلك من خلال الانتقال من وضع إلى آخر أي تغير حالة الغضبان من القيام إلى الجلوس، ومن الجلوس إلى الاضطجاع ، ففيما يرويه أبو ذر رضي الله عنه أن النبي قال إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب فليضطجع (ابن حبان، 1994، کتاب الحظر والإباحة، باب الاستماع المكروه وسوء الظن والغضب، 12/501).

     وأشارت الدراسات إلى أهمية التخيل في دفع الغضب من خلال التفكر في قبح صورته عند الغضب، وان يخوف نفسه بعقاب الله لو أمضى غضبه وهل يأمن غضب الله يوم القيامة وهو أحوج ما يكون إلى العفو (الفضيلات، 2005،64).

وفي مجال المعالجة الشرعية لمضامين الحزن الشواهد الآتية:

الصفحة97


 قال تعالى: (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ، وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّتْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَفِلُونَ ) (يوسف:13).

فيشير النص إلى ماهية معينة من الحزن، تتعلق بأسباب متعددة، توجب سلوكاً ما، من خلال اعتذار يعقوب عليه السلام عن إرسال يوسف عليه السلام مع اخوته إذ اعتذر بشيئين أحدهما أن ذهابهم به ومفارقته إياه بما يحزنه لأنه كان لا يصبر عنه ساعة، والثاني: خوفه عليه من الذئب إذا غفلوا عنه برعيهم أو لعبهم لقلة اهتمامهم به (الرازي.1995.18/100)

وتشير النصوص القرآنية إلى مترتبات الحزن وانعكاسها على الجسد:

       قال تعالى: ( وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَتَأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَأَبْيَضَتْ عَيْنَاهُ مِن الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ) (يوسف،84).

      وحزن يعقوب عليه السلام له عدة تفسيرات منها انه لما علم انه حي خاف على دينه فاشتد حزنه عليه، وقيل انه حزن عليه لأنه سلمه إليهم صغيراً فندم على ذلك والحزن هنا ليس بمحظور لأن المحظور هو الوله وشق الثياب، وكظم الكرب يقصد به الحزن المكتوم حيث لا يشكو صاحبه حزنه إلى الآخرين (القرطبي، 1998، 9/216).

     والمضامين التربوية للنصوص السابقة الذكر تؤكد ارتباط الانفعالات بماهية تفكير معينة، تتعلق بموضوع إثارة الانفعال، وبرمجته العصبية في الدماغ بكيفية معينة، وهنا تبرز أهمية الوعي بها لغاية توجيهها نحو الأمل بالله تعالى، بدلاً من الإذعان والاستسلام لها، لأن في ذلك تخفيفاً من وطأتها ومساندة للفرد للتكيف مع الواقع، في ظل معطياته الجديدة، وفق برمجة عصبية جديدة لها في الدماغ، ناشئة من المرور بخبرة الأمل والتفاؤل في الحياة بدلاً من معطيات خبرة الحزن والوحدة وفقدان الأحبة في الحياة، وهذا ما يعزز تعلق يعقوب عليه السلام بالله تعالى في بث أحزانه وآلامه واعتصامه بحبل الله المتين في ظل المصاب العظيم الذي ابتلي به.

الصفحة98


  ويقصد به مرونة التعاطي مع الانفعالات في ظل الظروف المختلفة، ومن دلالات

ذلك قوله تعالى : ( لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا ءَاتَنكُمْ وَاللَّهُ لَا تحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) (الحديد:23).

         أي لا يشتد فرح الإنسان مما وقع وان لا يشتد حزنه مما لم يقع، وحينئذ يزول الغم والحزن، وقوله تعالى: ( لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا ءَاتَنكُمْ ) ليس فيه نفي الأسى والفرح على الإطلاق، بل معناه لا تحزنوا حزناً يخرجكم إلى أن تهلكوا أنفسكم ولا تعتدوا بثواب ما سلب منكم على فوات ما سلب منكم، ولا تفرحوا فرحاً شديداً يطغيكم حتى الغرور، فهنا ذم الفرح الذي يختال فيه صاحبه، واما الفرح بنعمة الله والشكر عليها فهذا غير مذموم، وهذا كله معنى ما رواه عكرمة عن ابن عباس انه قال: ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن، ولكن اجعلوا للمصيبة صبراً وللخير شكراً (ابن كثير،315.1996)

    ويبرز في النص أهمية تنظيم الانفعالات وتوجيهها في ضوء الواقعية والانضباط معاً في توازن رائع، فضابط الفرح عدم الاختيال لأنه خلل في الكفاية الاجتماعية مع الآخرين، ومدعاة للتذمر، وضابط الحزن عدم الكبت بلوغاً للاكتئاب وجلد الذات، لأن في ذلك خلل في اتجاه كفايات الذات الانفعالية.

           اهتمت التربية الإسلامية بتوجيه الانفعالات نحو الأمل والتفاؤل، وإقصاء الإحباط

في الحياة، وقطع دابر التشاؤم، ليس على الصعيد الشخصي، بل على الصعيد الاجتماعي في

التواصل مع الآخرين.

الصفحة99


إذ يروي أبو هريرة رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا طيرة وخيرها الفال قيل يا رسول الله وما الفال، قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم (البخاري، 1987، کتاب الطب، باب الطيرة، 2171/5).

وعن ابن عباس  رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يتفاءل ولا يتطير، ويعجبه الاسم الحسن (ابن حنبل، مسند عبد الله بن عباس 287/1).

وتستمد جذور التعاطف من خلال التنشئة الأسرية والمعاملة الوالدية للأبناء، حيث

يزودهم بشحنات التعاطف والمحبة والمشاعر السارة.

إذ يروي أبو هريرة  رضي الله عنه أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قبل الحسن والحسين والأقرع بن حابس التميمي  رضي الله عنه جالس فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحداً فقال رسول الله من لا يرحم لا يُرحم (ابن حبان، ۱۹۹۳ ، كتاب الحظر والإباحة، باب إباحة تقبيل المرء ولده، 12 /406)

     ومن هنا تتحمل الأسرة وقوامها الوالدان مسؤولية رحمة الأولاد ومحبتهم والعطف عليهم،

لأن هذا من أهم أسس نشأتهم ومقومات تنمية الكفايات الانفعالية والاجتماعية لديهم، فإذا لم تتحقق المحبة للأبناء بالشكل الكافي المتزن، فإن ذلك مدعاة لعدم وعي الأب لذاته وتكيفه مع الآخرين، وتألفه معهم، وبالتالي يكون عاجزاً عن التعاون معهم وتقديم الخدمات والتضحيات، وقد يغدو أباً لكنه يفتقد أن يكون زوجاً حسن المعشر لزوجته، وعاجزاً عن منح أبنائه كافة أشكال المعاملة الوالدية الإيجابية.

      وانطلاقا مما سبق تسهم الأسرة في دعم مشاعر التعاطف وتنميتها في النشء وصقلها في المدرسة والمؤسسات التربوية الأخرى كما تمكن الفرد من فهم مشاعر الآخرين

والتجاوب معهم. 

     وتشكل القصة القرآنية مادة ثرية لتربية الانفعالات وتهذيبها وتوجيهها نحو التعاطف مع الآخرين من خلال ما تثيره من انفعالات الخوف والترقب والارتياح والحب وغير ذلك مما يثار في طيات القصة القرآنية بما فيها من وصف رائع لوقائع وأحداث وأحوال شخوص فيها وما يستخلص منها من العظات والعبر. فقصة يوسف علية السلام

الصفحة 100


على سبيل المثال؛ تربي الصبر والثقة والأمل في نصره بعد إثارة انفعال الخوف عليه عند إلقائه في البئر ، ثم الارتياح والسكينة لما آل إليه من عز وسلطان بعد توليه منصب الوزارة.

            وتؤكد التربية الإسلامية على خصيصة التوازن في تربية الانفعالات ومنها التعاطف بحيث ينضبط في إطار العقيدة الإسلامية وثوابتها ومنهجية الإسلام وأحكامه، وكذلك في إدارة الانفعالات وضبط الدافعية الذاتية بالمرجعية العقدية، وتأطير المهارات الاجتماعية بأحكام الشرع في الفعل والكف.

              تقاس فاعلية كل نهج تربوي وإيجابيته بمقدار ما يربي من الطموح الصادق والأمال الخيرة الدافعة إلى الجد القابلة للتحقق والمثمرة في المنجزات والباعثة على السعادة والرضى والطمأنينة، في ظل أهداف سامية، ولكنها واقعية تتسق مع الفطرة الإنسانية وتتجاوب معها، وهذه ابرز غايات التواصل الاجتماعي في ضوء التربية الإسلامية.

               واستثمرت التربية الإسلامية الطاقات الوجدانية والعقلية والجسمية كافة في ظل

لغة التواصل الاجتماعي، مراعية جميع الأعمار في ظل أطر متزنة منسجمة.

      وانطلاقاً مما سبق يمكن تحديد أبعاد مهمة في التواصل الإنساني على سبيل الاستشهاد لا الحصر:

        والشاهد على ذلك " ما رواه انس بن مالك له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام (البخاري، كتاب الأدب، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر، 1987، 2253/5).

والشاهد ما يرويه أبو موسى اله عن النبي انه قال: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك أصابعة (البخاري، 1987 ، كتاب الصلاة، باب تشبيك الأصابع في المسجد، 182/1).

الصفحة101


          دعا الإسلام إلى الرفق في التعامل مع الآخرين، واعتبره سمة بارزة في علاقة المسلم

مع الآخرين، وأعلى الإسلام قيمة هذا الخلق الاجتماعي في اكثر من موقف اجتماعي:

      وشاهد ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه (مسلم، دن، کتاب البر والصلة، باب فضل الرفق 4/2003)، وفي رواية الأمام البخاري (1987، کتاب الدعوات، باب الدعاء على المشركين 5/2349) انه قال صلى الله عليه وسلم : مهلاً يا عائشة، فإن الله يحب الرفق في الأمر كله.

     وتوجهت التربية الإسلامية إلى نهج التربية الربانية من خلال حفظ نفسية المسلم من الظواهر العدوانية التي تفكك المجتمع، وتفسد العلاقات من الحقد والحسد، والسخرية والكراهية

    ففيما يروية حذيفة انه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة قتات أي نمام (البخاري، 1987 ، كتاب الأدب، باب ما يكره من النميمة، 5/2250).

           ونهى الإسلام عن السخرية من الآخر واحتقاره واستصغاره، قال تعالى ( يتأبها الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءِ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِرُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَبِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأَوَلَبِكَ هُمُ الظَّلِمُونَ ) (الحجرات:11)، 

فدلالة النص تؤكد أن المجتمع الفاضل الذي يقيمه الإسلام بهدي القرآن، مجتمع له أدب رفيع، ولكل فرد فيه كرامته التي لا تمس وهي كرامة المجموع، ولمز أي فرد هو لمز الذات النفس، لأن الجماعة كلها وحدة كرامتها واحدة (قطب، 1986، 6/3344).

            ورسخت التربية الإسلامية معالم الأخلاق الحسنة في التعامل مع الآخرين؛ من

خلال النهي عن سلوكات تسهم في بث العداوة والبغضاء بين الأفراد؛ منها الغيبة وإساءة

الصفحة102


  الظن بالآخرين، ففيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله ما الغيبة ؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره، قال: أرأيت إن كان فيه ما أقول قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وأن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته وقال الترمذي حديث حسن صحيح ( الترمذي، 1994، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الغيبة، 3/375).

       وفيما يرويه عبد الله بن مسعود له قال : قال رسول الله : ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذي، قال الترمذي حديث حسن غريب (الترمذي، 1994، كتاب البر والصلة باب ما جاء في اللعنة 3/393).

      وعززت التربية القيم الأخلاقية في التعامل مع الآخر والشواهد في ذلك كثيرة منها ما رواه أبو ذره قال : قال رسول الله : تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وارشادك الرجل في ارض الضلال لك صدقة، وبصرك للرجل الردئ البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة وقال الترمذي حديث حسن غريب (الترمذي، 1994 ، كتاب البر والصلة باب ما جاء في صنائع المعروف، 3/384).

      ودعت التربية الإسلامية إلى تقدير قيمة التناصح وضرورة تحريها بين المسلمين، والمبادرة إليها ومن الشواهد على ذلك ما يرويه أبو هريرة الله قال: قال رسول الله : إن أحدكم مرآة أخيه، فإن رأى به أذى فليمطه عنه (الترمذي، 1994، کتاب البر والصلة، باب ما جاء في السترة على المسلم 3/373)

          والمتتبع لنصوص القرآن الكريم والسنة الشريفة - باعتبارهما أهم مصدرين  للتشريع - يبرز لديه الآتي فيما يخص الانفعالات:

الصفحة103


     وانطلاقاً مما سبق فقد أكد مسكويه المشار إليه في (الأشول، 1997) بأن التربية الإسلامية هدفت إلى تحقيق التهذيب للملكات النفسية، التي تعد شرطاً في العلوم النفسية الحديثة لما يعرف بالصحة النفسية، وهذا التهذيب هو الذي يساعد الإنسان على مقاومة عناصر البهيمية، ويرقيه في مراتب السعادة، فسعادة الإنسان هي في أن يبلغ كماله من حيث هو إنسان، فتصدر عنه الأفعال بحسب الروية، وكمال الإنسان في أن يتحلى بالعفة والشجاعة والحكمة والعدالة والتمسك بالشريعة والأمل والثقة بالله والمشاركة في التدبير المدني بين الناس حتى يسعدوا سعادة مشتركة. ولعل ما أشار إليه مسكويه هو أحد غايات تفعيل مهارات الذكاء الانفعالي بين الأفراد.

الصفحة104



الفصل الثالث: مفهوم الذات



تمهيد:

             يعتبر مفهوم الذات من المفاهيم الأساسية في نظريات الشخصية، ونالت دراسة الذات جانباً مهماً من اهتمام الدراسات النفسية والتربوية لاعتبارات دورها في حياة المتعلم وارتباطها بمستوى الطموح والتوافق والصحة النفسية والتقدم المدرسي لديه. 

           ويعد مفهوم الذات تنظيما سيكولوجياً ديناميكياً يتناوله التطور الدائم الناشئ من

الخبرات الجديدة عبر المراحل النمائية المتعاقبة والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين.

       ولقد استخلص علماء النفس في النصف الأول من القرن العشرين حقيقة انه لا يمكن الكتابة في علم النفس دون الاهتمام بالذات وفي الأربعينيات من القرن العشرين أخذت الذات مكانها الطبيعي في دراسات علم النفس وفي الوقت الحاضر اصبح مفهوم الذات يحتل مكان الصدارة في الإرشاد والعلاج النفسي، وظهر فيما بعد ما يسمى بسيكولوجيه الذات (الزعبي، 2003،82).

الاتجاهات النظرية في مفهوم الذات :

          تنوعت الاتجاهات الفكرية في تناول مفهوم الذات، لأن جذور مفهوم الذات وأسسه قديمة جدا في أفكار الفلاسفة القدماء والتراث السيكولوجي، وهذا ما يؤكده التطور التاريخي للمفهوم عبر الأزمنة المتعاقبة، مما ترتب عليه تعدد التعريفات وتنوعها التي تناولت الذات عند الباحثين فهناك من يعتبرها الوصف الشامل والكلي الذي يستطيع الفرد مفهوم أن يعطيه عن نفسه في أي وقت يطلب منه ذلك (2005,Dickhauser)، في حين يخصها البعض بإدراك الفرد لإتجاهاته ومشاعره، ومعلوماته عن قدراته ومهاراته ومظهره وتقبله الاجتماعي (1995 ,Hamache) ويعتبرها اخرون بأنها مجموع الادراكات الكلية التي يكونها الفرد عن نفسه، واللغة التي يستخدمها لوصف ذاته (2004 ,Rinn).

الصفحة107


ويراها آخرون بأنها تكوين معرفي منظم ومتعلم للمدركات الشعورية والتصورات والتعميمات الخاصة بالذات، وتتكون من أفكار الفرد الذاتية والمحددة الأبعاد من العناصر المختلفة لكينونته الداخلية والخارجية (2004 ,Zeleke)

وهناك من يعتبرها مصطلحاً نفسياً يعبر عن مفهوم افتراضي يشتمل على جميع

المعتقدات الآراء والأفكار والمشاعر والاتجاهات التي يكونها الفرد عن نفسه فضلاً عن والقيم والقناعات والطموحات المستقبلية التي تتأثر إلى حد كبير بالنواحي الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية " (الظاهر ، 2004،35).

            في حين يعتبرها السبيعي (2003، 80) ما يبلوره الفرد تجاه خلفيته الفكرية واهوائه وقدراته واتجاهاته ومشاعره وما يتجمع لديه كقوه موجهة للسلوك، وهو يتكون نتيجة للتفاعلات الاجتماعية.

                  ويعرفها قرني (2001،28) بأنها كيان إدراكي ومعرفي ووجداني وحكم وكيان أخلاقي وعملي.

              ويعرفها داود وحمدي (1997) بأنها مصدر للتكيف السيكولوجي والسعادة الشخصية والأداء الجيد لأدوار الفرد في الحياة، ومكون نفسي هام في فهم أنماط سلوكية عديدة في المجال الأكاديمي وغير الأكاديمي.

          ويعد مفهوم الذات لدى جبريل (1995) جانباً من جوانب الذات التي تمثل التنظيم المعرفي والوجداني المستمر والمعبر عن وعي الكائن لوجوده، والمنسق بين خبرته في الماضي ومنظومة آماله وتوقعاته في المستقبل.

وترى الباحثة التعريف الآتي لمفهوم الذات:

          هي منظومة تصورات الفرد تجاه أفكاره ومشاعره وسلوكه ومظهره الخارجي، وطبيعة رؤية الآخرين له، وما يطمح أن يكونه في ضوء انطباعاته عن واقعه.

الصفحة108


العوامل المؤثرة في مفهوم الذات

     تلعب عوامل متعددة في تشكيل مفهوم إيجابي للذات، لذلك فإن فكرة الفرد عن ذاته يمكن أن تتعدل وتتطور إذا توفر لدى الفرد قسط من الذكاء مع المهارة الضرورية في معالجة المشكلات المستجدة بطريقة صحيحة وسليمة (عدس وتوق، 2005،361) .

       وهناك ارتباط بين مفهوم الذات والتنشئة الأسرية، فالفروق في الجو الأسرى وطرق التنشئة الوالدية؛ تحدث فروقاً بين الأطفال في مكونات الشخصية، وفي تقدير هؤلاء الأطفال لأنفسهم. وبشكل عام فإن للعلاقات الأسرية الدافئة أثراً إيجابياً، في تكوين الشعور بالأمن واكتساب مفهوم إيجابي للذات عند الطفل (الكيلاني وعباس،1981).

        والفرد في مرحلة المراهقة يجد نفسه أمام احتمالين؛ فإما أن يصل إلى تحقيق ذاته بشكل مقبول ومحدد، أو أنه بدلاً من ذلك يواجه وضعاً طابعه تشعب الذات وتفككها، إن الفرد في المفاضلة بين الأدوار المتاحة له يختار ما يراه مناسباً لأمور حياته، وفي حالات أخرى فإنه يفشل في التكيف مع التغيرات الفسيولوجية التي تطرأ على جسمه، وكذلك في مواجهة المتطلبات الاجتماعية الجديدة التي تفرضها هذه المرحلة عليه، من اجل تحقيق ذاته (صوالحة،1992).

        وهنا تبرز أهمية انفتاح الفرد على الخبرات ليكون لنفسه منها معايير خاصة لتقييم سلوكه، تستند إلى قيمه وحاجاته، ومطامحه ودوافعه، وإلى ذكرياته المتميزة واتزانه الانفعالي، وتلك الأبعاد تسهم في تحقيق مفهوم إيجابي للذات في حياة المراهق.

             ويؤكد شريم وملحم (2000) أن مفهوم الذات اكثر إشكالية في مرحلة المراهقة باعتبارها مرحلة انتقالية من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد، ولذلك تؤكد المساهمات النظرية والدراسات التجريبية على أن المراهقة مرحلة تحدث فيها تغيرات هامة في مفهوم الذات، وان المراهقين يستخدمون في وصفهم لذواتهم عبارات فيها توجه نحو المستقبل، وصفات سيكولوجية وشخصية ذات طبيعة مجردة، وان المراهقين في سن (15-20) سنة، هم اكثر استخداماً لسمات الشخصية والتحدث عن معتقداتهم وقيمهم وأهمية القواعد الاجتماعية بالنسبة لهم.

الصفحة109


      ويتأثر مفهوم الذات أيضاً بعوامل متعددة منها تقييمات الآخرين للفرد وبخاصة المهمين منهم في حياته، وهكذا فإننا نقيم أنفسنا على أساس تقييم الآخرين لنا، وحسب إدراكنا للكيفية التي يقيمنا بها الآخرون، فإدراكنا لسلوك الآخرين أهم وأبعد أثراً في مفهوم الذات من سلوك الآخرين بحد ذاته. (يحيى1999).

     ويؤثر البعد الاجتماعي في مفهوم الذات، حيث تنمو صورة الذات. من خلال الدور والتفاعل الاجتماعي، وذلك أثناء وضع الفرد في سلسلة من الأدوار الاجتماعية وأثناء تحرك الفرد في إطار الاجتماعي الذي يحيا فيه، فإنه عادة يوضع في أنماط من الأدوار المختلفة منذ طفولته، وأثناء تحركه خلال هذه الأدوار، فإنه يتعلم أن يرى نفسه كما يراه رفاقه في المواقف الاجتماعية المختلفة، وفي كل منها يتعلم المعايير الاجتماعية والتوقعات السلوكية التي يربطها الآخرون بالدور. (دويدار، 1992،50)

     ويستخلص من ذلك الدور الذي تلعبه الإدراكات والمعارف والمشاعر في فهم كنه الشخصية، ولذلك تشكل الخبرة الذاتية للفرد، ونظرته للعالم ولنفسه وقيمه الخاصة، جانباً مهماً في تشكيل أبعاد إيجابية في الشخصية وتوازنها الانفعالي في التعامل مع الآخرين، من خلال إثرائها بمنظومة القيم وتقدير الذات والرؤية الإيجابية للحياة، ومواجهة المشكلات؛ من خلال إتقان فنون إدارة الذات والضغوطات في الحياة.

           وتلعب المعتقدات دوراً رئيساً في تشكيل مفهوم الذات، وكذلك اللغة التي يتكلم بها الفرد، وطبيعة الضمائر المتشكلة في رسائله اللغوية للآخرين، وتعد بعداً سيكولوجياً متعلقاً بعملية النمو النفسية للطفل في محضن التنشئة، وبالتالي يتم التدرج بالمعتقدات وتعديل التصورات والاتجاهات عن طريق الخبرات المتعاقبة، ومن هنا تبرز أهمية المرونة في تطوير تصوراته عن ذاته، وهذه السمة من أهم ما يجب أن يعيره المعلم اهتماماً تجاه طلبته، لأن الفكرة الذاتية عندهم ثابتة، ولكنها تتعدل عن طريق كل خبرة يكتسبها الفرد من الحياة سواء أفي داخل المدرسة أم خارجها (بهلول، 1982،33).

     ويجب أن لا نقلل من أهمية التنميط الاجتماعي والمؤثرات الثقافية على مفهوم الذات ونمو الشخصية، فعملية التطبيع الاجتماعي المهلبة تسهم في تشكيل مفهوم إيجابي

الصفحة110


للذات، لذلك فإن صرامة أنظمة التطور الاجتماعي وأنماطها غير المهذبة تغذي النشء بالعدوانية والقلق والشعور بالذنب (من سن الطفولة - سن البلوغ)، ومن هنا فإن التقسيمات الطبقية والسلوك الأبوي والعامل المنزلي وجماعات اللعب التي ينمو فيها الفرد، وطبيعة الفصل الدراسي الذي يندرج فيه الطلبة، كلها عوامل مؤثرة في مفهوم الذات (العمرية 2005 ،18).

    كذلك يتأثر الفرد بأساليب الثواب والعقاب والخبرات الانفعالية التي يمر بها، وخبرات النجاح والفشل، وغيرها من عوامل الإحباط والصراع )العتوم والجراح. (2004

      ومما يسهم في اكتساب مفهوم سلبي للذات العلاقات الأسرية الضعيفة، والمشاكل المادية ومشاكل الحمل لدى الأم، وحالة الأبناء الصحية في الأسرة، وهذا ما أشارت إليه دراسة تتبعت مجموعة أطفال في هونج كونج يعانون من مشاكل شديدة في التفكير و (20) فرداً ناضجين من خلال توجيه أسئلة مفتوحة لهم عن تقيمهم لذواتهم، اشترك فيها أيضا (109) من الأهل منهم (35) ذكوراً و (74) إناثاً، إذ كشفت الدراسة عن أن الأسباب السابقة الذكر كانت تشعر هؤلاء الأفراد بالسوء وحمل مفهوم ذات سلبي عن أنفسهم .(Sing-Fai &Cheng, 2005)

     ومن هنا فإن مفهوم الذات الإيجابي يسهم بالشعور بالرضا عن مستوى الأداء اودافعية الإنجاز، كما أن المفهوم السلبي عن الذات ينعكس على الأداء والشعور بعدم الرضى (حايك،2004).

       وهناك دراسات أشارت إلى اثر القوة الاجتماعية في تشكيل مفهوم الذات وتمايزه عند النساء، وارتباط ذلك بوجودهن في مناصب متنفذة، مما يكسبهن مفهوماً إيجابياً مرتفعاً، وقد أكدت ذلك ثلاث دراسات باستعمال اختبار المنظمات من خلال ثلاث تجارب الأولى كان تعبير النساء ضعيفاً عن ذواتهن مقارنة مع الرجال وفي التجربة الثانية كان تعبير النساء غير المتنفذات عن ذواتهن بصورة ضعيفة مقارنة مع الرجال، وكان ترافق قوة الذات للرجال عن النساء غير المتنفذات في هذه التجربة وفي التجربة الثالثة، كان تعبير النساء

الصفحة111

اللواتي يشغلن مناصب متنفذة قوياً عن ذواتهن مقارنة مع النساء في المناصب غير المتنفذة، ولم تكن هناك فروق بين الرجال في قوة الذات والنساء المتنفذات، وتقترح الدراسة أن الاختلافات بين الجنسين في التعبير عن فكرة الذات يمكن دراستها بالاعتماد على الدور الاجتماعية (2005 ,Haines& Kray).

      وفي دراسة نوعية المعيار الجنس لهوفمان (2005,Hoffman) واستقصاء المفهوم الذكورة والأنوثة تحت بند الأسئلة الآتية؛ ماذا تعني بالرجولة؟)، وهو سؤال موجه للذكور، و (ماذا تعني الأنوثة للإناث؟ وهو سؤال موجه للإناث، وانعكاس ذلك على مفهومهم لذواتهم، وتم استقصاء أفكار الذكور والإناث الذين أجابوا على السؤال وتعريفاتهم الشخصية لهذه المواضيع، لتكون متطلبات للاستشارة والتعليم.

     ودراسة هوفمان تؤكد المؤثرات التي يحدثها حالة التعرف على مفهوم الذات، من خلال أبعاد الذكورة والأنوثة وانعكاسات ذلك في الإرشاد والاستشارات النفسية، وفي مجال مؤثرات متغيرات الجنس، فقد أكدت دراسة (2005 ,Young& Sudweeks )في أن فكرة الذات ذات الأبعاد تم تقييمها باستخدام طريقتين مختلفتين لتعريف وشرح (DIF) على عينة مكونة من (149) عاملاً وعاملة، تم تطبيق مقياس فكرة الذات ذات الأبعاد المختلفة عليهم، وأشارت الدراسة إلى (42) من العمال أشارت استجاباتهم على المقياس إلى أن (DIF) لديهم كان يعتمد على الجنس، وان تداخل (DIF) وعدم تنظيمه كان ظاهراً في العينات الحوامل من خلال أداة الدراسة.

        وفي مجال مؤثرات العرق والطبقية على مفهوم الذات من خلال الإعلام، فقد اشارت دراسة (2004,Ward) إلى أن للإعلام أثراً على الاعتداد بالذات العرقي لدى الشباب الأمريكي الأسود من . خلال جمع معلومات من (156) طالب ثانوية أمريكي اسود، وأكدت على أن تأثير الإعلام كان سلبياً في مجال الاعتداد بالذات، وان هناك ترافقاً بين نوعية الإعلام وطبيعة الاعتداد بالنفس الذي يتم السؤال عنه، حسب محتويات الإعلام والصفات الموجهة للمشاهد.

الصفحة112


      ويتأثر مفهوم الذات بعوامل مختلفة وهي العوامل الوراثية والعوامل البيئية، وأهمها الجماعة المرجعية للفرد، أي الأفراد المهمين في حياته، ويتأثر مفهوم الذات كذلك بالنضج والتعلم والقيم والدوافع (سماره ونمر، 1991،50).

    والحديث عن الذات لا يعني بالضرورة الذات منفردة أو بمعزل في كينونتها عن الذات الاجتماعية. فهي لا يمكن أن تنمو ولا تتجلى لها حقيقة جوهرها بمنأى عن الـ(نحن) أو الذات الجماعية، التي هي شكل من أشكال النمو المعنوي للذات الفردية. وفي عصر القلق والاغتراب النفسي، يتلمس الإنسان مواطن احترام الذات) تحقيقاً لوجوده في خضم عالم مضطرب، وخصيصة احترام الذات عاطفة تترتب على ارتقاء (الأنا) وانفتاحها، ومن خصائصها تميزها بقدر من المرونة، والتقبل لبعض المؤثرات البيئية، وتقديرها لغيرها من قيم وحقوق؛ وهذا ما يكون فارقاً بين احترام الذات والاعتداد بالذات، فهذا الضرب الأخير لا تتوفر فيه العناصر الإيجابية المتاحة المتوفرة في احترام الذات (الجسماني، 1993،6).

       ومن العوامل التي تؤثر في إكساب الفرد مفهوماً سلبياً تجاه ذاته، ما يسمى ببعد الشقة بين ما يرغب فيه الفرد وبين ما يقدر عليه بالفعل، لأن ذلك يولد لديه الشعور بالنقص أو العجز والشعور بالذنب، وهذه المسافة بين الواقع والمثال، تعد من أسباب استصغار الذات وكرهها (راجح، د. ت،132).

  وانطلاقاً مما سبق فإنه لا يمكن فهم الشخصية أو السلوك بشكل عام بلا مفهوم الذات، فلا يقتصر تفاعل الإنسان مع البيئة من الناحية السيكولوجية على مجرد صدور الاستجابات، وما يرافقها من عملية تعلم أو تعديل لهذه الاستجابات، بل إن هذه الاستجابات ذاتها تصبح ضمن متغيرات البيئة الأخرى موضوعاً لإدراكه وتصوره وانفعاله، ومفهوم الذات يعتبر متغيراً مهماً من متغيرات الشخصية، ولا نستطيع أن نفهم سلوك الفرد إلا في ضوء الصورة الكلية التي يكونها الفرد عن ذاته وما يحيط به، وليس من الضروري أن يكون هذا المفهوم على المستوى الشعوري فحسب، بل تتداخل فيه عوامل متعددة تسهم في تشكيله وتطويره، وهذا يفسر مبررات الأهمية التي تعطى لمفهوم الذات؛ لما له من أثر في تحديد الملامح الأساسية لشخصية الفرد، فضلاً عن اعتباره عاملاً مساعداً في تحديد الطريقة التي يسلكها الفرد في تعامله مع الآخرين.

الصفحة113


ويستخلص مما سبق أن التطابق بين مفهوم الذات الواقعي (المدرك) ومفهوم الذات المثالي يعني التوافق والصحة النفسية، والعكس صحيح، ولذلك فإن اعتبارات مفهوم الذات الواقعي المدرك للتربويين تتأكد في مجال فهم الشخصية والسلوك، أما مفهوم الذات المثالي فيعني ما يركز الفرد عليه ويكون أكثر الصور قيمة وطموحاً في نظره (زهران 2004،29). وهناك ارتباط موجب بين مفهوم الذات والقدرة على المنافسة ومستوى الطموح والتوافق الشخصي والاجتماعي والصحة النفسية والتقدم المدرسي (العزاوي. 2005).

            وتبرز هنا أهمية إثراء المناهج التربوية بمضامين الذكاء الانفعالي، لأنها ترفع مستوى الأمل والطموح لدى الطلبة، وتكيف لدى الطالب المسافة بين الواقع والمثال، وتجعله يستشعر المثال في طموحه وتحفزه لديه مما يسهم في إثرائه بمفهوم إيجابي لذاته.

        ومن هنا أشارت دراسة جب وجريفيت (Jupp & Griffit) المشار إليها في (أبو عيطة واحمد 2005) إلى أن برنامجاً تدريبياً معداً في الإرشاد و المهارات الاجتماعية أدى إلى تحسن في المهارات الاجتماعية ومفهوم الذات لدى عينة من (30) طفلاً يعانون من الإهمال ولا يخفى أن المهارات الاجتماعية تعد بعداً من كفايات الذكاء الانفعالي الذي يتضمن بين كفايات الفعالية وكفايات اجتماعية.

       وتعد الخبرات المدرسية من المصادر المهمة في تشكيل مفهوم الذات، فالمعلم له دوره الكبير في تشكيل مفهوم الذات لدى الطلبة من خلال الإستراتيجيات التربوية التي يعتمدها، كما أن النجاح والفشل الدراسي يؤثران في الطريقة التي ينظر بها الطلبة إلى أنفسهم، فالطلبة ذور التحصيل المرتفع من المحتمل أن يطوروا مشاعر إيجابية نحو ذواتهم وقدراتهم والعكس صحيح (الظاهر 2004 ، 49.)ومن هنا تبرز أهمية تشكيل مفهوم الذات لدى الطلبة، باعتبارها قوة موجهة لسلوك الفرد ولدافعيته، إذ تؤثر على توقعاته تجاه ذاته وتجاه الآخرين، وتحدد بشكل كبير أهداف الفرد وطموحاته (العتوم والفرح،1995).

     وهنا تتأكد أهمية استراتيجيات الذكاء الانفعالي؛ في تحقيق تلك الأدوار المنشودة للمعلم والمنهاج لما لها من أثر في رفع مستوى مفهوم الذات لدى الطلبة، من خلال

الصفحة114


تحفيزهم الذاتي نحو الإنجاز الأكاديمي وتحقيق النجاح في الحياة، وتحقيق الاستقرار النفسي

لهم في الحياة.

        لذلك يجب أن يحرص المعلم على الإسهام في تشكيل مفهوم ذات إيجابي، لأنه يعد المحور الأساسي في تشكيل الشخصية، وعاملا مهما من عوامل دافعية الإنجاز والتحصيل، لدى الطلبة، وهنا من الضروري بمكان أن ينأى المعلم عن أن يكون عاملا من عوامل خفض مستوى الذات لدى الطلبة، وتشكيل مفهوم سلبي لذاته (حمدي وعويدات ومنيزل،1989)

سمات مفهوم الذات :

أشار شافلسون وبولص (Shavelson & Bolus 1982) إلى السمات الآتية المفهوم الذات

ويقصد به إدراك الفرد لذاته من خلال الخبرات المتنوعة التي تزوده بالمعلومات ويقوم الفرد بإعادتها وتنظيمها حيث يصوغها ويصنفها وفقاً لثقافته الخاصة.

ويقصد به تصنيف الخبرات التي يمر بها الفرد إلى فئات وقد تكون هذه التصنيفات في مجالات كالمدرسة والتقبل الاجتماعي، والجاذبية الجسمية، والقدرة العقلية والجسمية ...الخ.

تشكل الذات هرماً قاعدته الخبرات التي يمر بها الفرد في مواقف خاصة وقمته مفهوم الذات العام، وهناك من يقسم قمة الهرم إلى قسمين (مفهوم الذات الأكاديمي ومفهوم الذات غير الأكاديمي)، وكل منهما ينقسم إلى أجزاء، فمفهوم الذات الأكاديمية ينقسم إلى مفهوم الذات التحصيلية ومفهوم ذات القدرة في فروع العلم المختلفة (العلوم

الصفحة115


الطبيعية والدراسات الاجتماعية واللغات والرياضيات - و مفهوم الذات الصفي، أما

مفهوم الذات غير الأكاديمي فينقسم إلى الذات الجسمية والاجتماعية والنفسية.


ويقصد به الثبات النسبي وبخاصة في قمة الهرم، ويقل ثباته كلما نزلنا من قمة الهرم إلى قاعدته ؛ حيث تتعدد أنماط مفهوم الذات، وذلك لتنوع المواقف، فمفهوم الذات الأكاديمي مثلاً اكثر ثباتاً من مفهوم تقبل الغير، ولابد من الإشارة إلى أن هذا يتعلق بالمرحلة العمرية الواحدة، لأن المفاهيم قد تتغير من مرحلة عمرية إلى أخرى، وانطلاقاً مما سبق؛ فإن دراسة مفهوم الذات تعين العاملين في الميدان التربوي على فهم نجاح أو فشلهم التلاميذ في المدرسة، حيث أن مفهوم الفرد لذاته ومفهومه عن فكرة الآخرين عنه يحددان سلوكه المدرسي، وهذا يؤكد العلاقة المتبادلة المستمرة بين مفهوم الذات والأداء الدراسي، إلا انه لا يمكن تحديد أيهما السبب وأيهما النتيجة، لأن العلاقة بينهما تبادلية مستمرة.

     ومن هنا تبرز أهمية اكتساب الطلبة منظوراً إيجابياً عن ذواتهم من خلال برامج الذكاء الانفعالي، لما ترسخه من وعي الطلبة بذواتهم وتحفيزهم لها وادارتهم لانفعالاتهم وإكسابهم مهارات اجتماعية في التعامل مع الآخرين، وهذا ينعكس في امتلاك صورة إيجابية عن ذواتهم تؤهلهم للإنجاز الأكاديمي والنجاح في الحياة.

الصفحة116


مفهوم الذات في التصور الإسلامي

      ويتحدد مفهوم الذات في ضوء التصور الإسلامي، حول رؤية الفرد الذاتية لما تعكسه الشريعة السمحه في تفكيره وانفعالاته وقيمته البدنية والروحية والاجتماعية، في ضوء المرجعية العقدية، التي تحدد مساحات الإيجابية في هذا الصدد، ومساحات المخفاض الذات في ضوء معايير الشريعة النفسية السمحة.

     فالتربية الإسلامية تدعو الفرد لأن يكون مستقلا في خياراته، بعيداً عن التقليد الأعمى، حتى في أهم خياراته في الحياة، وهو الإسلام، فعن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب (الترمذي، د.ت، 364/4).

         ووجه الإسلام، أبنائه إلى أن يكون الإسلام ومرجعيته العقدية، هو الخلفية الفكرية، التي تنطلق منها رؤاهم للإنسان والكون والحياة، من خلال اعتماد منهج الله في الأرض، وان الإنسان خليفته في عمارة الكون المادية والمعنوية.

           ويتحدد مفهوم الذات في التصور الإسلامي في ضوء اعتبار الشريعة هي المقياس للسلوك المقبول والمرفوض، قال رسول الله إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه واذا أمرتكم شيء فخذوا عنه ما استطعتم (ابن عبد البر ،1928 ، 148/1)، فالمسلم الملتزم لا يسلك سلوكاً عشوائياً غير موزون، بل يضع كل قول وفعل و موقف أمام إحكام الشريعة قبل أن يقدم عليه.

            واعلي مفهوم الذات في ضوء الرؤية الإسلامية من قيمة الإرادة الحرة، وهي من متطلبات التكليف الشرعي، فهي تملك حرية الاختيار، ولكن هناك حياة أخرى أبدية، تتم المحاسبة على تلك الخيارات في ضوء تلك الإرادة الحرة، والمسلم يستثمر وقته وعمره وشبابه وحياته في الحياة الدنيا، في ضوء إرادة واعية منضبطة ترصد ما تعانيه في الدنيا من ضنك وجهد، عند الله تعالى احتسابا وإقبالاً على الآخرة.

الصفحة117


     وهناك مكانة للانفعالات في تصورات الذات عن ذاتها في التصور الإسلامي، من خلال ترجمة تلك الانفعالات (حسب كراهية ،رضی، سخط، طمأنينه، اضطراب، فرح، حزن إلى اتجاهات توجهها قيم الإسلام ومبادؤه، حيث تتميز تلك الانفعالات في تلك الرؤية الملتزمة في تصورات الذات للذات المنعكسه من المنهج الإلهي، بأنها نبيلة راقية، نقية سلمية من الانحرافات والشوائب والعدوانية والسلوك الشهواني المتفلت، حيث تنبثق تلك الاتجاهات النبيلة من فكرة مقدسة مفادها الأيمان بالله تعالى وتوحيده، حيث ينعكس ذلك على توحد اتجاهات الإنسان نحو جهة واحدة يفردها بالعبودية والحب والرجاء والخوف واللجوء، فيتحرر من استعباد الجهات الأرضية على اختلاف أنواعها في التسلط والاستبداد، وسلخ المرء من إنسانيته، ليغدو في سلم أحط من السلوك البهيمي.

           ويتأطر مفهوم الذات في ضوء التصور الإسلامي بقيمة التوازن، حيث لا يطغى على الذات التفكير المادي والانفعالات الحادة الأحادية، والانحرافات السلوكية، وتغدو الذات في اتساق متناغم مع الشرع، دون تضاد في الأبعاد العقلية والجسمية والروحية والاجتماعية في رؤية شاملة إنسانية، بحيث لا تغدو الذات في سلم مثالي لايعي الواقع وما فيه من متطلبات ورغبات مشروعة، ينبغي إشباعها، فيتحكم بالسلوك الإنساني رغبات تتوجه نحو المال والشهوة والعلو، ولكن الإسلام يضبطها في إطار قنوات نظيفة بعيدة عن الانحرافات السلوكية ولا يخفى علينا انعكاسات تلك الانحرافات السلوكية في خفض مفهوم الذات لدى الأفراد في الحد الأدنى، فضلا عن الأهم والأخطر، بأنها جعلت الإنسان مسخاً لا يمت للإنسانية بصلة، عبر ظواهرة الشذوذ والإدمان، التي تتزايد في عصر العولمة والانفجار المعرفي.

مفهوم الذات والإيجابية :

           ويرتبط مفهوم الذات بالإيجابية، من خلال تفاعل الفرد مع الأحداث والتأثير فيها، وتوجيهها بما فيه رضى الله تعالى ومصلحة المجتمع بعيداً عن السلوك الانهزامي الذي يتهرب من أنشطة الحياة، ويبتعد عن مواجهة الصعاب، لأن الإسلام بتعاليمه يبني في

الصفحة118

الإنسان المسلم الروح الإيجابية التي تؤهله للعطاء، وينمي فيه القدرة على الإنتاج والإبداع لبعده إنساناً ناضجاً يستطيع أن يعيش حياته بالطريقة التي يرسمها الإسلام، إذ أن الحياة في رؤيته الذاتية، ومن ثم يرسخها في مفهومه لذاته هي حياة عمل وبناء وعطاء وتنافس في الخيرات، واستثمار للوقت والعمر والشباب والمال والحياة والطاقات في أرصدته الأخروية باعتبارها دار الخلود والجزاء، والمصير المستقبلي الذي يرنو المؤمن فيه، إلى الفوز بجنة عرضها السموات والأرض. 

قال تعالى : ( سَابِقُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) (الحديد:21).

       وترتبط مفهوم الذات بمنظومة قيمية في مجال إيجابية السلوك تتشكل بالإقبال على

الحياة واعمار الكون، قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَبِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) (البقرة:30).

والجدية في العمل والتفاعل مع أنشطة الحياة المختلفة بكل حماس ونشاط من غير تكاسل وفتور، حيث يطبق من . خلالها منهج الله تعالى الشامل في الحياة، ويتسم بتحمل المسؤولية من خلال الرغبة والإقبال في أي موقع كان فيه والرضي الذي يثري مفهومه الإيجابي لذاته، وقيمة تحمل المسؤولية تتسم بالشمولية، سواء أكان حاكما أم محكوما ا ، أبا كان أم زوجا أم ابنا، طبيباً أم معلما أم محاميا أم جنديا وغير ذلك. ا

       ويرتبط بالصبر وعدم اليأس، ففي إقبال الفرد المسلم نحو العمل واعمار الكون، قد تعترضه المصاعب والمثبطات والمعوقات، لكنه في ظل مفهوم ذاته المرتفع في ضوء توجيهات الشرع، يواجهها بصبر ومثابرة جادة على تخطيها وتجاوزها بحيث لا تسمح لليأس والقنوط أن تخترقه، فتثير الإحساس الانهزامي في ذاته.

الصفحة119


قال تعالى : ( يَتأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَوَةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّبِرِينَ ) (البقرة:153).

وترتبط مشاعره باليقين التام بالله تعالى، وتسليم الأمر إليه، وتنشغل جوارحه، بجد ومثابرة على الأخذ بالأسباب، ولكنه في الوقت ذاته، لا يؤله الأسباب، ويبقى يقينه التام الجازم بالله تعالى وحسن تدبيره وتصريفة للأمور عز شأنه وجلاله، قال تعالى: ( وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (آل عمران :122).

ويرتبط بذلك حرصه على المصالح العامة ومصالح الآخرين، حيث ينأي بذاته عن المشاعر الأنانية، التي تشرذم الذات، ويتقد فيه مشاعر إيجابية نحو أمته، من خلال التعاون والتكافل والأمر والتناصح والتآزر بين المسلمين وإتقان العمل والإخلاص الله تعالى، لأن ذلك في معتقده الفكري، من متطلبات التمكين للمسلمين في الأرض.

             قال تعالى: ( الَّذِينَ إِن مكتهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَوٰةَ وَمَاتَوُا الزَّكَوةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَقِبَةُ الْأُمُورِ ) (الحج :41).

      وكذلك تتقد لديه الرغبة في التعاون مع الآخرين في حسن اجتماعي لإنجاز الأعمال المنوطة به وإتمامها وتقديم الخدمة للآخرين، أو جلب المنافع لهم أو دفع الضر عنهم دونما إهمال أو تقصير. 

       ومما يسهم في تطوير الذات، المساحات الثرية للقدوة والرمز، في حياة الأفراد والمجتمعات، حيث تشكل نماذج بشرية، تتسم بمفهوم إيجابي مرتفع لذاواتها في ضوء المنهج الإلهي، وتتسم برؤية فكرية فذة في ضوء المرجعية العقدية، وسلوك قويم، يتسم بالتهذيب والانضباط، وانفعالات هادئة تؤطرها مشاعر من الأمن والسكينة والتواد والتراحم، وإحساس متدفق من الرضى والسعادة، التي تترجم بقدر القرب من الله تعالى، ومساحات المعاناة، في تطبيق الشرع، واندماجه في السلوك حكمة ومنهجا.

الصفحة120

ومن سمات مفهوم الذات الاعتدال والتوازن في منظومة العلاقات في حياة الفرد، بدءاً في علاقته مع الله تعالى، عبر منظومة المعتقد والعبادات، وعلاقته مع ذاته في كماله الروحي والخارجي، وعلاقته مع الآخرين في ضروب تعامله الأخلاقي معهم، ومساحات تناول مفهوم الذات في ضوء التصور الإسلامي ثرية بالأدلة والموافق والأحداث في القرآن الكريم والسنة الشريفة، وسيرة النبي وسير السلف الصالح، وإلى هنا اكتفي، علني أتواصل معك عزيزي القارئ في هذا الصدد، في مشروع فكري يختص بهذا الميدان على وجه التحديد، بحول الله وقوته، انه على كل شيء قدير.

الصفحة121



الفصل الرابع: دافعية التعلم



مفهوم دافعية التعلم :

 اهتمت الدراسات السيكولوجية بموضوع الدافعية والعوامل والظروف التي تعمل على إثارتها لدى الطلبة واحتفاظ الطلبة بها، ويعد موضوع الدافعية شائكا من حيث تنوع الأطراف المتصلة بها، سواء أمن حيث متطلباتها في الموقف الصفي وما تقتضيه من أساليب تعليمية ملائمة تتضمن خبرات تعلمية تعليمية تستثير الطلبة للاندماج في الموقف التعليمي التعلمي من جهة والاتجاهات السيكولوجية المتنوعة التي تناولتها في ضوء رؤيتها الفكرية من جهة أخرى سواء أمن خلال المنحى السلوكي أم المنحى المعرفي أم الإنساني أم المدرسة التحليلية في علم النفس، ويمكن تحديد تعريفات لدافعية التعلم في ظل مفهومها العام علىالنحو الآتي:يعرفها بروني (1987.40 Brophy) بأنها "مفهوم نظري يستخدم لتفسير المبادرة والمثابرة في السلوك وبخاصة السلوك الموجه نحو هدف، وفي نطاق حجرة الدراسة، ويستخدم مفهوم دافعية الطلبة لتفسير الدرجة التي يقوم عندها الطلبة باستثمار انتباههم ومجهودهم فيالموقف الصفي.

الصفحة125

     ويعرفها عدس وتوق (227،2005) بأنها مجموعة الظروف الداخلية والخارجيةالتي تحرك الفرد من اجل إعادة التوازن الذي اختل، أي يشير المفهوم إلى نزعة للوصول إلى هدف معين وهذا الهدف قد يكون إرضاء الحاجات أو رغبات داخلية.

    وهناك من يعرفها بأنها الحالة النفسية الداخلية أو الخارجية للمتعلم، التي تحركسلوكه وتوجهه نحو تحقيق هدف معين وتحافظ على استمراريته حتى يتحقق ذلك الهدف.( قطامي وقطامي، 200.427).

    يعرفها سلامة ونجاتي(28.1988) بأنها عوامل داخلية تستثير سلوك الإنسانوتوجهه وتحقق فيه التكامل، ونحن لا نملك أن نلاحظه ملاحظة مباشرة، وإنما نستدل عليها من السلوك أو نفترض وجوده حتى يمكننا تفسير سلوكه.

    ويعرفها أبو جادو (2000،329) بأنها حالة داخلية تدفع الطالب للانتباه إلى الموقف التعليمي، والقيام بنشاط موجه والاستمرار في هذا النشاط حتى يتحقق التعلمكهدف للمتعلم. 

     وتتبنى الباحثة المفهوم الآتي لدافعية التعلم بأنها حالة داخلية لدى المتعلم تحرك أفكاره ووعيه وتدفعه إلى الانتباه للموقف التعليمي والقيام بالأنشطة التي تتعلق به، والاستمرار في أداء هذه الأنشطة التي تحقق التعلم لديه، وتسهم في إيصاله إلى حالة التناغممع الموقف التعليمي، وتحقق له التكيف مع البيئة المدرسية.

       وهناك من يشير إلى أن الدوافع ليست شيئاً مادياً يمكن رؤيته مباشرة، إنما هي حالة في الكائن الحي يستنتج وجودها من أنماط السلوك الذي نلاحظه، وبهذا فقد تتكون عدة انماط من السلوك مبعثها حالة دافعية واحدة وتقسيم الدافعية إلى دوافع مختلفة، لا يعني أنهذه الدوافع يختلف بعضها عن بعض، إنها حالة توتر تبعث الكائن الحي إلى كائن نشط. 

    ويشير الطواب وعمر (11.2000) إلى أن علماء النفس يستعملون كلمات الدافع، الحاجة، الحافز، الغريزة بطريقة معينة، لأن كل هذه المصطلحات تكوينات وعمليات داخلية مفترضة، ويبدو أنها تفسر السلوك، ولكن لا يمكن ملاحظتها أو قياسها بصورة مباشرة، ويشير مصطلح الحاجة إلى اوجه النقص التي قد تقوم على متطلبات معينة

الصفحة126

    جسمية أو متعلمة أو توليفة منهما، ويشير الدافعية إلى حالة داخلية تنتج عن حاجة ما أو تعمل هذه الحالة على تنشيط أو استثارة السلوك الموجه عادة نحو تحقيق الحاجة المنشطة ويطلق مصطلح الدوافع أيضاً على الدوافع التي تبدو أنها تنشأ بصورة أساسية نتيجة للخبرات، أما تلك الحالات التي تنشأ لإشباع حاجات فسيولوجية أساسية مثل (الحاجة للطعام والماء فتسمى بالحوافز، وأحيانا تكون الدوافع والحوافر لإجراءات بحثية تتضمن المعنى ذاته، وأحيانا الغريزة يعبر عنها بالحاجات الفسيولوجية، وهكذا هناك نوع من الاختلاف في العناصر التي تتضمن مفهوم الدافعية وفي مفهوم الدافعية ذاته، مما يجعل البحث في هذا المضمار شائكاً نوعاً ما.

       وتبرز أهمية الدافعية من خلال دراسة مترتباتها على المتعلم في مجال تعلمه وسلوكه، إذ توجه السلوك نحو أهداف معينة، وتسهم في زيادة الجهد والطاقة والمبادرة والمثابرة لدى المتعلم، وتزيد من قدراته على معالجة المعلومات، التي تنعكس على أدائه في الموقف الصفي، مما يؤدي إلى رفع مستوى تفاعله الصفي وتحصيله التعلمي.

      ودراسة الدافعية أساس مهم لفهم السلوك وتوجيهه كما هي أساسية في فهم الحاجات والدوافع والميول، ولذلك فإن كثيراً من عمل الآباء والمدرسين والمرشدين النفسيين وغيرهم من المهتمين في التعامل مع الطفل والمتعلم والمسترشد يتركز حول مشكلةالدافعية.

         وانطلاقا مما سبق؛ اهتمت الدراسات بالعوامل التي يمكن أن تسهم في دافعية التعلم لغاية تعريف التربويين والمعلمين وأولياء الأمور بها، مما يمكن أن يزيد من تفعيل دور المدرسة وإنجاز الأهداف التي يرصدها المجتمع والتي يريد تحقيقها في أبنائه، كذلك يمكن أن يزيد من فاعليه المعلمين في تهيئة الظروف التي تسهم في تحقيق الطلبة لقدراتهم الأكاديمية ورفع مستويات طموحهم المتمثلة في مستويات الإنجاز التي يسعون للوصول إليها من جهة والتوافق والتناغم بينهم وبين الأهداف التربوية والمحتوى التعليمي التعلمي من جهة أخرى، نما يرفع مستوى دافعيتهم للتعلم، وكذلك اهتمت الدراسات بالسلوك المدفوع وسماته وكيفية تعزيزه في الموقف الصفي، ومن ابرز سمات السلوك المدفوع كما ذكرها أبو علام(238.2004)

الصفحة127

الاتجاهات النظرية في الدافعية :

تنوعت الاتجاهات النظرية التي تناولت الدافعية، وبالتالي تنوع موضوع الدافعيةوعوامل رفع مستواها لدى المتعلم واليات تحقيقها عند كل اتجاه كل حسب مبادئه النظرية. 

وتدرج الباحثة تلك الاتجاهات السيكولوجية على النحو الآتي:

الصفحة128

الدافعية في النظرية السلوكية :

         تشير الدافعية في النظرية السلوكية إلى منظومة المثيرات التي تحرك سلوك المتعلم وتعمل على استمراره وتوجهه نحو تحقيق هدف أو غاية محددة، وتركز النظرية السلوكية ايضاً على البواعث الخارجية التي تدفع الفرد إلى القيام بسلوكات معينة، للتخلص من حالة التوتر عبر ما يعرف بالمعززات وجداول التعزيز بكافة أشكالها مما يحفز دافعية التعلم لدى الطلبة.

       وانطلاقاً مما سبق فإن النظرية السلوكية ركزت على رفع مستوى دافعية التعلم من خلال تطبيقاتها التربوية عبر صور التعزيز المختلفة ومبادئ التعليم المبرمج، وتأثير البيئة على دافعية الطلبة عبر ارتباطات بالاستجابة المنشودة والتعزيزات المحفزة لمزيد من الدافعيةلدى المتعلم.

      وهكذا فأن نظريات الدافعية السلوكية تركز على آثار التعزيز في حالة بعض السلوكات الخاصة بالمشاهدة، ومن خلال تنظيم الآثار البعدية بشكل جيد، لذلك بإمكان المعلمين أن يجعلوا الطلبة ينخرطون في عدد من النشاطات أو السلوكات التي تنتهي بالتعلم والتحصيل، وعندما يحدث مثل هذا الأمر فإن الطلبة يصبحون مدفوعين تحت مؤثراتالتعزيز (عدس 1999،374)

الدافعية في النظرية المعرفية:

      تعد الدافعية من وجهة نظر معرفية حالة داخلية تحرك أفكار المتعلم ومعارفه وبناه المعرفية ووعيه وانتباهه وتلح عليه لمواصلة الأداء للوصول إلى حالة توازن معرفية، ولذا فإن الدافعية في النظرية المعرفية تعتمد على المعالجات المعرفية لغاية الوصول إلى توازن معرفي وتقوم أيضاً على الاختيارات والقرارات والخطط والاهتمامات واعتبار ما يؤدى إلى النجاح والفشل، وكذلك توقعات النجاح والفشل تلعب دوراً هاماً في التحليل المفاهيمي للدافعية ويفترض هذا الاتجاه أن الفرد بحاجة إلى استيعاب معارف جديدة وتحويلها إلى مخططات معرفية مناسبة لكي يستطيع الفرد الشعور بالسيطرة على الخبرة الجديدة وتمثلها، وبالتالي

الصفحة129

       يشعر الفرد بالتوازن المعرفي ويمثل التوازن المعرفي مفهوم الحاجة إلى الفهم، والحاجة إلى الفهم تشكل أهم بواعث دافعية التعلم لدى المتعلم (قطامي وقطامي،2000،216).

                ومن النظريات المعرفية التي تحدثت بشيء من التفصيل عن الدافعية نظرية واينر (Weiner )المسماة بنظرية العزو، حيث تصف كيف تؤثر تفسيرات الأفراد وتبريراتهم لخبرات النجاح والفشل في دافعيتهم، ويعتبر "واينر من ابرز علماء النفس الذين تبنوا نظرية العزو وربطها         بالتعلم والتحصيل الدراسي، ويرى انه يمكن تصنيف الأسباب التي يعزو إليها الطالب نجاحه أو فشله حسب ثلاثة أبعاد هي مصادر العزو ومدى ثباتها وإمكانية التحكم بها والسيطرة عليها (1972 ,Weiner)

   وتتناول النظرية أربعة تفسيرات للنجاح والفشل في مواقف الإنجاز التي يمر بها الفرد القدرة والجهد وصعوبة المهمة والحظ ويصنف الإيعاز بالقدرة والجهد ضمن الأسباب الداخلية أو المتعلقة بالفرد، بينما صعوبة المهمة والحظ يندرجان تحت الأسباب الخارجية، وينظر للقدرة بأنها على درجة من الثبات ولا يمكن تغييرها على عكس الجهد الذي يتفاوت من موقف إلى أخر، ومن حيث الثبات فإن أي مهمة لها صفاتها الخاصة، وبالتالي فإن صعوبة المهمة تتسم بالثبات على عكس الحظ الذي يتسم بعدم الثبات وصعوبة التنبؤ به وقد أكدت الدراسات بأن الطلبة الذين يعزون سبب فشلهم إلى عوامل ثابتة (القدرة، صعوبة المهمة)، يؤثر فيهم الفشل بدرجة عالية، وينتابهم اليأس وتنخفض معنوياتهم وثقتهم بأنفسهم، على عكس الذين يعزون الفشل لأسباب غير ثابتة كالجهد، وتكمن المشكلة الرئيسة بهذا الخصوص؛ عندما يعزى الفشل إلى عامل داخلي وثابت وغير قابل للتحكم. وكما أن الطلبة الذين يرون النجاح في الدارسة راجعاً إلى الحظ ومزاج المدرس أو عوامل خارجية، فهؤلاء لن يبذلوا الجهد المطلوب، مقارنة بالذين يرون أن النجاح أو الفشل يعتمد على جهدهم (عسكر والقنطار، 2005،264).

ومن هنا تختلف الدافعية المعرفية للتعلم عن غيرها من التوجهات في تركيزها على الفاعلية الذهنية وحيوية المتعلم ونشاطه وتدخله في تنظيم الخبرات بهدف إدخالها وإدماجه في بنائه المعرفي بهدف تحقيق التوازن المعرفي. (قطامي،2003)

الصفحة130

الدافعية في النظرية الإنسانية

    وتستند الدافعية في النظرية الإنسانية على الحرية الشخصية، وتقرير المصير، والرغبة في النمو الشخصي من جانب الفرد، أو كما يسميه ماسلو (Maslow) تحقيق الذات لذلك توجه النظرية الإنسانية اهتمامها في المقام الأول بالدافعية الداخلية، ويقصد بها المواقف التي تتحدى قدرات الفرد وتشبع فيه الرغبة للتعلم والنمو والنجاح، وهذه تمثل حاجات مستمرة على عكس الحاجات الفسيولوجيه التي تتوقف عند إشباعها، لذلك ترتبط الدافعية في النظرية الإنسانية بالحاجات التي تسمو بالفرد إلى أعلى درجات النمو والنضج. 

      وهكذا فإن المنحى الإنساني يذهب إلى أن المتعلم يسعى في تعلمه بهدف استغلال أقصى طاقاته لكي يحقق ذاته ويبدع أشياء جديدة بهدف إشباع حاجاته المختلفة، وفي قمتها تحقيق الذات، لذلك فإن النجاح والإنجاز يتحقق للطلبة إذا ما أتيحت لهم فرص مناسبة لاستغلال قدراتهم التي تساعدهم في إشباع حاجاتهم إلى جانب تحقيق الذات والإبداع (قطامي،1993).

     وترتبط الدافعية في النظرية الإنسانية بهرم (ماسلو) للحاجات، الذي يظهر على شکل هرم يبدأ بالحاجات الفسيولوجية عند قاعدته وينتهي بالحاجات المعرفية في قمته، وتعتبر الحاجات الفسيولوجية الحاجات التي ترتبط بالسلامة والأمن حاجات فطرية، في حين أن الحاجات الاجتماعية والشخصية والمعرفية والجمالية حاجات مكتسبة، وتحدث ماسلو عن مجموعتين من الحاجات تصفان المحركات التي تكمن وراء السلوك الإنساني؛ الأولى تتعلق بالحاجات الأساسية أو ما يطلق عليها الحاجات الدفاعية، ويعتبرها ماسلو ذات أهمية في إثارة الأفراد وتوجيه سلوكاتهم نحو تحقيق الأهداف، وتشمل هذه الحاجات: حاجة البقاء مثل (الحاجة للطعام والماء والدفء وحاجات الأمن مثل (التحرر من كل العوامل الفيزيائية والنفسية التي قد تترك أذى للعضوية). أما المجموعة الثانية فتسمى حاجات النمو وهي مجموعة من الحاجات التي تأتي عملية إشباعها مباشرة بعد إشباع الحاجات الدفاعية حيث يرى ماسلو أن هذه الحاجات يتم تطويرها وتوسيعها نتيجة لخبرة

الصفحة131

الأفراد بها، وهذه الحاجات ثلاثة أنواع هي: حاجة التحصيل المعرفة والفهم والحاجات الجمالية التنظيم) والترتيب والصدق والجمال وحاجات تحقيق الذاتGinsberg, 2005))

        وفي ظل الدراسات الحديثة حول هرم ماسلو للحاجات، أجرى ( Brown Cullen200&) دراسة حول الدوافع للتصرفات الدينية وعلاقتها بالاحتياجات التصاعدية حسب هرم ماسلو، والدراسة أكدت ارتباط الدوافع بالتصرفات الدينية بالاحتياجات التصاعدية حسب ماسلو، والدراسة تؤكد القيام بدراسات أخرى لفحص جدول الاحتياجات التصاعدية حسب ماسلو ذات العلاقة بالنواحي الدينية الأخرى، لبيان نوع العلاقة بينهما. 

          الدافعية في النظرية الإنسانية تتضمن الدافعية الداخلية والخارجية، ولذلك تجذب الدافعية الداخلية الحاجة لتحقيق الذات، وتجذب الدافعية الخارجية الحاجة لتقدير الذاتفيتطلب الأمر عادة الاهتمام الأكبر بتحقيق الذات لدى هؤلاء الذين فات عليهم إشباع كل حاجاتهم النفسية بدرجة كافية، وإعطائهم الكثير من الإحساس بالارتياح البشري والنبل، وذلك بالمقارنة بمن تم لديهم إشباع الحاجة لتقدير الذات، وطبقاً لهرم ماسلو المقترح لنظرية الحاجات النفسية ترتب الحاجات للأمن والعطف والحب وتقدير الذات وتحقيق الذات في ترتيب زمني حركي متدرج، فإذا أشبعت الحاجات الأكثر أساسية بدرجة معينة، فإنه تظهر بعد ذلك الحاجات الأعلى، وفي التعلم تتشكل الدافعية الداخلية لأننا ندفع لكي نتعلم، والدافعية الداخلية تكيف لهذا النمط، أما الدافعية الخارجية فتتشكل بالتنافسوالمكافئات الملموسة (زايد، 2003،131).

الدافعية في نظرية التحليل النفسي 

 وتعرف الدافعية في ظل مفهوم النظرية التحليلية بأنها حالة استثارة داخلية لاستغلال أقصى طاقات الإنسان وذلك من اجل إشباع دوافع الإنسان إلى المعرفة لتحقيق ذاته، وترى هذه النظرية أن سلوك الفرد محكوم بغريزة الجنس وغريزة العدوان كما تؤكد

الصفحة132


هذه النظرية على أن الطفولة المبكرة هي التي تحكم سلوك الفرد في المستقبل، كما تنادي تلك النظرية بمفهوم الدافعية اللاشعورية  Unconscious Motivation     لتفسير ما يقوم به الانسان من سلوك دون أن يكون قادرا على تحديد أو معرفة الدوافع الكامنة وراء هذا السلوك، وهو ما يسميه فرويد الكبت  Repression   وحسب هده النظرية يحدث تفاعل بين الرغبات اللاشعورية والتي نشأت عن دوافع الجنس والعدوان ورغبات الطفولة المبكرة، حيث يقوم المجتمع المكون من الكبار يمنع الأطفال من التعبير عن مكنوناتهم، لذا يكبت السلوك، ويظهر على شكل سلوك مقنع قد يؤدي إلى ممارسة بعض أنماط السلوك التدميري حول الذات أو المجتمع، لذلك يمكن تفسير العديد من الأنماط السلوكية التي تبدو في ظاهرها غير سوية أو غير معقولة بدوافع لاشعورية بعيدة عن إدراك الفرد ووعيه (كوافحة، 2004, 147)،.

     ويستخلص مما سبق بأن الدافعية في النظرية التحليلية هي منظومة الإسقاطات اللاشعورية لدى الفرد، التي تدفعه للقيام بنشاطات معينة في الموقف الصفي، تشكل انعكاساً لها، من جهة وتعد حافزاً للمزيد من الدوافع عبر تلك المسارات اللاشعورية الإسقاطية من جهة أخرى.

    وهناك نمطان من الدوافع لدى الإنسان؛ دافع الحياة ودافع الموت، ويرى أنصار هذه النظرية بأن هذين النمطين من الدوافع في حالة صراع، وانطلقوا من ذلك في تفسير استمرارية السلوك وتحريكه، والتأكيد على أن سلوك الفرد محكوم بطبيعة تركيبه الوراثي وتفاعله في بيئته (الشنطي، 1970،6).

علاقة الدافعية بالتعلم: 

      للدافعية علاقة مباشرة مع سلوك الطلاب وتعلمهم، حيث يمكن تلمس عدة آثار مفيدة لها في تعلم الطلاب وسلوكهم، وقد حصرها العتوم وعلاونة والجراح  وأبو غزال (2005, 173) على النحو الآتي :    

صفحة 133

  - توجه سلوك الطلبة نحو أهداف معينة، ومن هذا المنطلق فإن الدافعية تؤثر في الاختيارات التي تواجه الطلبة.

- تزيد من الجهود والطاقة المبذولة لتحقيق هذه الأهداف.

 - تزيد من المبادأة بالنشاط والمثابرة عليه، لذلك تخلق في ذواتهم الرغبة بالاستمرار والمثابرة على أداء المهمة، عندما يحول بينهم وبينها حائل أو يصابون بالإحباط أثناء قيامهم بها.

- تنمي معالجة المعلومات عند الطلبة، وتؤثر في كيفية معالجتهم للمعلومات ومقدارها، فالطالب الذي يتمتع بدافعيه عالية يكون اكثر انتباهاً للمعلم، وبالتالي يحصل على معلومات اكثر في الذاكرة قصيرة المدى والذاكرة طويلة المدى، وكذلك فان الطلبة ذوي الدافعية العالمية يطلبون المساعدة من المعلم أو المصادر الأخرى، عندما يكونون بحاجة إليها، وهم أكثر محاولة لفهم المعارف، واشد تركيزا على التعلم ذي المعنى، ولا يهتمون بمجرد حفظ المعلومات على مستوى الصم.

 - تحدد النواتج المعززة للتعلم، لذلك إذا كان الطلبة مدفوعين تماماً لتحقيق النجاح الأكاديمي فإنهم يشعرون بالفخر والاعتزاز كلما حصلوا على علامة عالية ويشعرون بالألم والانزعاج إذا حصلوا على علامة متدنية، وكذلك إذا كان اهتمام الطالب مركزاً على أن يكون مقبولاً ومحترماً في جماعته، فإنه يعطي معنى اكبر للانضمام إلى الجماعة ويشعر بمرارة أكبر إذا تعرض للسخرية والاستهزاء من الجماعة.

- تعويد الطلبة على أداء مدرسي أفضل، وذلك نتيجة منطقية لكل ما تقدم من الفوائد، وبذلك يمكن الاستنتاج بأن الطلبة المدفوعين للتعلم اكثر تحصيلاً، وان عمل المعلمين يصبح أسهل وأكثر إنتاجاً، إذا كان الطلبة مدفوعين للنجاح في المدرسة.

    ويستخلص مما سبق أن الدافعية تعد عنصراً أساسياً من عناصر التدريس، ولاسيما أنها تعمل على زيادة فاعليتها، والإسهام إلى درجة كبيرة في تحقيق الأهداف المرجوة منها لدى المتعلم، حيث يرى البعض أنها من الأسباب الرئيسة في وجود الفروق الفردية في

صفحة 134

التحصيل بين المتعلمين، وتباين مستوى الدافعية لديهم، وهذا ما دفع العديد من علماء النفس التربويين، إلى ضرورة تأكيد أن تكون الدافعية هدفاً تعليمياً بحد ذاتها، حتى يتسنى تحقيق التعلم المرغوب فيه لدى المتعلمين (الزغلول، 2005، 227).

    وهناك حاجات مهمة للمتعلم؛ وتسهل عملية التعلم، كالحاجة إلى الانتماء والإنجاز والتحصيل، والتحرر من الخوف وعقدة الذنب، وإلى ضرورة اكتسابه الحب والحنان والإحساس بالمشاركة واقتسام الأمن، وأن يكون للحياة معنى، فحين تحبط هذه الحاجات، يصعب التعلم (الدسوقي، 1977، 354).

    وهنا تتدخل موضوعات الذكاء الانفعالي؛ لأنها تلامس تلك الحاجات في مجال إشباعها في المتعلم، وإعطائه للنجاح والحياة معنى من خلال الإنجاز والاستقرار النفسي.

مؤشرات دافعية التعلم لدى التلاميذ:

       يكمن مفتاح السيطرة على السلوك وتوجيهه في فهم حاجات ودوافع وميول المتعلم، ولذلك فإن كثيراً من عمل المعلم يتركز حول مشكلة الدافعية، ويكاد يكون فشل المعلم راجعاً إلى عدم قدرته على فهم الدور الذي تلعبه الدوافع في نشاط التلاميذ واهتمامهم بالدرس، فإدراك الفرد وتفكيره، وتذكره ونسيانه، ومشاعره المختلفة وعاداته وأساليبه السلوكية كلها تتأثر بمجموعة الدوافع التي يشعر بها المتعلم وطبيعة الأهداف التي يسعى إليها.

ويشير الكناني والكندري (2005 ، 67) إلى بعض المؤشرات التي تدل على وجود دافعية لدى التلاميذ، ويمكن من خلالها قياس دافعية التعلم، وهي:

- ينتبه للمعلم وغيره من مثيرات الموقف الصفي.

- يبدأ العمل فوراً ودون تلكؤ أو إبطاء.

- يطلب التغذية الراجعة حول أدائه للمهمات التعليمية.

- يثابر على العمل أو المهمة حتى ينجزها.

 - يتابع عمله ويستمر فيه من تلقاء نفسه.

صفحة 135

- يعمل على إنجاز المهام المدرسية المكلف بها خارج ساعات المدرسة.

- يتفاعل بانسجام مع التلاميذ الآخرين ومع معلمه.

- يعود إلى مهماته فوراً و باختياره بعد أي مقاطعة.

- يميل إلى نوع من أنواع النشاط ويقبل عليه.

 ويشير ليوري  (Lieury) المشار إليه في (سعداني، 2000 ،43) إلى مؤثرات تثبيط العزيمة على الطلبة وانعكاساتها في خفض دافعية التعلم لدى الطلبة، لأنه مع تثبيط العزيمة مع مرور محاولات التعلم، لا يتبين المتعلم العلاقة بين ما يقوم به وبين نتائج عمله، فيفقد، تبعاً لذلك، بالتدرج دافعيته، ولذلك تعد استكانة مكتسبة ناشئة من الظروف التعليمية؛ التي لا ترفع مستوى الدافعية والتعزيز لدى المتعلم، ومن هنا ينشأ لتلك الاستكانة المكتسبة انعكاسات خمولية سلبية تتدرج من الخمول البسيط إلى الاكتئابات الخطيرة، التي في حالات من هذا النوع أدت إلى حالة انتحار في اليابان.

ولذلك تسهم موضوعات الذكاء الانفعالي في رفع الدافعية وتوفير أجواء تعليمية آمنة، تحفز دافعية المتعلم، وترفع مستوى الأمل والطموح لديه، مما يعينه على تجاوز الحزن والاكتئاب والمثبطات، من خلال التحفيز الداخلي للذات عبر مؤثرات الدافعية الداخلية والمعززات الخارجية عبر مؤثرات الدافعية الخارجية، ومن هنا تعتبر الدوافع بشتى أنواعها الفطرية والاجتماعية والشعورية واللاشعورية عاملاً فاعلاً وأساساً في حياة الإنسان وضرورية لإحداث توافق الإنسان مع نفسه والمحيط الذي يعيش فيه، وبالتالي يتحقق له شعوره بالصحة النفسية التي تعتبر سبيلاً لسعادته وراحته التي يسعى دائماً إلى تحقيقها (المطيري، ،2005 , 75 )

مما سبق تبرز أهمية دافعية التعلم ونتاجاتها في التحصيل الأكاديمي والأمن النفسي للطلبة، وإثارة طاقات تحفيز هم لذاتهم في الموقف الصفي، مما ينعكس على إيجابيته ورفع مستوى التفاعل الصفي، ويعزز مهمة تحقيق الأهداف التربوية المنشودة، وتقدير الطلبة لذواتهم، وتوجيه طاقاتهم نحو الإنجاز الأكاديمي والإبداع في الحياة.

صفحة 136

وتنوع الاتجاهات السيكولوجيه لمفهوم دافعية التعلم وكافة متعلقاتها فيه الصفية للعملية التعليمية التعلمية، إسهام في تغطية جوانبها النظرية، لغاية تفعيلها في الغرفة لتشكل دعامة هامة في رفع مستوى التحصيل الأكاديمي للطلبة وتقديرهم لذواتهم.

صفحة 137


الدافعية في ضوء التصور الإسلامي

 تناول القرآن الكريم والسنة الشريفة دوافع الإنسان الفسيولوجية والنفسية والروحية، فالدوافع الفسيولوجية تتعلق بحفظ الذات، والدافع الجنسي ودافع الأمومة يتعلق ببقاء النوع، والدوافع النفسية، واهتمت التربية الإسلامية بضبط تلك الدوافع، في أطر معتدلة متوازنة، بعيدة عن الإفراط والتفريط.

دوافع حفظ الذات

 أشارت السنة الشريفة إلى بعض دوافع حفظ الذات الهامة، مثل: دافع الجوع ودافع العطش، ودافع التعب، ودافع الحرارة والبرودة. 

قال صلى الله عليه وسلم عن عثمان بن عفان أن النبيﷺ قال ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال بيت يسكنه، وثوب يواري عورته وجلف الخبز ظاهراً قال أبو عيسى هذا حديث حسن (صحيح الترمذي، د.ت ، .4/571) 

ويشير النص إلى حاجة الإنسان إلى المأوى وما يترتب عنه من امن وسكينة وامن معنوي ومادي، ودافع، كما يحتاج أيضا إلى ملبس لكي يواري عورته، ولكي يقي نفسه من الأذى الذي قد يحدثه التعرض لحرارة الشمس الشديدة في الصيف، أو البرودة الشتاء القارصة، وزاد يقوت به نفسه، وكل ذلك من الدوافع الفسيولوجية.

وروي عن ابن عباس قال؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمون شركاء في ثلاث في الماء والكلا والنار وثمنه حرام (ابن ماجه ، د.ت، 2/826) 


وقال النبي صلى الله عليه وسلم  الناس شركاء في ثلاث الماء والنار والكلا  (الحنبلي ، 1987،1/308)

ويشير النص إلى قيمة الحاجة للماء والكلا والنار، وإنها حاجة إنسانية جماعية، فالماء روح الحياة والمعاش، والكلا الذي تحتاج إليه إبلهم وإنعامهم في غذائها، والنار لكي تشعره بالدفء وتقيه أذى البرودة، وكل هذا من الدوافع الفسيولوجية.

صفحة 138

وروي عن المستورد بن شداد قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من كان لنا عاملا فليكتسب زوجة فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادما ومن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنا (ابن خزيمة، 1970، 4/70) .

ويشير النص هنا إلى الدافع الجنسي بتلبية رغبة الرجل في أن تكون لديه الزوجة ورغبة الزوجة بأن يكون لها زوجاً يصونها ويحميها، وكذلك الحاجة إلى خادم يعين على أعباء العمل.

عن أنس بن مالك قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم على مريض يعوده فقال: أشتهي شيئا، اتشتهي كعكا، قال نعم فطلبوا له (ابن ماجه ، د.ت، 1/463) 

وهناك ارتباط بين حاجة البدن، ورغبة الإنسان في الطعام، فهنا اشتهى المريض للطعام، وحث النبي صلى الله عليه وسلم تقديمه له، يفيده، الحاجة البدن إليه، وفي ذلك مترتبات على سلامة البدن، وبدايات تحسن الوضع الصحي.

وأشارت النصوص الشرعية إلى بعض الدوافع المتعلقة بحفظ الذات وما ترتبط بها من مشاعر راحة، ومنها دافع الإخراج، إذ ورد في الدعاء الحمد لله الذي رزقني لذته، وأبقى في قوته وأذهب عني أذاه، (ابن حجر، 1959، 6/373) ففي هذا الدعاء يحمد الرسول تعالى على نعمته عليه بلذة تناول الطعام والشراب، وعلى نعمته عليه بالإبقاء على قوته وصحته، وعلى ما أودع فيه من قدرة على التخلص من الأذى الذي يحدثه بقاء فضلات الطعام والشراب في البدن.. وفي هذا الحديث أيضا إشارة إلى الناحية الوجدانية التي تصاحب الدوافع فالدوافع الفيسولوجية، مثل الجوع والعطش، تصاحبها عادة حالة وجدانية مكدرة هي عبارة عن شعور بالضيق والتوتر وعدم الاستقرار. وإشباع هذه الدوافع تصاحبه حالة وجدانية سارة هي عبارة عن الشعور بالراحة واللذة اللتين تنشأن عن التخلص من الضيق والألم اللذين كان يثيرها.

الإنسان وقد أشار القرآن الكريم إلى ما لدافع الجوع وانفعال الخوف من أثر هام في حياة

صفحة 139

قال الله تعالى: ﴿وَلَتَبْلُونَّكُم بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّبِرِينَ﴾ (البقرة : 155) وقال القرطبي (1954) فالخوف هو خوف العدو والفزع في القتال؛ قاله ابن عباس. وقال الشافعي: هو خوف الله عز وجل. والجوع يعني المجاعة بالجذب والقحط؛ في قول ابن عباس. وقال الشافعي: هو الجوع في شهر رمضان ونقص من الأموال بسبب الاشتغال بقتال الكفار. وقيل: الجوائح المتلفة. وقال الشافعي: بالزكاة المفروضة. والأنفس قال ابن عباس: بالقتل ولموت في الجهاد. وقال الشافعي: يعني بالأمراض والتمرات قال الشافعي المراد موت الأولاد، وولد الرجل ثمرة قلبه؛ كما جاء في الخبر، على ما يأتي. وقال ابن عباس: المراد قلة النبات وانقطاع البركات.

     وقال تعالى ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةُ كَانَتْ عَامِنَةً مُطْمَبِنَّهُ يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِن كُلِّ مَكَانِ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَا قَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ (النحل: 112) ولباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ سماه لباسا،ً لأنه يظهر عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس، بما كانوا يَصْنَعُون،َ أَي من الكفر والمعاضي (القرطبي 1454). 

وقال تعالى: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبِّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِن جُوعِ وَامَنَهُم مِنْ خوف﴾ (قريش ،4-3) فقد أمرهم أن يعبدوا رب هذا البيت، وكفاهم المؤنة وكانت رحلتهم في الشتاء والصيف، فلم يكن لهم راحة في شتاء ولا صيف، فأطعمهم بعد ذلك من جوع، وآمنهم من خوف، وألفوا الرحلة، فكانوا إذا شاءوا ارتحلوا، وإذا شاء وا أقاموا، فكان ذلك من نعمة الله عليهم (القرطبي، 1954) 

صفحة 140

دوافع بقاء النوع والأمومة:

هذب الإسلام رغبة الرجل في المرأة ورغبة المرأة في الرجل، من خلال مظلة الزواج الشرعي، ومن خلال دائرة بناء الأسرة، وما ينشأ عنها من ذرية صالحة.

 فالزواج من سنن الله تعالى في الكون، وفيه من الآيات العظيمة، التي تقتضي التفكر والتدبر، وفيه إشباع للرغبات الجنسية بالطريقة التي شرعها الله تعالى، بعيداً عن اللغة الحيوانية في الإشباع الجنسي.

قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِك بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَيَنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ (النحل:72)

ومن خلال الزواج تلبي حاجات اجتماعية من المصاهرة والتعارف، تسهم في توثيق العلاقات الإنسانية وتأطيرها في ضوء منهج الله تعالى، وتعليمات الخالق عز شأنه وجلاله.

قال تعالى: ﴿ يأيهاا النَّاسُ أَتَّقُوا رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَتْ مِنْمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهُ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (النساء: 1) 

وأكدت النصوص القرآنية، على تأطير الحياة الزوجية بالمودة والتراحم، وأجواء التواد والسكينة، وهذا من أهم الدوافع الإنسانية الفطرية، التي يجب تلبيتها من خلال العلاقة الزوجية، التي اعتبرت ميثاقاً غليظا، يحب رعايته وصيانته.

وقال تعالى: ﴿ وَمِنْ وَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَا يَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم: 21)

صفحة 141

وحثت السنة الشريفة على الزواج، وحضت عليه، قال رسول اللهﷺ يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء (مسلم، د.ت، 2/1018)

وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم النكاح من سنتي ، فمن لم يعمل بسنتي فليس منى، وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ومن كان ذا طول فلينكح ومن لم يجد فعليه بالصيام فإن الصوم له وجاء (ابن ماجه د.ت، 1/592). 

عن أنس بن مالك قال ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول تزوجوا الودود الولود إني مكاثر الأنبياء يوم القيامة (حنبل، د.ت، 3/158) .

    وينظر الإسلام إلى العلاقة الزوجية بأنها عمل صالح، لأنها في ضوء مرضاة الله عز وجل، فعن أبي ذر أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبيﷺ يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهى عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر (مسلم، د.ت، 2/697). 

وصورة الأمومة في ضوء التربية الإسلامية، تتسم بتدفق العاطفة والحنان والرعاية، وحرصها على تنشئة أبنائها التنشئة السوية، وإعدادهم الخدمة الدين والأمة المسلمة، في كافة المجالات.

. ويظهر سلوك الأمومة الفطري في الحيوانات الثديية حيث تسلك الأمهات في إرضاع صغارها والعناية بهم سلوكاً فطرياً غريزيا.ً وقد أشار الرسول عليه الصلاة والسلام إلى دافع الأمومة عند إناث الطير فيما تبديه من اهتمام برعاية صغارها والدفاع عنهم، وما تظهره من جزع إذا ألم ألم بهم أذى.

صفحة 142

   فعن عبد الرحمن بن عبد الله قال نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فانطلق إنسان إلى غيضه فاخرج منها وعثمان حمر فجاءت الحمرة ترف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ورؤوس أصحابه فقال وبخل أيكم فجع هذه؛ فقال رجل من القوم أنا أصبت لها بيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اردده (حنبل، د.ت، 1/404). 

  وأبرز الإسلام مكانة الأم، وحجم ما تتحمله من مشاق في ظل مهمة الأمومة لمقدسة، قال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أَمُّهُ وَهُنَّا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَلَّهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَى الْمَصِير﴾  (لقمان:14)

وقال القرطبي (1954) خص تعالى الأم بدرجة ذكر الحمل وبدرجة ذكر الرضاع حصل لها بذلك ثلاث مراتب وللأب واحدة وأشبه ذلك قوله صلى الله عليه وسلم حين قال له رجل: من أبر؟ قال: »أمك قال: ثم من؟ قال: »أمك« قال ثم من؟ قال: »أمك قال: ثم من؟ قال: »أبوك« فجعل له الربع من المبرة كما في هذه الآية.

الدوافع النفسية:

 راعت التربية الإسلامية، الدوافع النفسية في الفرد المسلم، وإشباعها في ضوء القنوات الشرعية، بعيدا عن السبل التي نهت عنها الشريعة السمحة، فالإسلام دين واقعي يخاطب الإنسان في أعماقه وكينونته، وهو مكرم لا محالة بين يدي الله تعالى، ومن هنا استجابت الشريعة بإيجابية لدوافع التعلق بالله لديه، ودافع التنافس ووجهته نحو الآخرة، ودافع التملك للمال، وضبطته في الكسب المشروع، ولم تتركه هكذا عبثا، بل وازنت بين متطلبات عقله ومشاعره وجسده و مجتمعه، في أطر شاملة إنسانية ، متسقة، بعيدة عن التناقض والتضاد، وفيما يلي منظومة تلك الدوافع على التدريج:

صفحة 143

دافع التدين:

 إن في الإنسان استعداداً فطريا لمعرفة الله سبحانه وتعالى والإيمان به. وتوحيده، والتقرب إليه بالعبادة، والالتجاء إليه والاستعانة به عندما تحيط به الأخطار. وقد أشار القرآن إلى دافع التدين في قوله تعالى: ﴿ فَأَقمْ وَجْهَكَ الَّدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِي يَوْمٍ للَّا مَرَدٌ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصْدَّعُونَ﴾  (الروم: 43) ويقول القرطبي  (1954) في تفسيرها أي أقم قصدك، واجعل جهتك إتباع الدين القيم؛ يعني الإسلام.

وأثبت القرآن الكريم الفطرة الإنسانية في آيات كثيرة منها قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي عَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا عنفلين﴾ .( الأعراف:172) 

والنص القرآني يشير إلى أن الله تعالى أخرج من ظهور بني آدم بعضهم من بعض، واشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ السنت يربكم، إي دلهم بخلقه على توحيده؛ لأن كل بالغ يعلم ضرورة أن له رباً واحدا.ً فقوله تعالى الست بربكم ، فقالوا بلى شهدنا فقام ذلك مقام الإشهاد عليهم، والإقرار منهم.

وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم إن المؤثرات التي تحيط بالإنسان، ومنها المؤثرات الأسرية على في توجه الفطرة وجه التحديد، قد تحرف الفطرة الإنسانية عن مسارها الموحد الله تعالى الأصلي، فيحدث لها أن تنطفى جذوتها، أو تطمس بواقع مؤثرات الأسرة على النشء.

دافع التنافس:

ويسهم دافع التنافس، في الارتقاء بالمجتمع وتطويره، تحقيق مساحات عالية في التميز والإبداع في الحياة، من خلال إثارته في المناحي الإيجابية، وقد تم تنظيم هذا الدافع وتوجيهه في الإسلام في الأطرر الأخروية، لأنها الدار الباقية، ومادة العمل في الدنيا، من اجل 

صفحة 144

تحصيل الدرجات العليا فيها، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ۝ عَلَى الْأَرَابِكِ يَنظُرُونَ۝ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ۝ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقِ مُحْتُوم۝ خَتامُهُ مِسْكَ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافُسِ الْمُتَنَفِسُونَ۝ وَمَزَاجُهُ مِن تَسْلِيم۝ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾ 

    وتشير قوله تعالى ﴿ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَتَافِسُونَ ﴾ أي فليرغب الراغبون؛ ويقال فست عليه الشيء أنفسه نفاسة: أي ضينت به، ولم أحب أن يصير إليه، وقيل: الفاء بمعنى إلى أي وإلى ذلك فليتبادر المتبادرون في العمل نظيره لمثل هذا فليعمل العاملون (القرطبي :1954) 

وروي عن يزيد بن الأخنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تنافس بينكم الا في اثنتين رجل أعطاء الله عز وجل القرآن فهو يقوم به أناء الليل وأناء النهار ويتبع ما فيه (حنبل، د.ت، 4/104) 

ودلالة النص هنا توجه التنافس في ضوء مرضاة الله عز وجل، واستثمار الحياة بما يشكل رصيداً عند الله تعالى في الآخرة، لأن ميزان المؤمن فيما يرصد، يتوجه إلى مستقبله الأخروي، ولذلك لا يقف عند حدود المادة والنص، بل يستثمرها ويفعلها في الخير والعمل.

دافع التملك:

يميل الإنسان إلى تملك الأموال والعقارات والأراضي وغير ذلك من أنواع متاع الحياة المختلفة. وقد أشار القرآن الكريم إلى حب الإنسان التملك في قوله تعالى: قال تعالى: ﴿زُيْنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَاطِيرِ الْمُقَطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضْةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَتَابِ﴾ (آل عمران: 14) .

صفحة 145

فقد أخبر تعالى في هاتين الآيتين، عن حالة الناس في إيثار الدنيا على الآخرة، وبين التفاوت العظيم، والفرق الجسيم بين الدارين، فأخبر أن الناس زينت لهم هذه الأمور، فر مقوها بالأبصار، واستحلوها بالقلوب، وعكفت على لذاتها النفوس، كل طائفة من الناس تميل إلى نوع من هذه الأنواع قد جعلوها هي أكبر همهم، ومبلغ علمهم، وهي مع هذا متاع قليل منقض في مدة يسيرة (السعدي، 2002) 

وأشارت النصوص إلى حب الإنسان لتملك المال، فعن أنس قال قال رسول صلى الله عليه وسلم کو كان لابن آدم واديان من مال لا بتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف بن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب (مسلم، د.ت، 2/725) 

الصراع بين الدوافع:

نظم الإسلام الدوافع لدى المسلم، في ظل طاعة الله عز وجل، في أطر شاملة متوازنة، وفي ظل شخصية إيجابية معطاءة، تنسق مع فطرتها الإنسانية، وتستجيب للمنهج الإلهي، وتعليمات الخالق المبدع، وتتسق سلوكاتها مع سنن و نواميس الكون، وقوانينه الاجتماعية، التي أوردتها نصوص الشريعة السمحة، ومن هنا يقبل المسلم الجاد بمشاعر متعبدة محبة لربها، في الالتزام الشرعي، الذي يتسم بالحدية، بعيداً عن التناقض والازدواجية، وتعد الازدواجية من صفات المنافق المتذبذب، هنا وهناك، دون مبدأ واضح في الحياة.

وقد اتسمت العبادات بالاعتدال والتوازن بعيدا عن الغلو والتقصير، وراعت حاجات الإنسان الروحية والجسدية والنفسية، في توازن جميل رائع، لأنه من توجيه الخالق عز شأنه وجلاله، وبالتالي حثته الشريعة، على الالتزام الواعي، الذي يحسن فيه استخدامه عقله في مرضاة الله عز وجل، ويوظف عاطفته في ضوء الإسلام السمح، مما يشحنه بقوة متدفقة، تحول بينه وبين الانصهار والاندثار في الفتن والمعاصي، والمؤمن يثق بروحه المتعلقة بالله تعالى، إن ما يعترضه من بلاءات، وكذلك أمته المسلمة، إنما هي للدفع في منهج الله تعالى، متجاوزاً التقصير، ورفعاً في الدرجات.

صفحة 146

السيطرة على الدوافع:

تضمن الشريعة السمحة، مساحات ثرية في ترسيخ الالتزام والوعي في الشخصية المسلمة، في اطر من الأمن والسكينة، والمجتمع المتكافل المتواد المتراحم، بحيث تكون بعيداً عن تأجج الصراعات النفسية بين الدوافع المختلفة، وتمضي في ضوء تعليمات الصانع المبدع، في سير معطاء متجدد في طاعته تعالى في ضوء سمة الاعتدال والتوازن، التي تتسم بها كافة متعلقات التربية الإسلامية السمحة.

قال تعالى ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا وَاتَلَكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةً وَلَا تَسَ نَصِيبَكَ  منَ الدُّنْيَا وَأَحْسنَ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْعِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ  إِنَّ  اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ (القصص: 77)  أي أنفق لآخرتك، واستمتع بدنياك، استمتاعاً لا يثلم دينك، ولا يضر بآخرتك (السعدي، 2002) 

ويأتي الصراع، من الخروج عن منهج الله تعالى، واستهلاك الوقت والمال والجهد في الدنيا، بلا طائل، في اطر المتعة الزائلة، عوضاً عن استهلاكه في المستقبل الأخروي، وأرصدته الخالدة، لأنها الحياة الأصل ودار الجزاء، والدنيا دار العمل والتكليف.

وهكذا كما جاء في السنة الشريفة كلوا اشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة.

واهتم الشرع بضبط الدافع الجنسي، وعدم خروجه إلى حد التفلت، والسلوك البهيمي، ويكون ذلك من خلال تأطيره بالزواج، الذي يعد ميثاقاً غليظا،ً ووجهت الشريعة، العاجز ماديا أو معنويا أو كليهما معا،ً إلى علاج بديل، تعبدي، يخفف من حدة وطأة الشهوة ويسكنها، ويرتقي بالمشاعر في مراتب عليا، تترفع فيها الذات عن الانجرار والانسياق وراء الرغبات الجنسية، ويحدث لها علو التطلع نحو الروحانيات وأبواب الآخرة.

واهتمت التربية الإسلامية، في تهذيب السلوك، وجعلته ركن التربية الهام، بدءا للنشء في محضن التربية الإسلامية، إلى أن يكون الفرد عنصراً نافعاً في المجتمع، يعتز بدينه، 

صفحة 147

وينفتح على الآخرين، ويتقن ثقافة الحوار، ويرفض العنف، ومتعلقاته في السلوك والخطاب والفكر بكافة أبعاده، وربما هذه الحيثية على وجه التحديد، هي سر معاناة الأمة المسلمة، جراء الحملات التشويهية للإسلام، عبر حركات العنف، الذي تقتل وتروع المدنيين المسلمون، فيفي مساحات مساحات العالم الإسلامي تحت عناوين إسلامية خادعة.

ودعت الشريعة السمحة، إلى الكسب المشروع، ولم تلغي فطرة الإنسان، في حب تملك المال، ولكن ضبطتها في ظل قنوات شرعية، تضبط سلوك المسلم المالي، وتجعله في مناي عن الرزق الحرام، ومخالفة الشرع، فهنا تهذب التربية الإسلامية السلوك، الموجهه نحو المال، في أن يكون مجرد وسيلة، وليس غابة بحد ذاته، لاستعباد الخلق، وإحداث خلل في التوازن في المجتمع، حيث تستأثر طبقة مخملية في المجتمع المسلم المال، ويخضع باقي المجتمع للفقر المدفع، في خلل اقتصادي، تشهده الأمم الراقية، فيما يعرف برأس المال المتوحش.

صفحة 148



الفصل الخامس: التعلم



تمهيد 

 يعد التعلم نشاطاً يستمر طوال العمر، من المهد إلى اللحد، بل أنه قد يبدأ قبل ذلك والطفل جنيناً في بطن أمه، ويحدث التعلم بشكل مقصود في مواقف التعلم والتدريس، كما يحدث بشكل غير مقصود عن طريق ما يمر بنا من خبرات.

يشمل التعلم العديد من المهارات والكفايات من معرفة الحقائق البسيطة إلى المهارات التي تتعلق بالأمور المعقدة والإجراءات الصعبة، ويتطلب التعلم جهدا،ً حتى يترسخ، فالتعلم عملية معقدة مركبة، وعادة ما نلاحظ نتائج التعلم في سلوك الإنسان ولكن عملية التعلم تستعصي على الملاحظة العادية غالبا،ً لأنها عملية داخلية غير ظاهرة، ولذلك ظهرت كثير من النظريات التي تحاول تفسير التعلم، وكيف يحدث، وتمثل هذه النظريات أفكار ومذاهب مختلفة، ولكل منها مسلماتها الخاصة، ومعتقداتها العامة عن التعلم. (أبو علام 2004).

ومن هنا نشأت نظرية التعلم وهي مجموعة من القوانين والمبادئ عن التعلم وتتفاوت بحسب الرؤية النظرية النفسية سواء أكانت سلوكية أم معرفية أم إنسانية أو يعتقدون اجتماعية أو غير ذلك، ولذلك تعددت نظريات التعلم، فالنفسانيون السلوكيون التعلم يمكن فهمه في ضوء الملاحظة المباشرة للسلوك، ويرى الاجتماعيون أن التعلم عملية اجتماعية تتوقف على التفاعل بين المتعلم وبيئته الاجتماعية الثقافية، والمعرفيون يربطونها بحركة الدماغ ومنظومة العمل والأنشطة الذهنية التي تدور فيه، والإنسانيون يربطونها بالتفرد وتحقيق الذات.

ولا يخفى علينا، بأن النظريات لا تعطينا في الواقع حقائق الأمور، ولكنها تمدنا بإطار فكري لفهم وتفسير البيانات التي يتم الحصول عليها من خلال البحث، ومن هنا فإن التعلم

صفحة 151

 يعد خبرة إنسانية شائعة لدرجة أن الناس لا تفكر في المقصود بقولنا أن شيئاً ما تم تعلمه، ولتعدد النظريات فليس هناك تعريف للتعلم مقبول من الجميع، فهناك من يعرفه بأنه تغير دائم في آليات السلوك يتضمن مثيرات خاصة واستجابات، أو انه نتاج الخبرة السابقة بتلك المثيرات أو الاستجابات أو ما يشابهها، أو تغير ناتج عن خبرة الفرد وتفاعله مع البيئة، إذ أن التعلم يتطلب الخبرة، ولكن نوع الخبرات التي سبب التعلم، وكيفية أحداثها هو الأمر المهم. (أبو علام 2004).

وهناك من يعرفه بأنه تغير في سلوك الفرد بحيث يمكن تعديله أو تشكيله أو صقله وان ذلك التغير في السلوك يمكن أن يستمر إذا تم تعزيزه بالمكافأة والتشجيع والتدعيم.

عمليات التعلم:

 تعددت الدراسات التربوية، التي تناولت التعلم، وعملياته، التي ينتج عنها تغير في السلوك أو الخبرة، وأبرزها ما أورده جانبيه من أن التعلم يتضمن ثمان عمليات يجريها المتعلم، مصحوبة بأدوات خارجية ينظمها المتعلم أو المعلم، وكل منها قد ارتبط بعملية في ذهن المتعلم، وهي موضحة في الجدول الآتي:

جدول رقم (1) عمليات التعلم

(انظر الجدول صفحة 152)

صفحة 152

وتتم عليمة التعلم من خلال توافر الدافعية لدى المتعلم، إذ بدون توافرها لا يقوم المتعلم بنشاط، ينشأ عنه التعلم، و تبرز أهمية الدافعية، في أنها تجعل سلوك المتعلم موجهاً نحو هدف محدد، ويحاط ذلك بتوقع لديه أو صورة ما عما يريد تحقيقه، يليها ما يحدث من انتباه المتعلم إلى المثيرات المحيطة، وانتباهه في هذه المرحلة يصبح موجها نحو ما يصبو من تحقيق الهدف، حيث تنتفي العشوائية في انتباهه، وذلك بحد ذاته يزيد من فاعلية التعلم. والمرحلة التالية هي مرحلة الاكتساب للخبرة فيقوم بترميزها وإعطائها مسمى؛ لأن ذلك يساعد على استرجاعها وتحديد موقفها في الذاكرة، ويليها المرحلة التي يستطيع فيها أن يسترجع الخبرة، حيث تتحدد فيها خصائصها الرئيسية، والتي قاومت التلاشي والذوبان في الخبرات الأخرى، بحيث أمكن تذكرها ونقلها إلى مواقف أخرى مشابهة؛ في عملية التوظيف، وتصبح بالتالي جزءا من الاستجابات التي يجريها في مواقف تستدعي منه استدعائها وتوظيفها عمليا،ً ثم بعد ذلك يحصل المتعلم على تعزيز، حينما يعرف أن استخدامه لهذه المعارف والحقائق كان استعمالاً صحيحاً ودقيقا،ً وبذلك تتشكل لدى المتعلم الثقة في استخدامها، ويبادر إلى إدخال تغييرات عليها من وقت لأخر؛ لتأخذ صورة مستقرة مترسخة في مخزون الفرد، وبهذه الصورة يكتسب المتعلم المعاني والحقائق (قطامي، 1998،155) .

    ويشتمل التعلم على موقف معين يستثير الفرد؛ ويتطلب منه تصرفاً معيناً؛ ووجود دافع أو حاجة لدى الفرد يدفعه للقيام بنشاط خاص، ويرتبط هذا النشاط بأجهزة الجسم المختلفة كالجهاز العصبي والحواس والعضلات، وقد يرتبط بالعمليات العقلية العليا كالتفكير، أو الدنيا كالتذكر والانتباه ويؤثر هذا النشاط في الموقف محدثاً التغير المرغوب. 

     ويعترض الفرد أحياناً عقبات أو صعوبات تحول بينه وبين السيطرة على الموقف وبعض هذه العقبات خاص بالبيئة وبعضها الأخر يتعلق بإمكانيات الفرد واستعداده؟ الخبرة؛ حتى يحقق ويحاول المتعلم أن يتغلب على هذه العقبات عن طريق التعديل، وتكيف الهدف الذي ينشده.

صفحة 152


فالتعلم تعديل في السلوك أو تغير في الأداء نتيجة الخبرة والتدريب، وهذا التغير في السلوك تغير شبة دائم، وحتى يتم التعلم لابد أن يكون الفرد مستعداً لها؛ والاستعداد للتعلم قد يكون راجعا للنضج وقد يكون راجعا للخبرة السابقة، وقد يكون راجعا للاثنين معا.

أهمية التعلم:

 يعتبر علم نفس التعلم من المواد الأساسية لتدريب المعلمين وتأهيلهم، لأنه يزودهم بالأسس والمبادئ النفسية التي تتناول طبيعة التعلم المدرسي، ليصبحوا أكثر فهماً وإدراكاً الطبيعة عملهم، وأكثر مرونة في مواجهة المشكلات الناجمة عن هذا العمل، ويقوم دور هذا العلم على افتراض مؤداه أن هناك مبادئ عامة للتعلم المدرسي، يمكن استنتاجها أو اشتقاقها من نظريات التعلم، أو يمكن التأكد من صدق هذه المبادئ على نحو تجريبي وإيصالها إلى المعلم بطريقة فاعلة.

ويمكن تلخيص مهام علم نفس التعلم بالنسبة إلى المعلم بما يلي:

۞ استبعاد الآراء التربوية غير الصحيحة والتي تعتمد على الملاحظات غير الدقيقة في العملية التربوية.

۞ تزويد المعلم بالمبادئ الصحيحة التي تفسر التعلم المدرسي.

۞ ترشيد ممارسة المعلم المهنة التدريس.

۞ تدريب المعلم على التفسير العلمي للعملية التربوية.

۞ مساعدة المعلم على التنبؤ العلمي بسلوك التلاميذ وضبطه.

                                                                           (سلمان ونبهان 2004، 15)     

مبادئ التعلم

 ينبغي أن تستند العملية التعليمية التعلمية، إلى منظومة من مبادئ التعلم، التي يلتزمها المعلم، في تعامله مع المادة التعليمية والمتعلم، وتبرز أهمية تلك المبادئ، للمعلم، من

 

صفحة 154

خلال تفهم دورها وأهميتها في العمل على نجاح العملية التعليمية التعلمية، واختيار الأنشطة التعليمية المناسبة وطرائق التدريس الفاعلة.

ومن الجدير بالذكر، انه ليست هناك حتى الآن نظرية شاملة وموجة للتعلم، تم قبولها من جانب جميع المربين أو المتخصصين في مجال علم النفس التربوي، ومع ذلك، فإن ينبغي على المعلم أن يعي دور مبادئ التعلم وأهميتها، وأن يحاول مراعاتها بدقة أثناء تفاعله مع تلاميذه، وذلك لما لها من علاقة وثيقة بمهنة التدريس، وتتمثل أهم مبادئ التعلم أو أسسه في الآتي:

۞ يتعلم الفرد كثيراً من الخبرات السابقة التي مر بها.

۞ يكون التعلم أكثر فاعلية وفائدة، إذ تفهم الفرد جيداً ما يتعلمه.

۞ يتأثر التعلم في الغالب بدوافع الأفراد وأهدافهم وقيمهم.

۞ يتعلم الفرد في اغلب الظروف، ما يحتاج عن إجابات محددة.

۞ يؤدي التعزيز الفوري للتلاميذ إلى الزيادة في التعلم.

۞ كلما تنوع استخدام الوسائل التعليمية أثناء تعلم التلاميذ، نجحوا في الوصول على تعمیمات مهمة.

۞ يتعلم التلاميذ ما هو مستعد لتعلمه.

۞ تثير المواقف التعليمية المتشابهة أحيانا،ً ردود فعل مختلفة من المتعلمين.

۞ يتطلب التعلم بذل جهود معينة من اجل تحقيقه.

۞ التعلم متعدد الجوانب في طبيعته، ويحتم على المتعلم أن يكون متفاعلاً ومشتركاً اشتراكاً فعالاً فيه.

مشكلات التعلم:

تبرز من الناحية العملية ثلاث مشكلات رئيسية تنتظم تعلم الإنسان، تتمثل تلك المشكلات في الفروق الفردية، وفي التحفيز، وفي تنظيم الطرائق الملائمة وإعداد المناهج، إذ لا يخفى أن هناك تفاوت بين الأفراد ، وهذا يستتبع تفاوتاً في الاستعدادات، وأكدت

صفحة 155

 الدراسات الحديثة إلى أن الأفراد يؤدون ما يوكل إليهم على وجه أفضل؛ حينما يشعرون بأن هناك معنى فيما يفعلون، ومن هنا فلا بد لأي تعلم مستفيض أو معقد من أن ينسق على صورة دروس مناسبة مشفوعة بوسائل إيضاح مناسبة كالكتب والتجارب أو الاختبارات توخياً لنتيجة ناجحة، لذا فإنه من المهم توصية المعلم وهو يساعد تلاميذه على التعلم أو تنبيه المتعلم وهو يجهد إلى أن يتعلم بنفسه، بأن يراعي هذه الجوانب الثلاثة المذكورة كافة، إذا ما أراد تحقيق أهدافه في العملية التعلمية التعليمية. (الجسماني وآخرون .1994,37) 

التعلم النشط:

يعتمد التعلم النشط كما أثبته الدراسات الحديثة على سيطرة المتعلم على دوافعه وانفعالاته، وتكيف الخبرة، في ضوء مخزونه المعرفي، وترميزها في ضوء مخطط عقلي، تحتفظ به الذاكرة، ويترسخ فيها. فالتعلم النشط هو منظومة من الاستراتيجيات التي تشرك المتعلمين في تفاعلات معرفية، تستوجب التفكير فيما يتعلمونه.

ويستند التعلم النشط على عدد من المبادئ الأساسية، أدرجها على النحو الآتي:

۞ الممارسات التدريسية السليمة هي التي تشجع التفاعل بين المتعلم والمتعلمين وهي التي تشجع التعلم النشط وهي التي توفر وقتاً كافياً للتعلم (زمن + طاقة = تعلم) وتلك الممارسات هي التي تصنع توقعات عالية )توقع أكثر تجد تجاوب أكثر وهي تتفهم أن الذكاء أنواع عدة وان توصيل المعرفة إلى المتعلم يتطلب أساليب تعلم مختلفة، فيجب أن تراعي الممارسات التدريسية ذلك التعدد والاختلاف.

۞ في التعلم النشط تندمج المعلومة الجديدة اندماجاً حقيقياً في عقل المتعلم مما يكسبه الثقة بالذات، ويمكن أن توصف أنشطة المتعلم في التعلم النشط بالتالي:

1. يحرص المتعلم على فهم المعنى الإجمالي للموضوع، ولا يتوه في الجزئيات.

2. يخصص المتعلم وقتاً كافياً للتفكير بأهمية ما يتعلمه.

صفحة 156


3. يحاول المتعلم ربط الأفكار الجديدة بمواقف الحياة التي يمكن أن تنطبق عليها.

4. يربط المتعلم كل موضوع جديد يدرسه بالموضوعات السابقة ذات العلاقة.

ومن الجدير بالذكر أنه في التعلم النشط يكون دور المعلم هو الموجه والمرشد والمسهل للتعلم، فهو لا يسيطر على الموقف التعليمي؛ ولكنه يدير الموقف التعليمي إدارة ذكية؛ بحيث يوجه المتعلمين نحو الهدف منه، وهذا يتطلب منه الإلمام بمهارات هامة؛ تتصل بإستراتيجيات تعليمية ذكية، يتم تصميم التعليمية من خلالها، بأبعاد مشوقة ومثيرة في الآن ذاته.

فوائد التعلم النشط:

 أكدت الاتجاهات الحديثة على التعلم النشط، وتفعليه من خلال معادلته المعرفية، منوعة، التي تتضمن طاقة + زمن - تعلم نشط(، إذ أنها تتيح استخدام استراتيجيات تراعي المبادئ الأساسية في التعلم، والذكاءات المتعددة، وتتطلب من المتعلم الحراك والتفاعل والنشاط والدافعية، ويمكن إجراءها في الوقت ذاته في اقصر جهد، ويمكن تحديد فوائد التعلم النشط في الآتي:

۞ تشكل معارف المتعلمين السابقة خلال التعلم النشط دليلاً عند تعلم المعارف الجديدة، وهذا يتفق مع فهمنا بأن استثارة المعارف شرط ضروري للتعلم.

۞ يتوصل المتعلمون خلال التعلم النشط إلى حلول ذات معنى عندهم للمشكلات لأنهم يربطون المعارف الجديدة أو الحلول بأفكار وإجراءات مألوفة عندهم، وليس استخدام حلول أشخاص آخرين.

۞ يحصل المتعلمون خلال التعلم النشط على تعزيزات كافية حول فهمهم للمعارف الجديدة.

۞ الحاجة إلى التوصل إلى ناتج أو التعبير عن فكرة ما خلال التعلم النشط؛ تجبر المتعلمين إلى استرجاع معلومات من الذاكرة؛ و ربما أكثر من موضوع لربط بعضه 

صفحة 157

ببعض، مما يفعل عمل الدماغ، وتتيح له تلك المهمة، عملية دمج تلك المعلومات ، لغاية تحصيل حلول مبدعة مبتكرة خلاقة، أو محاكمة تلك المعلومات في ضوء رؤية نقدية أو تحليل تلك المعلومات لاستخلاص حلول منها.

۞ يعزز التعلم النشط قدرة المتعلم على التعلم وبدون مساعدة سلطة المعلم، وهذا يعزز ثقتهم بدواتهم، وتقديرهم لها، وينمى مساحات التعلم الذاتي، وتعميقه في حياة المتعلم، بحيث لا يكون في موقف التلقي السلبي الجامد من قبل المعلم.

۞ يفضل معظم المتعلمين أن يكونوا نشطين خلال التعلم.

۞ المهمة التي ينجزها المتعلم نفسه، خلال التعلم النشط أو يشترك فيها تكون ذات قيمة أكثر من التعلم في ضوء التلقي التلقيني من قبل المعلم.

۞ يساعد التعلم النشط على تغيير صورة المعلم بأنه المصدر الوحيد للمعرفة، وهذا له تضمين مهم في النمو المعرفي المتعلق بفهم طبيعة الحقيقة.

۞ يتعلم المتعلمين من خلال التعلم النشط أكثر من المحتوى المعرفي، فهم يتعلمون مهارات التفكير العليا، فضلاً عن تعلمهم كيف يعملون مع آخرين يختلفون معهم.

۞ يتعلم المتعلمون خلال التعلم النشط، كيفية الحصول على المعرفة، من خلال المخططات العقلية، وترميز المعرفة، والتفاعل معها، والتفكير في التفكير استراتيجيات تعليمية منوعة.

معوقات التعلم النشط:

تتمحور معوقات الأخذ بالتعلم النشط حول عدة أمور، تتعلق بفهم المعلم الطبيعة عمله وأدواره، وعدم الارتياح والقلق الناتج عن التغيير المطلوب، وقلة الحوافز المطلوبة للتغيير. ويمكن تلخيصها في الآتي:

• الخوف من تجريب أي جديد.

• قصر زمن الحصة.

• زيادة أعداد المتعلمين في بعض الصفوف.

صفحة 158


• نقص بعض الأدوات والأجهزة.

• الخوف من عدم مشاركة المتعلمين وعدم استخدامهم مهارات التفكير العليا.

• عدم تعلم محتوى كاف، أي الخوف من عدم ختم المنهاج من خلال استخدام الاستراتيجيات الحديثة في التعلم.

• الخوف من فقد السيطرة على المتعلمين.

• قلة مهارة المعلمين المهارة إدارة المناقشات.

• الخوف من نقد الآخرين لكسر المألوف في التعليم.

صفحة 159



التعلم في ضوء التصور الإسلامي

تمهيد:

 اهتم الإسلام اهتماماً بالغاً بالعلم، وسخرت في العصور الإسلامية الأولى، كل السبل المتاحة للتعلم، وجلس الطلبة بين يدي العلماء، حيث أسست المدارس الإسلامية التي كانت تستقطب العلماء الأجلاء، واهتم السلاطين بالعلم آنذاك؛ وسخرت أوقاف الأغنياء للعناية بطلبة العلم، وتوفير كافة مستلزمات العلم لهم، وكان من العلماء الأغنياء، من يخصص من ماله، حصة لإنفاقها على طلبة العلم، ومنهم الأمام أبو حنيفة.

ونال العلم هذه المكانة العلية، من التوجيهات الربانية، التي أكدتها نصوص السنة الشريفة، في رفع مكانة العلم والعلماء، واهتم العلماء الأوائل أمثال الأمام الغزالي بالعلم الذي يوصل إلى الدار الآخرة، فكان مصطلحه بشأن الفقية كل الفقية أي حق الفقية هو الذي امتلك علم الآخرة، وكيفية إيثارها في كل شئ في الدنيا، وتعلم علم إصلاح القلوب وتطهير النفس من المفاسد، وشكر النعمة، وقد نعى على زمانه في دروس العلم الذي تسرد فيها النصوص الشرعية والأحاديث سردا سردا، أي لغة التنظير، لأن العلم الحقيقي هو أعمال العقل في التدبر والتفكر في عظمة الله تعالى وآياته المبثوثة في الكون، وتعداد نعمه تعالى علينا، وعدم الأمن من مكره، وعدم ترك القرآن وتعاليمه إلى غيره.

مفهوم التعلم في المنهج الإسلامي:

 ويقصد بالتعلم في ضوء المنهج الإسلامي، قدرة المتعلم على تحصيل المعاني والمفاهيم، بطريقة مباشرة وغير مباشرة عبر وسائل الاتصال اللفظي وغير اللفظي المتنوعة وتتم عملية التعلم عبر وسائل الاتصال اللفظي وغير اللفظي كل من المؤسسات العلمية المختلفة مثل المسجد والكتاب والمدرسة والجامعة ومجالس العلماء والندوات والمناظرات في العصور الإسلامية الأولى.

صفحة 160


وسائل التعلم

 تنوعت وسائل التعلم، من أطر مباشرة ذاتية، تستند إلى البعد المعرفي، ومنها إلى وسائل تستند إلى بعد الممارسة العملية لتغدو الفكرة، خبرة عملية، إلى تعلم انفعالي من خلال تأثر الوجدان بالترغيب والترهيب.

ومن هنا فقد كانت وسائل التعلم متنوعة، منها ما يكون من خلال القصة والشرح والمناقشة والحوار والتعليل والتحليل، بحيث يدركها المتعلم ما تتضمنه من معلومات ومفاهيم وحقائق فيحفظها أو يدونها أو بهما معاً ليقف من خلالها على الجانب المعرفي.

  ومنها ما يستند إلى أطر عملية، تتضمن مهارات وممارسة، فتتحول الفكرة من حيزها المعرفي إلى خبرة عملية معاشة، بل وتحمل معها معاناة (مجاهدة) واستخلاصات فتخرج بذلك من إطارها النظري، إلى إطارها التطبيقي العملي، وتتحول إلى خبرة معاشة في الحياة، وبذلك تترسيخ المعلومة، ومن أمثلة ذلك العبادات و الأخلاق، إذ تتعلم من خلال التوظيف العملي، باعتبارها منظومة من المهارات والسلوكات العملية، وحفلت مواطن الجهاد، بمساحات من التعلم الذاتي الموضوعات تخص الشجاعة والتضحيات وكذلك مواقف التطوع والتكافل الاجتماعي ورعاية ذوي الحاجة في المجتمع المسلم والتعاون على ذلك.

. وهناك ما يعرف بالتعلم، من خلال مؤثر الوجدان والانفعالات، من خلال الترغيب والترهيب، ويستند إلى تأمل الفكرة التي يوردها الشرع، وما ترتبط به من سلوك، إذ يعد دافعاً مهماً للتعلم، والنصوص الشرعية حافلة، بهذا النمط من التعلم.

مكانة العلم في الإسلام

 حث الإسلام على طلب العلم، والعلم هو نقيض الجهل، وإدراك الشيء على حقيقته، أو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع، وهو يشمل في الرؤية الإسلامية كل المعارف والعلوم على اختلاف أنواعها وتخصصاتها.

صفحة 161


والعلوم في الرؤية الإسلامية منها ما هو متعلق بالأمور الشرعية التي تبين بالأحكام الشرعية، وتفصيل كيفية العبادات والمعاملات وتنظيم علاقة الإنسان بربه وبنفسه وبغيره من الأفراد والجماعات، وبعد هذا النوع من العلم من اشرف العلوم، لأنه صادر من عند الله تعالى، ويحقق الغاية من وجود الإنسان في هذه الحياة.

أما العلوم الأخرى التي يحتاجها الناس، ويشبعون بها حاجاتهم ليتمكنوا من الاستمرار في معيشتهم، ولها صلة بالكون والحياة، وقد حث الإسلام على تعلمها وعدم إهمالها، لأنها سبب لرقي الأفراد والمجتمع المسلم، إلى افضل المستويات المادية التي تسهل عليه وسائل العيش ومستلزمات الحياة، ويؤهل الأمة المسلمة لتكون أمة عزيزة، وليست عالة على الأمم، تستهلك خيرات الأمم، ولا تنتج، وتكون رقماً ليس ذا أهمية في مسارات التقدم العلمي والصناعي والتقني والعسكري والعمراني وغير ذلك، وهذا من متطلبات العمارة المادية في الكون، حيث حث الإسلام على ارتباطها بالعمارة المعنوية، بحمل رسالة التوحيد في الأرض.

وهناك ارتباط بين العلم ورسالة التوحيد، لأنها أساس كل علم، فرجاحة العقل تتحدد في ضوئها، فكما ورد في السنة الشريفة، أرجحكم عقلا،ً أعرفكم بالله تعالى، ولا يسمى المجنون مجنوناً بل مبتلى، لأن المجنون هو من عصى ربه، فالجنون الحقيقي، هو فقد العقل الذي يوصلك إلى التوحيد ومعرفة الله عز وجل.

ومن الدلالات على مكانة العلم العظيمة في الإسلام، أن أول أية نزلت، تضمنت الأمر بالقراءة، والإشارة إلى العلم والكتابة، قال تعالى : أَقْرأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ۝خلق الْإِنسَانَ مِنْ عَلَىق۝ أَقْرَأَ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ۝ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم۝ِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم (العلق : ،1-5) فإنه تعالى أخرج الإنسان من بطن أمه، لا يعلم شيئا،ً وجعل له السمع والبصر والفؤاد، ويسر له أسباب العلم، فعلمه القرآن، وعلمه الحكمة، وعلمه بالقلم، الذي به تحفظ العلوم، وتضبط الحقوق، وتكون رسلاً للناس، تنوب

صفحة 162


مناب خطابهم، فلله الحمد والمنة، الذي أنعم على عباده بهذه النعم التي لا يقدرون لها، على جزاء ولا شكور (السعدي،2002)

ولقد اشتمل القرآن الكريم على كثير من الآيات التي تحث على العلم، وتأمر به، وترغب الإنسان في النظر في الكون والحياة، لسبر أغوارها والاستفادة من خيراتها، وكذلك التدبر في خلق الإنسان، وما تجلى فيه من عظمة الله في خلقه، تقتضي التدبر والتفكر، قال تعالى : ﴿ خُلِقَ مِن مَاءِ دَافِقِ۝ نَحْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصَّلَبِ وَالترايب﴾ (العلق :5-7) 

وفي مجال الكون ومعرفة المواقيت والحساب حث القرآن الإنسان على معرفة هذه الأمور وكيفية الاستفادة مما يحيط به من عوالم وأفلاك، يقول تعالى : ﴿يَسْلُونَكَ عَن الأهلة قل هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَقِّ وَلَيْسَ الْبِر ْبِأَن تَأْتُوا الْبُيوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرْ مَنِ انْقَى وَأَتُوا الْيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَفْلِحُونَ﴾(البقرة : ،189) أي جعلها الله تعالى، بلطفه ورحمته، على هذا التدبير. يبدو الهلال ضعيفاً في أول الشهر، ثم يتزايد إلى نصفه، ثم يشرع في النقص إلى كماله، وهكذا ليعرف الناس بذلك، مواقيت عباداتهم، من الصيام، وأوقات الزكاة، والكفارات، وأوقات الحج ، وكذلك تعرف بذلك أوقات الديون المؤجلات، ومدة الإجارات، ومدة العدد والحمل، وغير ذلك مما هو من حاجات الخلق فجعله تعالى حساباً يعرفه كل أحد، من صغير وكبير، وعالم وجاهل، فلو كان الحساب بالسنة الشمسية، لم يعرفه إلا النادر من الناس (السعدي،2002) .

ومن النصوص في هذا الصدد أيضا،ً قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءٌ وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدْ رَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفْصِلُ الْأَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (يونس 5) 

صفحة 163


وقوله تعالى : ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِ وَالْبَحْرِ قَدْ فَضَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون﴾ (الأنعام: 97) .

وأشارت النصوص القرآنية إلى أن طلب العلم والحث عليه، لا يقفان عند، وهو دائر مع مبدأ الاستمرارية، فإسلام يطلب من المسلم الاستمرار في طلب المزيد منه، وعدم الوقوف عند حد معين من العلم لا يتجاوزه، قال تعالى: ﴿ وَقُل رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (طه 114) : فعلم الإنسان بالنسبة إلى حقيقة الوجود، وأسرار الكون التي أودعها الله فيه، شئ لا يكاد يذكر لقلته وضالته.

وارتبط العلم بالتطبيق العملي، والورع والإنابة الله تعالى، إذ أن ذلك المقدمات المنطقية، الحوض غمار العلم، متحلياً بالخشوع والتبتل بين يدي الله تعالى، وشعارهم قوله تعالى: ﴿وَقُل أَعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتَرَدُونَ إِلَى عَلِمٍ الْغَيْبِ وَالشَّهَدَةِ فَيُنَيْتُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (البقرة 105)

 وقد ذم الله تعالى الذين يقولون ولا يعملون قال تعالى : ﴿يأيها الَّذِينَ وَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ۝ كَبَرَ مَفْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ (الصف:2-3)

واهتمت السنة الشريفة بالعلم وحضت عليه، وادرج ثلة من النصوص الواردة في هذا الصدد: قوله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (مسلم، د.ت،2/718). 

 وقوله صلى الله عليه وسلم أن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله لا يقبض العلم انتزاعا يتتزعه من الناس ولكن يقبض العلماء فإذا ذهب العلماء اتخذ الناس رؤساء فسئلوا فانتوا بغير علم فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل (الهيثمي،1982, 1/201).

صفحة 164


وقوله صلى الله عليه وسلم أبي الدرداء قال سمعت رسول الله يقول موت العالم مصيبة لا تجبر وثلمة لا تسد، هو نجم طمس وموت قبيلة أيسر لي من موت عالم (الهيثمي،1986’1/202) .

 قال صلى الله عليه وسلم فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم (الترمذي، د.ت، 5/ 50).

 قال صلى الله عليه وسلم  إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير (الترمذي، د.ت، 5/ 50) .

 وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا (البخاري،3. 1987 /1288). 

 وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم  من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء الطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب إن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ (الترمذي، د.ت، 5/48).

وساهمت الرحلة في طلب العلم، في إثراء الحركة العلمية، وتوسعة نطاقها، حيث كان العلماء ير تحلون من قطر إلى قطر، ومن مدينة إلى مدينة متحملين مشاق السفر والعذابات في سبيل تحقيق أهدافهم السامية، في طلب العلم، وإثراء الذات بالعلوم النافعة المعمقة، حيث لم يحركهم مكسب من مكاسب الدنيا ومتاعها الزائل، بل كانت النية الخالصة الموجهة الله تعالى هي حراك الدم الذي يجري في عروقهم، لخدمة العلم، وإعانة الأمة على التسلح بسلاح العلم أمام الأمم.

ولقد لاقى العلم اهتماما لا نظير له، في جهود العلماء الأوائل، والحقبة الذهبية في تاريخ الحضارة الإسلامية، وأسست له مؤسساته من المسجد والكتاب والمدرسة التي تقابل ما يعرف بالجامعة اليوم، والجامعة في العصر الإسلامي التي تقابل ما يعرف بالدراسات العليا في التعليم المعاصر، وأسهمت تلك المؤسسات في تخريج العلماء، وأجيال علمية فذة، ما زال نتاجها العلمي، يزخر بالمعرفة والإسهامات العلمية الإبداعية، وما زالت مصدرا للدراسة والتعلم والتدبر.

صفحة 165


مكانة العلماء في الإسلام 

لم تحفظ فئة من البشر بما حظي به العلماء في الإسلام، من منزلة وتكريم، يتضح من خلال الآيات القرآنية التي كرم الله تعالى فيها العلماء، ورفع من قدرهم ومنزلهم قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكُرُ أُولُوا الْأَلْبَابِ﴾ (الزمر:9).

فالعلماء يمتازون على غيرهم من الناس، بما حباهم الله من عقل نير، وفهم ثاقب، وعلم نافع، فهم ليسوا كغيرهم ممن لا علم عنده ولا معرفة لديه، لهذا كان قدرهم كبيراً ومنزلتهم رفيعة، ودلالة ذلك قوله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ وَآمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَرِيرٌ﴾ (المجادلة: 11).

فالعلم اعظم درجة من غيره، ورفع الدرجة يدل على الفضل وعلو المنزلة في الدنيا والآخرة، لأن العلماء ورثة الأنبياء وحملة الشريعة، وهم الذين يبينون للناس ما يحتاجونه من امور دينهم و دنياهم، وبهم تقوى الأمة وتزدهر حياتها المادية والمعنوية.

و من اهم ما يميز العالم عن غيره، انه يدرك ما لا يدركه الآخرون، ويعلم ما لا يعلمه غيره من حقائق توصله إلى الأيمان بالله تعالى، ومعرفة قدره، وما يليق بجلاله سبحانه فهو أخشى الناس الله، وأقربهم إليه وأسرعهم استجابة لأمره ونواهية، قال تعالى: ﴿ألم تر أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتِ مُخْتَلِفًا الْوَايُّهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضُ وَحُمْرُ خْتَلِفُ الْوَيُّهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ۝ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَاتِ وَالْأَنْعَامِ مختلف الْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُور﴾ (فاطر :27-82).

صفحة 166


 وقوله : إِنَّمَا يَحْشى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العلماء يقول تعالى ذكره: إنما يخاف الله فيتقي عقابه بطاعته العلماء، بقدرته على ما يشاء من شيء، وأنه يفعل ما يريد، لأن من علم ذلك أيقن بعقابه على معصيته، فخافه ورهبه خشية منه أن يعاقبه، وفي الأثران الحكمة هي عين الخشية، لأن رأس كل شيء خشية الله (الطبري،1984)

فخشية الله تعالى التي يترتب عليها طاعته سبحانه، تعد من أهم ما يميز العلماء الأتقياء العاملون، لذلك كانت لهم هذه المنزلة الرفيعة، والتي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب إن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ (الترمذي، د.ت، 5/48).

 العلم والإيمان

 يرتبط العلم بالأيمان، وكل منهما يدعو للآخر، ويتضح ذلك لمن فهم الحقائق العلمية فهماً صحيحا،ً فالعلم يكشف توازن الكون ودقته وإتقانه وانسجامه في نظام متناسق، يدل في النتيجة على وجود الخالق العظيم القادر، لأن الدقة والإبداع والإتقان لم تأت مصادفة، وإنما ورائها مبدع قادر خالق عظيم.

قال تعالى : ﴿في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ التِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْهَا وَبَتْ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيف الرِّيَحِ وَالسَّحَابِ الْمُسْخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يَتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ (البقرة: 164).

 وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَرُولَا وَلَن زَالَنَا إِنْ أُمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ (فاطر : 41).

صفحة 167


وقال العالم لابلاس إن القدرة التي وضعت الأجرام السماوية في المجموعة الشمسية وكثافتها وأقطارها ومداراتها، حددت مدة دوران السيارات حول الشمس والتوابع بنظام مستمر إلى ما شاء الله، لا يمكن أن تنسب إلى المصادفة (نوفل، 22 ، 1973)

 فالعلم يدعو إلى الأيمان، ومن هنا كانت الغاية من العلم الوصول إلى الإيمان بالله تعالى وعبادته وحده تعالی دون سواه.

 وربما برزت اتجاهات حديثة في الدعوة، ولاقت نجاحاً لافتاً للنظر، من خلال الأعجاز العلمي للقرآن والسنة الشريفة، وقد تواترت المراكز العلمية، التي تولى ذلك العلم عنايتها، وتنشر ما توصلت إليه في هذا الصدد، ولقد لاقى هذا البعد من الدعوة، جاذبية مميزة جعلت الكثير من الغرب، پراجع حساباته، ويبادر للتفكر في الإسلام، ورسالته الإنسانية الخالدة في الحياة، فيراجع ذاته ومعتقداته، في ضوء سماحة وإنسانية الإسلام فيبادر جرا في الدخول إلى مظلة الإسلام، كواحد من أفراده المخلصين.

: مصادر العلم

 مصادر العلم في الإسلام ثلاثة هي السمع والبصر والفؤاد، وفيما يأتي تعريف عام بها:

● السمع: ويعد نعمة من نعم الله تعالى على الإنسان، فعن طريقه يستطيع الإنسان الحصول على كثير من المعارف، وعن طريقه وصل إلينا كثير من معارف الأمم حديثها وقديمها، من الأحداث التاريخية، وعن طريقه وصل الوحي الإلهي للإنسان ويتعلم الإنسان عن طريق السمع المعلومات التي لم يرها، ولكن رأها غيره، أو انتقل خبرها إليه، ويدخل في ذلك عالم الغيب الذي يعجز عن إدراكه، وهي الوحي الإلهي الذي جاء به الأنبياء والرسل ، فمجال السمع هو الخبر الصادق الذي لا يقع التجربة والاختبار.

صفحة 168


●البصر :ومن فضل الله تعالى على الإنسان إن وهب له البصر حتى يرى الأشياء ويعرفها ويتدبرها قال الله تعالى: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ 

(الغاشية: 17).

الفؤاد (العقل): إذ به تدرك الحقائق والأشياء التي تصله عن طريق السمع والبصر وغيرها من الحواس، وقد ربط الإسلام بين مصادر العلم السابقة قال الله تعالى:  ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمُ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُوَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْتُولاً﴾ (الإسراء: 36)

 المنهج البحثي عند علماء المسلمين الأوائل:

أهتم المسلمين بالمنهج الاستقرائي، الذي حدده القرآن الكريم بالحس والمشاهدة والنظر في مخلوقات الله تعالى، مع ملاحظة ما فيه من ظواهر إنسانية وغير إنسانية للإحاطة بالحقائق العلمية، والإلمام بعناصر المعرفة التي توصل إلى عظمة الله تعالى في إبداعات تصريفه وتدبيره في الكون، ومن ذلك دعوة القرآن إلى الآتي:

۞ المشاهدة والنظر في السموات والأرض، قال تعالى: قُلِ أَنظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَنتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ. (يونس:101).

۞ الحس والمشاهدة لما خلق الله من ظواهر كونية، واحاطها بأسلوب الحياة والديمومة قال تعالى: وَالْأَرْضِ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَلَهَا۝ أُخْرَجَ مِهَا مَاءَهَا وَمَرْعَلَهَا۝ 

 وَالْحَبَالَ أَرْسَهَا۝ مَتَاعًا لَكُمْ وَلأنعَامِكُم. (النازعات: 30).

صفحة 169


۞ السير في الأرض والنظر في بداية الخلق، ومعرفة النشأة الأولى والآخرة، قال تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَا الْحَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُشِيُّ النَّشَأَةَ

 الْآخِرَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير (العنكبوت: 20) 

۞السير في الأرض والنظر في عواقب الأمور، قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَأَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مشركين﴾ (الروم: 42)  أَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِين (الأنعام:11) وقال تعالى: قُل سيرُوا فِي. الْأَرْضِ ثُمَّ

۞دعوة العقل إلى التفكر للوصول إلى القدرة الإلهية في الإبداع والخلق، وذلك عن طريق ربط الأسباب بالمسيبات، والاستدلال بالأثر على المؤثر، قال تعالى: أَفَرَءَ يتم مَا تَحْرِّثُونَ۝ أَنتُمْ تَوْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ۝ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَهُ حُطَمًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ۝َ إِنَّا لَمُفْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ تَخَرُومُونَ۝ أَفَرَعَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ۝ أَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (الواقعة : 63-69).

 ۞الربط بين العلم بآيات الله والتفكير والمشاهدة للظواهر الكونية، وبين العلم بأسباب تلك الظواهر، وتلك القوانين العلمية التي يستند إليها المنهج العقلاني في الاستقراء والتجربة والملاحظة، قال تعالى : ) وَمِنْ وَايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَخْتِلَافُ الْسِنَتِكُمْ وَالْوَيْكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَا يَتِ لِلْعَلِمِينَ (الروم : 22).

صفحة 170



المنهج التجريبي عند علماء المسلمين:

 يتجلى المنهج التجريبي في بحوث المسلمين واكتشافاتهم العلمية، ومجال العلوم التطبيقية الإنسانية، كعلم الطب والنبات والصيدلة، وفي مجال العلوم التطبيقية غير الإنسانية كعلم الفلك وعلم الكيمياء، وتجلى كذلك في علوم الشريعة واللغة وغيرها، وقد امتاز أسلوب التفكير العلمي لدى المسلمين بالموضوعية والالتزام بالأمانة العلمية، والتجرد الموضوعي في البحث عن الحقائق العلمية، ومن أمثلة المنهج التجريبي عند المسلمين علم أصول الفقه، الذي يبين علماء أصول الفقه أن الوصول إلى علة الحكم له طرائق عدة منها:

1-النص: حيث يدل النص في القرآن الكريم والسنة الشريفة على علة الحكم، كما في ايجاب اخذ الفى للفقراء والمساكين، فإن على هذا الحكم، وعدم حصر المال في أيدي فئة معينة، وقد أوضح القرآن الكريم ذلك، فقال الله تعالى: كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْيَاءِ مِنكُمْ (الحشر: 7).

2-السير والتقسيم والمراد بالسير الاختبار والتقسيم حصر الأوصاف الصالحة لأن تكون علة في الأصل، ويكون هذا الطريق في النصوص التي لم يرد فيها نص على عليتها، فيقوم المجتهد بحصر الأوصاف التي توجد في واقعة الحكم، وتصلح لان تكون العلة منها، ويختبرها وصفاً وصفا،ً بحيث يستبعد الأوصاف التي لا تصلح أن تكون عله.

3-تحقيق المناط ويكون بأن ينظر المجتهد في تحقيق العلة الثابتة بالنص في واقعة غير التي ورد فيها النص، واعطائها الحكم نفسه.

واهتم المسلمون بالعلوم التطبيقية، فيقول ابن البيطار فيما صح عندي بالمشاهدة والنظر، وثبت لدي بالخبرة لا الخبر، ادخرته كنزا.

وارتبط العلم في التربية الإسلامية بالتدوين والتوثيق، واتسمت مناهج البحث عند المسلمين بربانية الغاية وارتباطها بامتثال أوامر الله عز وجل والواقعية، من خلال البحث في

صفحة 171


 الأمور ذات الصلة بواقع الحياة، بحيث يمكن للعقل الإنساني إدراكها، أما عالم الغيب، فلم يكن من الأمور الخاضعة للبحث العلمي عند المسلمين، لن الإنسان لا يصل فيه إلى نتيجة بعقله المجرد مثل الجنة والنار والملائكة، إذ يعتمد المسلمون في أمور الغيب على الوحي الذي هو المصدر الوحيد لها، وتتسم أيضاً بالموضوعية، بأن يرى الباحث الحقيقة كما هي، لا كما يريد أن يراها، بمعنى أن يكون الباحث محايدا،ً لأن الهدف من البحث الوصول إلى الحقائق، سواء او افقت هواه أم لم توافقه، وتتسم بالشمول، إذ وضع علماء المسلمين قواعد لتحصيل شتى العلوم مراعين في مناهجهم طبيعة كل علم من العلوم على حدة، فكان لكل مجال من مجالات العلوم منهج خاص للوصول إلى حقائقه، فهناك المنهج القياسي والمنهج الاستقرائي وغيرها مما عرف المسلمون من مناهج البحث.

العلم النافع:

  اهتمت التربية الإسلامية بتوجيه الأفراد، إلى تلقي العلم النافع، وقد أشار إليها الأمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدین (د.ت، 1/43) إذ يقول:

●إن بعض أنواع العلم ضارة، كما يضر لحم الطير وأنواع الحلوى اللطيفة بالصبي الرضيع.

●يجب التعوذ من علم لا ينفع، وأن لا يكون المرء بحاثاً عن علوم يذمها الشرع.

●إن السلامة تتحقق في إتباع الهدي الإلهي في القرآن الكريم والسنة الشريفة، وما يوصیان به من العلم النافع.

●هناك من العلوم ما يضر صاحبها وتؤدي به إلى المهلكة يوم لقاء الله عز وجل، والعبرة بموازين العلم يوم لقاءه تعالى، لا في العلو والشهرة في الأرض.

●اجتهد في تحصيل العلوم التي يكون لك منها شيئاً من الصفاء والنقاء وتسهم في تركيتك وإصلاحك، وتيسير طريق السالكين إلى الله تعالى.

●اعلم أن من العلوم ما يكون تأثيره تأثير الجهل في الأضرار.

صفحة 172


●إن قيمة العلم بالتوفيق من الله تعالى، فقليل من التوفيق مع العلم خير من كثير من العلم بلا توفيق من الله تعالى.

●اعلم أن العلوم كثيرة، وما أكثرها ولكن ليس كلها بنافع، كما قال عيسى عليه السلام: ما أكثر الشجر وليس كلها بمثمر.


صفحة 173


الفصل السادس: منظومة الدماغ والتفكير



منظومة الدماغ


تمهيد

  تتجه الدراسات الحديثة في عوالم النظرية المعرفية وتطوراتها العصرية، إلى التعلم وفق مخططات الدماغ، والعمليات التي تدور فيه، سواء أكانت معرفية، أم انفعالية، لأن هناك القشرة الجديدة في الدماغ، المسؤولة عن الخبرات الانفعالية وتخزينها وتعديلها، في ضوء برمجة الدماغ لها، والتعلم الحديث يتجه الآن، إلى اعتماد المخططات التي تدور في الدماغ، والعمليات التي تمر فيها المعرفة، وما يترتب عن ذلك من مهام الذاكرة ومعطياته، وما نتج عن ذلك من نظريات ونماذج معرفية متنوعة، تتناول ذلك كله، في ضوء المدخلات المعرفية وما يترتب عنها من عمليات في الدماغ، تمر في مراحل متسلسلة منظمة، بين الانتباه والإدراك حتى الاستدعاء، في صورة مخرجات تندمج فيها المعرفة السابقة مع اللاحقة، في ضوء نتاجات تتسم بالجدية والابتكار والنقد والتحليل، فيما يعرف بنظريات التفكير في التفكير.

      لقد ظل الدماغ البشري، ولعقود عديدة خارج نطاق البحث العلمي، فالخلية العصبية اصغر من أن ترى بالعين المجردة ودفعاتها اصغر من أن تسجل بالأقطاب الكهربائية العادية، لقد كان من الميسور أن تلاحظ الآثار التي تتركها إصابات الدماغ أو أمراضه، ولكننا لم تمتلك الأدوات التي تمكننا من استكشاف أفاق الدماغ، أما الآن فكل شئ تغير، سواء في اهتمامات العلم بعامة أو الطب بخاصة ، إذ أصبحنا قادرين على اقتطاع بعض خلايا الدماغ التالفة دون أن نترك أية أثار جانبية ضارة، وان نسبر الدماغ بدفعات كهربائية خفيفة، وان نتلصص على الوسائل التي تحملها النيرونونات، وعلى الفعل الكلي البلايين الخلايا العصبية، نستطيع أن نرى الألوان التي تعكس استهلاك الدماغ للطاقة وغيرها، ومن

صفحة 177


 هنا فإن الأدوات والتقنيات التي توفرت الآن مع عصر التطور التقني والمعرفي، صنفت فيما يعرف باسم ثورة علم الأعصاب (الريماوي وآخرون،2004 ،83) .

وتتناول دراسات الدماغ والتفكير الجهاز العصبي الذي يتكون من شبكة من بلايين الخلايا العصبية المترابطة والمعقدة والمنظمة بشكل كبير، ووزن الدماغ وسطيا( 1300) غرام  وفيه من 25-100 بليون من العصبيات، وكمل عصبون فيه أكثر من عشرة آلاف شبكة، ويقسم الدماغ إلى ثلاثة أقسام، هي على النحو الآتي:

- الدماغ الأمامي

 - الدماغ الأوسط

 - الدماغ الخلفي

وكل قسم من هذه الأقسام يقوم بوظائف معينة ومتواصلة فيما بينها، وعادة ما تعمل ككل واحد، وهي ملحقة بالجسم بعقدة عصبية.

والدماغ أرضية الرغبة، ومحل التعلم والذاكرة، والمعرفة والتعرف على الأشياء والأشخاص والصورة والألوان، فهو مركز الوعي بالجسد، وهو صورة وبيئة الذات البشرية، فهو يصف ويميز ويقارن ويعكس ويحلم، وهذه القدرات العقلية غالباً ما تعود على عمل الوظائف العليا في الدماغ (سويد،2003، 59)

ومن هنا برزت أهمية دراسة العمليات التي يتم فيها التعامل مع المدخلات المعرفية و نالت تلك المساحة البحثية، اهتمامات البحث التربوي في الدراسات الغربية، عبر نماذج نظرية متنوعة، تتناول ماهية تلك العمليات، وطبيعتها، في ضوء الأنشطة الذهنية التي تدور في الدماغ.

ويستطيع المربون أن يستر شدوا بدرجات نمو الدماغ في عملياتهم التربوية، فالتربية خلال السنين الأولى من حياة الطفل يجب أن تبني على الدوافع والأفعال المتعكسة والانطباعات الحسية البسيطة، وانسب مناهج التعليم وطرائقه في هذه السن؛ يجب أن تشتمل على الحركات والأفعال الجسدية التي تساعد على نمو الإحساس والإدراك ودقتهما، 

صفحة 178


ومن الأنسب في السنين المبكرة في الحياة تأجيل العمليات التربوية القائمة على تعلم الحروف والكلمات والرموز على مختلف أنواعها، وذلك حتى يبلغ الدماغ درجة من النمو تساعده على الانخراط في الوجوه المجردة في التربية. (محمد 2004، 82).

 لذلك فإن الاعتقاد السائد هو أن الدماغ هو الآلة المادية للتفكير، وفيه تتولد قدرة الإنسان على التصور وعلى التعبير، وكذلك على فهم المعاني والاستجابة للتعليمات والإنسان كما قال باسكال ليس سوى اله مفكرة، ومن هنا فقد أدى اكتشاف مقیاس الكهربائية الدماغية إلى شئ من الفهم لكيفية عمل الدماغ (طافش، 2004، 72).

ومن هنا برزت أهمية الدراسات التي تناولت الدماغ البشري، وعلاقتها بعملية التعلم والتفكير، حيث يمكن تحديد نتاجات تلك الدراسات في الآتي:

●إن الدماغ يقوم عند مشاهدة صورة ما باحات متميزة في القشرة الأبصارية بتحليلها إلى خواص ابصارية مختلفة مثل اللون والشكل والحركة، فالإبصار والفهم يحدثان في أن واحد، بفضل الفعاليات المتزامنة لهذه الباحات القشرية.

●تتشكل مهمة الدماغ في استخلاص الملامح اللامتغيرة للأشياء من فيض متبدل دائماً من المعلومات التي تصله، ويعد التأويل جزءاً لا يتجزأ من الإحساس، وكلها من مهامه.

●ترتبط عملية حصول الدماغ على معرفة ما بتحليل الصورة المقدمة إلى الشبكية وبناء فاعل العالم ابصاري ، ولعمل ذلك طور الدماغ آلية عصبية معقدة فعالة،احتاجت دراستها قرناً من الزمن، قبل أن يتمكن أحد من تخمين مكوناتها المتعددة.

●تقدم القشرة المخية الأبصارية تحدي فكري لكيفية تعاون أجزائها في إعطاء صورة موحدة للعالم، ولا تحمل أي اثر لتقسيم العمل بداخلها.

●يعالج الدماغ اللغة بثلاث مجموعات متأثرة من البنى العصبية، وهناك مجموعة كبيرة من المنظومات العصبية في نصفي الكرة المخية الأيمن والأيسر تقوم بتمثيل التأثرات غير اللغوية بين جسم الإنسان وبيئته، ويقصد بها كل الأشياء التي يفعلها الشخصأو يدركها أو يفكر بها أو يشعر بها أثناء تعامله مع الوسط المحيط به.

صفحة 179


هناك ثلاثة مواقع دماغية تجري فيها عمليات اللغة، وهناك المواقع الخارجية عن المناطق الكلاسيكية التي حددها العلماء، وهي على النحو الآتي:

1.ما يتعلق بالمفاهيم أي الأفكار والأشياء والأشخاص.

2.ما يتعلق بالكلمات المرتبطة أو المتعلقة بتلك المفاهيم.

3.بين تلك الموقعين هناك ميكانيزم وسيط، يذهب من المفهوم إلى الكلمة، أو الكلمة إلى الشخص.

     وينظم الدماغ المعلومات التي ترد إليه بطريقة آلية ذاتية، حيث يعل على تشكيل الأنماط وتنظيمها والبحث عنها فيما بعد، والمقصود بالنمط هو التشكيلة المنظمة للخلايا يتيح لها العصبية التي يتألف منها الدماغ، وذلك في استجابته لما يرد إليه من معلومات، حيث المجال لتنظيم نفسها بنفسه على سطحه، وهو في ذلك أشبه ما يكون بالماء الساقط من السماء على أرض رخوة تتخذ المسالك المتاحة لها، أو تشكل بنفسها المسالك التي ستجري فيها، حيث يعتمد شكل هذه المسالك على طبيعة المعلومات الواردة والطريقة التي وردت فيها.

    وبناء على ذلك فإن قدرة الدماغ على تشكيل الأنماط والتعرف عليها والتعامل معها، تجعله فعالا في تعامله مع ما يحيط به، وهذا يعطيه القدرة على سرعة التعرف على الأشياء، وسرعة التفاعل معا؛ مما يتيح له المجال لاكتشاف ما حوله بفعالية كبيرة، وعلى الرغم من فعالية الدماغ هذه، إلا أنه في تشكيله للأنماط، يحافظ على النمطية، بحسب برمجتها، فيكون أسير تلك الأنماط، وعلاج ذلك يتم بتغير تلك النمطية، إلى نمطية إيجابية جديدة تقتضي حوار الذات مع الذات، وتفعليها عمليا،ً وهذا ما يعرف بعمليات البرمجة وترسيخها العصبية اللغوية، إذ مهامها تتشكل في تغيير النمطية العصبية، بإيحاءات لغوية، في اللاشعور وتفعيلها في عمليات التفكيرة الدائرة في الدماغ.

صفحة 180


الدماغ ومعالجة المعلومات:

  مع تطور الحواسيب والاتصال تطورت دراسات ما يعرف بمعالجة المعلومات؛ وفق نظام معالجة معرفي، يتسم بالتسلسل والتنظيم ويحاكي نظم معالجة المعلومات في الحاسوب، من حيث تكوين المعلومات ومعالجتها، من خلال معادلة (مدخلات تخضع لعمليات وينتج عنها مخرجات).

 وهناك ثلاثة مستويات المعالجة المعلومات من خلال ترميزها وتخزينها واسترجاعها هي على النحو الآتي:

وهناك نظام متكامل لمعالجة المعلومات يقتضي إدخال عمليات الإحساس والانتباه والإدراك والتفكير، ويتسم هذا النظام بالشمولية، حيث يستطيع تفسير العمليات الداخلية ما بين حدوث المثير إلى حدوث الاستجابة بشكل متسلسل في ضوء مراحل ثلاث هي:

1.مرحلة الكشف الحسي: حيث تأتي المثيرات من البيئة عن طريق الحواس.

2.مرحلة التعرف على المثيرات من خلال ترميزها وتحليلها وفهمها وبمساعدة من الخبرات السابقة للفرد.

3.مرحلة تحديد أسلوب الاستجابة المناسب في ضوء فهم المثيرات الحسية وربطها مع الخبرة السابقة للفرد لتتحول إلى استجابة معرفية.

و تواجه طريق معالجة المعلومات إشكالات عدة منها؛ صعوبة تحديد جميع المراحل التي يتكون منها نظام معالجة المعلومات وكذلك أسلوب وطريقة تمثيل المعلومات في الذاكرة الطويلة في الدماغ الإنساني مما حدا بالعلماء إلى وضع العلماء تصورات علمية

صفحة 181


 سیکولوجية لحل تلك الإشكاليات من خلال تصوراتهم حول النماذج في الذاكرة وحل المشكلات، وتصوراتهم حول تمثيل المعلومات في الذاكرة الطويلة في الدماغ الإنساني.

ومن هنا برزت النظريات التي تتناول نظام الذاكرة ونموذج تجهيز المعومات وقضايا التخزين بكافة إشكالها من حيث الترميز والنسيان.

نماذج الذاكرة:

  برزت محاولات عدة من العلماء التفسير مكونات الذاكرة ووظائفها وموقعها بالنسبة لغيرها من العمليات المعرفية، وقدمت تلك المحاولات العلمية منظومة من النماذج في مجال نظام الذاكرة، لغاية الكشف عن المكونات التي يتناولها هذا النظام، ومتسلسلات العمليات التي تجري في إطاره، وفيما يلي نبذة حول تلك النماذج.

نموذج الذاكرة المنفصلة:

: ويقوم على فكرة المخازن المتعددة ويقدم تصور نظري عن التراكيب التي تكون نظام عمل الذاكرة ويفترض هذا النظام أن تعطيل أحد هذه المكونات أو التراكيب يعمل على تعطيل نظام الذاكرة.

         وفيما يلي نماذج الذاكرة المنفصلة: 

: نموذج اتکنسون - شيفرن 

ويشير هذا النموذج إلى أن الذاكرة تتكون من ثلاثة مخازن هي مخزن الذاكرة الحسية، ومخزن الذاكرة القصيرة، ومخزن الذاكرة الطويلة.

ويشير هذا النموذج إلى أن المثيرات البيئية تدخل من خلال الحواس؛ من خلال جميع الحواس حيث تخزن في الذاكرة الحسية لوقت قصيرة؛ يتم بعدها نقل المعلومات الحسية إلى مخزن الذاكرة القصيرة، حيث تتعرض المعلومات الحسية إما إلى الترميز أو يتم فقدانها خلال (۳۰) ثانية، فإذا تم ترميز المعلومات في الذاكرة الطويلة، فإنها تنتقل من مخزن الذاكرة الطويلة التي تستوعب كميات غير محددة من المعلومات لفترات غير محددة.

الصفحة182

ويتم تخزين المعلومات في الذاكرة الطويلة وفقا لمعانيها إلا أن هذه المعلومات قابلة للفقد والنسيان بفعل عوالم التداخل والأنحاء.

نموذج تولفنج:

ويركز هذا النموذج على طبيعة المادة وطول الفترة الزمنية التي تختزن فيها المعلومات في الذاكرة، ومن هنا فإن هذا النموذج يهدف إلى التمييز بين ذاكرة الأحداث وذاكرة المعاني والذاكرة الإجرائية وفيما يلي نبذة حول كل منهم:

-ذاكرة الأحداث وتدور حول طبيعة هذه الذاكرة حول الأحداث والعلاقات والسير الذاتية والمواعيد والقصص.

-ذاكرة المعاني وتشمل المعلومات التي تتناول علاقاتنا ومعرفتنا للعالم الخارجي؛ كمعاني الكلمات والمفردات وقواعد اللغة والقوانين والحقائق والنظريات والاتجاهات والقيم والعادات.

-الذاكرة الإجرائية وتتناول المعلومات المتعلقة بالإجراءات التي يقوم بها الفرد يوميا مثل قيادة السيارة ولبس الملابس واستخدام الأجهزة المختلفة.

 نموذج الذاكرة المتصلة:

ويقوم على فكرة أن معالجة المعلومات تتم بصورة كلية متكاملة كنظام واحد غير قابل للتجزئة، وان تعطيل أحد أجزاء النظام لا يعطل عمل النظام كاملا..ً

وفيما يلي نماذج الذاكرة المتصلة:

مدخل مستويات تجهيز ومعالجة المعلومات:

ویستند هذا الاتجاه على فكرة أن لكل فرد في معالجة المعلومات عدة مستويات للتجهيز والمعالجة، وهذه المستويات هي المستوى السطحي والهامشي والمستوى المتوسط والمستوى العميق والمستوى الأكثر عمقا.

وفيما يخص المستويات الهامشية أو السطحية؛ فإن الفرد يتعامل مع المعلومات، لغاية الاحتفاظ بمعلومات حول الأشياء من طبيعتها المادية أو الشكلية أو الوسط أو السياق الذي 

الصفحة183

ترد فيه، بينما في المستويات العميقة تقوم فكرة معالجة المعلومات على إدراك وتحليل معاني المعلومات التي يتعامل معها الفرد ومحاولة الربط بين هذه المعاني مستخدماً قدراته التخيلية والسابقة بشكل فعال، ومن المهم بمكان هنا إبراز أن المعالجة الأعمق للمعلومات تؤدي إلى إدامتها، وقدرة أكبر على استرجاعها في المستقبل، وذلك على عكس التحليل الهامشي الذي يحتفظ أفراده بمعلومات محددة حول شكل المثير وطبيعته دون الخوض في معانيه القريبة والبعيدة ، أما في المعالجة السطحية فيكون التسميع للاحتفاظ بالمعلومات من خلال تكرارها؛ لضمان تخزينها؛ بينما يكون التسميع في المعالجة العميقة في إطار تحليلي، حتى يستطيع الفرد اشتقاق المعاني، وبالتالي الاحتفاظ بأكبر عدد من المعلومات والمعاني، ولفترات طويلة من الزمن.

ويتطلب مستوى التحليل والمعالجة العميقة قدرات خاصة من الفرد؛ حتى يستطيع ممارستها بشكل فعال مثل القدرة على التمييز بين المثيرات والقدرة على إدراك التفاصيل الدقيقة؛ لضمان المعالجة والترميز العميق للمعلومات في الذاكرة القصيرة؛ وبالتالي قدرة اكبر على الاسترجاع الجيد.

ومن هنا فإن ممارسة مستويات التفكير العليا كالتفكير الإبداعي والنقدي والتأملي تتطلب من الفرد ممارسة أشكال المعالجة العميقة المعتمدة على المعاني والعلاقات بين هذه المعاني المشتقة وربطها مع البناء المعرفي للفرد؛ ولا شك في أن أسلوب المعالجة العميقة يعد أفضل بكثير من أسلوب المعالجة السطحية للمعلومات.

مدخل العمليات الموزعة الموازية

 ويرتبط هذا الاتجاه في معالجة المعلومات بمفاهيم الشبكة العصبية في دراسات علم نفس الأعصاب والاتجاه المعاصر في دراسة الظواهر المعرفية، والذي عرف بالإرتباطية؛ حيث أن العمليات المعرفية تحدث من خلال شبكة من المترابطات بين النيورونات التي تتوزع في مناطق واسعة من دماغ الإنسان؛ وبالتالي فإن هناك ملايين النيورونات التي ترتبط مع بقية العناصر المعرفية في شبكة عصبية متكاملة، لذا فإن التفكير في مثير معرفي واحد يعني

الصفحة184

 أن الدماغ سيبدأ عملية بحث واسعة في خلايا الدماغ الإنساني؛ حتى يصل إلى جزء يسير من هذا النظام المعقد ؛ ليصل إلى معلومة محددة وفقا لمدخل العمليات الموزعة الموازية؛ ويمكن إيجاز خصائص هذا الاتجاه بالأتي (العتوم ، 2004، 163).

ويمثل مدخل العمليات الموزعة الموازية أحد أهم الاتجاهات المعاصرة في النظر إلى نظام الذاكرة ومعالجة المعلومات وفق أسس عصبية بحته ارتبطت بعلم الأعصاب، ولكن في الوقت ذاته هناك قضايا كثيرة حول هذا الاتجاه يصعب تفسيرها مثل قضية النسيان و دور عمليات الانتباه في المعالجة، وماذا يحدث للمعلومات التي لاننتبه لها.

ويمكن تحديد القواعد الآتية في مجال الذاكرة ومعالجة المعلومات (العتوم165, 2004,):

الصفحة185 

1.إن اتجاه معالجة المعلومات يعنى بفهم العمليات المعرفية التي تحدث للمثير حتى تظهر الاستجابة بشكل متسلسل ومنظم ويحاكي نظم معالجة المعلومات في الحاسب.

2.إن عملية معالجة المعلومات تتضمن جميع العمليات المعرفية من انتباه، وإدراك، وتعرف وتحليل وتذكر واتخاذ قرارات واستجابة.

3.إن تقييم نماذج الذاكرة المنفصلة والمتصلة يشير بشكل لا يقبل الشك بأن النماذج المتصلة تنسجم مع التجاه معالجة المعلومات بسبب نظرتها الكلية إلى معالجة

المعلومات، والتي تتم بصورة كلية متكاملة كنظام واحد غير قابل للتجزئة، بسبب نظرتها الكلية إلى معالجة الذاكرة للمعلومات والتي تتم بصورة كلية متكاملة كنظام واحد غير قابل للتجزئة وأن تعطيل أحد مكوناته لا يمنع المكونات الأخرى من العمل.

4.إن المعرفة يمكن تحليلها إلى عدد من المراحل الافتراضية والتي يتم في كل منها عدد من العمليات المعرفية المستندة إلى المعلومات الحسية القادمة من البيئة الخارجية لتنتهي باستجابة ضمنية أو ظاهرة.

5.العمليات العقلية كالإدراك والتعرف والانتباه والتذكر والتفكير وغيرها هي أوجه العملية واحدة تتصف بالتعدد والتشعب والتداخل.

6.معالجة المعلومات تتم بتوجيه وضبط من الدماغ والجهاز العصبي؛ إذ أن هناك قنوات اتصال ونقل للمعلومات ما بين المدخلات والمخرجات عبر الجهاز العصبي؛ حيث يقوم الدماغ بالعديد من الوظائف المعرفية.

7.الذاكرة القصيرة بالمفهوم المعاصر ليست مجرد خزان للمعلومات يتميز بمحدودية السعة والزمن؛ بل هي ذاكرة عاملة، تشكل عنصراً رئيساً في معالجة المعلومات، وتحدث فيها جميع العمليات المعرفية بضبط وتوجيه من الدماغ الإنساني.

8.المخرجات أو الاستجابات المعرفية ليست مجرد ناتج فوري للمثير الحسي؛ بل هي نتاج السلسلة من العمليات المعرفية الوسطية.

الصفحة186

9.إن كل مرحلة من مراحل تكوين معالجة المعلومات تستقبل معلومات من المرحلة التي تسبقها قبل أن تستطيع القيام بأداء وظائفها.

10.إن كل مرحلة من مراحل تكوين ومعالجة المعلومات تستقبل معلومات من المرحلة التي تسبقها قبل أن تستطيع القيام بأداء وظائفها.

11.هنالك محدودية في القدرة على معالجة المعلومات محدودية القنوات الاتصالية، نظم الفلترة، محدودية السعة التخزينية(، وهذا يؤثر على دقة الناتج أو الاستجابة المعرفية من فرد إلى أخر.

12.بعض الأفراد يطورون مهارات متباينة في سرعة ودقة إنجاز العمليات المعرفية، حيث يعود ذلك إلى الفروق الفردية في الجوانب العقلية والشخصية والتي هي انعكاس مباشر لأثر عوامل الوراثة، والنضج الجسدي، وقدرة البيئة، على توفير عدد من المثيرات الغنية التي تثري البنية المعرفية للفرد.

رؤية نقدية في الدراسات حول الدماغ والذاكرة

 لم تعد الذاكرة تلك القلعة المستعصية أو الوظيفة العقلية المستحيلة المنال، لكن وبالرغم من التقدم الحاصل فإن الباحثين لم يتوصلوا بعد إلى حل كل الرموز والدواليب الدقيقة، والميكانزمات العصبحيوية المتعددة، والتعرف على الأنساق المتشابكة و المعقدة للذاكرة والتعلم فحوالي ما يناهز أربعة عقود، بدأ الباحثون في ميادين علوم الأعصاب فيزيولوجيا الأعصاب، علم النفس الفيزيولوجي، علم جينات الأعصاب وعلوم النفس( علم النفس التجريبي و علم النفس المعرفي في البحث عن مكونات الذاكرة التي تشكل إحدى الوظائف العليا للإنسان و التي بدونها لا يمكن أن يكون له ماض يعتمده كمرجعية لحياته اليومية، ولا مستقبل يتوقعه انطلاقاً من ماضيه وحاضره.

. ويتسم البحث في هذه الميادين باعتماد مقاربات منهجية وخاضعة لشروط دقيقة التقصي و تجريب المقاييس و مبادئ البحث العلمي المتداولة في جل ميادين العلوم البحتة،

الصفحة187

 أما العلوم النفسية فقد اهتمت بدراسة السيرورات والآليات السيكولوجية الكامنة وراء معالجة المعلومات واكتسابها و تخزينها وفق محددات مضبوطة كما وكيفا.

أما الباحثون في ميادين علوم الأعصاب فقد انصب اهتمامهم في البحث على الآليات والميكانزمات والسيرورات العصبحيوية والعصبكيمائية والعصبتشريحية التي تمكن الجهاز العصبي من معالجة المعلومات واختزانها واسترجاعها واستغلالها للتعبير عن مشاعر ومواقف و مبادئ حياتية وأخرى لبناء أنماط سلوك فردي أو اجتماعي يمكن الفرد من الشعور بأنه ينتمي إلى مجتمع أو مجموعة ما.

وشكل البحث على آثار الذاكرة و الجزئيات الخلوية النشيطة بالجهاز العصبي، وكناً مهماً في الدراسات البحثية، و ما يزال يشكل ميدانا خصبا في ميادين علوم الأعصاب خاصة فيما يتعلق بتحديد:

الصفحة188

والذي بلور النظرية العصبية التي تؤكد أن الخلايا العصبية وحدة تتواصل مع الخلايا العصبية الأخرى عبر الارتباطات المشبكية، حيث نصت نظرية دونالد هيب في بأنه يترك مرور المعلومات آثارا بمكونات الخلايا العصبية النشيطة، وتحصل التغيرات بمشابك الخلايا العصبية، وقد اقترح الفيزيولوجي سيرينكتن مصطلح مشبك في أواخر القرن التاسع عشر.

 وهناك عدة معطيات فيزيو عصبية تم التوصل إليها في ميدان دراسة الذاكرة والتذكر:

●الذاكرة والميكانيزمات العصبحيوية شكل الاهتمام بالتغيرات الحاصلة بمشابك الخلايا العصبية فرصة كبيرة؛ سنحت للباحثين التعرف على عدد من الميكانزمات العصبحيوية المزامنة العمليات اكتساب الدماغ للمعلومات.

●أظهر عدد من الباحثين أن مرور جهد العمل بمسلك عصبي موجود بالحصين أو قرن آمون يرفع لمدة طويلة نشاط وفاعلية مشابك هذا المسلك بعبارة أخرى، يترتب عن فرازات المواد الناقلة أو الوسيطة تمرير معلومات كهروفيزيولوجية من خلية إلى أخرى بكيفية أكثر سهولة، وهكذا فالمسالك العصبية التي تم تنشيطها بمرور المعلومات التي هي في مرحلة التخزين تصبح أكثر فاعلية وترسيخا للمعلومات المعالجة.

●تؤكد التجارب أن المرور المكرر الجهد عمل خاص بنفس المعلومات المعالجة يجعل المسالك المعنية أسهل و أسرع لتعزيز هذه المعلومات من مرور معلومات جديدة؛ بينتو نفس التجارب أن هذه التغيرات الفيزيوكيماوية يمكن أن تدوم لعدة أيام، ولهذا افترض أنها قد تشكل آثارا أو بصمات خلوية خاصة بالذاكرة الطويلة المدى.

(www.khayma.com)

الصفحة198

تمثيل المعلومات من خلال نماذج المخططات العقلية  (السكيما)

 شکلت الخطط العقلية مفهوم هام في نظرية بياجيه حيث اعتبرها مكونا في البنية المعرفية للفرد، يستطيع الفرد من خلالها إن يحدد استجابته للبيئة الخارجية.

. والمخططات العقلية تمثل فهم عام لموقف أو شخص ما من خلال تصغير الخبرات من في قالب يسمح بالتكيف والتعامل مع البيئة دون الحاجة إلى التعامل مع كم هائل المعلومات وقت الاستجابة، في ضوء المخططات العقلية، وقد يكون للفرد توقعات حول الأحداث والأشخاص تساعدنا في التعامل والتكيف مع مثل هذه المثيرات.

. فالمخطط العقلي كما يرى بياجيه هو تمثيل عقلي يسمح للفرد في التعرف والاستجابة للمثيرات الحسية، من خلال إضفاء قالب معين عليها، والخطط المعرفية هي تمثيل للمعرفة التصنيفية حول الأشياء؛ لتساعدنا على التعرف على المثيرات وعناصرها وطبيعتها.

خصائص المخططات العقلية: 

ويمكن تحديد خصائص المخططات العقلية على النحو الآتي (العثوم 2004، 192,( :

●المخططات هي توليد وتجريد للمعرفة بصورة منظمة ومختصرة تساعدنا على تجديد الخصائص الجانبية التي يمكن الاستدلال من خلالها على النوع والصنف، وفي حالة عدم توفر هذه الخصائص؛ فإن المخطط يساعد على تكملة الفراغ للخصائص كعملية إدراكية.

●المخططات العقلية توفر علينا التعامل مع كم هائل من المعلومات وقت التعرض المثير أو موقف معين يدور حول المخطط.

●المخططات العقلية توفر لنا القدرة على إعطاء أحكام سريعة نحو موضوع المخطط العقلي.

الصفحة190

●المخططات العقلية تزودنا بمعلومات و محتوى يساعدنا على تفسير الأحداث والمثيرات من حولنا إلا أن هذه المعلومات قد تتغير من حالة إلى أخرى.

●تتباين المخططات العقلية في درجة تجريدها؛ حيث أن مخطط مفهوم الديمقراطية يعد أكثر تجريداً وتعقيداً من مخطط مجموعة الفواكة.

●المخططات العقلية تعکس توقعات الناس أو احتمالات حدوث سلوك أو موقف معين.

●المخططات العقلية تدفع السلوك بطريقة لا تتطلب الكثير من الوعي من الفرد أثناء الاستجابة للمثيرات.

●المخططات أشبه بلعبة تعلمها الفرد لها تكتيكاتها واستراتيجياتها الخاصة.

●المخططات العقلية مكتسبة من الخبرة ولكن قد يشترك بها أكثر من فرد نتيجة تشابه الخبرات.

●يستطيع الفرد وصف مخططه العقلي نحو حدث معين لكنه غالباً لا يستطيع أن يشرح لك كيف اكتسبه.

●تتسم المخططات بدرجة من الثبات النسبي إلا أنها ديناميكية وقابلة للتطور والتغير، مع مرور الزمن وتطور الخبرة.

وهناك أنواع للمخططات العقلية وهي على النحو الآتي:

1.المخططات الشخصية وتدور حول المهارات الشخصية والقيم والاتجاهات الخاصة بالفرد والتي تنظم سلوكه الشخصي مثل نمط اللباس وأسلوب الحديث والحوار.

2.مخططات سكيما الوقائع: وهي مخططات تنظم تعامل الفرد وتفاعله مع الأحداث التي تدور حول البيئة

3.مخططات الدور: وهي مخططات تضع تصوراتنا حول الأدوار التي يفترض من الآخرين القيام بها في مواقع محددة، وتساعد هذه المخططات في التعرف على الآخرين من خلال أدوارهم، أو من اجل الحكم على الآخرين، لمعرفة درجة تطابق توقعاتنا مع تصرفاتهم.

الصفحة191

4.وتشكل سكيما الوقائع أهمية خاصة بين الأنواع الأخرى؛ لأنها تحكم سلوكنا في الكثير من الأحداث اليومية من حياتنا، ويكتسب الأفراد مخططاتهم العقلية من خلال الخبرة بالأحداث والناس من حولهم أو من خلال مخزون الفرد المعرفي في نظام الذاكرة السمعية والبصرية وخصوصاً في ذاكرة الأدوار، وتبدأ المخططات كبناء بسيط ثم يتطور هذا البناء إلى تركيب معقد يشمل جوانب حركية واجتماعية وانفعالية ومعرفية.

     وخلال مراحل الحياة المختلفة يجد الفرد نفسه مضطراً إلى تعديل مخططه العقلي، عندما يكتشف خصائص جانبية جديدة تتعلق بالحدث أو عندما تفشل مخططاته في مطابقة الواقع، ومن طرق تعديل المخطط المعرفي إعادة بناء المخطط العقلي، عندما يواجه الفرد معلومات جديدة غير متطابقة مع البناء الأصلي للمخطط، مما يجعل الفرد نفسه بحاجة التعديل هذا البناء، بما يتناسب مع المعلومات الجديدة، ويحقق حالة من التوازن بين الداخل ( المخطط ( والخارج ) البيئة (؛ وكثيراً ما يحدث هناك حالة من الإثراء للمخططات العقلية عندما يتم اكتشاف معلومات جديدة تعزز المخطط الأصلي وتنسجم معه، مما يعني إضافة بيانات جديدة لتصبح جزء من المخطط.

وتحدث معالجات معرفية للمخططات العقلية على النحو الآتي (العثوم, 2004,192): 

●الاختيار : ويتم من خلال المخطط اختيار السلوكيات التي تنسجم مع المخطط العقلي وفق أليه الانتباه الانتقائي القصدي.

●التجريد: المخططات العقلية تساعدنا على ترميز معاني المثيرات أو السلوكيات التي تم اختيارها، حيث أن هذا الترميز مبني على أساس المعنى وليس التفاصيل اللفظية أو البصرية للمثيرات المنتقاة.

●التفسير المخططات العقلية تساعد على تفسير المعلومات الجديدة وفهمها بما يتناسب مع طبيعة المخطط العقلي المتوفر لدى الفرد، وتشير العديد من الدراسات

الصفحة192

 إلى أن المفحوصين عندما يعيدون سرد قصة سمعوها من الباحث؛ فإنهم غالبا ما يعيدونها بطرق متأثرة بمخططاتهم الخاصة حول موضوع القصة مؤكدة ميلهم نحو التوازن والإثراء.

●التكامل: تخضع المخططات العقلية لمبدأ التكامل بين خبرات الفرد ومعارفه المختلفة فخلال عمليات الترميز لا بد أن تؤثر الخبرات السابقة للفرد في المثيرات الجديدة وتصقلها، والتكامل هو سمة من سمات معالجة المعلومات في البناء المعرفي بشكل عام.

وتعد نماذج المخططات العقلية ذات فعالية عالية في تمثيل معاني الأحداث والأدوار والأشخاص، وهي بلا شك قادة على تجريد و تلخيص كميات هائلة من المعلومات، تساعد الفرد في التكيف والتعامل مع الأحداث اليومية، بشكل منظم ومتسلسل، بل إن القدرة على تمثيل معاني المعلومات من خلال المخططات توفر مفاتيح مختصرة لدى الفرد؛ تصقل تفكيره وأداءه؛ بطريقة تساعده على التخلص من التعامل مع كم هائل من المعاني المخزنة ومن أبرز المحددات التي تنبثق عن استخدام المخططات العقلية الآتي (العثوم, 2004 196) :

1.يميل الناس إلى تركيز الانتباه وتوجيه الإدراك إلى ما ينسجم مع مخططاتهم العقلية فقد.

 2.تعد المخططات العقلية غير فعالة عند التعامل مع مواقف تعليمية جديدة، لأن المخططات السابقة تحد من الاستفادة من الخبرات السابقة والخبرات الجديدة.

3.إن فشل الفرد في تحقيق التكامل بين عمليات الاختيار والتجريد والتفسير؛ يؤدي إلى الاحتفاظ بعناصر ووحدات معرفية غير متكاملة؛ ولا تحقق الهدف المطلوب منها.

صفحة 193

منظومة التفكير

 انطلقت حركة الحداثة ومترتباتها في المنجزات التربوية، حيث أحدثت تحولات هائلة في كل متعلقات العملية التربوية، ونتج من خلالها أدواراً متغيرة للمعلم في ضوء مدرسة المستقبل و برز توظيف تكنولوجيا التعليم في كافة المجالات، من خلال المنهاج الإلكتروني وبر مجته بفاعلية وكفاءة عالية في الموقف الصفي، وتتابعت البرامج المتنوعة التي تتناول تنمية التفكير وتطوير مهاراته، والارتقاء بها من البعد الأفقي إلى البعد الجانبي لغاية النفاذ إلى عمق الأشياء والظواهر والمواقف والإحاطة بها على نحو يمكن الفرد من معالجة المعلومات وانتاجها ثم إعادة إنتاج معارف أخرى ومعلومات جديدة تتصف بالموضوعية والدقة والشمولية (كنعان 2004,11)  ، وفي ذلك تسليط لذهنية الطالب نحو رؤية الصورة بكافة جوانبها والزوايا المحيطة بها دون الانغلاق على جهة واحدة مألوفة، لأن هذا الانغلاق يجعل نتاج الدهن قاصراً محدوداً لا يفي بمتطلبات الحقيقة في استهداف الموضوعية، وفي ضوء تلك البنية الفكرية انطلقت برامج المفكر الياباني أدوراد ديبونو من خلال نظام الكورت لتعليم التفكير ومن خلال برنامج القبعات الست و تتابعت بعد ذلك برامج التفكير الإبداعي في حركة ثرية متنوعة، لغايات الارتقاء بالمعرفة نحو التفرد والجدة

. ومن هنا انطلقت الدراسات لتتبع ماهية التفكير التوليدي في ذهنية المتعلم الذي يسعى لأحداث الأشياء وحل المشكلات فليست الغاية من التفكير المرن حفظ الأجوبة الصحيحة من اجل تقديم اختبار، ولكن التفكير المرن هو أن تكون قادرا على التفكير بطرق مختلفة الحل مشكلة ما واتخاذ قرار ما والنظرة إلى شيء ما بطرق جديدة (جون لا تغريهر,2002)

 ولا يخفى أهمية ذلك في تحقيق متطلبات التربية الحديثة ضمن منظومة أهدافها الموجهة نحو المتعلم، والتي تستهدف ربطه بمجتمعة واثراته بمهارات حل المشكلات التي تواجهه وتوجيهه نحو استثمار المعرفة وتوظيفها بدلا من رصدها في الذاكرة معطلة دون فاعلية تذكر في حل المشكلات والارتقاء بها نحو الإبداع والجدة في ابتكار الحلول واتخاذ القرارات.

صفحة 194

مفهوم التفكير

 إذا ما حاولنا تتبع مفهوم التفكير في البعد اللغوي فيعد مصدراً للفعل الثلاثي فكر ويعني إعمال الخاطر في الشيء والتفكر هو اسم التفكير واعتبره البعض التأمل (ابن منظور,1994,65) .

والتفكير أمر مألوف لدى الناس يمارسه كثير منهم، ومع ذلك فهو من أكثر المفاهيم غموضاً وأشدها استعضاء على التعريف ولعل مرد ذلك إلى أن التفكير لا يقتصر أمره على مجرد فهم الآلية التي يحصل بها، بل هو عملية معقدة متعددة الخطوات، تتداخل فيها عوامل كثيرة تتأثر بها وتؤثر فيها. فهو نشاط يحصل في الدماغ بعد الإحساس بواقع معين ما يؤدي إلى تفاعل ذهني ما بين قدرات الذكاء وهذا الإحساس والخبرات الموجودة لدى الشخص المفكر، ويحصل ذلك بناء على دافع لتحقيق هدف معين بعيداً عن تأثير المعوقات. ويقول ديبونو ليس الإنسان إلا تفكيره الذي نرى فيه النشاط العقل وفعالية الوصول إلى قرار أو موقف ما، أو انه الاستقصاء المدروس للخبرة بدافع غرض ما (الياسين وآخرون، 2001،9)

والتفكير على درجات عند الإنسان، فهو يختلف عند الطفل عنه عند الشاب أو الشيخ، وكذلك هو مختلف عند الفرد الأمي عنه عند العالم والمفكر، والطرق العامة التي تتبع في التفكير هي الحدس والاستدلال والتحليل والتركيب.

. وتعد اليابان من أبرز الدول التي تبنت استراتيجيات واضحة المعالم لتطوير التفكير وتنميته لدى أبنائها، نظراً لمحدودية مواردها الطبيعية، إذ يقو لأحد المفكرين اليابانيين: إن الشعوب تعيش عل خيرات تقع تحت أقدامها، وسرعان ما تنضب، أما نحن فنعيش على خيرات تقع في رؤوسنا، لذا فإن فلسفة التربية اليابانية تعتمد على الاهتمام بتنمية قدرات التفكير لدى أبنائها وذلك منذ سن الطفولة، داعية إلى الابتعاد عن نمط التعلم التقليدي المستند إلى حشو أذهان الطلبة بالمعلومات، والذي يحول دون تنمية قدرات التفكير الأساسية والعليا لدى الطلبة، والتي سيحتاجها الفرد في حياته المستقبلية.

صفحة 195

وتستطلب مهارات التفكير استراتيجيات لبناء الارتباطات بين المعرفة الجديدة والقديمة، وتمكنهم من امتلاك مهارات ما وراء معرفية لضبط تفكيرهم أو ممارسة ما يعرف ب تعلم التعلم وهناك ارتباط بين التفكير والتعلم من خلال الإشارة إلى أن أساليب التعلم تتضمن بعدين أساسيين هما الإدراك والذي يتضمن عمليات التفكير المادية والمجردة والبعد الأخر وهو معالجة المعلومات أي الأسلوب الذي يتبعه الفرد في معالجة المعلومات لحظة استقبال المعلومات حتى لحظة تخزينها (العتوم وآخرون، 206, 2005). 

 يتضح لنا من هذا العرض أن التفكير عملية ذهنية لها أركان وشروط، وتدفعها دوافع ومثيرات، وتقف في طريقها العقبات كما نلاحظ تعدد الجوانب وكثرة العوامل المتداخلة والمؤثرة والمتأثرة بالتفكير، ولعل هذا ما يفسر كثرة التعريفات الواردة على التفكير، وكثرة التقسيمات المتعلقة به وبعملياته ونواتجه.

فيعرفه ديوي الأداة الصالحة لمعالجة المشكلات والتغلب عليها وتبسيطها ما ير بأنه ما يحدث عندما يحل الشخص مشكلة ما (الصويتي، 2001,2) ويعرفه كوستا بأنه المعالجة العقلية للمدخلات الحسية لتشكيل الأفكار وبالتالي قيام الفرد من خلال هذه المعالجة بادراك الأمر والحكم عليه (فريد، 2001,3) ويرى آخرون بأن التفكير مفهوم فرضي يستدل عليه من اثاره (النجار، 1994،5). 

 وقد استعرض  (ديبونو ) عددا من التعريفات التي استخلصها من خلال استقرائه الأراء مجموعة من ذوي الاهتمام في هذا المجال واستخلص من خلال استقرائه بأن التفكير هو التقصي المدروس للخبرة من اجل غرض ما وقد يكون ذلك الغرض هو الفهم أو اتخاذ قرار أو التخطيط أو حل المشكلات أو الحكم على الأشياء أو القيام بعمل ما (ديبونو ،2001,41).

وتعددت وتنوعت التعاريف التي تتناول التفكير وهي على النحو الآتي

●معالجة عقلية للمدخلات الحسية، بهدف تشكيل الأفكار، من اجل إدراك المثيرات الحسية وإصدار حكم عليه.

صفحة 196

●سلسلة من النشاطات العقلية التي يقوم بها الدماغ عند تعرضه لمثير ما عن طريق إحدى الحواس.

●عملية بحث عن المعنى في الموقف أو الخبرة.

●تمثيل داخلي للأحداث والمثيرات الخارجية الموجودة في البيئة.

●نشاط معرفي يرتبط بالمشاكل والمواقف المحيطة بالفرد، ويقدرة الفرد على تحليل المعلومات التي يتلقاها عبر الحواس مستعيناً بحصيلته المعرفية السابقة، وبذلك فهو يقوم بإعطاء المثيرات البيئية معنى ودلالة تساعد الفرد على التكيف والتلاؤم مع البيئة المحيطة التي يعيش فيها.

●المهارة العملية التي يمارس الذكاء من خلالها نشاطه على الخبرة، وبمعنى أخر هو المهارة التي لا تكون خلالها أفكار التلميذ متفقة بالضرورة مع مستوى ذكائه.

●سلسلة من النشاطات العقلية التي يقوم بها الدماغ عندما يتعرض المثير يتم استقباله عن طريق واحدة أو أكثر من الحواس الخمس (اللمس البصر، السمع، الشم، الذوق)..

●بحث عن معنى الموقف ما أو خيرة ما.

●تجريب الاحتمالات ودراسة الإمكانيات عندما لا ندري ما العمل.

●نشاطات ذهنية على مستويات؛ حيث يعتمد الفرد في المستوى الأول على موضوعات أو أشياء ماثلة أمام حواسه ويتحدد بعمليات الإدراك الحسي، ويعتمد المستوى الثاني على الصور الذهنية وهو المستوى التصوري ويكثر نمطه عند الأطفال أكثر منه عند الكبار، ويعتمد المستوى الثالث على التجريد؛ وهو يرتفع عن الأشياء المادية أو صورها الذهنية إلى المعاني والقواعد والمبادئ.

●ذلك النوع من السلوك الذي يستخدم عمليات رمزية أو تمثيلية، من خلال العملية التي ينظم بها العقل خبراته بطريقة جديدة كحل المشكلة معينة؛ أو إدراك علاقة جديدة بين أمرين أو عدة أمور و بذلك ينتمي التفكير إلى أعلى مستويات التنظيم المعرفي.

صفحة 197

بناء على ذلك يمكن صياغة التعريف التالي للتفكير:

التفكير عملية ذهنية يتفاعل فيها الإدراك الحسي مع الخبرة والذكاء لتحقيق هدف ويحصل بدوافع وفي غياب الموانع.

حيث يتكون الإدراك الحسي من الإحساس بالواقع والانتباه إليه؛ أما الخبرة فهي ما اكتسبه الإنسان من معلومات عن الواقع، ومعايشته له، وما اكتسبه من أدوات التفكير وأساليبه؛ وأما الذكاء فهو عبارة عن القدرات الذهنية الأساسية التي يتمتع بها الناس بدرجات متفاوتة ، ويحتاج التفكير إلى دافع يدفعه، ولا بد من إزالة العقبات التي تصده وتجنب الوقوع في أخطائه بنفسية مؤهلة ومهيأة للقيام به.

ماهية التفكير الجانبي

يرتبط التفكير الجانبي بالمفكر العالمي إدوارد ديبونو الذي ابتدع  هذا المصطلح، وقد سماه بالتفكير الجانبي ليميزه عن نوع آخر من التفكير اسماء التفكير العمودي، والذي پستند أساسا إلى المنطق أو ما يألفه الإنسان ويعتاد عليه. وقد اعتمد في تطويره لهذا النوع من التفكير على فهم الآلية التي يعمل بها الدماغ من الناحية العلمية، أي بما تم التوصل إليه عن طريق علم الأعصاب، واعتبره ديبونو التفكير الذي ينظر إلى مشكلة ما من زويا مختلفة بدلاً من الالتزام بخط مرجو مباشر للسير في البحث إذ يتجه هذا النوع من التفكير للإحاطة بمختلف وجهات النظر الأخرى بل ينطلق بعيداً عما هو مألوف في التفكير، لذا يعد أسلوباً إبداعياً لحل المشكلات ومدخلا للإبداع (ديبونو،17,2001). 

مقارنة بين التفكير الجانبي والتفكير العامودي :

عندما يفكر الإنسان بشكل عمودي فهو أشبه بمن يحفر حفرة ويستمر في حفرها ويظل في نطاقها، ولا يمكن له والحالة هذه أن يأتي يجديد طالما أنه يحفر في اتجاه واحد. فإذا ما كان عليه أن يأتي يجديد فعليه أن يخرج من هذه الحفرة إلى غيرها، وهذه هي الفكرة الأساسية في التفكير الجانبي. أي انه عليك أن تبحث عن اتجاه آخر تسير فيه، لأنك أن بقيت تحفر الحفرة السابقة ستظل في اتجاه واحد ، أما إذا خرجت منها فتكون قد غيرت اتجاهك.

ولهذا سمى ديبونو ذلك بالتفكير الجانبي لأنه يخرجك من الاتجاه الأحادي في التفكير العادي.

صفحة 198

ويمكن إيجاز أهم مزايا التفكير الجانبي مقارنة مع التفكير العمودي في المحاور الآتية:

ويصنف التفكير على نوعين التفكير الحر غير الموجه نسبياً وهذا النوع من النشاط العقلي؛ مجرد تعبير عن رغبات أو حاجات ولا يعتمدا إلى على علاقات بسيطة قد تكون غير حقيقية وهذا النوع من التفكير اقرب إلى التخيل منه إلى التفكير، والتفكير الموجه الذي يهدف إلى حل مشكلة أو ابتكار شئ نافع؛ ويدخل فيه التفكير النقدي أو التقويمي؛ ونلجا إليه عندما تحاول فحص رأي فنقرر مدى صحته وينتهي هذا النوع من التفكير بإصدار الأحكام أو الموازنة بين موضوعين أكثر ؛ للمفاضلة بينهما وأساس التفكير النقدي؛ هو تطبيق المعرفة في موقف معين وزمن محدود؛ والتفكير الإبداعي أو الإبتكاري وهو الذي يستخدم التفكير النقدي؛ لا لمجرد مراجعة رأي معين بل لإنتاج شئ جديد ذي قيمة؛ والعمل الابتكاري يتضمن اختراع شئ يخدم غرضاً معينا،ً أو ابتكار شي جديد في ميادين الأدب والعلم؛ واكتشاف علاقات جديدة أو الوصول إلى حل المشكلات

أنماط التفكير:

 نتاجات معرفية متعددة تتنوع أنماط التفكير، في مناحي ذهنية مختلفة تستلزم ويتضمن التفكير ثلاثة جوانب أساسية هي:

صفحة 199

●التفكير عملية معرفية في العقل التنظيم المعرفي( ويستدل عليها من السلوك الظاهر مباشرة.

●التفكير عملية معرفية تتضمن معالجة إجرائية للمعلومات الموجودة في التنظيم المعرفي. 

●التفكير عملية موجهة تنتج سلوكا يحل مشكلة أو موجه نحو حلها ولذلك يجب استبعاد التفكير غير الموجه لأنه لا يعتبر تفكيرا بالمعنى السليم.

ويمكن تحديد أنماط التفكير بالآتي:

●التفكير الحسي وهو من ابسط أشكال التفكير حيث يتعامل الفرد مع ما يستطيع مشاهدته أو سماعه فقط، أي أن المثيرات الجسية يجب أن تكون مصاحبة لعملية التفكير، ويعتمد هذا النمط من التفكير على التأزر الحسي الحركي، تجاه المثيرات والمواقف مما يعطي هذا التأزر سيطرة على تفكير الفرد.

●التفكير المادي ويعتمد هذا النمط من التفكير على قدرة الفرد في إبراز البيانات والوقائع المادية الحسية لإثبات وجهة نظر أو تدعيم سلوك معين، ولذلك فإن الطفل يفكر ويتذكر ما هو مادي وواقعي فقط، ولا يتفاعل مع الموافق التي تتطلب التفكير المجرد أو الافتراضات الغيبية.

●التفكير المجرد وهو عملية ذهنية تهدف إلى استنباط النتائج واستخلاص المعاني المجردة للأشياء، والعلاقات بواسطة التفكير الافتراضي من خلال الرموز والتعميم والقدرة على وضع الافتراضات، والتأكد من صحتها.

●التفكير المنطقي وهو التفكير الذي يمارسه الفرد عند محاولة بيان الأسباب والعلل التي تكمن وراء الأشياء، ومحاولة معرفة نتائج أعمال الناس، ويتضمن التفكير المنطقي محاولة الحصول على أدلة تؤيد أو تنفي أعمال الفرد أو وجهات نظره.

●التفكير الاستقرائي وهو عملية استدلال عقلي تهدف إلى التوصل إلى استنتاجات أو تعميمات مستفيدة من الأدلة المتوافرة أو المعلومات التي حصل عليها الفرد من خلال خبراته السابقة.

صفحة 200

●التفكير الاستنباطي، وهو عملية استدلال منطقي تهدف إلى التوصل إلى الاستنتاجات أو معرفة جديدة، معتمدة على الفروض أو المقدمات المتوافرة للفرد.

●التفكير الأستنتاجي ويتحقق هذا التفكير من خلال القدرة على ربط العلاقات ومحاولة اكتشاف الأشياء وتفسيرها باستخدام أسلوب طرح الأسئلة الهامة حول الموافق الجديدة التي يتعرض لها الفرد في حياته.

●التفكير الاستبصاري وهو التفكير الذي يصل فيه الفرد إلى الحل معرفيا من خلال تحليل الموقف وإدراك العناصر المتضمئة فيه، وفهمه بصورة كلية، معتمداً على الخبرات السابقة وقدراته الذاتية.

●التفكير الناقد وهو التفكير الذي يعمل على تقييم مصداقية الظواهر والوصول إلى أحكام منضبطة من خلال معايير وقواعد محددة محاولا تصويب الذات وإبراز درجة الحساسية لمحو الموقف، والسياق الذي يرد فيه، وصولا إلى حل مشكلة ما، أو فحص وتقييم الحلول المطروحة أمام الفرد.

●التفكير الإبداعي، وهو تفكير يتضمن توليد وتعديل للأفكار بهدف التوصل إلى نواتج تتميز بالأصالة والطلاقة والمرونة والإفاضة والحساسية للمشكلات، والتفكير الإبداعي يعتمد على الخبرة المعرفية السابقة للفرد، وعلى قدرته في عدم التقيد محدود قواعد المنطق أو ما هو بديهي ومتوقع من قبل الناس.

●التفكير الجانبي ويقصد به التفكير الذي يسعى إلى الإحاطة بجوانب المشكلة من خلال توليد المعلومات غير المتاحة عن المشكلة.

●التفكير العمودي وهو التفكير الذي يحرك الفرد على الأمام بخطوات تتابعية ومنطقية ومدروسة بشكل جيد، واعتبر ديبونو هذا النوع من التفكير معيقاً للتفكير الإبداعي لعدم قدرته على توليد البدائل الجديدة وغير المألوفة.

●التفكير التأملي وهو التفكير الذي يتأمل فيه الفرد الموقف الذي أمامه، ويحلله إلى عناصره، ويرسم الخطط اللازمة لفهمه بهدف الوصول إلى النتائج التي يتطلبها الموقف، وتقويم النتائج في ضوء الخطط الموضوعة، وهذا النمط من التفكير يتداخل مع التفكير الاستبصاري ومع التفكير الناقد حيث أن التفكير الناقد هو بحد ذاته تفكير تأملي لما يتطلبه الأخير من وضع فرضيات واختبارها بطريقة تقاربية.

صفحة 201

●التفكير ما وراء المعرفي، ويعد هذا النمط من التفكير من اعلي مستويات التفكير حيث يتطلب من الفرد أن يمارس عمليات التخطيط والمراقبة والتقويم لتفكيره بصورة مستمرة، كما يعد من أنماط التفكير الذاتي المتطور والذي يتعلق بمراقبة الفرد لذاته وكيفية استخدامه لتفكيره، أي انه التفكير في التفكير.

التفكير عالي الرتبة ويعرف بأنه التفكير الغني بالمفاهيم، والذي يتضمن تنظيما ذاتياً العملية التفكير ويسعى إلى الاستكشاف والتساؤل خلال البحث والدراسة أو التعامل مع مواقف الحياة المختلفة (العتوم وآخرون2005، 211,)

سمات المفكر الجيد: 

ويمكن تحديدها في الأبعاد الآتية:

۞الشك حيث يبدأ التفكير بحالة من الشك في الأمر الذي نود عمله أو الاعتقاد به.

۞تحديد الهدف وهنا لا بد من وضع هدف أو مجموعة أهداف تسعى إلى تحقيقها، وذلك نتيجة حالة الشك الذي نعيشها، وهذه الأهداف تتضمن أسئلة نود الإجابة عليها.

۞البحث عن الاحتمالات، وهذه الاحتمالات يجب أن تكون إجابات ممكنة أو مقترحة للأسئلة التي تحقق الأهداف، أو هي طرق الحل، تتباين في درجة قربها وبعدها من الهدف، كما تتباين في درجة جاذبيتها للفرد، وبالتالي فهي تخضع لتقدير المفكر وقناعته.

۞البحث عن أدلة لتقييم الاحتمالات، وهنا يبحث الفرد عن الأدلة والحجج والأسباب والحقائق والوقائع التي تدعم أحد الأدلة وتؤكد مصداقيته أو دقته في تحقيق الأهداف.

صفحة 202

۞مراجعة نقاط القوة والضعف في كل احتمال، وتعتمد هذه المراجعة على الأدلة والحجج التي تم جمعها حول كل احتمال، وبالتالي إعطاء وزن قيمي لكل احتمال أو بديل.

۞الوصول إلى الهدف وانتهاء البحث، وتكون اعتماداً على ما توصلنا إليه من معلومات وأدلة تدعم أحد الاحتمالات، فيتبناها الفرد ويتوقف عن البحث.

۞ولتكوين أو إيجاد وتنمية مفكر ناقد وأخلاقي متفتح الذهن، لابد من توفر ثلاثة أبنية عقلية ضرورية هي:

-مهارات صغري، وتتمثل بالتعرف على افتراض مشكوك فيه أو التعرف على جملة غامضة.

-مهارات أوسع نطاقاً وتتمثل بالقدرة على القراءة النقدية والمناقشة والجدل استناداً إلى حجج وبراهين ونظريات، إضافة إلى تقييم مصادر المعلومات.

-سمات العقل وتتمثل بانتقال الفرد من شخص ذو تفكير أناني ضيق الأفق إلى شخص ذو تفكير موضوعي متفتح الأفق. 

(العثوم وآخرون، ،2005.208). 

مهارات التفكير

ويقصد بمهارة التفكير القدرة على التفكير بفعالية، أو هي القدرة على تشغيل الدماغ بفعالية. ومهارة التفكير - شأنها في ذلك شأن أي مهارة أخرى -و تحتاج إلى: 

-التعلم لاكتسابها بالتمرين.

-التطوير والتحسين المستمر في الأداء.

-الممارسة والاصطبار على ذلك.

وهناك أسباب منطقية تستوجب تعليم التفكير ومهاراته واوجزها على النحو الآتي:

-لا يمكن للتفكير المتقن الفاعل أن يطور ذاته دون تعليم.

صفحة 203

-اعتبار التفكير مهارة ، وأية مهارة تحتاج في اكتسابها إلى التعلم. لذلك لا بد من تهئية العملية التعليمية التعلمية لغاية إكساب الطلبة تلك المهارات والتمرس عليها حتى يمتلك الطلبة تلك المهارات، ويتمكنوا من برمجتها في حياتهم في حل المشكلات واتخاذ القرارات في أطر إبداعية بناءة.

-تعليم التفكير يساعد على الدقة في التخطيط وحل المشكلات الذاتية والاجتماعية واتخاذ القرارات بعقلانية ووعي.

-الانفتاح العالمي في المعرفة، بحيث اصبح العالم قرية واحدة وهذا بحد ذاته يعد محفزاً التعلم مهارات التفكير المواجهة مستجدات الحياة.

أهداف تعليم مهارات التفكير: 

لا تعد عملية التفكير عملية عبثية عشوائية، وإنما تتضمن مهارات عملية دقيقة تتوجه نحو تحقيق غايات مثلي في المتعلم واوجزها فيما يلي (حسين، 2002,16). 

-إعداد الإنسان إعداداً صالحاً لمواجهة ظروف الحياة العملية التي تتشابك فيها المصالح وتزداد المطالب.

-إكساب المتعلم المهارات التي تجعله قادرا على التفكير في تلمس الحلول للمشكلات التي تطرأ على حياته.

-مساعدة المتعلم على إتقان عمله في المستقبل والتفكير في إثناء أداء المهنة.

-تشجيع المتعلم على التفكير بطريقة غير تقليدية.

-تشجيع المتعلم للنظر في التفكير على انه مهارة يمكن التدرب عليها والعمل على تحسينها.

-زيادة ثقة المتعلم بما يملكه من قدرات التفكير الإبداعي.

-دعم الاتجاهات الإيجابية لدى المتعلمين نحو الإبداع والتفكير الإبداعي.

-تدريب المتعلمين على تغيير نمط تفكيره وفقاً للموقف الذي يعترضه.

صفحة 204

وتعد مهارات التفكير الخيارات أو البدائل أو الأفعال والقرارات، وقد كثرت التصنيفات المهارات التفكير، وتنوعت التصنيفات ويمكن تحديدها في خمس فئات، هي على النحو الآتي:

۞التسبيب وتتمثل بالقدرة على الربط بين السبب والنتيجة، إضافة إلى التقويم والتنبؤ والاستنتاج والحكم والتقدير.

۞التحويلات، وتتمثل بالقدرة على ربط الخصائص المعروفة بغير المعروفة، وخلق المعنى أو اشتقاقه مثل الاستقراء المنطقي والمجاز.

۞العلاقات وتمثل بالقدرة على الكشف عن عمليات منتظمة، كالكشف عن العلاقات بين الأنماط، وبين الأجزاء والكليات، والتحليل والتركيب والتتابع

والتنظيم والاستدلال المنطقي. 

۞التصنيف وتتمثل بالقدرة على تحديد الخصائص المشتركة بين الأشياء، من خلال تحديد أوجه الشبة والاختلاف بين المثيرات والتجميع والفرز والمقارنة بين الأشياء إضافة إلى التمييز بينها على أساس أو أكثر.

۞التمييزات وتتمثل بالقدرة على التعرف على الخصائص الفردية المميزة للأشياء والتعرف على المشكلة والتعريفات والحقائق.

وتصنف مهارات التفكير المختلفة إلى فئتين رئيستين:

۞مهارات التفكير الأساسية، وتعنى بالأعمال اليومية التي يقوم بها الفرد، ويستخدم  ۞والمقارنة فيها العمليات العقلية بشكل محدود؛ كاكتساب المعرفة وتذكرها، والملاحظة والعملي، كما المعروفة وتذكرها، والملاحظة، والمقارنة، والتصنيف، والتفكير الحسي تشمل بعض المهارات الدنيا في تصنيف بلوم مثل المعرفة والاستيعاب والتطبيق ويعد إتقان هذه المهارات أمراً ضرورياً قبل الانتقال إلى مستويات التفكير العليا.

۞مهارات التفكير العليا أو المركبة وتتطلب الاستخدام الواسع والمعقد للعمليات العقلية، ويحدث هذا عندما يقوم الفرد بتفسير وتحليل المعلومات ومعالجتها للإجابة عن سؤال، أو حل مشكلة لا يمكن حلها من خلال الاستخدام العادي المهارات التفكير الدنيا، وتتطلب إصدار الأحكام أو إعطاء الآراء، واستخدام معايير ومحكات متعددة للوصول إلى النتيجة، وتشمل هذه المهارات التفكير الناقد والإبداعي وما وراء المعرفي والاستدلالي والتأملي وغيرها.

صفحة 205

آليات تعلم مهارات التفكير

 ما زالت تدور جدلية فكرية في هذا الصدد في ثنائية متضادة بشأن تعليم مهارات التفكير إذ هناك اتجاه يؤيد تعليم التفكير بشكل منهاج مستقل كما تدرس المواد الأخرى، حتى يدرك الطلبة أهمية الموضوع ويشعروا بأهمية التفكير التي يقومون بها، وهناك اتجاه أخر يرى أن تعليم التفكير داخل المنهاج هو الأفضل لأن في ذلك ضمان عدم الخروج إلى مناهج غير مألوفة، قد تقود عملية التعليم والتعلم إلى التخبط على حد قول هذا الرأي (كنعان 2004،14).

وتميل معظم التوجهات إلى إدخال التفكير ضمن المناهج لاتخاذه سبيلا لبناء المعرفة وإنتاج الأفكار، وهذا أمر ملح لا بد أن تتبناه كافة المؤسسات التعليمية وتدرجه في مناهجها التواكب التقدم الهائل في التعليم ووسائله، وليكون لدى المتعلم القدرة على متابعة الكم المتسارع من المعلومات المتدفقة بغزارة، ولكن لا بد من الحرص على أن لا يصير مال التفكير إلى مادة دراسية لها كتاب مقرر وتعد لها الامتحانات . فلا يخفى أن هذا الحال سيفقد التفكير أهميته ومهمته، ولن يتجاوز كونه معرفة جديدة تضاف إلى لائحة المعارف الموجودة. فإنه مما يؤخذ على التعليم تركيزه على إعطاء المعلومات وكثرة الواجبات والأعباء الملقاة على المتعلمين، مما قد يعيق عملية التفكير أثناء التعلم بسبب التركيز فقط على تحصيل المعرفة. لذا لابد من الحذر البالغ من الوقوع في هذه المنزلقات في تعليم مهارات التفكير.

صفحة 206

دوافع ومعيقات عملية التفكير

    تتطلب عمليات التفكير وبرمجة مهاراتها في اتخاذ القرارات إلى دوافع مشجعة لها على التطور في مساراتها وبلوغ الإبداعية في الحلول والقرارات، وكذلك تتطلب تجنت العشرات والمعيقات التي تهددها وتشكل من خلالها اخطاء في التفكير وانحراف متسارع بها عن مساراتها الصحيحة، وحتى تنطلق عملية التفكير لا بد من وجود الدوافع، والحوافز المشجعة على القيام بالأعمال، والدعم المادي والمعنوي من الآخرين، كما لا بد من إتاحة الفرصة لاستثمار ما اكتسبه الفرد من مهارات بالممارسة والتطبيق في مناحي مختلفة حتى يتحقق لديه الشعور بالإنجاز. وكذلك لابد من تجنب معوقات التفكير واخطاءة، إذ يمكن أن تحول دون التفكير أو أن تحرفه عن مساره، لذا ينبغي التنبه لها وتجنبها والتغلب عليها. ولتنمية ذلك في نفوس الدارسين فانه ينبغي أن يتوصلوا إلى ذلك بأنفسهم عن طريق التساؤلات المتبادلة بينهم وبين المدرسين، وعن طريق التفكر فيما حصل بعد كل تجربة. يمكن حصر المعوقات والأخطاء في ثلاثة أمور هي الإدراك الحسي والمعلومات والحالة النفسية لدى الشخص المفكر.

. وتتمثل معوقات الإدراك الحسي في عدم القدرة على رؤية الوضع مثل رؤية العوارض دون المشكلة الحقيقية، وفي رؤية جانب واحد من الموضوع وترك الجوانب الأخرى مثل رؤية حل واحد لا غير، وفي اعتبار جانب من الزمن فقط كالماضي. وينطبق على ذلك كثير من الفروض المسلمة وهي في حقيقة الأمر ليست كذلك. فقد وجد أن الأنماط الفكرية السائدة في الدماغ تؤثر على طريقة التفكير مما يؤدي إلى صرف الانتباه عن الوضع الصحيح، لذا لا بد من تدريب الانتباه على ذلك. أما معوقات وأخطاء المعلومات فتتمثل في نقص المعلومات واستخدام معلومات خاطئة، أو وجود معلومات زائدة عن الحاجة تؤدي إلى الإرباك.

. في حين تتمثل معوقات الوضع النفسي في فقدان الرغبة في العمل والدراسة، وعدم الاستماع للآخرين والأخذ بآرائهم، وعند اخذ الأمور على علاتها أو كمسلمات، وعند فقدان الثقة بالنفس والعزم والتصميم والانفتاح الذهني.

صفحة 207

ولا بد من إضافة أثر البيئة أي ما يحيط بالمتعلم من تأثير على طريقة تفكيره من توفير الجو الملائم للتفكير. علاوة على أن التفكير مرتبط بالبيئة الاجتماعية والثقافية والجسدية وبالمثيرات من حوله. فالجو العائلي والمجتمع مثل المدرسة لها تأثير بالغ قد يكون وقد يكون مشجعا مدمرا.

لغات التفكير

تتعدد لغات التفكير، وفي ذلك توفير فرصة التنوع في خيارات التعامل معها، لغاية توليد أفكار إبداعية بحسب طاقات و مواهب واستعدادات كل فرد، وأوجزها على النحو الآتي (الحمادي،98,1999).

۞اللغة البصرية

ويتم فيها استخدام الصور الرسومات والمخططات والمجسمات والمنظر ثنائي الأبعاد أو ثلاثي الأبعاد وغيرها

۞اللغة الحرفية أو اللفظية

ويتم التعاطي فيها مع الكلمات الوصف الكتابة الكلام التعميمات القوائم وغيرها

۞اللغة العددية أو الرقمية

ويستخدم فيها الأعداد، الجمع الطرح الضرب القسمة، المعادلات، الجبر وغيرها

۞اللغة المنطقية

وتتميز باستخدام التحليل الأسباب الأحكام الدليل الاختبار، الاستقراء الاستنتاج وغيرها

۞اللغة المتعاقبة أو المتسلسلة أو المتتالية أو المتتابعة

وتتميز عن غيرها بتعاملها مع الوقت الأحداث الفترات التطورات وغيرها

صفحة 208


۞اللغة العاطفية

وهي التي يتم فيها استخدام الأحاسيس والمشاعر والوجدان والآراء و الجانب الإنساني، الأمال الجانب النفسي والأهواء الانفعالات وغيرها

۞اللغة الفكرية وهي التي يتم فيها استخدام النظريات الفلسفات الاستعارة، المجاز،

الرموز التشبية وغيرها.

برنامج الكورت لتعليم التفكير

 يعد برنامج الكورت من البرامج المميزة في مجال تعليم التفكير، واثرء الطالب مهارات التفكير المتنوعة، وبعد ادوراد دي بونو مبتكر ومؤلف هذا البرنامج، وهو خبير مختص في مجال التعليم المباشر للتفكير، والتفكير الإبداعي وقاموس اكسفورد يعزي لديبونو تأصيل مصطلح التفكير الجانبي الذي يتيح فرصة الأفلات بوعي تام من أنماط التفكير المتعارف عليها، وذلك لرؤية الأشياء بشكل واضح وأوسع ولتطوير نظرة إبداعية في حل المشكلات (دي بونو، 2001, 18).  

وكلمة كورت هي اختصار ل(Cognitive Research trust  ) وتعني مؤسسة البحث المعرفي، التي أنشأها دي بونو في كامبردج في إنكلترا، وقد أضيف الحرف " لتيسير قراءة المصطلح على أنه كلمة واحدة (دي بونو،17,2001)  ولقد حقق البرنامج شهرة عالمية مستفيضة إذ استخدم في اكثر من ثلاثين دولة بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا وغيرها، وقد استضافت مؤتمرات عالمية الخبير الياباني دي بونو في مجال التفكير ومنها المؤتمر العالمي للتفكير المجلس العالمي للأطفال الموهوبين والجمعية التربوية للولايات المتحدة الأمريكية ومنها لقاء نظمه الأمير حسن في عمان في عقد التسعينات، وقد حدد ديبونو أربع مستويات لأهداف برنامجه واوجزها فيما يلي: (ديبونو، 1998 , 12). 

 -هناك منطقة حيز في المنهاج والتي يمكن من خلالها للتفكير أن يعالج بشكل مباشر وذلك بحرية مناسب.

-ينظر التلاميذ إلى التفكير على انه مهارة يمكن تحسينها بالانتباه والتعلم والتدريب.

صحفة 209

-يصبح التلاميذ ينظرون إلى أنفسهم على انهم مفكرون.

-يكتسب التلاميذ أدوات تفكير متحركة تعمل بشكل جيد في جميع المواقع وفي كل نواحي المنهاج.

ويعد تصميم البرنامج من قبل مبتكره سمة متفردة ومميزة له عن سائر البرامج، إذ صمم ليتوافق مع المعايير الآتية (ديبونو،1998 ،15)

1.إن البرنامج بسيط وعملي ويمكن أن يستخدمه المعلمون في تمثيل مجموعة واسعة من الأساليب. 

2.إن هذا البرنامج متماسك بحيث يبقى سليماً على مدار انتقاله من متدرب إلي متدرب آخر إلى معلم إلى تلميذ.

3.أن هذا البرنامج لديه تصميم متوازي، فهذا يعني أن كل جزء فيه يمكن استخدامه والاستفادة منه على حده، حتى لو لم يتم استخدام الأجزاء الأخرى أو نسيانها، وذلك على العكس من البرامج الأخرى ذات التصميم الهرمي التي يتطلب فيها تعليم الهيكل أو البناء بأكمله، وتذكره وإلا فقدت أجزاؤه فائدتها.

4.هذا البرنامج يمكن التلاميذ من أن يكونوا مفكرين فاعلين ومتفاعلين في نفس الوقت، كما ينمي هذا البرنامج المهارة العملية التي تتطلبها الحياة الواقعية.

5.يستمتع التلاميذ بدروس التفكير.

ويمكن استخدام مواد الكورت للتلاميذ في جميع الأعمار من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعة(، والعمر المثالي لدخول برنامج الكورت في حياة التلميذ هو سن التاسعة أو العاشرة (ديبونو،1998 ،16) 

وتركز جميع وحدات الكورت على مهارة تفعيل الأشياء جعل الأشياء تحدث( وتسمح الأدوات للتلاميذ بتوجيه أهدافهم التفكيرية بشكل هادف لينجم عنها تلاميذ فاعلين، ويدفع التلاميذ من خلال هذا البرنامج لعدم تقبل ما هو معتاد والاتجاه نحو تحدي الذات في إبراز أفكار جديدة، ودور المعلم لا يكمن في كونه قاضياً بل مدرباً ومتفرجاً يشجع التلاميذ على الدوام لإبراز وتوسيع قدراتهم الطبيعية (ديبونو،1998. 16).

صحفة 210

وأشار ديبونو إلى ضرورة مراعاة المحاور الآتية في التطبيق العملي لدروس الكورت وهي على النحو الآتي (ديبونو،1998 ،17): 

-أن يتضمن الدرس ما لا يقل عن فقرتين تدريبيتين.

-المحافظة على الضبط وتنشيط المحيط.

-تركيز الدرس على عملية التفكير بدلا من مضمون المناقشة.

-جعل التلاميذ يحسون انهم قادرون على الإنجاز.

محتويات برنامج الكورت

يشتمل برنامج الكورت على ستة أجزاء، حيث يحتوي كل جزء على عشرة دروس، وفيما يلي لمحة مختصرة عن هذه الأجزاء مع أدواتها العملية كما ذكرها مبتكر البرنامج في دليل برنامج الكورت لتعليم التفكير.

کورت (1) توسعة مجال الإدراك:

ويستهدف توسيع ادراكات التلاميذ من خلال مهارات تساعدهم على النظر إلى جوانب الموقف بما في ذلك العواقب المحتملة والأهداف والبدائل ووجهات نظر الآخرين إذ أن التلاميذ يعمدون إلى تفكيرهم في كشف مشاكلهم بدلا من إطلاق الأحكام بسرعة. 

ويتضمن كورت (1) المهارات الآتية:

-معالجة الأفكار ويتعلم فيها التلاميذ على فحص فكرة ما من خلال النقاط الإيجابية والسلبية والمثيرة بدلا من الحدية في القبول والرفض.

-اعتبار جميع العوامل حيث يتعلم التلاميذ بحث كل موقف بالنظر إلى العوامل الكامنة فيه وليس فقط الظاهر منها.

-القوانين حيث يستخدم التلاميذ الأدائين الأوليين في فحص القوانين والعوامل الواجب النظر فيها لصنع القوانين الجديدة.

صفحة 211

كورت (2) التنظيم:

وفيه يعرض على التلاميذ تقنيات توجه أفكارهم ويتعلم التلاميذ من خلالها القيام بتوجيه أسئلة مقصودة والبحث عن إجابات محددة مهما كانت تلك الإجابات، وكما في جميع مهارات الكورت توفر هذه الأسئلة بناء وتوظيف للأفكار، ويساعد كورت التلاميذ على تنظيم أفكارهم فلا ينتقلون بشكل عشوائي من نقطة إلى أخرى، وتوفر الدروس الخمس الأولى مهارات تحديد معالم المشكلة، والخمسة الأخيرة تعلم التلاميذ كيفية تطوير استراتيجيات لوضع الحلول والوصول

و مهارات دروس كورت (1) هي على النحو الآتي:

صفحة 212

-تعرف وبين أهمية التعرف على أنماط المشكلات والمواقف لفهمها بطريقة احسن.

-حلل ويتعلم فيها التلاميذ طريقتين في تجزئة المشكلات الصعبة إلى عناصر اقل يمكن التعامل معها.

-قارن ويتعلم التلاميذ فيها أن المقارنة المقصودة بين شيئين مختلفين قد تؤدي لظهور أفكار إضافية حولهما.

-اختار ويتعلم التلاميذ فيها تحديد المعالم الرئيسة لمتطلبات الموقف ووضع الحلول أو التفسيرات المتعددة لهذه المتطلبات، وبعد ذلك اختيار الحل أو التفسير الأنسب.

-أوجد طرقا أخرى ويبين أن الجهد المقصود لإيجاد وجهات نظر بديلة لأي موقف قد ينجم عنه أفكار مبدعة وجديدة لا يمكن أن تظهر بغير ذلك.

-ابدا ويتعلم التلاميذ التفكير في مشكلة ما بالاختيار الواعي لأساليب النظر لتلك المشكلة )إحدى مهارات الكورت السابق وليس بالاندفاع السريع إلى المشكلة من أي جهة كانت.

-نظم و تؤكد على أهمية تعريف المشاكل بخطة معينة للتفكير والحل.

-ركز ويحث التلاميذ فيها على توجيه السؤال التالي: ما الذي ينظر له الأن؟، أو ما الذي تركز عليه ؟ وذلك لتحديد ذلك الجانب من الموقف الذي ينبغي أن تضعه في عين الاعتبار.

-ادمج وفيها يسترجع التلاميذ تفكيرهم لتحديد ما تم إنجازه وإذا ما كان هناك نقاش يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.

-استنتج وتؤكد على أن المحاولة يجب أن تكون بهدف الوصول إلى نهاية لكل ما تم التفكير فيه حتى لم يتوفر بذلك الحل.

کورت ( 3) التفاعل: 

وفي هذا الكورت لا يفكر المفكر بنظرة مباشرة للمشكلة ولكن بالتفاعل القائم بين تفكيره وتفكير الآخرين، فدروس كورت (3) تضع الخطوط الرئيسة لعناصر المعارضة

صفحة 213

والتفاوض حتى يستطيع التلاميذ تقييم مداركهم والسيطرة عليها والتعرف على التقنيات التي استخدمها الآخرون، وبالتواصل مع بقية وحدات الكورت يكون التركيز على التفكير البناء، وتركز هذه الوحدة على الحل المنتج للمناقشة والتفاوض وليس الفوز لأجل الفوز.

و متضمنات مهارات دروس كورت (4) هي على النحو الآتي:

-التحقق من الطرفين ويتطلب ذلك من التلاميذ فحص مسالة معارضة حتى يتمكنوا من تصويب المسائل بأنفسهم.

-الدليل - أنواع الأدلة: ويفرق التلاميذ من خلالها بين الحقيقة والرأي حتى يتمكنوا من فحص الدليل بتمعن وبأسلوب مقبول وطبيعي.

-الدليل - قيم الدليل : يحث التلاميذ على تقييم الدليل الذي قد يطرحه أحد الأفراد وذلك لأهميته بالنسبة للمسألة ككل.

-الاتفاق والاختلاف وانعدام العلاقة وهي أداة للتعريف بجوانب الموافقة والرفض وعدم الاتصال بالمسألة.

-أن تكون على صواب ويحدد وسيلتين لمناقشة نقطة السبب في قبول الفكرة أو عدمه والرجوع للمصادر الخارجية متضمناً الحقائق والأرقام والمشاعر.

-أن تكون على صواب ويحدد وسيلتين المناقشة نقطة غالباً ما يتم استبعادها باستخدام الأسماء والملصقات والتصنيفات والأحكام القيمية ذات الجدوى.

-أن تكون على خطأ ١ ويتعلم التلاميذ فيها معرفة مواقع المبالغة في النقاط التي يثيرها الآخرون والتي يثيروها هم، وكذلك الأمثلة لأدلة جزئية والتي تقوم عليها و عليها فقط النهايات الخاصة بالمسائل.

-أن تكون على خطأ ٢ ويركز على المسائل التي لا تخلو من الأخطاء عالمية أو غيرها وكذلك القائمة على التحيز.

-المحصلة النهائية حيث يقيم التلاميذ ما تم اتجاره في المناقشة حتى لو لم تتم الموافقة عليه.

صفحة 214

كورت (4) الإبداع: 

ويعرف كورت  (4) الإبداع بأنه عملية يمكن تعلمها والتدرب عليها وتطبيقها بأسلوب مقصود، وتحث دروس هذا الكورت على نمط تصميمي من الإبداع والذي يتضمن الهروب الواعي من حصر الأفكار لغاية إنتاج الأفكار الجديدة. وتعريف المشكلة وتقييم الحلول المقترحة.

و متضمنات دروس كورت  4 هي على النحو الآتي:

•نعم، لا، إبداعي : والمقصود بالأخيرة الإشارة إلى أن الفكرة ليست بالضرورة في تلك الدقة أو الصحة ولكنها أداة لفتح آفاق وقنوات جديدة في التفكير.

•الحجر المتدحرج : ويخطو التلاميذ فيها خارج الأنماط النموذجية للتفكير بالنظر إلى افکار مختلفة وأحياناً مبالغ فيها، ولكن ليس في سبيل مصلحتهم وإنما للحث على إنتاج أفكار جديدة.

•مدخلات عشوائية :وهي أداة لإنتاج أفكار جديدة حول المشكلة بالإظهار المتعمد الأفكار عشوائية وغير مترابطة.

•معارضة الفكرة : وفيها يتحدى الطلاب التلاميذ أفكاراً مسلما بها ولكن ليس لإثبات خطأها وإنما لتحديد السبل البديلة في التعامل مع الأشياء.

•الفكرة الرئيسة :حيث تحث التلاميذ على التعرف على الفكرة السيطرة على الموقف ومن ثم تقرير قيمة الهروب من تلك الفكرة للخروج بأفكار جديدة.

•تعريف المشكلة :ويتعلم التلاميذ فيها البذل في سبيل تعريف دقيق للمشكلة وذلك لتسهيل حلها

•إزالة الأخطاء : ويتعلم التلاميذ فيها تطوير فكرة معينة وذلك بإزالة جميع الأخطاء التي تدور حول هذه الفكرة.

•الربط :وتبين أن الأفكار الجديدة تخلق من خلال صهر الأفكار الموجودة في الأصل

•المتطلبات : وتظهر أهمية تمييز متطلبات المشكلة وإعطائها الأولوية وذلك عند محاولة وضع الحلول لها.

صفحة 215

التقييم :وهو عبارة عن تتمة لدرس سابق، وذلك بترك التلاميذ يحكمون على الأفكار الموجودة فيما إذا كانت تلتقي مع متطلبات الحلول المتعلقة بها أم لا.

کورت (5) المعلومات والعواطف:

      وفيه يتعلم التلاميل كيفية جمع وتقييم المعلومات بشكل فاعل، كما يتعلمون كيفية التعرف على السبل التي تؤثر فيها مشاعرهم وقيمهم على عمليات بناء المعلومات وردود أفعالهم تجاه المشاكل داخل وخارج الصف، ويتم تصميم الدروس فيها على أن لا تغيير في نظم القيم، ولكن تحث الدروس التلاميذ على تطبيق مشارعهم وقيمهم بعد أن يفسروا بالتفكير الموقف الذي هم بصدده.

و متضمنات دروس كورت (5) 

•المعلومات: ويتعلم التلاميذ فيها تحليل المعلومات وذلك لتحديد ما تعنية بالضبط وما يتم استبعادة.

•الأسئلة وتركز على توجيه الأسئلة والفرق بين الأسئلة التفسيرية والأسئلة التي تتطلب الإجابة بنعم أو لا.

•مفاتيح الحل: تحث التلاميذ على اختيار الحلول وتقييم مضمون كل حل على حدة وأخيراً تقييم مضامين كل الحلول مجتمعة.

•التناقضات ويفحص التلاميذ المعلومات لتحديد التناقضات والنهايات الخاطئة. التوقع  (التخمين): وتبين الفرق بين التخمينات الصغيرة  (الافتراضات) والكبيرة الفرص والمراهنات، وذلك للحث على جمع المعلومات التي تخفض حجم التخميم.

•الاعتقاد ويحث التلاميذ على التفريق بين الاعتقادات المبنية على التجربة الذاتية أو العواطف وتلك المبنية على اعتقادات الآخرين.

•الآراء والبدائل الجاهزة ويركز على كيفية استخدام الاعتقادات وخصوصاً في الاقتراحات التي تستخدم فيها الأحكام الاعتباطية والأفكار المبتذلة التي عفى عليها الزمن النمطية . كبديل للتفكير.

صفحة 216

•العواطف وتلقى الضوء على اثر العواطف على التفكير، وتفرق بين العواطف العادية كالحب والكره والخوف والفرح والعواطف الذاتية كالكبرياء والرغبة في أن يكون الشخص دائما على حق.

•القيم وتؤكد على أهمية القيم وتحث التلاميل على تقرير الأولوية في القيم القائمة على موقف معين.

•التبسيط والتوضيح وتبين الفرق بين العمليتين وتركز على ضرورة التفريق بين العملية الأولى والثانية.

كورت (6) العمل

ويختص بعملية التفكير في مجموعها بدء باختيار الهدف وانتهاء بتشكيل الخطة لتنفيذ الحل.

متضمنات دروس كورت (6):

•هدف: وهو مكون من ثلاث خطوات باتجاه تفكير في مسألة ما بتعلم التلاميذ فيها توجيه تفكيرهم نحو أهداف معينة والتزامها والتعرف على أهداف التفكير عند الآخرين.

•توسع: ويبين السبل التي يستطيع التلاميذ بها توسيع أهدافهم بما في ذلك تحليل الهدف ذاته وفحص كيف ترتبط بحلول اكبر تكون هي جزء منها والبحث عن وسائل بديلة لأدراك الهدف.

•اختصر: ويتعلم التلاميذ من خلالها سبل توسيع دائرة الأفكار ويضيق التلاميذ دائرة التفكير بتبسيطها إلى نقاط رئيسية أو نهايات.

•(هدف - توسع – اختصر): ويتدرب التلاميذ فيها على استخدام المهارات الثلاثة السابقة على التوالي وبالنظر لها على أنها خطوات من عملية كاملة.

صفحة 217

•الهدف: وهذه المرحلة الأولى مكونة من خمس مراحل، يتم فيها النظر إلى مشاكل معينة، ويتم فيه التركيز على أهمية تعريف الهدف النهائي بالسؤال التالي: بماذا أريد أن انتهي ؟

•مدخل (1): ويبين أنواع المدخلات المطلوبة قبل أن يشرع الفرد بتفكير فاعل تجمع وتقييم المعلومات وبالنظر إلى الآخرين والعواقب المحتملة والتعرف على

الضغوط الشخصية وقيود الوقت والاستثمارات.

•الحلول حيث تكون البداية بمرحلة تفكير نشطة وحقيقية وتكون نتاج ما يصل إليه التلاميذ من حلول بديلة تتضمن الحلول الأكثر وضوحاً؛ تلك التي نسخوها أو اكتشفوها وحسنوها في أنفسهم، إضافة إلى ما حدودها بإعادة تعريف المشكلة الأصلية.

•الاختيار ويطلب المعلم من التلاميذ في المراحل السابقة من التفكير اكبر قدر ممكن من التوسع، أما الآن فعليهم أن يضيقوا دائرة التفكير لتقتصر على حل واحد يأخذ في عين الاعتبار أداءهم الخاص والبساطة واللياقة والعواقب المحتملة.

•العملية: وهي أخر المراحل الخمسة في حل المشكلة حيث يتعين على التلاميذ تفصيل للخطوات التي يمكن أن يبنى عليها الحل الذي تم اختياره ويوضع في العملية.

•جمع العمليات السابقة: ويتعلم التلاميذ استخدام الدروس من 1-5 كهيكل كامل للمنظر إلى المشكلات المستعصية والتطبيق عملية هدف - توسع - اختصر  من (1-3)   عند أي نقطة في العملية.

استراتيجيات تدريس مهارات الكورت

وتعتمد استراتيجيات تدريس تلك المهارات على المجموعات والملاحظة والوقت والمعلم. ففي المجموعات يجب تقسيم الصف إلى مجموعات صغيرة بحسب حجم الصف قبل لا بدء بتدريسها ويعتبر الحجم المثالي أربعة طلاب وبعد ذلك يختار المعلم قائدا للمجموعة ليكون المتكلم باسم المجموعة ويعرض وجهة نظر مجموعة كاملة، ويمكن تغيير المجموعات

صفحة 218

من وقت الأخر إذا رأي المعلم أن هناك حاجة لذلك وإذا أراد الطلاب تغييرها من وقت الآخر:

۞الملاحظات لكل درس هناك دفتر ملاحظات للمعلم وبطاقات عمل للطلاب وتحتوى على المبادئ الأساسية للدروس، أما بالنسبة لبطاقات عمل الطلاب من حيث البناء فتشترك جميعها في البناء الأساس ذاته ولكنها تختلف في المحتوى وتتنوع من درس لآخر.

۞الوقت: تم تصميم دروس الكورت على أن يتم استعمال درس واحد في الأسبوع وكل درس يتغرق إعطاؤه زمناً لا يقل عن (٥٣) دقيقة ويمكن التغيير في مدة الحصة وعدد الحصص المعطاة في الأسبوع بحسب ظروف المدرسة وبرامجها التعليمية.

المعلم يختلف دور المعلم حسب عمر وقدة الطلاب ومستوى درجة الإثارة وتتلخص ادوراه باختيار النظام الذي يرتأيه في تطبيق تلك المهارات والتنوع في

استعمال طرائق عرض تلك المهارات والإثراء من خلال المقترحات والملاحظات وتوجيه الطلبة نحو منحي التأكيد على تطبيق المهارات والابتعاد عن نقاشات خارجية تبعد الدرس عن الهدف المقصود و دروس الكورت لا تتضمن إجابات حدية لذا يعد من المهم توجيه المعلم ليتقبل جميع الاستجابات المفتوحة التي تصب في منحى المهارة ومعالجة الإجابات الخارجة عن سرب الصواب في متضمنات المهارة (الصويتي، 2001 ، 14) .

التفكير الإبداعي

تمتد حركة التسارع المعرفي في مجتمع البشرية جمعاء، ويحمل ذلك التسارع مسارات هائلة في تطور المعرفة في كافة المجالات، وقد البثق عن ذلك تطور في التعاطي مع منظومة الإنسان، المجتمع، الفكر المادة السلوك، واستثمار فاعل التقنيات العلوم المختلفة وبرامجها في المنحى العلمي والإنساني على وجه العموم وعوالم التربية واستراتيجيات التعاطي مع المتعلم على وجه الخصوص، إذ انصبت كل الاتجاهات الحديثة في التربية نحوه – المتعلم—

صفحة 219

لأنه لا يخفى ما يشكله من نقطة مركزية في التربية، إذ غدا حجر الزاوية في العملية التعليمية، وتوجهت كل الخطط التربوية وبرامج التربية وتقنياتها وحلقات تصميم وتطوير المناهج نحو تنمية التفكير لديه؛ وتوطئة السبل له نحو الابتكار، وتحقيق بعد التربية الشاملة له، وتوجيهه نحو تعلم مهارات الحياة ومواجهتها في ضوء الإيجابية والإبداع.

ومن هذه النقطة المركزية تنطلق أهمية تناول موضوعات تخص التفكير الإبداعي في إطار هذه الاتجاهات الحديثة في التعاطي مع المتعلم والتي تفترض مقدماً إبداعيته وضرورة توليدها وتنميتها واستثمارها في خطط التنمية البشرية في إطار المنجز الإبداعي، لأن التفكير المبدع قوة متجددة لبقاء الفرد والمجتمع معاً في عالم اليوم والغد. والمناخ الصفي الأمن المتمركز حول المتعلم وتوليد طاقاته الإبداعية هو التعليم النوعي الذي يوفر فرصاً للتفاعل

والمشاركة ويتيح للمتعلم فرصة التفكير الخلاق، فضلا على أن تعليم مهارات التفكير الإبداعي والتعليم من أجل التفكير المبدع يرفعان من درجة الإثارة والجذب للخبرات الصفية، ويجعلان دور المتعلم إيجابياً ويتسم بالابتكار والإبداعية.

وما يعزز أهمية تناول موضوعات التفكير الإبداعي الواقع التربوي وما يسود المواقف التعليمية في مدارسنا في ضوء روتينية ثلاثية التذكر التلقين، ذكاء التحصيل في الحفظ والاسترجاع والتي اعتبرها ) وهبة، ۱۹۹۷ ( ثلاثية تخلف تسود الحجرات الدراسية في لغة التفاعل الصفي، وانطلاقا من ضرورة إزالة تلك الثلاثية في التعاطي التدريسي وإبدالها بإستراتيجيات تنمية التفكير والإبداع داخل حجرة الدراسة.

مفهوم التفكير الإبداعي

ويعرف )ابن منظور (1994الإبداع بأنه مصدر من الفعل بدع وبدع الشيء يبدعه بدعا وابتدعه أي أنشأه وبدأه والبدع هو الشيء الذي يكون أولا، وفلان بدع في هذا الأمر أي أول لم يسبقه أحد وأبدعت الشيء: اخترعته لا على مثال. 

    واختلف العلماء في تعريفهم للإبداع فبعضهم يقصد بالإبداع القدرة على خلق شيء جديد أو مبتكر بينما يقصد آخرون أنه العمليات السيكولوجية التي يتم بها خلق

صفحة 220

وابتكار الشيء الجديد ذي القيمة العالية، ويرى فريق ثالث أن الإبداع ينشأ عن القدرة الإبداعية و عن العملية الإبداعية التي تؤدي في آخر الأمر إلى إنجاز العمل الإبداعي بحقيقته. 

 وقد أشارت (حجازي، 2001) إلى أن رودس) 1961) جمع ستة وخمسون تعريفا للإبداع استخلص منها أربعة محاور أساسية لتعطي المعنى الوظيفي للإبداع وهذه المحاور هي:

أ - خصائص الفرد المبدع.

ب - خصائص عملية الإبداع.

ج -خصائص المنتج.

د -خصائص المناخ.

وذكر  (زيتون، 1999) إلى أن الباحثين يختلفون في تحديد مفهوم الإبداع ويرجع ذلك إلى كثرة المجالات التي شاع فيها هذا المفهوم من جهة وإلى مناهج الباحثين واختلافاتهم واهتماماتهم العلمية والثقافية ومدارسهم الفكرية من جهة ثانية وتعدد جوانب هذه الظاهرة (الظاهرة الإبداعية) وتعقدها من جهة ثالثة.

ويعرفه تورانس بأنه عملية تحسس للمشكلات والوعي بمواطن الضعف والثغرات وعدم الانسجام والنقص في المعلومات، والبحث عن حلول والتنبؤ، وصياغة فرضيات جديدة، واختبار الفرضيات وإعادة صياغتها أو تعدليها من اجل التوصل إلى حلول أو ارتباطات جديدة باستخدام المعطيات المتوافرة ونقل أو توصيل النتائج للآخرين.

وعرف جيلفورد الإبداع بأنه سمات استعداديه تضم الطلاقة في التفكير والمرونة والأصالة والحساسية للمشكلات وإعادة تعريف المشكلة وإيضاحها بالتفصيلات والإسهاب.

ويعرف (جروان، 2002) بأنه سلوك هادف لا يحدث في فراغ أو بمعزل عن محتوى معرفي ذي قيمة لأن غايته تتلخص في إيجاد حلول المشكلات قائمة في أحد حقول المعرفة أو الحياة الإنسانية. 

صفحة 221

وهناك من عرفه بأنه ظاهرة ذهنية متقدمة يعالج الفرد فهيا الأشياء والمواقف والخبرات والمشاكل بطريقة فريدة أو غير مألوفة أو بوضع مجموعة حلول سابقة والخروج بحل جديد. ويعتبره البعض بأنه نشاط ذهني يسهم في زيادة الوعي بما يدور حولنا ومعالجة القضية من وجوه متعددة وزيادة كفاءة العمل الذهني في معالجة المواقف.

ویری آخرون بأنه نشاط ذهني أو عملية تقود إنتاجاً يتصف بالجدة والأصالة والقيمة في المجتمع ويتضمن إيجاد حلول جديدة للأفكار والمشكلات.

في حين يحدده آخرون بالقدرة على تكوين أبنية وتنظيمات جديدة أو نشاط ذهني معقد يسهم في إنتاج غير مألوف يطوره الفرد عن طريق تفاعله مع الخبرات التي يكتسبها.

ويوجزه البعض بالقول بأنه عملية ذهنية معرفية تتضمن الطلاقة والمرونة والأصالة والإثراء بالتفاصيل وانطلاقا بما سبق فيمكن تعريف التفكير بأنه عملية ذهنية يتفاعل فيها الإدراك الحسي مع الخبرة والذكاء لتحقيق هدف ويحصل بدوافع وفي غياب موانع.

ويعرف التفكير الإبداعي بأنه عملية ذهنية يمكن تعلمها والتدرب عليها وتطبيقها بأسلوب مقصود، وتتضمن الهروب الواعي من نمطية التفكير التلقائية لغاية إنتاج أفكار تتسم بالجدة والابتكار.

جدليات في الإبداع

وينظر إلى الإبداع من ثلاثة جوانب هي الإبداع كقدرة، والإبداع كاتجاه، والإبداع كعملية.

والإبداع كقدرة يتمثل في القدرة على تصور واختراع شئ جيد أو توليد أفكار جديدة عن طريف مزج أو تغيير أو إعادة تطبيق الأفكار الموجودة، ويكن القول أن هذه القدرة موجودة لدى كل فرد بنسب متفاوتة وبحسب اختلاف الظروف والمواقف.

وهناك عوامل متشابكة تكون القدرة على التفكير الإبداعي وتؤثر فيها إلى حد كبير وتعرف بالقدرات الإبداعية وهي موضحة في الجدول الآتي (2):

صفحة 222

 


والإبداع كاتجاه يتمثل بالقدرة على تقبل التغيير والتجديد، والاستعداد للتلاعب بالأفكار والإمكانات، والمرونة في النظر إلى الأشياء إضافة إلى الاستمتاع بكل ما هو جيد مع البحث عن طرق لتحسينه.

والإبداع كعملية يكون من خلال عمل الأشخاص المبدعون بجد وعناء، من اجل تحسين أفكارهم وحلولهم باستمرار، وذلك عن طريق عمل تغيرات تدريجية وتحسينات على أعمالهم.

ويتطلب الإبداع التعاطي مع متغيرات محددة، وهي الصفات الشخصية للمبدع والمنتج الإبداعي والطريقة الإبداعية والبيئة الحاثة على الإبداع.

مهارات التفكير الإبداعي 

ويحدد (جروان، 2002) مهارات التفكير الإبداعي بالآتي:

1-الطلاقة وتعني القدرة على توليد عدد كبير من البدائل أو المترادفات أو الأفكار أو المشكلات أو الاستعمالات عند الاستجابة لمثير معين والسرعة والسهولة في توليدها وهي على أنواع:

أ -الطلاقة اللفظية أو طلاقة الكلمات.

ب - طلاقة المعاني أو الطلاقة الفكرية.

ج- طلاقة الأشكال.

صفحة 223

1 -المرونة: وهي القدرة على توليد أفكار متنوعة ليست من نوع الأفكار المتوقعة عادة، وتوجيه أو تحويل مسار التفكير مع تغير المثير أو متطلبات الموقف والمرونة هي عكس الجمود الذهني الذي يعني تبني أنماط ذهنية محددة سلفا وغير قابلة للتغيير ومن أشكالها المرونة التلقائية والمرونة التكيفية ومرونة إعادة التعريف أو التخلي عن مفهوم أو علاقة قديمة المعالجة مشكلة جديدة.

2 -الأصالة: وهي أكثر الخصائص ارتباطا بالإبداع والتفكير الإبداعي والأصالة هنا بمعنى الجدة والتفرد، وهي العامل المشترك بين معظم التعريفات التي تركز على النواتج الإبداعية.

3 -الإفاضة وتعني القدرة على إضافة تفاصيل جديدة ومتنوعة لفكرة أو حل مشكلة أو لوحة من شأنها أن تساعد على تطويرها وإغنائها وتنفيذها. 

4 -الحساسية للمشكلات ويقصد بها الوعي بوجود مشکلات وحاجات أو عناصر ضعف في البيئة أو الموقف، ويعني ذلك أن بعض الأفراد أسرع من غيرهم في ملاحظة المشكلة والتحقق من وجودها في الموقف.

ویری (وهبة، 1999) أن المعلم المبدع هو معلم باحث منخرط في الأنشطة الثقافية والمهنية، ومرتبط بالمصادر النظرية، ومهتم بالتنظير والتأويل في عمله التربوية، ويرى التدريس كنشاط عقلاني ومجال للبحث والتجريب، وينظر إلى حجرة الدراسة في سياق عملية التغير الاجتماعي في مجتمعه الكبير من حوله فهو معلم يقاوم العزلة والاغتراب و يدرك أهمية المعرفة والتفكير وشجاعة التعبير كأسس تقوم عليها كل ممارساته وأنشطته التربوية.

وأشار  (قطامي، 1998) إلى القائمة التي اقترحها تورنس في مجال رعاية وتنمية التفكير الإبداعي لدي المتعلم وهي على النحو الآتي:

 1 -تقدير واحترام التفكير الإبداعي.

2 -تشجيع التعامل الخر مع الأفكار والأشياء.

صفحة 224


3 -تطوير التسامح تجاه الأفكار المخالفة الجديدة والتعامل معها بانفتاح.

4 -تجنب الإكراه في التفكير والأسلوب.

5 -مساعدة التلاميذ على التحسس والتأثر المنبهات البيئة.

6 -توفير مناخ صفي ديمقراطي دافئ يشع بالمحبة والحرية.

7 -علم التلميذ تقدير وتثمين تفكيره الإبداعي.

8 -علم التلميذ الالتزام بقرارات الأقران دون التضحية بقدراته الإبداعية.

9 -أعط المزيد من المعلومات حول العملية الإبداعية.

10 -علم التلاميذ أن يقدروا ويحترموا الروائع.

11 -شجع وقدر المبادرات والابتكار. 

12 -اخلق ما يسمى الشوكة في الجلد التي تحفز المتعلم على وعي المشكلات وتحسسها والشعور بأن هناك أمور ناقصة.

- 13 -وفر الضروريات الاستثارة التفكير المبدع.

 14 -وفر فرص التفاعل النشط بين التلاميذ وعناصر البيئة.

 15 -أتح للتلاميذ فرصة تحليل الأفكار والتبصر في انعكاساتها الكاملة.

16 -طور لدى التلاميذ القدرة على النقد البناء.

17 -شجع الحصول على المعرفة بطرق مختلفة ومتنوعة.

18 -امنح المتعلم فرصة التمتع بروح المغامرة دون المجازفة.

ويشير (عبد العال، 2004) إلى أن التربية الإبداعية هي السبيل لتجاوز التخلف ودخول عصر الثورة العلمية والتكنولوجية، فهي سباق مع الكارثة ..... ورهان امتنا يتشكل  في أن تفجر التربية في العقل العربي قوى الابتكار وطاقات الإبداع، وان تفسح المحال كي تتفتح تلك القوى والطاقات وتزدهر، لأننا لن نكون متقدمين بعد اليوم إلا بقدر ما نكون مبدعين، ورهان امتنا أن تعمل التربية لتحول الإنسان العربي من كائن مقلد إلى فاعل مبدع.

صفحة 225

ویری (دیبونو، 1998) إلى أن هناك خطا شائعا لدي البعض وهو أن الإبداع موهبة خاصة يمتلكها البعض ولا يمكن تعلمها والتدرب عليها وتطبيقها بأسلوب مقصود ويقدم دي بونو من خلال برنامج كورت ) 4 ( المتعلق بالإبداع نمط تصميمي من الإبداع؛ والذي يتضمن الهروب الواعي من حصر الأفكار وإنتاج الأفكار الجديدة وتعريف المشكلة وتقييم الحلول المقترحة، وكل تلك الموضوعات التي تختص بالتفكير الجانبي؛ والذي يقصد به عملية التغير الواعي لنظرة الفرد للمسائل في سبيل إخراج أفكار جديدة.

ويشير  (دي بونو ، 2001) إلى مزايا التفكير الإبداعي - والذي رمز له بالقبعة الخضراء – بالآتي:

- تقديم أفكار جديدة مفاهيم جديدة ومعتقدات جديدة.

- خلق أفكار جديدة بتخطيط مسبق.

- تقديم بدائل وبدائل أخرى.

- تقديم حلول ومداخل جديدة للمشاكل.

لذا فان القبعة الخضراء ترمز إلى الأفكار الجديدة والطرق الجديدة في النظر إلى الأشياء، والهروب من الأفكار القديمة من اجل التوصل إلى أفكار افضل، ومن ثم فهي تختص بالتغيير الهادف الموجه، وتسهم في جعل التفكير الإبداعي جزء مهما في عملية التفكير بدلا من كونه مجرد رفاهية.

وقد ابتكر (دي بونو، 2001) مصطلح التفكير الإبداعي الجانبي عام (1967)  وهو مسجل كاختراع باسمه في قاموس اكسفورد الإنجليزي وأشار إلى انه كان من الضروري ابتكار هذا المصطلح (التفكير الإبداعي الجانبي) لسبيين:

أولهما: المعنى الواسع والغامض لكلمة إبداعي فالإبداع يشمل كل شئ على ما يبدو، بدها يخلق الفوضى والحيرة وانتهاءاً بتأليف سيمفونية فالتفكير الإبداعي يركز على عملية التغيير في بعدها الفكري.

صفحة 226

ثانيهما أن التفكير الإبداعي الجانبي يعتمد بشكل مباشر على سلوك المعلومات في أنظمة المعلومات المنظمة ذاتيا فهو تحويل الأنماط بطريقة غير اعتيادية أو منظمة.

ويشير ( دي بونو، 2001) في مجال التفكير الإبداعي إلى مصطلح الحركة ليحل محل إصدار الأحكام، إذ يبحث المفكر في التقدم من فكرة إلى أخرى من اجل الوصول بخط الحركة في الأفكار إلى فكرة جديدة.

وأبرزت  (السرور، 2002)  أهمية تجنب معيقات الإبداع واوجزتها في الآتي:

1 -معيقات بيئية وهي معيقات موجودة في الطبيعة مثل الضجيج وعدم توفر المكان المناسب واكتظاظ المكان وعم تأييد الزملاء للأفكار ووجود رئيس دكتاتور لا يقدر الأفكار المبدعة وعدم وجود الدعم المادي اللازم للمشروع الإبداعي.

2 -معيقات ثقافية وتتمثل في عادات وتقاليد المجتمع، ورفض المجتمع للأفكار الإبداعية ونقد الأفكار المبدعة بإصدار الأحكام عليها قبل أن تأخذ حيز التطبيق وعدم توفر التعزيز للعمل المبدع.

3 -معيقات بصرية أدراكية وهي تظهر عند قدرة الفرد على رؤية الأمور التي تهمه وإهمال باقي القضايا التي لها صلة بالمشكلة، وذلك بسبب الأخذ بوجهة النظر من جانب واحد، ويظهر هذا المعيق عند المبدعين الفنانين، وبخاصة الذي يعتمدون على حاسة البصر كثيرا.

4 -معيقات تعبيرية وهي عدم القدرة على إيصال الأفكار للآخرين وللفرد نفسه ومن  أمثلتها إحساس الفرد بالفشل والإحباط نتيجة عدم قدرته على التواصل مع لغة أجنبية معينة عند محاولته استخدامها.

5 -معيقات فكرية وتتجلى في استخدام أفكار غير مرنة أو أفكار عبر صحيحة أو ناقصة أو تحديد الأفكار المطلوبة بعمر وزمن محددين وهذه من أكبر المعيقات، إذ أن الإبداع غير محدد بعمر وزمن ومن المعيقات الفكرية أيضا التفكير اللفظي بمسألة يكون حلها عن طريق معادلات رياضية.

صفحة 227

.

6 -معيقات ادراكية وتتمثل في النظرة النمطية والتقليدية إلى الأمور أو المشاكل والتصلب في الرأي، ونظرة الفرد إلى أن رأيه الوحيد على صواب والباقي على خطأ فلا يكلف نفسه التفكير في الرأي الآخر.

7 -معيقات عاطفية ( انفعالية ) وتتعارض العوائق العاطفية مع حرية استكشاف ومعالجة الأفكار مثل عدم القدرة على احتمال الغموض والخوف من ارتكاب الخطأ أو من المخاطرة وعدم القدرة على التمييز بين الحقيقة والخيال.

وذكرت معيقات أخرى منها معيقات شعورية ولا شعورية ( تصارع الأنا والأنا الأعلى). 

وأكدت ( السرور 2002) إلى أن للأسرة والثقافة دور في إعاقة الإبداع وان تعامل الفرد مع موهبته الإبداعية الداخلية على أنها شئ عادي وجزء من الحياة يوقف الإبداع نفسه وأشارت السرور إلى أن أكثر المعيقات شيوعا تكمن في النظام التعليمي التقليدي؛ والذي يركز على حرفية التعليمات وعدم الخروج عن الخط المألوف، واستخدم أسلوب قياس إمكانات الطالب في حفظ المادة التعليمية، وعدم تعرض الأطفال للمثيرات والخبرات الكثيرة والمتجددة، وعدم الخروج عن خطط المنهاج المقرر، ورفض الأفكار الجديدة أو التفسيرات غير العادية وعدم تشجيع الخيال.

ويشير ( جابر، 1998) إلى أن المدرسين الذين ينطلقون في أسئلتهم لطلبتهم من ماذا إلى لماذا لغاية حث تلامذتهم إلى ما أبعد من مجرد الاسترجاع، والذين يستخدمون استراتيجيات محددة جد ونوعية تجعل الدروس التي يدرسونها أكثر فاعليه في تحقيق أهدافهم في تنمية التفكير وأهدافهم في تحصيل المحتوى، والذين يبينون لتلاميذهم النقاط المحورية للتفكير الجيد، ويعلمونهم تعليما مباشرا؛ بحيث يعدلون عادات تفكيرهم المألوفة،

إن هذا كله يشكل أحد التجديدات الأساسية في حركة تعليم مهارات التفكير في ثمانينات هذا القرن، وأشار ( جابر، 1998) إلى مزايا هذه النمط التجديدي في الآتي:

صفحة 228

- إنها تساعد التلاميذ على نحو صريح في تنظيم طريقة اندماجه في عمليات التفكير على نحو أفضل.

- إنها تتضمن فرصاً لها مغزى، ليفكروا في التفكير الذي يقومون به ويتأملوه.

- إنها تلاحق بغير انقطاع التلاميذ بدروس معينه تتيح لهم ممارسة أكثر، ويعملون فيها نفس النوع من التفكير في مواقف جديدة.

- إنها تدار في بيئة صفية منفتحة؛ حيث تندمج فيها اتجاهات التفكير الجيد، وتتيح للتلاميذ الفرص ليظهروا هذه الاتجاهات ( كما في التعلم التعاوني). 

ويقدم ( المصري، 2003) مقارنة بين التفكير الإبداعي والتفكير النقاد؛ إذ يحدث خلط بينهما نتيجة للتقارب الكبير بين مفهومي التفكير الناقد والتفكير الإبداعي، وقدم المصري خلاصة مقارنات علماء التربية وعلم النفس في هذا الصدد، الموضحة في الجدول رقم (3): 

(انظر الجدول ص 229)

ويشير ( جمل والهويدي، 2003) إلى أهم الأساليب التدريسية لتنمية التفكير الإبداعي وأدرجها على النحو الآتي:

1 -استخدام نشاطات مفتوحة النهاية حيث تكون الإجابة أو النتيجة غير معروفة للتلميذ، ويكون على التلميذ أن يجتهد ويجمع المعلومات ويضع الفروض ويختبر صحة الفروض حتى يصل إلى النتيجة، كما عليه أن يتأكد من صحة النتيجة قبل إعلانها.

صفحة 229

2 -استخدام طريقة التقصي والاكتشاف وهي تؤكد على التعلم الذاتي المستقل وفي هذه الطريقة يسلك التلميذ أسلوب العالم في عمله؛ حيث يحدد المشكلة ثم يقوم يجمع المعلومات وفرض الفروض واختبار الفروض والوصول إلى النتيجة ثم تقويم النتيجة والتحقق من  صحتها.

3 -استخدام الأسئلة المتباعدة وذلك لأنها تسمح للتلميذ أن يفكر في اتجاهات متعددة، مما يهيئ الجو المناسب لانفتاح العقل واستخدام القدرات الإبداعية.

4 -الألغاز وتكون على شكل كلمات أو جمل أو صور متماثلة بعد تغيير بعض الأشياء في إحدى الصور مثلا ثم الطلب من التلاميذ تحديد الاختلاف، أو عرض صورتين مختلفتين والطلب من التلميذ تحديد أوجه التشابه ..الخ

5 -الألعاب التربوية وتتضمن الألعاب العلمية وهي تنشط القدرات العقلية بأسلوب مشوق و متع، كما يمكن استخدامها كوسيلة تعليمية، ويمكن تشجيع التلاميذ على صنع مثل هذه الألعاب لأنها تحث العقل على التفكير.

6 -جلسات إمطار الدماغ ) العصف الذهني( : وفيها يتم تقسيم التلاميذ إلى مجموعات؛ وكل مجموعة تضم من خمسة إلى ١٠ تلاميذ ، ويقوم المعلم بطرح السؤال على التلاميذ؛ حيث يقوم التلاميذ بتقديم الأفكار والإجابات دون تقييم او نقد من أي شخص؛ وذلك لأن انتقاد الأفكار عن عند طرحها يؤدي إلى إحباط الأفراد ومنعهم من توليد الأفكار، وتعتمد جلسات إمطار الدماغ على مبداین هما:

        1- تأخير النقد إلى ما بعد استكمال توليد الأفكار.

        2 -الاستفادة من كم الأفكار حيث أن كم الأفكار يرفع ويزيد من كيفها؛ أي أن العد الكبير من الأفكار يؤدي في النهاية إلى توليد أفكار تنصف بالأصالة  والجدة.

ودعا (حبيب، 2003) إلى إثارة التفكير والإبداع داخل حجرة الدراسة في عصر المعلومات من خلال ما يلي:

صفحة 230

1 -تنمية مهارات التفكير العليا التي تحقق الحلول الإبتكارية مثل التحليل، التركيب التقويم، وجوانب التفكير المختلفة مثل: مهارات التفكير الناقد والتفكير الاستنباطي، التفكير الاستقرائي، التفكير الإحاطي، مهارات ما وراء المعرفة.

2 -إتاحة بيئة ابتكاريه من خلال الأساليب الآتية الميل نحو التعدد والتغيير، توسيع وتعميق الاهتمامات عمليات التفعيل والتشغيل العقلي، التدريب على الاسترخاء الدراما الابتكارية السيكو دراما التوليد الذاتي الدراسات المستقبلية، لسوسيو دراما.

3 -الأخذ في الاعتبار النظم التي تنظم العمليات الابتكارية وتقيم الابتكار وهي:

الإبداع بالتصميم، حل المشكلات المستقبلية، حل المشكلات الابتكارية، تقديم الصور البلاغية الاختراق.

4 -تدريب المتعلمين على استخدامات وتطبيقات مهارات التفكير، وتطوير وسائل تعليم هذه المهارات في مدارسنا من خلال:

          1 -النظر إلى تحسين التفكير على انه وسائل لغاية وليس غاية في حد ذاته.

           2 -تحرير الدقة لغوياً في شرح ووصف التفكير.

          3 -تغيير النظرة السلبية المصطلح التفكير الناقد من جانب بعض المجتمعات.

          4 -مساعدة الطلاب في أن يكونوا أكثر مهارة في التفكير بالتدريج.

          5 -الاستعانة بالإستراتيجيات العملية في تعليم مهارات التفكير.

          6 -إثارة الانتباه للتفكير ينبغي أن تكون من جانب جميع الطلاب وليس فئة محدودة منهم.

أشارت ( عماد الدين، 2004) إلى ضرورة أن يتفاعل النظام التربوي الأردني مع عصر التطور المعرفي ومواكبة مستجداته في لغة التقنيات والتحديات الحضارية، وقدمت أبرز ملامح الدور المنتظر من النظام التربوي أن يمارسه في ظل المستجدات والتي يؤمل منها أن تنعكس إيجابياً على الفرد والمجتمع، ومن ذلك تنمية القدرات الإبداعية ولغة التميز والإنجاز لدي الطلبة، تكيفا مع حركة الانفجار المعرفي وتسارع التطورات في كافة المجالات.

صفحة 231

- تنمية القدرة على التعلم واكتساب المعرفة وتوظيفها وانتاجها وتبادلها.

- تنمية القدرة على البحث والاكتشاف والابتكار اكتشاف قدرات الفرد ورعايتها وتعظيمها.

- تمكين الفرد من تحمل مسؤولياته.

- تنمية القدرات العقلية والإبداعية دعماً للتفوق والتميز والإنجاز.

- تعزيز القدرة على المشاركة والعمل في فريق والتعايش معا.

- تنمية القدرة على الفهم المتعمق والتفكير الناقد والتحليل والاستنباط والربط.

- تعزيز القدرة على إحداث التغيير والتطوير.

- تعزيز القدرة على الحوار الإيجابي والنقاش الهادف وتقبل أراء الآخرين.

- تمكين الفرد من الاختيار السليم الذي يحقق رفاهيته في ظل مجتمع متماسك وتوسيع الخيارات المتاحة أمامه.

- کسر حواجز الزمان والمكان لتحقيق الذات في الإطار المجتمعي.

وانطلاقا نما سبق يبرز تكثيف دراسات الباحثين في كتاباتهم ومؤلفاتهم على أهمية التفكير الإبداعي، واعتباره محورا هاما من محاور حركة التجديد الواجب التزامها في البعد التربوي، إذ إنها تشكل مع مهارات التفكير الناقد وحل المشكلات وتنمية مهارات ما وراء المعرفة ومهارات تنمية الذكاءات المتعددة عناصر رئيسة تميز متطلبات العملية التربوية في صر الرقمية ومتطلباته التربوية.

التفكير الإبداعي والدراسات الحديثة: 

حظي هذا الموضوع المهم على اهتمام الباحثين والدارسين، ولذلك أمكن للباحثين في هذه الدراسة في حدود علمهم حصر هذه البحوث والدراسات حسب سنواتها على النحو الآتي:

  قام نیومان (1997) بدراسة موضوعها تحسين مستويات التفاعل المعرفي لدي معلمي المستقبل باستخدام المواد المبتكرة لتنمية الأساس المعرفي المعلوماتي، وقد

صفحة 232

اهتمت الدراسة بتغيير جانب واحد فقط في العملية التعليمية هي نوعية الاستجابات المطلوبة من المعلمين. وتم تطوير المواد المختبرة حتى يتم تحسين التعلم من خلال العرض المتعدد للمحتوى الجديد. وقد استخدمت أسئلة تتطلب معرفة وفهم واختيار وتركيب وتقويم.

وقد أشارت نتائج الدراسة إلى فاعلية تقديم الفرص المبدعة، وكذلك انتقاء الاختبارات وتحليل الأفكار المقدمة لدى المعلمين الطلاب (الطلاب كليات التربية) ؛  وذلك التنمية المستويات العليا من التفكير المعرفي هذا بالإضافة إلى أهمية التهيؤ لاستقبال أفكار اكثر تحدي. وأعطت الدراسة بعض التدريبات والتمرينات لتنشيط عمل المخ، لتمكينه من التغلب على معوقات أداء هذه الوظائف العاملية المعرفية المختلفة.

 كما قدم بوني و بيكر 1997 بحثا في مجال استراتيجيات أحد مهارات التفكير الإبداعي وهي اتخاذ القرار وعنوانه استراتيجيات لتعليم صنع القرار التشخيصي الكلينيكي حيث تم فيه تقديم برنامجاً تعليميا يسهل تنمية التفكير الإبداعي في ضوء أربعة أبعاد: هي تحديد مستوى دقة المعلومة، تحديد درجة التأثير التعرف على مدى لاتساق في التفكير، تقييم مدى قوة البرهان والمناقشة.

واشترك ها وسهولتر و شروك 1997 في دراسة موضوعها تحسين مهارات التفكير العليا لدى الطلاب وقدم البحث برنامجاً لتحسين مهارات التفكير من اجل تنمية حل المشكلات وصنع القرار لدى تلاميذ الابتدائية بالصفين الثاني والثالث الابتدائي، كما اشتملت عينات الدراسة على بعض التلاميذ من أصحاب الحاجات الخاصة. وقد اشترك المعلمون في إعداد الاختبارات القياس مهارات التفكير وتضم نماذج، مسائل حسابية، التعرف على الكلمات المقروءة الفهم القرائي. كما اشتراك المديرين والأباء في تحديد مستوى مهارات التفكير للتلاميذ. وكشفت البيانات عن ظهور بعض المشكلات نتيجة لعدم اكتمال حل الأسئلة، كما كان الحل غير كاف للمشكلات المعروضة على التلاميذ وأوضحت الدراسة إمكانية التدخل في كل من:

صفحة 233

- فنون اللغة والمواد الرياضية المعدة لإتقان حل المشكلة وصنع القرار مثل التفكير الاستقرائي، التحليل التوصل إلى الاستنتاجات الأنشطة المختلفة التي تضم التعلم التعاوني، التدريب على المهارات الاجتماعية، الأنشطة الأسرية المنزلية، الأنشطة التعاونية.

- إعادة تصميم فنون اللغة ومناهج الرياضيات التعكس إمكانية غرس المهارة في المنهج، وتجسد دور المعلمين في توجيه وارشاد مهارات التفكير وصنع القرار من خلال الأسئلة والنمذجة.

وقد استخدم في تنمية هذه المهارات كل من الخرائط الرسوم البيانية، الاختبارات السبعدية المهارات التفكير الإبداعي، وقد توصلت الدراسة - من خلال القياسات البعدية و درجات الكسب - إلى وجود تحسن في أداء التلاميذ على حل المشكلات وصنع القرار

كما ارتفع مستوى التفكير ذات الرتب الأعلى في مهارات أهداف الرياضيات وفنون اللغة. كما تحسن أداء اغلب التلاميذ في كل من التفكير في الوقت التقديرات النماذج، الحساب العقلي، وقد استجاب أولياء الأمور بإيجابية نحو الأدوار الأسرية.

كما اهتمت دراسة اييلر 1997 بظاهرة تحسين التفكير ذات الرتبة الأعلى على بعض طلاب التربية الخاصة من خلال تنمية التعلم التعاوني والمهارات الاجتماعية. وقد صمم الباحث مشروعاً لتنمية مهارات التفكير ذات الرتبة الأعلى لدى خمسة تلاميذ بالتعليم الابتدائي من أصحاب الصعوبات أو العجز، وذلك بهدف رفع مستوى مهارات حل المشكلة وصنع القرار، وتم بناء هذا المشروع من خلال دمج مهارات التفكير ذات الرتبة الأعلى في الرياضيات والعلوم وفنون اللغة مع أساليب التعلم التعاوني والأنشطة، وعن طريق نمذجة المهارة الفرعية للتفكير، وتمرس التلاميذ على المهارة في نشاط جماعي تعاوني مفتوح المحتوى وبدمج المهارات الخاصة ببنية الرياضيات والعلوم وفنون اللغة، وتمكن التلاميذ من توضيح وفهم المهارات، وقد ظهر ذلك في استخدامهم لتطبيقات هذه المواد الدراسية على حل المشكلات.

صفحة 234


وقد أشارت نتائج التدخل إلى ما يأتي:

- تحسن أداء التلاميذ وانتاجه وظهور ذلك في الانعكاس علي الحل الناجح للمشكلات في فنون اللغة والعلوم.

- تحسنت قدرة التلميذ على استخدام مهارات التفكير ذات الرتبة الأعلى.

- تحسن مستوى التلميذ في التعبير الكتابي والتعبير الشفهي.

- ارتفع مستوى التلميذ في القدرة على المشاركة الكاملة في الجهد الجماعي التعاوني.

- تأكدت قدرة التلميذ على استخدام المهارات الاجتماعية الملائمة.

وقدم حمزة الحلبي بحثا في المؤتمر الدولي العاشر لتكنولوجيا المعلومات وإعداد المعلم في مدينة سان انطونيو بالولايات المتحدة الأمريكية في الفترة ما بين 28 فبراير - مارس عام 1999 وعنوان بحثه هو الطريفة المبدعة في التدريس في عصر المعلومات وأوضح فيه أن

رسالة المعلمين كخبراء وماهرين في تنمية الإبداع ليس في تحديد أو ترتيب تحصيلي معين، إنما في تعليم الطلاب كيف يفكرون وكيف يقومون بعمل ارتباطات جديدة لم يتعلموها من قبل، كما أشارت الدراسة إلى أن إرشادات المعلمين وطريقة تدريسهم الفاعلة وقيامهم

بالتغذية الراجعة التكوينية إنما يرسم ويحدد للطلاب الطريق الذي هو بمثابة الجسر الرئيسي للمعرفة الأساسية الجديدة.

وقد أكد ( الحلبي، 1999)  على أهمية قيام المعلمين بالتدريس بالطريقة الإبداعية وبصفة خاصة فيما يتعلق بمناهج الرياضيات مع ضرورة الاستمتاع بعمليات التعلم والتدريس.

وقد أفسح الباحثان مساحة واسعة للموضوعات الآتية:

1 -المعلمون كأنبياء للإبداع Teachers As Prophets Of Creativity

2 -إن مجالات التعلم بالنسبة لتنمية العقل تتضمن كل من الإستراتيجيات المعرفية المهارات السيكو حركية، المعلومات اللفظية، المهارات العقلية، الاتجاهات.

3 -الوصول إلى ذروة الحماس والاهتمامات.

4 -الطريق إلى زيادة قوة الفرد إلى الضعف.

صفحة 235

5 -التخيل التباعدي الذي يتضمن أدوات خريطة العقل وأساليب العصف الذهن.

6 -الكمبيوتر كأداة معرفية وإسهامه في التعلم بطريقة ناقدة وإبداعية..

7 -تكنولوجيا التعليم وقدرتها على تشجيع الطلاب لاكتشاف مفاهيم الكمبيوتر واستثارة التفكير الناقد الإبداعي لديهم.

8 -كافأة السلوك الإبداعي والسلوك المغامر.

ويبرز ما سبق الرؤية المكثفة للأبحاث الغربية في مجال مهارات التفكير وتأكيدها على مهارات التفكير الإبداعي، وتفعيلها عبر استراتيجيات تعليمية تعلمية في الغرفة الصفية، في كافة المباحث الدراسية واعتبارها متطلبا لازما في عصر تسارع المعرفة والتقنيات.

العصف الذهني

ويقصد به توليد وإنتاج أفكار وأراء إبداعية من الأفراد والمجموعات لحل مشكلة معينة، من خلال وضع الذهن في حالة من الإثارة والجاهزية للتكفير في كل الاتجاهات التوليد أكثر قدر من الأفكار حول المشكلة أو الموضوع المطروح بحيث يتاح للفرد جو من  الحرية يسمح بظهور كل الآراء والأفكار.

واصل كلمة عصف ذهني هو حفز أو إثارة أو إمطار للعقل؛ فإنها تقوم على تصور حل للمشكلة على انه موقف يتضمن طرفان يتحدى أحدهما الآخر، فالعقل البشري )المخ من جانب والمشكلة التي تتطلب الحل من جانب أخر، ولا بد للعقل من الالتفاف حول المشكلة والنظر إليها من أكثر من جانب ومحاولة تطويقها واقتحامها بكل الحيل الممكنة؛ أما هذه الحيل فتتمثل في الأفكار التي تتولد بنشاط وسرعة تشبه العاصفة؛ وهناك أربع قواعد أساسية للتفاكر هي:

۞الحكم المؤجل بمعنى أن الحكم المضاد للأفكار يجب أن يؤجل حتى وقت لاحق؛ حتى لا تخسر أفكار الآخرين، وندعهم يعبرون عنها؛ بحرية، في ظل عدم التقييم لها في هذه المرحلة.

صفحة 236

۞التفكير بحرية، فالتفكير الحر، والأفكار الغريبة والمستهجنة، تعد مقبولة ولا بأس بها، فكلما كان الأفكار اشمل وأوسع كانت أفضل فالكم مطلوب وكلما زاد عدد الأفكار ارتفع رصدي الأفكار المفيدة.

۞تابع بمعنى دقق وحسن وعدل وابني على أفكار الآخرين، وفي هذه المرحلة يتم التركيب والتطوير للأفكار، وهنا يخمن المشتركون في الطرق التي يمكن فيها تحول افكار الآخرين إلى أفكار أكثر جودة، وربما تم دمج فكرتين ما، أو ابتكرت فكرة من مجموعة أفكار.

والعصف الذهني جاذبية ذهنية حدسية حيث أن الحكم المؤجل على الأفكار يتيح المناخ الإبداعي الأساسي عندما لا يوجد نقد أو تدخل ما يخلق مناخا حرا الجاذبية توليد الأفكار بدرجة كبيرة والعصف الذهني عملية ممتعة؛ لأنه لا توجد قاعد خاصة تقيد إنتاج الفكرة؛ ولا يوجد أي نوع من النقد أو التقييم.

وتتحدد مسؤوليات في عملية العصف الذهني، على أفراد المجموعة، إذ كل فرد  يشارك في المناقشة مع المجموعة أو حل المشكلة جماعياً والفكرة هنا هي الاشتراك في الرأي أو المزج بين الأفكار الغريبة وتركيبها وتتاح في تلك العملية حرية الكلام دون أن يقوم أي فرد برفض رأيه أو فكرته أو حله للمشكلة، وهو بحد ذاته عملية تدريبية، وطريقة هامة لاستثارة الخيال والمرونة والتدريب على التفكير الإبداعي.

ومن هنا يستهدف العصف الذهبي توليد أكبر عدد ممكن من الأفكار للمشاركين، في حل مشكلة مفتوحة خلال فترة زمنية محددة، في جو تسوده الحرية والأمان في طرح الأفكار بعيداً عن المصادرة والتقييم أو النقد، مما يولد الطاقات الابتكارية المبتكرة، عند المشاركين، وبالتالي عكس تلك المساحات التوليدية للأفكار، في المواقف التعليمية، ينعكس على المتعلم، وبنائه الشخصي، ومنهجه في التفكير في المشكلات، وبذلك الجهود الفكرية الحلها، من خلال رؤى تتسم بالجدة والإبداع.

ويمكن صياغة ثلاث مراحل لعملية العصف الذهني، هي على النحو الآتي:

۞تحدي ومناقشة المشكلة.

صفحة 237

۞المرحلة الأولى: ويتم فيها توضيح المشكلة وتحليلها إلى عناصرها الأولية التي تنطوي عليها، وتبويب هذه العناصر من اجل عرضها على المشاركين الذين يفضل أن تتراوح إعدادهم بين (۱۰-۱۲) فردا،ً ويفضل اختيار رئيس للجلسة يدير الحوار، وأخر يسجل كل ما يعرض في الجلسة  (مقرر الجلسة). 

المرحلة الثانية: ويتم فيها وضع تصور للحلول من خلال إدلاء الحاضرين بأكبر عدد ممكن من الأفكار وتجميعها وإعادة بنائها.

۞المرحلة الثالثة ويتم فيها تقديم الحلول واختيار أفضلها.

ويمكن إيجاز ما سبق بضرورة تحديد ومناقشة المشكلة، وإعادة صياغة المشكلة وتهيئة جو الإبداع والعصف الذهني، والبدء بعملية العصف الذهني، وإثارة المشاركين إذا ما نضب لديهم معين من الأفكار، يليها تقييم الأفكار واتخاذ القرار المناسب.

تهيئة جو الإبداع والعصف الذهني.    

التفكير ما وراء المعرفي: 

يصنف التفكير في التفكير بأنه تفكير عالي الرتبة؛ إذ يتضمن مراقبة نشطة لعمليات المعرفة؛ ويتمثل بالتخطيط للمهمة، ومراقبة الاستيعاب وتقويم التقدم، ويعرف بالتفكير ما وراء المعرفي؛ ويتضمن مهارات عدة؛ مثل وعي الفرد بإمكانياته وقدراته على التعلم

والحفظ وأي مهمات التعلم يمكن تحقيقها بشكل فاعل. 

وتنوعت التعريفات التي تناولت التفكير الما وراء معرفي ويمكن تحديدها على النحو الآتي:

•جوهر التعلم التأملي الذي يتكون من التخطيط (ما المشكلة؟ وكيف احلها ؟) والمتابعة (ما مدى كفاءتي في حل المشكلة ؟) والتقويم (ما مدى كفاءة إنجازي للعمل ؟).

•الاستخدام الواعي لإستراتيجيات التعلم.

•التفكير في التفكير.

صفحة 238

•معرفة وعي الفرد بعمليات المعرفة، وقدرته على تنظيم وتقييم ومراقبة تفكيره، وان هذه المراقبة تتيح للفرد فرصة السيطرة بفاعلية أكثر على عمليات المعرفة.

•التفكير في التفكير أو التفكير حول المعرفة الذاتية، أو التفكير حول المعالجات الذاتية، وهي تتضمن الوعي، والفهم، والتحكم وإعادة ترتيب المادة والاختيار والتقويم حيث تنشأ تلك المهارات من التفاعل مع المهمة.

•معرفة الفرد ووعيه بعمليات التفكير واستراتيجياتها، وقدرته على تقييم وتنظيم علميات التفكير الخاصة به ذاتيا.

•تمثيل داخلي للمعرفة ويتضمن ما يعرفه الفرد عن التمثيل الداخلي، من حيث كيف يعالج معلوماته، ويبتكر الحلول، وكيفية عمل خريطته الانفعالية في ضوء المهمة التي هو فيها.

•يقصد به العمليات والأفكار المعقدة والتي غالبا ما تكون مجردة؛ ويتضمن معلومات صريحة وضمنية.

ويمكن تحديد تعريفاً للتفكير ما وراء المعرفي بأنه التفكير في التفكير والمعرفة عن المعرفة بمعنى فهم عمليات التفكير، وخاصة العمليات التي يستخدمها الفرد عن نفسه وهو يتعلم في المواقف المتنوعة، وهو القدرة على معرفة ما نعرفه وما لا نعرفه في المهمة التي نحن فيها، ومركز تلك المهمة قشرة المخ؛ فالتفكير في التفكير هو القدرة على التخطيط والوعي بالخطوات والاستراتيجيات التي يتخذها الفرد لحل المشكلات والقدرة على تقييم كفاءة تفكيره.

ويسهم هذا النوع من التفكير في معرفة أي استراتيجيات التعلم أكثرها جودة وفاعلية، وتخطيط طريقة التعلم المهمة ما يحتمل نجاحها استخدام استراتيجيات تعلم أكثر فاعلية، وتدريب للفرد على مراقبته المعلوماته الحالية، ومستواها، ويسهم في معرفة الوسائل الفعالة في استدعاء المعلومات وتوظيفها.

صفحة 239

ويقصد بمهارات ما وراء المعرفة، تلك المهارات التي تسهم في معرفة الفرد الطريقة تفكيره وعمليات تعلمه أي كيفية تعلمه، ويرتبط بمهارات ما وراء المعرفة، ما يعرف بثبات التعلم ويتم هذا عندما عييع المتعلم كل ما يتعلمه وما يقرأه، في ضوء مخططات عقلية، الوعي بالاستراتيجيات التي تستخدم لمواجهة المهام المختلفة، والقدرة على اختيار الاستراتيجيات المناسبة لتكملة المهام المقصودة.

وتتضمن مهارات التفكير في التفكير، مهارة التنظيم الذاتي لميكانزيمات التفكير مثل السيطرة على المعرفة، وتتضمن مرحلة التنظيم الذاتي فكرة الإدراك والوعي بذاته، من خلال التحكم في أفعاله واتجاهاته واهتماماته تجاه ما يواجهه من مشكلات، والالتزام بأداء معين تجاهها، وذلك ناتج عن قرار متولد عن إرادة وقناعة ، الناشئة من وعيه بالموقف ومتطلباته، وذاته واستعداداتها، ويتضمن التنظيم الذاتي اتخاذ السلوك الإيجابي نحو تلك المهمة أو حل المشكلة، في ضوء التفاؤل بالنجاح في المهمة والسيطرة على العناصر التي تتطلبها في مساحات التفكير والتنظيم.

ويلي ذلك توظيف المعرفة في مرحلة التنظيم الذاتي في الأداء المنشود في المستخلصة المهمة ، وتتكون من المعرفة المعلنة، وهي الاحتياجات التي تتطلبها المهمة، والمعرفة الإجرائية التي تتضح عندما يكون الفرد قادراً على أداء المهمة، أو عندما يكون قادرا على تطبيق استراتيجية معينة لاستكمال أداء هذه المهمة، وذلك عند إدراك السبب وراء استخدام إجراءات معينة، وكذلك تتضح هذه المعرفة عندما يدرك الفرد السبب وراء تحديد ظروف و شروط معينة لأداء هذه المهمة، أو السبب وراء تفضيل إجراءات معينة عن إجراءات أخرى، أو إستراتيجية معينة عن إستراتيجية أخرى.

ويلي ذلك مهارات الضبط الإجرائي وذلك عندما يقوم المتعلم بعملية التقويم أو بالتخطيط أو باختبار مدى تقدمه لاستكمال المهمة التي يقوم بها، ومن ثم تحصل عملية التقويم وتستخدم هذه المهارة قبل وأثناء أداء المهمة، وتستخدم عندما يقرر الفرد اختيار الإجراءات والإستراتيجيات اللازمة لأداء المهمة، ويرتبط بذلك مهارات التنظيم التي يستخدما أثناء قيامه بالمهمة، وذلك لتوضيح مدى تقدمه تجاه استكمال تلك المهمة أو إيجاد حل للمشكلة بشكل ناجح فاعل.

صفحة 240

وليس بالضرورة أن يقوم الفرد بمهارات التقويم والتخطيط والتنظيم في ترتيب معين، لأن الفرد يستخدمهم معا،ً متحدين وليس بصورة منفصلة، بمعنى ليست كل مهارة تستخدم بمعزل عن المهارات الأخرى.

حل المشكلات: 

تتشكل المشكلات من حالة خلل في التوازن المعرفي والانفعالي، الذي يستثير الفرد، للبحث عن حلول تعد ضمانه لتوازنه المعرفي والانفعالي، من خلال عملية تمثل لها، ودمج في المخزون المعرفي لتشكل خبرة ذاتية، يمكن توظيفها كما هي في المواقف المشابهة، أو

تعديلها، أو حذف من إجراءاتها، أو الابتكار عليها في مواقف أخرى .

وتعددت التعريفات التي تناولت مفهوم المشكلة، ويمكن تحديدها على النحو الآتي:

۞موقف يحتاج إلى المعالجة والتجهيز، أو خبرة تبعث على الحيرة والإرباك، تواجه الفرد وتتطلب منه اتخاذ قرار أو بناء خطة حل، فهي موقف مثير لم يتعرض له الفرد من قبل.

۞هي الفرق بين وضعك الحالي وبين أهدافك، أو بين ما تعرف وما تريد.

۞استثارة فكرية نابعة من معرفة الفرد بواقع غير تام و محدد، وتفاؤل بإمكانية تحصيل مستقبل أفضل.

۞فرصة للتحسين، ومن هنا فإن المبدع يبحث عن المشكلات بدلاً من تجنبها.

ويمكن تعريفها بأنها موقف يستثير الفرد، ويترتب عنه حالة من الاختلال المعرفي والانفعالي والإرباك، تستوجب من الفرد مواجهة ذلك بإيجابية، واتخاذ القرار الحاسم بشأنه، لإعادة التوازن في ضوء تمثل ودمج وتوظيف لتلك القرارات الحاسمة.

و من هنا فان افضل استراتيجية في مواجهة المواقف التي تحدث الخلل المعرفي والانفعالي في صورة تناقضات أو قضايا معقدة ، وتكمن في فهم كافة جوانب المشكلة وأبعادها؛ قبل المضي في ترجمتها إلى مشكلات عملية قابلة للحل.

صفحة 241

وينبغي مراعاة قواعد محددة عند الخوض في عملية حل المشكلات، يمكن ادراجها على النحو الآتي:

۞التفكير الجاد من اجل اكتشاف الحل المناسب لها.

۞إدارة المشكلة بطريقة تحقق الأهداف المنشودة، وإيجاد حلول ناجعة بنجاح.

۞تكوين قاعدة معرفية تتضمن معارف ومعلومات يتم تحويلها إلى طرق وأساليب ينبثق عنها خطة عمل لتحديد اكثر الطرق ملائمة للحل، حيث يعقبها التقييم.

۞توظيف المعرفة السابقة، ومهارات التفكير العليا، بهدف الاستجابة الإيجابية إلى موقف غير مألوف يثير الخلل والرؤية المتناقضة، في محاولة دفع ذلك الغموض والتناقض. 

۞الوعي الذاتي، بأن حل المشكلة يتطلب مجهود فكري لتحقيق هدف أو حل مشكلة ليس لها حل جاهز.

۞مواجهة التحديات والعوائق التي تحول دون تحقيق التوازن المعرفي والانفعالي، من خلال محاولات السعي لحل المشكلة، في ضوء مدخلات محددة، وعمليات منظمة تستوجب مخرجات تتشكل فيما يعرف محل المشكلة.

ويمكن تحديد خصائص حل المشكلة بالآتي:

•تعد عملية معرفية تتضمن بذل جهود فكرية.

•تتضمن الانتقال من مرحلة بداية المشكلة إلى مرحلة الهدف.

•تتطلب ويتأثر بقدرات الفرد وخبراته ومعارفه السابقة.

•تحتاج إلى خطوات منظمة، لتحقيق التوازن المعرفي والانفعالي المنشود.

•تتطلب استراتيجيات محددة تبعاً لنوع المشكلة وطبيعتها.

•تستوجب تحفيز الدافعية والرغبة من قبل الفرد للتحرك نحو مرحلة الهدف وتحقيق حل المشكلة.

•حل المشكلة عادة ما يكون فرديا وقد يكون جماعيا.

صفحة 242

ويتطلب حل المشكلات القيام بأنشطة عقلية محددة، تتضمن النشاط العقلي ومعالجة المعلومات التي تشكلت مدخلاتها في الذاكرة القصيرة، وذلك بعد الحصول على المعلومات الضرورية واستدعاؤها من الذاكرة طويلة المدى التي تخزن كم هائل من المعلومات والمعارف التي قد تحتاجها أثناء حل المشكلات، وقد يعجز الفرد أو يفشل في اختيار وتحديد المعلومات التي ترد الذاكرة طويلة المدى نظرا لعدم خبراته أو عدم قدرته على استرجاعها بسبب عجز أو ضعف في ذاكرته، وعليه فإن هناك عدة عوامل هامة تحكم النشاط العقلي عند حل المشكلة، ومن ابرز هذه العوامل: 

•مدی قابلية المشكلة للحل: وهنا يجب أن تكون المشكلة قابلة للحل باستخدام استراتيجية واحدة أو عدة استراتيجيات.

•محدودة السعة وتتمثل محدودية السعة بفشل الفرد في استخدام المعلومات ذات العلاقة بالمشكلة، ونسيانه للمحاولات المبكرة التي قام بها للوصول إلى لحل.

 •مستوى الخبرة ودرجة المعرفة وهذا يعني أن الأفراد ذوي الخبرة في التعامل مع اقدر المشكلات ومن يمتلكون معرفة أكثر من غيرهم في موضوع المشكلة؛ يكونون على استيعاب المشكلة ومواجهتها؛ مستفيدين من خبراتهم السابقة في التعامل مع لمشكلة.

•الذاكرة العاملة المتاحة حيث أن السعة التذكرية للذاكرة العاملة تؤثر في فاعلية النشاط العقلي في حل المشكلات.

ويتطور حل المشكلات، ليغدو في مرحلة الحل الإبداعي المبتكر، عند مراعاة محددات معينة، في عملية دمج وتمثل الحلول في التكيف لها، والنظرة الجانبية لها، في ضوء حلول إبداعية غير مألوفة، تتسم بالجدة والفاعلية، من خلال الإحساس بالمشكلة وإيجاد الحقائق في إطار ما يتوفر لدينا من معلومات حولها، وتحديدها، وإيجاد الحلول في أطر بدائل متنوعة، ومن ثم تمحيص وتقييم تلك الحلول، لغاية أيجاد الحل المناسب، وقبوله في أطر القناعة والتوظيف.

صفحة 243

ومن هنا فإنه ترتبط بعملية حل المشكلات مهارات تفكير متعددة تحليلية ونقدية وتأملية واستقرائية، وتوليد ممطر للحلول، وتفعيل المهارات التفكير الجانبي، لإيجاد حلول تتسم بالجدة وعدم الألفة، وبعيدة عن التسلسل العمودي في التعاطي الفكري، والألفة المعتادة في التعامل مع حلول ما يماثلها من أنماط المشكلات.

التفكير الناقد: 

يسهم التفكير الناقد في تحرير الأفراد من التبعية للآخرين، واستقلالية الرأي، وتمكنه من استخدام معمق القدراته الفكرية؛ حيث يدخل في العلل والمسببات والمحاكمة المنطقية، وتقييم المواقف، ومهارة التمييز بين الصواب والخطأ فيتمكن من تقويم مسيرته باتجاه إتقان العمل والإبداع.

وتنوعت التعريفات بشأن التفكير الناقد، وادرجها على النحو الآتي:

۞فحص وتقييم الحلول المعروضة.

۞تفكير تأملي يركز على اتخاذ القرار فيما يفكر فيه أو يتم أداؤه.

۞عملية استخدام قواعد الاستدلال المنطقي، وتجنب الأخطاء الشائعة في الحكم.

۞التفكير الذي يعتمد على التحليل والفرز والاختيار والاختبار لما لدى الفرد من معلومات بهدف التمييز بين الأفكار السليمة والأفكار الخطأ.

۞قدرة الفرد على التحقق من ظاهرة ما وتقويمها استنادا إلى أسس ومعايير محددة.

۞تفكير تأملي وهادف ومسؤول ومعقول، يعمل على توجيه التفكير وتصحيح مساره، بما يتوافق والمعرفة والقيم الإنسانية العالمية.

۞تفكير يتصف بالحساسية للموقف، ويشتمل على ضوابط تحصيحية ذاتية، معتمدا على محكات معينة للوصول إلى الأحكام.

۞تفكير تأملي محكوم بقواعد المنطق والتحليل وهو نتاج المظاهر معرفية متعددة كمعرفة الافتراضات والتفسير وتقويم المناقشات والاستنباط والاستنتاج والتفكير الناقد عملية تقويمية تستخدم قواعد الاستدلال المنطقي في التعامل مع المتغيرات كما يعد عملية عقلية مركبة من مهارات وميول.

صفحة 244

۞نشاط ذهني يهدف إلى التعرف على الافتراضات والتفسير والاستنباط والاستنتاج وتقويم الحجج وهناك من يراها بأنها التفسير والاستيعاب والتحليل والتقويم والاستدلال والشرح وتنظيم الذات.

۞عملية استخدام قواعد الاستدلال المنطقي وتجنب الأخطاء الشائعة في الحكم.

۞مجموعة من العمليات العقلية التي يقوم بها المتعلم لتقويم المعلومات التي تواجهه حيث يستخدم التفكير العقلي المبني على مجموعة من الإجراءات والقواعد والمعايير التي يتم الحكم في ضوئها على مدى مصداقية المعلومات ومن ثم استخدامها في الغرض المطلوب.

۞علم يقوم على التفكير المستقل وإدارة الإنسان تفكيره بذاته، وهو الذي يمكن  الإنسان من استخدام مهاراته العقلية من اجل تحقیق تفكير يمتاز بالوضوح والدقة والمرونة والفاعلية والدفاعية المنطقية والحوارية.

۞نشاط تفكيري تطبيقي يتضمن اعتقاداً معقولا.

ويمكن تعريفه بأنه نشاط ذهني يستند إلى معايير محددة في تمحيص الأشياء وتقويمها في ضوء محاكمات منطقية توظف مهارات التفسير والتحليل والاستنتاج وتنظيم الذات.

وترتبط هذه التعريفات والمفاهيم بمفاهيم أخرى مثل قولنا شخصية ناقدة؛ ومجتمع ناقد؛ وإدارة ناقدة والإصغاء الناقد والقراءة الناقدة والكتابة الناقدة.

وانطلاقاً ما سبق فأن التفكير الناقد يهدف إلى التوصل إلى الحقيقة بعد نفي الشك عنها، عن طريق دراسة الأدلة المنطقية والشواهد المتوفرة وتمحيصها.

ويعد التفكير الناقد من متطلبات القدرة على التفكير الإبداعي؛ إذ يوظفه الباحث الساعي إلى الإبداع للمفاضلة بين الحلول التي يتوصل إليها من أجل اختيار اصلحها وأكثرها ملاءمة الطبيعة المشكلة المطروحة، والتفكير الناقد يتحدى أفكار وأعمال الآخرين يقومها بالبراهين والشواهد والأدلة العقلية دون تحيز، ويرفض التبعية للآخرين دون تفكير (طافش 2004، 81).

صفحة 245

سمات المفكر الناقد: 

يتسم التفكير الناقد بمهارات عدة تنعكس على المفكر الناقد؛ وتمكنه من تبني قرارات وأحكام قائمة على أسس موضوعية تتفق مع الوقائع الملاحظة والتي يبادر إلى مناقشتها علمياً بعيداً عن التحيز أو المؤثرات الخارجية التي تفسد تلك الوقائع أو تجنبها الدقة أو تعرضها إلى تدخل محتمل للعوامل الذاتية، ويمكن تحديد سمات المفكر الناقد التي حددها مارنادك (1996) على النحو الآتي:

۞تفتح الذهن نحو الأفكار الجديدة.

۞عدم المجادلة في الأمور التي لا يعرفها.

۞يعرف ويحدد مدى حاجته للمعلومات الإضافية.

۞يعرف الفرق بين النتيجة التي قد تكون حقيقية والتي يجب أن تكون حقيقية.

۞يعرف ويقدر تباين الأفكار حول المعاني المختلفة لكلمة أو موضوع ما لدى الناس.

۞يتجنب الأخطاء الشائعة لدى الناس في تحليله للأمور.

۞كثير التساؤل عما لا يفهمه.

۞يفصل بين التفكير العاطفي والتفكير المنطقي.

۞له كلماته ولغته الخاصة بحيث يستطيع توضيح ما يقوله للآخرين وفهم ما يقولون.

۞لديه الكثير من الأدلة التي تدعم بها آرائه ووجهات نظره.

۞يتراجع عن أفكاره في حال ثبوت خطئها.

۞كثير السؤال في حال عدم معرفته الموضوع ما.

۞يعترف بعدم معرفته إذا سئل عن موضوع ما وكان لا يعرف الإجابة.

مهارات تنمية التفكير الناقد: 

بعد الحكم الحذر والمتأني لما يبقى علينا قبوله أو رفضه أو تأجيل البث فيه، حول مطلب ما أو قضية معينة مع توفر درجة من الثقة لما نقبله أو نرفضه، هو ماهية التفكير الناقد، الذي تتطلبه منا مواقف الحياة المعقدة والغامضة، حيث تتطلب منها استخدام نوع

صفحة 246

التفكير القابل للتقييم بطبيعته؛ والمتضمن للتحليلات الهادفة والدقيقة والمتواصلة لأي ادعاء أو معتقد؛ ومن أي مصدر، وذلك من اجل الحكم على دقة وصلاحية والقيمة الحقيقية التلك المواقف المتضمنة للأشكالات والغموض، فالتفكير الناقد بعرف التربويين هو التطبيق

العالمي أو الدولي المهارات التفكير العليا مثل التحليل والتركيب وحل المشكلات والاستنتاج والتقويم.

ويتطلب التفكير الناقد حتى يؤتي ثماره منظومة من المهارات، التي تمكن الفرد من استخدام المحاكمة العقلية، للمواقف التي بين يديه، ويجري عليها عمليات فكرية تتضمن التفسير والتحليل والاستنتاج والتقويم والتمييز بين الافتراضات والتعميمات والرأي والحقيقة، ويمكن تحديد العمليات الفكرية التي يتطلبها التفكير الناقد على النحو الآتي (العتوم واخرون، 2005،221) :

۞تحديد المشكلات تحديدا دقيقاً مما يسهم في تحديد الأجزاء الرئيسة لبرهان والدليل.

۞إدراك أوجه الشبة والاختلاف بين الموضوعات والأشياء وهذا معناه القدرة على التصنيف والتمييز.

۞تحديد المعلومات ذات الصلة بالموضوع، وترتيبها حسب درجة ارتباطها بالموضوع وأهميتها.

۞صياغة مجموعة من الأسئلة من شأنه الإجابة عليها تحقيق فهم أعمق للمشكلة.

۞تقديم معيار أو مجموعة معايير موضوعة للحكم على نوعية الملاحظات والاستنتاجات.

۞تحديد مدى ارتباط الموضوعات والرموز ببعضها بعضاً وبالمشكلة عموما.

۞تركيز العمل على تمييز الصيغ المتكررة ومحاولة اختزالها.

۞الحكم على دقة وموثوقية المصادر. 

۞تمييز الاتجاهات والتصورات والرؤى المختلفة التي تعالج المشكلة.

۞تحديد البيانات والحكم على مدى كفايتها في معالجة المشكلة.

صفحة 247

۞توقع النتائج الممكنة والمحتملة لمختلف الظروف والأحداث التي تحيط بالمشكلة موضع التفكير.

۞القدرة على تمييز واستبصار الحلول التي لم تظهر صراحة بالبرهان والدليل.

ويمكن تحديد مهارات التفكير الناقد بالآتي:

۞مهارة الاستنتاج وهي عبارة عن ذلك النمط من التفكير الذي ينتقل فيه المتعلم من الكل إلى الجزء ومن القاعدة العامة إلى الأمثلة الجزئية.

۞مهارة الاستقراء وهي عبارة عن ذلك النمط من التفكير الذي ينتقل به المتعلم من الجزء إلى الكل؛ ومن . الأمثلة إلى القاعدة، ومن الحالات الفرعية الخاصة إلى الأفكار العامة.

۞مهارة التمييز بصورة عامة وهي عبارة عن المهارة التي تقوم على تحديد المعلومات ذات العلاقة بالقضية المطروحة للنقاش؛ على أن تكون هذه المعلومات صحيحة وموثوق بها.

۞مهارة التمييز بين المصادر الصحيحة والمصادر غير الصحيحة للمعلومات وهي عبارة عن المهارة التي تقف على تحديد ما إذا كان للمصدر الذي جاءت من المعلومات ذات العلاقة بالقضية المطروحة للنقاش يمكن تصديقة أو الوثوق به أم لا.

۞مهارة التمييز بين الحقيقة والرأي وهي عبارة عن المهارة التي يمكن من خلالها التفريق بين الحقائق والآراء عن طريق بيان الأسباب أو توضيح المبررات لاختيار عبارات على أنها تمثل الحقائق واختيار أخرى على أنها تعبر عن رأي أو مجموعة من الآراء.

۞مهارة التمييز بين الافتراضات والتعميمات وهي عبارة عن المهارة التي تتطلب أحكاماً قوية ودقيقة في أن واحد؛ فالافتراضات تتضمن تحديد وكشف مدى صدق المعتقدات والأفكار التي نأخذها على علاتها؛ أو نميل إلى قبولها كحقيقة واقعية، وأما التعميمات فهي تمثل عبارات أو قوانين أو مبادئ يتم اشتقاقها من مواقف أو معلومات من الممكن إثباتها أو التحقق منها.

صفحة 248

۞مهارة المقارنة والتباين وتستخدم تلك المهارة لفحص شيئين أو فكرتين لاكتشاف اوجه الشبة ونقاط الاختلاف بينهما، أو أنها تلك المهارة التي تبحث عن الطريق التي تكون فيها الأشياء متشابهة تارة ومختلفة تارة أخرى.

۞مهارة تحديد السبب والنتيجة وهي تلك المهارة التي تستخدم لتحديد العلاقات السببية بين الأحداث المختلفة أو تلك العملية الذهنية التي تبين كيف أن شيئاً ما يكون سبباً لأخر.

۞مهارة تحديد الأولويات وهي التي يتم عن طريقها وضع الأشياء أو الأمور في ترتيب معين حسب أهميتها.

۞مهارة التتابع وهي المهارة التي تستخدم من أجل ترتيب الحوادث أو الفقرات أو الأشياء أو المحتويات بطريقة منظمة أو أنها تعني وضع الأشياء بتنظيم محدد يتم اختیاره بعناية فائقة.

۞مهارة التعرف على وجهات النظر: وهي المهارة التي يتم من خلالها التعرف على وجهات النظر؛ وتحديد موقف الفرد من شي ما تمت ملاحظته؛ شخصياً أو تم عرضه شفوياً أو حتى مجرد أخذه بالحسبان ضمن قضية ما أو موضوع معين.

۞مهارة الخروج عن النمطية الجامدة ، والنمطية الجامدة هي شكل من أشكال التحيز ذات الصلة بصفات محددة تسوده بشكل عام بين مجموعة من الناس دون اعتبار أو احترام للأفراد وما بينهم من فروق فردية.

۞مهارة التحقق من التناسق أو عدمه في الحجج والبراهين وهي المهارة التي تتطلب اتخاذ القرار المناسب فيما إذا كان نوعية البراهين والحجج المتبعة على درجة كبيرة من المنطقية أو التناسق أو أنها متعارضة أو غير متناسقة معها.

۞مهارة تحليل المجادلات وهي المهارة التي تقوم على تحديد عناصر الموضوع مثار النقاش أو مثار المجادلة؛ ثم تحديد مواطن الضعف عند كل عنصر من هذه العناصر .

وهناك من يحددها بالآتي:

صفحة 249

مهارة التنبؤ بالافتراضات وهي قدرة تتعلق بتفحص الوقائع ويحكم تتعلق بتفحص الحوادث أو عليها في ضوء البيانات أو الأدلة المتوفرة.

وتباعاً لما سبق فإنه تبرز أهمية التفكير الناقد في صقل شخصية الأفراد، والمتعلم، لأنها تمكنه من الاختيار الواعي للأحكام الصحيحة والسليمة لما يعترضه من مواقف تتضمن اشکالات وغموض وحيرة؛ إذ تتيح جودة التعامل بموضوعية والنظرة الذكية وحسن تقويم الظواهر في عصرنا عصر المعلومات والمعلومات المتفجرة في كل لحظة، فهو آلية تفكيرية، تشكل صمام أمان لنا وتقينا الهزات النفسية والانفعالية، بحسن التصرف، و تحفظنا مما يداهم عقولنا وتفكيرنا يوميا.ً مياً من العالم الداخلي في حياتنا، والعالم الخارجي المحيط بنا من مضار وتخريب القدراتنا الفكرية  (سويد، 2003، 135).

ومن هنا تبرز أهمية تفعيل التفكير الناقد ومهاراته في المواقف الصفية، والحياة المدرسية، لغاية تشكيل أجيال ناقدة مفكرة، لا تسلم بكل ما يأتيها، بل محصه، وتغربله وتطرح تساؤلاتها حوله، وتناقشه، وتقومه، في ضوء معايير وثوابت محددة، لغاية الوصول إلى حلول تتسم بالحكمة والصوابية.

التفكير التأملي

تدور إشكاليات حول ماهية التفكير التأملي، وبدات الدراسات الحديثة في تناوله في أبحاثها التجريبية؛ وربما هنا نوع من المداخلات بينه وبين أنواع أخرى من التفكير، أو النقل هو حالة دمج بين أكثر من نوع تفكير واقرب التعريفات للتفكير التأملي تشير إلى أنه تأمل الفرد للموقف الذي أمامه وتحليله إلى عناصره، ورسم الخطط اللازمة لفهمه حتى يصل إلى النتائج، ثم تقويم النتائج في ضوء الخطط، ويهتم التفكير التأملي بفحص أسس الأفكار والبحث في مقوماتها استناداً إلى البراهين والأدلة، وربما نجد أن برامج الكورت لديبونو تتضمن في كورت ،(6) مهارات التفكير التأملي، على وجه التحديد، إذ يبرز أن هناك تداخل مباشر بينهما.

صفحة 250

        ويرتبط التفكير التأملي، بوجود مشكلة ما، وضرورة توافر حل لها، عبر وسائل الاستقراء والاستنتاج معا،ً ولا خلاف أن العقل يصبح نشطاً إذا ما واجه الفرد موقف مشكل، حيث تتشكل لديه رغبة جدية في تحقيق هدف محدد؛ لا يمكن تحقيقه بأنماط السلوك المعتاد؛ التي تتضمن الارتباط البسيط للخبرات والأفكار، فالفرد هنا يبدأ في تنظيم أفكاره في محاور تتعدى عمليات تفكيره المعتادة، ويوجه التفكير نحو حل يتسم بالكلية أو الجزئية للمشكلة.

. فالتفكير التأملي تفكير موجه حيث يوجه العمليات العقلية إلى أهداف محددة، لأن مجموعة معينة من الظروف التي نسميها بالمشكلة تتطلب مجموعة معينة من الاستجابات؛ التي تهدف إلى الوصول إلى حل محدد ، وهذا يعني أن التفكير التأملي هو النشاط العقلي الهادف الحل المشكلات.

. وتتضمن مراحل التفكير التأملي الوعي بالمشكلة؛ وفهمها ووضع الحلول المقترحة لها، وتصنيف البيانات، واكتشاف العلاقات، واستنباط نتائج الحلول المقترحة، سواء في اتجاه القبول أو الرفض لها، واختبار الحلول عمليا بمعنى ( التجريب )؛ وفي ضوئها يتم قبول أو رفض النتيجة (عبيد وعفانة، 2003، 50).

 ويشتمل التفكير التأملي على منظومة من العمليات العقلية، تستند إلى القدرات العقلية العليا والخبرة، بمعنى تفعيل عملية استدعاء المعلومات من الذاكرة الطويلة الأمد؛ التي تتلاءم مع المشكلة موضوع البحث وهنا يجب إجراء عملية التوازن المعرفي، والتخلص من خالة الاختلال الناشئة من المشكلة، من خلال إحداث حالة تواءم ودمج بين المعلومات المخزنة والجديدة، في ضوء نمط جديد من الاستجابات، وتمثله في العمل الفكري؛ الموجه الحل المشكلة ومن هنا يمكن أن تتميز العمليات العقلية المتضمنة في التفكير التأملي حالة من الميل والانتباه المركزان الموجهان نحو الهدف، وإدراك للعلاقات بصور ارتباطيه واختبار وتذكر الخبرات الملائمة؛ وتمييز العلاقات بين مكونات الخبرة، وتكوين أنماط عقلية جديدة وتقويم الحل النهائي في ضوء الفرضيات السابقة كتطبيق عملي.

صفحة 251

ومن هنا فان من أولويات التفكير التأملي تحديد المشكلات موضوع البحث؛ واستيعابها واستدعاء الأفكار المتعلقة بها؛ وتحليل الموقف، وتكوين فروض محددة واستدعاء القواعد العامة أو الأسس التي يمكن أن تطبق، وتقويم الاقتراحات بعناية وتشجيع، وتعليق الحكم والنتيجة بعد تمحيص الآراء؛ وتكوين اتجاه غير متحيز، ونقد كل اقتراح، واختبار أو رفض الاقتراحات بنظام، ومراجعة النتائج، وإحصاء النتائج واستخدام طرق الجدولة والتعبير البياني، والتعبير عن النتائج المؤقتة باختصار من حين الأخر خلال البحث (عبيد وعفانة، 2003، 50).

الذكاءات المتعددة: 

تعتبر دراسة الذكاء من الموضوعات التي لاقت اهتماماً ملحوظاً في علم النفس التربوي ويمكن القول بأنه لا يوجد موضوع قد تمت دراسته بهذا الزخم من قبل الباحثين مثل موضوع الذكاء، وبوجه عام ينظر إلى الذكاء على انه القدرة أو مجموعة القدرات التي تساعد الفرد في التعلم وفي حل المشكلات، وفي التفاعل بشكل جيد مع البيئة (عدس 1998). 

وقد اهتم العلماء يبحث طبيعة الذكاء والأمور التي يتألف منها، والطريقة التي يعمل بها، وذلك من اجل استخلاص ما قد يفيد في بناء الاختبارات المناسبة لقياسه، وهناك تنوع بين النظريات في النظر إلى ما يتصل بطبيعة الذكاء وجوانيه وطريقة عمله، ومع ذلك لم

يكن لهذه الاختلافات اثر على نوعية الاختبارات التي تم بناؤها، أو يرجع السبب لكون معظم الفحوص التي تم بناؤها كان هدفها قياس القدرة أو القدرات المتضمنة في التفكير المجرد.

وهناك نظريات متعددة للذكاء، واذكرها هنا على سبيل الاستشهاد لا الحصر، فهناك نظرية العوامل المتعددة، حيث يعتقد ثورندايك بأن الذكاء هو نتاج عدد كبير من القدرات العقلية المترابطة، ويعود الاختلاف بين فرد وآخر على عدد ونوعية الوصلات العصبية التي يمتلكها الفرد والتي تصل ما بين المثيرات والاستجابات ونظرية ثيرستون التي 

صفحة 252

تشير إلى أن الذكاء هو مجموعة من القدرات العقلية الأولية التي تتكون من سبعة عوامل، وان الذكاء يمكن قياسه من خلال اختبار عينة من الأداءات الخاصة بالمجالات السبعة الآتية؛ العدد الطلاقة اللغوي المعاني اللفظية، الذاكرة الترابطية، المحاكمة المكان السرعة الإدراكية  (عدس، 1998).  

وقام جيلفورد بتوسيع عدد العوامل التي أمكنه التعرف عليها في بناء الذكاء حيث حدد (40) عاملاً مختلفاً من عوامل الذكاء، والعوامل المقدرة له يهي (120) عاملا،ً حيث طور بنية ثلاثية الأبعاد للعقل البشري تتفاعل معا،ً في محاولة منه لتنظيم العوامل العقلية المتنوعة في منظومة واحدة، حيث تشمل ثلاثة أبعاد هي العمليات وتتضمن بدورها خمس قدرات عقلية هي الإدراك المعرفي والذاكرة والتفكير المنطلق والتفكير المحدد والتقويم والبعد الثاني هو المحتوى ويمثل محتويات العقل ويتضمن أربعة أنواع هي المحتوى الشكلي، والمحتوى الرمزي، والمحتوى المعنوي، أو الدلالي والمحتوى السلوكي، والبعد الثالث يمثل ما ينتجه التفاعل من العمليات والمحتويات دعاه بالنتاجات ( توق وعدس، 1984) .

ويرى بياجيه في نظريته في النمو العقلي بأن الذكاء يشكل نموذجاً هرمياً؛ يتضمن أربع مراحل أساسية؛ يأخذ كل منها شكلا من أشكال التنظيم المعرفي، وتتفاوت هذه الأشكال من حيث مستوى التعقيد، بحيث يكون كل شكل منها أكثر تعقيدا،ً من سابقه، إذ يوسع الإدراك المعرفي، عبر عملية التذويت، أي مجال التكيف البيولوجي للفرد ليغدو قادراً على الانتقال من مستوى إلى أخر، مبتدءاً بالمرحلة الأولى وهي المرحلة الحسية الحركية، التي تمتد من الولادة وحتى نهاية السنة الثانية تقريبا،ً ويفعل فيها الفرد الاحساسات والأفعال والمعالجات اليدوية لتمييز المثيرات، ثم ينتقل إلى المرحلة الثانية ويسميها بياجيه مرحلة ما قبل العمليات حيث يبدأ الفرد فيها بتكوين المفاهيم وتصنيف الأشياء، ثم في المرحلة الثالثة؛ مرحلة العمليات المادية يطور الفرد عمليات التفكير في أكثر من بعد وأكثر من طريقة واحدة ويتطور التصنيف وتكوين المفاهيم لديه، وفي المرحلة الأخيرة من تطور الذكاء والعمليات العقلية تأتي مرحلة العمليات المجردة والتي يبدأ الفرد فيها بالتفكير في الأشياء بطريقة مجردة بعيداً عن الأشياء والموضوعات المادية الملموسة للوصول إلى نتائج منطقية لحل المشكلات.

صفحة 253

وقام ستر نبرغ باقتراح نظرية للذكاء مكون من ثلاثة مكونات؛ أحدها يتعلق بالعمليات والثانية بالاهتمام بالسياق، والأخيرة يتعلق بالاستجابة للمواقف والخبرات الجديدة.

والنظريات متعددة في هذا المجال ، ويصعب حصرها، ولكن أثرت الإشارة إلى المهم منها، كتوطئة لنظرية جاردنر في الذكاءات المتعددة التي نشرها في عام 1983 ، إذ يعرفها جاردنر بأنها القدرة على حل المشكلات، أو إنتاج يكون ذا قيمة في ثقافة أو ثقافات متعددة، ومن خلال هذه التعريف يظهر الفرق بين المفهوم القديم للذكاء الذي اقتصر على حل المشكلات، والنظر إلى الذكاء على انه نفسه، بغض النظر عن انعكاسات المجتمع وثقافته على الفرد.

ومن هنا فأن مفهوم جاردنر أكثر دقة، حيث أصبح الذكاء هو الإمكانية الكامنة البيوسيكولوجية لمعالجة المعلومات التي تنشط ضمن إطار ثقافي لحل المشكلات، أو انه إبداع إنتاج ذو قيمة في مجتمع ما، فالذكاء ليس مادة قابلة للمشاهدة أو العد، بل هو على الأرجح مقومات كامنة في الخلية العصبية في الدماغ قد يتم أو لا يتم تنشطيها، وعليه فإن الذكاءات المتعددة هي القدرة على خلق منتج مؤثر أو تقديم خدمة ذات قيمة في الثقافة أو نظام من المهارات التي تجعل من الممكن على الشخص حل المشكلات في الحياة، أو إمكانية إيجاد وخلق حلول للمشكلات التي تحوي مجموعة معارف جديدة.

وقد عرف جاردنر من خلال كتابه أطر العقل، سبعة أنواع من الذكاء، ثم أضاف نوعين إليها في كتابه إعادة صياغة الذكاء، ومن الجدير بالذكر هنا أن جاردنر يؤكد بأن تلك الذكاءات ليست مجرد قدرات أو مهارات أو مواهب أو استعدادات، إنما هي ذكاءات بكل معنى الكلمة، وتعتبر نظرية الذكاءات المتعددة نموذجاً معرفيا،ً يحاول أن يصف كيف يستخدم الأفراد ذكاءاتهم المتعددة لحل مشكلة ما، وتركز هذه النظرية على العمليات التي يتبعها الفرد في تناول محتوى الموقف ليصل على الحل، وهكذا يعرف نمط التعلم عند الفرد بأنه مجموعة ذكاءات الفرد، في حالة عمل في موقف تعلم طبيعي، وفيما يلي هذه الأنواع التسعة للذكاءات المتعددة:

صفحة 254

الذكاء اللغوي:

هو القدرة على استعمال الكلمات بفعالية شفويا،ً كراوي الحكايات والخطيب والسياسي، أو كتابة كالشاعر وكاتب المسرحيات والصحفي، وهذا الذكاء يتضمن القدرة على التعامل مع قواعد اللغة وأصواتها ومعانيها ، وبعض استعمالات هذه الذكاء تتضمن علم البلاغة وفن الإقناع واستعمال للغة لتذكر المعلومات وتقوية الذاكرة.

وأشار ارمسترونج (1994) إلى الاستراتيجيات التعليمية التي يمكن ممارستها في تنمية الذكاء اللغوي لدى المتعلم، على النحو الآتي:

۞المناقشات سواء في مجموعات كبيرة أو صغيرة.

۞العصف الذهني.

۞التعينات الكتابية  (البحوث والتقارير). 

۞لعب الأدوار  (الدراما والتمثيل وقراءة النصوص). 

۞الألعاب التي تعتمد على الكلمات واللغة.

۞المناظرات.

۞المشاركة في إصدار مجلة.

۞عمل تسجيلات صوتية.

۞القراءة الفردية أو الجماعية.

الذكاء المنطقي – الرياضي: 

وهو القدرة على استعمال الأرقام بفاعلية كالرياضي، ومحاسب الضرائب والإحصائي وفهم العلاقات السببية جيدا كالعالم، ومبرمج الكومبيوتر، وهذا الذكاء يتضمن الحساسية للأنماط والعلاقات المنطقية وفهم السبب - النتيجة بين المفاهيم، وأنواع العمليات التي تستخدم في هذا الذكاء تتضمن التصنيف والاستدلال والتعميم والحساب واختبار الفرضيات.

صفحة 255

ويمكن استخدام استراتيجيات ذات فاعلية في مهام التصنيف والتحليل الرقمي من خلال التعليم المبرمج، واستراتيجيات التفكير الناقد التي تشتمل على التفسير والاستنتاج والتميز بين الافتراضات والادعاءات والرأي والحقيقة، والتقويم.

الذكاء المكـاني:

وهو القدرة على إدراك الفرد العالم المكاني - البصري، بشكل دقيق كالصياد والكشافة والدليل، وان يعيد تشكيل التحولات بين هذه المدركات كالمصمم والفنان والمهندس المعماري والمخترع ( ، وهذا النوع من الذكاء يتضمن الحساسية للألوان والخطوط والأشكال والنماذج والفراغات والعلاقات الموجودة بين العناصر والأشكال، ويتضمن أيضاً القدرة على التصور وإعادة تمثيل الأفكار المكانية.

وهنا من يعرفه بالذكاء الفراغي، حيث يتمتع أصحاب هذا الذكاء بقدرة على تخيل الفراغات وتقدير أحجامها وألوانها، ويكون لديهم إحساس قوي بالألوان والخطوط والأشكال والمساحات والعلاقة بين هذه العناصر بعضها بالبعض الآخر، ويتمكن صاحب هذا الذكاء من القدرة على تمثيل الأحداث بصرياً بالوصف أو الرسم، والتعبير عن الأفكار بالخطوط والأشكال.

ومن الاستراتيجيات التي تناسب الذكاء الفراغي كما حددها ارمسترونج (1994) الآتي:

۞استخدام الوسائل التعليمية خاصة الصور والرسوم والأشكال البيانية.

۞الأنشطة الفنية بأنواعها من رسم وتصوير فوتوغرافي.

۞التمثيل الدرامي وتصور الشخصيات.

۞المشروعات الجماعية الإنشائية.

۞تأليف القصص من الخيال.

۞استخدام الخرائط المعرفية.

۞الاكتشاف الحر.

۞المناظرات التي تتطلب خيالاً وإبداعا.

صفحة 256

الذكاء الجسدي – الحركي:

وهو القدرة على استعمال كامل الفرد جسمه لإظهار المشاعر والأفكار كالممثل الممثل الصامت، والرياضي، ويتضمن السهولة في استعمال الفرد يديه لإنتاج أو تحويل الأشياء، كصاحب الحرفة اليدوية والنحات والميكانيكي والجراح، ويتضمن أيضاً مهارات بدنية محددة، مثل التنسيق والموازنة والقوة والمرونة والسرعة والحساسية اللمسية.

ومن الاستراتيجيات التي تناسب هذه الذكاء، كما حددها ارمسترونج (1994)

۞الممارسات العملية.

۞المشروعات الجماعية.

۞الرحلات والاكتشاف ،

۞العب الأدوار والتمثيل المسرحي.

۞التعليم التعاوني.

۞المعمل والتجارب المعملية

۞التعلم بالعمل والممارسة.

۞المعسكرات الكشفية.

الذكاء الموسيقي:

وهو القدرة على إدراك وتمييز ونقل التعبير عن الأنماط الموسيقية؛ كالناقد الموسيقي، والمؤلف الموسيقي والمؤدي، وهذا الذكاء يتضمن الحساسية للإيقاع والنغم وطبائع وتعبيرات النغمات الموسيقية، ويمكن التفاعل مع هذا النوع من الذكاء، بدون آلات موسيقية، من خلال التفاعل مع الطبيعة وأصواتها الجملية.

ومن الاستراتيجيات التي تناسب هذه الذكاء، كما حددها ارمسترونج (1994)

۞الغناء الجماعي. 

۞الاشتراك في فرق للعزف والغناء.

۞الاستماع إلى الموسيقى كخلفية للموقف التعليمي.

صفحة 257

۞تنغيم الكلمات وفق إيقاع واضح.

۞الاكتشاف الحر أو الموجه لابتكار الحان موسيقية جديدة.

۞التعليم التعاوني.

الذكاء الاجتماعي:

وهو القدرة على الإدراك، والتمييز بين الأمزجة، والنوايا والدوافع والمشاعر لدى الناس الآخرين، وهذا الذكاء يتضمن الحساسية لتعابير الوجه والصوت والإشارات والقدرة على التمييز بين الأنواع المختلفة من التلميحات التي يبديها الأشخاص، وإمكانية الاستجابة بفاعلية لتلك التلميحات كالتأثير في مجموعة من الناس؛ لأتباع نمط معين من الأداء.

و من الاستراتيجيات التي تناسب هذه الذكاء، كما حددها ارمسترونج :(1994)

۞التعلم التعاوني.

۞العمل في مجموعات.

۞المناقشات بأنواعها.

۞المشروعات الجماعية في المدرسة، وفي البيئة المحيطة.

۞الألعاب الجماعية.

۞تمثيل الأدوار.

الذكاء الشخصي (الذاتي):

وهو معرفة الذات والقدرة على التكيف بناء على تلك المعرفة، وهذا الذكاء يتضمن وجود تصور واضح للفرد عن نفسه، قواه وإمكاناته والاهتمام بالمزاج الداخلي والنوايا، والدوافع، والرغبات والمحفزات، والقدرة على ضبط وفهم وتقدير الذات، وهناك من يسميه بالذكاء الاستقلالي وهو عين الذكاء العاطفي (الانفعالي) حيث يتميز أفراده بفهم عميق لذواتهم ومعرفة واقعية الجوانب القوة والضعف في شخصياتهم، ويقوم الفرد

صفحة 258

هنا بتحليل صادق لأحاسيسه الداخلية والطموحاته ورغباته، وهو يعرف مقاصده، ويعرف ما يدفعه إلى العمل وما يثبطه، كما انه يستمتع بالعمل بمفرده، ويتجنب الزحام والتجمعات ويتصف بأنه كثير التأمل وعميق التفكير، وغير متسرع في إبداء الرأي واقتراح الحلول.

ومن الاستراتيجيات التي تناسب هذه الذكاء، كما حددها ارمسترونج (1994):

۞استراتيجيات التعلم الفردي.

۞التعليم المبرمج.

۞المشروعات والتعينات الفردية.

۞الألعاب الفردية التي تتطلب تركيزاً معينا.

۞الاكتشاف الحر.

۞التجارب المعملية.

۞إجراء البحوث.

فهذه هي الأنواع السبعة الأولى من الذكاء التي طرحها جاردنر ؛(1983) اما النوعين اللذين أضافهما عام (1999) فهما::

الذكاء الطبيعي:

ويقصد به قدرة الشخص على فهم الطبيعة من حوله، وتصنيف ما فيها من حيوانات ونباتات وجمادات، وتتطلب مهارات الذكاء الطبيعي، والاشتغال بالزراعة والبستنة وعلم الأحياء، ويتضمن الحساسية والوعي بالتغيرات التي تحدث في البيئة عن طريق الخروج في رحلات استكشافية والتكيف مع البيئة.

الذكاء الوجودي

هو الحساسية والقدرة على معالجة الأسئلة العميقة حول وجود الإنسان، مثل معنى لنا الحياة التي يحياها، ولماذا نموت، وكيف أتينا على الدنيا، وان الذكاء الوجودي يسمح بمعرفة الأمور غير المرئية والنظر خارج العالم.

صفحة 259

ومن هنا فإن نظرية الذكاءات المتعددة تشير إلى أن كل شخص يمتلك نوع من أنواع الذكاء التسعة، فنظرية الذكاءات المتعددة ليست نظرية نوع النوع واحد محدد للذكاء، إنها نظرية تفعيل معرفي، وهي تشير إلى أن كل شخص لديه إمكانات في كل أنواع الذكاء التسعة، وان كل أنواع الذكاء تعمل معاً بطرق فردية مميزة لدى كل شخص، وبعض الناس يمتلكون مستويات عالية من الأداء في كل أو معظم الذكاءات، وبالمقابل فإن بعض الأفراد في مراكز الإعاقة يفتقرون إلى المظاهر الأولية المعظم أنواع الذكاء التسعة، ومعظم الناس في الوسط من هذين القطبين، متطورون جدا في بعض أنواع الذكاء، ومتوسطون في أنواع أخرى، وضعفاء نسبياً في البقية، ومعظم الناس يستطيعون تطوير كل ذكاء إلى مستوى ملائم من الكفاءة على الرغم من أن بعض الناس يعتبر إمكاناته في مجال ما فطرية، ومشاكله عصية على الحل، ولكن جاردنر يرى عمليا،ً بأن كل شخص لديه القدرة على تطوير كل أنواع الذكاء بشكل معقول وإلى مستوى عال من الأداء، إذا أعطي التشجيع الملائم والدعم والإرشادات النفسية المناسبة.

وهناك استراتيجيات متعددة ليكون الفرد ذكيا في كل صنف من أصناف الذكاء المتعدد، أو تطوير ذكاءاته في تلك التصنيفات، ومن هنا تركز نظرية الذكاءات المتعدد على التنوع الكبير التي ينمي الناس فيها مواهبهم ضمن الذكاء الواحد كما هو بين الذكاء المتعددة.

صفحة 260


التفكير في التصور الإسلامي

اهتم الإسلام بتنمية التفكير، وتوظيفه، بما يحقق وظيفة الاستخلاف المادي، بعمارة الكون والاستخلاف المعنوي، من خلال حمل رسالة التوحيد في الأرض.

وقد كفل الله تعالى حفظه، من سبل الضلالة، والتيه والحيرة، من خلال وضوح العقيدة الإسلامية، واجابتها عن الأسئلة الحائرة التي تدور في عقول البشرية، حول غاية الوجود ونهاية الكون والمصير الإنساني، ومهمة الإنسان في الأرض.

وقد خلق الله الإنسان من اجل عبادته تعالى وطاعته، والطاعة مرتبطة بمعرفة الله تعالى، ومعرفته تعالى هي سبب العبادة، ولا يمكن ان نرى الله تعالى بالحواس الخمس، لذلك لا بد من أن نراه تعالى من خلال خلقه، لاستخلاص فعل أسماء الله الحسنى في الكون، من الإبداع والتدبير والتصرف واللطف والقدرة والعلم، وهذا كله يسمى عبادة التفكر.

وبعد القرآن الكريم، خطاباً للعقل الواعي، حيث يوجهه، إلى أعلى مراتب النضج والكمال الإنساني، ومن هنا فإننا نجد أن العديد من النصوص القرآنية تحث على التفكر.

قال تعالى : ﴿۞ يَسْتَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِ مٌ كَرِيرٌ وَمُنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أُكْبَرُ مِن نا نَفْعِهِمَا وَيَسْتَلُونَاكَ مَا ذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْأَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ۝ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْتَلُونَكَ عَنِ الْمَتَمَى قُلْ إِصْلَاحٌ هُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَاتُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ۝ وَلَا ﴾ (البقرة:219-220)

والنص يشير على الغاية وهي أن تستعملوا أفكاركم في أسرار شرعه، وتعرفوا أن أوامره، فيها مصالح الدنيا والآخرة، وأيضاً لكي تتفكروا في الدنيا وسرعة القضائها، وفي الآخرة وبقائها، وأنها دار الجزاء فتعمروها (السعدي, 2002).

صفحة 261

وقال تعالى : ﴿ أَوَلَمَ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمَّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَايِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ۝﴾ (الروم:8) 

أفلم يتفكر هؤلاء المكذبون لرسل الله ولقائه في أنفسهم، فإن في أنفسهم، آيات يعرفون بها، أن الذي أوجدهم من العدم، سيعيدهم بعد ذلك، وأن الذي نقلهم أطواراً من نطفة إلى علقة، إلى مضغة، إلى آدمي، قد نفخ فيه الروح، إلى طفل، إلى شاب، إلى شيخ، إلى هرم غير لائق أن يتركهم سدى مهملين، لا ينهون ولا يؤمرون، ولا يثابون ولا يعاقبون (السعدي،2002) .

قال تعالى : ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاجِهِم مِن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مبين۝﴾ (الأعراف: 184) .

وقال تعالى ﴿۞  قُلْ إِنَّمَا أُعِظُكُم بِوَاجِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفَرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِيكُم مِّن جَنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَى عَذَابِ شديد۝﴾ (سبأ : 46) .

أي أطلب منكم أن تقوموا قياماً خالصاً لله ليس فيه تعصب ولا عناد، مثنى وَفَرَادَى، مجتمعين ومتفرقين، ثم تتفكروا في هذا الذي جاءكم بالرسالة من الله أبه جنون أم لا، فإنكم إذا فعلتم ذلك، بان لكم وظهر أنه رسول الله حقاً وصدقاً (ابن كثير،1991).. 

وقال تعالى : ﴿ قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكَ إِنْ أَنْبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَى قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ۝﴾ (الأنعام : 500) .

صفحة 262

ويقصد بها أن تتفكروا ؛ فتنزلون الأشياء منازلها، وتختارون ما هو أولى بالاختيار والإيثار (السعدي ، 2002) .

وأثنى الله تعالى على عباده المؤمنين، بأنهم يداومون على التفكر والتدبر في الكون قال تعالى: ﴿ إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَا يَاتِ الْأُولِي الْأَلْبَابِ۝ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامَا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ۝﴾ (آل عمران: 191)

ويني النص على المؤمنين، لأن من سماتهم التفكر في آيات الله تعالى، فهم يُتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّموات والأرض، ويعتبرون بصنعة صانع ذلك، فيعلمون أنه لا يصنع ذلك إلا من ليس كمثله شيء، ومن هو مالك كل شيء ورازقه، وخالق كل شيء و مدبره، من هو على كل شيء قدير، وبيده الإغناء والإفقار، والإعزاز والإذلال والإحياء والإماتة، والشقاء والسعادة (الطبري 1984) .

التدبر في الكون

يعد العقل البشري من أهم مكونات الكيان الإنساني، ومن اعظم النعم التي انعمها الله على الإنسان، وبغيره يتساوى الإنسان والحيوان في الفعل، وبغيره لا تتطور الحياة ولا تتقدم الحضارة، فالعقل هو القوة المدركة للحقائق، والأداة التي تصل بالإنسان إلى مراحل متقدمة في التفكير والاختراع والإبداع في شتى العلوم، والاستفادة منها .

وقد يصل العقل في استكشافه الحقائق إلى نتائج محسوسة وملموسة، غير أن بعض الحقائق لا يمكن للعقل أن يتوصل إليها، لكنه يدركها بما تتركه من أثار تبدو ظاهرة و واضحة في هذا الكون، ومن هنا أوجب الإسلام التفكر، وأعلى قيمة العقل، إذ انه بما حباه الله من قدرة على الإدراك يستطيع أن يدرك الحقيقة الكبرى، وهي وجود الله، ويفهمها عن طريق التدبر والتفكر في هذا الكون، وما فيه من صنع متقن ونظام محكم

صفحة 263

واتساق وتناغم وتوافق عجيب، فيرى بهذا كله أن الإتقان والأحكام والاتساق في هذا الكون لا يكون صدفة، بل هو اثر لقدرة واحدة مبدعة، وبالتدبر يصل إلى انه ليس في خلقه تعالى عبث ولا خلل، فيؤمن العقل عن طريق الأثر بوجود اله عظيم.

 ومن هنا بوزت أهمية النصوص القرآنية التي تدعو إلى استعمال عقله بالنظر والتدبر في الآيات المبثوثة في الكون للوصول إلى اليقين بوجوده وعظمته وقدرته، فإذا وصل الإنسان على التيقن من هذه الحقيقة والاقتناع بوجودها سهل عليه بعد ذلك أن يجد البراهين والدلائل على صدق ما جاء على لسان النبيﷺ ، من معلومات، تكون مادة العقيدة وأركانها..

قال تعالى : ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَا يَاتِ لأولى الأَلْبَابِ۝ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَمًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكُرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَطِلا سُبْحَنَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ۝﴾ (آل عمران: 191-190)

فالعقل البشري لا يستطيع تقديم صورة كاملة وواضحة عن عناصر العقيدة

السليمة، دون اللجوء إلى الوحي الإلهي، لأن العقل يقود صاحبه في هذا المجال إلى إجابات لا تتسم بالوضح والشمول والدقة، عن قضايا العقيدة، وبخاصة الجانب الغيبي منها، فقد يصل العقل البشري إلى ضرورة الأيمان باليوم الآخر، ولكنه لا يستطيع أن يقدم تصورا صحيحاً له ولما يجري فيه، لأنه ليس من الأمور المحسوسة التي هي في مجال بحث العقل الإنساني.

ولقد تاهت وشردت العقول عندما حاولت أن تصل إلى الحقائق الغيبية التي أثبتها القرآن الكريم دون الرجوع إلى الوحي الإلهي في الرسالة المحمدية، فعندما اتكلت إلى طاقاتها العقلية المحدودة، خرجت بأفكارها المربكة عما هي موضوعة له، فتاهت، ووقعت في

المنزلقات الفكرية، حائرة دونما جواب مقنع، وفقدت بذلك استقرارها العقلي والنفسي والروحي

صفحة 264 

في الوقت الذي نجد فيه النصوص الشرعية تدعو المسلم إلى التدبر، وتحقق له الإجابات عن التساؤلات المصيرية الحائرة في الإنسان عن الوجود وعلته وغاية وجود الإنسان والمصير، فضلا عما حفلت به النصوص الشرعية من دعوة للتفكر والتدبر، باعتبار أن الكون كله كتاباً مفتوحاً، يقرأ كل إنسان منه ما يستطيع، ويستنتج منه عظمة الخالق وكماله، وصدق الحقائق التي وضعها الله تعالى في هذا الكون، والتي تشير إلى إتقان الصنع ودقة الأحكام وتناسق الأجزاء، وقد بين القرآن الكريم ومكوناته وخصائصه وبين بعض قوانينه، والهف من خلقه واصل نشأته ونهايته

.قال تعالى : ( إِنَّ رَبِّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اليلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )(الأعراف:54)

.فالله هو سيدكم ومصلح أموركم أيها الناس، وهو المعبود الذي له العبادة من كلّشيء؛ الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام (الطبري، ١٩٨٤).وقال تعالى: ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُل تَجْرِى لِأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَيْرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ) (الرعد:2)

.فالله هو الذي رفع السموات السبع بغير عمد ترونها، فجعلها للأرض سقـفـا مسموكا. والعمد هي السواري، وما يُعمد به البناء (الطبري،1984)

.وعن غاية خلق الكون قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنْبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ

الصفحة265

وَالْأَعْتَب وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (النحل : (11-10 .

فالله الذي أنعم عليكم هذه النعم، وخلق لكم الأنعام والخيل وسائر البهائم لمنافعكم ومصالحكم، فهو الرب الذي أنزل من السماء ماء، يعني: مطرا لكم من ذلك الماء شراب تشربونه ومنه شراب أشجاركم وحياة غروسكم ونباتها. فيه ترعون (الطبري،1984).

         وقال تعالى: ( وَعَلَمَتِ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ أَفَمَن خَلْقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُأَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) (النحل 16-17).

 قال ابن عباس العلامات هي معالم الطرق بالنهار؛ أي جعل للطرق علامات يقع الاهتداء بها. وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ يعني به بالليل" (السعدي ،2002).    

       وعن سر الحياة في هذا الكون قال تعالى: ( وَتَرَى الْأَرْضَ هَا مِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَاعَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) (الحج:5). 

      والمتدبر في خلق الكون وإبداعاته، يستنتج انه وجد لهدف معين، قال تعالى: ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَعِبِينَ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ هَوَا لَّا تُخَذَ تَنهُ مِن لدنا إن كُنَّا فَاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌوَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ) (الأنبياء: 16-18).

      أي ما خلقنا الكون عبئاً وباطلاً؛ بل للتنبيه على أن لها خالقاً قادراً يجب امتثال أمره، وأنه يجازي المسيء والمحسن؛ أي ما خلقنا السماء والأرض ليظلم بعض الناس بعضاً، ويكفر بعضهم ويخالف بعضهم ما أمر به ثم يموتوا ولا يجازوا، ولا يؤمروا في الدنيا بحسنولا ينهوا عن قبيح. وهذا اللعب المنفي عن الحكيم ضده الحكمة (القرطبي،1984).

الصفحة266

وتلك الآيات الكونية، المبثوثة في الكون، والتي نص عليها القرآن الكريم، تدعو الإنسان إلى البحث عن غاية كل ظاهرة من ظواهر الكون، بحيث يستثمر تفكيره، في التدبر والتأمل، واستخلاص النتائج والعبر، ليكون في محراب الله تعالى منيباً اوابا، حيث ينأى فكره عن اللهو والعبث، ويكون تأمله في كتاب الكون المفتوح تأملاً منطقياً علمياً، ومن هنا وجه القرآن الكريم العقل إلى أمرين هما غاية في الأهمية 

             وما ذكر سابقاً يقود المسلم، إلى أن يستثمر تفكيره وطاقاته بما يحقق مكانته ومنزلته في الحياة الآخرة، فيعمل لها، ويجاهد نفسه في الحياة الدنيا، ويتحمل الصبر والبلاء والمصائب، ولا ييأس ولا يتذمر من مشقة العمل من اجل الوصول على المنزلة الرفيعة التي يستحقها في الحياة الآخرة، لأنها غالبة، ولا يصل إليها الإنسان إلا إذا دفع ما تستحقه، والمتدبر لذلك يجدها من بدهيات الذكاء الوجداني، من خلال تحفيز الذات لتحقيق أهدافها في الحياة، وتحمل ما يعترضها في ذلك، والتزامها تعليمات الصانع، في ضبط انفعالاتها وسلوكها، لغاية بلوغها ما تشدو إليه في الدنيا والآخرة.

الصفحة267

        والقرآن الكريم يحث على التدبر والتفكر في تجارب السابقين، والبحث والإطلاععلى أثارهم لاستنتاج دلالات جديدة تنم عن أحوالهم واستخلاص العبر منها، لتوظيفها في الواقع المعاش، ويؤيد ذلك، قول الأمام علي العقل تزيد بالعلم والتجارب وهكذافإن العقل يتدرج في النمو من التجارب البسيطة إلى التجارب المعقدة (طافش،2004).

      قال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ هُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ مَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِمَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَرُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) (الحج:46).

       أي أفلم يسيروا هؤلاء المكلبون بآيات الله والجاحدون قدرته في البلاد، فينظروا إلى مصارع ضربائهم من مكتبي رسل الله الذين خلوا من قبلهم، كعاد وثمود وقوم لوط وشعيب، وأوطانهم ومساكنهم، فيتفكروا فيها ويعتبروا بها ويعلموا بتدبرهم أمرها وأمر أهلها سنة الله فيمن كفر وعبد غيره وكتب رسله، فينيبوا من عنوهم وكفرهم، ويكون لهم إذا تدبروا ذلك واعتبروا به وأنابوا إلى الحق، قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بها حجج الله على خلقه وقدرته على ما بينا، أو آذان يَسْمَعُونَ بها اي تصغي لسماع الحق فتعي ذلك وتميز بينه وبين الباطل، فإنَّها لا تعمى الأنصار، أي أنها لا تعمى أبصارهم في أن يبصروا بها الأشخاص ويروها، بل يبصرون ذلك بأبصارهم، ولكن تعمى قلوبهم التي في صدورهم عن الحق ومعرفته (الطبري،1984).

ماهية الفكر في التصور الإسلاميإن للإنسان ضربان من الإدراك؛ ضرب حسي تؤديه الحواس بمعونة العقل، فيتم لها إدراك الكائنات الحسية المحيطة بنا في السموات والأرض، ويسمى الإدراك الحسي، والضرب الثاني تؤديه خاصية عقلية تسمى الفكر، وهي التي تدرك دلالة الكائنات على الله.

الصفحة268

    أي أن الإدراك الحسي خاص بإدارك الجانب المادي من الكون، والإدراك الفكريخاص بإدراك الجانب المعنوي الممثل في دلالة الكائنات على صفات الخالق تعالى ، وصفاتالقدرة والعلم والحكمة والرحمة والكرم والود وغيرها من صفاته تعالى الحسني.

فإذا سلم للمرء هذان الأدراكان، امتلأ وعيه بمنطق المحسات وبمنطق المعنويات كليهما، ومنطق المحسات يتكون بمعرفة مادة الكائنات وعناصرها وخصائصها وقوانينها وكيفية تناولها وتنظيم دنيانا ومعاشنا.

      أما منطق دلالة الكائنات على الله، فالكائنات هي أثار صفاته تعالى، فإذا ابصر الفكر تلك الآثار فإنه لا يبصر جرماً ولا لوناً ولا نحوهما ، إنما يبصر الطابع المعنوي الذي يستشعر به القلب وجدان صفة العظمة، ومعناها وجدان صفة قدرته تعالى ومعناها، ووجدان صفة الرحمة ومعناها ووجدانات ومعاني صفات البر، والود والكرم، والخير والإحسان، وغيرها من صفاته تعالى عزّ شأنه وجلاله، فيقوم بالقلب كيان من المعنويات، التي تمثل أثار الصفات القدسية، مع كل صفة الوجدان الشريف الذي يناسبها، وهذا الكيان الجليل أو هذا البناء المعنوي الرائع هو لب معرفتنا بالله تعالى، وهو الذي نسميه الأيمان. (الخولي، 1984،16). 

    وعند تعمق الأيمان في المرء يسيطر الوجدان الفكري بكل حقائقه العلوية ووجداناتـه، عـلـى مـنطق المحسات، ويغدو الإدراك الحسي منقاداً متوجهاً بكل إمكاناته إلى الغايات والمقاصد التي يرسمها له منطق المعنويات غايات الحق، ومقاصد الخير والعدل، وهو هو النمط الأمثل لصلة الإنسان بالكون وبالله، وهي مقتضى الأيمان بالله تعالى، وهو نابع من التفكر في عظمة آيات الله تعالى المبثوثة في الكون، وانعكاسها على تكريم الإنسان، وتفكر المسلم في القوانين الاجتماعية، وقوانين الحياة، وما ينبثق عنها من أن الأمن والسلام والرحمة والفوز في أن يخطب ود الله تعالى، ويؤثر الآخرة، فيكون له المكانة والشأن في الدنيا والآخرة، ويتحقق هذا، من خلال التدبر في آيات الله تعالى، التي تخاطب العقل الواعي والإرادة الملتزمة، في خطاب القرآن الكريم للفرد المسلم، لكي يرتقي بذاته، وبمجتمعه، في ضوء رسالة الإسلام الخالدة.

الصفحة269

وإذا انفرد الإدراك الحسي بالعمل والنشاط وتخلف أو توقف الإدراك الفكري لسبب من الأسباب، فلم يعد يبصر الدلالات المعنوية ويقف على القشور الزائفة، فإنه لا يبقى في وعيه إلا منطق المحسات المادية الذي ننظم به معشانا وتنسلخ معه وصاية المنطق الفكري عن الإدراك الحسي، فلا يكون له من رائد أو موجه يرتاد له الغايات والمقاصد إلا اهواء الحس ورغباته الطائشة، فيكون نموذجاً للمثل الذي قال فيه تعالى: ( أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَلَهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ، وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةٌ فَمَن يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) (الجاثية:23).

أي لا يهوى شيئا إلا ركبه لأنه لا يؤمن بالله ولا يحرم ما حرم، ولا يحلل ما حلل، إنما دينه ما هويته نفسه يعمل به (الطبري،1984).

فهنا يكون تصوره وحكمه على المعنويات والإلهيات هو تصور وحكم على غير موجود، ومن هنا ينزلق الماديون الحسيون إلى درك الإنكار والجحود، ويقولون أن الدين خرافة .

التفكير و المجتمع

يرتبط التفكير بقضايا المجتمع و أصلاحه، ويدخل من متطلبات التفكير أن يتبين المسلم بفكره العلة الكبرى التي تتسلسل منها علل المجتمع كله، من خلال المادية بصورتها المتوحشة، حيث حلت بالقلوب، فعلقتها بعبادة المال والشهوات والأهواء المختلفة.

فهي العلة الكبرى التي أورثت الإنسانية هذه القلاقل المضطربة في كل صقع والعداوة والبغضاء في كل قلب والحروب الخربة المدمرة بلا انقطاع، وهم مع ذلك لا يلتفتون إليها، وإذا التفتوا لا يجدون العزيمة للتخلص منها. ومن هنا فإن علاج أي مسألة على غير هذا الأساس الذي ذكرت لهو علاج ميئوس من نجاحه، وكل ما يبذل فيه من جهد إنما هو امتداد للداء، وتأخير للشفاء، فليرجع المسلم بتفكيره الجاد، إلى كل ما يعرض له من فساد في أوساط المسلمين أو غير المسلمين، إلى

الصفحة270 

هذه العلة الكبرى؛ وليعالج ما هو بصدده بعد ذلك معالجة الفطن بما يجد في كتاب الله عز وجل من طب وشفاء ،اجتماعي في حل المعضلات التي تنخر في المجتمع فسادا، وتذويباً في ثقافات غريبة عنا، ولا تمت إلى ثوابت المنهج الإلهي بصلة.

ويمضي التفكير في مسؤولياته الاجتماعية في حل أزمات المجتمع، وتقديم حلول لهافي ضوء أحكام الشرع، من خلال الالتزام بهذين المحورين:

الصفحة271

الإسلام والتفكير المجرد :

هناك من يتعامل مع الفكر، في ضوء الدعوة الإسلامية، في ظل عرض معاني نظرية عقلية محضة، لا هم له إلا أن يستوعب العلل والمعلولات، ويتعمق في التفكير التجريدي ليحيط بالكليات والجزئيات ومختلف الفروض والحقائق، وهذا منهج لا تحرك به الجماهير في الدعوة، ولا تثار به النهضات لأن التفكير الحقيقي هو في المنحى العملي، وهذا ما يعتمده الشرع، ويحض عليه، حيث يصلح بسنة الله تعالى ما شذ عن سنة الله تعالى، في بساطة دونما تقيد ولا تكلف.

       فالله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، عرض الحقائق والمعاني عرضاً عملياً محسوساً ولم يعرضها عرضاً نظرياً، فقدرته تعالى لم يحدث عن كنهها، وكيفها، وعن أسرارها الخفية، ومعانيها التجريدية؛ بل عرضها عرضاً سافراً في خلوقاته؛ فنحن نراها في البحر والجبل والزهر والشجر والشمس والقمر، ونحو ذلك مما تقع عليه العين في الأرض والسماء، وفي هذا العرض العملي مقنع لإدراكها، والشعور بها.

        ولم يحدثنا الله تعالى عن فلسفة الموت والحياة، بل ساق ذلك فيما نراه كل يوم من مواليد ووفيات وتطور بين الميلاد والوفاة، فما عليك إلا أن تنظر وتتأمل، وتدرس ثم تعتبر، ويرى الله - والحق فيما يراه أن هذه القدر كفاية، إذ لا تتسع طاقتنا العقلية لأكثر منه، ولا يتعلق نفعنا المادي والروحي بما وراءه.

التفكير والأسلوب التصويري :

    يرتبط التفكير، وتفعيل مهاراته في المهمة الدعوية، بتفعيل الأسلوب التصويري في التفكير والخطاب، نبل الفروض والتنظير، والخطاب الإنشائي من . خلال صور علمية  للفضائل والسلوك المتحضر، وعرض المعاني، بحيث تكون الصور حية مؤثرة، تتصف بالحيوية والحراك تبث الحركة في العقل تفكيرا، وتبث الحياة في القلب انفعالا إيجابياً، وحين تدب الحياة والحركة في الفكر والوجدان ،فإنها ،متتاليات تتولد، مشاعر مفعمة بالجدة و تفكيراً عمليا إيجابياً، يتولد عنه طاقة تأثيرية، تجعله يتجاوز الفكرة النظرية، إلى بعد الحياة

الصفحة272


مع الفكرة، وتحمل ما تتطلبه من معاناة وعمل، فتغدو تجربة وواقع، يستلهم منه العظات والعبر، ويتسم بالترسخ وعدم النسيان.

التفكير والقصة القرأنية

          تتنوع الأساليب التصويرية، في توجيه الخطاب والفكر، ومن ذلك القصة وما تحمخل من تصور لنواحي الحياة، فتعرض لنا الأشخاص وحركاتهم وأخلاقهم وأفكارهم واتجاهات نفوسهم وبيئتهم الطبيعية والزمنية تعرض أعمالهم وتصرفاتهم ونقاشهم، وكلها مبعث فاعل للتفكير وتفعيل مهاراته، فيخوض الفكر في الغوص فيما يستكن في النفوس من طباع، وما يهجس فيها من خواطر وانشراح صدر لأهل الخير، وضيق ذرع بذوي النفس المظلمة، والوسائل الملتوية، حتى لكأنك تراهم في مخيلتك التفكيرية، وتسمع منهم سمع الأذن، وتعاشرهم بمخيلتك، وتحيي بينهم.

وخير القصص الذي تتحقق فيه هذه السمات الإعجازية، القصص القرآني، قال تعالى : ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ) (يوسف:3).   

يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: نحن نقص عليك يا محمد أحسن القصص بوحينا إليك هذا القرآن، فنخبرك فيه عن الأخبار الماضية وأنباء الأمم السالفة والكتب التي أنزلناها في العصور الخالية. وَإِن كُنتَ مِنْ قَبْلِ أن نوحي إليك لَمِنَ الغافِلينَ، أي لا تعلمه ولا شيئا منه " (الطبري،1984).

وقال تعالى : ( كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ مَاتَيْنَكَ مِن لدُنَّا ذِكْرًا ) (طه:99).

الصفحة273


    وكذلك القصص النبوي، وهي منظومة قصص كان يختارها النبي صلى الله عليه وسلم من تاريخ السابقين ليشرح ما يريد من المعاني بالأمثلة الحية الواقعية، وتحمل معها قيم سامية عالية، تنعكس سلوكا معطاء في الحياة، وتستلهم منها العظات والعبر.

   ويستأنس بقصص من وحي حياة السلف الصالح، وما يحمله الواقع، لغاية تقريب الرؤية الذاتية للأفراد الحقيقة العمل للآخرة، وإيثارها أمام مغريات الحياة الدنيا.

التفكير وضرب الأمثال :

المثل هو قول واضح، موجز، حكيم، ينتصب صدقه في العقول، فيألفه الناس، ويجري بينهم، ويشيع في أحاديثهم. 

وهو قول يزيد به المرء من مصداقية قوله، ويلتمع في جوانبه، شيء من الفكرة التي هو بصددها، فهو مفتاح فكري ووجداني، تفتح به مغاليق النفوس أو ثغراتها، التي تعيق سلوكها الإيجابي في الحياة، وفيه حركة تجديد وتنشيط، لأنه تشبيه حال ما بأقرب الأمثال شبهاً، وأكثرها مماثلة لها، وهو تشبيه يحدث في النفس حركة التفات بارعة يلتفت بها المرء من الكلام الجديد إلى صورة المثل المأنوس، فيلمح ما بينهما من التشابه أو التطابق، فلا يلبث أن يتلقى الأمر الجديد بمزيد من القبول والارتياح، ويجري ذلك في اقل من لمح البصر، وهذه الحركة النفسية البارعة لها لما لسائر الحركات من تجديد وتنبيه وتنشيط، علاوة على إن المثل يمتاز بخلابته ورشاقة موقعه في النفس وطرافته التي تتجدد ولا تبلى، مما ترى أثره يبرق في وجوه السامعين ونظراتهم وثغورهم، أو على الأقل مما يشعر السامعين بأن سرائرهم تبتسم له وتهش (الخولي، 1984 ،68).

قال تعالى: (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًّا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَيعِ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقِّ وَالْبَطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ) (الرعد:17).

الصفحة274

وهذا مثل ضربه الله للحق والباطل والإيمان به والكفر، يقول تعالى ذكره:

مثل الحق في ثباته والباطل في اضمحلاله مثل ماء أنزله الله من السماء إلى الأرض فسالَتْ أَوْدِيَةٌ بقدرها يقول: فاحتملته الأودية بملئها الكبير بكبره والصغير بصغره، فاحتمل السَّيْلُ زَبَدًا رَابيا يقول: فاحتمل السيل الذي حدث عن ذلك الماء الذي أنزله الله من السماء زبدا عاليا فوق السيل. فهذا أحد مثلى الحق والباطل، فالحق هو الماء الباقي الذي أنزله الله من السماء، والزبد الذي لا ينتفع به هو الباطل. والمثل الآخر: وَمِمَّا يُوقدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّار ابتغاء حلية يقول جل ثناؤه: ومثل آخر للحق والباطل، مثل فضة أو ذهب يُوقد عليها الناس في النار طلب حلـية يتخذونها أو متاع، وذلك من النحاس والرصاص والحديد، يوقد عليه ليتخذ منه متاع ينتفع به زبد مِثلُهُ يقول تعالى ذكره: ومما يوقدون عليه من هذه الأشياء زبد مثله، يمعني: مثل زبد السيل لا ينتفع به ويذهب باطلاً، كما لا ينتفع بزيد السيل ويذهب باطلاً ورفع. الزبدة بقوله : ومِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ومعنى الكلام ومما يوقدون عليه في النار  زید مثل زبد السيل في بطول زبده وبقاء خالص الذهب والفضة، ويقول الله تعالى: كذلك يَضْرِبُ الله الحق والباطل يقول: كما مثل الله الإيمان والكفر في بطول الكفر وخيبة صاحبه عند مجازاة الله بالباقي النافع من ماء السيل وخالص الذهب والفضة، كذلك يمثل الله الحق والباطل. فأمَّا الزَّبَدُ فَيَذهَبُ جُفَاءً يقول: فأما الزبد الذي علا السيل، والذهب والفضة والنحاس والرصاص عند الوقود عليها، فيذهب بدفع الرياح وقدف المـاء بـه وتعلقه بالأشجار وجوانب الوادي. وأما ما يَنْفَعُ النَّاسَ من الماء والذهب والفضة والرصاص والنحاس، فالماء يمكث في الأرض فتشربه، والذهب والفضة تمكث للناس (الطبري،1984).

     ومن العبارات النبوية التي صارت أمثالاً قوله لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين " و أن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى ومعناه أن المسافر الذي يسير بما هو فوق طاقة دابته، قد يهلك دابته من العنف، فينبت - ينقطع - في الطريق، فيخسر خسارتين، فلا هو قطع المسافة، ولا هو أبقى على دابته وقد قاله الرجل اجتهد في العبادة حتى غارت عيناه.

الصفحة275


التفكير والحوار:

اهتم القرآن الكريم بتنمية مهارات الحوار، لدى الفرد المسلم التالي والمتدبر لكتابه تعالى، من خلال تتبع منظومة الحوارات التي حقل بها القرآن، وما تتضمنه من توظيف للمهارات الفكرية، وارتقاء بالفكر إلى أعلى مستوياته، قال تعالى: ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَندِ لَهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبِّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) (النحل :125). 

     أي: ليكن دعاؤك للخلق مسلمهم وكافرهم إلى سبيل ربك المستقيم، المشتمل على العلم النافع، والعمل الصالح، بالحكمة، بمعنى ؛ كل أحد على حسب حاله وفهمه، وقبوله وانقياده، ومن الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل والبدأة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم وبالرفق واللين فإن انقاد بالحكمة، وإلا فينتقل معه إلى الدعوة بالموعظة الحسنة، وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، إما بما تشتمل عليه الأوامر من المصالح وتعدادها، والنواهي من المضار وتعدادها، وإما بذكر إكرام من قام بدين الله، وإهانة من لم يقم به وإما بذكر ما أعد الله للطائعين، من الثواب العاجل والآجل، وما أعد للعاصين من العقاب العاجل والآجل. فإن كان المدعو، يرى أن ما هو عليه حق، أو كان داعيه إلى الباطل، فيجادل بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلاً ونقلاً، ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها، فإنه أقرب إلى حصول المقصود، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة، تذهب بمقصودها، ولا تحصل الفائدة منها، بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها (السعد..200).

قال تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَلِحًا وَقَالَ إِنَّنِنَ من الْمُسْلِمِينَ ) (فصلت: 33).

الصفحة276


بمعنى من قال ربنا الله ثم استقام على الإيمان به والانتهاء إلى أمره ونهيه، ودعا عباد الله إلى ما قال وعمل به ( الطبري،1984).

ومن تتبع منظومة الحوارات في القرآن الكريم، فإنها تتسم بالآتي (طافش، 2004،57)

ومن هنا فإن الحوارات تفعل مهارات التفكير والتفكير في التفكير، قبل إدلاء الرأي، وحسن تحديد الهدف والوعي بالقضية التي تعالجها فكرياً، وتلتزمها سلوكاً عمليا، حيث تتفاعل معها وجدانيا، لأن ذلك يعمق مهارات التفكير، ويرسخ قناعاتك بالفكرة التي تتولى زمام ايصالها للآخر، واقناعه بها، أو تواصلك الفكري معه يف ضوئها، وهذا بحد ذاته پيرسخ تلك الفكرة في مساحات الإيجابية والإنجاز.

الصفحة277



الفصل السابع: الشخصية



تمهيد 

لم تلق الشخصية اهتماماً علمياً معمقاً من خلال التتبع التاريخي للدراسات النفسية باستثناء ما تناولته موضوعات الطب النفسي ودراسات التحليل النفسي، التابعة للنظرية القرويدية، وفي الدراسات الحديثة، بدأت تأخذ موضوعات علم نفس الشخصية، مكانها المناسب من البحث والدراسة، والتحليل العلمي.

وتعد الشخصية من المواضيع المهمة في المجال النفسي بكافة أنماطها وصفاتها وتحولاتها وذلك أمر لا بد أن يستمر عليها مسيرة الإنسانية الصالحة وأن يسخر لها مخكافة العلوم المتعلقة بكشف خفاياها أو تصحيح إعوجاجها أو إزالة ضعفها. العلوم المتعلقة موضوع الشخصية، علم النفس بشكل عام وعلم النفس التربوي وعلم النفس الاجتماعي وعلم تشخيص الجينات وكذلك علم النفس السلوكي والأخلاقي.

وربما وجه المقارنة بين الاتجاهات التقليدية في تناول الشخصية، والاتجاهات الحديثة التركز في نوعية البحث والتناول في دراسة الشخصية، فالاتجاهات التقليدية ركزت على البعد الظاهر للسلوك، ومتعلقاته، بينما نحت الاتجاهات الحديثة منحى دراسة أعماق الشخصية وبواطنها في لغة اللاشعور ومتعلقاته وتقسيماته.

مفهوم الشخصية:

تتنوع الرؤى بشأن تحديد مفهوم الشخصية، بحسب تنوع النظريات التي تتعاطى مع الشخصية، وكيفية فهمها، وقد قام البورت بتصنيف أكثر من مائة تعريف الشخصية في ثلاثة أقسام عامة، حيث وجد أن أي تعريف من هذه التعاريف يؤكد واحدة من وجهات النظر الآتية:

لصفحةا281

  وتحديد سماتها وأنماطها، وأدرج منظومة من التعاريف على النحو الآتي:

.المتنوعة، في ضوء التفاعل الاجتماعي.

بحيث تتواجد بصورة متفاعلة مع بعضها البعض، في علاقة تبادلية تشابكية. 

الصفحة 282

تتحدد السمات الشخصية وتتفاعل في حراك تبادلي مترابط، وإذا ما تفككت هذه السمات اضطربت الشخصية، وأصبحت غير سوية، ومن هنا برزت إشكاليات الدقة العلمية في القياس العلمي للسمات الشخصية.


وترجح الباحثة التعريف الأتي للشخصية بأنها مجموعة من الصفات الجسدية والنفسية (موروثة ومكتسبة) والعادات والتقاليد والقيم والعواطف متفاعلة كما يراها الآخرون من خلال التعامل في الحياة الاجتماعية. 

جدليات الشخصية وسماتها

     ترتبط الطريقة العلمية في تحديد مفهوم وسمات الشخصية على الثبات والديمومة حتى تصدق عليها نتائج القياس العلمي، وربما نجحت تلك الأدوات العلمية في القياس العلمي، لبعض متغيرات الشخصية مثل متغير الذكاء، إلا أن هناك سمات للشخصية يصعب إخضاعها لتلك الأدوات العلمية في القياس السيكولوجي للشخصية.

    ولكن في الوقت ذاته تتسم الشخصية عند متابعة سلوك ما، لتحديد أبعاده وأنماطه

في مواطن مختلفة نوعا ما بدرجة من الثبات النسبي والديمومة.

    فالشخصية تمتاز بخاصية الثبات النسبي وكذلك تمتاز سماتها بصفات الديمومة النسبية، وسوف تدلنا ملاحظة سلوك الشخص على أن هناك نظاماً معيناً أو تنظيماً معيناً يبدو في سلوكه، فالشخص ليس مجرد مجموعة من السمات فعند ملاحظة سلوك شخص ما، فإننا نلاحظ اتجاهات طويلة المدى وأهداف عامه ومستويات للطموح وأنماط معينة من السلوك، كذلك فإننا سوف تنعكس لنا فلسفة ما لمواقفه من خلال منظومة متابعة

صفحة 283

لسلوكاته، وهكذا فإننا ندرك الشخص ككل موحد، أو كنظام سيكولوجي يتأثر فيه السلوك الحاضر بالسلوك في الماضي، ويؤثر السلوك الحاضر بالسلوك في المستقبل، وسوف تدلنا ملاحظاتنا أيضا على أن كل شخص عبارة عن تنظيم فريد في ذاته أو يسلك بطريقة فريدة في ذاتها. 

مكونات الشخصية و سيكولوجية الذات: 


   تقودنا المحاورة السابقة حول إشكاليات تحديد مفهوم الشخصية، وما يتعلق بموضوعات قياسها علمياً، في ضوء سماتها، يتشكل لدينا تساؤلات حول ماهية مكونات الشخصية، التي شكلت علماً فريداً، اخذ يتنامى البحث فيه، في الدراسات السيكولوجية الحديثة.

   وفي ضوء تناول مكونات الشخصية تبرز قيمة مفهوم الذات والدوافع باعتبارهم حجر أساس في الشخصية، كذلك العادات والميول والاهتمامات والتفكير والمشاعر والأحاسيس والآراء والعقائد والأفكار والاتجاهات والاستعدادات والقدرات، وكل هذه

السمات أو هذه المكونات أو أغلبها، يمتزج ليكون شخصية الإنسان الطبيعية.

   وهناك من يقسمها في ضوء جوانب محددة هي: 

 الى ان هناك من ينادي بأن الشخصية لا يمكن تفكيكها فهي شكل كامل 

وفي ضوء ذلك تبرز أهمية الوعي بسيكولوجية الذات، التي تعنى شعور الشخص بأنه نفسه، وأنه نتيجة اتساق مشاعره واستمرارية أهدافه ومقاصده وتسلسل ذكرياته واتصال ماضيه يحاضره ومستقبله.

الصفحة 284

وسيكولوجيا الذات، علم يتضمن إشكاليات متعددة، بحسب المدرسة الفكرية التي تتناول مفهوم الإنسان، فالبيولوجيا نظرت إلى الإنسان كعناصر عضوية هي التي تتحكم في قواه العقلية والعاطفية والسيكولوجيا نظرت إليه بمثابة خزان من ردود الأفعال نحو مثيرات خارجية أو غرائزية، كما أن علم الاجتماع فسر الإنسان انطلاقا من بنى اجتماعية تحتية هي التي توجه سلوكه اللغوي والعلائقي مع الآخر، في حين اعتبر علم الأجناس الإنسان عبارة عن حمولة من الموروثات العضوية والعوائدية، إلى غير ذلك من فروع المعرفة العلمية الأخرى.

في حين يرى فرويد أن طبيعة الإنسان يتحكم فيها الجانب الذاتي الحيواني، وأن الأخلاق ؤوالدين يجهضان الغريزة الحيوانية في الإنسان، كما أنه يعتبر التطور البشري موازيا لتطور الغرائز، إلا أن المعاناة في نظره تعود إلى تلك القيود الأخلاقية التي تمثل عائقًا كبيرًا داخل اللاشعور

 وبذلك ينقسم الإنسان في نظره إلى شخصيتين شخصية معلنة وشخصية مكبوتة، ويعتبر أن الأنــا تتكون في داخلها نزعة مخالفة تلاحظ تمنع، تنتقد، تسمى الأنا الأعلى. وهكذا فالأنا قبل أن تستجيب للغرائز تجد نفسها مرغمة على الأخذ بعين الاعتبار ليس فقط المخاطر الخارجية،ولكن أيضاً ما تفرضه الأنا الأعلى ولذلك نجد فرويد يعتبر كل محاولة خارجية لعقلنة الفعل الإنساني سببًا للألم، لأنها تمنع الأنا من ممارسة حقائقها الداخلية الخاصة بها.

وربما سيطرت نظرية فرويد في مساحات واسعة في علم سيكولوجيا الذات وبرزت اتجاهات حديثة في دراسة سيكولوجيا الذات من خلال تناول مساحات تفاعل الذات الإنسانية مع الأخر، وما يعتري ذلك التفاعل من إشكاليات وجدل، فصورة التفاعل الأخر، تأخذ صورتين في التفاعل الإنساني هما:

صفحة 285


وكلا الصورتين من الاختلال تعد خطرة، في إحداث انحراف في البناء الشخصي، سواء أكان صاخباً لن خامداً، وكلاهما يسهم في إحداث اختلالات جد صعبة في السلوك، وثغرات في التفاعل الاجتماعي.

ومن هنا بدأت الدراسات في تناول موضوعات تنمية وتطوير الشخصية في إطار تفاعل الذات مع الذات، وتفاعلها مع الأخر، في ضوء المبادئ السيكولوجية الآتية:

صفحة 285

أغلقت، ولابد أيضاً من الاعتقاد أن التحسن قد يطرأ يوماً لكن لا ندري متى سيكون، ولكن ذلك لا يعنى الانتظار حتى تتحسن الظروف، فلا بد من العمل

والحراك.

أنماط الشخصية :

تتنوع أنماط الشخصية، بحسب سلوكاتها، وأصبحت تلك الأنماط منظومة سيكولوجية مترامية الأطراف متعددة المفاهيم والسمات، وهي تشكل الخريطة السيكولوجية، في تحليل الذات وفهمها، وإدراك أبعاد التفاعل الاجتماعي معها، وقد اخذ هذا النمط من الدراسات أهميته من تكاثف الدراسات الحديثة حوله، واهتمامات الطب النفسي على وجه التحديد، في متابعة البحث العلمي حوله، واستخلاص النظريات الحديثة،في هذا الاتجاه.

ويعد من الاتجاهات التي برزت ضمن النظريات التعريفية للشخصية الاتجاه الذي استلهم وطور بعض المعطيات الطبية والنفسية القديمة ؛ واستفاد منها تجريبيا في وضع أس 305 و معالم نظريات أنماط الشخصية.

 ویرى علماء النفس أن سمات الشخصية هي السمات أو الصفات الظاهرة للشخصية وهي بمجموعها لا يمكن أن تتساوى مع الواقع الفعلي للشخصية والذي يشمل إلى جانب ظواهر الشخصية جميع الإمكانيات التي لا يستطيع الفرد التعبير عنها في الظاهر، أو التي يحتفظ بها لنفسه لسبب أو لآخر، أو التي لا يعرفها عن نفسه، ونظل كامنة خفية عليه وعلى الغير، فضلا عن ذلك أنها تشمل الإمكانيات التي لابد من توفر الظروف الملائمة لإظهارها أحياناً؛ والأنماط هي عبارة عن فئة أو صنف من الأفراد يشتركون في الصفات العامة وإن اختلف بعضهم عن بعض في درجة اتسامهم بهذه الصفات.

الصفحة 286


وفيما يلي نبذة تعريفية لأنماط سلبية متعددة في الشخصية:

الشخصية العدوانية:

وتتسم بالنمط الأحادي في الانفعالات وتسلط الأنا في سلوكها، ولكن بطريقة فيها نوع من التطرف وعدم العقلانية، ويتشابه سلوكها مع سلوك الشخصية اللا إجتماعية أو الشخصية غير المتزنة انفعالياً؛ حيث تستجيب بنوبات وتتسم بسهولة الإستثاره واللجوء للتدمير لمجرد الإحباطات البسيطة وحتى تأخذ الاستجابة شكل التذمر المرضي؛ وسلوكها دائماً تعبير عن الاعتماد اللاشعوري الكامن ؛ ويأخذ عدوانها شكل نشر الإعلانات والقيل والقال والقذف بالأشياء، فالشخصية العدوانية هي التي يغلب على سلوكها العدوان والتدمير والتخريب؛ وقد يقارب هذا المصطلح مصطلح آخر هو الشخصية المضادة للمجتمع أو الإجرامية أو المنحرفة التي تتورط في ارتكاب الجرائم أو الأعمال المضارة للمجتمع والتي تخرق فيها القانون.

وتتشكل أبعاد السلوك العدواني منذ الطفولة، وتتحكم فيه عوامل متعددة، تسهم في خفض مستوى التوازن الانفعالي لدى الفرد الذي ينعكس على مستوى الوعي ونضجه، مما يسهم في فهم المواقف بصورة حدية، تتسم بالعنف ورفض الأخر.

والمعاناة الحقيقية في هذا النمط من الشخصيات، يتشكل عندما تمتلك زمام المسؤولية، وبالأخص في البعد السياسي، وما تعكسه من سلوكات همجية، وسياسات دكتاتورية قهرية؛ ترفض الأخر، وتتعامل مع الأحداث بقوة الحديد والنار.

والشخصية العدوانية يتشابه سلوكها مع سلوك الشخصية اللاإجتماعية أو

الشخصية غير المتزنة انفعالياً؛ حيث تستجيب بنوبات؛ وتتسم بسهولة الإستثاره واللجوء

للتدمير؛ لمجرد الإحباطات البسيطة.

الصفحة 288


الشخصية اللاإجتماعية

ويقصد بها الشخصية المضادة للمجتمع وهي شخصية متناقضة مع عاجزة عن الولاء لأي فرد أو جماعة أو ميثاق، واستجاباتها تتسم بعدم النضج الانفعاليوضعف الحكم، ويشمل هذا التشخيص الشخصية السيكوباتية.

وتشير السيكوباتية إلى الميل إلى الإجرام وضعف الضمير الأخلاقي، والرغبة في الابتزاز والغش والخداع والكذب والرغبة في الانتقام، والجمود الانفعالي وقلة الأصدقاء والأنانية، وتنتشر السيكوباتية بين المجرمين والأحداث الجانحين والمومسات والمرتشين والمختلسين ومعتادي الإجرام.

ويقال في الشخص السيكوباتي بأنه يقتل ويضحك" إشارة إلى عدم شعوره بالذنب على ضحاياه؛ كما يوصف بأنه يعض اليد التي تتقدم لنجدته، ويمتاز بأنه لا يستفيد من تجاربه؛ ولا يجدي معه العقاب؛ ويصعب علاج الشخصية السيكوباتية.

الشخصية الواهنة:

وتتسم هذه الشخصية بأنها رقيقة البنيان إنطوائية وتتميز هذه الشخصية بمشاعر تتسم بالخفاض مستوى الذات وانفعالات الهبوط؛ وتتسم الشخصية في المظهر البدني بالهزال، ويؤكد كرتشمر على أن هذا النوع من الشخصية يقترن بالخصائص العقلية

الشبيهة بالفصام.

الشخصية التسلطية:

وتتسم بأنها محبة للسلطة حرفية في تنفيذ القوانين مرجعية؛ ذات منشأ غير ديمقراطي؛ بمعنى أنها تميل إلى التسلط والسيطرة على الغير نمط الشخصية التسلطية هو نمط الشخصية القابلة لأساليب التحكم والإخضاع والمرء وسية من جانب الغير.

الصفحة 289


الشخصية العصابية القهرية

ويعد من ابرز سماتها إنها تقوم بالأفعال القهرية الثابتة؛ وهي أفعال سخيفة غير مفيدة وغير معقولة تنمو مع الشخص خلال فترة التدريب على عملية الإخراج في طفولته؛ ولذا تسمى هذه الشخصية بالشرجية؛ لأن نموها يثبت على هذه المرحلة من النمو النفسي الجنسي؛ وهي شخصية مصابة بالنزعات العصابية أي بأعراض الأمراض النفسية كالقلق والفوبيا والإكتئاب والوسواس القهري والهستريا وعصاب الوهن أو الضعف وعصاب الصدمة.

الشخصية الدورية :

تتسم بالانبساط والمودة الشديدة والسخاء في المعاملة، والنشاط والاندفاع والهياج والغضب عندما تعرقلها دوافعها؛ وتتسم بتقلبات مزاج من الاكتئاب إلى المرح نتيجة عوامل داخلية مستقلة عن الظروف المحيطة الخارجية.

الشخصية الإكتئابية:

تتسم بالحزن واليأس والبطء النفسي والصعوبة في التفكير والشعور بالتفاهة والذنب والإكتئاب ومعروف أن هناك نوعين من الإكتئاب إحداهما؛ عصابي أي مرض نفسي وأعراضه أخف وطأة، وآخر ذهاني أي مرض عقلي؛ وأعراضه أكثر شده والمريض بالإكتئاب الذهاني بعد خطراً على نفسه وعلى المجتمع.

الشخصية غير المستقرة انفعالياً:

تتسم بشدة الانفعال في المواقف الضاغطة الخفيفة؛ وبتعطل الأحكام؛ والجعجعة والجدل والطبع المشاكس، والتقلب والهوائية؛ وتفتقر إلى الثبات الانفعالي أي عدم التقلب الانفعالي؛ وسرعة التغير الانفعالي من حالة إلى أخرى؛ وعدم النضج

الانفعالي؛ وعدم ملائمة الاستجابات الانفعالية بمثيراتها.

الصفحة 290 

وصاحب هذه الشخصية شخص يستجيب باستثارة واستجابتها غير فاعلية في كلا من لا مواقف الشديدة والهيئة؛ وتتسم علاقته بالآخرين بأنها مفعمة باتجاهات انفعالية متذبذبة؛ غير مبدئية؛ لذلك فهي تتسم بالتغير الانفعالي.

الشخصية الانبساطية:

كما يتبادر للذهن فإن الانبساط هو النقيض التام للانطواء؛ وكلاهما من أنماط الشخصية الإنسانية، ومن أهم سمات الانبساطي انه اجتماعي الاتجاه، واقعي التفكير، يميل إلى المرح، ينظر إلى الأشياء في محيطه كما هي من حيث قيمتها المادية الواقعية، لا لأهميتها ودلالاتها المثالية، وهو بذلك يتعامل مع الواقع الذي يعيشه بدون خيالات أو تأملات، ويعالج امور حياته بالممكن والمتاح من الطاقة الفعلية وينجح في اغلب الأحيان في إيجاد الحلول التي يتوافق من خلالها مع البيئة الاجتماعية.

وقد وضع عالم النفس التحليلي كارل يونغ تقسيمات الانبساط والانطواء في الشخصية؛ ورأى أن الانطوائي يكون أحياناً اكثر اهتماماً بالأحاسيس منه بالأفكار الواقعية، بينما الانبساطي يكون في اغلب الأحيان قليل الإحساس في أمور حياتية ذات صلة بالمشاعر المرهفة أو الاحساسات انه بمعنى آخر يتعامل مع الواقع كما هو؛ بدون تضخيم | أو إثارة انفعالية.

ويميل الشخص الانبساطي إلى العمل دائماً، وخصوصاً المهن التي لها مساس مباشر مع البشر، وتغلب عليها صفة المكاسب المادية مثل الأعمال التجارية الحرة، أو المهن ذات العوائد المالية المتنوعة والوفيرة ، ومن هنا فإن الشخصية الانبساطية تكون ناجحة ومتوافقة مع المهن التجارية، حيث يستطيع صاحبها أن يؤثر في الآخرين، ولديه القدرة في اجتذابهم إليه، وتنجح هذه الشخصية أيضاً في تحقيق التأثير على الناخبين أو كسب أصواتهم في الانتخابات العامة، ولكن تبقى الكثير من الأسرار الخافية لهذه الشخصية غامضاً، ويبقى من العسير أن يعرفها الناس على وجه الحقيقة رغم أنها مرحة وكثيرة المداعبة والتلاطف. ويتميز صاحب الشخصية الانبساطية بالقابلية العالية في التكيف السريع مع الأحداث

الصفحة 291

والمواقف ويمتلك مرونة عالية حسب متطلبات الحياة وظروف التواصل الاجتماعي، وتحقيق مكاسب مادية عالية ونجاحات تقترن بالرضا الذاتي والاجتماعي.

إن هذا النمط من الشخصية يلاقي الإعجاب والقبول من الكثير من الناس، ولعله الأوفق بين شرائح المجتمع، ويرى البعض من الناس بأنه شخصية طبيعية يمكن التعامل معها بشيء من المرونة؛ من خلال الأخذ والعطاء بسهولة، وكان كارل يونغ حينما وضع هذين التقسيمين للشخصية أنطوائية أو انبساطية أو اتصالية لم يكتفي بهما، بل طور هذه الأنماط بتقسيمات إضافية لكل منهما إلى النوع الفكري والانفعالي والحسي والإلهامي، وكل هذه الانماط ذات صلة بشخصيتي الانبساط والانطواء.

الشخصية الهستيرية:

يثير لفظ الهستيريا حالة غير عادية لدى البعض منا، أو لدينا جميعاً حتى تختلط الحقائق بالأوهام عنه؛ وقد رصد علماء النفس بعض الصفات في الشخصية الهسيترية ومنها:

صفحة 292

إن نمط الشخصية الهستيرية يذكرنا دائماً بمفهوم عدم النضج الانفعالي أي فقدان الاتزان الانفعالي في الشخصية، ونقصد هنا عدم الثبات في الانفعالات مع سطحية واضحة في فيها فالشخصية الهستيرية يسهل عليها التلون في مشاعرها، والتقلب في مواقفها بشكل متسارع؛ فالتغير السريع سمة واضحة في الوجدان لاتفه الأسباب، وصاحب هذه الشخصية يبدو ظاهرياً وكأنه ذو عواطف قوية معبرة؛ إلا أنه سرعان ما تتوارى بحاثة عن موقف آخر به عواطف أخرى بديلة؛ كذلك يبرز التذبذب في الصداقات والسرعة في اكتسابها وفقدانها، فالشخص ذو الصفة الهستيرية يتميز بعدم القدرة على إقامة علاقة ثابتة لمدة طويلة؛ نظراً لعدم قدرته على المثابرة، ونفاذ الصبر لديه بسرعة عالية.

وانطلاقاً مما سبق فإن من مميزات الشخصية الهستيرية تعدد المعارف والصداقات السريعة؛ وحب الاختلاط؛ فيمكن وصف علاقاته بأنها متغيرة ولا تتسم بالثبات وسطحية ولا تأخذ مسارات العمق الكافي من الثبات والتعرف الجاد المبدئي مع الآخرين.

وما يميز هذه الشخصية سرعة تأثرها الواضح بأحداث الحياة اليومية والأخبار المثيرة واهتمامها بالقيل والقال ويؤثر ذلك تماما على اتخاذها القرارات، فتخضع كل قراراتها إلى سطوة المزاج الانفعالي اكثر من الناحية الموضوعية العقلانية. ومن المثير في هذه الشخصية أيضاً الاستعراضية الزائدة، وحب الظهور؛ الذي يقترن بالأنانية، فصاحب هذه الشخصية لديه ميل مرتفع نحو استجلاب الاهتمام والعمل الدؤوب ليكون محور الارتكاز، فهو ينظر إلى كل الأمور نظرة ذاتية، فضلا عن الاستعراضية والمبالغة في طريقة التكلم والتحدث والإشارات والملبس والتبهرج والعمل على لفت الأنظار بحركات استعراضية ومواقف تثير الانتباه لغرض المبالغة في الظهور. ويميل نمط الشخصية الهستيرية في التكوين الجسمي إلى النحافة وصغر الحجم؛ وهو ما يطلق عليه التكوين الواهن ولكن هناك تكوينات جسمية أخرى تظهر فيها الشخصية الهستيرية أيضاً؛ بمعنى لا يمنع هذا أن يكون هناك تكوينات جسدية أخرى لها.

الصفحة 293

إن نمط الشخصية الهستيرية عرضة للتذبذب الانفعالي الوجداني، فصاحبها بين النشوة والحماس القوي والانقلاب إلى الاكتئاب والانطواء والبكاء والرغبة الجدية في الانتحار، وهذا ما يجعل حالة التغير السريع والمفاجى؛ سمة من سمات الشخصية الهستيرية التي تنعكس بظلالها الرمادية على أسرته ومجتمع عمله.

ومن مظاهر عدم النضج الانفعالي لدى الشخصية الهستيرية، تأويلها للمواقف بحسب مزاجها وجنون العظمة الساكن في الأعماق، فأي نظرة إعجاب أو كلمات تقدير من قبل الرجل للمرأة يعني هيام الطرف الآخر بها، أو العكس.

لقد أثبتت الدراسات النفسية أن معظم الرجال ينجذبون للشخصية الهستيرية نظراً لحيويتها وانفعالاتها القوية وجاذبيتها الجنسية والإثارة وقدرتها على التعبير عن عواطفها إلا أن جزءاً كبيراً من النساء اللاتي يتمتعن بهذه القدرة العالية من الإثارة الاستفزازية المفرطة يعانون من البرود الجنسي.

وتتميز الشخصية الهستيرية بالقدرة على الهروب من مواقف معينة، من خلال التحلل من شخصيتهم الأصلية، واكتساب شخصيات أخرى تتلائم مع الظروف الجديدة، فالشخصية الهستيرية لها قدرة عالية على تقمص الشخصية الأخرى، واندماجها معها، حيث تقوم بالدور عنها، ويتطلب ذلك انفصالها عن شخصيتها الأصيلة، وهو ما تتميز به الشخصية الهستيرية كما يشير إلى ذلك علماء علم نفس الشخصية.

وتصلح الشخصية الهستيرية للوظائف التي تحتاج لعلاقة مباشرة مع الناس؛ مثل الخطابة واللقاءات والعلاقات العامة والتمثيل السينمائي والتلفزيوني والمسرحي وبكل أشكاله ومذيعي الإذاعة والتلفزيون، وبعض المهن التي تحتاج إلى اللباقة في الحديث والإقناع مع الاستعراضية والمباهاة.

ووجد علماء النفس أن الشخصية الهستيرية تستجيب في أحيان كثيرة بسهولة إلى

الضغوط النفسية الحياتية، والشدائد في مسار الحياة والإجهاد والقلق التي تتعرض له، أو حينما تواجه أزمة نفسية، حيث تتسبب لها بالمرض أو الصدمات المفاجئة، ومن أهم الأعراض التي تظهر عليها:

الصفحة 294

الاضطراب التحولي Conversion Disorders

أي يتحول القلق والإجهاد والأزمة النفسية إلى صراع نفسي بعد أن تم كبته إلى حالة عضوية أو جسمية واضحة يكون له معناه بشكل رمزي، ويحدث ذلك بطريقة لاشعورية، أي أن الشخص الذي يتعرض للحالة المرضية لا يفهم المعنى الكامل لاعراضه ومعاناته والآمه، ويحاول الشخص الهستيري الذي تحول إلى المرض أن يربط بين حالته المرضية وأعراضها بظروفه البيئية التي أدت إلى حالته.

الاضطراب الانشقاقي Dissociative Disorders

وبها تنفصل شخصية الفرد الهستيري في حالة إصابته بمرض الهستيريا إلى شخصيات أثناءها بتصرفات غريبة عنه، أو أنه يفقد أحياناً ذاكرته، وهو سبيلا للهروب منأخرى يقوم مواقف نفسية مؤلمة، أو بواسطتها يحاول أن يجذب انتباه الأهل ورعايتهم الخاصة به. ونلاحظ حدوث العمى الهستيري في ساحات القتال عند الجنود أو الضباط أو فقدان الذكرة الهستيري أو الشلل الهستيري، أو عندما يتعرض المرء إلى موقف صادم ويفقد فجأة القدرة على الكلام أو المشي أو الرؤية، ويذكر أطباء النفس أن الشلل الهستيري في حالة الحرب يحدث عندما لا يكون الجندي أو الضابط مقتنعاً بجدوى الحرب والقتال، ويبدأ عنده الصراع الداخلي بين عدم الرغبة في الاشتراك في المعركة، وبين الرغبة في الهروب ويصبح خائناً.

و تزداد الأزمة والشدة وينشأ الصراع الذي لم يجد الحل؛ وينتهي إلى الشلل الهستيري الذي يدخله إلى المستشفى للعلاج، ويحميه ولو مؤقتاً من هذا الصراع. 

وهناك العديد من الأعراض الهستيرية غير المرضية ولكنها تأخذ شكل العادات التي يصعب على المصاب بها التخلص منها؛ ومن تلك الأعراض حركة بعض العضلات الفجائية وتسمى اللازم  وتسبب بعض الأحيان الإحراج للشخص ومن أمثلتها: رجفة في عضلات الوجه لا يستطيع المرء السيطرة عليها؛ وارتعاش في جفون العين الفجائي والمستمر ؛ وحركة الرقبة أو الرأس الفجائية والمستمرة والمبالغة في حركة اليدين أو اللعب

الصفحة 295

بالشارب؛ أو في الشعر أو ضبط ربطة العنق باستمرار، أو حركة الفم غير الاعتيادية مع حركة الفكين والمحاولة المستمرة لتعديل الملبس قبل الجلوس وأثناءه وأثناء الحديث وبعده وخصوصاً في الأماكن الحساسة والمهمة.

الشخصية الانطوائية:

وهذه الشخصية متقوقعة ومنطوية على نفسها، وفي أكثر الأحيان تحيا في عالمها الخاص بطبعتها، حتى إن كان معها شيئاً من الإيجابية؛ فهي تقع في دائرتها وابداعها مصطبغ بذاتيتها؛ ومن ابرز سماتها:


الصفحة 296


ومن هنا فإن هذا النمط من الشخصيات؛ يتطلب علاجه أن تبذل محاولات لتذوب

وتنصهر في الدوائر الاجتماعية، مع عدم ممارسة الإكراه عليها بالتفاعل الاجتماعي مع الآخرين، لأن الإكراه والإلحاح له نتائجه النفسية التي لا تحمد عقباها؛ لذلك يجب التزام الروية في مساعدها لكي تكتسب مهارات اجتماعية تعينها على الخروج من عالمها الخاص؛ ومن المهم رفع مفهومها لذاتها في بعده الاجتماعي، وتعريفها بإيجابياتها، لكي تستثمر في البعد الاجتماعي؛ ومن هنا ينبغي إحداث تكييف بين تلك الأهداف الاجتماعية وما تتسم به تلك الشخصيات من مميزات لأحداث تواءم في ذلك، ومن الجدير بالذكر، انه ينبغي متابعة تلك السمات الشخصية من الطفولة، وترقيتها من بعدها الأحادي إلى بعدها الاجتماعي في محضن الطفولة والتنشئة الاجتماعية، لأن هذا إسهاماته فاعلة وناجعة

وإيجابية.

الشخصية النرجسية:

وتتسم بالشعور غير العادي بالعظمة وحب الذات وتأكيدها المتضخم؛ وانه شخص نادر الوجود؛ أو أنه من نوع خاص فريد؛ لا يمكن أن يفهمه إلا خاصة الناس؛ حيث ينتظر من الآخرين احترامًا من نوع خاص لشخصه وأفكاره، وهو شخصية ابتزازية، وصولية؛ تستفيد من مزايا الآخرين وظروفهم في تحقيق مصالحها الشخصية، وتتسم تلك الشخصية بالغيرة والتمركز حول الذات والأستماته من اجل الحصول على المكانة

الاجتماعية المرموقة العالية، لتحقيق أهدافه الشخصية، وتلبية نزواته في الأنا المضخمة.

الصفحة 297


الشخصية في ضوء التصور الإسلامي :

نالت الشخصية الإسلامية مقام مهما في النصوص الشرعية، والثراث الإسلامي، وحفلت بالموافق العملية التطبيقية، التي تشكل نماذج القدوة التي تتسم بالنضج والكمال الإنساني، والمثالية والواقعية معا، والإيجابية المطلقة.

والباحث المتأمل في نماذج القدوة الحافلة في الفكر الإسلامي، بدءا من عصر النبوة وعصور السلف الصالح، يجدها نابعة من الالتزام بهدي الوحي الإلهي، والحرص على تطبيقه، وعدم الجمود في حدود التنظير والكلمات، حيث عاب الشرع الحنيق، على الازدواجية في السلوك، وعدم تطابق القول مع العمل، في نصوص عدة، فالمسلم الملتزم شخصيته واضحة غير ضبابية يلتزم بالمبدأ والقيمة، لا يجعلها سترة يلبسها اليوم وينزعها غذا، كما نرى في آفة عصرنا هذا، في مساحات العولمة، والانفجار المعرفي، حيث اكتست القيم السلبية، بمعاني خادعة وبريق سراب يوحي الرأئي أنها تحضرا، وعند مقاربتها يجدها سرابا من السلبية والنكوص والأحباطات، ولا تتم إلى الإيجابية والقيمة بصلة.

تعريف الشخصية المسلمة :

تعرف الشخصية المسلمة بأنها مجموعة من السمات التي تطبع بها التربية الإسلامية الفرد المسلم في شتى مجالاته العقلية والجسمية والانفعالية والروحية والاجتماعية بناء على المرتكزات العقدية المنبثقة من المرجعية العقدية.

مكونات الشخصية المسلمة:

تتكون الشخصية المسلمة من ثلاثة مقومات هي:

الصفحة 298

والاستجابة لأمره وجب التقرب إليه بالطاعات والإخلاص له بالعبادات، لأن الدنيا الفانية طريق إلى الآخرة، التي هي دار الخلود، ولذلك فهو يوجه كل أنشطته وسلوكه وأعماله نحو الآخرة، فتنطيع كل حياته بهذا الطابع المميز لشخصية المسلم في هدفه وأسلوب حياته. 

وبهذا يتميز الفكر الذي يسهم في تكوين الشخصية الإسلامية بالعنصرين الأساسيين الآتي:

  1. العقيدة: فالعقيدة السلامية تسهم مساهمة فاعلة في بناء الشخصية الإسلامية لأنها تكون الأساس لتصور الإنسان للمواقف والسلوك وفهم العلاقات ومنطلقاً للتقييم وإصدار الأحكام. 
  2. طريقة التفكير: وهي موجه ديناميكي لأنشطة المسلم في الحياة، وكذلك توجيه جهوده، وخياراته في التفكير، التي تنضبط بأوامر الشرع، الثرية بالقيم الروحية والأخلاقية التي تعمل على تحرير الإنسان من سيطرة الحياة المادية.

ومن هنا فإن الفكر الإسلامي هو جوهر العقلية الإسلامية التي تفكر وتحلل وتحكم على أساس الإسلام وعلى أساس نظرته الكلية للكون والإنسان والحياة، في كل ما يصدر عنها، في كافة الشؤون المتعلقة بالإسلام أو الأخلاق أو في نطاق التصرفات الخاصة أو العامة.

ففي ضوء هذا الفكر، تنطلق العقلية الإسلامية في تفسير الأحداث وتحليلها والحكم عليها من وجهة نظر الإسلام، ومن هنا فإن أساس العقلية الإسلامية ومنطلقها الأول الأيمان بوجود الله وسائر الغيبيات الأخرى، وبالتالي رد القول بمادية الحياة، واعتبار حق التشريع والحاكمية الله تعالى، ومن هنا يرتبط التفكير بالمنهج الإسلامي، عقيدة وشريعة، فتنعكس على الشخصية واعية يفقه معنى الحياة ورسالته في الحياة ، (يكن 15,1985).

الصفحة 299

مقياساً واضحاً وثابتاً للسلوك المقبول أو المرفوض، فما كان متفقاً مع مبادئا الشريعة  السمحة فهو المقبول، وما كان غير متفق مع تلك المبادئ فهو المرفوض، فالمسلم لا يسلك سلوكاً عشوائياً غير موزون، بل يضع كل قول أو فعل أو موقف أمام أحكام الشريعة، قبل أن يقدم عليه، فإن وجده عملاً فيه مرضاة الله تعالى متسقاً مع منهج الإسلام، أجاز لنفسه الأقاد عليه والشروع في تنفيذه، وان وجده شاذاً متعارضاً مع هاذ المنهج، بعيداً عن رضى الله تعالى غير متطابق مع مبادئ الإسلام ابتعد عنه وأعلن رفضه له، وهذه يتطلب أن يتوافر في الشخصية الإسلامية، إرادة قوية قادرة على الاختيار متمكنة من القبول أو الرفض، وفق مقاييس الإسلام واحكامه الواضحه، وبهذا يسير المسلم الملتزم وفق منهج الله تعالى، فيتمثل أحكام الإسلام وادابه في القول والعمل، عن أبي موسى له قال قالوا ثم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم :

أي الإسلام أفضل قال من سلم المسلمون من لسانه يده

 ( مسلم، د.ت، 1/ 65.). 

الإسلامية.

قال تعالى: (قُلْ إِن كَانَ ءَابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَلُ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَنِجَرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسْكُنُ تَرْضَوْنَهَا أحب الكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَجهَادِ فِي سَبِيلِهِ، فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَات اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِين  (التوبة: 25).

الصفحة 300

فالتربية الإسلامية تولي اهتماماً بتربية الانفعالات، وتوجيه مشاعر الحب إلى الله تعالى ورسوله، ونموذج القدوة الإيجابي، فتجعل من المسلم فرداً ذو مشاعر مرهفة شفافة، يحب الخير والجمال والناس والحياة في ظل طاعة الله تعالى، ويكره الظلم والعدوان والتجبر والفظاظة، فيشارك بإحساسه الوجداني المتألمين في الأرض، ويشاطر الآخرين في أفراحهم مما يعلي طاقة التعاطف عنده ويثريها في ظل أحكام الشرع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أنس بن مالك لله عن النبي الله قال لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " (مسلم، د. ت 1/67)

وتتوجه مشاعرة المصطبغة بالتوحيد نحو أفراد الله عز وجل بالعبودية والحب

قال تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا تُحِبُّونَهُمْ كَحُةٍ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ

لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ  (البقرة  165).

ومن هنا فإن الانفعالات في ضوء التربية الإسلامية بأنها مشاعر إنسانية نبيلة تقوم على أساس العقيدة والاستقامة عليها والانفعال المتزن من خلالها. ومن هنا فإن المشاعر هو مكون النفسية الإسلامية التي تقوم بتصريف الغرائز والميول وفق أحكام الشرع، فهي النفسية التي تستفتي الإسلام وتلتزم بما يفتي به وتتقيد، فلا يتحكم بها هوى أو تقودها شهوة أو تستبد بها مصلحة فالنفسية الإسلامية هي التجسيد الفعلي والتطبيق العملي والترجمة الحسية للعقلية الإسلامية، فهي الأثر الفعال للإيمان مصداقاً لقوله ليس الأيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن بما وقر في القلب وصدقه العمل، ومن هنا تضبط النفسية الإسلامية من خلال منهج الشرع الذي يبين حدود الاشباعات والميول، وصقلها بالتربية الروحية (يكن1985، 16).

وحتى نفهم نظريات الشخصية كما جاءت في العلوم الغربية، ولمقارنتها مع ما جاء في الإسلام علينا أن ننظر في طبيعة الإنسان والغرض من خلقه، وكذلك نظرة الله والقرآن والكتب السماوية الأخرى للإنسان وعلينا البحث عن العلاقة بين النظريات المختلفة حتى

الصفحة 301

نجد إمكانية الاستفادة منها في علم النفس الإسلامي وفى الواضح أن بعض النظريات النفسية الغربية قد تخلصت من التحيز والتعصب الديني وهله يمكن الاستفادة منها لتكوين وجهة النظر الإسلامية في ضوء القرآن والحديث من أجل فهم السلوك البشري.

ومن الحقائق العلمية أننا عندما نواجه آلة جديدة فلن يمكننا أن ندرك طريقة تشغيلها بمجرد النظر إليها، والأسلوب الصحيح هو دراسة برنامج أو إرشادات الشركة المنتجة لتتعرف على طريقة الاستخدام. وهذا هو المبدأ نفسه ينطبق على دراسة الشخصية.

سمات الشخصية الإسلامية:

تهدف التربية الإسلامية إلى تنمية الفرد بصورة شاملة في جميع جوانب شخصيته الجسمية والعقلية والروحية والانفعالية والاجتماعية، لتكون منه شخصية إسلامية مميزة ومن هنا تبرز أهمية تناول سمات الشخصية المسلمة وتحديدها، وادرج سمات الشخصية الإسلامية على النحو الآتي:

الربانية:

ويقصد بها الارتباط بمنهج الله تعالى المستمد من القرآن الكريم والسنة الشريفة، ويعود ذلك لأنها تنطلق من عقيدة ربانية موحى بها من عند الله تعالى، لا يخالطها شئ من وضع البشر، إذ لم ينشئها العقل البشري، بل انه يتلقاها ويلتزمها من هدي الوحي الإلهي. وتلك العقيدة تحث على التفكير والنظر والتأمل، وهي تستمد تصوراتها عن الحياة الكون والإنسان والحياة، فبذلك تتحقق لها الأمن والسكينة، وبالأخص فيما يتعلق بالتساؤلات التي يطرحها العقل البشري عن حقيقة الكون، ومن خلقه، وما غايته، وعن بدء الحياة ونهايتها.

ولما كانت الشخصية الإسلامية مرتبطة بالله تعالى فإنها تحرص على إرضاء الله تعالى، والحصول على ثوابه، وأجره في الحياتين الدنيا والآخرة، قال تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إلا لِيَعْبُدُونِ ) (الذاريات: 56). 

الصفحة 302

وسمة الربانية في البناء الشخصي، تقتضي سلوكات تنسجم وتلك القيمة العظيمة، وهذا ما يستخلص من سلوكات عباد الرحمن، الذي حددها القرآن الكريم في قوله تعالى: ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا(63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيمًا (64)وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَمَّ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غراما( 65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرٌّا وَمُقَامًا(66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنهَلُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَعْمُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا(67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَيْهَا وَآخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا(68 ) يُضَعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَتَخَلُدْ فِيهِ مُهَانًا(69 ) (الفرقان:63-68).

ومن هنا، فإن ارتباط الشخصية ببعدها الإيماني، يجعلها تستجيب لكلمة الحق وبذلك تتغير كل آمالها وتوقعاتها في الحياة وهنا تصير كل حركاتها وسكناتها بهدي من الله وفي سبيل مرضاته، وعندما يصبح الأيمان والدين طريقة الفرد أو الجماعة فان . ديناميكية الفرد الجماعة تتغير في ضوء هذا الارتباط الرباني.

السلام الداخلي مع الذات

والسلام الداخلي قيمة ماسية نادرة، عجزت الأفكار البشرية والنظريات والحضارات، عن مجرد التحليق حولها، ولكنها في ضوء التربية الإسلامية تحققت في أسمى صورها، حيث هناك تناغم لا صراع في اعماق الذات المسلمة نابغ من السلام الداحلي في الاعماق الذي يعززه الشرع الحكيم وتلبيته لمطالب الفطرة الانسانية فهناك توافق في الاعماق الذات وسلوكها مع احكام الشرع  التي تتسم بنسق المثالي والوقعي معا فتثريها بالطهر السلوكي 

الصفحة 303

خلق أفراداً يتمتعون باستقرار عاطفي، ويكونون مجتمعاً صحياً مستقراً، ومن الجميل هنا ان نذكر عناية التربية الإسلامية وصيانتها، لأبعاد اللاشعور، مع أن الله تجاوز عن حديث النفس وما يدور فيه في أطر المحاسبة الإلهية، إلا أن الشريعة السمحة، تربي المسلم على استشعار رقابة الله عز وجل في كل حين في السر والعلن ومن ذلك تطهير اللاشعور، إذ ورد في الأثر من راقب الله في خواطره، عصمه الله في جوارحه، ومبعث ذلك استشعار رقابة الله عز وجل، قال تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ) (البقرة: 235)، وقوله تعالى ( ينأيها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِيَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )(النساء:1).

وتسهم عقيدة التوحيد يجمع عناصر نفسه ويوحد اتجاه مشاعره نحو مصدر واحد للتلقي، فهو لا يخاف إلا واحدا ولا يطمع إلا في واحد، ولا يتقي إلا واحدا، ولا يتقرب إلا لواحد، فيؤدي هذا التوحيد إلى أثر تركيبي في بناء الشخصية فلا تتوزع مشاعره ولا تنقسم نفسه ولا تتشتت ،همته، مما ينشأ عنه سكينة قلبية، وطمأنينة، لا تقدر قيمتها بثمن، حيث تثري الشخصية بالقوة الذاتية، حيث لا تخاف إلا الله ولا تذل ذاتها إلا له، ولا تعلن افتقارها إلا إليه، مما تنعكس عليها، تجليات الله واسماءه الحسنى بالأمن والعزة وعلو المقام في الدنيا والآخرة.

التوازن في البناء الشخصي 

ويقصد بها الاعتدال في السلوكات دون إن يطغى جانب على جانب، فهناك توازن في المنظومة الفكرية والانفعالية والاجتماعية ومطالبها الجسدية للشخصية الإسلامية وأشواقها الروحية، إذ لا تعيش في ظل صراع ،قيمي بل هناك توازن بين القيم الروحية والمادية، وهناك إشباع لمطالبها الداخلية، دون إفراط ولا تفريط في ضوء منظومة الحقوق 

الصفحة 304

والواجبات وانتفاء التعدي على الحد المعقول في اشباع تلك الرغبات، التي تنتظم في عقد الشرع المتين، قال تعالى : ( وَالْأَرْضَ مَدَدْنَهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ

شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) (الحجر:19)، وقال تعالى : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْتَهُ بِقَدَرٍ )

(القمر:49).

فتنأى بذلك الشخصية عن المغالاة والتشدد والعنف السلوكي ( العدوانية )، فيكون نتاج ذلك إنساناً صالحاً معتدلاً في سلوكه وتطلعاته وعبادته ومشاعره وانفعالاته، فيحفظ بذلك المجتمع من الغلو والصراع والتصادم والاختلال.

الإيجابية

ويقصد بها التفاعل مع الأحداث والتأثير فيها، وتوجيهها بما فيه رضى الله تعالى وخدمة المجتمع، لذا نجد الفرد المسلم في حراك واعي مع عجلة الكون، ونبض الأيام، عمرانا ماديا ومعنويا في الكون في نفسية تتمتع بمعنويات عالية وإقبال على الحياة، ومثابرة على تحقيق الأهداف الربانية في الكون والحياة، تتسم بتحمل المسؤولية والتفاؤل، ونبذ التشاؤم في الحياة، تحدد أهدافها وامالها، وتمضي بقوة إرادتها الواعية لتحقيقها، متجاوزة بذلك المصاعب والتحديات في عقيدة راسخة تلتزم بالأسباب ولا تؤلها، وتجعل اليقين كله بالله المنعقد في القلب والمنعكس على الجوارح، فتبادر إلى الخروج من عوالم الأنانية الذاتية، العوالم الإحساس بالجماعة، وخدمة المجتمع، بنية صادقة متوجهه الله تعالى عز شأنه وجلاله، فتكون يداً بناءه في التكافل والتناصح والتأزر.

تطور الشخصية في ضوء تعليمات المنهج الإلهي:

ويقصد بها الإمان بأن تطور الشخصية وتألقها، يتولد من حقيقة أننا عندما نواجه آلة جديدة، فلن يمكننا أن ندرك طريقة تشغيلها بمجرد النظر إليها، والأسلوب الصحيح هو دراسة برنامج أو إرشادات الشركة المنتجة لتتعرف على طريقة الاستخدام. وهذا هو المبدأ

الصفحة 305

نفسه ينطبق على دراسة الشخصية، فبرنامجها ومنظومة الإرشادات، تستمد من النصوص الشرعية ونموذج القدوة المتشكل في النبي الله وصحبه الكرام والسلف الصالح، ومن هنا من غير المعقول أن ننسى ونترك تعليمات الخالق وإرشاداته ثم ندعي وضعنا نظرية الشخصية الكاملة بصورة موضوعية وشاملة.

النضج والكمال الإنساني

ويقصد بها اشتقاق النضج والكمال سلوكا من خلال الالتزام بتعليمات المنهج الرباني، الذي يرتقي بالنفس الإنسانية ويصقلها بكل معاني السلوك الناضج، الذي يشتق كماله من كمال الله عز وجل بالتعلق به وتنفيذا أوامره في الذات والأسرة والمجتمع والأمة والكون كله، حيث تتدرج الشخصية المسلمة في مدارج تربية ذاتها وتهذيبها، في أخلاقيات عالية من الاستقامة والحياء والمراقبة وتقدير قيمة العلم والتواضع، وغير ذلك من القيم الإسلامية، التي تصقل الشخصية بالنضج والكمال.

ويتحقق النضج والكمال الإنساني من خلال التوفيق بين الدوافع الإنسانية، حيث توجه التربية الإسلامية إلى أن الحل الأمثل للصراع بين الجانبين المادي والروحي في الإنسان هو التوفيق بينهما، بحيث يقوم الإنسان بإشباع حاجاته البدنية في الحدود التي أباحها الشرع، وفي الوقت نفسه يقوم بإشباع حاجاته الروحية. ومثل هذا التوفيق بين حاجات البدن وحاجات الروح يصبح أمراً ممكناً إذا التزم الإنسان في حياته بالتوسط و الاعتدال، وتجنب الإسراف والتطرف سواء في إشباع دوافعه البدنية أو الروحية فليس في الإسلام رهبانية تقاوم إشباع الدوافع البدنية وتعمل على كبتها. كما ليس في الإسلام إباحة مطلقة تعمل على الإشباع التام للدوافع، فالشخصية السوية النموذجية الكاملة، هي التي تملك القدرة على ضبط ذاتها بذاتها، بتوافق دون صراعات من خلال التزامها بتعليمات الخالق المبدع فيتحقق لها التوازن بين جميع مطالبها الفكرية والبدنية والروحية والانفعالية والاجتماعية. إن النظرة الإسلامية تتميز بأمور أربعة أنها تقدم تصورا واضحا الجوانب الشخصية، وأنها تكشف عن جوانب للشخصية تعجز الأنظمة البشرية بحكم طبيعتها عن

الصفحة 306


كشفها، وأنها تضع تأصيلا لفكرة تكامل الشخصية، بحيث يبدو هذا التكامل متماسكا منطقيا، وليس مجرد تلفيق وأنها تضع تأصيلا لفكرة التميز هذه الجوانب التي أشرنا إليها نستخلصها من جملة تعاليم الإسلام، وهي تأتي في ثلاث مجموعات:

إن إغفال جانب من جوانب الشخصية إنما ينشأ بطبيعة الحال من أحد أمرين: إما الجهل بوجوده، أو الاعتقاد بوجوب التخلص منه، وكلا الأمرين لا يتصور بالنسبة للخالق فهو يعلم ما خلق، قال تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (13) (الملك:14)،

وهو لا يعبث بما خلق قال تعالى : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَعِبِينَ

) (الأنبياء: 16).

وإذن فعندما نتلقى تصورا للشخصية مستمدا من تعاليم الخالق سنكون مطمئنين إلى أنه لن يغيب عنا جانب من جوانبها هذا من ناحية كما أننا سنكون مطمئنين إلى أن كل جانب من هذه الجوانب له أصالته، وله موقعه في التصور الشامل، ومن هنا نجد الأساس المنطقي لتكامل الشخصية، وتميزها، فنبتعد بذلك عن تصورات أخرى لا تخلو من التلفيق القائم على الجهل، أو من التعصب القائم على الهوى، أو من التشويه القائم على مواقف

سابقة.

الصفحة 307



الفصل الثامن: مفردات في علم النفس التربوي



أنماط التعلم

إن التفاعل بين التعليم والتعلم في أوضاع تعليمية مدرسية؛ يجب أن لا تحكمه علاقات عشوائية أو غير منتظمة، إذ لا بد من خضوع هذه النوع من التفاعل إلى مجموعة إجراءات مضبوطة يستطيع المعلم بها استثمار مفاهيم التعلم ومبادئه ونظرياته على نحو منهجي، بحيث يتمكن من تخطيط نشاطاته التعليمية، وتنفيذها في مناخ صفي ملائم، يكفل تعليماً فعالاً ينعكس في أداء أو تحصيل مرغوب فيه، ويبدو طبقاً لذلك أن التعليم أكثر وضوحا وتحديداً من التعلم وبخاصة في أوضاع التعلم المدرسي، لأنه يتخذ شكل نشاطات مخططة ومنظمة، تهدف في حال تنفيذها إلى إحداث تغيير في سلوك المتعلمين (مرعي وبلقيس18،1985) 

 وتؤتي العملية التعليمية التعلمية ثمارها عندما يتم استثمار ما تسفر عنه بحوث التعلم من مبادئ وتعميمات ونظريات في التعليم الصفي من خلال الانتقال من مبادئ التعليم إلى طرق وأساليب واستراتيجيات للتعليم، ومن هنا يعرف النمط التعليمي بأنه العملية التي يتم فيها تنظيم ودمج المعلومات والمبادئ والنظريات التعلمية فهو مجموعة من الإجراءات والاستراتيجيات المنظمة التي توجه عملية تنفيذ النشاطات التعليمية، وهذه الأنماط تستند على مجموعة من المسلمات؛ تتبع المدرسة النفسية التي تصدر منها النظرية التعلمية التي نتجت عنها هذه الأنماط التعليمية.

الصفحة 311 

خصائص النمط التعليمي :

 ليس النمط التعليمي رأي أو وجهة نظر أو تأملاً فحسب، ولا مجموعة مبادئ وإجراءات مشتقة من نتائج البحث العلمي، بل هو محاولة جادة لتنظيم ودمج معلومات ومبادئ ونظريات تعليمية بهدف تزويد المعلم بإجابة واضحة ومنطقية مفهومة عن سؤال يتبادر إلى ذهنه دائماً هو: كيف أعلم؟)، ولذلك يجب أن يتسم النمط التعليمي، بمجموع

خصائص أهمها:

وتتشكل محكات النمط التعليمي الجيد في مستوى أهميته الخاصة التي تستثير اهتمام المربين والمعلمين وتدفعهم إلى تجريبه وتطبيقه والدقة والوضوح بأن يكون مفهوماً وخالياً من 

الصفحة 312


الغموض والاقتصاد والبساطة حيث يتضمن الحد الأدنى من الافتراضات والمصطلحات البسيطة أو غير المعقدة.

وتتنوع الأنماط بحسب المدرسة النفسية التي تولدت منها، وهي على أنواع عدة

أدرج منها على النحو الآتي:

أنماط التعلم السلوكية

وتعود أنماط التعلم السلوكية في أصولها إلى التجارب التي أجراها رواد هذه المدرسة أمثال بافلوف (الإشراط الكلاسيكي) وثورندايك ( الارتباط والأثر ) وإلى الدراسات التي قام بها واطسن ( تعديل السلوك ) وجوثري ( الاقتران ) وهل ( الدافع )، وغيرهم ممن اهتموا بدراسة السلوك، ولكن ما قام به سكنر من تجارب وتطبيقات على السلوك الإنساني منذ 1953 أعطى للنظريات السلوكية بعداً جديداً في ما أطلق عليه السلوك الإجرائي أو الأشراط الإجرائي، وشكلت مكتشفات سكنر السيكولوجية المفصلة بهذا البعد منطلقاً هاماً لكثير من الباحثين والمربين الذي حملوا مبادئ التعلم الكلاسيكي والإجرائي، ومبادئ التعزيز وأثره في تكرار السلوك، وكان التعليم المبرمج أحد ثمار أعمال سكنر التطبيقية المتصلة بالتعلم السلوكي وتعزيز السلوك، ولقد نالت تطبيقات المدرسة السلوكية مكانا مهماً لها حتى شملت تخطيط المناهج وتصميمها (فرحان وآخرون (فرحان وأخارون 1985 ,185). ويستند التعلم في ضوء المدرسة السلوكية على عدة مسلمات أساسية على النحوالآتي:

الصفحة  313

ومن هنا قدمت المكتشفات السلوكية للمعلم عددا من المبادئ المهمة التي تستند إلى أنماط التعليم والتعلم وأساليب تعديل السلوك وتشكيله، ومن أنماط التعليم السلوكية نمط ضبط السلوك والتحكم فيه لسكنر ونمط التعليم عن طريق المواد المكتوبة لروثكوف.

انماط المدرسة النفسية المعرفية

وتقوم هذه المدرسة على عمليات معالجة المعلومات ، وإن لكل نمط من أنماط التعليم القائمة على معالجة المعلومات نظريته المميزة، حول كيف يفكر الناس، وكيف يمكن التأثير في طرائقهم في التعامل مع المعلومات، ولذلك تختلف هذه الأنماط، فبعضها يركز على الجوانب الضيقة لمعالجة المعلومات، والبعض الآخر مصمم للتأثير في أساس أنماط التفكير (فرحان1984، 11).

  ومن هذه الأنماط نمط التفكير الاستقرائي لهيلدا تابا وهو مصمم لتطوير العمليات العقلية الاستقرائية، والتعليل الأكاديمي وبناء النظريات وهذه الإمكانات مفيدة للأهداف

الفردية والاجتماعية، ونمط التدريب لريتشارد سكمان وهو مصمم لنظام البحث في موضوع ما وله أثرة في المجالات الاجتماعية وحل المشكلات ونمط اكتساب المفاهيم الجيروم برونر وهو مصمم للتعليم الاستقرائي ولتطوير المفاهيم وتحليلها، ويقوم على التعلم الاستكشافي، ونمط النمو المعرفي لجان بياجيه وهو مصمم لزيادة التطور العقلي والتفكير المنطقي ويقوم على البنى العقلية ونمط المنظم المتقدم لديفيد اوزبل وهو مصمم لزيادة 

الصفحة 314

عملية معالجة المعلومات والقدرة على استيعاب المعارف، وربطها فيما بينها، ويقوم على المنظم التمهيدي أو المتقدم.

ومن هنا فإن أنماط المدرسة المعرفية تركز على تنمية منهجية التفكير، وعملية

اكتساب المفاهيم، والمبادئ والتعميمات.

أنماط المدرسة النفسية الإنسانية :

تهتم أنماط تعليم المدرسة النفسية الإنسانية بتطوير القدرات الفردية أو الزمرية، وهي تقوم على التخطيط الجيد للتعليم بشكل ييسر على المتعلم متابعة تعلمه الذاتي وشق طريقه بنفسه، وتعمل هذه الأنماط على استثارة دافعية المتعلم وتحريك نشاطه الذاتي باتجاه أهداف التعلم في نطاق خطة محددة.

ومن هذه الأنماط نمط كارل روجرز لتيسير التعلم الذي يركز على بناء القدرة على

التطور الذاتي للفرد وزيادة الوعي الذاتي والفهم والاستقلال ومفهوم الذات، ويقوم هذه النمط على التعليم غير المباشرة مثل نمط وليم جوردن لحل المشكلات بالطرق الإبداعية.

أنماط تعليم المدرسة النفسية الاجتماعية :

وتؤكد أنماط التعليم الموجهة نحو التفاعل الاجتماعي، وما يتضمنه ذلك التفاعل من علاقات اجتماعية باعتبارها أهدافاً أو معينات تربوية أو كليهما، كما تؤكد على العملية الديمقراطية التي تعنى بتطوير نظام اجتماعي والقيام باستقصاء علمي لطبيعة الحياة الاجتماعية وطرائقها، والاشتغال يحل المشكلات الاجتماعية ومن أنماط تلك المدرسة نمط

التحري الاجتماعي هربرت ثيلين ونمط لعب الأدوار لشاغتيل ومحمد الاستقصاء الاجتماعي الكوكس وماسيا لاس ونمط تدريب المختبر أو مجموعة التدريب.

الصفحة 315

نظرية سكنر السلوكية

يعد سكنر رائد التعلم المبرمج وتكنولوجيا التعليم في الخمسينات وأوائل الستينات، ويساوي سكنر بين التعلم واكتساب السلوك، وحتى يتحقق ذلك لا بد من تحديد المثير أو مجموعة المثيرات المناسبة للموقف والتي تؤدي إلى الاستجابات المخططة، والتشديد على ما يحدث بعد حدوث الاستجابة، إذ أن السلوك يتشكل ويستبقي تبعاته ويطلق على هذه التبعات بمصطلح المعززات، وقد يكون التعزيز إيجابياً أو سلبياً، ويقصد بالتعزيز الإيجابي ذلك المثير الجاذب والمحبب الذي يقدم كتبعة أو نتيجة أو عاقبة السلوك، أما التعزيز السلبي فيكون في حجب المؤثرات أو العواقب غير المحببة التي كانت تعقب السلوك عادة، أما حجب العواقب أو الإثابة المحببة أو تقديم المثيرات أو العواقب غير المحببة فهو العقاب ويشدد سكنر على أهمية أنماط التعزيز الإيجابي ويؤكد على ضرورة الامتناع على استخدام العقاب في التعليم، لما له أثار من سلبية على المتعلم رغم فعاليته، فهو إجراء فعال ولكنه غير مرغوب فيه، وبهذين العاملين يمكن الحصول على سلسلة أو مجموعة من أنماط السلوك بواسطة ما يسميه سكنر عملية "تشكيل 

 (فرحان  وآخرون189,1984)

ويحدث تشكيل السلوك بتقسيم السلوك النهائي المستهدف إلى مكوناته التي يمكن تعلمها تباعاً، وبشكل تدريجي ،نام مع التوظيف الفعال لعمليات التعزيز النامي لكل تقدم من المتعلم تدريجياً، وتتراكم أنماط السلوك المترابطة التي تشكل بمجموعها السلوك النهائي المنشود، وعندها ينبغي على المتعلم أن يكون قادراً على إظهار السلوك الكامل، وإشهاره، ليحصل على التعزيز الكامل.

 ومن هنا فإن السلوك المستهدف يمكن ضبطه بواسطة تبعاته أو عواقبه، أي المعززات التي تعقب حدوثه أو ممارسته مما يجعل السلوك تحت سيطرة المؤثر؛ ويصلح هذا النمط التعليمي لتعليم مهارات اللغة ولحل المسائل والتفكير الإبداعي وغيرها، ويصلح لتعليم المهارات العقلية والمعارف والمهارات الاجتماعية والمواقف والاتجاهات؛ وذلك لأن التعليم هو تنظيم الأحداث المتوقعة والمعززات التي يتعلم فيها المتعلم في إطارها، فالمرء

الصفحة 316

يتعلم ذاتياً من البيئة الطبيعية ولكن المعلمون ينظمون ظروفاً معينة تيسر التعلم وتستحث اكتساب السلوك المرغوب فيه، وظهوره في سلوك المتعلم الذي قد يكتسبه بصورة تلقائية بطيئة، أو ربما يكتسبه أبداً، إذ لم ينظم تعلمه، فالتعليم هو تنظيم لشروط التعلم ومعززاته التي تجعله قابلاً للحفظ والتذكر.

للملاحظة.

متابعة عملية التعليم بالطرق المناسبة، إلى أن يتحقق المستوى الأدائي المنشود.

ومن هنا فإن نمط سكنر التعليمي يقتضي استخدام الأجهزة والمواد التعليمية المبرمجة، التي تعد أفضل تطبيق لنمط ضبط السلوك وتشكيله بشكل مباشر، ويتطلب أيضاً تخطيط دقيق لعملية التعلم يف ضوء نظرية الإشراط الإجرائي، وايلاء تفريد التعلم محتوى وطريقة وزمناً والتأكيد على أن التوظيف الجيد للتعزيز يؤدي إلى التفريد في التعلم.

ويمكن تلخيص مراحل نمط ضبط السلوك في التعلم في المراحل الآتية: 

الصفحة 317

الصفحة 318

نمط رونكوف التعليمي

ويقصد به نمط التعليم عن طريق المواد المكتوبة، أو نمط النشاطات المولدة للتعلم لرونكوف، وهو يمثل بعد من أبعاد المدرسة السلوكية النفسية، وهو يتعدى مدى التعامل مع عملية التعلم باعتبارها عملية إثارة واستجابة فقط، بل تتعدى إلى ما يحدث داخل الإنسان، عندما يتعلم، وينطلق رولكوف من اعتبارات مفادها أن التعليم يلعب درواً معيناً في عملية التعلم، ولكن الذي يتعلمه المتعلم فعلاً هو في النهاية ما يكتسبه من خلال ما يقوم به من نشاط وجهد.

ومن هنا فإن النشاط المولد للتعلم هو نشاط المتعلم الملائم لتحقيق هدف تربوي محدد في موقف أو مكان محدد، ولقد ميز رونكوف بين ثلاثة مستويات من النشاط المعلم التي تعمل عندما يقوم المتعلم بدراسة مادة تعليمية مكتوبة، وتتلخص في الآتي:

ومن هنا فإن توضيح الأهداف أو الأسئلة المنوي الإجابة عنها للمتعلم، قبل

الشروع في الدراسة أو القراءة ييسر عملية الحقائق التي تتصل بالأهداف أو الأسئلة المطروحة ، وهنا في هذه المجال تبرز أهمية للأسئلة التفصيلة التي تطرح بعد مقاطع صغيرة من النص، إذ تؤدي إلى تأثير تعلمي إيجابي، وتصبح الأسئلة أكثر أثراً على نشاطات التعلم إذا ما وجهت مباشرة ووجهاً لوجه من قبل المعلم، مما لو تخللت النصوص المكتوبة، والأسئلة النمط . العقلي الأعلى تنتج تعلماً أرقى نوعية، وذلك لما تقرره هذه الأسئلة . من عمليات التمثيل المعرفي الأرقى، ومن هنا تبرز أهمية الأثر الإيجابي من الأسئلة التي 

تأتي بعد النصوص، إذ تضعف قيمتها، إذا ما امتلك المتعلم مجموعة من النشاطات التعلمية المناسبة للموقف التعليمي أو كان المتعلم مهتما بالموضوع

الصفحة 319

ومن هنا تبرز أهمية دور المتعلم في دراسة المادة التعليمية أو النصوص ذاتياً، ويميز رونكوف في هذا المجال بين المؤثرات الأسمية والرمزية في النصوص التي تشير إلى الكلمات المكتوبة وحجمها ونوعها والجمل والعبارات التي تتكون منها المادة والنصوص التعليمية، والنشاطات المولدة التي يقوم بها المتعلم التي تحول المؤثرات الأسمية إلى مؤثرات الفعالة، ومن هنا فإن أداء المتعلم هو محصلة للمؤثرات الأسمية أو سمات أو خصائص النصوص وعمليات الدراسة التي يقوم به القارئ، ومن هنا فإن المؤثرات الأسمية في المحتوى وطريقة العرض والشكل تتسم بسمات معينة ففي المحتوى ينبغي أن تتسم بالدقة التي يقدم النص فيها الحقائق والمعلومات والتوجه الذي يتصل بالهدف التعليمي وغاياته وأهدافه الخاصة، والمواد غير المنتمية أي المدى الذي تضم فيه المادة التعليمة مواداً لا علاقة لها بالهدف التعليمي الذي حددده المعلم، أما طريقة العرض فتتمثل في اختيار المفردات والمحسنات اللفظية المستخدمة في العرض من تشبيهات واستعارات وأمثلة وتعريفات وتنظيم المادة التعليمية والتسلسل المنطقي للأفكار والحقائق في مقاطع الدرس المختلفة، أما من حيث الشكل فتتشكل في البنية النحوية للجمل والتعقيد اللغوي وطريقة تركيب الجمل من حيث استخدام الكلمات والأعراب.

ومن هنا يستند هذه النمط التعليمي لرونكوف إلى مفهوم التعلم الذاتي القائم على النشاط المولد باعتباره استراتيجية تعليمية عامة يمكن توظيفها في التعلم عن طريق مادة تعليمية مكتوبة، من خلال استثمار الأنشطة التعليمية المولدة للمعرفة والبيئة التعليمية أكثر مما يركز على استثمار المادة التعليمية المكتوبة، ويكون استثمار النشاط المولد للتعلم باستثارة النشاط الذاتي الفاعل عند المتعلم والذي يتيح له فرص تحقيق الأهداف المخططة من خلال التفاعل مع المواد التعليمية المتوافرة. ويمكن توظيف المواد التعليمية المكتوبة في التعليم ويمكنه استغلال ذلك من خلال

أحد البديلين التاليين( فرحان وآخرون198,1984) 

الصفحة 320

المحتوى، ومكتوبة بطريقة تتناسب والفئة المستهدفة من حيث المفردات والتراكيب والبنية اللغوية.

ومن هنا ففي نمط رونكوف لا بد من تحديد الأهداف التعليمية والتعلمية في ضوء تحليل التعلم القبلي للفئة المستهدفة وخبراتهم السابقة ومستوى الدافعية لديهم، واختيار مواد تعليمية مكتوبة تناسب قدر الإمكان الأهداف المحددة وحاجات وإمكانات الفئة المستهدفة من حيث المحتوى وطريقة العرض والشكل، وإعداد مواد تعليمية إضافية لإثراء المادة التعليمية المتوافرة، وجعلها أكثر مناسبة للأهداف وحاجات المستهدفين واستخدام الوسائل التعليمية المعينة وإعطاء الإرشادات والإيضاحات اللازمة حول النصوص والأهداف المنشودة وطرح وإعطاء أسئلة منتمية للأهداف بعد أجزاء قصيرة من النص، والتأكد من أن المتعلم يستخدم المواد التعليمية المتوافرة له، ويستخدم الوسائل المعينة والمواد الإضافية في أثناء تفاعله مع المادة المكتوبة، وتقويم مدى تحقيق الأهداف المنشودة عن طريق اختبار بعدي مناسب.

الصفحة 321

مقومات عملية التدريس التربوية

يتضمن التدريس مجموعة من الاستراتيجيات والأساليب والمناشط المختلفة، فهو

منظومة من المناشط القصدية المعبرة، والتي يقوم بها المعلم مع تلاميذه بهدف الوصول إلى التعلم، وتحقيق أهداف سبق تحديدها.

فعملية التدريس عملية دينامية ومتعددة العناصر ، إذ من المستحيل أن ندرس مادة تعليمية دون تلميذ أو ندرس لتلميذ لا شي أن هذه العناصر الثلاثة المعلم والتلاميذ والمادة الدراسية والعلاقات التي تتولد بينهم من أساليب واستراتيجيات التدريس والمناخ المحيط بكل ما سبق يعتبر عناصر في عملية التدريس.

وعندما يتخلف واحد من هذه العناصر الثلاثة الأساسية المكونة للتدريس، فإن العنصرين الآخرين ينفصل أحدهما عن الأخر، ولا يتم التدريس، وحذف واحد من هذه العناصر يدمر العلاقة القائمة بين الاثنين الآخرين.

وكما يجب النظر إلى أي موقف تدريسي على نحو كلي على اعتباره انه يضم عوامل عدة هي المعلم والتلاميذ والأهداف التي يرجى تحقيقها من الدرس، كما يضم المادة الدراسية والزمن المتاح، والمكان المخصص للتدريس، وما يستخدمه المعلم من طرق التدريس، وإذا كان كل عامل من هذه العوامل يمكن تقويمه على نحو منفصل إلا أن جميع العوامل تجمعها علاقات وتفاعلات يمكن أن تؤدي إلى نجاح الدرس، إذا نجح المعلم تنظيمها كما يمكن أن تؤدي إلى فشله إذا لم يحالفه النجاح.

وعملية التدريس تتطلب تحديد المدخل وهو جميع المسلمات التي تكون فلسفة تدريس المادة أو بتعبير آخر هي جميع النظريات والآراء المسلم بها والتي يرى المتخصصون قيام تدريس أي مادة على أساسها، والطريقة وهي مجموعة الخطط والإجراءات التي توضع بناء على نظريات معينة أو فلسفات لتدريس مادة معينة والوسيلة وهي الإجراءات العملية التي يتخذها المعلم داخل حجرة الدراسة، ويدخل في هذه الأدوات المستخدمة ( كالسبورة وأجهزة العرض والصور والرسوم والتمثليات والحركات والإشارات الخ، وإستراتيجية

الصفحة 322

التعليم والتعلم وهي مجموعة المناشط والإجراءات لتدريس موضوع معين بهدف تحقيق أهداف معينة محددة هي أهداف قصيرة المدى ومشتقة من أهداف المنهج بعيدة المدى. وهناك مبادئ عامة مشتركة بين الطرق التي يمكن أن يسترشد بها المعلم المبتدئ أثناء عملية التدريس، ومن أهم هذه المبادئ (یونس،  2004, 011  ):

ومن المنطقي بمكان انه ليس هناك طريقة وإستراتيجية واحدة مثلى ناجحة، بل هناك طرق متعددة واستراتيجيات متنوعة، تتعدد وتتنوع بتنوع أغراض التعلم و محتوياته 

الصفحة 323

ويتنوع استعدادات المتعلمين وتعدد مستوياتهم، ومن المهم بمكان هنا عدم النظر إلى طريقة التدريس واستراتيجياتها على أنها شئ منفصل عن المادة العلمية أو عن المتعلم، بل على أنها جزء متكامل من موقف تعليمي، يشمل المتعلم وقدراته وحاجاته والأهداف التي يتوخاها المعلم عن المادة العلمية، والأساليب والوسائل التي يتتبع في تنظيم المجال للمتعلم، كي ينشط ويغير سلوكه بجميع جوانبه.

وهناك اتجاهات علمية يمكن الإفادة منها في ميدان طرق التدريس، ويمكن ادراجها

على النحو الآتي:

وهذه الاتجاهات العامة كفيلة أن تغني الطرائق التعليمية، وتجعلها وسيلة لإقرار مكانة المتعلم على التعلم، وتمكنه من تطوير شخصيته في إطار القيم الإنسانية في مجتمعه، وبما يكفل إبراز ما له من التفرد والتميز.

الصفحة 324

وبما يكفل إبراز ما له من التفرد والتميز.

ومن هنا يجب أن يشري المعلم ،ثقافته، في ضوء علم النفس التربوي واتجاهاته

الحديثة، ويشري طرائقه المستخدمة في التعليم، مع منظومة استراتيجياتها التعليمية، في ضوء الاتجاهات العالمية الحديثة في التعلم، ويطوعها في الموقف التعليمية وعملية التدريس، حتى يتحقق في ذاته صورة المعلم المرشد والموجه للعملية التعليمية التعليمة، ويتحقق للمتعلم المساحات الواسعة التي تستثير دافعيته وطاقاته الفكرية في التعلم، بحيث يستكشف الواقع، ويستقرئ المعرفة، في ضوء استراتيجيات تعليمية تعلمية فاعلة.

الصفحة 325

المربي المسلم

أشار القرآن إلى دور المعلمين من الأنبياء وورثتهم من العلماء والدعاة بأن وظيفتهم الأساسية دراسة العلم الإلهي وتعليمه، قال تعالى : ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن كُونُوا رَبَّنينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَب وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ) (آل عمران: 79)، ويقصد بذلك إذا آتاه الله ذلك فإنما يدعوهم إلى العلم بالله، ويحدوهم على معرفة شرائع دينه، وأن يكونوا رؤساء في المعرفة بأمر الله ونهيه وأئمة في طاعته وعبادته بكونهم معلمي الناس الكتاب، وبكونهم دارسيه (الطبري، 1984).

فوظيفة الرسول للتعليم الناس الكتاب والحكمة وتزكية الناس أي تنمية نفوسهم وتطهيرها بقوله تعالى: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكتب والحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (البقرة: 129). بمعني يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم بالتربية على الأعمال الصالحة، والتبري من الأعمال الردية، التي لا تزكي النفس معها (السعدي، 2002). وقد بلغ من شرف التعليم أن جعلها الله من جملة المهمات التي كلف بها رسوله قال تعالى : ( لَقَد مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ، ايَتِهِ، وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) (آل عمران : 178)، فلقد انعم الله تعالى على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً، حين أرسل فيهم رسولاً من أنفسهم نبيا من أهل لسانهم، ولم يجعله من غير أهل لسانهم فلا يفقهوا عنه ما يقول، يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ، بمعنى يقرأ عليهم آي كتابه وتنزيله،

الصفحة 326

ويزكيهم بمعنى يطهرهم من ذنوبهم بإتباعهم إياه، وطاعتهم له فيما أمرهم ونهاهم ويُعَلِّمُهُمُ الكتاب والحكمة أي ويعلمهم كتاب الله الذي أنزل عليه، ويبين لهم تأويله ومعانيه، والحكمة ويعني بالحكمة: السنة التي سنها الله جل ثناؤه للمؤمنين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيانه لهم، وإن كانوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، إذ كانوا من قبل أن يمن الله عليهم بإرساله رسوله الذي هذه صفته، لفي ضلال مبين، أي في جهالة جهلاء، وفي حيرة عن الهدى عمياء، لا يعرفون حقا، ولا يبطلون باطلاً، وقد بينا أصل الضلالة فيما مضى وأنه الأخذ على غير هدى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ويقصد هنا بالمبين؛ أي الذي يبين لمن تأمله بعقله وتدبره بفهمه أنه على غير استقامة ولا هدى (الطبري، 1984).

ويتضح من هذه الآيات أن للمربي وظائف أهمها (النحلاوي، 1997 ,155): 


ولكي يحقق المعلم وظيفته التي كلف الله بها الرسل وإتباعهم يجب أن يتصف

بصفات أهمها:

الصفحة 327

الصفحة 328

يشعر بذلك، لأن الطلبة وخاصة الناشئين منهم يتأثرون بسلوك معلمهم كما يتأثرون بكلامه فهو قدوتهم في كل ما يقول ويعمل فهو بعدم الصدق قد يسى إلى نفوس طلابه وينحط بها بدلاً من أن يزكيها وينهض بأخلاقهم.

 وذلك بأن يكون على نصيب وافر من المعرفة بالعلم الذي يدرسه من علوم شرعية أو تاريخ وجغرافيا أو لغة أو علوم كونية طبيعية أو علوم رياضية، لأن تعليم العلم وتبسيطه للناشئين لا يأتي إلا بعد هضمه والتعمق في فهمه.

الصفحة 329

مرناً كيساً، يستمع لكل أراء الطلبة واستفساراتهم وشكوكهم فيتتبع أسبابها ويعالجها بحكمة وروية.

بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ( الـ شورى:15) أي استقامة موافقة لأمر الله، لا تفريط ولا إفراط، بل امتثالاً لأوامر الله، واجتناباً لنواهيه، على وجه الاستمرار على ذلك. فأمره بتكميل نفسه، بلزوم الاستقامة، وبتكميل غيره بالدعوة إلى ذلك. ومن المعلوم أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، أمر لأمته، إذا لم يرد تخصيص له، ولا تتبع أهواءهم، أي: أهواء المنحرفين عن الدين من الكفرة أو المنافقين. إما باتباعهم على بعض دينهم، أو بترك الدعوة إلى الله، أو بترك الاستقامة فإنك إن ابتعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم، إنك إذاً لمن الظالمين، ولم يقل: ولا تتبع دينهم لأن حقيقة دينهم، الذي شرعه الله

لهوا لهم، هو دين الرسل كلهم، ولكنهم لم يتبعوه بل اتبعوا أهواءهم، واتخذوا دينهم ، ولعباً، وأمرت لأعدل بينكم، أي في الحكم فيما اختلفتم فيه، فلا تمنعني العداوة والبغضاء من العدل بين الخصوم، ومن العدل في الحكم بين أهل الأقوال المختلفة، بحيث يقبل ما معهم من الحق ويرد ما معهم من الباطل (السعدي،2002).

الصفحة 330

الحراك في التربية الإسلامية

تتسم التربية الإسلامية بأنها تربية ديناميكية، والحراك النشط جزء من التصور الكلي للحياة المنبثق من رسالة الإسلام نفسه، وقد جسدها حراك عهد السيرة النبوية وسير خيرية القرون الأولى للإسلام، ولذلك فإن المناخ المناسب لحياتها كاملة، يكمن في الجو الإسلامي العام في المجتمع، والمجتمعات العربية مدعوة قبل غيرها من المجتمعات في البلاد الإسلامية إلى أن تتبنى الإسلام عقيدة وشريعة ونظام حياة، وأن تكون تشريعاتها العصرية وقوانينها المدنية مشتقة من الشريعة الإسلامية، وان يكون هذه التشريع هو المصدر الأساس لكل التشريعات الفرعية في جميع جوانب الحياة.

فعندما يكون المجتمع غير إسلامي، ونسعى إلى تكوين المجتمع الإسلامي، لابد أن تكون عملية التربية في إطار إسلامي هي من أهم أدوات التغيير، لأن الإنسان عماد التغيير، يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بقوم سوء فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَال 11) (الرعد:11).

ويقول (السعدي، (2002) إن الله لا يغير ما بقوم من النعمة والإحسان، ورغد العيش، حتى يغيروا ما بأنفسهم بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر، ومن الطاعة إلى المعصية، أو من شكر نعم الله إلى البطر بها، فيسلبهم الله إياها عند ذلك، وكذلك إذا غير العباد، ما بأنفسهم من المعصية، فانتقلوا إلى طاعة الله غير الله عليهم، ما كانوا فيه من الشقاء، إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة.

فالمعلم المربي هو الذي يقود عملية التغيير قال عليه السلام " إنما بعثت معلماً وقال الى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ وَايَتِهِ، وَيُزَكِّيهِمْ

وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ  ) (الجمعة 2)

الصفحة 331

أي يتلو عليهم آياتها القاطعة الموجبة للإيمان واليقين، ويزكيهم بأن يفصل لهم

الأخلاق الفاضلة، ويحثهم عليها، ويزجرهم عن الأخلاق الرذيلة، ويعلمهم الكتاب والحكمة، أيعلم الكتاب والسنة المشتمل على علوم الأولين والآخرين، فكانوا بعد هذا التعليم والتزكية، من أعلم الخلق، بل كانوا أئمة أهل العلم والدين، وأكمل الخلق أخلاقاً، وأحسنهم هدياً وسمتاً، اهتدوا بأنفسهم، وهدوا غيرهم فصاروا أئمة المهتدين، وقادة المتقين، فلله تعالى عليهم، ببعثة هذا الرسول صلى الله عليه وسلم، أكمل نعمة، وأجل منحة (السعدي،2002). والتربية هي العملية التي تغير سلوك الناس نحو الأهداف المتوخاة، وقد صرف رسول الله ثلاث عشرة سنة في العهد المكي وهو يربي أصحابه على العقيدة الإسلامية، والأخلاق الإسلامية، ليتحملوا تبعات الدعوة الإسلامية، وتكاليف إنشاء المجتمع الإسلامي، وقد أتت هذه التربية أكلها في المجتمع المدني، حين صار للإسلام دولة، وعاش المجتمع الإسلامي في ظل الدولة الإسلامية، فكان المسلمون الذين تربوا في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم هو القدوة والأسوة لكل داخل في دين الله، ومنضم للمجتمع الإسلامي (فرحان، 1991 98)

ولقد أدت التربية الإسلامية في المجتمع المدني دوراً مهماً في صياغة النفوس المؤمنة بقضاء الله ورسوله الراضية بأحكام الراضية بأحكام الإسلام وتشريعاته في كل مجالات الحياة، قال تعالى: ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا

يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (النساء : 65) . وهنا يقسم الله تعالى بنفسه الكريمة، بأنهم لا يؤمنون، حتى يحكموا رسوله، فيما شجر بينهم أي في كل شيء يحصل فيه اختلاف بخلاف مسائل الإجماع، فإنها لا تكون إلا مستندة للكتاب والسنة، ثم لا يكفي هذا التحكيم، حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق و يسلموا لحكمه تسليماً، بانشراح صدر ، وطمأنينة نفس، وانقياد بالظاهر والباطن

(السعدي،2002).

الصفحة 332

وهنا تبرز أهمية تربية الجيل الناشئ على العقيدة الإسلامية، والخلق الإسلامي ليكون صالحاً في ذاته، وتربيته كذلك، على أسلوب الدعوة إلى الله لإقامة حكم الله في الأرض، وإنشاء المجتمع الإسلامي وفق شرع الله، قال تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَلِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33 ) (فصلت:33). أي من أحسن أيها الناس قولاً ممن قال ربنا الله ثم استقام على الإيمان به، والانتهاء

إلى أمره ونهيه، ودعا عباد الله إلى ما قال وعمل به من ذلك (الطبري ،1984). ومن هنا يجب على المربي المسلم أن يتمثل الحراك في نهجه التربوي، والديناميكية في السلوك، والتطبيق العملي السلوكي وينأي بجعل التربية الإسلامية في أطر جامدة نظرية ساكنة، لا تمت للحياة المعاصرة بصلة، ولا تمت للتأسي بالعصور الإسلامية الذهبية في الالتزام في عهد السيرة النبوية وعهد خيروية القرون الثلاث الأولى، حيث كانت التربية الإسلامية حراك وعمل، قبل أن تكون تنظيراً وكلمات وهنا المشكل في واقع التربية الإسلامية، التي اصطبغت بالجمود والسكون والتنظير، ومن الديناميكية بمكان، متابعة الاتجاهات العالمية الحديثة في النظريات التربوية، في أطر الأصالة والمعاصرة، واستثمار ما لا يتعارض منها مع ثوابت الشريعة الإسلامية في تطوير المناهج التربوية المستندة إلى التربية الإسلامية، وتفعيلها في الطرائق والأساليب والإستراتيجيات التعليمية التعلمية، لأن الحكمة ضالة المؤمن أني وجدها أخذها في أطر واعية ناضجة تستند إلى الفكر الرسالي في الإسلام.

الصفحة 333 

نظرية بياجيه للنمو المعرفي:

بذل بياجيه جهدا كبيرا في تحديد مراحل النمو العقلي وتوضيح خصائصها، فقد حدد أربع مراحل تتمثل الأولى منها؛ في مرحلة النشاط الحسي الحركي، التي تبدأ في السنتين الأوليتين من حياة الطفل، حيث يتعلم خلالها الكثير من المهارات العقلية والحركية عن طريق الحديث والمشي واللعب والخبرة والمباشرة، أما المرحلة الثانية فتسمى بمرحلة ما قبل العمليات، وتبدأ من السنة الثالثة وحتى السابعة من عمر الطفل، وتمتاز هذه المرحلة بالنمو اللغوي لدى الطفل، واعتماده على الإدراك الحسي المباشر؛ مع تكوين صور عقلية الكثير من الأشياء مع بداية تكوين مفاهيم الوقت والفراغ، وتتمثل المرحلة الثالثة في مرحلة العمليات المادية والتي تبدأ من سن السابعة وحتى الحادية عشرة، وفيها يكتسب الطفل القدرة على التصنيف والترتيب وإجراء المقارنات وتصور النتائج المتوقعة، وتوقع نتائج عكسية، ونمو مفهوم العدد والقيام بالعمليات المنطقية والرياضية كالجمع والطرح والضرب والقسمة والتناظر و الترتيب والتعويض.

وتعتبر مرحلية العمليات المجردة أخر مراحل النمو العقلي التي حددها بياجيه، والتي تبدأ من سن الحادية عشرة وحتى الخامسة عشر، وهنا ينتقل الطفل في عمليات تفكيره من المستوى الحسي إلى المستوى التفكير المجرد واستخدام الرموز في العمليات الفكرية، مع القدرة على إدراك العلاقات بين شيئين أو أكثر، ووضع أكثر من احتمال للقضايا والأمور التي تواجها، وعمل مقارنات والوصول إلى الاستنتاجات وتكوين الفروض وإدراك المفاهيم

المجردة التفكير المنطقي وضبط المتغيرات في التحارب والقدرة على تقويم الأفكار ونقدها.

 ويمكن الاستفادة من نظرية بياجية في الأطر التعليمية من خلال مراعاة مراحل النمو المعرفي للمتعلمين في كل صف من الصفوف، وذلك عند طرح الأسئلة أو عند تكليفهم بالواجبات أو عند إدارة المناقشات المختلفة، أو عند عمل الاختبارات المختلفة، بحيث تتمشى كلها مع قدرات المتعلمين ونموهم المعرفي.

الصفحة 334 

ومن هنا تنتمي نظرية بياجيه إلى المدرسة المعرفية على الفتراض أن الأفراد يدركون ما يواجهونه بصور مختلفة ومرتبطة بالطريقة التي يدركونها، ويتحدد بذلك ما لدى الفرد من معارف وأبنية معرفية واستراتيجيات معرفية واتجاهات في خزن المعرفة واستعابها 

الصفحة 335


نظرية الجشطالت

وهي من نظريات التعلم، ضمن نظريات التعلم المجالية المعرفية، وقد ظهرت في الماينا خلال العشرينات وأوائل الثلاثينات من القرن العشرين وكان من أشهر روادها كل من فرتيمر وكوهلر وكوفكا.

وجاءت نظرية الجشطالت رداً على النظريات التي ركزت على تحليل السلوك على

عناصر وأجزاء كما يتم في الكيمياء، حيث تجزئة المواد إلى عناصرها الأولية، واستفاد أصحابها من فكرة المجال الموجودة في علم الطبيعة والقوى المؤثرة في هذا المجال.

فاعتبروا بأن كل كائن حي : مجالاً يعيش فيه، وان هذا المجال يتوقف على تنظيم القوى الفعالية فيه خلال لحظة معينة، وان نشاط الكائن الحي يمثل ناتج مجموعة القوى الداخلية والخارجية والمؤثرة في الفرد أي أن السلوك يهدف إلى إيجاد حالات اتزان بين القوى المختلفة المؤثرة في المجال.

وتعني كلمة جشطالت التنظيم أو التكوين الكلي العام والنظر إلى الكل قبل الجزء؛ على اعتبار أن الكل أكثر من مجرد مجموع الأجزاء، ولذلك ينظر علماء الجشطالت إلى السلوك الإنساني نظرة كلية معتمدة على وجود الكائن الحي في موقف معين؛ يتميز بوجود بعض العوامل التي تؤثر على هذا الكائن؛ فيستجيب له بطريقة معينة حتى يحقق تكيفه مع هذا الموقف.

ونادى أصحاب هذه النظرية بمبدأ التعلم بالاستبصار الذي يقوم على الفهم والإدراك الكلي للعلاقات العامة في كل موقف حيث اعتمد هؤلاء وخاصة كوهلر على تجارب عديدة أجروها على الحيوانات وخاصة القردة، حيث خرج الجشطالتيون من تجاربهم إلى نتيجة مفادها أن التعلم لا يتم عن طريق المحاولات العمياء الخالية من الملاحظة والتفكير واستخدام الذكاء، بل عن طريق التبصر بالأمور وادارك العلاقات، ومن النتائج الأخرى التي تم التوصل إليها أن الكائن الحي يمكن أن يطبق الحل الذي توصل إليه عن طريق الاستبصار، في مواقف تعلمية جديدة، في حين يرى السلوكيون أن التعلم يتلخص في 

الصفحة  336


الترابط الآلي بين المثير والاستجابة، ويعتقد أنصار نظرية الجشطالت بأن التعلم يمثل استجابة الكائن الحي للموقف كله وان نجاح التعلم بالاستبصار يتوقف على وجود تسابه بين بعض عناصر الموقف الجديد وبين خبرات الفرد في حياته وتجاربه الماضية، كما يتوقف على المستوى العقلي للفرد ومدى ما لديه من استعداد عقلي يمكنه من حسن الإدراك وتمييزالعلاقات الموجودة. 

ومن هنا يمكن للمعلم توظيف تلك النظرية من خلال طرح الأمور بالطريقة الكلية، حتى ينظر إليها بشكل متكامل بدلاً من تجزئتها بشكل يؤدي إلى تفككها ويصعب على الطالب ربطها جيداً، ومن هنا على المعلم أن يبدأ بالنظرة الكلية ثم الانتقال إلى الأجزاء وليس العكس، فعند تعليم الأطفال القراءة والكتابة يستحسن استخدام الطريقة الكلية وليس التجزئة بحسب هذه النظرية، أي البدء بالجمل ثم الانتقال على الكلمات فالحروف ن لأن البدء بالحروف المجردة يجعل من الصعب على الطفل إدراك معناها بشكل منفرد، وكذلك معلمي الرياضيات من خلال النظر إلى المسائل الهندسية أو الرياضية بشكل كلي، ا لأن ذلك يساعدهم على إدراك العلاقات التي تؤدي إلى الحل، وكذلك معلم التربية الفنية من خلال التأكيد على طلابهم في أي منظر يرسمونه بأن يركزوا على النظرة الجمالية الكلية،لأن الناس تحكم على النظر العام، ثم يبدأوا بالانتقال إلى الأجزاء أو التفاصيل

. وقد شجعت نظرية الجشطالت الكلية الكثير من المربين أمثال ميرل وتنيسون وكلوزماير وجانيية المطالبة بالتركيز على الطريقة الاستنتاجية أو الاستنباطية في تدريس المفاهيم للطلبة، في مختلف المستويات من خلال الانتقال من الكل على الجزء ومن العام إلى الخاص ومن التعريف إلى المثال.

الصفحة 337

التعلم عن طريق الاكتشاف

لاقت توصيات بياجيه في إعطاء الطفل دوراً فاعلاً في عمليات التعلم ترحيباً من الكثير من علماء النفس المعرفيين والذي يدافعون عن التعلم عن طريق الاكتشاف، وبعد مبتكر هذا النوع من التعلم برونر وهو عالم نفس كان يعمل في جامعة هارفارد والذي اتسعت شهرته بعد نشر كتابه طريقة التربية وفي هذا المؤلف، فقد أورد برونر نتائج المؤتمرات التي قام بها العلماء والمربون ورجال الفكر حول تدريس العلوم.

وقد أورد برونر عددا من العبارات الجدلية حول تطوير المناهج، فأشار في هذا الصدد إلى المواءمة بين طريقة تقديم المادة والطريقة التي يتعلم فيها الطفل، فالطفل يتقدم في تفكيره من التمثيلات الحسية إلى المجردة، ومن ثم إلى الرموز، ومن المفروض أن يكون ترتيب التعليم على هذا النسق وتنظيم المناهج يجب أن يرتب بحيث أن الطفل في البداية يخبر المادة ومن ثم يستجيب للجوانب الحسية فيها، وأخيراً يمثلها رمزياً.

وثمة عبارة أخرى في كتابه تشدد على كيف يجب تعليم المادة إن منهاج أية مادة يجب أن يجدد من خلال الفهم الأساسي الذي يمكن الحصول عليه من المبادئ المتضمنة والتي تعطي البناء العام للموضوع، والفكرة الأساسية في هذه العبارة هي أن الهيكل الرئيس لأي موضوع يجب أن يعرض على المتعلم حتى يدرك بناءه الحقيقي أي عناصره الأساسية، فبدلاً من الحفظ غيباً للمعلومات الحقائقية والمحتوى المتناثر، فعلى المتعلم أن يحفظ المبادئ التي يقوم عليها الموضوع، وعندما يتسنى للمتعلم معرفة هذه المبادئ فإنه يصبح بمقدوره أن يبحث في ذلك الموضوع بنفسه، وأن يحل المشكلات الواردة فيه.

وقد ركز برونر على ضرورة أن يتيح المعلمون المجال للمتعلمين، لأن يصبحوا قادرين على حل المشكلات، ولأن يسلكوا بطريقة مشابهة للعلماء، والمؤرخين والرياضيين، بحيث لجعل المتعلمين يكتشفوا المعنى لأنفسهم وان يساعدوا في تعلم المفاهيم باللغة التي يفهمونها 

الصفحة 338

إن معارضي التعلم عن طريق الاكتشاف ينتقدون إمكانية استخدامه بطيئ التعلم، فإن البرامج الخاصة التي قامت على أساس مبادئ بياجيه والمخصصة للأطفال المعاقين من الصفوف (1-7) لم تظهر بوجه عام سوى تحسنا طفيفاً في التحصيل مقارنة بالبرامج العادية التي تعلم الطلبة لغة خاصة، ومفاهيم رياضية في منهاج محدد، انه على ما يبدو يوجد محدوديات في السماح للمتعلمين بأن يختاروا ما يناسبهم من بين النشاطات المناظرة لمستويات تطورهم وان يتعلموا اللغة والرياضيات من خلال الخبرات الذاتية وليس التعلم الصفي المعتادة.

الصفحة 339

الاتجاهات

يصنف علم الاتجاهات في البعد الانفعالي أو العاطفي، ولا يلاقي هذه البعد اهتماماً وعناية في الدراسة والبحث لدى العاملين في التربية، وكذلك لدى المعلمين، حيث أن النتاجات الانفعالية يصعب تحقيقها، وتستغرق زمناً أطول، ولا يستطيع المعلم ملاحظة نتائج جهوده في وقت قصير، لذلك أغفلت المناهج التركيز على هذا الجانب مع أنه يعتبر ذا أهمية عظيمة في بناء جوانب من السلوكات المثمرة والفعالة التي تساعد على تكيفه، وعلى زيادة تحصيله وبالتالي تحسين صورته في أعين الآخرين (قطامي، 1998،172). ومن المعروف أن الأفراد الذين يبنون اتجاهات إيجابية أسرع على التكيف في مجتمعهم ويحققون تقدماً في علاقاتهم مع الآخرين، ويكونون أكثر إيجابية مع ما يواجهون من مواقف وفي قبول ما توكل إليهم من مهمات كذلك أن الإيجابية تزيد المخزون المعرفي لدى الأفراد من حيث أنها تتيح لهم الفرص في الاندماج في مواقف مختلفة، وهذه تتيح لهم مزيداً من التفاعل وبالتالي تزيد خبراتهم الانفعالية والمعرفية.

وتشكل الاتجاهات جانباً معرفياً هاما لتكامل النمو والتعلم لدى المتعلم، حيث أن التعلم الانفعالي بالإضافة إلى التعلم المعرفي يعطي فرصة للمتعلم في أن يصوغ خبراته ويطور سلوكاته بحيث تلاقي قبولاً ويجعلها أكثر مسايرة لمعايير الجماعة، ومن المعروف أن التركيز في السابق كان منصباً على النتاجات المعرفية وبذلك كان هدف المدرسة حشو عقول المتعلمين بالمعارف والمعلومات مما يؤدي إلى تأخر النمو الانفعالي لدى المتعلم، وبتقديم الخبرات اللازمة التي تسمح للتلميذ في أن يطور اتجاهات إيجابية أو سلبية نحو ما يواجهها تطور الجوانب الانفعالية وساهم في تكامل خبراته وبذلك يكون تعلم الاتجاهات والتعلم الانفعالي متطلبا للوصل إلى تنمية الشخصية المتكاملة.

إن معرفة مفهوم الاتجاه وخصائصه وأساليب تشكليه تساعد المعلم على تطوير أساليبه في معالجة هذه النوع من النتاجات، ويتوقع منه أن لا يتسرع في توقع ملاحظة النتائج لان المصادر هذه التعلم مختلفة ومتنوعة وتحتاج إلى وقت وممارسة لبلورته وتطويره وظهوره.

الصفحة 340

ويعرف الاتجاه بأنه استعداد نفسي متعلم للاستجابة الموجبة أو السالبة نحو مثيرات من أفراد أو أشياء أو موضوعات تستدعي هذه الاستجابة ويعبر عنه عادة بأحب أو اكره. ويعرف بأنه تنظيم المعارف ذات ارتباطات موجبة أو سالبة.

وهناك من يرى إن أدق وأشمل تعريف للاتجاه النفسي هو تعريف عالم النفس جوردون البورت الذي يصف الاتجاه بأنه إحدى حالات التهيؤ والتأهب العقلي العصبي التي تنظمها الخبرة، وما يكاد يثبته الاتجاه حتى يمضي مؤثراً وموجها لاستجابات الفرد للأشياء والمواقف المختلفة فهو بذلك ديناميكي عام. ويعرف بوجاردس" الاتجاه قائلاً: بانه ميل الفرد الذي ينحو سلوكه تجاه بعض عناصر البيئة أو بعيداً عنها متأثراً في ذلك بالمعايير الموجية أو السالبة تبعاً لقريه من هذه أو بعده عنه وهو يشير بذلك إلى مستويين

للتأهب هما أن يكون لحظياً، أو قد يكون ذات أمد بعيد.

ويمكن إدراجهما على النحو الآتي:

  1. التأهب المؤقت أو اللحظي وينتج بطبيعة الحال من التفاعل اللحظي بين الفرد وعناصر البيئة التي يعيش فيها، ويمثل ذلك التجاء الجائع لنحو الطعام في لحظة إحساسه

بالجوع وينتهي هذا التهيؤ المؤقت بمجرد إحساس الجائع بالشبع.

.

(ب) التهيؤ ذا المدى الطويل ويتميز هذا الاتجاه بالثبات والاستقرار، و يمثل ذلك اتجاه الفرد لحو صديق له، فهو ثابت نسبياً، لا يتأثر غالباً بالمضايقات العابرة، ولذلك فمن أهم خصائص هذا النوع من الاتجاهات أنه تأهب أو التهيؤ له صفة الثبات أو الاستقرار النسبي الذي يتبع بطبيعة الحال تطور الفرد في صراعه مع البيئة الاجتماعية والمادية. وعليه فالاتجاهات هي حصيلة تأثر الفرد بالمثيرات العديدة التي تصدر عن اتصاله بالبيئة وأنماط الثقافة والتراث الحضاري للأجيال السابقة، كما أنها مكتسبة

وليست فطرية.

ويعرف جانييه وبريجز ( Gange&Briggs1976 )  الاتجاه بأنه حالة داخلية

على اختيار الشخص لفعل معين تجاه موضوع أو شخص أو حدث، واختيار الفعل عنصر

الصفحة 341

هام من عناصر التعريف، لأن أفضل طريقة لقياس اتجاه الشخص لنحو موضوع ما هو ملاحظة كيف يسلك أو يتصرف إزاء هذا الموضوع، فالمتعلمون الذي ينسون باستمرار ملابس التربية الرياضية ويدعون المرض عند حلول حصة التربية الرياضية لهم اتجاهات سلبية إزاء هذا النشاط والتلاميذ الذي يقضون وقت فراغهم في مساعدة زميل لهم في دروسه أو معاونة جار لهم في الذهاب إلى السوق المركزي لديهم اتجاهات إيجابية نحو معاونة الآخرين، وكثيراً ما نستدل على اتجاهات الناس مما يقولونه، ولكن لا يمكننا قياس الاتجاه ملاحظة السلوك الفعلي.

خصائص الاتجاهات 

ويمكن إدراجها على النحو الآتي:

ومواقف.

يواجه.

الصفحة342

بعض الاتجاهات تظهر في سلوكات الفرد الشعورية ، والتي يعبر عنها بكلمات أو الفاظ خاضعة للضبط وبعضها الأخر تظهر في سلوكات الفرد اللاشعورية من مثل سقطات اللسان وغير ذلك من السلوكات التي لا تخضع للضبط. تتسم التجاهات الأفراد نحو الأشياء والموضوعات بصفة الثبات النسبي وهي : للتعديل والتغيير تحت ظروف التعلم، وبعضها نمضي يقاوم كما تظهر في الاتجاهات النمطية.

 توصف الاتجاهات بأنها قابلة للملاحظة والقياس والتقدير ويمكن التنبؤ بها. تتكون الاتجاهات من بعدين رئيسين هما البعد المعرفي والبعد الانفعالي.

تحتوي مقومات الاتجاه على عناصر أساسية هي:

  1. عنصر معرفي.
  2. عنصر انفعالي.
  3. عنصر الفعالية.

مراحل تكوين الاتجاهات :

يمر تكوين الاتجاهات بثلاث مراحل أساسية هي:

  1. المرحلة الإدراكية أو المعرفية : يكون الاتجاه في هذه المرحلة ظاهرة إدراكية أو معرفية تتضمن تعرف الفرد بصورة مباشرة على بعض عناصر البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية التي تكون من طبيعة المحتوى العام لطبيعة المجتمع الذي يعيش فيه، وهكذا قد يتبلور الاتجاه في نشأته حول أشياء مادية كالدار الهادئة والمقعد المريح، وحول نوع خاص من الأفراد كالأخوة والأصدقاء، وحول نوع محدد من الجماعات كالأسرة وجماعة النادي وحول بعض القيم الاجتماعية كالنخوة والشرف والتضحية.
  2. مرحلة نمو الميل نحو شيء معين وتتميز هذه المرحلة يميل الفرد محو شيء معين، فمثلاً أن أي طعام قد يرضي الجائع، ولكن الفرد يميل إلى بعض أصناف خاصة من

الصفحة 343

 

الطعام، وقد يميل إلى تناول طعامه على شاطئ البحر، وبمعنى أدق أن هذه المرحلة من نشوء الاتجاه تستند إلى خليط من المنطق الموضوعي والمشاعر والإحساسات

الذاتية. 

 3مرحلة الثبوت والاستقرار إن الثبوت والميل على اختلاف أنواعه ودرجائه يستقر ويثبت على شيء ما عندما يتطور إلى التجاء نفسي فالثبوت هذه المرحلة الأخيرة في تكوين الاتجاه.

عوامل تكوين الاتجاهات النفسية

هناك عدة عوامل يشترط توافرها لتكوين الاتجاهات النفسية الاجتماعية نذكر منها:

  1. قبول نقدي للمعايير الاجتماعية عن طريق الإيحاء : يعتبر الإيحاء من أكثر العوامل شيوعاً في تكوين الاتجاهات النفسية، ذلك أنه كثيراً ما يقبل الفرد المجاهاً ما دون أن يكون له أي اتصال مباشر بالأشياء أو الموضوعات المتصلة بهذا الاتجاه. فالاتجاه أو تكوين رأي ما لا يكتسب بل تحدده المعايير الاجتماعية العامة التي يمتصها الأطفال عن آبائهم دون نقد أو تفكير، فتصبح جزءاً لتحطياً من تقاليدهم وحضارتهم يصعب عليهم التخلص منه، ويلعب الإيحاء دوراً هاماً في تكوين هذا النوع من الاتجاهات فهو أحد الوسائل التي يكتسب بها المعايير السائدة في المجتمع دينية كانت أو اجتماعية أو خلقية أو جمالية، فإذا كانت النزعة في بلد ما ديمقراطية فإن الأفراد فيه يعتنقون هذا المبدأ 

(2)  تعميم الخبرات والعامل الثاني الذي يكون الإنسان من خلاله اتجاهاته وآرائه هو تعميم الخبرات فالإنسان دائماً يستعين بخبراته الماضية ويعمل على ربطها بالحياة أخذ الحاضرة فالطفل (مثلاً) يدرب منذ صغره على الصدق وعدم الكذب أو عدم ا شيء ليس له، أو احترام الأكبر منه عمراً.. الخ. والطفل ينفذ إرادة والديه في هذه النواحي دون أن يكون لديه فكرة عن أسباب ذلك، ودون أن يعلم أنه إذا خالف خائناً وغير آمن، ولكنه عندما يصل إلى درجة من النضج يدرك الفرق 

 الصفحة  344

بين الأعمال الأخرى التي يوصف فاعلها بالخيانة، وحينما يتكون لديه هذا المبدأ

(أي المعيار) يستطيع أن يعممه في حياته الخاصة والعامة.

 (3) تمايز الخبرة إن اختلاف وحدة الخبرة وتمايزها عن غيرها، يبرزها ويؤكدها عند التكرار، لترتبط بالوحدات المشابهة فيكون الاتجاه النفسي، ونعني بذلك أنه يجب أن تكون الخبرة التي يمارسها الفرد محددة الأبعاد واضحة في محتوى تصويره وإدراكه حتى يربطها بمثلها فيما سبق أو فيما سيجد من : تفاعله مع عناصر بيئته الاجتماعية. 

(4) حدة الخبرة: لا شك أن الخبرة التي يصحبها انفعال حاد تساعد على تكوين الاتجاه أكثر من الخبرة التي يصحبها مثل هذا الانفعال، فالانفعال الحاد يعمق الخبرة ويجعلها اعمق أثراً في نفس الفرد وأكثر ارتباطاً بنزوعه وسلوكه في المواقف الاجتماعية المرتبطة بمحتوى هذه الخبرة وبهذا تتكون العاطفة عند الفرد وتصبح ذات تأثير على

أحكامه ومعاييره.

أنواع الاتجاهات :

تصنف الاتجاهات النفسية إلى الأنواع التالية: 

  1. الاتجاه القوي: يبدو الاتجاه القوي في موقف الفرد من هدف الاتجاه موقفاً حاداً لا رفق فيه ولا هوادة فالذي يرى المنكر فيغضب ويثور ويحاول تحطيمه إنما يفعل ذلك لأن اتجاهاً قوياً حاداً يسيطر على نفسه. 
  2. الاتجاه الضعيف: هذا النوع من الاتجاه يتمثل في الذي يقف من هدف الاتجاه موقفاً ضعيفاً رخواً خاتماً مستسلماً، فهو يفعل ذلك لأنه لا يشعر بشدة الاتجاه كما يشعر بها الفرد في الاتجاه القوي.
  3. الاتجاه الموجب: هو الاتجاه الذي ينحو بالفرد نحو شيء ما (أي إيجابي).
  4. الاتجاه السلبي: هو الاتجاه الذي يجنح بالفرد بعيداً عن شيء آخر (أي سلبي). 
  5. الاتجاه العلني: هو الاتجاه الذي لا يجد الفرد حرجاً في إظهاره والتحدث عنه أمام الأخرين .

الصفحة 345

الاتجاه السري : هو الاتجاه الذي يحاول الفرد إخفائه عن الآخرين ويحتفظ به في قرارة نفسه بل ينكره أحياناً حين يسأل عنه.

  1. الاتجاه الجماعي: هو الاتجاه المشترك بين عدد كبير من الناس، فإعجاب الناس بالأبطال اتجاه جماعي.
  2. الاتجاه الفردي: هو الاتجاه الذي يميز فرداً عن آخر، فإعجاب الإنسان بصديق له اتجاه فردي.

9-اتجاه العام: هو الاتجاه الذي ينصب على الكليات وقد دلت الأبحاث التجريبية على وجود الاتجاهات العامة، فأثبتت أن الاتجاهات الحزبية السياسية تتسم بصفة العموم، ويلاحظ أن الاتجاه العام هو أكثر شيوعاً واستقراراً من الاتجاه النوعي

10- الاتجاه النوعي: هو الاتجاه الذي ينصب على النواحي الذاتية، وتسلك الاتجاهات النوعية مسلكاً يخضع في جوهره لإطار الاتجاهات العامة وبذلك تعتمد الاتجاهات   النوعية على العامة وتشتق دوافعها منها.


وظيفة الاتجاهات النفسية :

تتلخص وظيفة الاتجاهات النفسية فيما يلي:

أ-أن تضفي على إدراك الفرد ونشاطه اليومي معنى ودلالة ومغزى.

ب -أن تكسب شخصية الفرد دوام اتصالها بمؤثراتها البيئية.

ج- أن تساعد الفرد في محاولته لتحقيق أهدافه.

والواقع أن الاتجاهات هي دوافع مكتسبة إدراكية في نشأتها الأولى وفي بعض أهدافها، وهي بتكوينها وبمقوماتها وأركانها تتخذ لنفسها وظائف عامة وخاصة تسعى لتحقيق أهداف الجماعة والفرد، وهي ديناميكية في تفاعلها مع الموقف الذي يحتويه الفرد والبيئة فهي بذلك إدراكية وظيفية ديناميكية.

ويرى بعض العلماء ومن بينهم - كـــر ويعــــرف جانييه وبريجـــز

( 1976,Gange&Briggs) الاتجاه بأنه حالة داخلية على اختيار الشخص لفعل معين

الصفحة 346

تجاه موضوع أو شخص أو حدث، واختيار الفعل عنصر هام من عناصر التعريف، لأن أفضل طريقة لقياس اتجاه الشخص نحو موضوع ما هو ملاحظة كيف يسلك أو يتصرف إزاء هذا الموضوع، فالمتعلمون الذي ينسون باستمرار ملابس التربية الرياضية ويدعون المرض عند حلول حصة التربية الرياضية لهم اتجاهات سلبية إزاء هذا النشاط، والتلاميذ الذي يقضون وقت فراغهم في مساعدة زميل لهم في دروسه أو معاونة جار لهم في الذهاب إلى السوق المركزي لديهم اتجاهات إيجابية نحو معاونة الآخرين، وكثيراً ما نستدل على المجاهات الناس مما يقولونه، ولكن لا يمكننا قياس الاتجاه بملاحظة السلوك الفعلي.

 تش کر تشفيلد – أن الاتجاهات هي وسط دينامي يقع بين العمليات النفسية الأساسية والفعل ذاته، وهي تهدف إلى تنظيم الدوافع والوجدانات والإدراك والعوامل النفسية الأخرى تنظيماً تكاملياً منسقاً يساير البيئة في تأثيرها كما يؤثر بدوره فيها، وبذلك تعمل الاتجاهات على تخفيف حدة التوتر النفسي الذي يعانيه الفرد في محاولته للوصول إلى هدفه، فهي تعين الفرد في تكيفه للمواقف المختلفة التي يتفاعل معها.

أما بالنسبة للمقارنة بين الاتجاهات والعواطف فإن الاتجاه كما ذكرنا سابقاً هي الحالة العقلية التي توجه استجابات الفرد. أما العاطفة فهي صفة نفسية مكتسبة لها اثر كبير في تكوين الشخصية، والاتجاهات والعواطف تشابهان في تجمعهما حول شيء ما، وفي شخصيتهما الانفعالية، وفي توجيههما العام للسلوك، وفي أثر البيئة والمجتمع في تكوينهما. ويرى كانتريل في دراسته لعمق وشدة الاتجاهات، أن الإدراك هو سلوك هادف غرضي، يهدف إلى تحقيق بعض أهداف الكائن الحي ، فالفرد من خلال إدراكه للموضوع أو الحدث الذي يتصل مباشرة بأغراضه وأهدافه سواء الحاضرة أو المستقبلية، يستطيع أن يتفهم البيئة ومقوماتها، ليتمكن من التكيف لها والتفاعل معها بأسلوب سوي، وأثناء عملية التفهم العناصر البيئة ومداخلها والتفاعل معها تتكون اتجاهات الفرد، ثم تنمو وتتأثر متأثرة بإدراك الفرد للمواضيع والأحداث ومؤثرة في إدراك الآخرين للفرد كحدث وعنصر من عناصرالبيئة.

الصفحة 347

وخلاصة القول أن الاتجاهات النفسية تمثل نظاماً متطوراً للمعتقدات والمشاعر والميول السلوكية تنمو في الفرد باستمرار نموه وتطوره، والاتجاهات دائماً تكون تجاه شيء محدد أو موضوع معين، وتمثل تفاعلاً وتشابكاً بين العناصر البيئية المختلفة ولا يستطيع الفرد أن يكون أو ينشئ التجاء عن شيء معين إلا إذا كان في محيط ادراكه، أي أن الفرد لا يستطيع تكوين اتجاهات حيال أشياء لا يعرفها أو حيال أشخاص لا يتفاعل معهم، وهو (الاتجاه) عبارة عن وجهة نظر يكونها الفرد في محاولته للتأقلم مع البيئة المحيطة به، وأن تفسير السلوك يرتبط جزئياً بالتعرف على اتجاهات الأفراد وتعتبر عمليات القياس عامة، والاتجاه خاصة، عمليات أساسية في ميدان علم النفس الاجتماعي، ويعود ذلك إلى أن عملية القياس تحدد إلى أي مدى يمكن أن يعتمد على صحة النظريات والفروض القائمة وبذلك يمكن مساعدة الدارس على تعزيز أو رفض بعض النظريات والفروض وفتح أمامه مجالات أخرى للبحث والتجريب. فالإنسان يميل دائماً إلى التعميم سواء عن طريق الاستقصاء أو التبرير. وفي هذا الميل إلى التعميم يبدو وكأن الاتجاه الذي يتحدث عنه الفرد، إنما هو اتجاه عام وسائد. ولكن عند استخدام الأسلوب العلمي في القياس يثبت عكس ذلك، بل قد يثبت أن مثل هذا الاتجاه ما هو إلا اتجاه فردي أو اتجاه محدود، وبناء على ذلك، فإن معظم الافتراضات أو النظريات التي قامت على غير مثل هذا التعميم تعتبر على غير أساس كما أن قياس الاتجاه النفسي كأي عملية من عمليات القياس يساعد على التنبؤ بما يحدث في المجال الاجتماعي للجماعة. وهذا هو أهم هدف تسعى غليه البحوث والدراسات النفسية الاجتماعية، فعن طريق قياس الانجاء النفسي الاجتماعي يمكن التنبؤ بمدى (حدود) وزمن التغير الاجتماعي المرتقب في أي جماعة من الجماعات كما يمكن التنبل أيضا بإمكانية إدخال عامل جديد إلى حيز التفاعل النفسي الاجتماعي للجماعة. وعليه يمكن القول بأن عملية قياس الاتجاه النفسي، هي إحدى العمليات الهامة التي يجب أن يلم بها كل من يعمل في الميدان الاجتماعي الجماهيري، وخاصة المعلم والأخصائي الاجتماعي.

الصفحة 348

قياس الاتجاهات النفسية

تشير البحوث والدراسات النفسية، إلى وجود طرق عديدة لقياس الاتجاهات

النفسية تذكر منها:

أ طرق تعتمد على التعبير اللفظي للفرد.

ب طرق تعتمد على الملاحظة، أو المراقبة البصرية للسلوك الحركي للفرد.

ج طرق تعتمد على قياس التعبيرات الانفعالية للفرد.

  ويعتبر النوع الأول من أساليب القياس أي( الذي يعتمد على التعبير اللفظي) من أكثر الطرق تقدماً نظراً للاعتماد فيه على الاستفتاءات والحصول على الإجابات لعدد كبير من الأفراد في وقت وجيز.

 أما الأسلوب الثاني (ملاحظة ومراقبة السلوك الحركي للفرد)، فإن عملية ملاحظة السلوك الحركي للفرد تتطلبي وقتاً طويلاً، وتستدعي تكرار الملاحظة في ظروف مختلفة. من أمثلة ذلك، الحكم على الاتجاه النفسي للفرد عن طريق ملاحظة ذهابه إلى الجامعة أو لتأدية الصلاة، أو ملاحظ الشخص الذي يتردد على نوع معين من المكتبات، أو ملاحظة الركن أو الموضوع الذي يهتم به شخص ما عند قراءته للصحف دائماً، وهكذا.

أما بالنسبة لعملية قياس التعبيرات الانفعالية في المواقع المختلفة، فهي تتمثل في دراسة ردود الشخص الانفعالية على مجموعة من المؤثرات، وهذا الأسلوب لا يصلح للاتجاهات النفسية عند مجموعة كبيرة من الأفراد ويلاحظ أن قياس الاتجاه يتطلب بناء اختبار خاص أو مقياس خاص لهذا الغرض، ولهذا وقبل أن نتذكر الطرق المختلفة المستخدمة لقياس الاتجاه النفسي الاجتماعي، لا بد أن نشير إلى الشروط الأساسية التي يجب توافرها في بناء المقاييس وهي:

  1. اختيار عبارات المقياس، وتركيب العبارة في حد ذاتها، يعتبر أساسا ضرورياً، وهذا انتقاء عباراته وتركيبها بطريقة صحيحة ملائمة لنوعية الاتجاه المراد قياسه وتقديره 

الصفحة 349

  1. تحليل عبارات المقاييس ، ويعني ذلك الناحية الكيفية للحكم على صلاحية كل عبارة من عبارات المقياس لتقدير الاتجاه المطلوب قياسه. وبتفسير أوضح، لا بد من معرفة مدى اتفاق كل عبارة مع الهدف العام للاختيار.

والآن سنحاول مناقشة الطرق أو الأساليب الثلاثة الخاصة بقياس الاتجاهات

النفسية، وهي من أكثر الطرق شيوعاً في هذا المجال:

الطرق اللفضية لقياس الاتجاهات النفسية 

تعتبر الطرق اللفظية لقياس الاتجاهات النفسية من أكثر الأساليب تقدماً، نظراً لاعتمادها على الاحتكاك المباشر بالحالة أو الحالات التي يراد قياسها، والحصول على إجابات لعدد كبير من الأشخاص في وقت قصير ويمكن تلخيصها في الطرق التالية:

 (1) طريقة الانتخاب :Voting : تعتبر هذه الطريقة من الطرق العامة التي يسهل استخدامها وتحليل نتائجها. وهي تعتمد على الاستفتاء الذي يتكون من مجموعة أسماء أو موضوعات على صورة مواقف اجتماعية. وعلى الفرد أن يختار أحب هذه الموضوعات إلى نفسه أو أهمها لديه أو أبغضها عنده أو غير ذلك من النواحي التي يراد قياسها، ثم بعد ذلك يقوم الباحث أي الدارس) بحساب النسبة المئوية للأصوات، ثم يرتب الموضوعات ترتيباً يعتمد على القيم العددية لتلك النسب المختلفة، وإذا كانت هذه الطريقة تتسم بالسهولة أو السرعة في التطبيق وتحليل النتائج، إلا أنها لا توضح بدقة الفروق القائمة بين موضوعات الاستفتاء، وتتأثر كثير بالعوامل الخارجية التي لا يشملها أو يتضمنها الاستفتاء.

 (2) طريقة الترتيب :Rank Order تعتمد هذه الطريقة على أسلوب ترتيب موضوعات الاستفتاء ترتيباً يعتمد في جوهره على نوع الاتجاه المراد قياسه، ويذلك يتكون الاستفتاء من عدد محدود من الموضوعات، وتتلخص استجابة الفرد المفحوص في تريب هذه الموضوعات بالنسبة لدرجة كيله نحوها أو نفوره منها أو غير 

الصفحة 350

ذلك من الاتجاهات النفسية الاجتماعية، وفيما يلي مثال يوضح ذلك: طلب من ما، ترتيب الألوان المبينة أدناه، حسب درجة ميله نحوها وحبه لها، بحيث يصبح أولها، هو أحب الألوان إليه، وآخرها أبغض الألوان إليه (الأسود-البني- الرمادي الأصفر – الأحمر – الأخضر – الأزرق الأبيض) وقد جاءت استجابة الفرد المفحوص على النحو التالي (الأبيض – الأزرق – الأخضر – الأحمر -الأصفر – الرمادي-البني الأسود)، وبذلك يسفر هذا الاختبار عن تفضيل الشخص المستجوب اللون الأبيض على اللون الأزرق و الأزرق" على الأخضر، والأخضر

على الأحمر وهكذا حتى ينتهي الترتيب باللون الأسود كأبغض لون لهذا الفرد.

(3)طريقة المقارنة إزدواجية : إن خلاصة هذه الطريقة، هي في أن يفضل الفرد اتجاهاً على آخر نحو الموضوع الذي يتم قياسه، فمثلاً، إذا أردنا أن نتعرف على اتجاه الفرد من حيث ميله أو نفوره من حيوانات أو طيور مختلفة. فإننا نعرض عليه نوعين من الحيوان ليفضل إحداهما على الآخر، ثم نعرض مرة أخرى عليه حيوانين آخرين ليفضل كذلك واحداً على الأخر، وهكذا. وفي هذه الحالة، لا بد من اعطاء الشخص المستجوب فرصة التفضيل لجميع المقارنات الزوجية الممكنة، حيث أن هذه الطريقة تعتمد بالأساس على المقارنة الازدواجية بحيث يتكون كل سؤال من ! اسئلة الاستفتاء من مقارنة موضوعين، ثم تفضيل إحداهما على الآخر، بالنسبة لهدف الاتجاه المطلوب قياسه ويمكن تحليل نتائج هذا القياس بحساب عدد مرات اختيار الفرد وتفضيله لكل ،موضوع، ثم حسـ النسبة الم

لذلك.

(4) طريقة التدريج Rating Method: تعتمد هذه الطريقة على تدرج مدى الاتجاه من البداية إلى النهاية بحيث تدل كل درجة من التدريج على قيمة معينة لشدة الاتجاه. وتستخدم هذه الطريقة غالباً في قياس الاتجاهات الفردية، أي أن كل مقياس يدور حول اتجاه معين مطلوب قياسه حتى يمكن اعتبار أن اتجاه الفرد نحو موضوع ما

الصفحة 351

يختلف عن اتجاه فرد آخر حول نفس الموضوع، ويمكن تطبيق طريقة القياس التدريجي، بإحدى الكيفيتين التاليتين:

الطريقة الأولى: يقوم الباحث فيها، بترتيب عدد من العبارات، بحيث تدرج في معناها بالنسبة لشدة الاتجاه المراد قياسه. وذلك بعد أن يعرض هذه العبارات على مجموعة من الحكام لتقرير ذلك، ثم يقوم بتصنيف العبارات في عدو مجموعات متدرجة في شدتها بالنسبة للاتجاه، بحيث تكون هناك أكثر من مجموعة لقياس نفس الاتجاه، ولكن يبدو أن هذه الطريقة مجهدة للسباح سواء في مرحلة الإعداد أو التحليل، إذ أن عملية التحليل تعتمد بالأساس على الدرجة المعيارية لكل عبارة من العبارات التي يتضمنها المقياس.

الطريقة الثانية: أن يقوم الباحث بإعداد مجموعة من العبارات التي تتعلق بمحتوى الاتجاه المراد قياسه، بحيث تكون هذه العبارات من النوع الذي يمكن اعتباره مثيراً للفرد فيستجيب له بما يوضح اتجاهه، بعد ذلك يقوم الباحث، أيضاً بتدريج اجابه كل عبارة من ثلاث إلى سبع (3-7) درجات، بحيث لو زاد عدد الدرجات عن سبعة، يصبح من المحتمل ألا يستجيب الفرد بدقة كافية لمثل هذه العبارات، وقد ثبت بالتجربة، بأن أفضل تدريج للعبارة هو خمس درجات.

(5)طريقة ليكرت Likert يقوم الباحث في هذه الطريقة، بإعداد عدداً من العبارات (أي الجمل التي تتصل بالاتجاه المراد قياسه، ثم يضع أمام كل عبارة عدد من درجات الموافقة والمعارضة مثل: موافق جدا موافق – متردد – معترض – معترض. جداً. ثم يطلب من الشخص المستجوب أن يضع علامة (X) على الإجابة التي تعبر عن رأيه بالنسبة لكل عبارة من العبارات التي يتضمنها القياس، وبذلك يندرج اتجاه الفرد المستجوب من نقي قاطع إلى نفي معتدل ، إلى حياد تام، إلى إثبات معتدل، إلى إثبات قاطع

و عموماً فإن خطوات ضرورية، يجب على الباحث اتباعها في إعداد هذا النوع من المقاييس نوجزها فيما يلي:

الصفحة 352

ا يقوم الباحث يجمع عدداً كبيراً من العبارات التي تتعلق بالاتجاه المطلوب

قياسه.

ب توزع هذه العبارات على عينة أو فئة من الأفراد الذين سيعطى الاستفتاء لهم، ويطلب من هؤلاء أن يضعوا علامة (X) أمام الفئة التي توضح درجة موافقتهم أو عدم موافقتهم عليها، ثم تحسب درجة كل فرد عن طريق جمع درجات استجاباته على كل العبارات، بحيث تكون أعلى الدرجات للاتجاهات الإيجابية وأقلها للاتجاهات السلبية.

ج تحلف بعد ذلك كل العبارات التي يكون معامل الارتباط بين الدرجات عليها والدرجة الكلية معامل ارتباط منخفض.

وقد أكدت التجارب التي أجريت في هذا المجال، على تفضيل هذه الطريقة، نظراً لسهولتها، ولأنها تكون في العادة ذات درجات ثبات عالية ولأنها أيضاً تبين بدقة درجة اتجاه الأفراد نحو المشكلة.

(6)طريقة جتمان :Guttman تتلخص هذه الطريقة في المحاولة لإيجاد مقياس يشبه المقياس الذي يستخدم لكشف قوة الرؤية أو الإبصار عند الأفراد، فإذا قلنا (مثلاً) أو قوة رؤية أو إيصار (زيد) هي 6/9 (مثلاً)، ففي هذه الحالة، توضح لنا هذه الدرجة عدد الصفوف التي يستطيع (زيد) أن يميزها، وعدد الصفوف التي يعجز عن تمييزها في لوحة الكشف، وهذه الدرجة تعني أن (زيد) يرى كل ما هو أقل من درجة 9/6 وأنه لا يزيد في الإبصار عن هذه الدرجة، وبالمثل، إذا كانت رؤية (عمر) هي 6/6، فإن هذا يعني أنه استطاع أن يرى كل ما هو أقل من رؤية 6/6ويعتبر هذا النوع من المقاييس، مقياس تجمعي صحيح، حيث يستدل من خلاله على الصفوف التي رآها الفرد المفحوص من درجته النهائية وهذا (في نظر جتمان) هو أحد الأسس الهامة التي تميز المقياس الصحيح، إذ أن هذا الشرط، لم يتوفر تماماً في المقاييس السابقة، ففي طريقة ليكرت " لا : يعني أحياناً حصول شخصين على درجة واحدة أنهما بالضرورة قد اختارا نفس العبارات أو استجاباً بطريقة واحدة،

الصفحة 353


وعليه فإن محاولة جثمان تستهدف عمل مقياس بحيث إذا وافق فرد على عبارة معينة منه، فلابد في الغالب أن يكون قد وافق على كل العبارات التي هي أدني منها، ولم يوافق على كل العبارات التي هي أعلى منها، فإذا أمكن أن يحقق المقياس هذا، فإنه يمكن من خلال الدرجة التي يحصل عليها الفرد التعرف العبارات التي وافق عليها بالذات، ولن يشترك شخصان إذن في درجة واحدة على مقياس جتمان، إلا إذا كانا قد اختارا نفس العبارات، وعليه فإن جثمان يرى أن لتفسير الدرجة التي يحصل عليها، إلا معنى واحداً، وهو أن درجة الشخص هي ! النقطة التي تفصل بين كل العبارات الدنيا التي وافق عليها والعليا التي لم يوافق عليها، وهذا ما يميز – في نظر جثمان المقياس التجمعي الصحيح

(7)طريقة التصنيف: تعتمد هذه الطريقة في الأساس على فكرة البناء السوسيومتري للجماعة، حيث يمكن أن يتدرج تفضيله أو رفضه للآخرين من أعضاء المجموعة. هذه الطريقة في قياس اتجاه الفرد نحو الآخرين أو اتجاه الفرد نحو عدة موضوعات محددة، ويمكن للباحث بعد ذلك، أن يستنتج من تحليل نتائج هذا الاختيار مدى التباعد النفسي الاجتماعي بين الفرد والمجموعة، كما يوضحه الاتجاه النفسي للفرد.

ومن الجدير بالذكر فإن الاتجاهات النفسية التي تأصلت في الشخصية الإنسانية، والتي انغرست في السنوات الخمس الأولى من حياة الفرد، لا يمكن تعديلها إلا عن طريق بعض الوسائل الخاصة كالتحليل النفسي. غير أن عدداً كبيراً من اتجاهات الفرد تصدر عن المواقف التي خبرها الفرد في مراحل لاحقة، كأن يكون ذلك نتيجة لعضويته في جماعة عاملة، كالفصل المدرسي أو جماعة النادي أو جماعة ثقافية .. الخ، ويمكن من خلال ذلك، أن نستنج عدة حقائق موضوعية نذكرها فيما يلي:

  1. إن الاتجاهات المنغرسة في البناء الأساسي للشخصية، كسمات الشخصية (مثلاً) لا يمكن تغييرها بالوسائل العادية.


الصفحة 354

  1. إن تغيير اتجاهات أعضاء الجماعة قليل ،الجدوى، ولا بد من التعامل مع الجماعة وذلك لأن الاتجاهات تتبع الجماعة وتتصل بموقفها.
  2. إن محاولة تغيير الاتجاهات بإلقاء المحاضرات أو بالجدل المنطقي، هو عديم الجدوى، إذ لم يستطع بعض ممن اعتمدوا هذه الطريقة، إحداث أي تغيير بينما حصل البعض الآخر على درجات مختلفة من التغيير في الاتجاه المرغوب فيه، ولكنها تغييرات عرضية سريعة التلاشي والزوال.
  3. كلما كان الموقف غامضاً، كلما ازداد قيام الاتجاهات على الانفعال وعلى أسس غيرواقعية.

وباختصار يمكن القول بأن الشخصية ما هي إلا مجموعة الاتجاهات النفسية التي تتكون عن الشخص، فتؤثر في عاداته وميوله وعواطفه وأساليب سلوكه كلها، وأنه على قدر توافق هذه الاتجاهات النفسية وانسجامها، تكون قوة الشخصية، وعلى قدر فهم الفرد للاتجاهات، يكون فهمه الحقيقة شخصيته.

ويرى علماء التربية أن التعليم الذي يؤدي إلى اتجاهاً نفسياً صالحا في التلميذ، هوأكثر جدوى من التعليم الذي يؤدي لمجرد كسب المعرفة ، إذ أن الاتجاهات يظل أثرها دائماً، بينما تخضع الخبرات المعرفية عادة لعوامل النسيان، وإذا ما كانت الاتجاهات النفسية تكون جزءاً هاماً من التراث الثقافي الإنساني الذي ينتقل من جيل إلى آخر مع ما يتبعه من معتقدات وعادات وقيم وأفكار، فإن علماء النفس والاجتماع، وعلماء الأجناس ورجال التربية، يوجهون اهتماماً كبيراً لدراسة الاتجاهات النفسية ومحاولة قياسها.

تعلم الاتجاهات

ويقع تعلم الاتجاهات في فئة خاصة به، لأننا نتعلم الاتجاهات بطريقة مختلفة قليلاً عن تعلم المعلومات والمهارات والاستراتيجيات، فالعبارات اللفظية بمفردها غير كافية التعليم التلاميذ، فالعبارة اللفظية مثل حافظ على نظافة مدينتك أو أحترم الآخرين أو القيادة

الصفحة 355


فن وذوق قد لا تؤدي إلى النتائج المرغوبة، ذلك أن هناك شرطين أكثر أهمية في تعلم


الاتجاهات وهما (أبو علام، 2003)درجة نجاح المتعلمون في أداء نشاط ما أو في تفاعلهم مع الناس الآخرين، فالطفل الذي ينجح في تعلم الموسيقى لا بد له أن يكون اتجاهاً إيجابياً نحو الموسيقى، والطفل الذي يفشل في تعلم القراءة غالباً ما يكون له اتجاه سلبي نحو القراءة، رغم أن المعلم يتكلم يوميا عن أهمية وقيمة القراءة.

النماذج التي يتعرض لها الطفل، فنحن نتعلم الاتجاهات بشكل غير مباشر، من ملاحظة سلوك الناس المهمين لنا، إذ يؤثر الآباء والمعلمون والزملاء والشخصيات العامة تأثيراً عظيماً إذا تصرفوا بالأسلوب الذي يتفق . مع الاتجاهات التي يريدون تعليمها، فالمعلمون الذين يظهر في سيلوكهم الطبية والعدل والكفاءة وحب للتعلم

لهم تأثير كبير في تكوين اتجاهات إيجابية نحو المدرسة في تلاميذهم.


الصفحة 356

المتعلم في القرن ۲۱

حققت النظريات التربوية تطوراً ملحوظا، في أواخر القرن العشرين، وشكلت تطبيقاته مادة مهمة في مساحات القرن الواحد والعشرين بما عرف بالاتجاهات التربوية الحديثة، التي أكدت على تفعيل عملية التفكير واستخدام مهارات الذكاء الانفعالي والتربية على الرؤية الناقدة والتمحيص للآراء والنظر للمتعلم في ضوء الذكاءات المتعددة والوعي بالذات، واستخدام كافة الإجراءات المتاحة لتحقيق الإبداعية التربوية في المنظومة التربوية الشاملة، وتفعيل نظريات مدرسة علم النفس الإيجابي التي تركز على الإيجابية ودفع اليأس وتحفيز الذات.

ويمكن تحديد مضامين تلك الاتجاهات التربوية الحديثة في الأبعاد الآتية (جابر

1997/7) :


  1. ا التحول في مجال التكنولوجيا.
  2. التحول من الاقتصاد القومي على الاقتصاد العالمي.
  3. التحول من المدى القريب على المدى البعيد.
  4. التحول من المركزية إلى اللامركزية


الصفحة 357ه

  1. التحول من الاعتماد على الغير ( الدولة والمؤسسات ) إلى الاعتماد على الذات.
  2. التحول من الديمقراطية التمثيل على ديمقراطية المشاركة.
  3. التحول من العلاقات الرأسية إلى العلاقات الشبكية.
  4.  التحول من مناطق أخرى تبعاً لظروف الجذب والطرد.
  5. التحول من الاختيار من بدائل محددة إلى بدائل متعددة.

الصفحة 358

الصفحة 359

الأفعال، والاستبصار العظيم بما بعد المعرفة كأداة للتفكير الجيد مؤداه أن التفكير نفسه موضوع لسيطرتنا المقصودة، كما هو الحال مع سلوكنا الظاهر، وحين نسيطر على تفكيرنا، فإننا نستطيع أن نعيد تنظيمه بحيث نتغلب على نواحي القصور على الإخفاقات التي قد نكتشفها في الطريقة التي نفكر بها عادة. 

  1. إنها تساعد المتعلم على نحو صريح في تنظيم طريقة اندماجهم في عمليات التفكير على نحو أفضل. 
  2. إنها تتضمن فرصاً لها مغزى للتلاميذ ليفكروا في التفكير الذي يقومون به ويتأملوه.
  3. إنها تلاحق بغير انقطاع التلاميذ بدروس معينة تتيح لهم ممارسة أكثر يعملون فيها بنفس النوع من التفكير في مواقف جديدة.
  4. إنها تدار في بيئة صفية منفتحة حيث تتمذج اتجاهات التفكير الجيد وحيث تتاح للتلاميذ الفرص ليظهروا هذه الاتجاهات.

وما سبق ذكره يؤكد أهمية الخروج من العملية التربوية من الأبعاد الجامدة الساكنة التلقينية، إلى الأبعاد الحداثية في ضوء نظرية الأصالة والمعاصرة، بحيث لا نستخدم النظريات التربوية الحداثية على علاتها دون تصميمها بجدية ووعي ناضج في ضوء خصوصية هويتنا الثقافية، دون أن نكون في موقف الإمعية المطلقة، ومن المهم بمكان هنا التنويه بالإضافات الإبداعية عليها وضرورة الاهتمام في تلك الأبعاد، بحيث يتم تطوير تصميم تلك النظريات

الصفحة 360

في ضل هويتنا الثقافية في ضوء تقديم اضافات إبداعية لها تجعلها أكثر فاعلية وجودة ،ومتوائمة مع مجتمعاتنا ،وتحقق اهدافها بفاعلية اكبر في الممارسات التربوية العملية في منضومة تربوية شاملة 

الصفحة 361

الاتجاه الإنساني في علم النفس

تميزت المدرسة الإنسانية في علم النفس بالتركيز على التعلم الفردي، وتحقيق المتعلم ذاته، وتطوير شخصيته، واليات تكيفه مع البيئة المحيطة وحل المشكلات بالطريقة الإبداعية ويعنى الاتجاه الإنساني بتأثير الجوانب العاطفية الوجدانية ابنشخصية على التعلم ،ونضرا لضهور مفهوم أنسنة التعلم فقد تم التوجه نحو اعتبار مبادئ  الإنسانية لجعل التعلم أكثر إنسانية واحترام لقسمه واستعداده وامكاناته 

وقد مثل هذا الاتجاه ماسلو وجوردن وكارل وروجرز وكومبس وباربرا كلارك، وقد تم الاعتماد على أعمالهم في اشتقاق افتراضات توضح ملامح هذه النموذج وأسسه ومبادئه، وقد ضمن ماسلو كتابه، ثلاثة وأربعين افتراضاً، اعتمد كثيراً منها في تفسير الاتجاه في مواقف التعلم والتدريس.

ويمكن ذكر عدد من الافتراضات التي يقوم عليها هذا المنحى السيكولوجي على

النحو الآتي (ثوق وقطامي، 2003،327): 

الصفحة362

أما أدوار المعلم في ضوء الاتجاه الإنساني فيمكن تحديدها في الآتي:

كما أن الاتجاه الإنساني كاتجاه مهم في التعلم، يؤكد على المساحات الآتية في التعليم

الصفحة 363

ومن هنا يعنى التعلم الإنساني بالتعلم وقدراته واستعدادته، واستعداده للنمو والتطور وفق ظروف وبيئات يقوم بإعدادها واختيارها، ويكون تعلمه محدوداً بعدد من المتغيرات الشخصية والبيئية.

وبناءً على ما سبق فإن التعلم الإنساني هو التعلم الذي يتم فيه تهيئة مواقف وخيرات ونشاطات تساعد المتعلم على استغلال طاقاته الإبداعية وقدراته، لكي تتيح له فرصاً لإظهار مشاعره وانفعالاته، وتساعده على تطور الشخصية وفهم دور ضمن المجموعات التي يعمل وفقها، فالتعلم الإنساني هو التعلم الذي يركز على الاهتمام بالجو الصفي المفتوح الذي يسوده التسامح خالياً من التهديد والنقد، حيث يخلو الصف من استخدام الجرس الذي يقطع على الطلبة الاستمرار في نشاطهم الصفي ويقطع فرصة الاندماج في أثناء ممارسة الأداء.

ومن هنا تبرز أهمية الاتجاه الإنساني في استجابته لحاجات الأفراد النمائية، حيث يهتم بالتعلم الفردي والتخطيط الجيد له، بشكل ييسر على المتعلم متابعة تعلمه الذاتي وشق طريقه بنفسه، واستثارة دافعيته، وتحريك نشاطه الداخلي باتجاه أهداف التعلم في نطاق خطة محددة.

ومن هنا اهتمت أنماط المدرسة الإنسانية التعليمية بتطوير الشخصية من خلال تطوير أنماطها التعليمية التعلمية، التي تركز على تكييف البيئة لشخصية المتعلم لكي يشعر الفرد بالارتياح وبناء القدرة على التطور الذاتي للفرد وحل المشكلات بالطريقة الإبداعية (فرحان وآخرون، 25،19841).

الصفحة 364

التربية التقنية ؤالتربية الجمالية

إن التربية التقنية والتربية الجمالية تبدوان لأول وهلة وكان الصلة بينهما ضئيلة أو قد تبدوان وكان وشيجتهما بعلم النفس التربوي واهية هزيلة، وهذه الأمر لا يبدو مستغرباً عندما يدرك المرء مدى الفصل بين هذه الجوانب المهمة في كل من التطبيق والنقاش، فلفظة جمالي ترتبط بصفة عامة بالفنون الجملية كالرسم ولنحت وان كان يمكن استخدامها بذكاء على نطاق واسع وفي ظروف متفاوتة، وتقترن لفظة ( تقني ) عادة بالكفاءة والدقة العملية، ولا سيما في تركيب الآلات وإعداد المشاغل، وان كان يفصل لها أن تستعمل في ميادين أرحب من هذا، وان الاتجاه التقليدي يأخذ في العادة بتعريف ما هو جمالي وتقني بإرجاعهما إلى ما يكون عليه سلوك الإنسان من مجالات ضيقة أحياناً وموسعة شاملة أطواراً.

وان وجهة النظر المقترحة هنا كما أشار إليها مكفار لند" تتشكل في أن لكل نشاط إنساني تقريباً جانبيين؛ أحدهما جمالي والأخر تقني جانب يرافق الإحساس بالإبداع أو الإخفاق في العمل والمنجز، وجانب أخر يتعلق بالأساليب أو الوسائل المستخدمة في تحقيق العمل المطلوب، إذ أن ما تبعثه لوحة زيتية جيدة من إحساس بالرضا في نفس متطلع إليها غير خبير الخليقه أن تثير نفس الخبير بها إحساساً بأنها تحفة فنية وان الماكنة التي ترضي من يستعملها لأنها قد أدت على خير وجه صنعت من أجله لهي جديرة بأن تثير قفي نفس من صنعها أو من يفهم طبيعتها إحساساً بجمال دقة بنائها على أن حقيقة الفصل بين الجانبين الجمالي والتقني أمر لا يمكن إنكاره، وان ما يهمنا في مجالي تطوير التربية وعلم ) التربوي هو أن مثل هذا الفصل لا ينبغي أن يكون ( الجمساني واخرون، 1994،151).

 وباقترانهما بهذه الفكرة، إذن يؤلف الركنان الجمالي والتقني جوانب الحياة المتكاملة، وإنهما ليدركان لأول وهلة بأنه يمكن بحثهما مع الإشارة إلى المهارات الثلاث (القراءة والكتابة والحساب) وبالإشارة حقا إلى أي موضوع أخر يدرس كذلك، فلا يقتصر الأمر فقط على تلك الموضوعات التي توصف بشكل تقليدي بأنها موضوعات فنية أو تكنيكية، وان ما سبق ذكره من المشكلات العملية المتصلة بالتخلف والتأديب والجنوح

الصفحة 365

ينسلك الآن في مبادئ نفسية عريضة وتلك هي انه يجب أن يكون هناك نوع من التوازن قائم بإستمرار بين الجوانب الجمالية والتقنية في أي موضوع من موضوعات التعلم. فتقنيات التحليل الصوتي تتعب الطفل وتربكه إذ هو لم يحقق ما يشعره بلدة الإنجاز أو ما يحمله شخصياً على الميل إلى القراءة الذاتية، وان المسائل الهندسية الملتوية وموضوعات الإنشاء الطموحة هذه الموضوعات يمكن الخوض فيها بحماس وكفاءة إذا كان في المستطاع الحفاظ على التوازن المنشود. 

لكن الأهداف والطرائق السائدة في كثير من النظم التربوية لتتصدى بشدة لهذا المبدأ وانه حتى في حالة الدفاع عن هذا المبدأ دفاعاً لفظياً فقط فإن الضغوط العملية الصادرة عن الآباء ونظم الامتحانات وتحقيق المكانة المحترم للمدرسة، وهذه كلها كفيلة بحمل المعلمين على تطوير ونقل التقنيات إلى ما يتجاوز الإحساس الحقيقي ليشقون طريقهم قدماً في التعلم وإن كان في المآل كثيرون منهم يشيحون بوجوههم عما يمرضهم من وجبات فكرية ثقيلة فيجب في هذا الصدد التوصية بالآتي:

الصفحة 366


الصفحة 367

جدليات في التفكير

إن المتتبع لدراسات الباحثين في مجال سيكولوجية التفكير، تبرز لديه جديات متعددة، تدور حول ماهية التفكير وما يدور فيها من أنشطة ذهنية، فهناك من يحدد عملية التفكير بنقل الحس بالواقع بواسطة الحواس إلى الدماغ ووجود معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع (النبهاني، 2006،24).

  ويرى النبهاني (2006) أن هناك فرقاً بين أسلوب التفكير وطريقة التفكير؛ فأسلوب التفكير هو الكيفية التي يقتضيها بحث الشيء سواء أكان شيئاً مادياً ملموساً، أو شيئاً غير مادي أو الوسائل التي يقتضيها بحث الشيء؛ ولذلك تتعدد الأساليب وتتغير وتختلف حسب نوع الشيء وتغيره واختلافه؛ أما الطريقة فهي الكيفية التي تجري عليها العملية العقلية أي عملية التفكير حسب طبيعتها وحسب واقعها؛ ولهذا فإن الطريقة لا تتغير وإنما نقل هي هي؛ وبالطبع لا تتعدد ولا تختلف، ومن هنا كان لابد أن تكون دائمة وكان لابد أن تكون هي الأساس في التفكير مهما تعددت أساليب التفكير؛ فهي الكيفية التي يجري بحسبها إنتاج العقل للأفكار؛ مهما كانت هذه الأفكار، وهذه الطريقة العقلية، هي الطريقة الأم؛ وما عداها مما يسمى طرق التفكير، كالطريقة العلمية والطريقة المنطقية، إن هي إلا فرع لهذه الطريقة.

 و من الجدليات الفكرية أيضاً؛ ما يعرف بالآراء السابقة عن الشيء موضوع التفكير والمعلومات السابقة المتعلقة به؛ ويشير النبهاني (2006، 26) بأن المحتم في الطريقة العقلية عدم وجود رأي أو أراء سابقة عن الواقع بل وجود معلومات سابقة عنه أو متعلقة به؛ ولذلك فإن المحتم الوجود هو المعلومات وليس الرأي؛ أما الرأي السابق عن الواقع أو الآراء السابقة عنه، فلا يصح أن تكون موجودة أي لا يصح أن تستعمل في العملية الفكرية؛ فالذي يستعمل هو المعلومات فقد؛ مع الحيلولة دون وجود الرأي عند العملية ودون تدخله؛ فإن الرأي السابق إذا استعمل قد يسبب الخطأ في الإدراك، لأنه قد يتسلط على المعلومات، فيفسرها تفسيراً خاطئاً فيقع الخطأ في الإدراك، ولذلك لابد من التفريق بين الرأي السابق وبين المعلومات، وأن تستعمل المعلومات فقط ويستبعد الرأي.

الصفحة 368


وهناك جدليات تدور حول التفكير والذكاء، فاستخدام الذكاء قد يكون آلياً وبعفوية دون أن يكون في إطار عملية معقدة عميقة، وهذا هو الأصل، وقد يكون من خلال عملية معقدة عميقة، مما يجعلها في إطار متفلسف، وتحتاج إلى تفكير وأنشطة ذهنية متشابكة؛ وهنا فأن هذه العملية وان انطوت على أفكار وعلى تعقيدات ولكنها في حقيقتها . فکر، وهنا الجدليات تدور حول اعتبارها من منظومة الفكر أو اعتبارها في إطار الذكاء، وهنا يشير النبهاني بأن استعمال الذكاء في هذه الوضعية هو الأفضل، ويرى أن الأفضل أن تظل عملية الذكاء على عفويتها واليتها، دون أن تدخلها الفلسفة في التفسير والتوضيح، وإخضاعها لعمليات التفكير المعقدة، وهنا تنبثق جدلية اكبر بين المتخصصين في التفكير الإبداعي وعلماء النفس، فهنا من يرى أن التفكير الإبداعي يعتمد على عمليات بسيطة عفوية للغاية، وهذا يوافق ما يتردد لدى الأدباء باعتبار الإبداعية الأدبية هي : محض الهام وانفجار طاقات ناشئة من الحرمان والكبت يعبر عنها الأديب ابداعياً من خلال قصيدة أو بعمل قصصي، وقد يعبر عنها الفنان من خلال لوحة حراك الريشة على لوحته الإبداعية، تلك الرؤية في التفكير الإبداعي، يفسرونها بأن الإبداع ليس حكراً على المفكرين، بل تجده عند الفلاح البسيط، وعوام المجتمع العاديين، وهنا تختلط تلك الرؤية بتحديدها ابداعاً أو سرعة بديهة في التعاطي مع الموقف، أو محض ذكاء، وهناك من يرفض تلك الرؤية علماء النفس، ويراها محض ترهات ولا يؤمن أصلاً بما يعرف بالإبداعية الأدبية والإلهام، وهنا تدور جدليات بين كلا الفريقين في إثبات أحقية فكرته في الإبداع.

الصفحة 369

الإدراك الحسي والإدراك الفكري

تتشكل إشكاليات متعددة، من حيث عدم التفريق بينهما، وتتوقف على التفريق فهم إشكاليات عديدة في الحياة، وهما نمطان من التفكير، يتطور عن أحدهما، وهو الإدراك الفكري، كما أشار الخولي (1984) ، تفكير اسماء العقل العاطفي، الذي يصبغ الفكرة بالحماسة فالعقل العاطفي هو الذي يفتح أفاق النفس ويصل بها إلى قرار الفطرة، ويمكن لها في حبات القلوب، ويسر بها إلى الأعصاب يقظة وعزيمة، ويشيعها في الدماء نشاطاً وحيوية، فيصبغ بها صاحبها بصبغتها من جميع أقطاره الظاهرة والباطنة، فتبدو ألوانها في أعماله وأقواله وأفكاره ونياته واتجاهاته، وعواطفه، وأهوائه.

وفي مساحات الفكر الإسلامي، فإن للإنسان ضربان من الإدراك ضرب حسي تؤديه الحواس بمعونة العقل، فيتم لنا ادارك الكائنات الحسية المحيطة بنا في السموات والأرض، ويسمى الإدراك الحسي والضرب الأخر تؤديه خاصية عقلية تسمى الفكر وهي التي تدرك دلالة الكائنات على الله

فالإدراك الحسي خاص بإدراك الجانب المادي من الكون، والإدراك الفكري خاص بإدراك الجانب المعنوي الممثل في دلالة الكائنات على صفات الله تعالى صفات القدرة والعلم والحكمة والرحمة والكرم والود إلى ما له تعالى من صفات، فإذا سلم للمرء هذان الإدراكان امتلأ وعيه بمنطق المحسات وبمنطق المعنويات كليهما، ومن هنا فإن منطق المحسات هي

يتكون بمعرفة الكائنات وعناصرها وخصائصها وقوانينها وكيفية تناولها وتنظيم دنيانا ومعاشنا، أما منطق دلالة الكائنات على الله، فالكائنات آثار صفاته تعالى، فإذا أبصر الكون تلك الآثار فإنه لا يبصر جرماً ولا لوناً ولا نحوهما؛ إنما يبصر الطابع المعنوي الذي يستشعر به القلب وجدان صفة العظمة ومعناها، ووجدان صفة قدرته تعالى ومعناها، ووجدان صفة الرحمة ومعناها ووجدانات ومعاني صفات البر، والود والكرم والخير والإحسان إلى ما له تعالى عز شأنه وجلاله من صفات فيقوم القلب كيان من المعنويات التي تمثل أثار الصفات القدسية مع كل صفة الوجدان الشريف الذي يناسبها، وهذا الكيان

االصفحة 370

الجليل أو هذه البناء المعنوي هو لب معرفتنا لله تعالى، وهو الذي نسميه الأيمان (الخولي 1984 ، 16)

ومن هنا وجب أن يسيطر الوجدان الفكري بكل حقائقه العلوية ووجداناته، وخصائصه الإلهية على منطق المحسات ويغدو الإدراك الحسي متقاداً متوجهاً بكل إمكاناته إلى الغايات والمقاصد التي يرسمها له منطق المعنويات غايات الحق ومقاصد الخير والعدل، وهذا هو النمط الأمثل لصلة الإنسان بالكون وبالله وهو مقتضى الإيمان بالله تعالى، وإذا انفرد الإدراك الحسي بالعمل والنشاط، وتخلف أو توقف الإدراك الفكري لسبب من الأسباب فلم يعد يبصر الدلالات المعنوية، فإنه لا يبقى في وعيه إلا منطق المحسات المادية الذي تنظم به دنيانا، وبذلك تنسلخ وصاية المنطق الفكري عن الإدراك الحسي، فلا يكون له من رائد أو موجه يرتاد له الغايات والمقاصد إلا أهواء الحس ورغباته الطائشة (الخولي،.(1984 ، 17)

ومن هنا فإن هناك نوعين من المنطق؛ منطق الإدراك الحسي ومنطق الإدراك المعنوي العاطفي والمنطق الأول هو المنطق الطبيعي والرياضي، فهو يتلقى الفكرة بجمود وركود وحدية، أما المنطق المعنوي العاطفي، فإن يسيغ على الفكرة قناعاته بحرارة وحركة وشوق وقبول إيجابي، وهذه ما تحتاجه الرسالات السماوية، ومن هنا فالعقل العاطفي هو الذي يفتح أفاق النفس، ويصل بها إلى قرار الفطرة، ويمكن لها في حبات القلوب، ويسر بها إلى الأعصاب يقظة وعزيمة، ويشيعها في الدماء نشاطاً وحيوية، فيصبغ بها صاحبها بصبغتها من جميع أقطاره الظاهرة والباطنة، فتبدو ألوانها في أعماله، وأقواله، وأفكاره، ونياته، واتجاهاته، وعواطفه، وأهوائه، فإذا هي قد ملكته ولا يملكها، وسخرته لمشئيتها ولا يسخرها، فيحيى لها منفعلاً بخواطرها، غيوراً على حرمتها، مجاهداً لإعلاء كلمتها، باذلاً في سبيلها ماله وراحته ووقته ومواهبه ودمه ونفسه سعيداً بذلك غاية السعادة، وراضياً تمام الرضى، وهذه هو الفهم المعروف لدى علماء التوحيد بأنه التصديق القلبي، ولا يمكن للعقل المنطقي أن يؤتي من جنس ثمار التصديق القلبي، فالمسألة على هذا ليست مسألة 

الصفحة 371

الذهن الذي يفهم أو لا يفهم والعقل الذي يصدق أو يصدق، إنما هي مسألة القلب الذي يرضى ما يقال أو يحجده ويبش له أو يرفضه (الخولي، 1984،19).

وفي ضوء ذلك يمكن تحديد ماهية الفرق بين استخدام البشر لعقولهم، واستثمارهم لها، فهناك نمط يبقى في حدود المحسات ولغتها المادية، فتسيطر على حياته، وتعجزه عن فهم الماهيات وأعماق الحياة، ويبقى على حدود ظواهرها في المادة والسلوك والمصيرالخالدة.

وهنا من يقوده عقله، لتفعيل التفكير والتفكير في التفكير، فيغدو للأشياء معنى ودلالات لديه، ولكن هنا يبرز مفصل خطير في حياة هؤلاء، فإما أن يخوضوا كما أشار الأمام الغزالي في كتابه الأحياء، في التجريد والتنظير والتفاصيل، وتسرق أعمارهم، دون أن تنطلق إلى عوامل التطبيق، والمعنى الحقيقي للحياة، فتسرقه النظريات والتجريدات وتفاصيل التفاصيل، عن رؤية لوحة الحياة بإطارها الكلي الجميل، حيث انعكاسات أسماء الله تعالى وصفاته العلى عليها في الإبداع والصنعة والجمال والتدبير والتصريف، وبالتالي تشغله عن مصيره الأخروي، والاستثمار في أرصدته من العمل الصالح والذكر الطيب الحسن في الدعوة والإصلاح وخدمة الخلق، في ظلال رسالة التوحيد وهناك من يرتقي في عقله لمساحات اصطباغ قناعاته العقلية بالحماسة والعاطفة، فتغدو الفكرة العاقلة حراكا نشطا جديا مثابراً في الحياة، فنرى أفكاره أعمال حية في الحياة لها وقعها ومساحاتها في التطبيق العملي، فتتحول الفكرة من إطارها التنظيري التفصيلي، إلى حماسة وعاطفة ودافع نشط، تصطبغ في حياة الفرد، فيكون لبنة في الإصلاح والتطوير والعمل النشط والحراك الهادف، وأسمى تلك الأنماط من الحراك النشط ، تلك التي تكون في ضوء عمارة الكون المادية والمعنوية، في ظل استشعار تكريم الإنسان في الأرض، وانه خليفة الله في الأرض لعمارة الكون، وبناء الحضارة التي تتسم بالقوة والعدل والصدقية ونشر رسالة التوحيد والأيمان في الأرض.

الصفحة 372


كيفية اصال المفاهيم الدينية الى الأطفال

أن التربية الإسلامية تشكل معالم شخصية المسلم في مجتمعه، باعتباره أداة التغيير الاجتماعية، لتحقيق أهداف العمارة الإيمانية والمادية في الأرض من خلال إعداد الإفراد لمسؤولياتهم التربوية ومهامهم الاجتماعية، ومن ذلك إعداد الطفولة في مهدها الإعداد الإيجابي المتوازن في التنشئة الإيمانية، وفق منظومة قيمها السامية ومبادئها الخالدة، وآفاق إنسانيتها الشاسعة بلا حدود، ومنهجيتها المتناسبة مع الفطرة الإنسانية، وإشباعها لحاجات الإنسان في بعدها الشامل، باعتبارها استمداد من الوحي الإلهي، قال تعالى (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك:14).

وشكلت التربية الإسلامية مأوى الطمأنينة والسكينة لتلك الطفولة في مهد التنشئة من خلال حفظها من ظلمات الجهل، وتغذيتها بروحانية الاستقامة في القول والعمل وصيانتها من فيروسات السلوك المتفشية في المجتمعات.

 وقد نالت الطفولة انطلاقاً مما سبق؛ مكانتها المرموقة في اهتمامات التربية الإسلامية لخصوصية تلك المرحلة العمرية في التنشئة الإيمانية، وراعت مبادئ تلك التربية السمحة مستويات نماء تلك الطفولة في مراحل متنوعة، متمايزة عن بعضها البعض في إدراك واستيعاب المفاهيم الدينية، التي يبثها الكبار ويعلموها للصغار في إطار التنشئة الأسرية التي تستهدف تحقيق التربية الإيمانية في بعدها الشامل في الناشئة ومن هنا نالت مراحل تطور المفاهيم الدينية ومستويات تلقي الصغار لها اهتمام الباحثين التربويين، في دراستهم المتنوعة، وتقدم هذه الدراسة البحثية مساهمة بحثية علمية في هذا الصدد . ومن هنا يبرز أهمية مراعاة المراحل النمائية للطفل، وتقديم المفاهيم الدينية، بمقتضى تلك المراحل، حتى يتمكن الطفل من استيعابها والتفاعل الإيجابي معها، ويعد ذلك من أساسيات سيكولوجية التنشئة الأسرية في بعدها الإيماني.

 وانطلاقاً مما سبق تبرز أهمية التدرج التربوي في البناء الإيماني للطفل المسلم، وقد تكاثفت كتابات علماؤنا في هذا الصدد، في بيان أهمية التدرج وتطبيقاته التربوية في السيرة

الصفحة 373

النبوية، ومسيرة الدعوة الإسلامية المباركة في بدء عهدها، إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة، في ذلك النهج التربوي، ومن شواهد ذلك تعليم المسلمين القرآن متناسباً مع نزوزله منجماً، والتدرج في إرساء قواعد العقيدة في المسلمين في المرحلة المكية من الدعوة، وتدرجه في دعوة الناس فرداً فرداً في المرحلة السرية من الدعوة المباركة، واجتماعهم في البدء في بيته ، ثم اجتماعهم في دار الأرقم بين الأرقم لغايات التعليم والدعوة والانتقال بالدعوة إلى مرحلة تأسيس الدولة المسلمة، وبناء أول مجتمع إسلامي على الأرض، يحتكم إلى الشريعة الإسلامية قولاً وعملاً، وكذلك التدرج في البعد السلوكي في مجال تغيير بعض العادات السيئة المستحكمة المتفشية مثل شرب الخمر ، وجميع الشواهد السابقة الذكر هي موضوع الاستشهاد لا الحصر، لأن التتبع العلمي البحثي في ذلك متشعب، غزير المسارات في ثراء( الدلالات القضاة،1998 ،14).

وانطلاقاً مما سبق فإن التربية الإسلامية في كلها وتفصيلاتها تربية متدرجة، تراعي الأبعاد النمائية للمتلقين في منظومة إحكامها المستهدفة غايات تحقيق العبادة في المتلقي، وتوجيه مناشط سلوكه في الأبعاد الشاملة للنمو الإنساني.

ومن مظاهر تدرج التربية الإسلامية في بعد تنشئة الطفولة، ما دعت إليه التربية الإسلامية من تربية للجسم في السنوات الأولى من حياة الطفل، حيث تكون هذه التربية الزم ما تكون لنموه الجسمي السريع في هذه المرحلة، ثم ترتقي إلى الطور الثاني، وهو مرحلة التأديب والتهذيب والتعليم، وبعد ذلك تدرج التربية إلى مرح مرحلة ، سن التمييز في تنشئة الطفل الشاملة وفق المرجعية العقدية، ولهذا تكون التربية في هذه المرحلة عقلية أخلاقية وأخيراً تأتي مرحلة النضج والاكتمال، حيث يكون الإنسان قد وصل إلى المرحلة التي فيها المسؤولية كاملة، التي يترتب عنها قيامه بواجباته الإيمانية وأدواره الاجتماعية، كراشد مسؤول، يتحمل نتائج تصرفاته وأعماله (مرسي، 1944،144).

وعلى مستوى تعليم الصبيان، أشار المربون الأوائل من المسلمين إلى ضرورة التدرج في تعليم الصبي، والبدء بالأشياء السهلة ثم الانتقال إلى ما هو صعب؛ باعتبار أن الإنسان عادة ما يميل بطبعه إلى تعلم البسيط والسهل قبل الصعب، ويهتم بالشيء المعلوم

الصفحة 374

قبل المجهول، ويدرك حقيقة القريب قبل البعيد، فهذه الحقائق لا يمكن تجاهلها عند تعليم الأطفال، وهنا يوجه المربون الأوائل في التربية الإسلامية، إلى عدم خوض المتعلم في العلم دفعة واحدة، بل يتدرج فيه مع مراعاة الترتيب الأهم، وكذلك ينبغي على طالب العلم أن لا يخوض في علم إلا بعد أن يستوفي ما قبله فالعلوم مرتبة ترتيباً ضرورياً، وبعضها طريق بعض " (الغزالي، 1986،66).

ويؤكد الغزالي على ضرورة فهم المعلم لطبيعة الصبي، وهذا يتأتى من دراسة لنفسية الصبيان الذين تعلمهم، فهم ليسوا سواء، وإحاطة المعلم بالأبعاد النفسية للمتربين، تساعده من ناحية أخرى على إيجاد الصلة الإنسانية بينه وبينهم، ومن مزايا التدرج حفظ الخلط المتربي من وفوضى التلقي، وإثارة الإحباط في نفسه لعدم الوصول إلى حالة الوعي، والاستيعاب المناسب للمعرفة المقدمة وفي ذلك يقول الإمام الغزالي أن أول واجبات المربي أن يعلم الطفل ما يسهل عليه فهمة، لأن الموضوعات الصعبة تؤدي إلى ارتباكه العقلي،وتنفره من العلم.

 ويميز ابن خلدون بين ثلاث مراحل سماها تكرارات التعليم، فالمرحلة الأولى: يكون التعليم فيها إجمالاً، والمرحلة الثانية يكون التعليم فيها تفصيلاً، و المرحلة الثالثة يتم فيها تناول ما استشكل في العلم، ومسائل الخلاف فيه

وإستخلاصاً مما سبق؛ فإن التدرج التربوي يشكل قاعدة تربوية هامة في التنشئة الأسرية، ويستند إلى مبدأ نفسي في التوجيه، ويتطلب المخاطبة على قدر الإفهام، باعتبار أن الطرح المعرفي لمضامين التنشئة الأسرية، يتوزع في الطرح بحسب الأعمار، وطاقات الاستيعاب المعرفي (سعيد، 1997،66).


وهذا ما أكدته التربية الإسلامية في مصادر أصالتها وكتابات المربين الأوائل

وتتشكل من خلاله مزية التأصيل العلمي، لظاهرة تطور المفاهيم الدينية عند الطفل، وفق مستويات النمو العقلي عنده، كما حددتها النظريات التربوية الحديثة.

وفي قراءة واقعية لعوالم الطفولة وتساؤلاتها؛ المترعة بحب الاستكشاف، والتعرف على المجهول، وتجسيد الحقائق في إطار التحسس المادي لها ، يتبين للمستقرئ لتلك العوالم

الصفحة 375


وتساؤلاتها، ضوء معطيات واقع التنشئة فوضى تعاطي المربين مع تساؤلات الأطفال وذلك راجع لعدم إدراك المستويات النمائية للمعرفة عند الطفل، وبالتالي يجعلون الطفل في مساحة إرباك في الوعي، دون تحقيق لذة الاستكشاف لديه في نسيج معرفة متناسبة مع إبعاد الإدراك والوعي لديهم، ولا خلاف أن البعد الديني في عوالم الطفولة يحتل مساحات كبيرة في تساؤلات الطفل، باعتبار بعد التجريد في تلك المفاهيم الدينية، وبالتالي يلحظ تواكب التساؤلات في مرحلة التفكير الحسي الحركي ومرحلة تفكير ما قبل العمليات ومرحلة العمليات المحسوسة على وجه الخصوص حول الذات الإلهية، في البحث المتلمس لها في الزمان المكان من خلال منظومة تساؤلات الأطفال حولها جملة وتفصيلا، وحول ماهية الجنة، وهنا ينبغي معرفة ماهية تلك المراحل في حساسيتهما المعرفية، إذ لا يمتلك الطفل فيهما، القدرة على التجريد، وفهم ماهية الرمز ، وينبغي هنا التنبيه إلى ضرورة مراعاة إبعاد تطور المفاهيم الدينية في هذه المراحل الثلاث وهي وفيما يلي . عن تلك المراحل النمائية: 

السابعة إلى سن الحادية عشرة، أي مدة الالتحاق با الابتدائية وفي هذه المرحلة 

الصفحة376

اشياء على اساس بعدين كلون  والشكل إجراء عمليات رياضية بسيطة   كالجمع والطرح والضرب والقسمة 

 وفي تلك المراحل لا تقدم الحقيقة في ماهية التجريد والرمز، إذ لا يزال الطفل في مرحلة الفهم المادي المحسوس.

وهنا عندما تتوجه تساؤلات حول مفاهيم دينية، ينبغي للمربي في إجاباته عنها للطفل، أن يربطها بالمواد الملموسة، التي تحيط به، كأن يربط الجنة بأجواء الفرح والسعادة من الألعاب واللذيذ من المأكولات والمشروبات على سبيل المثال التي يستمتع بها، وكذلك النار وماهيتها في الزمان والمكان وماهية الموت وإسرار غياب الذوات تحت . الموت، وما ينشأ عنها من رجوع في دائرة التساؤلات عن الذات الإلهية وماهية القبوروالأرواح.

  التنبيه هنا، إلى أن الإجابات عن هذه التساؤلات من خلال حقائق الدين، تفضي إلى سلسلة مستمرة من التساؤلات من قبل الطفل، لأنه يبحث عن أية إشارات للتحسس المادي لها، في إطار المراحل التي تسبق مرحلة التجريد عند الطفل.

وهذا يؤكد أهمية تعاطي المربين مع قواعد التطور المعرفي في إدراكات الطفل، حتى يحدث الانسجام المعرفي بين ما يتلقاه الطفل وبين مستويات النماء الإدراكي لديه.

 لذا يجب أن تتسق لغة الحوار التربوي مع الطفل في ضوء تلك المفاهيم الدينية، مع مراحل تطور المفاهيم عامة لدى الطفل، مع التأكيد على عدم إدخال الطفل، في ضوء الإجابة عن تلك التساؤلات في مساحات في الرمز والتجريد وفق تصنيفات بياجيه، وهو ما يزال في مرحلة الفكرة المحسوسة، وبذلك نضمن عدم حدوث خلط في ماهية الاستيعاب، وفوضي التلقين، دون بلوغ الطفل حالة الوعي والاستيعاب المناسب مستويات النماءالإدراكي له. 

هنا نضمن تنشئة تربوية واعية تتعاطى بإيجابية مع مستويات النماء الإدراكي في بعد التنشئة الإيمانية للطفل هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يجب أن ينال الموضوع

الصفحة 377

أهميته في بعد إعداد المناهج التعليمية، والتعاطي مع تلك المراحل النمائية للمفاهيم الدينية بصورة إيجابية، وبالتالي يتوجب على معلم الناشئة أن يعطي تلك الأبعاد ما تستحقه من العناية في التوجيه التعليمي، من خلال تقديم تلك المفاهيم الدينية في المحتوى الدراسي وفق تلك المراحل في إطار استراتيجياته التعليمية في الغرفة الصفية، وبالتالي تلتقي حالة الأسرة في التنشئة الإيجابية الواعية مع المؤسسة التربوية في تحقيق التفاعل الإيجابي مع النشء، من خلال تربيتهم على الحقائق الإيمانية ومنظومة مفاهيمها، وفق مستويات النمو العقلي عد الطفل في الوعي والإدراك وبذلك تتحقق غايات التربية الإسلامية المنشودة في التنشئة الإيجابية المتوازنة للنشء، في ضوء منهجية الإسلام التربوية الشاملة في البناء السلوكي للفرد والمجتمع.

الصفحة 378

سيكولوجية الحب في حراك الطفولة

إن مفردة الحب في رفرفة أجنحتها الأسرية، وتعاملنا مع أطفالنا، تدور بوصلتها في اتجاهات متعددة، والمشترك العام فيها أنها تستعمل لوصف أنواع مختلفة ومتنوعة من الأحاسيس والمشاعر، فهي تتشكل في حراك الطفولة، في طفل يبلغ الثانية من عمره، نراه يتبع أمه وأباه باحثاً الأمن والحماية وفي الطفل الجذاب الذي يميل إلى كل من يراه، وكذلك في الطفل الذي يرغب في امتلاك كل وقت أبيه أو أمه، و كذلك في الابن الذي يطلب من الأب والأم نوعاً من الاهتمام المطلق له ،وحدة دون أن يزاحمه أحد من إخوته، والابن الذي يتخذ الأب والأم كسلطة عليا، والطفل الذي يصادق الأب والأم ويبدو أليفاً معهما كأنه صديق عزيز، والابن الذي يشارك الأب والأم الاهتمامات والأحاسيس والأفكار وهكذا، في حين أن مشاعر الآباء والأمهات تتشكل في نوعين من الأحاسيس، هي التفاني في حب الأبناء، والإغتباط الذي يشعر به الآباء لتميز أطفالهم.

وهناك تأكيدات من الآباء والأمهات، أنهم يحبون أطفالهم بنفس التساوي، وإنهم يمنحون كل طفل من أنفسهم مثلما يمنحون بقية الأبناء، إذ أن عدداً نادراً من الآباء والأمهات لا يحبون أطفالهم على الإطلاق، وأسباب ذلك، تعود لعلل مرضية، ليس هنا موضع تناولها علمياً.

 ولكن ربما لا نستطيع التحكم بطبيعة مشاعر الأطفال، وانطباعاتهم الذاتية حول مشاعر أبائهم وأمهاتهم تجاههم، وربما نستشف تلك المشاعر من حراك الطفولة بين أعيننا، فإذا ما عانى الطفل في أعماقه من فقدان الإحساس بالحب الدافئ من ناحية أهلة، أو من يقومون مقام الأهل، فإن مثل هذا النوع من الأطفال يعرف كيف ينتقم لغياب هذا الحب، والمصيبة الكبرى، أن تلك المشاعر إذا ما استحكمت وتراكمت في الطفل، فإن لها تداعيات مدمرة في البناء الشخصي المستقبلي لهذا الطفل. 

فهذا النمط من الأطفال يبادر لأن يكون مشاكساً أو ثقيل الظل، مزعجاً، لا يجيد حسن التصرف، ولا يهتم بنوعية سلوكه، ولا يهتم بما يظنه الآخرون عنه، ولا يهتم بما

الصفحة 379 


سيحدث له وتنتابه أفكار من قبيل انه فقد أهم شي يختزنه في أعماقه، وهو حب الأهل فهذه المشاعر تفرز مشاعر مختلطة بين الفوضى وشذوة الانتقام من البيئة التي ينشأ فيها. وهنا تبرز مشكلة تتأصل في سلوك الأباء والأمهات في النطاق الأسري، ومفادها، امتلاك القدرة على التعبير عن حبهم لأبنائهم، نظراً لضغط الحياة وزخم  المشكلات، إذ يبدو الآباء تحت نير صراعات العمل والحياة عاجزين عن التعبير عن تفانيهم في حب أبنائهم بصدق وإخلاص من خلال كل ما يبذلوه ،لهم، ويتحملوه من ضنك الحياة وشدتها، لكي تشرق مساحات مستقبل أبنائهم بين أعينهم وهنا تبدو مفردة التعبير الوحيدة، التي تتشكل في سلوك الآباء والأمهات هي لغة التعبير المادية، دون أن يرافقها لغة شعورية، عبر مفردات الحب الجميلة، أو لغة الجسد والاحتضان الدافئ.

ومن المشكلات التي تواجه الوالدين، في تنشئة أبنائهما، ما يبرز من تفوق لأحد الأبناء بين إخوته والأطفال الآخرين، فهنا تنبثق مشاعر السرور والفرح، لهذه الصفات الفردية التي يتميز بها طفلهم بين أخوته، وسائر الأطفال، علماً بأنه من المستحيل أن يشعر أي أب أو أم بنفس الإحساس تجاه أي اثنين من أبنائه سواء بسواء، فالولد مثلا نغتبط به ونقدره لصفاته الرجولية، والبنت تغتبط بها ونقدرها لصفاتها الأنثوية، هذا في المقام الأول. وفي المقام الثاني المحسن محب طفلاً الحيويته، وأخر الجديته في تناول الأمور، ونحب طفلاً أخر لحفظة القرآن، أو لشجاعته، أو فرط أدبه في معاملة الآخرين، أو لطريقة تفكيره المنطقية أو لصلابته أو لأناقته أو لتفوقه في السباحة مثلاً.

وهكذا لا يوجد ميزان تستطيع أن نقيس به مشاعرنا بالبهجة أمام صفات الأبناء، وهل هذه المشاعر متساوية أم لا، ولو حاولنا أن نزن مشاعرنا تجاه صفات الأبناء التي تفرحنا والتي تختلف من أبن ،لأخر، فلكل طفل مجموعة مركبة ومعقدة. الصفات يستجيب . الها الآباء، ولكل أب أو أم أيضاً مجموعة من الاستجابات للصفات المختلفة من أبنائه.

وفي الوقت ذاته إن هذا الإحساس بالاغتباط بصفات الطفل الجذابة، يقابله أحياناً بعض صفاته التي تضايقنا إنها مسألة ذاتية جدا، وقابلة للتغير والتبديل من فترة إلى أخرى.

الصفحة 380

تلك جدليات مهمة في قضايا سيكولوجيا التنشئة الأسرية للأبناء، ولكن ربما تسعفنا التربية الإسلامية، بتوجيهات شرعية، تضع ميزاناً للمساواة بين الأبناء، وربما كفة المشاعر في الرؤية التربوية الإسلامية، جعلت في موضع الواقعية، ومحض الفطرة، لأن عوالم المشاعر يصعب التحكم بها، في حكمها العام، ولكن هناك ضوابط شرعية، في إحكام أمرها، حتى لا تخرج عن إطارها، وتغدو في مساحة الظلم والإيذاء للأبناء، ففي التوجيه الإسلامي؛ هناك مقام محدد للمساواة بين الأبناء شرعيا وانفعالياً، في حدود الفطرة والسكينة والتراحم، وأي خروج عنه نحو الإيذاء والظلم والمقاييس المزدوجة الظالمة بين الأبناء، يكون مخالفة شرعية.

وينبغي هنا توجيه الوالدين إلى أن يبرمجا أنفسهما لرؤية ما هو جميل في أبنائهم، والابتعاد عن النظر السوداوية للأبناء، وإحصاء أخطائهم، فإذا ما كنا نريد ما هو جميل، يمكن لنا إن نراه في أبنائنا بسهولة ويسر، وإذا ما أردنا أن نرى ما هو قبيح وشنيع، يمكن لنا رؤيته في الأبناء، إذا ما كان منظورنا سودواياً فيه الشؤم والإحباط، وهذا ينعكس سلبياً على الأبناء، وطبعاً هذا المثال يمكن أن نطبقه على حياتنا خارج الأسرة، فعندما يتوافر لإنسان ما بعض الصفات التي نعجب بها، فإنها تحجب عن عيوننا ومشاعرنا صفاته الأخرى التي قد تضايقنا لو عرف رفناها، والعكس صحيح؛ فإن أي صفة مزعجة لنا نراها في شخص ما، قد من رؤية صفة رائعة في هذا الشخص.

والمشكلة الأكبر في الأسرة هو لو كان الوالدين حصراً مهمتهما الأسرية في البحث الصفات الرديئة في أبنائهم من جهة، أو عززا صفة ما في أبنائهم من خلال ربطها بصفة جميلة لأخ له دون إفراده بتلك الصفة والثناء، فهنا كأننا لم نعززه أبداً.

 كأن نقول له أنك أنيق ورائع في ملابسك اليوم مثل أخيك فلان فهذا النوع من الثناء لا يعطي مفعوله، بل ربما انقلب إلى ضده.

 لكن لو قلت: أنا راض عنك تماماً، واعتقد انك تؤدي عملك على أفضل وجه ممكن.

فمن المتوقع أن فرحة ابنك بهذا النوع من الثناء لا تقدر.


بالصفحة 381

وهنا علينا أن نكون هادئين ومطمئنين، إلى أننا نحاول أن نفعل كل ما هو صالح لأبنائنا، إننا نتفانى في تقديم حبنا لكل طفل من أطفالنا، ونشعر بالغبطة لكل ما نلمسه في الطفل من خصال حميدة، ونبذل جهدنا الدائم للابتعاد به عن العادات السيئة، وهذه هي المشاعر الأساسية التي نعرف انه يجب علينا أن نمنحها لكل طفل، وفي اغلب الحالات فإن هذا الأسلوب من الحب يجعل دورنا كآباء دوراً ناجحاً، ويدفع الطفل إلى الطريق الأمثل.

الصفحة 382

القياس النفسي والتربوي

الاختبارات النفسية هي مقاييس موضوعية مقننة لعينات من السلوك والقياس هو العملية التي تحصل بها على تقديرات كمية دقيقة للأشياء بما يؤدي إلى ضبط التعامل مع الناس في الحياة اليومية وتتوقف قيمتها على الدرجة التي يكون فيها كل اختبار ممثلاً للسلوك المراد قياسه أو الوزن المراد قياسه ومن أمثلة ذلك؛ تحديد الأوزان بوحدات قياس مثل الغرام والكيلو غرام أو الطن وتحديد درجات الحرارة بالوحدات المئوية أو وحدات فهرنهيت وكما يكون القياس بطريقة كمية وهو الأصل والمطلوب، فإنه قد يكون بطريقة كيفية مثل أن نقول الشخص (س) اقصر من الشخص (ص) ، وان الحديقة (1) أجمل من الحديقة (ب). 

ومن هنا فإن مصطلح القياس كما يستخدمه علماء النفس يعطي مدى واسع من أوجه النشاط تشترك جميعها في شئ واحد وهو استخدامها للأرقام واهم التعاريف التي يمكن صياغتها للقياس، ببساطة هو أن القياس يعني تحديد أرقام طبقاً لقواعد معينة وهي لیست دائماً قواعد صارمة.

 والقياس في علم النفس شأنه شأن القياس في المجالات الأخرى، يهدف للوصول إلى تقديرات كمية دقيقة لمظاهر السلوك التي تدرسها في علم النفس، فإذا كان علم النفس هو العلم الذي يرسخ السلوك الإنساني، فإن القياس النفسي هو فرع من فروع علم النفس،يهتم بقياس مظاهر السلوك والتوصل إلى تقدير كمي أو كيفي أحياناً فهذه المظاهرة.

في القياس النفسي لا نقيس الأشخاص الذين نقيسهم فعلاً بل نقيس خصائص أو سمات في هؤلاء الأشخاص فنحن لا نقيس الطفل أو المراهق وإنما نقيس ذكاء الطفل أو النضج الانفعالي للمراهق. وكما توجد وحدات نستخدمها لقياس الأطوال والمساحات والأوزان ونفس الأمر ينطبق على تحديد شكل أو حجم جرثومة تسبب أحد الأمراض حين نستعين بالمجهر، إن تقدير بعض خصائص الكرة الأرضية من وزن أو مساحة هو قياس الأحجام الكبيرة جداً،

الصفحة 383

ويتطلب الاستعانة بوسائل العلم الحديث، وهناك مفهوم أساسي يجب التعرض له في هذه المقام هو المكون الافتراضي وهو مفهوم نفترض وجوده لتفسر به الظواهر العلمية المختلفة مثل الجاذبية والمغناطيسية.

والمكونات الافتراضية في علم النفس وهي مفاهيم هذا العلم الأساسية، فمثلاً نفترض وجود مكون اسمه الذكاء لنفسر به قدرة الإنسان على التعلم والفهم والاستدلال. أما بشأن مستويات القياس العامة للأنواع المختلفة أو مستويات القياس، فإن أكثر تلك المستويات فائدة لعملاء النفس هي الصياغة التي وضعها س. س. ستيفتر، فطبقاً لهذا النسق يمكننا تقسيم الطرق الممكنة لتحديد الترقيمات إلى أربعة أنواع كل منها له قواعده ومستلزماته الخاصة به ولكل منها الإجراءات الإحصائية الخاصة المناسبة.

فالنسق الذي وضعه ستيفتر رتب هذه المستويات تبعاً لمدى تطبيقات العمليات الحسابية المألوفة عليها، فأولها واقلها في هذا التسلسل الميزان الأسمى ثم الترتيبي ثم الفئوي ثم النسبي، ويمكن إدراج تلك المستويات على النحو الآتي (محمد 2004،421).

الصفحة 384

ومعظم اختبارات المدارس من هذا النوع، ويمكن مقارنة درجات طالبين في هذا الميزان فنقول درجة هشام اقل من درجة مراد بخمس درجات والموازين الفئوية تعاني من قصور وهو عدم نقطة صفر ،حقيقية، فالطالب قد يحصل من آن لآخر على درجة صفر في حساب المثلثات أو الأدب الانكليزي ولكن هذا لا . يعني انه لا يعرف شيئاً عن المادة، وعلى الرغم من أن الغرض من الاختبار هو قياس المعرفة بالمادة الدراسية فليس من الضروري في الواقع تحديد معنى صفر في المعرفة، وعلى الرغم إننا نجمع ونطرح الدرجات في الموازين الفئوية، فهناك عملية لا يمكن القيام بها وهي قسمة درجة أخرى، لأن عملية القسمة تفترض مسبقاً وجود نقطة صفر محددة.

إن كثيراً من المقاييس المستخدمة في علم النفس تفشل في الوصول إلى مستوى موازين النسبة إلا عدد منها، وهذا العدد يوجد حين يمكن قياس خاصية عقلية بوحدات وهي طبيعية من نوع ما.

 فحين نقيس زمن رد الفعل مثلا فإننا نستخدم الوحدات الزمنية المعتادة . الثواني وأجزاء الثانية، فإذا كنا نريد بيان السرعة التي يمكن بها سائقوا السيارات الضغط على الفرامل عند رؤية ضوء احمر فإننا نتمكن من القيام بذلك بقياس النسبة فإذا كان سرعة مراد يأخذ في هذه العملية (5) من الثانية، بينما يأخذ فيها هشام ( 3 ) من الثانية فقط، إذ يمكننا بيان مدى سرعة هشام على مراد فإن نسبة هذه الرقمين ( 3:5 ) إلى بعضها.

 وتطبق الاختبارات النفسية والتربوية في كثير من المجالات في الوقت الحاضر، ففي المجال التربوي تطبق لخدمة التوجيه التربوي حيث تقاس قدرات التلاميذ وميولهم و استعداداتهم الدراسية المختلفة وعلى أساس منها يمكن للإدارة التعليمية أن توزعهم على أنواع للتعليم التي تناسب قدراتهم وميولهم وذكائهم العام وبذلك يمكن وضع التلميذ المناسب في الدراسة المناسبة.

الصفحة 386

ولا يخفى ما لا لأتباع هذا الأسلوب من فوائد جمة تعود على الفرد وعلى الجماعة على حد سواء فالنسبة للفرد الذي يوضع في الدراسة التي يهواها والتي تمكنه قدراته من النجاح فيها، ووضع التلميذ المناسب في المكان المناسب على أساس علمي موضوعي يؤدي إلى حسن تكيف التلميذ وشعوره بالرضى والسعادة فيرضى عن نفسه وعن مجتمعه والرضى عن النفس أساس الرضى عن الغير ومن شأن ذلك أن يجنبه أيضاً بالفشل والإحباط. فالتلميذ الذي يفشل في دراسته قد يلجأ إلى العدوان والعنف لإيجاد متنفس لرغباته المكبوتة ولا ثبات ذاته في مجال أخر غير المجال العلمي والذي فشل فيه ويؤدي ذلك إلى أن يفقد المجتمع عضواً قد يكون صالحاً إذا ما وجه التوجيه التربوي للتعليم.

ويلعب القياس التربوي والنفسي درواً هاماً في الحياة المدرسية اليومية على جانب ذلك الدور الذي يلعبه في الإدارة التعليمية التي تتولى تقييم التلاميذ وتوزعهم إلى أنواع التعليم المختلفة. والمعلم يستطيع أن يطبق كثير من الاختبارات والمقاييس النفسية والتربوية المختلفة بحيث يمكنه تقسيم تلاميذه إلى مجموعات متجانسة من حيث ما يملكون من ذكاء أو قدرات خاصة، وبحيث يمكنه تطبيق طرق مختلفة من طرق التدريس تتناسب كل طريقة مع مستوى كل مجموعة. 

ومجالات القياس النفسي تتركز في قياس الذكاء والقدرات والاستعدادات والسمات الشخصية، وهي ذات أهمية في تحديد فاعلية البرامج التعليمية التي نود إجرائها ومدى فاعلية المقاييس التي نستخدمها، وأثرها عندما تطبق في الميادين التربوية فاعليتها في ضوء الأهداف المتوخاة من العملية التربوية.

الصفحة386

المضامين السيكولوجية في رسالة – أيها الولد – للأمام أبو حامد الغزالي

 تشكل رسالة أيها الولد مادة غزيرة بالمبادئ السيكولوجية التي تمثلت في فكر الأمام أبو حامد الغزالي التربوي وتعكس روحانية الأمام، وتأكيده على أهمية الربانية في العلم، وإخلاص النية الله تعالى في السعي له لما لها من استقرار نفسي، في أعماق طالب العلم، ووجهت الرسالة الهمة نحو الآخرة، وقد جاءت تلك الوصايا التربوية بسمتها الذي فيه مصارحة وخلاصة رؤية الغزالي في الحياة، وسر النجاة فيها، واستجابة لرسالة من أحد طلبة العلم إلى الأمام أبو حامد الغزالي، حيث طلب منه توجيهه نحو العلوم التي فيها منفعة واستئناس في الدارين وتحذره من العلوم التي لا تنفعه لغاية اجتنابها، ملتمساً من وصايا الأمام النصيحة والدعاء، والأمن النفسي من خلال كلماته، وأشار طالب العلم هذا، أن هدفه من تلك الرسالة، أن يكون بين يديه وريقات تكون معه مدة حياته، يستأنس بها، ويلتزم بمقتضاها، فأجابه الإمام إلى طلبه، فكتب هذه الرسالة في جوابه عن حاجته وسؤاله، في الهدف والغاية من العلم، ومقام التجارة الرابحة فيه، والفوز العظيم.

وربما تشكل تلك الوريقات مادة البرمجة ،الذات بمقتضاها، وفيها خلاصة خبرات الحياة، وخطة لمسيرة العلم، وترشيدها وفق منهج التربية الإسلامية، فضلاً عما تحمله من امن نفسي، ومادة للأسوة، يبرز فيها الحسن ،فليلتزم وتبرز فيها الخطوط الحمراء، فيتم اجتنابها، في اختصار تجربة عالم فذ مبدع.

والمتتبع لمضامين تلك الرسالة التربوية، يبرز لديه مزايا سبرها للحياة، وجوهر حقيقة تلك الحياة، وأن مالها الفناء، وتركيزها على مبدأ صدق النية في التوجه الله تعالى، واستثمار الأوقات بطاعة الله، وحسن الإعداد للآخرة، ومحاسبة النفس على الدوام، لذا يبرز الطابع الروحاني في نصوص الرسالة والتزامها منهج الربانية في تكوين شخصية طالب العلم وأهدافه العليا في رسالة العلم .

الصفحة 387

ومن هنا تشكل تلك الرسالة محطة نفسية أمنة لطلبة العلم، وواحة من المشاعر الدافئة، وخطوط مهمة في تحديد الأولويات في رحلة العلم، وأهدافها العليا، التي تجعل الدنيا، جسراً للآخرة. 

وتضمنت الرسالة منظومة قواعد وأصول المهمة التعليم الخالدة، ومزايا المعلم المربي، ونقد الطرق غير السوية في العبادة مثل شطحات الصوفية، وتعلية للقيم الإيمانية التي تبعث الهمة والأمن النفسي للفرد، في ظل منهج مستقيم يتفق مع قواعد الشرع الحنيف ولا يخالفها.

فهذه المنظومة من الأبعاد التربوية، وتفصيلاته في نهج شخصية الفرد والمجتمع، المعلم والمتعلم، ومضمون التعليم وأهدافه، والرؤية النقدية للواقع آنذاك . ما اشتملته رسالة أيها الولد.

وأتناول هنا أبعاداً محددة في رسالة أيها الولد هي النحو الآتي:

أولاً : الأهداف التربوية في رسالة أيها الولد :

الصفحة 388

ثانياً : المضامين التربوية في رسالة أيها الولد :

قدمت الرسالة توطئة لموضوعاتها، ببيان أسباب إعراض الله تعالى عن العبد، ومنها اشتغال العبد بما لا يعنيه وأكدت على استثمار العمر في طاعة الله تعالى وبالأخص، عند

الصفحة 389

بلوغ الأربعين، إذ هذا السن أولى ما يكون الوعي فيها الحقيقة الحياة، والبعد عن زخرفها الزائل، وإن لم يتحقق ذلك في حياة العبد في مثل هذا السن فإن هذا نذير شؤم لسوء الخاتمة.

وأشارت الرسالة إلى أهمية اقتران العمل بالعمل، وعرجت الرسالة إلى أن توجيه النصيحة إلى الآخرين هو بحد ذاته أمر جد سهل، ولكن الإشكال يقع في قبولها المرارة وقعها على القلوب.

وقدمت الرسالة مؤشراً لقيمة العلم من خلال العمل، إذ لا تتشكل ثمرته إلا من خلال العمل، وابرز الأمام أبو حامد الغزالي أهمية محاسبة النفس في الدنيا، ومتابعة سلوكها لغاية الإنابة والاستغفار

وتضمنت الرسالة نصيحة لطالب العلم؛ تتشكل في إستشعاره فضل الله تعالى عليه بالهداية والاستقامة، وأكدت الرسالة على أهمية التعلق بالآخرة في الدنيا، وحسن الإعداد لها، لأن ذلك يعد من صفات المؤمن الكيس.

وأبرزت الوصايا أهمية إخلاص النية لله تعالى في طلب العلم، وحذرت من الإقبال على العلم لغاية منافسة الأقران والمباهاة.

وأشارت الرسالة إلى أن التجارة الرابعة في العلم تكون في الآتي:

- شريعة النبي صلى الله عليه و سلام 

- تهذيب الأخلاق.

- كسر النفس الإمارة بالسوء.

ورسخت الرسالة عقيدة الجزاء في مضمونها العام، وأن المآل . والحساب، وأن الدنيا زائلة وأن الحساب حتمي لا محالة.

ودعت إلى أهمية استشعار رقابة الله وشكر نعمته والاثه وتعظيمه تعالى، من خلال نص أوردته الرسالة عن الإنجيل ومفاده عبدي طهرت منظر الخلق سنين، وما ظهرت منظري ساعة، وكل يوم ينظر في قلبك يقول: ما تصنع لغيري وأنت محفوف بخيري، أما أنتف لا تسمع:

الصفحة 390

وقدم الأمام الغزالي قاعدة تربوية هامة تشير إلى أن العلم بلا عمل جنون، وأن العمل بلا علم لا يكون. 

وأكدت الرسالة على أن أهداف العلم الحقيقية، تكون من خلال التلذذ بثمارها، خلال زيادة إيمان المرء، وعمله لدنياه كأنه يقيم فيها أبداً، وعمله لأخرته كأنه يموت غدا. وأشارت الرسالة إلى ضرورة ارتباط العلم بالطاعة والإنابة إلى الله تعالى، وقدم الأمام الغزالي مفهومه للطاعة والعبادة بالآتي:

  ـ ضرورة أن تكون الأقوال والأفعال موافقة للشرع، فالعلم والعمل بلا اقتداء بالشرع ضلالة.

وتضمنت الرسالة منهجاً للطاعة والروحانية بعيداً عن شطحات الصوفية، وحذرت في أكثر من موضع من إتباع الضلال والجهلة في العبادة، والذين يتعبدون بغير روح ومقصد الشرع. وحدد الأمام أبو حامد الغزالي، منهج الروحانية المستقيمة، إذ تتشكل في الآتي:

وأشارت الرسالة إلى علامات الشقاوة والتي تتشكل بالنفس الممتلئة بالغفلة والشهوة، وأكدت على أن أنوار المعرفة لا تحل في نفس غافلة، بل تكون فيمن يروض نفسه بالمجاهدة.

وتناولت حيثيات في العلم لا يمكن وصفها بالقول، لأنها ذوقية، وحددت الرسالة ما يجب على السالك في الآتي:

 الصفحة 391

تحصيل علم الشريعة قدر ما تؤدي أوامر الله تعالى ثم من العلوم ما تكون فيه النجاة.

وآثرت الرسالة طالب العلم ( السائل ) بحكمة موجزة من قبل الإمام العالم، وهيمأخوذة م حديث مروي عن النبي :

أعمل لديناك بقدر مقامك فيها، وأعمل لأخرتك بقدر بقائك فيها، وأعمل الله بقدر حاجتك إليه، وأعمل للنار بقدر صبرك عليها.

وأدرج الأمام أبو حامد الغزالي فوائد العلم في الآتي:

ورتبت الرسالة أدبيات لطلبة العلم بين يدي مربيهم هي على النحو الآتي:

الصفحة 392

وأكد الأمام أبو حامد على مسألة اختيار طالب العلم الفقر على الغنى، حتى

تنكشف نفسه للحق ولا يغتر بالدنيا ومتاعها الزائل

وعرجت رسالته على خصال التصوف الصحيح من منظور أبو حامد إذ يعرفه بالاستقامة مع الله تعالى، والسكون عن الخلق بالآتي:

وحددت الرسالة مفهوم العبودية في ثلاثة أركان هي: 

- المحافظة على أمر الشرع.

- الرضا بالقضاء والقدر وما قسم الله للعبد من الرزق.

- ترك رضا نفسك في طلب رضا الله تعالى.

وتضمنت الوصايا تصور أمامنا أبو حامد الغزالي للتوكل، وقد حدد مفهومه بالاتي 

هو أن تستحكم اعتقادك بالله تعالى فيما وعد، وتعتقد أن ما قدر لك سيصل إليك لا محالة، وأن اجتهد كل من في العالم على صرفه عنك، وما لم يكتب لك، لن يصل إليك، وإن ساعدك جميع العالم.

 أما بشأن مفهوم الإخلاص فعرفه بالأتي أن تكون أعمالك كلها الله تعالى، ولا يرتاح قلبك بمحامد الناس، ولا تبالي بمذمتهم. وقدمت الرسالة رؤية موجزة للرياء، بأنه يتشكل من تعظيم الخلق عوضاً من تعظيم الخالق، وهناك لفتة إبداعية في الوصايا تشكلت في الرؤية الفلسفية الجوهر حقيقة: (الكون الانسان  الحياة )لدى الأمام أبو حامد الغزالي، ومفادها؛ اعتبار البشر جمادات بين يدي  تعالى، وهم في قمة العجز في أن يوصوا إليك، الراحة والمشقة لك، بقوة ذواتهم وسطوتها، دون إرادة الله تعالى، وذلك العلاج الناجع للرياء، لأنك إن حسبتهم ذوي قدرة وإرادة، فستؤول غريقاً في مستنقعات الرياء، وهكذا الكون الحياة كلها بيد الله تعالى، يحركها كيفما

شاء.

واختصرت الوصايا مبادئها بالآتي أعمل بما تعلم، لينكشف لك ما لم تعلم.

الصفحة 933

وكرر الإمام توجيهاته لطالب العلم، بعدم الاشتغال بترهات الصوفية، وأوجز

ثمان نصائح للعمل بها على النحو الآتي:

ـ لا تناظر أحداً في مسألة ما استطعت.

-أحذر أن تكون واعطاً ومذكراً، إلا أن تعمل بما تقول أولاً، ثم تعظ به الناس.

 تجنب مخالطة السلاطين، واحرص على أن لا تراهم ، لأن رؤيتهم ومجالستهم، ومخالطتهم آفة عظيمة.

- لا تقبل شيئاً . من عطاء الأمراء وهداياهم.

-أجعل معاملتك مع الله تعالى، بحيث لو عاملك بها، من هو تحت يدك، ترضى بها، ولا يضيق خاطرك عليه، ولا تغضب منه، والذي لا ترضاه من عبدك المجازي، فلا ترض به أيضاً الله تعالى، لأنه سيدك الحقيقي.

- عامل الناس بما ترضاه لنفسك، لأنه لا يكمل إيمان عبد حتى يحب لسائر الناس ما يحب لنفسه.

-إذا قرأت العلم أو طالعته، ينبغي أن يكون علمك لغاية إصلاح قلبك، وتزكية

نفسك.

-لا تجمع من الدنيا أكثر من كفاية سنة، كما كان رسول الله يدعو الله تعالى: * اللهم اجعل قوت آل محمد كفافاً.

وختم الأمام أبو حامد الغزالي وصاياه، بتوجيه رسالة إلى تلميذه، ومفادها أن تعمل جاء بها، وان لتنسى شيخك من الدعاء، وأشار له إلى أن الدعاء هو الكنز، وهو ما ورد في دعوات الصحاح، ووجهه لمحو دعاء يقرأه في جميع أوقاته، وبالأخص بعد كل صلاة ويدور حول معاني الإنابة والخشية الله تعالى والتعلق بالآخرة، وطلب المغفرة والاستقامة على النهج القويم والصراط المستقيم، وتذكر أهوال القيامة والدعاء بالطاف الله تعالى، والدعاء الجامع للآباء والأمهات والأخوة والأخوات والدعاء بأن يعيده الله تعالى من جهنم وبئس المهاد، واتسم الدعاء بتكثيف الثناء على الله تعالى، وجوامع الكلم، والتزام المأثور بالدعاء.

الصفحة 394

مدى ما تضمنت رسالة أيها الولد من مبادئ تربوية حديثة

قدمت رسالة أيها الولد لفتات تربوية جمة ومنها رؤيتها الجامعة للحضارات والأديان عند ذكرها فوائد العلم وان فوائد العلم ضمنت في الكتب المقدسة، فمن عمل بتلك الفوائد، فقد عمل بتلك الكتب المقدسة (التوراة ، الزبور الإنجيل، الفرقان)، وهنا تأكيد على مواطن الالتقاء بين الحضارات بدلا من مواطن الخلاف والاختلاف، وقلما نجد ذلك الخطاب الإسلامي المعاصر سواء الحركي أو الأكاديمي التربوي، علماً بأن الأمام أبو حامد الغزالي يعلمنا ذلك، ويؤكده في رسالته أيها الولد.

وتضمنت الوصايا كفايات المعلم في بعدها الإيماني والعلمي والسلوكي، وأكدت على البعد الإيماني والسلوكي لأنهما مناط القدوة والأسوة الحسنة، التي تقدم لطالب العلم. وتعمقت الرسالة في أصول التعليم وقواعده، وبالأخص في أدبيات طالب العلم،وعدم مجادلة أستاذه، واحترامه في الظاهر والباطن، وتقدير رسالته التعليمية.

 وأكدت الرسالة على منهج التربية السلوكية في كل حيثياته، بدءاً من طهارة القلب حتى تخليص السلوك من ملوثاته، وأكدت على مبدأ الإنابة والخشوع بين يدي الله تعالى واستشعار الآخرة والعمل لها، واستشعار عظمة الله تعالى في كل شيء، وتأكيد حقيقة التوكل على الله تعالى واليقين، ومحاسبة النفس في كل آن واليقين بأن الله هو الرازق، في ظل خطاب عقدي مقنع.

 وتضمنت الوصايا قواعد الاجتماع الإنساني بين الناس، في ظل مراعاة شرع الله تعالى، وترك تعظيم الخلق، واستقامة السلوك بالتعامل معهم، والتأكيد على حسن الخلق في ظل ذلك، وأشارت إلى سمة اجتماعية هي من إبعاد اللباقة الاجتماعية في التعامل، ويجب تربية النشء عليها، ونصها هو الآتي الا تحمل الناس على مراد نفسك، بل تحمل نفسك علی مرادهم، ما لم يخالفوا الشرع.

 وقدمت الرسالة رؤية نفسية، تركز الآن عليها مدرسة علم النفس الإيجابي، وهي احدث حركة نفسية على الساحة الآن، وهنا يقدمها الغزالي بطريقة 


إيمانية، ومزينها تتشكل في الطاقة الإيمانية التي تنبعث منها، بحيث تنتزع الخوف من قلوب الناس، من خلال

الصفحة 395

استشعار عظمة الله تعالى، وترك تعظيم الخلق واعتبار المخلوقات جمادات بين يدي | وان روحه التي تسكن جنباته إن وجهت نحو طاعة الله، شكلت في جسده طاقة هائلة تسع الكون كله وتدفـع خـوفه، وتحقق مطاعحه، لأن سرها رباني من الله تعالى، وليس من مادة الدنيا.

والحركات الحديثة تحاول تحقيق روح الأمل والتفاؤل بطريقتها، ولكن لا يمكن لها بأي حال من الأحوال، أن تبلغ مساحات القوة التي بلغت في نصوص رسالة أيها الولد لأنها تنبع من منطلق عقدي راسخ في النفس، وليست برمجة ذاتية قد تضعف وتقوى بحسب الظروف الشخصية للفرد.

وأشارت الرسالة إلى مبدأ التعليم المستمر، وانه سلاح فعال، ولكن بشرط العمل به وتطبيقه، وهنا تؤكد الرسالة على توظيف المعرفة من خلال العمل، وعدم تجميدها من خلال النظريات والتلقين، بل يجب أن تكون حية من خلال العمل، وهنا تبرز فاعليتها وجودتها الحقيقية في الحياة.

 وتلتزم الرسالة بالعقلانية في التعامل وضرب الأمثلة لغاية الإقناع، سواء من حيث تفعيل العلم بالعمل، أو حسن التأدب بين يدي الله تعالى من خلال ضرب أمثلة افتراضية، حتى تصل الفكرة بأيسر طريق، ضمن قنوات الإقناع والتأثير، وهنا تتشكل براعة لغة الاتصال في رسالة أيها الولد لأن الرسالة مصاغة بطريقة قلبية عقلانية، ومراعية نوع المستقبل، وتلتزم الرسالة برمجة إيمانية سلوكية في التوجيه عبر أداة الرسالة وهي وريقات

موجزة للمستقبل.

 وتتضمن الوصايا لفتات إبداعية من خلال تشكيل صورة تفرديه في بث الفكرة ومن ذلك الآتي: وتيقن أن العلم المجرد لا يأخذ باليد مثاله لو كان على رجل في برية، عشرة أسياف هندية مع أسلحة أخرى، وكان الرجل شجاعاً وأهل حرب، فحمل عليه أسد عظیم مهيب، فما ظنك ؟ هل تدفع الأسلحة شره عنه، دون استعمالها وضربها، فمن المعلوم أنها لا تدفع إلا بالتحريك والضرب، فكذا لو قرأ رجل مائة ألف مسألة علمية وتعلمها، ولم

يعمل بها، لا يفيده ذلك العلم، إلا بالعمل.

الصفحة 396

وهناك مثال آخر في إبداعية رؤية تلك الرسالة للأشياء، وتدور تلك الصورة حول حقيقة الوعظ، وضرورة أن يكون عفوياً صادقاً خاليا من عبارات التكلف والزخرفة الشكلية، فلو رأيت أن السيل قد هجم على دار أحد، وكان هو وأهله فيها، فتقول: الحذر الحذر؛ فروا من السيل.

فهل يشتهي قلبك في هذه الحالة، أن تخبر صاحب الدار خبرك، بتكلف العبارات، والإشارات، فلا تشتهي البتة، فكذلك حال الواعظ، فينبغي أن يتجنب التكلف والزخرفة الشكلية.

وانطلاقاً مما سبق، يبرز للقارئ المتأمل مزايا رسالة أيها الولد التربوية وأبعادها السلوكية، وخطابها الإيماني العقلي المقنع والتزامها خط الإيجاز، وتكثيف الفكرة، واختزالها في رؤية إيمانية سيكولوجية رائعة وإنها تشكل مادة غنية بالوصايا والنصائح الثرية؛ الموجهة إلى طالب العلم، حيث تعد زاداً تربوياً إبداعياً لا محالة.

الصفحة 397

استراتيجيات تحفيز الذات نحو المذاكرة

تتداخل الأبعاد المعرفية والوجدانية والطاقة الجسدية في تحفيز الفرد للمذاكرة ورفع دافعيته تجاهها في مجال التعلم والتحصيل (الإنجاز)، بدءا من تحديد بؤرة الهدف من المذاكرة والغايات التي يرنو لها الفرد من خلالها، وتتداخل أبعاد متنوعة في رفع دافعية الفرد للمذاكرة؛ منها اتباع استراتيجيات التهيئة واستراتيجيات التفاعل مع المعرفة ( المادة المقرر دراستها )، واستراتيجيات تنظيم المعرفة ومتابعة مخططاتها في الدماغ بعد تلقيها، لغاية ضمان حفظها واسترجاعها من خلال الذاكرة بعيدة المدى وتشكل تمارين الطاقة بعدا هاما ومؤثراً في هذا الصدد، وأرتب استراتيجيات تحفيز الذات نحو المذاكرة بدءا من استراتيجيات التهنية أو الأعداد، ثم استراتيجيات التفاعل مع المعرفة، واستراتيجيات ما بعد التفاعل معها، ومن ثم استعرض ابرز تمرينات الطاقة في هذا الصدد.

أما التهيئة أو الإعداد فهي تهيئة ( معرفية ووجدانية وبدنية )، فالإعداد المعرفي يكون من خلال إعداد جدول للمذاكرة، يجديد فيه وفق قدراته الوقت الذي سيستغرقه في مذاكرة عدد معين من الصفحات في مقرر بعينه، قبل أن يتقل لدراسة مادة أخرى، أو وضع أدوات المذاكرة وتجهيزها قبل المذاكرة لتحفيز الذات للمذاكرة؛ كتهيئة القاموس عندما يبادر الترجمة قطعة ما من اللغة الإنكليزية، أو أدوات الهندسة في حل مسألة رياضية وهكذا.

 أما مظاهر الأعداد الوجداني فيكون من خلال مشاهدة برنامج محبب لك قبل أن تبدأ في المذاكرة، أو أداء تمارين الطاقة أو الاستماع لما تحبه نفسك؛ كصوت مقرئ عذب أ. موسيقى هادئة من الطبيعة أو آلة ما كما ترغب أما إعدادات البدن فتكون بتناول كوب 416 العصير أو الشاي أو القهوة قبل بدء المذاكرة لإنعاش الحالة الجسمانية، أو رفع درجة الانتباه وكذلك إعداد للحجرة التي تذاكر بها؛ في شكل يريحك بدنيا ما أمكن من حيث مكان مريح للجلوس فيه، والإضاءة التي تلائم بصرك، ونظام التهوية المناسبة.

 أما استراتيجيات التفاعل المعرفية مع الدرس فتكون من خلال تسهيل تلقى المعرفة من خلال:

الصفحة 398

-التركيز على المعلومات الجديدة.

-تحليل المعلومات الجديدة.

-تصنيف المعلومات وربط الجديد بالقديم.

-حفظ المعلومات.

-تشجيع الذات طوال عمليات التفاعل.

أما استراتيجيات التفاعل الوجدانية فتكون بالاستماع لما تحب من أصوت ندية أو موسيقى هادئة، بغرض توفير مناخ هادئ يدعو للاسترخاء الإيجابي، أثناء التفاعل مع المعرفة، أو تحويل ما تتعلمه إلى أغنية أو نشيد لطيف به طرفة تساعدك على حفظه، ومن ثم استدعائه فيما بعد، أو تدعو صديقا له للمذاكرة سويا، ليتجاذبا أطراف الحديث حول المادة العلمية التي يتفاعلان معها، وهذه الإستراتيجية قد تروق لبعض المتعلمين، ولكنها ربما لا تناسب البعض، وهنا يجب مراعاة التفاوت في هذا المجال، وبالتأكيد لا تفيد هذه الاستراتيجية في ظروف معينه مثل المذاكرة قبل الامتحان لأنه ربما يتحدثوا في أشياء لا تتعلق بالمادة العلمية، وبالتالي يفقدون انتباههم، ويضيعون وقدت المذاكرة في أشياء أخرى، وربما قد يستشعر الطالب صاحب التحصيل المتدني مستوى تدنية أمام اقرانه؛ فيناله الإحباط، وتقل ،دافعيته، مما يؤثر على حالته الوجدانية، التي ستنعكس تباعاً على أدائه الأكاديمي.

واستراتيجيات التفاعل البدنية قد تكون بأن تقف إثناء المذاكرة بعد فترة جلوس طويلة، وقد تنتقل لمقعد آخر، وقد تكمل دراستك في حجرة، تختلف عن تلك التي بدأت فيها المذاكرة، وقد تغير من وضع النافذة إن كانت مفتوحة أو العكس، وقد تتناول كوب من العصير أو الشاي، وقد تتوقف عن المذاكرة لفترة، لأراحة ذهنه وجسده، وقد تلعب رياضة خفيفه في إثناء فترة الراحة، أو تغمض عينيك، أو تأخذ حماماً باردا أو ساخنا، أو تقف في الشرفة لاستنشاق الهواء النقي، وقد تنظر إلى السماء لتفكر وتريح عينيك وذهنك.

وبعد تلقي المعلومة وقراءاتها والتفاعل معها، يقوم المتعلم باستراتيجيات تعلم تربطه بما تفاعل معه، بحيث يظل في حالة تواصل مع نفسه، مستفيدا مما تفاعل. معه، وهذه

الصفحة 399

قد تكون بعد المذاكرة مباشرة، أو بعد نهاية الأسبوع، أو الوحدة، لمراجعة ما تم التفاعل معه لغاية استمرارية استيعابه، واحتفاظه بالمعلومات من جانب واستخدامها في التواصل مع الآخرين من جانب آخر، من خلال المراجعة، وتنظيم المعلومات وتقويم تفاعله.

 أما الاستراتيجيات الوجدانية لما بعد التفاعل؛ فتكون من خلال رفع دافعيته للاستمرار في التحصيل والعمل، ومن امثلتها أن يبتسم المتعلم لنفسه بعد أن يشعر بالرضا عن ما ذاكرة بعبارات تشجيعيه مثل يُإسلام، وقد يخرج المتعلم من حجرته، ويعبر عن رضاه بصوت عال للآخرين؛ مثل لقد أنجزت كذا وكذا في وقت قياسي، أو لو استمر على المذاكرة بنفس هذا المستوى سأحصل على درجات مرتفعة في مادة كذا، وأحيانا يكأفا نفسه أ بأن يشاهد فيلما أو مباراة، أو يخرج ليتحاور مع أسرته، أو يقضي بعض الوقت مع أصدقائه.

أما استراينجيات البعدية البدنية؛ ويقصد بها إعادة البدن على حالة اكثر نشاطا وحيوية؛ ليتحقق هدفين؛ أما العودة للمذاكرة مرة أخرى بعد فترة، أو الخوض في التفاعلات الحياتية اليومية؛ كأن يأخذ حماما دافتا أو يخرج للتنزه، أو يلعب رياضة، وقد يغمض عينيه لفترة، أو ينظر إلى السماء أو لأقصى امتداد للبصر؛ بغرض تغيير وضع البصر؛ الذي كان يركز على أشياء دقيقة وقريبة من البصر جدا، وذلك لإراحة العينين، وقد يخلد بعض المتعلمين للنوم بعض الوقت بعد المذاكرة.

وقد تبدو هذه الإستراتيجيات بلا فائدة أكاديمية، إلا أنها تهيئ المتعلم للعودة مرة أخرى، بعد أن يستعيد البدن نشاطه وعافيته، كما أن حالة الاسترخاء المتبوعة بعودة النشاط، تؤثر في إقدام المتعلم على المذاكرة في مرات وأيام تالية، بعدما يطمئن إلى أن مذاكراته سيتبعها نشاطا يعيد للجسد حيويته، وقد يسعد ذلك العديد من المتعلمين، وتصبح التدريبات الرياضية، أو حالات الاسترخاء في الشرفة أو الذهاب إلى أماكن جميلة تستهو – القلب أنواعاً من مكافاة الذات، ودافعاً للدراسة، وبالتالي يكون لها دور في وج المتعلمين، وتسهم في رفع مستوى دافعيتهم للتعلم والمذاكرة واعلاء لمفهوم تقدير الذات لديهم؛ مما يسهم في زيادة مستوى تحصيلهم، وفي ذلك تهيئة المناخ المناسب؛ لضمان استمرارية التفاعل الإيجابي مع موضوع دراستهم، ومستقبلهم التعليمي.

الصفحة 400

وفيما يلي تمارين الطاقة لغاية تحفيز الذات نحو التفاعل مع المعرفة والتفوق.

محطة تدريبية ( 1 ) :

مراعاة اختيار وتحديد الكلمة المعبرة عما . هو مطلوب.

محطة تدريبية (2) :

-نم على ظهرك في غرفة متجددة الهواء هادئة الإضاءة على أن يكون ظهرك مستوياً واسترخي تماماً.

-تنفس بضع تنفسات عميقة بطيئة.

-ضع يدك فوق فم ! المعدة وقل بصوت هادئ استيقظ أيها المركز الشمسي، انفرجي أيتها الضفيرة الشمسية، اغمري جسدي بذبذبات منشطة وسعيدة، اغمري جسدي

بالصحة والقوة والهدوء النفسي والسعادة وحب المذاكرة .... المعرفة .... التفوق.

- كرر قولك عدة مرات بهدوء وثقة وابتسام. ولا مانع أن تربت على هذا المكان بحنان كما تربت على طفلك على طفلك. . وسوف تجد مع الاستمرار اليومي، انك في أتم صحة واسعد حال بسبب تنبيه المركز الهام.

الصفحة 401

المهارات التدريسية اللازمة في مسيرة المعلم التعليمية

مضت عقود من الزمن، في ظل سيطرة التربية المثالية ومترتباتها في تقديس المعرفة النظرية، والمتشكلة في حيز تخزين الذاكرة، ودائرة التلقين المعرفي، في ظل نظم التربية التقليدية، وكانت حركة ( ديوي )التغييرية في عوالم التربية المفصل الذي احدث تحولات هائلة بين معطيات التربية المثالية التقليدية والتربية الحديثة العملية، التي تبرمج العملية التعليمية التعلمية في ضوء الممارسة والعمل.

فانطلقت في ضوء تلك الأيدلوجية التربوية برامج إعداد المعلمين في بعد الكفايات الذي تطور هو بحد ذاته في ظل متطلبات التغير الاجتماعي وحركة الانفجار المعرفي، ليتركز في بؤرة علمية اكثر دقة في التوظيف العلمي لها من خلال حركة إثراء المعلم بمهارات تدريسية فاعلة، تتضمن استجابة واعية للطرائق الحديثة في العرض والاتجاهات العالمية المستجدة في هذا الصدد، وتتواكب مع متطلبات الحداثة في مهارات الاتصال المعرفي وتتجاوب مع المدرسة الإنسانية في بعد التفاعل والعلاقات الإنسانية بين المعلم والمتعلم وتواكب برامج إثارة التفكير الإبداعي من خلال مهاراته المتنوعة ويفعل من خلالها برامج تفريد التعليم ومعطيات المدرسة السلوكية في إثارة دافعية المتعلم، ومتطلبات الإدارة الصفية الديمقراطية، ويتحقق فيها كفاية معرفية وقيمية ومهارية في بعد المنهاج وتنظيم المحتوى

الدراسي في المادة الدراسية في إطار البنية المنطقية والسيكولوجية له.

بحيث تؤطر جميعاً في بعد مدرسة النظم التي تتفاعل فيما بينها في ضوء علاقات تبادلية تشابكية في التأثر والتأثير في ضوء تصميم تعليمي تعلمي هادف ومخطط له يستهدف الفاعلية في العرض والتنفيذ، ويتوافق مع برامج الجودة العالمية الشاملة في بند التدريس الفعال وهذه الدراسة تتناول بنود تلك المعطيات في مضمون تلك المهارات واليات توظيفها في الموقف الصفي وطبيعة انعكاساتها على المتعلم لغاية تحقيق تفعيل جاد للتدريس في ظل عمليات منظمة مخططة، ولتحقيق مواءمة بين الأهداف المنشودة في المدخلات وحقيقة المخرجات بعد مرورها بالعمليات التعليمية التعلمية.

الصفحة 402

المفهوم اللغوي للمهارة :

وتقتضي المنطقية العلمية تسليط الضوء على مفهوم المهارة في البعد اللغوي والاصطلاحي وتتبع اختلاف الرؤى بشأنها، ففي البعد اللغوي من خلال تتبع الفعل الثلاثي لها ( مَهَرَ ) وتعني الصداق والجمع مهور في أحد معانيها والمصدر منها مهارة ويقصد بها الحذق في الشيء والماهر والحاذق بكل عمل والجمع مهرة ويقال مهرت بهذا الأمر امهر به مهارة أي صرت به حاذقاً ويقال: لم تفعل به المهرة ولم تعطه المهرة، وذلك إذا عالجت شيئاً ولم ترفق به ولم تحسن عمله(ابن منظور ، 1994،5/ 185 )

المفهوم الاصطلاحي للمهارة :

وتنوعت التعريفات التربوية في تحديد مفهومها وندرجها على النحو الآتي:

الصفحة 403

ويرتأي الباحثة التعريف الأتي للمهارة التدريسية:

بأنها مجموعة السلوكيات التدريسية التي يظهرها المعلم في نشاطه التعليمي بهدف تحقيق أهداف معينة. وتظهر هذه السلوكيات من خلال الممارسات التدريبية للمعلم في صورة استجابات الفعالية أو حركية أو لفظية تتميز بعناصر الدقة والسرعة في الأداء والتكيف مع ظروف الموقف الدراسي

http://www.naady.com/less/show.php?lessid=15)

المهارة والكفاية :

   وفي صدد تناول موضوع المهارات، لابد من تناول حقيقة الفرق بين المهارة والكفاية ويشير الباحثين في هذا الصدد إلى إن هناك فرقاً بين المهارة والكفاية فالكفاية اعم واشمل من المهارة، إذ تعد المهارة أحد عناصر الكفاية، كما أن المهارة تتطلب شروط السرعة والدقة والتكييف ومدة التوقيت ومستوى التمكن وفق معايير للوصول إلى الهدف، في حين تتطلب الكفاية اقل تكاليف من حيث الجهد والوقت والنفقات، وإذا تحققت المهارة في إنجاز شي ما فهذا يعني تحقق الكفاية له، كما أن هناك علاقة وثيقة بين المهارة والقدرة حيث يمكن تحليل القدرة إلى عدد من المهارات، فعلى سبيل المثال: القدرة على القراءة تتضمن مهارات النطق والتفسير والقراءة بسرعة مقبولة مع الفهم (حميدة والنجدي ص14)

    وبرزت حركة إعداد المعلم وفق بعد المهارات التدريسية، انطلاقا من مترتبات حركة إعداد المعلم المتواكبة مع المستجدات التربوية، ومن هنا تبرز أهمية المهارات التدريسية وتناولها في العمل البحثي والإجرائي، ويعزي الباحثين أسباب ظهور هذا الاتجاه إلى قصور برامج إعداد المعلم التقليدية والتغييرات العالمية وظهور مصادر جديدة ومتنوعة وأساليب

الصفحة 404

جديدة للتدريس، ويمثل هذا الاتجاه تطوراً لأهداف إعداد المعلم بعد أن كانت البرامج تركز في الماضي على الجانب المعرفي ولا تعطي عناية كافية لمهارات التدريسية وسلوك المعلم، فأصبحت – وفق اتجاه المهارات – تهدف إلى الشمول والوظيفية وترتبط بتحسين الأداء داخل حجرة الدراسة. وقد بدأ هذا الاتجاه في السبعينات في القرن العشرين وتتلخص الفكرة الرئيسة له في أن كفاءة المعلم وأداءه وتدريبه قبل وإثناء الخدمة. هو الأساس، ( إبراهيم، 2003، ص 59 ) لاعتبارات مفادها أن عملية التدريس الفعال يمكن تحليلها إلى مجموعة من المهارات التدريسية، والتي إذا أجادها الطالب / المعلم داخل كليات التربية، زاد احتمال أن معلماً ناجحاً تتحقق فيها الكفاءة والفاعلية الجادة في مجال التدريس الفعال. 

مكونات المهارات التدريسية

أما في مجال مكونات تلك المهارات فقد تنوعت وتعددت عند الباحثين التربويين، فيحددها البعض في ثلاثة مكونات هي: ( حميدة والنجدي، 2003، ص28 )

أما لومان فيرى أنها تتكون من مركبان هما: وضوح اتصال المدرس الكلامي مع الطلبة من جهة وأثره الانفعالي الإيجابي عليهم من جهة أخرى، والوضوح مرتبط بشرح المدرس وعرضه للمادة، كما أن الأثر الانفعالي الإيجابي يتولد . من طريقة العرض(لومان، 1989، ص23)

ويتعامل بعض التربويين مع المهارة من جهة ضرورة تنميتها وتحقيقها في المتعلم وتشتمل ويبرز في الكتابات التربوية المنحى الجزئي في تناول المهارات التدريسية، وتكاد تغيب الرؤية الشمولية نوعاً ما لبعد المهارات التدريسية، إذ يدرسها كل فريق في بعد ما منها

الصفحة 405

دون مجموعها في رؤية شمولية، ففي بعد تخطيط التدريس ومتطلباته، فتتحدد مهارات محددة على

ينبغي أن يكون المعلم متقناً لها من وهي : النحو الآتي:

(http://www.naady.com/less/show.php?lessid=13)

وهناك من اتسمت رؤيته لها ببعد شمولي نوعا ما فاشتملت عنده على شبكة من المهارات ندرجها على النحو الآتي:

أولا : مهارة التهيئة الذهنية

وهي تهيئة أذهان الطلاب لتقبل الدرس بالإثارة والتشويق، حيث يقوم المعلم بجذب انتباه الطلاب نحو الدرس عن طريق عرض الوسائل التعليمية المشوقة، أو طرح أمثلة من البيئة المحيطة بالتلاميذ.

ثانيا : مهارة تنويع المثيرات

ويقصد بها عدم الثبات على شيء واحد من شانه أن يساعد على التفكير وإثارةالحماس.والتنويع بالمثيرات مهارة هامة في إيصال المعلومة. فاستخدام المعلم في كل لحظة من الحظات الدرس مهارة ما من شبكة المهارات التدريسية هو بمثابة زيادة في التحصيل مع الحفاظ على اهتمام الطلاب في موضوع التعلم و يتحقق ذلك الدراسي لدى الطلاب عن طريق تنويع المثيرات التالية:

الصفحة 406

ثالثاً : مهارة استخدام الوسائل التعليمية

عند عرض الوسيلة التعليمية أمام الطلاب يجب أن يدرك المعلم الغاية من الوسيلة ومدى ملاءمتها لمستوى الطلاب وكيفية استخدامها، ويجب على المعلم أن يجعل الطلاب يكتشفون تدريجيا أهداف الدرس من خلال هذه الوسيلة، كما أن التربية الحديثة تهتم بالجانب الحسي عند الطلاب لأن من خلاله يبقى أثر التعلم.

رابعا : إثارة الدافعية للتعلم

يقصد بها إثارة رغبة التلاميذ في التعلم وحفزهم عليه، وتسهم في جعل التلاميذ يقبلون على التعليم وتقلل من مشاعر مللهم وإحباطهم.

خامسا : مهارة وضوح الشرح والتفسير

امتلاك المدرس قدرات لغوية وعقلية يتمكن بها من توصيل شرحه للطلاب بيسر وسهولة، ويتضمن ذلك استخدام عبارات متنوعة ومناسبة لقدرات الطلاب العقلية.

سادسا : مهارات التعزيز

ويقصد بها وصف مكافأة تعطى لفرد استجابة لمتطلبات معينة، أو كل الاستجابة ويزيد تكرارها أو تقوية التعلم المصحوب بنتائج مرضية وأضعاف التعلم المصحوب بشعور غير سار

الصفحة 407

سابعا : مهارات الأسئلة واستقبال المعلم لأسئلة الطلاب

تعد الأسئلة الصفية الأداة التي يتواصل بها الطلاب والمعلمون وتمثل وسيط المناقشة بين الطلاب أنفسهم والطلاب والمعلم والطلاب وما يقدم لهم من خبرات ومواد تعليمية، وتبرز أهمية تلك المهارات من جهة توقف مشاركة الطلاب وتفاعلهم عليها، لذا يقتضي الأمر البراعة في التعاطي معها في طبيعة مجالاتها ومستوياتها ونوعية صياغتها.

http://www.khayma.com/fheedmath/techer/mharat.htm"

وتبرز أهمية المهارات من خلال اعتبارها الأساس في نجاح عملية التدريس إذ يجب على المعلم اكتشاف طريقة التدريس المناسبة لطلابه من خلال تمهيد الدرس مع ا الأعلى بالاعتبار الفروق الفردية لدى الطلاب، ويعتمد ذلك على مدى إلمام بالمهارات التدريسية الكفيلة بنجاحه في أداء رسالته.

أما في مجال مواصفات مهارات التدريس فقد حددها البعض بالعمومية، عدم الثبات التداخل أنماط الاستجابة، تنوع المحتوى السلوكي للمهارة، التعلم (حميدة والنجدي، 2003، ص16).

خطوات تعلم مهارات التدريس

وفي مجال تحديد خطوات تعلم مهارات التدريس الفاعلة فقد حددها البعض

بالنسبة لمعلمي المواد الاجتماعية بالخطوات الآتية:

الصفحة 408

ارض الواقع وتفعيله عملياً من خلال التدريس ومهاراته. الحرص على التجديد دوماً في مجال المهارات التدريسية... من خلال الرغبة الدائمة في الاستطلاع والاستقصاء التي تؤدي إلى النمو المهني.

http://www.naady.com/modules.php?name=News&file=article&sid=4

ومن الأهمية بمكان لكل معلم يقوم بعميلة التدريس أن يكتسب الخبرات والمهارات التي تفيد في عمله، فالمهارة في التدريس تجعل الدرس حيوياً له طابع خاص ينعكس بالقبول لدى التلاميذ ومن شأن المعلم أن يختار طرق التدريس التي تلائم مستويات التلاميذ والمواقف التعليمية ولكن بمهارات خاصة تضفي جواً جديداً من الفاعلية والمران الذي يؤدي لفهم التلاميذ واستيعابهم ومن ثم فأن التلاميذ يتفاعلون دائماً مع التجديد والعطاء الجيد الذي يتجدد من حيوية المعلم ونشاطه في الفصل ويمكننا توضيح بعض

الصفحة 409

مهارات التدريس الأساسية التي يحتاج إليها كثير من المعلمين في التدريس وهي على النحو التالي

وهي عامل مهم من عوامل نجاح المعلم في عملة ولعلنا ندرك الفرق بين معلم يتحرك ويناقش التلاميذ في مختلف مراحل الدرس ومعلم آخر جامد لا يتحرك في الفل ويتحدث بصوت فاتر منخفض طوال الحصة فالتلاميذ في هذه الحالة أيجابون مع الأول سلبيون إلى حد كبير من الآخر والفرق يبدوا جلياً في النشاط والفاعلية. 

على المعلم أن يتحرك داخل الفصل حتى يحرك التلاميذ معه وذلك داخل الفصل وحول السبورة ويوجه أنظاره حول تلاميذه يتابعهم ويراقبهم ويوجههم ويشرح لهم ويناقشهم ولابد أن يتجنب الجمود والرتابة والخمول. 

 تغيير الصوت ونبراته ارتفاعاً والمخفاضاً وحده واعتدالاً ذلك. أنظار التلاميذ ويضفي الحيوية والراحة والطمأنينة على جو الفصل.

من شأنه أن يلفت

أن إرشاد المعلم إلى تلاميذه باليدين أو تحريك الجسم أ جزء منه أو العيون كلها لغة يفهمها التلاميذ ويستجيبون لها.

للسكوت لغة كما أن الكلام لغة ولا يستحسن من المعلم الكلام كل وقت الحصة بل لابد أن يلوذ بالصمت لفترات إذا تطلب الأمر ذلك أن وقفات المعلم أحياناً تكون مثيرة وأحياناً تكون ملفته للنظر وأحياناً توحي بتصرف سوف يقوم به وأحياناً

تدعو للاستغراب أو يتيح الفرصة للتفكير في أمر يتعلق بالدرس.

 كالانتقال من الاستماع إلى المشاهدة ومن المشاهدة إلى المناقشة إلى نشاط يدوي أو

الصفحة 410

الانتقال من القراءة إلى الكتابة أو العكس أو الانتقال إلى مشاهدة فيلم أو شفافياتزأو شرائح.

 أن مهارات الفهم من أهم المهارات التي ينبغي أن يحرص كل معلم على غرسها في نفوس تلاميذه وعلى المعلم أن يحرص على فهم تلاميذه واستيعابهم بالمتابعة والاستفسار إضافة إلى الشرح والنقاش الجيد فشرح المفردات الصعبة وتبسط العبارات وتوضيح المعاني والجمل لاشك أمور مطلوبة من المعلمين حتى لو اضطر المعلمون إلى استخدام معينات سمعية وبصرية وإلى التكرار في الشرح والمناقشة.

ويمكن ادراجها على النحو الآتي:

الصفحة 411

http://www.naady.com/modules.php?name=News&file=

article&sid=3


آليات تفعيل مهارات التدريس

ويسهم تفعيل مهارات التدريس من خلال برامج الجود الشاملة في تحقيق الفاعلية والجودة في المجالات الآتية:


الصفحة 412

http://www.almualem.net/maga/jawda003.html

وفي مجال خصوصية بعد التربية الإسلامية في المهارات، حددت تلك المهارات التدريسية في الموقف الصفي ومنها توظيف الحوادث الذي يعد استراتيجية مهمة من استراتيجيات التدريس، ولقد حفل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بنماذج من هذه الإستراتيجية، وقد عرض (الخوالدة، 2003، . 425) نماذج حافلة في هذا المنحى وكذلك مهارة الكشف عن العبرة والموعظة التي تستند إلى عدة مرتكزات من أهمها:

 الأخذ بالحسنى وإتاحة الفرصة الكافية للتأمل وإتاحة فرصة للأمل بالتحول وعدم التقنيط من الأدلة لا شرعية ( الخوالده، 2003، ص39 4 ) ومزية الإضافة التربوية في هذه المهارات التي ذكرها ( الخوالدة ، 2003 ) عن سائر الكتابات التربوية تعود إلى خصوصية 

الصفحة 413

الطرح لها في بعد التربية الإسلامية من جهة ومراعاته بعد المتعلم في العملية التعليمية التعلمية، وتوظيف الحوادث لينتفع بها المتعلم ويتخذها موجهاً له فيما يواجهة من مواقف في الحياة تقتضي التعاطي الإيجابي معها، ولا يخفى أن هذا النوع من الطرح التربوي، الذي يراعي بعد المتعلم يعد من متطلبات التربية الحديثة في الارتقاء بالمتعلم في بعد النمو الشامل وإعداده للحياة.

الصفحة 414


الإرشاد العقلاني الأنفعالي

تواجهنا الحياة بتحديات من أنماط متنوعة، ويواجهها البشرية بأشكال متنوعة ويغلب على المتابع المتأمل سيكولوجيا لطبيعة تلك الاستجابات لهذه التحديات، قضايا في غاية الأهمية، وتتأكد في أننا نضع لأنفسنا قواعد كلية مطلقة، نبرمج الدماغ عليها ضمن قوانينه، التي تصنع السلوك وكل نكهة حياتنا مرها وحلوها، وهناك مساحات مطلقة لدينا نعتقد فيها الصواب دائما، وهي سر دمار ذواتنا وأحياناً تبلغ حد جلد الذات أو رفضها وربما إيذاؤها، وهناك دراسات نفسية متعددة في هذا المجال، ويبدو أن البحث العلمي في هذا المجال قد حقق قفزات رائعة نفسيا واجتماعيا وتربويا في الغرب، ولكن لم يزل البحث العلمي وتتبع قضاياه في عالمنا العربي متأزم لم يحقق المستوى المطلوب والمنشود في هذا الصدد، ولعل قلمي المتواضع بين أيديكم، عبر مشروع هندسة الذات، يحاول أن يضع لبنة بناء وتوعية في هذا الصدد، علها تجد إذاناً صاغية وايدي تتكاتف في خدمة الثقافة النفسية عبر الأعلام الإلكتروني ومؤسساته الرائدة، لأنني عبر علاقاتي المتنوعة حاولت أن اصنع لبنة بناء في الأعلام المقروء والمرئي، ولكن الحقيقة مرَّةً لأن الإعلام يضع له شعارات خادعة على الملأ، ولكنه في الواقع يرفض تلك المشاريع التنويرية، أو بالأحرى يعتمد على أسماء معلنة لديه مرموقة بطبول ما يصنعه لها من شهرة وهمية تخدع المشاهد والقارئ العادي لكنها لا تخدع الباحث والمتخصص المتابع.

وهنا لابد أن احدد في مجال الإرشاد العقلاني الانفعالي ماهية الأزمات في سلوك المسترشد، حتى نضع يديه على جرح ينزف نفسيا لديه، وهو يعتقد انه جزء من ذاته، لا يستغني عنه ومنه:

الصفحة415


أودعك عزيزي القارئ على باقة فل وياسمين تحملها أجنحة سنونو المحبة المحلقة على عرش قلبك أولا.

الصفحة416


ثنائية التخيل، الإبداع " في التركيبة العقلية الإنسانية

إن المتتبع لصنعة الإبداع، ومقوماتها، وأركانها، يبرز لديه مكانة التخيل، في أثارتها، وأخراجها من حيز الممكن، إلى حيز الواقع بالقوة، عبر طاقت الإبداع الخلاقة. 

وهنا لا يخفى إبراز ما للتصور والخيال من فوائد جمة في الإبداع، بقصد التوصل إلى إبداعات علمية وصناعية وفنية وأدبية أو تحسين اختراع قديم بحيث يناسب العصر ومقتضياته.

ويمتاز العقل البشري بقوة الخلق والإبداع وبخاصة كلما كان في حالة استرخاء تام، أو هدوء، أو تنفس رتيب، وسير العلماء تؤكد ما كانوا يتمتعون به من الهدوء النفسي والاستقرار مع القدرة على الاستغراق في رحلة ابتكاراتهم الذاتية، ويتميز العقل الخلاق بقوة الملاحظة فهو يرى الأشياء بوضوح، ويحاول أن يستخلص منها القوانين الطبيعية أو المحاكاة، فمن التأمل في شكل السمكة أو عظمة صدر البطة أمكن اختراع القارب ومن ثم الطائرة فالصاروخ.

 ويمتاز أيضاً العقل المبدع بالتحرر من قيود الزمان والمكان فاختراع الطائرة ثم الصاروخ، كانت كلها بقصد التحرر من القيود المكانية والزمانية والخروج من حيز الأرض إلى الفضاء الفسيح والكون الواسع، كما أن اختراع الراديو والتليفون والتلفاز والمركبات الفضائية تعبر عن اتحاد المكان والزمان بالرغم من المسافة واختلاف الوقت، فالأثير واحدة جامعة لكل هذه الظواهر مهما تباعدت الأماكن.

ويشتمل العقل الخلاف على جانب وجداني وجانب عملي، فالفن والأدب والشعر والقصص تتميز بالجانب الوجداني، أما الاختراعات المحسوسة فيتميز فيها جانب العقل العملي، وكثيراً ما يشتغل العقل أثناء النوم فيحلم الإنسان بقصيدة أو اختراع فيقوم على الفور وينفذه أو يصممه.

وهنا نؤكد على أهمية تمارين التخيل في دفع الهموم والأحزان، وهندسة الذات في ضوء قيم إيجابية مرغوبة، وفي الوقت ذاته يسهم في تدريب الفرد على التفكير الخلاق

الصفحة417


وابتكار مواد معنوية ومادية في ضوء رحلة التخيل المفتوحة بلا قيود، وهذا ما تؤكده موضوعات علم هندسة، الذات في ظل محطاته التدريبية، التي تعقب كل فكرة، ورسالة إيجابية، مدعمة بالتشفير واليات ترسيخها في اللاشعور لدى الأفراد والمجتمعات.

الصفحة418


هندسة الذات وتقدير الذات

يشكل مفهوم الذات، سمة اساسية في تحديد سلوكاتنا مع الآخرين، وهنا على أعلى هرمة، تدخل ماهية تقدير الذات، في تحديد إيجابية الذات، وعنفوان حيويتها في التعامل مع الآخرين ويعد مفهوم الذات حجر الزاوية في بناء الشخصية، ويتحدث علماء النفس عن عبارة تحقيق الذات لأنها الطريق الوحيد الذي يوصلنا إلى تقدير الذات.

 وهنا تحقيق الحلم هو تحقيق الذات أنك الحلم الجميل، شرط أن تعلم كيف تحقق ذاتك، وتحدد خطواتك لذلك، مدعمة بقرار فوري حاسم.

ومن أبجديات تقدير الذات، تعلم حقيقة أن تحب نفسك، والحب يعني الاهتمام والعناية والثقة والتقدير، وفي إطار رحلة حبك وتقديرك لذاتك، وما يترتب عنها من رحلة السلام الداخلي في اعماقك عليك ان تضع بين عينيك تلك المعالم المهمة في تحقيق الذات وتقديرها، وهي على النحو الآتي:

الصفحة194

وهنا اقدم بعض المؤشرات في مجال ضعف الذات، حتى نحاول تجنبها وهي النحو الآتي:

أولاً : علامات ضعف الذات.

الصفحة204

وكثيرا ما يعتقد البعض أن ضعف ذواتنا في التعامل مع الآخرين هو من اشكال الحياء والتواضع، والأيثار ومحبة الأخرين وغيرها من منظومة من القيم، التي نحتال بها على انفسنا، ونخدعها لتبرير حالة الضعف التي تعترينا في تعاملنا مع الأخرين، وابرز اعراض هذا الضعف، هو العجز عن قول كلمة لا للذي امامك، وهناك مقولات خاطئة، تعقد سلوكاتنا، ونبرمجها في قوانين الدماغ لدينا، ونعتقد انها صائبة، وهي خاطئة، ومنها انه يجب ان اكون محبوبا لدى الآخرين، ومقبولاً لديهم، ويجب ان اقدم رغبات الأخرين ومشاعرهم على رغباتي ومشاعري، ويجب أن لا أزعج مشاعر الآخرين أبداً، وأن لا أجرحها بإبداء مشاعري وآرائي وطلباتي.

 وهنا علاجاً لتلك الأزمات النفسية، يجب ترسيخ مفهوم توكيد الذات لدى الفرد، ويقصد به قدرة الفرد التعبير الملائم (لفظاً وسلوكياً) عن مشاعره وأفكاره وآرائه تجاه الأشخاص والموافق من حوله، والمطالبة بحقوقه (التي يستحقها) دون ظلم أوعدوان.

رابعاً: - أمثله لضعف السلوك التوكيدي: وهنا اقدم امثلة اشار اليها د. محمد عبد االله الصغير وهي على النحو الآتي: 

1: في السوق يلح البائع على المشتري بشراء بعض السلع التي لا يرغبها، فيقوم بشراء ما لا يريده (ولو كان ثمنه مرتفعاً) لأجل أنه لا يستطيع أن يبدي عدم رغبته في الشراء (ضعف القدرة على الرفض).

الصفحة214


2: الاستمرار في الاستماع لشخص لا يهمك حديثه وفي وقت ضيق بالنسبة لك (لديك مواعيد آخر مثلاً) فتحرج أن تعتذر منه للانصراف، (ضعف القدرة على إبداء الرغبة).

3: عند الاستدانة، يلح المستدين على الطرف الآخر بإقراضه مبلغاً قد يكون كبيراً أو هو في حاجته فيقرضه وهو كاره (ضعف القدرة على الاعتذار).

4: شخص يتحمل أعباء (وظيفة أو مهمة اجتماعية) فوق طاقته وليست واجبة عليه ولا يريدها ولا يستطيع إبداء رأيه في ذلك.

5: التنازل عن بعض القيم والمبادئ المهنية خجلاً من شخص أو أشخاص ما. 

6: شخص يطلب منك الهاتف الجوال ليكلم مكالمة خارجية فتعطيه إياه وأنت تعلم أنه سيطيل ولن يراعي مشاعرك.

وفي مجال خصائص الشخص المؤكد لذاته أشار إلى انها: 

وفي مجال خصائص السلوك التوكيدي فإنها:

والثمرات التي نجنيها من السلوك التوكيدي هي على النحو الآتي:

الصفحة224


وهناك اقتراحات في مجال التدريب على السلوك التوكيدي كما اشار اليها د الصغير وهي على النحو الآتي: 

(أ) التعبير عن الرأي الشخصي بقناعة ورضى (في الموافقة والمخالفة).

 (ب) التعود على الرفض بأسلوب مناسب (تؤكد مرادك دون ظلم غيرك) مثل: آسف لا أستطيع – عفواً لا أريد – لا أقدر. 

(ج) التعبير عن المشاعر والعواطف الداخلية يصدق ووضوح، مثل: أشعر بعدم ارتياح لهذا الأمر – هذا لا يعجبني. 

(د) التعود على استخدام ضمير المتكلم (دون مبالغة) مثل اشعر بدل قولك: الواحد يشعر، أنا لا أرضى ذلك بدل قولك: الشخص لا يرضى (هـ) التدريب على التعبير البدائي الملائم التواصل البصري، وضوح الصوت (نبراته - عبارته)، الجلسة والوقفة والمشية وحركات اليدين والرأس (تخدم الأسلوب التوكيدي).

الصفحة234

متطلبات التغيير والتحليل النفسي

ان المتتبع لأحوال الحضارات ومسيرتها التاريخية، يبرز لديه أهمية القراءة الذاتية لرحلتها في الوجود، وهكذا سائر رحلة الأفكار التي عصفت بالوجود، منذ بدء الخليقة، وهنا لا يخفى علينا، والتحليل أداة لقراءة مدى تقدم تلك الحضارات واستقامة تلك الأفكار وتحليل أخطاؤها، وكشف المجهول في جنباتها، وهكذا كل فرد منا، هو بحاجة للتحليل لما يدور في حياته من لحظات ومواقف ومفاجآت وأهوال عصيبة، وتتم عملية التحليل في ضوء حالة الوعي والاتزان في تفكيرنا ونهجنا في الحياة. ويعرف التحليل النفسي بأنه استبطان العقل، حتى يظهر على مرآة المخيلة، الأنحسارات العقلية، التي ترسبت واختفت.

وهنا نوجه تلك التساؤلات لك في ضوء قيامك بمبادرة ذاتية لتحليل ذاتك:

اعرف صفاتك العقلية، وقدراتك الجسدية، ومركزك المالي والعلمي والاجتماعي وهواياتك ومقدار تأثيرك في الغير، وقوة شخصيتك، وفي ضوء ذلك ارسم أفكاراً خلاقة، وخطط لحياتك، وحدد أهدافك في الحياة، في ضوء طاقة خلاقة لا حدود لها، ومساحات تدريب ذاتي على الإيحاء الذاتي، واستلهام اللحظات السيكولوجية في ابتكار الأفكار والمخيلة الجاذبة للإبداعات.

الصفحة442

الإحباط

تواجه الفرد في رحلة الحياة عقبات ومصاعب، تتطلب تجاوزها، برفع مستوى حافزية الذات ودافعيتها للحياة والعمل والعطاء، فيتم تجاهلها، والمضي مع حركة الكون نشاطاً وحيوية ومثابرة؛ لأن الحياة ليست على نسق واحد، ففيها من المتاعب والألام، ولكنها تتطلب نفوساً قوية ومعنويات عالية، وهمة متقدة، وامل بسام.

ولذلك غياب تلك المعاني أو بعضها، هو الذي يوصل الذات إلى حد ا الأنهزام امام الحياة في الحياة ومن هنا فإن الإحباط حاله إنفعاليه غير سارة قوامها الشعور بالفشل وخيبة الأمل تتضمن إدراك الفرد بوجود عقبات تحول دون إشباعه لما يسعى إليه منحاجات ودوافع.

وينشأ الإحباط ايضاً نتيجة الفشل في تحقيق غاية ما إما لوجود خلل في النظرية التي يؤمن بها الفرد؛ أو بسبب خطأ في الوسيلة التي تحمل الإنسان إلى غايته؛ وفي كلتا الحالتين سوف تمر فترة من الزمن لتجرع ألم الفشل وإعادة الحسابات والإنكفاء على الذات. والفشل وخيبة الأمل أكثر مرارة في نفوس الشباب. حيث يتضخم الإحساس ويصل إلىدرجة الشعور بالكارثة.

والإحباط موجود في حياتنا صغاراً أو كباراً؛ فمعظم الأفراد يتعرضون لمواقف إحباطية بدرجات متفاوتة تختلف باختلاف احتياجاتهم ورغباتهم؛ وأهدافهم وتوقعاتهم؛ وظرفهم وخبراتهم ومقدراتهم الجسمية والعقليه.

ويمكن القول بأن الاحباط حالة نفسية ناتجة عن الفراغ؛ ولكنها غالبا ما تكون عملية تحدث في العقل الباطن الذي يستوعب كثيرا من الأحداث والمواقف التي قد لا نستوعبها بعقلنا الواعي فالعقل الباطن هو بمثابة الصندوق الأسود الذي يحتفظ بالأحداث التي قد يرى الانسان بعضها بأنها غير مهمة في حياته، كذلك هناك مشاعر وأحاسيس يريد أن يهرب منها الانسان ويتناساها ويكبتها فهي تنتقل الى العقل الباطن وكذلك بعض الأحداث التي ننتبه لها والأخرى التي تمر علينا دون أن ندركها يمكن أن تخزن في العقل

الصفحة425

الباطن، وهذا المحتوى الكبير في العقل الباطن لا يفقد طاقاته وقدراته ولكنه يظل محتفظا بهاوقد تنعكس آثاره على أحلامنا ومشاعرنا وأحاسيسنا.

وبناء على ما سبق فإن تداعيات مشاعر الخيبة في اللاشعور تؤدي إلى ارتداد الشخص نحو ذاته والإنسحاب من المجتمع والحياة حيث يميل الإنسان إلى إجترار الهموم وتقبل أفكار الخيبة والفشل وينحدر إلى حالة من الضجر وكراهية الذات والنفور ممن حوله، وربما يوصل إلى الإكتئاب ولوم النفس ومحاسبتها بشدة وتحميلها المسؤولية عن الفشل؛ وينتج عن ذلك أن تضمحل الرغبة لديه في العمل أو مشاركة الآخرين؛ بل يفضل الإنزواء والوحدة ويقع فريسة للسام والضجر.

وقد توصل تفير سكيفي" في دراساته حول الأحباط و باري شوارتزفي Barry Schwartz في دراسة قدمها في عام 2004 حول الأحباط، حيث اشارت نتائجهما إلى ارتفاع معدلات مرض الاكتئاب ومشاعر الإحباط والتعاسة لدى الأفراد نتيجة الإفراط في الاختيارات وعدم القناعة - وهذا اللفظ بدأ يدخل ضمن الاصطلاحات النفسية العلمية - وأشار أيضاً إلى أن أغلب أفراد المجتمع لا يعرفون طريقة لضبط شهواته وخفض نهم وشره رغباتهم.

 كل هذه الدراسات وغيرها تؤكد ضرورة أن يتدرب الإنسان ولو لأسابيع محددة على هذا الأسلوب من الضبط الذاتي للشهوات وبالتالي للغرائز والانفعالات والسلوك.. أي ضرورة أن يتعلم ضبط شهواته بالصوم لفترة كافية، وهناك مراكز طبية في الغرب للعلاج بالصوم مع التأمل المتسامي Transcendental meditation ومنها مركز شهير في السويد وآخر في البرتغال.

وتتعدد مصادر الإحباط، ويمكن تحديدها في الآتي:

الصفحة264

ومن المهم بمكان الأشارة هنا النتائج المترتبه على الإحباط؛ حيث ينزع الشخص للعدوان سواء بشكل صريح أو خفي؛ وكلما إزداد العدوان إزداد شعوره بالإحباط؛ حيث يتزايد كلما كانت رغبات الفرد وأهدافه المحبطه حيوية بالنسبة إليه؛ ويصبح الشعور بالإحباط أشد وطأه وإيلاماً للنفس؛ عندما يدرك الفرد ان اهدافه الحيوية والهامة التي يود تحقيقها لا يستطيع ان يحققها، ويواجهه فيها التحديات التي لا يقوى على تجاوزها، لما تمتلئ به انفاسه من نفث الطاقة الانهزامية السلبية التي تصرفه عن التحدي والمواصلة. 

ويمكن تحديد نقاط اساسية في مواجهة الأحباط واثاره السلبية، المدمرة للشخصية على النحو الآتي:

الصفحة274

ويسهم الإسلام في منح الشخصية الأمن والسكينة من خلال الصلة بالله، لأنها تمنحها القوة لمواجهة اعنف الصراعات في الحياة، وفي مقدمتها الأحباط والفشل، لأنه يلجأ إلى مصدر القوة، ويشتق كمالات شخصيته من معاني اسماء الله تعالى وصفاته العلى التي يعكسها في ذاته فتمنحه التوازن والقوة والعدل والأمل، وجمال الشعور بالحرية من اسر الجهات الأرضية في تعبده الله الواحد الأحد الفرد الصمد، حيث لا تتعدد له جهات التعبد والشرك والتوجه، فيكون معها صريع التشتت والتوجهات التي تسهم في قض مضجع الشخصيات، وتدميرها، واثارة الهزات النفسية العنيفة في مسارات حياتها بين الحين والآخر؛ فعقيدة التوحيد تشكل تربية وقائية من الصراعات النفسية، حيث يربي المسلم على ان يوجه قلبه وسعيه ومراده و مقصوده وغايته الله الواحد الأحد؛ ويطلب منه الرعاية والتدبير والتصريف والحماية والحفظ والتوفيق والسداد، قال تعالى: ( وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ) (النجم، (39).

وليس من شك أن صلاة الجماعة في المسجد؛ وروح التعاون بين المسلمين وحضور مجالس العلم؛ والتكافل الاجتماعي؛ والتواصي والتناصح والتآزر؛ تسهم في القضاء على أي شعور بالوحدة وما قد ينتج عنه من مشاعر الإحباط والاكتئاب.

 قال تعالى: (الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَطْمَئن قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئنُ الْقُلُوبُ ) (الرعد:28).

والمعنى المستفاد من قوله تعالى (وَتَطْمَين قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ) أي تسكن قلوبهم وتستأنس بذكر الله (الطبري،1984).

الصفحة284

وقال تعالى: (يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَايَئسُوا مِن روحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَايَئسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف:87). والمعنى المستفاد إنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ اي لا يقنط من فَرَجه ورحمته ويقطع رجاءه منه إلا القَوْمُ الكافِرُونَ أي القوم الذين يجحدون قدرته على ما شاء تكوينه. (الطبري،1984).

قال تعالى: ( قَالُوا بَشَّرْنَكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانطين قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُونَ ) (الحجر: 55-52).

بمعنى لا يسيأس من رحمة الله إلا القوم الذين قد أخطئوا سبيل الصواب وتركوا قصد السبيل في تركهم رجاء الله، ولا يخيب من رجاه، فضلوا بذلك عن دين الله. (الطبري،1984).

والمعى المستفاد من قوله تعالى (وَلا تَيَأسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ) أي لا تقنطوا من فرج الله؛ قاله ابن زيد يريد أن المؤمن يرجو فرج الله والكافر يقنط في الشدة. وقال قتادة والضحاك من رحمة الله. وقوله تعالى (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) هي دليل على أن القنوط من الكبائر، وهو اليأس. (القرطبي،1954).

 والآيات تدل على أنه بحسب إيمان العبد، يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه (السعدي،2002)؟

والعقيدة الإسلامية تعطي المسلم حصانة ضد الانتحار، فهي تعتبره مجرماً وسوف يعاقب من يرتكبه يوم القيامة، وهذه عقيدة راسخة في وجدان المسلمين ويقوم، واللقاءات العلمية الدورية في المسجد تؤكدها بين الحين والآخر ا لدى المسلم، فهو يسمع بصفة مستمرة؛ قوله تعالى: ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) (النساء:.29)

الصفحة294

والمعنى المستفاد هنا ان لا يقتل بعضكم بعضاً، ولا يقتل الإنسان نفسه. ويدخل في ذلك، الإلقاء بالنفس إلى التهلكة وفعل الأخطار المفضية إلى التلف والهلاك، إذ من رحمته تعالى، أن صان نفوسكم وأموالكم ، ونهاكم عن إضاعتها وإتلافها، ورتب على ذلك، ما رتبه من الحدود (السعدي،2002).ومما سبق؛ تبرز اهمية التربية الإسلامية في ترقية انفعالات الفرد وتهذيبها، في مستوى الأمل ودفع اليأس، وتحفيز الذات لتحقيق اهدافها في ضوء مرضاة الله عز وجل؛ ومن هنا فإن الإسلام يبني مجتمعاً قوياً، يتسم افراده بالقوة النفسية؛ من خلال تفاعلهم الحي مع مبادئ الإسلام وسلوكهم العملي في ضوء تلك المرجعية الخالدة السامية.

الصفحة304

التغيير والإيجابية

ترتبط فاعلية التغيير بتنمية الإيجابية في الذات المنفتحة على ذاتها، وعلى كافة مجالات الحياة والناس والمجتمع، التي تمتلك رؤية ايجابية للكون والحياة، وتتصرف بذكاء وبصيرة، وتوازن بين الحقوق والواجبات وتلتزم الاعتدال والتوازن سمتاً مهماً في سلوكها، وتتكيف مع الظروف الصعبة وتتجاوزها، وتضبط ذاتها عند المواقف المزعزعة والمثيرة، وتمتلك ناصية الصبر في الحياة، وتسيطر على ذاتها عند الصدمات، تقدر الواقع، وتحترم الأبعاد المعنوية في الحياة، تطمح لنحو التطوير، وتقدر الجدية والهمة العالية والحراك الوثاب، وتربي ذاتها على الحكمة، والمراجعات الدورية للمواقف والأحداث، وتسلسل الخطوات وتنظم مسارها وتحفز ذاتها، وتبذل ما في حوزتها من الأسباب، مستعينة بالله تعالى والدعاء والتوكل على الله واليقين بتوفيقه وتأييده.

ويعد من الايجابيات في السلوك الفردي والاجتماعي، نبذ السلبيات، والرؤية الواقعية للأشياء، بعيداً عن التضخيم السلبي لمعطيات الأحداث، والجهد البناء لتطوير الإيجابيات وإزالة السلبيات، وتحرير الذات من الآفات النفسية والسلوكية، واستمداد القوة من منظومة الأهداف المحددة في استراتيجياتها للتغيير، الذي يجعلها في حراك نشط، يتجاور المعاناة والألم تحترم الالتزام وتواقة للتجديد، تنظر للمتبقي من الكأس الملآن لا المساحة الفارغة، تعتمد المحاكمة والنقد البناء، وتتبنى الذكاء في انفعالاتها وردود أفعالها تجاه المصاعب، معززة ذاتها دوما نحو الأمام.

انطلاقاً مما سبق فإن من الخطأ بمكان أن يقع الإنسان تحت أزيز المشاعر السلبية، تسيره كيفما تشاء، لأن تلك المشاعر السلبية معول هدم في البناء الشخصي والاجتماعي، لأن انعكاساته لا تكون في دائرة الذات فحسب بل تتعداها لتؤول إلى نظرة سوداوية للآخرين، والحياة.

لذلك تتسم نظراته للآخرين بالتخطئة والاتهام للناس، ومحاصرتهم بأخطاء وقعوا فيها، أو ظن أنهم وقعوا فيها، واختصارهم في هذه الزلة أو السقطة، وتخيل أن من ورائها

الصفحة314

ركاماً وجبلاً من الخطايا لا يجدي شيئاً، بل إنه من قلة الفقه، وانعدام العدل، وغلبة النظرة السوداوية، وتكوين تصوّرات خاطئة فنتائج خاطئة، وليكن لديك قدر من العفوية، وحسن الظن، وإن شئت فقل السذاجة والغرارة؛ فهذا لا يضر أبداً، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ ) رواه مسلم، إن شأن النظرة الإيجابية عجيب؛ ففي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله؛ فأبرز صلى الله عليه وسلم جانب الامتناع من هذا الرجل، وأشاد به أكثر من جانب المرأة الواقعة في الفتنة الداعية إلى الإغراء(العودة،2007).

والإيجابية تتطلب برمجة ايجابية للذات في السلوك اللفظي، ولغة الجسد، لذلك وجب التخلي عن مفردات لفظية تحمل إيحاءات سلبية، وكذلك الابتعاد عن الأجواء التي تهدم الذات وتهزمها وتضع المثبطات في طريقها، وتتسم هذه البرمجة الذاتية بالاستمرارية لغاية تحسين الأداء وتطويره، والوصول به إلى مقامات الإبداع والإنجاز.

فالإيجابية يمكن فهمها من كتابات الأمام الغزالي بأنها سمة النفس التي تتحكم في قوة الشهوة وقوة الغضب وقوة العلم وفي العلم الحديث، تمكن الإيجابية الذوات من تحقيق الثبات الانفعالي والضبط الذاتي في مواقف الصراع والضغوطات، وتوكيد الذات وعدم الاهتمام بصغائر الأمور. 

وتشكل الإيجابية، باعثاً مهماً، لتنمية خلق الصبر، في الأفراد والمجتمعات ولا يخفى الأهمية الصحية التي كشفتها البحوث الحديثة بشأن الصبر والاستقرار الشخصي، وقد ثبت حديثاً أن الصبر وتحمل ألم الحرمان يزيد من قدرة الجسم على إفراز الأندورفينات وهى أفيونات الجسم الطبيعية التي تحميه من الألم وتحقق له حالة مزاجية عالية.

 ومن المهم بمكان هنا أن يربى الأفراد على الإيجابية والمسئولية وتحمل تبعات الاختيار واتخاذ القرار، لأنه بذلك تتحقق الغايات المنشودة من الإيجابية، وتفعيلها في رحلة التغيير الإيجابية.

الصفحة324

لذلك فمن أهم سمات الإيجابية في شخصية السالك في رحلة التغيير الآتي:

وللإيجابية في السلوك انعكاسات مهمة على البناء الشخصي، وصقله بالقوة النفسية العالية، وطاقات التحدي والجلد، والمثابرة، لغاية اقتناص ثمار التغيير، فضلاً على أنها تحرر الشخصية من الازدواجية ومعايير الضعف الشخصي، وكذلك من الضبابية في المواقف والأهم مما سبق، هو حالة السلام النفسي، في الأعماق الدفينية في الشخصية التي تجعلها تستخف بالمصاعب، فلا تهزها، وتجتهد في سلم أهدافها، حتى تحقق الغايات المنشودة من التغيير.

الصفحة334

التغيير والإبداع والتجديد

يتطلب التغيير من قبل الأفراد، مرونة عالية، وخروجاً عن العالم المألوف، لأن من دوافع التغيير كسر النمطية العامة، وتحسين نوعية الحياة، وذلك يعد من بدهيات الإبداع والتجديد في الحياة.

لذلك فإن السالك في رحلة التغيير قد تواجهه عقبات ومصاعب، تتطلب منه ، رؤية تجديدية في ابتكار الحلول، فالسالك في رحلة التغيير لا يحمل معه حقيبة من الحلول الجاهزة، وهنا من المهم بمكان تنبيه السالك في رحلة التغيير انه ربما ما يحمله من مخزون في الذاكرة من حلول لمشكلات لا ينفع استخدامه في رحلة التغيير، لأنه بذلك يقع في نفس المشكلات، لأنه يستخدم نفس الأسلوب في معالجتها، وهنا تبرز أهمية ابتكار الحلول وتجديدها، لغاية اكتساب ظروف وأحوال وحل للأزمات بطريقة أكثر فاعلية وناجعة في الآن ذاته، إذ أثبتت التجارب أن التكرار عمل وقاتل وخصوصاً في المسائل الإستراتيجية، لذلك يلزم ترك الماضي وما يحمل من نجاحات وإخفاقات والتنقيب عن حلول جديدة تفاجئ الجميع. 

ومسيرة الإبداع في رحلة التغيير، تتطلب إتاحة الفرصة لمهارات الطلاقة والمرونة، في إعطاء ثمارها في الحلول والمقترحات للمشكلات التي تعترض مسيرة التغيير، فهنا يجب إتاحة الفرصة للعصف الذهني ليقدم كل ما لديه من تصورات ورؤى وحلول وتوقعات لغاية الوصول إلى قرارات إبداعية حاسمة، تتسم بالتفكير الجانبي، المتعدد الأبعاد، وليس التفكير العامودي، الذي يعتمد على الألفة والعادة والرتابة المنطقية في التعامل مع الأمور بجدة صارمة.

ولا يخفى أن هناك تحديات تواجه السالك في رحلة التغيير، وربما إخفاقات في خطوات معينة من التغيير مما يجعل من المهم بمكان شحن ذاته بالطاقات اللامحدودة، في الإيجابية والثقة بالنفس وعدم الاستسلام لمنظومة الرفض التي يواجهها في طريقة للتغيير، فهذه أمور بدهية محسومة، لأنه لابد من مقاومة للتغيير ورفضه، بل والسعي لإفشاله

الصفحة344

وتحطيم السالك في مروجه وهضابه ووديانه ومنعطفاته، وهنا تبرز أهمية الطاقة الروحية الإيجابية العالية، المترعة بالأمل والثقة العالية بالله تعالى ثم بنفسه وقدراته وإمكانياته، التي يسخرها لمشاريعه التغييرية.

ومن دوافع ابتكار حلول إبداعية في رحلة التغيير تزويد الذات بالطاقة المعرفية المتجددة، وعدم الركون إلى المعرفة السابقة، في مخزون الذاكرة، لأن هذا التواصل مع المعرفة وتطوراتها، وفهم ذلك التراكم المعرفي في ضوء المستجدات المعرفية، يجعل إمكانية الإبداع أكثر، في ظل ثقافة عميقة مولدة لهذه الحلول الإبداعية، لمنظومة عقبات وإشكالات، تعترض السالك في رحلة التغيير الإيجابية.

وهناك ارتباط ايجابي بين الإبداع الفكري والانفتاح على الثقافات والمجتمعات، وتراكم المعرفة لدى الحضارات والأمم الأخرى، والقدرة على استيعاب الأخر، ومحاورته، لغاية التواصل العلمي، والتثاقف، فهذه الأبعاد في الانفتاح الفكري، تعزز التفكيرالإبداعي، وتهيئ الأجواء المناسبة لتوليد الحلول الإبداعية في رحلة التغيير الإيجابية.

 ومما ينمي السلوك الإبداعي لدى الأفراد، تقدير الذات، واحترام الوقت، وعدم تضييعه، والالتزام بالواجبات والنظرة الإيجابية للحياة، وإعمال العقل دائماً، في ضوء حلول تجديديه للمشكلات التي تواجهنا في الحياة، من خلال العصف الذهني المتواتر له، حتى يتم إسقاط جميع الحلول المقترحة من قبله على موائد البحث وورشات العمل والأوراق الشخصية في التقييم الذاتي، في ظل مشاعر من التفاؤل، وعدم استخفاف تلك الحلول بإشكالها المتنوعة، والتدبر والتبصر في تلك البدائل المقترحة، لغاية استخلاص الحلول الإبداعية المناسبة منها، وبذلك تنمى المهارات الإبداعية لدى الأفراد في مواجهة مشكلات الحياة وضغوطات العمل، في ضوء حلول ابتكاريه متجددة.

وفي رحلة ابتكار الحلول الإبداعية، تبرز أهمية تمارين الطاقة اللامحدودة، في صقل الذات بالإيجابية، والقوة النفسية العالية في مواجهة قوى الرفض لتلك الحلول، وكل من يضع المثبطات، والعوائق في مسيرة التغيير.

الصفحة435

وهناك ارتباط بين الحلول الإبداعية، ومسألة عدم التسليم بالحلول، ومناقشتها في كافة إبعادها الإيجابية والسلبية، وعدم التسليم الفوري بالحل المناسب، دون دراسة كافة البدائل التي أسفرت عنها، عملية العصف الذهني ،الذاتية وممارسة نظرية ديكارت عليها، بالتشكيك في كل بديل منها، ومحاكمته، حتى يتم التوصل إلى البديل المناسب، الذي هو الحل الأبتكاري المبدع، وحتى يتم التوصل اليه لا بد من اعتماد استراتيحية ناقش ثم ناقش في كافة أبعادها بمساحات من الحرية الذاتية والديمقراطية مع الذات ورؤاها وبذلك تولد الحلول الخلاقة.

 وتباعاً لما سبق، فإن تفعيل مهارة المرونة والطلاقة والأصالة والتنوع، ومهارات التفكير الجانبي، وكسر النمطية، في التعاطي مع الأحداث، وتعزيز الذات، ومناقشة الآراء، الناتجة عن العصف الذهني والتشكيك بها، محاولة للوصول إلى البديل الإبداعي في ضوء نفسية عالية قوية، لا تعبأ بقوى الرفض التي تجابهها، وتضع المثبطات في طريقها، في ظل شخصية منفتحة ايجابية، تلتزم بقواعد البرمجة الذاتية عبر تمارين الطاقة اللامحدودة، وتؤمن أن الحلم لابد أن يصبح حقيقة، وان لكل مجتهد نصيب، وأن الصبر معول بناء، وان البداية تقتضي المعاناة والحراك، والنهاية هي العطاء والإشراقات.

الصفحة364

سيكولوجية الاتصال مع الآخرين

تواجهنا في حياتنا آلاف من المواقف التي تشكل منظومة اتصالنا مع الآخرين، وتتفاوت في تصنيفها عند الآخرين بين النجاح والرضى الذاتي والفشل والصدمات النفسية، وربما أن الثقافة السيكولوجية في هذا المجال تحفز إلى المزيد من النجاحات والرضى الذاتي عن اتصال الذات مع الآخرين، وتخفف من آلام الصدمات وتقدم خبرات سيكولوجية مضادة لمزيد من المحن والصدمات.

ولغاية تحقيق أهداف الاتصال في الارتقاء والإنسانية ومواجهة الخلافات وسبل اعتراضات الآخرين بفنيات عالية من اللباقة والهدوء، والذكاء في التواصل الاجتماعي، تستهدف المجالات المنشودة في التغيير.

وهنا تلعب أدوات الاتصال ( الكلمات لغة الجسد، نبرة الصوت ) دوراً كبيراً في تحديد نوعية اتصالنا مع الآخرين، وتحكم هذا الاتصال، فهناك ما يعادل%55  مما نتعلمه من الآخرين يأتي من لغة الجسد، و 38٪ يأتي من خلال نبرة الصوت، و %7 يأتي من الكلمات التي تقال، ويقال أن ما يعادل 80٪ تقريباً من اتصالاتنا مع الآخرين يحكمها اللاشعور والرسائل الداخلية و 20٪ يحكمها اتصالنا الظاهر والرسائل الخارجية المعلنة نتلقاها من الآخرين.

و أشارت الدراسات إلى أن أكثر من 50 ألف خاطر أو رسالة داخلية تمر في أعماقنا ونحاورها داخلياً، يلغى منها كم هائل من الخواطر خلال اتصالنا بالآخرين، لأنها تتعرض للمحاورة مع الآخر، فتقع في قائمة الإلغاء، ولا يكون لها اثر في السلوك، ومن هنا تبرز خطورة الانزواء والانعزال المطلق عن الآخرين، وذلك للكم الهائل من الرسائل الداخلية (الخواطر السلبية) الذي سيتعرض له ذلك المنعزل اجتماعياً، التي ربما توصله على حد السلوك العدواني أو الاكتئاب وعوارضه من القلق الدائم والتوتر الذاتي، وحالات من العصابية والذهانية وغير ذلك من الأمراض النفسية المستعصية.

الصفحة374

وهنا في مجال الاتصال مع الآخرين ينبغي تعلم أبجديات ثقافة لغة الجسد من خلال لغة العين والمساحة التي ترمق بها الآخرين وعلو وارتفاع النظرة، وعمق وسطحية تلك النظرة، واللغة النارية التي تؤججها النظرة، أو البرود واللامبالاة التي ترسلها العين، أو مساحات التدبر والتأمل، أو الهم والانكسار وغير ذلك من منظومة لغة العين، وكذلك تعبيرات الوجه من الحزن أو الفرح أو الاندهاش أو الصدمة أو التقزز والنفور، وخطوط اللون النفسية التي تختلط فيه من الصفرة أو الحمرة أو الزرقة والاهتزاز أو الجمود أو التلاعب والتلون في اللغة وغير ذلك، وإيماءة اليدين من الانقباض تعبيرا عن الصمت والحذر أو الانبساط تعبيرا عن الانفتاح والفرح أو حالات التشنج والشد فيها.

وكذلك المسافة الحدودية من اقترابك للأخر تعبيرا عن الحالة الحميمية وذلك بمسافة ابتعادك بحركة قدم أو حركتين من الأخر أو المسافة الشخصية بابتعادك ما بين حركتين إلى أربع حركات بالقدم والمسافة الاجتماعية بابتعادك مسافة أربع حركات فأكثر عن الأخر، وحركة الجسم ومؤشرات ميله بالجسد للأمام، مما يعطي رسائل في المحبة والاهتمام، وانعكاسات الرتابة والمظهر في الجسد والمكان الذي تحل فيه، يعطي رسائل نوعية مريحة للآخرين.

 وكذلك نبرات الصوت في مسافات العلو والانخفاض والتحكم بها واستراتيجيات مواجهة الخلافات والاعتراضات من خلالها، التي تقتضي تجنب استخدام كلمة (لا) للوهلة الأولى دون إدراك مضمون رسالة الأخر، واستبدالها بكلمة (نعم ولكن) واستخدام فنيات الاستماع للآخرين معها، وتجنب معوقاته من الضجيج ومظاهر التعب الجسدي واستخدام استراتيجيات مناسبة مع الأخر سريع الكلام من جهة أو الذي يستخدم کلمات أو جمل قوية وربما خشنة، قد تؤذي الاستماع.

 فالاستماع الجيد يقتضي التوقف عن الكلام وإراحة الأخر، وإظهارانك تريد الاستماع وهنا مشاعر من التعاطف معه، وعدم التسرع في الإجابة، وتجنب الغضب، والسؤال بعد الاستماع والتوقف عن الكلام للاستماع، فهذه الإستراتيجيات تسهم في حل الخلافات التي تدب من سرعة إصدار الأحكام الفورية وبالأخص في ميدان العمل بين الرئيس وفريق العمل، وبين مؤسسة العمل والعميل.

الصفحة384

ومن مميزات الاتصال الحفاظ على سمة الثقة بالنفس في التعامل مع الآخرين، من خلال احترام الذات وتقديرها، والثقافة الشخصية، والحماسة في أداء المهمات، وحب أن تكون مهماً، والاهتمام بالمظهر الشخصي العام، فضلا عن الاهتمام ببناء الثقة مع الآخرين من خلال الصدق المطلق وعدم الكذب والتلاعب والإنصات للآخرين، والمعرفة التامة بقدراتك وإمكانياتك وما يمكن أن تقدمه للآخرين من خدمات، والابتعاد عن الوعود الزائدة التي لا تقوى على أدائها في تعاملك معهم، واستخدام نبرات هادئة ولهجة لبقة في المحادثة، والانتباه الحركات جسدك ولغتك ونبرة صوتك بالعموم لتظهر متزناً ومرموقاً في تعاملهم معهم، بعيداً عن الخفة والتهور والفوضوية في السلوك، وكذلك الالتقاء بالأعين والاسترخاء والثقة بالنفس والامتنان للآخر.

ومن مزايا الاتصال التي لا يبال بها الآخرين، إستراتيجية كسر الجليد من خلال التواصل مع ا الآخرين، والترحيب بالأخر، والسؤال بطريقة لبقة، واستعمال أسم الأخر عند مخاطبته، والتزام الأسئلة المفتوحة والابتعاد عن الأسئلة الشخصية الفضولية، وهذه جوهر مآسي التواصل وسلبيته في التعامل مع الآخرين الذي يتلخص بفضول معرفة ما لدى الآخر وأسرار حياته وشؤونه الذاتية والمالية والأسرية، وهذا من الخطأ بمكان، لأن هناك مسافة يجب أن تحفظ للآخرين، وهي نافذته الشخصية وعدم اقتحامها، وهي تخص حياته وأسرارها وما يرتبط بها من شؤون مالية وأسرية.

واغلب الناس تخوض في النافذة الشخصية لدوافع عده؛ مبعثها الفضول، وتحاول أن تنبش فيها تباعاً، لتحصل سلة أخبار وإشكالات للآخرين، وهذه سر الأزمات والخلافات التي تحتدم بين الناس في مجتمعاتنا، ونابعة من عدم ترك النافذة الشخصية في أمان مطلق من الفضول والعبث بها عبر الأسئلة الضيقة الشخصية، وفي ذلك خروج عن أهداف وغايات التواصل الإنساني من المحبة والتوافق والتعاطف وتبادل الخبرات ما أمكن.

وتلك الاستراتيجيات في فنيات الاتصال، تشكل مادة سيكولوجية ثرية، لقواعد التغيير في عوالم الاتصال مع الآخرين، لأن المعرفة بما نريد أن نغيره، وكيف سنغيره، محطات مهمة في تسهيل عملية التغيير وتحقيقها على ارض الوجود.

الصفحة394

التغيير واتخاذ القرار

يشكل اتخاذ القرار دينامية التغيير، لأنه من خلاله تتحقق ماهية التغيير، والسير في خطواته، وربما هو الموضوع الشائك في عوالم تطوير الذات لحالة التسويف، في عملية اتخاذ القرار، التي سببها؛ عدم تفعيل الإرادة الواعية لدى الأفراد.

ويقصد بإتخاذ القرار، عملية إفصاح الذات عن إرادتها في ضوء موقف معين، وبرمجة الجوارج في ضوء تلك الإرادة الواعية، لغاية تنفيذ تلك الرغبة على ارض الواقع.

 وفي تطوير الذوات، تلعب عوالم اللاشعور دوراً بالغاً، في تحقيق التمهيد والتوطئة لاتخاذ القرار، وفي اطر البرمجة الذاتية عبر تمارين الطاقة اللامحدودة، تسهل عملية اتخاذ القرار، بحيث يحدث تجاوب الإرادة الواعية معه، وتكيف الذات معه. وهناك توجيهات في عملية تنظيم القرار يجب أخذها بعين الاعتبار، حتى تكون عملية التغيير، عملية منظمة محددة واضحة وأدرجها على النحو الآتي:

وربما ما ذكر سابقاً، يتناول التغيير واتخاذ القرارات في حالات تطوير الذات، ولكن ماهية التغيير في العمليات الإدارية وتغيير النظم الاجتماعية، تبدو عملية أكثر صعوبة، وتتطلب فريق متكامل من الخبراء يفقهون فلسفة التغيير ومتطلباته، بإعتباره جهد جماعي وربما تكون التجربة اليابانية، أكثر وضوحاً في هذا المجال، التي تعتمد على استراتيجيات المشاركة والجهود الجماعية.

الصفحة404

وفي مجال التغيير الجماعي في أطر إدارية أو اجتماعية، فقد انبثقت دراسات بحثية، تتناول تلك الموضوعات، وجميعها تؤكد على أهمية الأسلوب المنظم في اتخاذ القرارات الذي يعتمد على العناصر الآتية:

1_الدراسة ويقصد بها تحديد البدائل في أوجه التغيير والبحث في أبعادها ومعطياتها، وحذف غير المناسب منها، وتحديد الخيارات في الأوجه المناسبة. 

2_الاستشارة: وهي عملية تلاقح فكري تضم المعنيون بالتغيير وباتخاذ القرار وخبراء في هذا الصدد لتحديد ماهية الحلول المقترحة.

3_الالتزام: ويقصد به تحمل مسؤولية القرار من حيث إدارة الأخطار الخارجية والنفسية للقرار، وإيجاد الالتزام الداخلي وجعله معلناً بالقرار.

4_النقل (التواصل): ويقصد به توضيح وشرح ماهية قرارات التغيير، وتعليلها، وتوليدالتزام به لدى الآخرين، وترويج الفوائد وتأمين العمل، وإجراء تفويض وتخطيط. 

5_التفقد وهو مراقبة التقدم لضمان نجاح القرار بالفعل واستخدام مؤشرات الأداء وتعديل الخطط في ضوء التقدم والتجول الميداني على الموظفين للمراجعة والتشجيع ومراجعة القرار كجزء من دورة التعلم والإعداد للقرار التالي.

وهكذا تبدو لنا حياة الأفراد والمجتمعات ما هي إلا منظومة متسلسلة متتابعة من القرارات، التي تتضمن تغييرات فردية واجتماعية في سبيل غايات منشودة، وهكذا أمام تحديات الحياة، وظروفها الصعبة، وأمام ظاهرة الاجتماع الإنساني، فلا بد أن تواجهنا ما لا يعد ولا يحصى من المواقف، التي تتطلب منا الآتي:

الصفحة414

وهكذا فإن عملية اتخاذ القرارات هي جوهر الحياة، وبلسمها في التجديد، وعنفوانها في الحيوية، وفيتاميناتها المنشطة في العطاء.

وفي مجال القرارات الفردية في تطوير الذات، فهناك بين المرء والمجد، مساحة مغناطيسية لامعة، تشكل ينبوع الطاقة، وهي اتخاذ القرار الايجابي الفعال، بمقتضى الإرادة الواعية، واتخاذ القرار، يتطلب إرهاصات سابقة، تعزز قوته في الذات، وتجعله في حالة استخراج الطاقة المغناطيسية اللامحدودة في الذات التي تجتذبك نحو مساحات الإبداع والعطاء، والمساحات التي تفصل بيننا وبين اتخاذ القرار يجب ان نوليها عنايتنا، وهي على النحو الآتي:

ما هو الموقف، وما هي الملابسات التي تحيط به، وما هي العوامل المعززه له، وما هي مساحات المثبطات، وهل هناك مساحة ضبابية تشكل ضغطا في عدم اتضاح الرؤية بشأن القرار، وما هي الدواعي الجدية التي تشكل في اعماقي حاجة لأتخاذ هذا القرار.

فعند تحديدة، تتبين لي مساحات الأمل والتطلعات من خلاله، وما هي بوصلة التوجيه المحددة بصدده وتعفيني من تضييع الوقت في مناقشة قضايا وإشكالات هيليست في صلب الموضوع.

حدد جدولة الجدوي من القرار يمكن قياسها والانتفاع بها، ويمكن تقييمها فيضوء الهدف المحدد للقرار

هل ما تملكه من مخزون المعرفة وما زودت به ذاتك من معلومات تشكل حد كافي لأتخاذ هذا القرار، وتوفر له مساحات الإيجابية والسلبية من اتخاذه، هل تلك المعلومات التي بين يديك تتناسب مع ما يقتضية القرار من تجلية الظروف التي تحيط

الصفحة424

به، أو أنها بعيدة كل البعد كل تلك التساؤلات يجب أن تعطيها انتباهك، عند اتخاذا لقرار.

وهنا تطرح على نفسك تساؤلات مفادها هل إمكانياتك تتناسب وهذا القرار، وهل ما لديك من موارد من أموال ومواهب وطاقات ومعدات، تكفي لأتخاذ هذا القرار، وكم هو متوفر منها لديك، وهل بإمكانك الحصول على المزيد عند الحاجة، ومن این ستحصل عليها، وكيف؟ ومتى؟.

ما هي الشروط التي يجب توفرها لاتخاذ القرار؟ ماهي المساحات التي تزعجك فيما لو اتخذت القرار ما هي المصاعب التي يمكن ان تعترضك لو اتخذته، وما هي المرغبات والحد الأدنى الذي يمكنك اتخاذ القرار في ضوتها.

 ليست كل المزايا بنفس الأهمية. لذلك بين أهميتها النسبية بإعطائها وزنا معيناً من المجموع الكلي للمزايا.

ما هي الخيارات الممكنة المتاحة أمامك، ضع أكبر عدد ممكن من البدائل، حتى تزودك بالمرونة الكافية عند مواجهة ما يتحدى قدراتك.

قم بفحص كافة البدائل بما يتناسب مع قائمة متطلباتك. وعندما لا يلبي البديل - ولو واحداً من هذه المتطلبات - برفضه إلا إذا كان بالإمكان تعديل المتطلبات.

قارن المزايا المطلوبة والمتوفرة في البدائل المعروضة، وأعط كل واحدة من هذه المزايا درجة نسبية.

الصفحة434

اجمع عدد نقاط المزايا المتوفرة في كل واحد من البدائل وقارنها بشكل موضوعي بناء على متطلبات القرار الذي سوف تقوم باتخاذه. إن البديل الذي يحصل على أكبر عدد من النقاط سيكون هو اختيارك المبدئي.

 إذا كانت نتائج الخيار المبدئي جيدة كما جاءت في الخطوة السابقة فقم بتطبيقه. وإذا لم يكن ذلك الخيار هو ما تريده انتقل إلى الخيار التالي في عدد النقاط التي سجلتها، وإذا لم تجد خياراً مناسباً بين الخيارات التي سجلت نقاطاً علية فارجع ثانية إلى الخطوة رقم واحد وابدأ من جديد.

الصفحة444

التغيير واستشراف المستقبل

يعد استشراف المستقبل من المفردات العصرية، ويطلق عليها علم المستقبل، وهي مهمة للغاية، عندما يتم تناول التغيير في إطار النظم السياسية والإدارية بدرجة أكثر أهمية من تناولهما في حياة الفرد الذاتية، فهي دراسة الغد الحالم، إذ ينظر إلى الغد على أنه تاريخ يمكن قراءة اتجاهاته الرئيسية. 

كما أنه ( علم المستقبل) الذي تعمل أدواته بعلمية موضوعية، لتناول الغد في قراءة علمية دقيقة، والسيطرة على أحداثه وتوجيها علمياً، قبل أن نصطدم بالغد ومنظومة إحداثه، فيتحكم في حياتنا، ويسلبنا حرية التفكير والإنجاز.

ولم يعد استشراف المستقبل مجرد إشباع للرغبة الطبيعية لدى الإنسان، في تعرف المجهول، وإنما أصبح مطلبا أساسيا وضروريا، لتحقيق التواؤم مع المتغيرات المرتقبة في مختلف مجالات الحياة، سواء في ذلك العلاقات السياسية بين الدول بعضها بالبعض الآخر، واحتمال ظهور أيديولوجيات جديدة مناوئة، أو الأنشطة الاقتصادية المختلفة مثل مستقبل الصناعة والإنتاج أو الجهود العلمية المتعلقة بحياة الإنسان وتكوينه البيولوجي، وما قد يتعرض له من أمراض نتيجة للتغيرات البيئية وإفرازات النشاط الصناعي، واستخدام أنواع معينة من الطاقة وغير ذلك كثير ( أبو زيد،2007).

وعلم استشراف المستقبل يجد الآن إقبالا شديدا عليه في الغرب، وبخاصة في أمريكا، وهناك فئات من العلماء، اتخذته ميدانا للتخصص ومهنة للعمل، حيث يقدمون من خلالها الاستشارات والتوصيات في كافة المجالات الحياتية .

واستشراف المستقبل ليس له علاقة له بالقدر والجبر أو حرية الخيار والقرار، إنما بالموقف الايجابي الذي يجب أن نتبناه والقائم على فكرة أساسية هي أن المستقبل ليس هذا الشيء المقرر سلفاً والمفروض علينا والذي يتكشف لنا شيئاً فشيئاً، لكنه شيء يجب بناءه وتنفيذه ( اللاذقاني،2007).

الصفحة454

ويقصد بإستشراف المستقبل مجموعة البحوث المتعلقة بالتطور المستقبلي للبشرية مما يسمح باستخلاص عناصر تنبؤية.

ويمكن التعاطي مع استشراف المستقبل، من خلال إيجاد الروابط التي تحكم العلاقات بين الأفراد وبين عناصر الطبيعة. من خلال ما يعرف بالقوانين والسنن الكونية والاجتماعية والسلوكية، ويحفل القرآن الكريم، بمنظومة من السنن الكونية والاجتماعية والسلوكية، التي أفـضـى بهـا علوم الأعجاز العلمي والنفسي في القرآن الكريم والسنة الشريفة، حيث يمكن استقصاؤها، واخذ مشهد مصغر للحياة وإحداثه، يكون نبراساً لنا في التعاطي معه في يومنا، ونقرأ الغد وتحدياته من خلاله، هذا في ميدان تطوير الذات، وفي مجال تطوير النظم السياسية والإدارية فيقتضي الأمر، في ظل استراتيجيات التغيير، تبني مراكز علمية لدراسات المستقبل، مع كوادر من العلماء والخبراء الاختصاصيين في هذا المجال لتطوير النظم السياسية والإدارية لتكون عملية التغيير على نور وبصيرة. 

ونحن أمام المستقبل، إما أن نكون سلبيين في الخضوع للمتغيرات، أو منفعلين في انتظار ردود الأفعال، أو معنيين بأنشطة مناسبة، إما أن تكون فاعلة أو تمهيدية للتغيير وهناك استراتيجيات يجب التزامها عند المبادرة بدراسات المستقبل، أدرجها ( اللاذقاني2007) وهي على النحو الآتي:

1_تعريف المسألة واختيار الأفق.

2_بناء نموذج وتحديد المتغيرات الأساسية.

3_تجميع المعلومات والمعطيات وتشكيل النظريات.

4_بناء الخيارات المستقبلية الممكنة على شكل تشعبات وتشجرات.

5_الخيارات الإستراتيجية.

وهكذا يتطلب التغيير في ضوء استشراف المستقبل إرادة واعية، وهمة عالية من قبل الأفراد والمجتمعات، وكما قال الفيلسوف سينيك: لا توجد رياح مؤاتية بالنسبة للذي لا يعرف إلى أين هو ذاهب.

الصفحة446

الوعي بالذات الحضارية

تدور مفردات حول الوعي بالذات في إطار مجموعها، وما يعرف بهويتها الحضارية، وما تتضمنه من معطيات ثقافية في الحياة، إذ لا يكفي الوعي بالذات في إطار الأنا ومعطياتها، بل يجب أن تنهض بها لتكون على وعي بالذات الجمعية، التي تتعلق بهويتها الحضارية في زخم العولمة، وانعكاساتها في إذابة الثقافات في إطار ثقافة واحدة تعمم وتلغي الأخر، فضلاً عما يترتب عنها من خلخلة للقيم وانسحاب عن الهوية عبر غزو فكري على الطريقة الناعمة.

ومن هنا تبرز أهمية الوعي بالذات الحضارية، وكذلك الوعي! بالأخر وثقافته، وعدم تجاهلها، وتفعيل لغة الحوار وتواصل الثقافات دون إلغاء الثقافات، أو تعميم ثقافة تغريبية مقابل إلغاء الثقافات الأخرى.

ومن هنا كانت الاستنارة الكاملة الفاعلة هي الوعي الحقيقي بالذات الحضارية و بالآخر الحضاري، وإدراك وإعمال قوانين الأخذ والعطاء، والتفاعل الصحي بين تيارات الفكر الإنساني، وثمرات العقول في مختلف الثقافات والحضارات؛ فالذين يكتفون بذاتهم الثقافية والحضارية. لابد وأن يقودوا هذه الذات إلى الذبول والاضمحلال، مثلهم في ذلك كمثل المضرب عن الطعام يعيش على الذات حتى يستهلك مكوناتها، وكذلك الذين يتجاهلون أو يجهلون الذات الثقافية والحضارية لأمتهم، ويتقمصون ذوات الآخرين، لابد هذه الذات التي فرطوا فيها - إلى الذبول والاضمحلال، فمعرفة النفس لا تغني عن معرفة الآخرين والعكس صحيح.

ويقول محمد عمارة بأن المنهاج القرآني يدعو إلى التعرف على الآخرين، بل والتأمل فيما يقولونه عنا، والتدبر في صورة ذاتنا لدى هؤلاء الاخرين فعالمية الإسلام تفرض على أمته كي تحقق القيام بفريضة الدعوة إليه - تحقيق مستويات ثلاثة في الدعوة إلى هذا الدين:

الصفحة474

ويستخلص مما سبق أنه بدون المعرفة بالآخر، والوعي بما لديه من عقائد و أيديولوجيات ومواريث فكرية وثقافية، يستحيل إنجاز هذه الأركان في فريضة الدعوة إلى الإسلام (www.balagh.com).

كافة وربما وفرت ثورة الاتصالات، مساحات التلاقي الفكري، حيث تتدافع الأفكار، في التلاقي والغلبة، فكما أن فكر الأخر غدا في مساحات الانفتاح والعرض، كذلك الفكر الإسلامي، أصبحت متاحة له فرص التبليغ والنشر بكافة سبل التواصل الحضاري. 

وفي رحلة التدافع الفكري، التي يدور فيها زخم الصراعات الفكرية؛ تبرز أهمية الوعي بالذات الحضارية في ظل هذا الغزو الفكري الناعم، وما تحمل من معالي الأمور، وسمو القيم وفكر ،رسالي، يتطلب التبليغ والنشر، ومن هنا تبرز أهمية الوعي من سبل التذوت بالأخر، والذوبان في ظل ثقافته وهويته من خلال الانسحاب عن الجذور، ومن هنا تبرز أهمية دعوات الأصالة والمعاصرة معاً في رحلة الدعوة لحضور الماضي بقيمه وأصالته، والانفتاح على الواقع بتقنياته والمجازاته العلمية والحضارية، في اندماج وانسجام وتواءم معاً، يتسم بالنظرة الثاقبة، واستشراف المستقبل، وقراءة الغد بطريقة عملية فطنة تحسن الأخذ من كل الماضي والحاضر لبناء المستقبل.

ومن هنا تتحقق الاستنارة الحقيقية التي هي في جوهرها؛ حالة كيفية ونوعية من الوعي الفاعل بحقيقة الذات والواقع و المحيط، فلا بد فيها من الوعي بالذات الحضارية والثقافية والمعرفة الواعية بالآخر الحضاري والثقافي أيضاً.

ويرى آخرون بان ما أصاب أمتنا من انكسار حضاري، وتخلف وتبعية، وتراجع في فاعلية المسلم، لم يكن بسبب عوامل خارجية بعيدة عن إرادتنا وذاتيتنا، وذلك أن وراء كل ظاهرة خارجية عوامل داخلية تهيئ لها - ناشئة من الخلل في الوعي بالذات – وتمنحها

الصفحة448

القابلية للوجود، وتحدّد اتجاهاتها، وترسم أطر تفاعلاتها ؛ وهذا ما حدا بمفكر مسلم، هو مالك بن نبي أن يصف حال المسلمين اليوم بـ القابلية للاستعمار؛ إننا لا نستطيع أن تقنع الأعداء بالكف عن أذانا، كما لا نستطيع منع الثلوج من السقوط، ولكننا نستطيع أن تحصن أنفسنا من كيدهم ومن سقوط الثلوج فوق رؤوسنا، إن أرقى أنواع الوعي هو الوعي بالذات، وإن أعظم أنواع الجهل هو الجهل بها؛ ومن الوعي بالذات الوعي بالعقائد والتصوّرات والقيم والشرائع التي تؤمن بها وتختزنها؛ والوعي بما يموج به المحيط مما يتوافق أو يتضارب مع الذات.

والوعي بالذات ليس انغلاقاً عليها، ولا تعبداً في محرابها، ولكنه الإدراك الحسن لحدودها وشروط وجودها، والظروف الأكثر ملاءمة للحفاظ عليها، وترقية درجة عطائها، فالرقم // مثلاً غير ذي قيمة لو لم يكن جزءاً من نظام عددي، فهو يستمد قيمته من الأرقام التي تسبقه والتي تلحقه وحتى نتمكن من وعي المرحلة التي تعبرها لا بد من معرفة المراحل التي يعبرها الآخرون، وهذا يدفعنا إلى الانفتاح مع إدراكنا أهمية البحث عن الذات.

وإن غياب الوعي بالذات يوقع الأمة في محذورين خطيرين: 

الأول: تشرّب عناصر ترفضها ثقافة الأمة، لاصطدامها مع بعض منظوماتها العقدية أو الشعورية أو التاريخية مما يؤدي إلى صراع بين ثقافة الأمة وهذا الوافد الجديد، ويؤدي أيضاً إلى ضرب الموازنات العميقة للأمة، والانحباس في تقدمها.

الثاني: هو الجمود والعزلة عن تيارات الثقافة العالمية، وهذا يجعل الثقافة المنعزلة هدفاً للاضمحلال والضمور.

فالمسلمون أصحاب رسالة وأهداف والمقدمات النظرية لثقافتهم تركت هوامش واسعة في ذاتية الأمة تسمح لها بالتفاعل مع الآخرين أخذاً وعطاء، فلم يبق بعد هذا وذاك أمامنا من سبيل سوى أن نرسم حدود ذاتنا موضحين المركز والإطار في كل ما نأتي ونذر، متذرعين إلى ذلك بالاجتهاد الدائم على شتى الصعد؛ حينئذ نستطيع أن نسبح مع التيار

الصفحة494

وضده، ونزداد مع ذلك قوة ومناعة دون أن نخشى من الغرق؛ والتفكير الموضوعي هو أول خطوة على طريق الوعي بالذات وعلى طريق إدراك جذور كثير من المحرافنا وأسبابه ومظاهره.

(www.odabasham.net) 

وهناك من يرى بأن الوعي : بالذات هو مكمن الانطلاق للتغيير والتحسين والتطوير والمراجعة، وهي مطالب أساسية في واقعنا المعاصر؛ فالوعي هو إدراك لواقع ما بأبعاده المختلفة؛ وكلما ازداد هذا الوعي؛ عاش الإنسان واقعه الحقيقي وخرج من التزييف الذي يحيط به باستمرار؛ فالوعي يمتد إلى كل شيء؛ الوعي بالذات بالعالم، بالطبيعة بالوجود، إلا أن ارتكازه الأول يجب أن يكون في الوعي بالذات فالذات . المعرفة الأول، ولا يمكن أن نتصور معرفة متجردة من الذاتية مهما أغرقنا في الموضوعية والتجريد، وبذلك يمكن فهم مقولة جان جاك روسو إن معرفة النفس الإنسانية هي أعظم العلوم نفعاً ونفهم أيضا مقولة مفكرين اخرين بأن معرفة النفس الإنسانية ذات أولوية مطلقة تسبق في الأهمية أية معرفة أخرى، فالوعي بالذات يرتكز على الوعي بالحرية والوعي بالعقل؛ انطلاقا من وصف الإنسان يكونه كائناً حراً عاقلاً؛ ووعي الإنسان بحريته يعني أن يستعيد ذاته من استلابها للآخرين واختفائها داخل الذات الجمعية؛ أما وعي الإنسان بعقله فيعني في معناه العميق أن يفكر الفرد باستقلالية قدر الإمكان، فمقولة الوعي بالعقل تعني في جوهرها أن يدرك الفرد أنه يملك قدرة على التفكير، لن يكتمل وجوده الحقيقي، إلا بإعمالها في كافة شؤونه؛ وعليه أن يتحرر من خوفه وسلبيته واستغراقه في التقليد ليقوم بمهمته الأساسية في إعمال عقله وفكره؛ كما تعني أن يدرك أن ترك هذه المهمة وتسليم عقله للآخرين واتباعه لهم بدون تفكير إنما هو انتقاص لمكانته الإنسانية وتدمير لجوهره الأثمن، الذي هو عقله وحريته.

.www.alwatan.com.sa

الصفحة504

سيكولوجيا الاستماع في القرآن الكريم

أورد القرآن الكريم نماذج بشرية متكررة، في كل زمان ومكان، وسبر أغوار الآيات الكريمة، والتدبر فيها يفضي إلى مضامين سيكولوجية، تتسم بالعمق والهداية في آن واحد، ومنها قوله تعالى في حق المنافقين ( مَاذَا قَالَ ءَانِفًا)، حيث أبرزت الآيات الكريمة حال المنافقين عند سماع القرآن الكريم في البعد النفسي ، إذ يمثلون النموذج الدنيوي المشغول بمتاعها، وتعاظم الذات . وجميع المال، وترفيه الذات بشكل هستيري، بنماذجهم المعلنة في القرآن الكريم، حيث أناقة الملابس والعناية بتزيين الجسد وتجميله، ولحن القول المعسول، وغش النصيحة، وخبث الطوية، والطعن في الدين من الخلف، وإحداث الفتنة بين المؤمنين، والقيل والقال والازدواجية في الشخصية.

وأورد العلماء تفسيرات متنوعة لهذا النص القرآني، بشأن هؤلاء المستمعون الغافلون إذ يقول الطبري إن هؤلاء الكفار لا يعون ولا يفهمون ما يسمعون، تهاوناً منه بما يتلى عليهم من كتاب الله عز وجل، وتغافل عن قول الدعوة وكلمة الأيمان، فالناس رجل ممن عقل عن الله وانتفع بما سمع، ورجل لم يعقل عن الله، فلم ينتفع بما سمع، وكان يقال: الناس ثلاثة فسامع عامل وسامع غافل، وسامع تارك، ويقول القرطبي بأنهم المنافقون الذين يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام، وزيّن لهم سوء عملهم، إذ كانوا يحضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين؛ فيستمعون منه ما يقول، فيعيه المؤمن ولا يعيه الكافر، وقوله تعالى: (مَاذَا قَالَ ءَانِفًا) أي الآن؛ على جهة الأستهزاء. أي لم يلتفت إلى قوله. و (آنفاً) يراد به الساعة التي هي أقرب الأوقات إليك، ويقول السعدي ومن المنافقين من يستمع إليك ما تقول استماعاً، لا عن قبول وانقياد بل في حال إعراض القلوب ، حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم، مستفهمين عما قلت، وما سمعوا، مما لم يكن لهم فيه رغبة، مَاذَا قَالَ انفا)، أي: قريباً. وهذا في غاية الذم لهم، فإنهم لو كانوا حريصين على الخير لألقوا إليه أسماعهم ووعته قلوبهم وانقادت له جوارحهم، ولكنهم

الصفحة451

بعكس هذا الحال، ولهذا قال (أولَائكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ)، أي: ختم عليها، وسد أبواب الخير التي تصل إليها بسبب إتباعهم أهواءهم، التي لا يهوون فيها إلا الباطل.

ومن الجميل بمكان الإشارة هنا إن كل من جلس مجلس العلم، ودار فيه حديث الآخرة والحب الإلهي والاقتداء بالنبوة، وإتباع المنهج الإلهي، وكان حاله بعد نهاية المجلس، على نسق هؤلاء، حيث الغفلة، وعدم تذكر شي، بحيث يكون في واد ومجلس العلم في واد أ أخر، فهذا فيه من النفاق، وخصاله النفسية في الاستماع فعليه أن يتدارك نفسه، ويبادر إلى أن يجعل اهتمامه بالرصد الأخروي المستقبلي، ويعمر دنياه بالفكر الرسالي، لأن الاهتمام النفسي مفتاح عقل الشي، وإذا أردت أن تعرف مقامك فأعرف أين اقامك الله تعالى في فقه الكلمة وتدبر معانيها ومراميها في الطاعة والإنابة.

والنص القرآني يصف لنا نموذجيين من البشر، إذ هناك أهل الدنيا المنغمسين في تفاصيلها، وقد اخرج الآخرة من حساباته، وهناك أهل الآخرة، الذين يرصدون من دنياهم لأخرتهم، ويستشرفون المستقبل في ضوء ما يرفع درجاتهم لا ما يهوي بهم من الدركات، فالنوع الأول يصدق عليه سيكولوجيا أن يقال في حقه، وفي حق دينه جملة وتفصيلا (مَاذَا قَالَ ءانفا)، وهناك من يبحث عن حقيقة الأيمان، حيث يجد كل شيء يدله عليه، فيعي الكلمة في الحق ويتدبر أفاقها، فيجد حلاوتها، ويتذوق ثمرة العمل بها.

وهناك في النص لفتة رائعة سيكولوجيا"، إذ ما حال هؤلاء الغافلون الذي لم يعوا مرامي كلمات النبي وهو أكثر الناس بلاغة ومنطقاً، وكلماته تحدث الأثر الذي لاحدود له في التأثير القلبي، حيث تنقل مستمعها نفسياً من محيط الدنيا ودنسها إلى محيط الآخرة وطهرها، وهذه ثمرة الاستجابة والوعي بكلمة الأيمان ومراميها.

ويصف لنا النص القرآني المعجز قرائن الأعراض والغفلة في مجلس العلم والآخرة من التململ والتثاؤب والاعتذار، وهذا مؤشر عدم الاهتمام بكينونة هذه المجلس الروحية، في الوقت الذي يكون فيه في غاية التدبر اللامحدود لنص دنيوي في

الصفحة524

تفاصيله المعمقة أو لكلام أية جهة أرضية مهمة وهمة عالية وثابة في جمع المال، واللهاث المستميت في تحصيل المراكز الدنيوية لذاتها، والتلذذ بالشهوات بنهم، والإقبال على الشبهات بحيوية واتقاد، ومن هنا فإن عدم الاهتمام قرينة على الأعراض وعدم عقل الكلام، فإذا طلبت شيئاً عقلته؛ وفي الوقت ذاته فإن الاستماع والتفاعل والحراك والاستجابة للشحن في مضمون الكلمات المسموعة هو دلالة على الاهتمام وعقل الكلام بجدية، وهذا بحد ذاته قانون مهم في سيكولوجية الاستماع، ومن هنا فهناك كثيرون، يجلسون، والوجود الذهني لهم مفقود، وهذه مصيبة عظمى في مجلس العلم، و مصيبة أكثر فظاعة في مجلس الأيمان ،والآخرة، ومن هنا فإن القلب إذا امتلأ بالهوى لم يبقى فيه مكان للهدى، لأن الله لم يجعل لرجل من قلبين في جوفه.

وتباعاً لما سبق؛ فإنك إذا فرغت قلبك من الدنيا امتلأ من الآخرة، ومن المهم بمكان الاعتراف بأن الذاكرة اصطفائية متعلقة بالاهتمام والطلب، وبناء عليه تحدث لدينا سيكولوجية الاستماع الفاعلة، لأن الاهتمام يعين على الاستيعاب والنقل، وهذا ما تتعلمه من سيكولوجيا الاستماع ودوافعها في النص القرآني، ومن هنا فإن فتنة الدنيا تتشكل في الانشغال فكرا وسماعا وتذوقا وهستيريا إطلاق البصر بلا حدود، في متاع الدنيا بلا هدف، وركن الآخرة خلف ظهره، والعمل لدنياه كأنه مخلداً سرمداً أبداً فيها، وهذه مساحات النص الروحية المتسامية التي تحذرنا الآيات الكريمة منها، حتى نكون فيمن أقامه الله تعالى فيما يحب ويرضى في فقه الاستماع والتدبر من جهة؛ ويعملون بأحسن المسموع من جهة أخرى.

الصفحة453

ندوة العولمة وتغيير المناهج التربوية في العالم العربي

برعاية مجلة عالم الغد الثقافية الصادرة عن المركز الأكاديمي

للدراسات الإعلامية وتواصل الثقافات فيند النمسا

أعداد الكاتبة : د. سعاد جبر

اجتاحت العولمة مسارات فكرية متنوعة في العالم العربي وأثرت فيها، وبرز من ذلك انعكاسات فكرية متنوعة الأبعاد، تراوحت الآراء والمواقف تجاهها بين الرفض والقبول، وهناك من المفكرين والباحثين من حاول إحداث لغة تجاوب وتفاهم بينهما أي الرفض للعولمة والقبول بها _ في مساحات الرفض لمنطلقات معينة والتجاوب مع متطلبات ضرورية توفرها العولمة في حياتنا الفكرية.

ويبرز للمتتبع لكافة أبعاد العولمة فكريا في عالمنا العربي، أنها أخذت من كافة المفكرين والباحثين في البعد الثقافي والإعلامي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي جهودا في بث الآراء حولها ومحاكمتها في ظل معطيات تلك الأبعاد كلا على حدا، في حين لم يأخذ البعد التربوي حقه من البحث والدراسة، والنشر الإعلامي لذلك، علماً بأنه اخطر تلك الأبعاد الفكرية لاعتبارات تبوته مهمة تنشئة الأجيال في الأمة وتغذيتها بالفكر ومهارات مواجهة الحياة، وهنا تقف التربية في ظل معادلة حادة متماوجة مع العولمة، لأنها لا يمكن أن ترفض العولمة جملة وتفصيلا، ولا يمكن في الوجهة المقابلة أن تقبلها على الإطلاق دون قيود واحترازات، لأن هناك انعكاسات إيجابية للعولمة في البعد التقني، لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال أثره العميق الإيجابي في العملية التربوية، وهناك انعكاسات سلبية في البعد الثقافي والسلوكي لا يمكن أيضاً تجاهل انعكاساته السلبية على تنشئة الأجيال.

وانطلاقا مما سبق؛ يبرز للمتتبع أهمية تناول موضوع العولمة في ظل المناهج التربوية، لما اخذ يشكله هذه البعد الحساس من أبعاد التربية من ضجة إعلامية من جهة، واختلاط شعارات التغيير في محتويات المناهج مع دعوات سياسية أمنية في المنطقة العربية من جهة أخرى، فضلا عن دعوات عقلانية تدعو للتغيير لغاية تنشئة الأجيال في ظل مواكبة العصر

الصفحة454

ومتطلباته في ضرورة الإبداع وتنمية مهارات التفكير وامتلاك القدرة على حل المشكلات في مواجهة أعباء الحياة.

وهنا يبرز السؤال الملح الخطر؛ ما هي مساحات التغيير المطلوبة من جهة؟ وما هي مساحات التغيير التي تقع تحت سيطرة الأمركة وأهدافها السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة العربية؟

وكيف يمكن لنا التعاطي مع تلك المعضلة الفكرية في ظل التزام بثوابت الفكر الإسلامي والانفتاح على الاتجاهات العالمية الحداثية في التربية، تلك المساحات الفكرية في ظل معالجة موضوعية سابرة هادفة في ظل العولمة وتغيير المناهج في العالم العربي هي ما تتناوله الورقة الثالثة من ندوات العولمة: الواقع والتداعيات.

وفي ظل تلاقح الآراء في ألوانها القزحية المتنوعة نفتتح الورقة الثالثة من ندوة العولمة: الواقع والتداعيات، وعنوانها العولمة وتغيير المناهج التربوية في العالم العربي ونرحب بضيفينا الكريمين في ندوتنا الثقافية، ونستهل تواصلنا معهما بالتعريف بهما وبمكانتهما الثقافية في عالمنا العربي وسنحظى في أمسيتنا الثقافية هذه بآرائهما الثرية في ظل جدليات العولمة والمناهج وهما: 

وتناقش ورقة العولمة: الواقع والتداعيات في ورقتها الثالثة المحاور الآتية:

الصفحة455

وفي ظل تناول اثر الجدليات الفكرية الدائرة حول تغيير المناهج التربوية في عالمنا العربي، طرح التساؤل الآتي على ضيفينا الكريمين:

طرأت على الساحة الثقافية العربية ثلاث جدليات بشأن تغيير المناهج التربوية في العالم العربي، وهي على النحو الآتي:

الصفحة456

وبناء على ما سبق؛ أين تقف رؤاكم الأكاديمية المتخصصة في مجال تغيير المناهج في العالم العربي في ظل هذه الجدليات الثلاث؟

وكانت إجابات ضيفينا الكريمين على النحو الآتي:

الاستاذ الدكتور عادل أبو العز

اتفق مع الاتجاه الوسطي الداعي إلى الحاجة الحقيقية في أن أي منهج بشري يقتضي إعادة النظر فيه بين الحين والآخر، ولذلك نرى أن التقويم المستمر للمناهج الدراسية من الأولويات الأساسية التي تسمح بتغيير المنهج في ضوء التطورات الحديثة والتكنولوجية، وفي ظل الاتجاه الإسلامي الذي يؤمن بالتغيير والتطوير؛ لأن ذلك هو من سنة الله في خلقه التغيير والتطوير، بهدف الوصول إلى درجة النماء والتفكير للإنسان، فالإسلام عندما جاء إلى الإنسان جاء عالميا ويدعو إلى التغير والتطوير ودعا إلى الاهتمام بالعلم من اجل خدمة البشرية وليس تحطيم البشرية، أي من اجل البناء والتحديث بما لا يخل بمبادئ القيم والأخلاقيات اللازمة لتربية الأبناء وتربية جيل المستقبل، وإذا نظرنا إلى المناهج الدراسية نجد أنها تشهد حركة من التطوير والتغيير بصورة مستمرة، فعندنا في مصر حدث تطوير في مجال العلوم البحته، علما بأنه لا بد من تحديث تطوير وتغيير في المناهج بعد أي حدث يؤثر على البشرية؛ فعلى سبيل المثال شهد العالم تطورا مذهلا في المناهج الدراسية على المستوى العالمي والمحلي وبذلك أصبحت لليابان قوة اقتصادية وعلمية في العالم، وشهدت مناهج العالم العربي حركة من التغيير والتطوير خاصة في الفترة بعد حرب 1973؛ على الرغم من

الصفحة457

أن هناك بعض السلبيات ولكن إذا كانت الإيجابيات أكثر فعلينا أن ندعمها بهدف تقليل السلبيات، وإذا نظرنا إلى المناهج في جنوب شرق آسيا مثل ماليزيا فقد بدأت حركة التطوير والتغيير من عام 1980وبذلك أصبحت في مصاف الدول المتقدمة تكنولوجياً وعلمياً، وكذلك نجد أن منهج الرياضيات من المناهج المتقدمة في سنغافورة حيث يدرس هذا المنهاج بالولايات المتحدة الأمريكية، ولكننا نرى أن حركة التطوير التي تمت في جنوب شرق أسيا تزامنت مع حركة تطوير المناهج في البلاد العربية، وقد استهدفت حركة تطوير المناهج في جنوب شرق أسيا تنمية انتماء المتعلم إلى بلدة والاهتمام بعلمائه.

وعند النظر إلى المناهج الدراسية في مصر بدأت حركة تطوير وتغيير من 1986 وشهدت مناهج المرحلة الابتدائية والإعدادية حركة تغيير وتطوير، فالمجتمع المصري لم يهمل جانب التطوير والتغيير منذ نهضة مصر التعليمية في عهد محمد علي باشا وعلى الرغم من بقاء بعض الحشو الزائد في محتويات المناهج المصرية، ولكن التركيز على ذلك وتجاهل إيجابياتها هو محض افتراء على النظام التعليمي في مصر الذي تخرج منه العلماء والمعلمين والأطباء والمهندسين ... الخ على كافة أنحاء العالم واثبتوا مكانتهم وقدراتهم بفضل المناهج الدراسية التي تعلموها بمصر.

الأستاذ محمد فري

أعتقد أن التفكير في مسألة تغيير المناهج في العالم العربي، عملية ترتبط أساسا بعملية التنمية واستراتيجياتها، فمشروع تغيير المناهج التربوية لا يمكن فصله عن أهداف محددة بدقة ووضوح. والأهداف بدورها لا تمتلك مشروعيتها إلا إذا وضعت في اعتبارها ظروف الواقع وخصوصياته التي تميزه وتحدد حاجياته ومتطلباته.

والأمر هنا قد لا يبدو بسيطا، إذ سرعان ما تطفو إشكالية تنبني على جدلية تنطلق من التساؤل التالي:

الصفحة458

هل نسخر الواقع ومتطلباته التنموية لمناهج أو ممارسات تربوية جاهزة ومحددة، فنسقطها عليه إسقاطا بغية متابعة وتكريس ما هو حاصل؟ أو نفكر في تغيير هذا الواقع وبالتالي نبحث عن الاستراتيجيات التربوية المناسبة التي يفرضها التغيير وتتطلبها التنمية.

ودون الدخول في جدل حول المؤثر والمتأثر، تجدر الإشارة إلى خصوصيات يتميز بها المجتمع العربي عموما، ولا يمكن إغفالها عندما يستدعي الأمر التفكير في تغيير المناهج، وهي:

_ صعوبة الانفصال عن الماضي وزخمه التاريخي، ومن هنا تطرح إشكالية التراث بعنفوانه القومي والديني.

_ استحضار الماضي يستدعي الإشارة إلى فترات الضعف التي عرفها التاريخ العربي، وما استتبع ذلك من أختراقات استعمارية أسهمت في تكريس التبعية الغربية.

_ مستتبعات السياسة الاستعمارية التقسيمية التي أدت إلى التعدد، مما يعرقل التفكير في تطبيق منظومة تربوية موحدة.

ولعل هذا هو ما استدعى فرض التوجهات الثلاثة بشأن تغيير المناهج التربوية:

فيما يتعلق بالاتجاه الأول، يرى الكثير أنه اتجاه منغلق على ذاته، ويصفونه بالتقليدية، ويعتبرونه نموذجا يكرس فيما محددة تبرر مشروعية مشروعية الوضع السياسي لفئة اجتماعية تمثل النخبة السائدة المسيرة. ولعله اتجاه يسهم في خلق تفاوت تربوي هو انعكاس للتفاوت الاجتماعي.

أما الاتجاه الليبرالي فهو تيار ينطلق من التعارض بين القديم والجديد، فهو ينبذ العنصر الأول ويفتح الأبواب للنظريات التربوية الحديثة المتشعبة بشعارات التحرر والديمقراطية والتفتح والتوجه نحو الحداثة أو التحديث، ويدعو بذلك إلى تطويلا التعليم وربطه بالتنمية الاقتصادية لتلبية حاجيات البلاد. وقد يطرح تساؤل هنا

الصفحة459

حول مدى مطابقة هذه الشعارات لواقع لا تتكافأ فيه الفرص، فالتعليم العمومي أو الحكومي لم يستطع بعد تحقيق شروط مناهج وآليات تعليمية مناسبة لهذه الأهداف، ا يفتح الأبواب على مصراعيها للمدارس والمعاهد الخاصة الراقية والتي تقدم تعليما موجها إلى فئات معينة تسهم في تكريس النخبوية الاجتماعية الصرفة.

وأخيرا هناك الاتجاه الوسطي الذي يمكن اعتباره توفيقيا مادام ينتقي من المناهج ما يراه مناسبا. غير أني أخشى أن يسقط هذا الاتجاه في التلفيقية لأنه قد يحاول مقتطفات من مناهج مختلفة قد تكون متعارضة في منطلقاتها وتوجهاتها، لأن كل منهج هو في حد ذاته حصيلة تفاعلات وإفرازات اجتماعية وتاريخية المجتمعات معينة.

ولهذا، أرى أخيرا أن المناهج ليست سلعا معروضة في واجهات زجاجية غربية تعلن عن حداثتها وفعاليتها، وبذلك لا يمكن اعتبارها قطع غيار نستبدلها بطريقة آلية، فللمجتمع العربي خصوصياته ومميزاته التي تحدد أهداف وغايات مناهجه في وحدة متكاملة لا تفصل بين الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعقدي.

وهذا لا يعني أنها دعوة للانغلاق، فضرورة تلاقح الثقافات تتجاوز مستوى الصراع، والاستفادة من الآخر في هذا المجال وفي غيره أمر حتمي دون فقدان الهوية، لأن هذه الاستفادة هي من لزوميات زحف زمن العولمة التي لا ينفع معها إخفاء الرؤوس في الرمال.

وتناولت الندوة الموقف الأكاديمي من الدعوات المنادية بضرورة امتلاك ناصية المبادرة الذاتية في تغيير المناهج التربوية بدلا من أن تفرض من الخارج، عبر التساؤل الآتي:

هناك دعوات تربوية بثتها المؤسسات الإعلامية العربية، ونادت بضرورة امتلاك ناصية المبادرة الذاتية الداخلية نحو تغيير المناهج التربوية؛ بدلا من أن تفرض من الخارج، بحيث يشكل لها كوادر وطنية في كل بلد عربي مؤهلة أصيلة مخلصة تنطلق من واقع مواكبة العصر في ظل وعي حضاري وحصافة إدراك ملابسات الواقع وتعقيداته؟ ما الموقف الأكاديمي الواقعي تجاه تلك الدعوات وهل هي حالمة في ظل ملابسات وتعقيدات الواقع

الصفحة460

التربوي ونمطيته التي تحكمها معطيات سلبية عدة لا يمكن الأنفكاك منها وتجاوزها بتلك السهولة في لغة الشعارات التربوية الإعلامية؟

وكانت انطباعات الندوة من ذلك على النحو الآتي.

الأستاذ الدكتور عادل أبو العز

اعتقد أن الدعوات التربوية التي تبثها المؤسسات الإعلامية العربية وخاصة بضرورة امتلاك ناصية المبادرة الذاتية الداخلية نحو تغيير المناهج ليس لها مبرر في واقع المناهج في العالم العربي، حيث أن المناهج في العالم العربي قد شهدت الكثير من التغيرات والتطورات منذ زمن بعيد، وبحكم اطلاعي على واقع الدول المتقدمة فأرى أن عملية التغيير والتطوير في مناهجنا وخاصة في مناهج العلوم والرياضيات قد شهدت تطوير وتغير مستمر في نفس الفترة الزمنية التي شهدت فيها مناهج الدول المتقدمة، وسبق أن ذكرت ذلك بعد أن حدثت على سبيل المثال الحرب العالمية الأولى والثانية شهدت المناهج الدراسية حركة غير مسبوقة على مستوى جميع الدول، وإذا أخذنا نموذج حالة المناهج المصرية فنجد أن هذه المناهج في حركة تطوير وتغيير بصفة مستمرة منذ النهضة التعليمية في مصر منذ عهد محمد علي باشا، وشهدت مصر حركة تطوير كبيرة بعد ثورة 23 يوليو، وكذلك بعد حرب العاشر من رمضان / اكتوبر شهدت المناهج حركة تغيير وتطوير ، ولكننا نجد أن فترة التغيير التي تمت في المناهج بدأت في الثمانينات مواكبة للتغيير الذي حدث في الولايات المتحدة بعد صدور كتاب أمة معرضة للخطر فكان نظام التعليم المصري في حركة تغيير وتطوير كبير منذ تولى الدكتور فتحي سرور وزارة التعليم في مصر، حيث حدثت حركة تغيير واضحة في جميع المجالات التعليمية وفي المناهج الدراسية ابتداء من مناهج رياض ا الأطفال حتى المرحلة الثانوية، ومواكبة تطوير أيضا في برامج إعداد المعلم وإنشاء مراكز تطوير للمناهج التربوية وإنشاء المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي وتطوير المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية والذي يمثل عقل وزارة التعليم في التخطيط للسياسات التعليمية وبحوث تطوير المناهج.

الصفحة461

واستمرت حركة التطوير في المناهج الدراسية وخاصة في المرحلة الابتدائية حتىيومنا هذا، وتم إدخال الكمبيوتر في جميع المراحل التعليمية وعمل حجرات المصادر التعليمية، إن حركة التطوير في المناهج الدراسية والمنظومة التعليمية في مصر شهدت حركة مؤثرة في التغيير والتطوير في جميع المجالات، وتم ذلك برعاية رئيس الجمهورية حسني مبارك إذ كان له بصمات كبيرة على حركة التطوير في جميع المجالات التعليمية، بالإضافة لذلك امتدت حركة التطوير لتشمل مجال التعليم الفني والتدريب فهذه الحركة لم تفرض على المجتمع المصري من الخارج وإنما فرضتها العقلية المصرية المبتكرة لهذا التطوير على كافة المسارات التربوية؛ بهدف خلق جيل من العلماء يؤمن بالتفكير، بالإضافة لذلك حدث تطوير في مناهج التعليم الجامعي في جميع المجالات الطبية والهندسية والعلمية.

وإن الحملة الشرسة الموجهة على المجتمع المصري إنما هي حملة تستهدف العقول المصرية المبتكرة لما في مناهج العلوم والرياضيات من تطوير وتحسين بصفة مستمرة، فالمناهج المصرية والمعلم المصري لهما بصمة كبرى على العالم العربي، وقد ساهما في حركة تطوير المناهج العربية، وقد خرجت المناهج المصرية الكوادر المؤهلة علميا في مجالات متنوعة، فهذه المناهج هي التي أعدت العلماء أمثال احمد زويل وفاروق الباز والكثير من العلماء المصريين في العالم العربي؛ والذين ما زالوا يسهموا في حركة التطوير والتغيير في المجتمعات المتقدمة فالعقلية المصرية أمام تحدي كبير بين دول العالم، ولكننا نسعى دائما إلى التحديث و تطوير المنظومة التعليمية الآن في مصر، فوزارة التعليم الآن تبحث في تغيير أنظمة الثانوية العامة وعمل نظام جديد للمرحلة الثانوية، وسوف يتم تطبيقه في العام القادم إن شاء الله 2005 / 2006 حيث تبرز فيه معطيات حركة التغيير والتطوير في مناهج المرحلة الثانوية وهناك حركة تطوير الآن في الجامعات المصرية وخاصة في كليات التربية المسؤولة عن عملية إعداد المعلم، وعلى الرغم من أن هناك بعض السلبيات، فإن حركة التطوير والتغيير لم تتوقف لمعالجة أي سلبية تظهر والتأكيد على الإيجابيات، ولذلك تشهد المناهج الدراسية في التعليم العام والتقني في مصر حركة تطوير وتغيير لازالت مستمرة حتى الآن.

الصفحة462

وناقشت الندوة مصطلحات تربوية تلامس موضوع تغيير المناهج لإزالة اللبس بشأنها لدى المؤسسات الإعلامية والنخبة المثقفة التي تتداول تلك المصطلحات في ظل مسمى واحد عبر طرح السؤال الآتي:

_ نظرًا لحجم الهالة الإعلامية وتركيز وسائل الاتصال المختلفة وطرقها المستمر المتتابع على وتر المقررات التربوية والدعوة إلى تحسينها أو تغييرها أو تطويرها أو نحو ذلك من التعبيرات، باعتبارها حديث الساعة؛ فإن الأمر يصور لغير ذوي الاختصاص أن تلك المصطلحات أسماء مختلفة المسمى واحد والواقع أن أهل الاختصاص يميزون بين مصطلح تحسين المنهج (Curriculum Improvement) وتغيير المنهج (Curriculum change) وتطوير المنهج (Curriculum Development) إذ لكل واحد منها مدلوله الخاص. ما هي رؤاكم الأكاديمية في هذه الصدد، لإزالة اللبس لدي المؤسسات الإعلامية والنخبة المثقفة التي تتداول تلك المصطلحات في ظل مسمى واحد؟

وكانت إجابات ضيفينا الكريمين على النحو الآتي:

الأستاذ الدكتور: عادل أبو العز

نود أن نشير إلى النظرية التالية في المناهج وهي:

تطوير المنهج ( Curriculum Development) هي العملية التي يتم عن طريقها تحديد الكيفية التي سيتم بها تشييد المنهج والتي تعتمد على الجوانب التالية:

أ - طبيعة المجتمع

ب - المتعلمج

ج – المعرفة

د – الأهداف

ولذا يلزم أن هناك تكامل بين البناء والتطوير، ولا يمكن إغفال التكامل فبناء المنهج عملية تتركز على المنهج نفسه بينما تتوجه عملية تطوير المنهج نحو كيفية تشييد المنهج.

الصفحة463

- تحسين المنهج Curriculum Improvement

ويهدف ذلك بعد أن يتم بناء المنهج وتطويره تأتي مرحلة التطبيق، ولا يكتفي بمجرد وضع المنهج موضع التنفيذ الفعلي في المدارس فيلزم أن يكون هناك تحسين للمنهج بعد تقويمه، وبذلك تحصل على المردود الذي يستفاد منها في إعادة النظر في علميات التشييد والتطوير وفي عمليات المراجعة والتحسين، فعمليات البناء والتطوير ليست عمليات تتابعية من الناحية الزمنية بل تتم على التوازي مع بعضها، فقد يبدأ البناء والتطوير في بعض جوانب المنهج، ثم يطبق ما يتم التوصل إليه على أساس تجريبي، وتستخدم المعلومات التي يتم الحصول عليها نتيجة هذا التجريب؛ بهدف المزيد من البناء والتطوير وتعديل أساليب التحسين والتطبيق.

أما هندسة المنهاج  Curriculum engineerning 

والذي يتضمن التشييد والتطبيق والتحسين لجعل المنهج كنظام يؤدي وظيفة معينة لدى المتعلم ولذل نجد أن المنهج كنظام يرتكز على

أ - إنتاج المنهج.

ب - تحسين المنهج. 

ج - تقدير فعالية المنهج التطبيقية في الحياة.

وفي ضوء تحديد هذه المصطلحات يمكن أن توجه تخطيط المناهج في ظل إطار مفاهيمي يستهدف تنظيم التفكير حول كل الأمور المتعلقة بعناصر المنهج وكيف يختار؟ كيف ينظم؟ ما مصادر اتخاذ القرار؟ كيف تترجم المعلومات والمعايير إلى قرارات تسهم في التخطيط والتطوير والتنفيذ للمنهج ؟ ولذلك نرى أن مفهوم المنهج الحديث هو مجموعة من الأنشطة والفرص التعليمية التي تتيح للمتعلم التفكير والابتكار بهدف النمو المتكامل وتعديل سلوكيات المتعلم.

لذلك نرى أن مفاهيم التحسين والتطوير والتغيير للمنهج مصطلحات مرتبطة مع بعضها البعض، بهدف التعديل والتغيير في المناهج الدراسية بصفة مستمرة، ولذلك نجد أن المناهج الدراسية قد شهدت حركة التطوير والتغيير بصفة مستمرة بعد أي حدث يحدث فيالعالم؛ لأن ذلك من سنن الله الكونية في البشر..

الصفحة464

وتطلق الصيحات من خلال الإذاعة المسموعة والمرئية بأن مناهجنا في العالم العربي جامدة وبرامجنا تحتاج إلى تغيير وتطوير، وأرى من خلال اطلاعي على مناهج العالم المتقدم وزياراتي للكثير من المدارس في هذه الدول أن مناهجنا العلمية والرياضيات في مصر لا تقل بأي حال من الأحوال عن مناهج الدول الغربية، بل تفوقها في بعض التخصصات، ولكن الفرق بيننا وبينهم أن هناك نظام تعليمي واضح ومحدد المعالم، وتخطيط منظم تعتمد فيه المناهج التربوية على المنطلقات الوظيفية، فنحن بحاجة إلى أن يكون النظام التعليمي لدينا واضح ومحدد المعالم ولكن الهجمة التي تسعى إليها الدول الكبرى الآن هو تحطيم العقلية العربية التي تتميز بالابتكار والتفكير عن طريق تهميش مناهج العلوم والرياضيات وخاصة في المجتمع العربي، أما ما يقال عن التربية الدينية والمناهج الدينية؛ فمن وجهة نظري أن هذا لا يشكل أية خطورة على المجتمع، وخاصة أن شباب المجتمع يستقى الأخلاق والتربية الدينية من البيت والمسجد ومن المؤسسات النظامية وغير النظامية، ولكن أود أن أشير أن برامج الإذاعة المرئية والمسموعة في العالم العربي يجب أن تنظم برامجها وترتكز على المبادئ والقيم؛ ولذلك لا خوف من ذلك على حركة التطوير، فالقرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان، ولذلك يجب أن نعمل من خلال مدراسنا ومعلمينا على تدعيم المبادئ والقيم الأخلاقية من خلال التخصصات العلمية التي تقدم لابنائنا، وان يكون لدينا نظام تعليمي واضح يعطي الصلاحيات الكاملة لمدراء المدارس لكي يعود الانضباط للفصل الدراسي، والتأكيد على المبادئ والقيم داخل المدرسة والجامعات.

الأستاذ محمد فري

للمنهاج أو المنهج تعريفات كثيرة متعددة بتعدد الباحثين التربويين الذين تعرضوا فانطلاقا من الأصل الإغريقي للفظة التي تعني سباق الخيل، ومن ربط اليونانيين للموضوع للمنهج في التربية بالفنون السبعة الشهيرة (النحو البلاغة المنطق، الحساب، الهندسة الفلك، الموسيقى)، يأتي المفهوم الشائع للمصطلح حديثا وهو: مجموع المواد الدراسية والخبرات التي ينبغي للمتعلم أن يكتسبها، وقد ربطه الكثيرون بالأهداف وتقويمها

الصفحة465

والأدوات المساعدة في التدريس ومن بينها الكتب والأنشطة الموازية وطرق الديداكتيك الناقلة للمعرفة من مستواها العالم إلى مستواها المتعلم. فمصطلح المنهج يتضمن إذن عدة عمليات أساسية تشمل التخطيط القبلي للعملية التعليمية بكل عناصرها ومكوناتها كالأهداف والمعارف والأنشطة وخصوصيات المعلمين والمتعلمين وكذا الإداريين والمشرفين. كما يشمل المنهج عناصر التطوير والتغيير والتحسين.

والمقصود بالتطوير هو الانتباه إلى مكون من مكونات المنهج التي ينبه التقويم إلى ضرورة تصحيحه بما يتجاوز عائق تطوره.

أما التحسين فيرتبط بإعادة النظر في بعض جوانب المنهاج قصد تغييرها دون المس بالأساسيات، إذ هو تحسين لوضع قائم وليس مسا بقيم المنهج.

ويبقى مصطلح تغيير المنهج المرتبط بتغيير المنهج كله بما في ذلك جميع مكوناته التي سبقت الإشارة إليها.

وهناك مصطلحات أخرى تتعلق بالموضوع منها:

المنهاج الضمني: ويقصد بذلك النتائج والتأثيرات المهمة غير الأكاديمية التي يفرزها التعليم المدرسي بطريقة غير صريحة. إنها خبرات وقيم وسلوك يتعلمها التلميذ خارج المنهاج، وقد تكون إيجابية أو غير إيجابية، أو هي نوع من التنشئة الاجتماعية التي يكتسبها التلميذ في علاقاته مع الآخرين على اختلاف مستوياتهم.

ويقترب هذا مما يمكن تسميته أيضا بالمنهاج المعيش والذي يعتبر نوعا من خبرات الحياة التي يعيشها التلميذ ويكتسبها فيساهم ذلك في تكوين شخصيته.

و تناولت الندوة انطباعات ضيوفنا الكرام حول تغيير المناهج في ظل رؤية نقدية تستهدف التجديد الواعي الموضوعي وتبتعد عن الشكليات الخارجية المتواترة في حركات تغيير المناهج في عالمنا العربي، من خلال التساؤل الآتي:

الصفحة466

إن المطلوب ليس مجرد تحسين في المناهج أو تقسيم الكتاب إلى اثنين أو إضافة بعض الألوان في عملية الطباعة أو التباهي بإقامة شبكة داخلية تربط مديري ووكلاء وزارة التربية والتعليم، وإنما المطلوب إعادة صياغة طريقة التفكير التي يعمل بها النظام التعليمي العربي كله، أو فلسفة الجامعة والاعتداد بالنماذج الحديثة في العملية التعليمية المطبقة في بلدان ومجتمعات أخرى مثل التعليم عن بعد والتعليم المفتوح والدائم والقائم على فكرة النظم والشبكات المتداخلة والتعليم الافتراضي، وغير ذلك من النماذج التي تتناسب مع ثورة الاتصالات والمعلومات والتقدم المبهر المستمر في تكنولوجيا الحاسبات الآلية.

ما هو انطباعكم عن تلك الآراء في ظل خبرتكم الأكاديمية حول المناهج وتطويرها؟

وكانت إجابات ضيوفنا على النحو الآتي:

الأستاذ الدكتور عادل أبو العز

اختلف مع الوجهة الإعلامية التي تحذر في مجال تغيير المناهج، حيث أن عملية التحسين والتطوير في ضوء الفلسفة الحديثة وثورة المعلومات ضرورية لإعادة تنظيم المناهج، فطبيعة الإنسان بنيت على التغيير والتحديث وبالتالي يحتاج ذلك إعادة في طرق التفكير وتنميتها لدي أطفالنا وطلابنا ابتداء من مرحلة رياض الأطفال حتى المرحلة الثانوية التي تسعى إلى تكوين العقل المنظم والمنفتح، ليتفاعل ويستطيع أن يتحاور مع شباب العالم؛ وهذا يقتضي تسليط الضوء حول أهمية تطوير التعليم الجامعي، لأن ذلك سوف يكون جيل شباب المستقبل. ويقتضي هذا من الدول فتح مجالات متخصصة حديثة ليتواكب مع متطلبات سوق العمل، فهذا يحتاج إلى إتقان تعليم الشباب في المرحلة الجامعية، حتى يكون على مستوى المسؤولية، وتفعيل دوره في المجتمع ليكون قادرا على إصدار القرار، والدفع فيحركة التغيير المطلوبة التي تتواكب مع العالم وليس التخلف عن العالم.

الصفحة467

فديننا الإسلامي يدعو إلى العمل وإتقانه وجودة التعليم ويدعو إلى التفكير والتأمل لاكتساب الجديد بصورة منظمة، فالله سبحان وتعالى أعطى الإنسان العقل ودعانا إلى أن نتعلم بهدف خدمة البشرية؛ فإذا خلقنا جيل من الشباب القادر على الانتماء إلى الوطن، سيوف يسعى إلى التطوير والتغيير بصفة عامة، وإلى العقلانية في التفكير وعدم التسرع في إصدار القرارات على وجه التحديد، فنحن بحاجة إلى تغيير مناهجنا الدراسية والتأكيد على العلوم البحته لأنها هي التي تسعى على التغيير والتطوير في المجتمع، ولتلقي النظرة المتأملة إلى المجتمع الماليزي الآن الذي اخذ على عاتقه تغيير المناهج وفلسفة تدريسها، مما جعل هذه الدولة النامية تغزو العالم اقتصاديا حتى عام 2003 ، وتسعى جاهدة إلى السيطرة والتحكم خلال العلم الفيزيائي والرياضي لتطوير أبنائها وخلق جيل من العلماء؛ الذي يسعى إلى تطوير مجتمعه على الرغم من الزيادة الهائلة في عدد السكان مقارنة بالدول العربية والتي يجب أن تسعى دائما إلى تغيير مناهجها الدراسية بصورة أكثر فاعلية، وهناك حركة تطوير وتغيير تشهدها المجتمعات العربية منذ فترة أكثر من عشر سنوات وهي تسعى جاهدة إلى تغيير مناهجها الدراسية والأخذ بالأساليب والنماذج الحديثة في التدريس، لتتناسب مع ثورة الاتصالات والمعلومات والتقدم والتطوير في أنظمة وبرامج الحاسب الآن، ولذلك اعتقد أننا في مجتمعنا العربي نسعى منذ فترة إلى تغيير الأنظمة التعليمية ومواكبتها مع العصر فعلى سبيل المثال فإن حركة التطوير والتغيير في أنظمة التعليم في مصر في حالة تغير مستمرة، ولقد شهد هذا التطوير تقدما ملموسا في الثمانينات وتواكبت تلك الحركة التطويرية التعليمية مع حركة التطوير في المجتمع الأمريكي التي بدأت في الولايات المتحدة عام 1984 بنشر كتاب امة معرضة للخطر" وخاصة في مجال العلوم والرياضيات، ولذلك شهد المجتمع المصري في مدارسه حركة تطوير وتغيير في المناهج الدراسية حتى الآن 2005، ولذلك أرى أن النظام التعليمي في مصر لم يتوقف عن التغيير والتطوير، وإنما هناك بعض ا المقومات والتي كانت لها تأثير مباشر ؛ وهي ارتفاع عدد السكان في مصر فأدت إلى ازدياد عدد الأطفال في مدارسنا، ولذلك نجد أن الدولة الآن تستوعب جميع  الأطفال والتلاميذ في المرحلة الابتدائية، وبدأت منذ فترة بإدخال مرحلة رياض الأطفال في الكثير من المدارس

الصفحة468

الحكومية بالإضافة إلى المدارس الخاصة، التي تستوعب أعداداً كبيرة من التلاميد والأطفال ابتداء من مرحلة رياض الأطفال 4 _ 6 ، فهناك حركة تطوير في جميع المجالات التعليمية في مصر، وليس من الصحة بمكان الإدعاء بأن المجتمع المصري لم يحدث فيه حركة تطوير تربوية في مناهجه، فالكثير من العلماء المصريين من مصر وخارجها هم أبناء المجتمع الذين تعلموا في مدارسه الابتدائية في المراحل الجامعية، وهذا يؤكد أن المجتمع المصري كان دوما يسعى إلى تطوير أبناءه عبر النظم التربوية.

الأستاذ محمد فري

لا يرتبط إنجاح العملية التعليمية أساسا بما هو شكلي كالاعتماد فقط على إنشاء المؤسسات التعليمية وتوفير الوسائل التربوية بما فيلك تحسين جودة الكتاب المدرسي وكذا المناهج.

صحيح أن العناصر السابقة لها أهميتها في المساعدة على تحقيق جودة التعليمب ورفع وتيرة الأداء المدرسي وتحسين مردوديته، لكن تبقى الحاجة ملحة للتطوير وهو تطوير يدرس الحاجيات الملحة للمجتمع ويحقق أدواتها الكفيلة والكفية بسدها من هنا تطرح التساؤلات التالية: 

_ هل المضامين التي تدرس في المؤسسات التعليمية بمختلف مستوياتها مناسبة ومنفتحة على المحيط الاجتماعي والاقتصادي وملبية لحاجيات هذا المحيط؟

_ هل هناك ثغرة بين ما يدرسه المتعلمون وما يفرصه سوق الشغل ؟

_ هل هناك ربط بين المضامين المدروسة والتغيرات الحاصلة في المجتمع؟

هي تساؤلات قد تكون ناتجة عن الافتقار إلى تنوع الطرق رغم زخم تنوع المحتوى. 

وفي هذا السياق يمكن الإشارة - حسب سؤال البند - إلى الثورة المعلوماتية والتقدم المبهر المستمر في تكنولوجيا الحاسبات الآلية، وهذا أمر لاشك في أهميته وضرورة الانفتاح عليه، فالوسائل التعليمية قد تطورت كثيرا، وبالتالي لا مناص من مسايرتها وسبر أغوار خصوصياتها، وإلا فسنجد أنفسنا بصدد فئات يحكم عليها بالأهمية لعدم جدوى نوعية تعليمها الذي يقف عاجزا عن المساهمة في إنتاج أو تنمية تتطلب معارف تقنية معينة.

الصفحة469

وتناولت الندوة وجهات النظر الأكاديمية بشأن دراسات استشراف المستقبل ورؤاها الحداثية بشأن المناهج التربوية من خلال التساؤل الآتي:

تشير دراسات استشراف المستقبل في مجال المناهج التربوية إلى تطلعات تربوية يمكن أن تسهم في مواجهة تحديات العولمة ومعطياتها ، ما هي رؤيتكم النقدية بصددها؟ وادرجها لكم على النحو الآتي:

_ يجب أن تنهض المناهج بمسئولية تمكين أبنائنا من التعامل بذكاء وكفاءه  مع المتطلبات الحقيقية والمتطورة للمجتمع، ولا بد أن تكون المناهج عملية و الممارسة فيها الأصل والتجريب هو الأساس والمشاركة في البحث عن المعلومة وتنظيمها وتوظيفها هي الجوهر الحقيقي للعملية التعليمية، ولا بد أن تكون المناهج في إطار عالمي بمعايير عالمية، ولا بد أن تكون في إطار مستقبلي، ولا بد أن تراعى حق الجيل الجديد في الاختيار، وكذلك لا بد من المرونة في أساليب التعليم، وتنوع في طبيعة المناهج وطرق التدريس ومرونة في الجدول الدراسي ولا بد أن يتغير هدف التعليم من تعليم للجميع إلى التعليم المتميز والتميز للجميع.

_ يتطلب المنهاج الإلكتروني الآتي: تصميم المادة التعليمية تحضير معلوماتها العلمية وصياغتها وتجهيزها وتقسيمها إلى وحدات سهلة الاستيعاب ثم التوصيف المقنن المفصل لجزئياتها وبيان ما يتخلل ذلك العرض من الشرح اللفظي والصور والأشكال البيانية والأسئلة الإختبارية. ويشترك في تصميم | المادة أيضا مبرمجو الحاسوب ومختصو اللغة ومراقبو الجودة، حيث ينبغي أن نعد المادة المحوسبة إعدادا يلبي مواصفات الإنتاج الجيد علميا وفنيا وأن تستكمل في إعدادها إجراءات الإنتاج المتقن تخطيطا ومراجعة وتصحيحا واخراجا وإنتاجا.

وهناك حاجة ماسة لتفعيل ثلاثية التعليم التقليدية (المدرس الطالب المدرسة) وتحويلها إلى عملية تعليمية أكثر حداثة وعصرية وتشمل عناصرها المدرس العصري، الطالب الإيجابي، المدرسة العصرية تكنولوجيا التعليم المتقدمة، المناهج التعليمية المتطورة والتعليم غير المنهجي.

الصفحة470

_ مع تقدم وسائل الاتصالات وثورة المعلومات والانفجار المعرفي وتحول العالم إلى قرية صغيرة، أصبح من الضروري أحداث ثورة في التعليم وطرق التدريس لإيجاد جيل واع بما يدور في العالم يستطيع الحفاظ على هويته الوطنية في مواجهة تحديات العولمة، وتتوافر لديه القدرة على التنبؤ والإبداع لا الحفظ والتلقين.

_ لا بد أن نفكر بطريقة عالمية، ونتصرف بطريقة محلية، بحيث يكون البعد العالمي جزءا أساسيا من تفكيرنا بما يستتبعه ذلك من نتائج تتصل بالمناهج طرق التدريس واللغة التي نستخدمها، والأساليب التي نتبعها، والتخصصات التي نحتاج إليها، وتخطط لها.

_ أننا بحاجة لمدرسة جديدة، مدرسة المستقبل، مدرسة بلا أسوار، ليس بالمعنى المادي لأسوار ولكنها مدرسة متصلة عضويا بالمجتمع، وبما حولها من مؤسسات مرتبطة بحياة الناس متصلة بقواعد الإنتاج، ومتصلة بنبض الرأي العام، وبمؤسسات الثقافة والإعلام، ومتصلة بمؤسسات الحكم المحلى، وتضرب بأنشطتها في أعماق المجتمع وتمتد لكل من يستطيع أن يدلى بدلوه أو يمد يده بالمساعدة في إعادة صياغة عقل الأمة، وهي مدرسة لها امتداد أفقي إلى المصالح والمعامل ومراكز الأبحاث وخطوط الإنتاج وهى مؤسسة لها امتداد رأسي تمتد وصلات استشعارها إلي التجارب الإنسانية والتربوية في كل دول العالم، وتمتد ببصيرتها إلى كل جزء في العالم.

وكانت إجابات ضيوفنا الكرام على النحو الآتي:

الأستاذ الدكتور عادل أبو العز

اتفق مع دراسات استشراف المستقبل في مجال المناهج، والتي يمكن أن تسهم في مواجهات تحديات العولمة، والتي تؤكد على تفعيل المعلوماتية وطرق التفكير وعمليات العلم الأساسية والتكاملية مع الالتزام بالقيم والمبادئ الأخلاقية، ولذلك نحن بحاجة مستمرة من اجل التغيير دون المساس بالمبادئ الأخلاقية والدينية، والتي تميز المجتمع العربي.

فمنظومة التعليم في الوطن العربي في حاجة مستمرة إلى التطوير؛ بهدف خلق جيل من العلماء والمفكرين لخدمة مجتمعهم، فنحن بحاجة إلى مدرسة المستقبل التي تؤمن

الصفحة472

بالتحديث والتطوير، وتطوير مراكز البحث العلمي والجامعات بهدف المساعدة على إعادة صياغة عقل الأمة ولتدعيم خدمة البشرية، ولا يتضح ذلك إلا من خلال مناهج دراسية تهدف إلى تدعيم هذه المبادئ، ومعلم يستطيع أن يتواكب مع حركة التغيير والتطوير، ولذلك فنحن في حاجة إلى تطوير كليات التربية لأعداد المعلم القادر على التطوير والتحديث، واستخدام التقنيات الحديثة وعمل البرامج التدريسية التي تخلق نوعا من التجريد والتحديث بصورة مستمرة.

الأستاذ محمد فري

يتعرض التعليم في المغرب كغيره من البلاد العربية لانتقادات تمس القطاع التعليمي وتتهمه بالفشل والعجز عن مسايرة ما هو مطلوب على الساحة العملية والتنموية، من هنا فشل شعار ربط التعليم بميدان الشغل وعوضه المسؤولون بشعار بديل يحصر العملية التعليمية في الجانب التكويني فقط من هنا تضاعفت أعداد المعطلين من ذوي الشهادات العليا. وهكذا تضاعفت الانتقادات الموجهة لمستوى التخطيط للعملية التعليمية.

في هذا المجال يندرج سؤال البند الخامس الذي يطرح مسألة استشراف المستقبل في ميدان المناهج التربوية، إذ المسألة تتطلب تحديات هذا المستقبل والمنعطفات الحاسمة التي يفرضها، وبالتالي تصبح الحاجة ملحة إلى إعداد مجتمع قادر على مواجهة التحديات المستقبلية بما فيها تحديات العولمة.

فالعولمة واقع لا يمكن تجاهل أثاره المرتبطة بالتحولات الاقتصادية المستقبلية والتطورات العلمية والتكنولوجية.

وهكذا نجد ثورة إعلامية تغزو حياتنا اليومية، وهاهو الإنترنت يقف عملاقا قوياعلى مستوى أنشطته الاقتصادية الجديدة المهيمنة.

والتعليم بدوره لن يسلم من هذا الغزو العولمي، الأمر الذي يطرح مشروعية التساؤلات عن المجمع طرق الاندماج مع هذا القادم الذي تجاوز مرحلة طرق الأبواب.

الصفحة473

وفي هذا المجال لا يكفي التفكير في المناهج وطرق تطويرها اعتمادا على آليات التقنية الحديثة، بل يجب ربط ذلك بالتمسك بتعليم وظيفي يتناسب مع متطلبات واقع العولمة، وهو واقع سيفرض معارف جديدة ومناهج متطورة تتناسب مع متطلبات ( السوق الجديدة ). وكل مانتمناه هو أن تكون هذه المعارف الجديدة متاحة للجميع في البلاد العربية وليست متاحة فقط لفئات نخبوية لها إمكانيات ولوج معاهد (مخوصصة).

ويجب ألا يغيب عن البال في هذا الجانب الضغوطات الاقتصادية التي ستعاني منها كثير من الدول العربية في شكل تضخمات مالية وتراكمات في المديونية، فالعولمة لن تزيد الطين إلا بلة في هذا الجانب. لأن التفكير في تطوير التعليم سيلتحم بصورة أكبر بمسألةالتنمية الاقتصادية الشاملة في زمن العولمة.

وناقشت الندوة الآراء حول تفعيل المعلوماتية في بناء المناهج التربوية في ظل سلاح المعلوماتية القادم وتحديات عوالم الرقمية في مجال الذات العربية واللغة العربية والواقع العربي من خلال طرح التساؤل الأتي: 

يشير أحد خبراء المعلوماتية العرب د. نبيل احمد في لقاءه مع الإعلامي احمد منصور في (برنامج بلا حدود)، تعليقا على الواقع التربوي في ظل تحديات المعلوماتية بالآتي: نظم التربية العربية رسخت بها نظم ومناهج وتربوية متخلفة، تقوم على التلقين ولا تقوم على المنهجيات الحديثة، وهناك محاولات لتطوير هذه المنهجيات، ولكن ليس في إطار منظومة شاملة تشمل تدريب المعلم، وتغيير المنهج، وتغيير أساليب المناهج، وتغيير طرق التدريس في كليات التربية، فكيف لمدرس يتخرج من كلية التربية أن يعلم بالكمبيوتر إن لم يتعلم ذلك أصلا؟. ويحذر أيضا من خلال استشراف المستقبل بحرب إلكترونية من قبل إسرائيل عبر أسلحة المعلومات، بحيث تمزج في صراعها مع العرب بين القوى اللينة (حرب المعلومات والإنترنت) soft poweers مع الـ hard powers أي القوة العسكرية.

الصفحة474

ما هي وجهة نظركم الأكاديمية تجاه ذلك وتجاه تفعيل المعلوماتية في بناء المناهج التربوية، وتعليم مطور لأبنائنا عالي التقنية، في ظل سلاح المعلوماتية القادم وتحديات عوالم الرقمية في مجال الذات العربية واللغة العربية والواقع العربي؟

وكانت إجابات ضيوفنا الكرام على النحو الآتي:

الأستاذ الدكتور عادل أبو العز

أنا اختل فمع. د. نبيل احمد في هذا التعليق على أن نظم التربية العربية رسخت نظم ومناهج تربوية متخلفة، فأتساءل هل أن د. نبيل احمد ليس وليد هذه المناهج التي يقال عنها أنها متخلفة؟ ولي أن أتساءل هل الإعلامي احمد منصور على سبيل المثال بشهرته اللامعة ليس وليد هذه المناهج ؟ وهل فاروق الباز واحمد زويل ليس وليد هذه المناهج، نحن نحتاج الآن لمسايرة العصر أن نعيد تنظيم المناهج بما يتلاءم مع أطفال اليوم الذين يتعاملون مع الكمبيوتر، ولذا نتساءل من الذي أتي بفكرة في أجهزة الحاسوب اليس الجيل القديم؟ ولذلك علينا في مجتمعنا العربي أن نعيد التطوير وتحديث شبكات المعلومات على مستوى الجامعات في جميع التخصصات، فنحن أمام ثورة معلوماتية فاقت الوصف في السنوات الأخيرة، فنحن أمام حرب إلكترونية تتم من خلال أسلحة المعلومات، فعلينا أن ننهض جاهدين إلى مواكبة هذا التطوير ومجتمعنا العربي لديه قوى بشرية وعقلية متميزة إذ تشكل نسبة الموهوبين في المجتمع العربي من 1 إلى 1%٫5 من عدد السكان، ومن هنا يجب أن تراعي مناهجنا التربوية تلك الفئات في ظل برامج تربية الموهوبين، ويجب أيضا تولية الاهتمام لعمل المراكز البحثية والمتخصصة في جميع المجالات والتخصصات لتطوير مجتمعاتنا في ظل هذه الثورة المعلوماتية، فنحن بحاجة إلى إعادة التنظيم واحترام العمل ومواعيده حتى يستطيع مسايرة هذا التقدم المذهل والاهتمام بالتدريب في جميع المجالات المتخصصة وبالأخص في القطاع التربوي من خلال تنظيم وزارة التعليم الدورات التدريبية؛ والتي تسهم في رفع كفاءة المعلم واطلاعه على احدث المعلومات الوظيفية والمتخصصة في مجال المناهج الدراسية، وخاصة العلوم الفيزيائية والبحتة إذ أنها تحتاج إلى تحديث وخاصة في

الصفحة475

مناهج الجامعات، فتحديث المقررات الدراسية في مدارس التربية والتعليم يتم بصورة مستمرة، ولكن للأسف فإن المناهج العلمية المتخصصة في الجامعات العربية عقيمة وتحتاج إلى التطوير والتحديث بما يتلاءم مع ما يحدث في وزارة التربية والتعليم، فحركة التطوير يجب أن تستحدث من خلال الجامعات وتتواكب مع حركة التحديث في المناهج المدرسية لإعداد جيل من العلماء يؤمن بالتطوير التغيير.

الأستاذ محمد فري

مضمون هذا البند لا ينفصل عن سابقه، فالتعليم المتطور لا يمكن تصوره منفصلا عن واقع يستدعي التغيير والتطوير. والأمر كله مرتبط بتنمية تمس جميع المرافق الحيوية بالمجتمع، وتطورها يستدعي حتما تطور قطاع التعليم الذي يمثل كفاية بشرية هي عماد سير المجتمع. والاعتماد على تفعيل المعلوماتية في بناء المناهج التربوية أصبح من المسلمات، فلا يمكن أن نتصور عاقلا يعارض ذلك وهو يعيش في عالم أصبح قرية صغيرة بسبب تطور شبكة التواصل فيه. أما فيما يتعلق بالحروب، فلا داعي إلى التذكير بأنها أصبحت لوجيستيكية، وتجاوزت الاستراتيجيات التقليدية المعروفة.

وتناولت الندوة التحديات التي تواجه المناهج التربوية في ظل العولمة والخيارات الحتمية من خلال طرح التساؤل الآتي:

تؤكد النخبة المثقفة في عالمنا العربي إلى أن المناهج العربية في ظل تحديات العولمة هي بين خيارين لا ثالث لهما وهما:

إما خيار؛ إعادة النظر في كيفية بناء المفهومات لدى المتعلم وأساليب ذلك وطرقه، والوسائل العلمية والمقاربات التربوية والتقنية الكفيلة بإبراز أيدلوجية مجتمعة ومنظومة قيمه في صورتها الواضحة المشرقة، وبعدها الإبداعي وعالميتها المرتكزة على بعدها الإنساني، ودورها في حل الأزمات والإشكالات التي يتخبط فيها مجتمعه رؤية معاصرة. وإما خيار الانخراط في منظومة القيم المادية والأيدلوجية الأحادية التي تسوقها العولمة بواسطة الإعلام والاقتصاد والقوة العسكرية، ومن ثم الذوبان في مسلك حضاري تتشكل

الصفحة476

معالمه بعيداً عن أساليب الإقناع والحجاج والحوار والتثاقف، واحترام الاختلاف والخصوصيات الحضارية للشعوب.

وفي ظل ما سبق ؟ أين تقع رؤاكم الأكاديمية المتخصصة من هذه الرؤية الحتمية للواقع العربي في ظل تحديات العولمة وتداعياتها في العالم العربي؟

وكانت إجابات ضيوفنا الكرام على النحو الآتي:

الأستاذ الدكتور عادل أبو العز

اعتقد أنني مع خيار إعادة النظر في كيفية بناء المناهج وطرقها الحديثة واستخدام الوسائط المتعددة القائمة على تقنيات التطوير بهدف وضع منظومة متكاملة في بناء المناهج الدراسية تتمثل في البعد الإبداعي والقيمي المرتكز على العالمية التي تشكل البعد الإنساني، ولذلك إذا أعيد تنظيم المناهج العلمية والبحثية بما يتواكب مع حركة الحداثة المتسارعة في كافة الصعد، بحيث يستهدف في الدرجة الأولى؛ الاهتمام بالإنسان وخدمة البشرية وليس تحطيم البشرية والقضاء على الإنسان الذي خلقه الله واحسن تقويمه، وهذه القيمة السامية هي الهدف الرئيس من العلم، فالعلم إذا لم يقدم في ظل رؤية معاصرة متطورة تخدم البشرية ليس له فائدة؛ فعلى سبل المثال الهندسة الوراثية وخاصة قضايا الاستنساخ إذا لم تحكمها الأخلاقية؛ أصبحت مدمرة للإنسان فما يحدث الآن بتحسين السلالالات عندما تخلى الإنسان عن القيم، أصيب الإنسان بالكثير من الأمراض مثل السرطان والإيدز ولذلك اصبح طاعون هذا العصر مرض الإيدز والمخدرات والتلوث والطاقة النووية، ولقد نشأ ذلك عن تخلي الإنسان عن القيم والمبادئ، ولذلك يجب إعادة تنظيم المناهج في ظل إطارقيمي واخلاقي يهدف إلى خدمة البشرية وليس تدميرها.

الصفحة477

الأستاذ محمد فري

لعل البند هنا يعيد علينا إشكالية مواجهة الآخر، وهو ما طرح إبان عصر النهضة في صيغة التساؤل الشهير: لماذا تقدم الغرب وتخلف العرب؟. وقد طرحت على الساحة عدة آراء وحلول: تراوحت بين الطرح المحافظ السلفي والطرح الحضاري العلمي وقد اشتد النقاش آنذاك حول الموقف من التطور الحضاري الغربي، فكان هناك الرافض المتشدد والمتقبل المتطرف والمعتدل الحذر. ونجد الآن أنفسنا وكأننا بصدد العودة إلى هذه المرحلة في صيغة جديدة يتقدمها عنوان كبير هو " الغزو العولمي".

لقد عرفت الدول العربية ظروفا تاريخية عصيبة وجدت نفسها إثر نتائجها فيموقف متعثر مقارنة مع الدول الغربية، وأضحت هذه الأخيرة تمتلك أدوات التطوير والنمو، ووجد العالم العربي نفسه مضطرا إلى التبعية الاقتصادية الاضطرارية، ودون الدخول في أسباب ذلك وعوامل التخلص منها لابد من التسليم بهذا الواقع الذي نعيش نتائجه.

والتنمية التربوية التعليمية لا يمكن فصلها عن الواقع، فهي ليست بمعزل عنه،وبالتالي لا يمكن اقتراح أي حل للنهوض بالمناهج العربية دون اعتبار هذا الواقع.

ولعل الخيار الأول المطروح في البند هو الخيار المنطقي، حيث ينطلق من إعادة المفاهيم على ضوء المستجدات دون إغفال المقومات الوطنية والحضارية التاريخية للأمة العربية الإسلامية.. والمهم في الأمر كله هو أن نفكر فيما يمكن أن تتعلمه الناشئة لا فيما يجب عليها تعلمه والفرق واضح بين التعليم والتربية، لذلك يبقى مصطلح التربية عنصرا مهما بجانب مصطلح التعليم // ، والمناهج التي لا تهدف إلى الجانب التربوي بما فيه من قيم، وتركز فقط على الجانب التعليمي، هي مناهج قاصرة لاجدوى منها، ولا يمكن لأي باحث تربوي أن يقول عكس ذلك.

وفي نهاية مطاف رحلة تواصلنا الثقافي مع ما اتحفنا به أساتذتنا الكرام من ثراء رؤاهم الثقافية في أبعاد العولمة وتغيير المناهج في العالم العربي في القراءة المفاهيمية لها وحقيقة اتجاهاتها في ضوء النقد الذاتي لمناهجنا التربوية في رؤية سابرة عميقة، ومن هذا

الصفحة478

المنبر الإعلامي الحر نتقدم لهم بكل تحايا الشكر الماسي على ما حظينا به من ثمار خبراتهم العلية ونرجو أن نكون قد حققنا ما نصبو به إليه من أهداف راقية في ظل هذه الأمسية الثقافية وان نكون قد شيدنا جسرا بناءا في لغة التواصل الثقافي بين مثقفينا العرب في العالم العربي وبلاد المهجر من خلال مظلة صحيفة المرصد الإعلامي الحر ومجلة عالم الغد الفصلية، وإلى لقاء مستجد متواصل مع قراءنا في أمسيات ثقافية قادمة وارواق جديدة في ظل العولمة: الواقع والتداعيات.

الصفحة479

الخاتمة

في أطر زخم رحلة علم النفس التربوي، وما تحمل من نظريات ومفردات، تنتهي كلماتي . هنا، ويسدل الستار، وتهبط أجنحة نوارس المعرفة على بساط البحث، وفي النفس أمل يرنو إلى متابعة المسيرة في مساحات جديدة في تلك الأفاق النفسية التربوية التي تتسم بتراكمات هائلة من المعرفة التي تقتضي بحثها في اكثر من عمل فكري تربوي.

مساحات انعكاسات النظرية في الواقع العملي، معادلة تختصر علم النفس التربوي والنظرية في التعلم، والواقع هو المدرسة بعينها، وما زالت الفجوة ماثلة بينهما، تنتظر من يسد تلك الفجوة، في ظل معادلات تربوية متناغمة، تستهدف الموقف التعليمي، ليكون في أطر مبدعة معطاءة تعلي من قيمة التفكير وتحقيق الذات.

وفي هذا الصدد ما زال الألم يعتصر النفس من الواقع التربوي العملي، وما يصطبغ من أبعاد تلقينية عشوائية تلقائية، إذ تحلق النظرية في التعلم في واد، والعملية التربوية في واد أخر، وشرود تام عن التعاطي مع الاتجاهات التربوية العالمية الحداثية، في ضوء مراعاة خصوصية الهوية الثقافية في ضوء تطوير شخصية المتعلم، والترقية بالعملية التربوية في مصاف التقدم والحداثة في أطر الأصالة والمعاصرة معاً.

وفي ظل هذا الواقع التربوي المدلهم حاولت ردم تلك الفجوة عبر هذه المشروع الفكري التربوي وبسط النظريات التربوية دونما تفلسف وتعقيد، وتحديد المفردات للبدء في مسيرة التطبيقات التربوية في الميدان التعليمي، وتلك المساحات تقتضي : تكاتف جهات تربوية بيدها مقاليد القرار التربوي، ما زالت دفة الأمور بين يديها، والمشاريع التربوية التي تبسط تلك النظريات التربوية، مائدتها مفتوحة، ولكن المعول على من بيده دفة القرار وتفعيلها في حياة أبنائنا الطلبة، ليغدو في واقع تربوي منشود، يتفاعل مع الاتجاهات الحديثة، ويحافظ في الوقت ذاته على خصوصية هويته الثقافية، في ضوء إضافات عملية إبداعية في العمل التربوي.

الصفحة480

وفي نهاية المطاف؛ أرجو أن أكون قد وفقت فيما قدمته من مشروع فكري سيكولوجي يتناول التفكير والوعي بالذات، فإن وفقت فبفضله تعالى علي ونعمه والاثه التي لا تعد ولا تحصى، وإن أخطأت فمن نفسي واستغفر الله العلي العظيم وأتوب إليه،بعدد لا ينتهي وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الصفحة481

المراجع

(انظر من الصفحة  481 الى 505 )