أساليب تربوية في الثواب والعقاب
المؤلف: يحيى محمد نبهان
التصنيف: كتب أخرى
عرض PDFالوصف:
يحيى محمد نبهان، أساليب تربوية في الثواب والعقاب، دار أيله للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1430ه الموافق ل 2010م، الأردن.
مقدمة
يمثل خوف الأطفال من المدرسة إحدى المشكلات التي تشكل مصدرا من مصادر الضيق للأسرة ، وعادة ما يأخذ هذا الخوف شكل التعبير عن الانزعاج الشديد والرعب، والبكاء ، أو المغص المعوي ، والتمارض في صباح اليوم الدراسي، والتوسل بالبقاء في المنزل وعدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة ، وفي الغالب فإن مثل هذا الخوف يخبر أمرا طبيعيا لان الطفل سوف ينتقل إلى بيئة اجتماعية جديدة بالنسبة له ، ويحدث الخوف عند كثير من الأطفال ولكن الشيء غير الطبيعي هو استمرار هذا الخوف وتحوله إلى دافع لعدم ذهاب الطفل إلى المدرسة، ولمواجهة هذا الخوف ، والتخفيف منه . وحتى تساعد أطفالنا في الاندماج في البيئة الجديدة على الأقل يجب أن نجعل من يوم الذهاب إلى المدرسة خبرة سارة ويوما سعينا بعيدا عن تهويل الموقف أو القلق، وعمل كل ما من شأنه تحبيب الطفل في المدرسة بالأساليب التربوية المناسبة، واعتبارها فترة خالية نسبيا من المخاوف، لكن المخاوف إن وجدت تكون ملموسة وواقعية كالخوف من العقاب أو التواب الذي يترتب على السلوك الذي يقوم به هذا التلميذ إناء وجوده في المدرسة ما يترتب علية إما الالتزام أو التسرب ولما التفوق أو الإخفاق في التحصيل.
لذلك وجب علينا كآباء ومربين أن تشبه إلى أبنائنا الذي هم أمانة في أعناقنا، بل إن الأهل والآباء عليهم البحث عن كل جديد ومتجدد فيما يخص العربية، أكان ذلك من خلال محاضرات أو ندوات في مراكز متخصصة أو من خلال حلقات
الصفحة 9
تلفزيونية هادفة أو من خلال آخر الإصدارات في عالم الكتب والمجلات المتخصصة لأن ذلك يثري شخصية الأم والأب على حد سواء ويكون بمقدورهم التعامل مع أطفالهم وأبنائهم من خلال البيت والمتابعة مع الروضة والمدرسة والمركز لتصل إلى نتيجة هذا الجهد بناء جيل واعد، جيل معطاء بمعنى أنه جيل المستقبل. وأخيرا أضع هذا الكتاب بين يدي القارئ والمهتم لعله يجد طريقه في المكتبة العربية واشكر صديقي الأستاذ محمد شحدة العداريه على مساعدته لي ولا يخلوا عمل ابن ادم من نقص وأخطاء لان الكمال لله وحده سبحانه وتعالى.
والله من وراء القصد
المؤلف
الصفحة 10
الفصل الأول: أساليب تربوية
تمهيد
أن المعلم يحظى في فكرنا التربوي الإسلامي بمنزلة رفيعة ومكانة سامية جعلت نه ورينا شرعيا للأنبياء (عليهم السلام) في أداء رسالتهم الخالدة المتمثلة في هداية الناس وتعليمهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
وقد أشارت مصادر فكرنا التربوي الإسلامي إلى كثير من النصوص والشواهد لتي توه بفضل المعلم؛ وتشير إلى كثير من صفاته وخصائصه التي تميزه عن غيره، تكسبه هويته الإسلامية المتميزة.
ومن أبرز هذه الصفات والخصائص ما يمكن أن نسميه (الصفات الخلفية والسلوكية) التي تجملها فيما يلي:
الصفحة 13
وأناقته دونما صرف ولا نحيلة مطلب هام للمعلم حتى ترتاح لرؤيته العيون؛ وتسعد به النفوس، ويتأثر به الطلاب في هذا الشأن.
وللتربية أساليب متعددة نذكر منها:
أولا: التربية بالملاحظة:
تعد هذه التربية أساسا جسده النبي صلى الله عليه وسلم في ملاحظته الأفراد المجتمع تلك الملاحظة التي يعقبها التوجيه الرشيد والمقصود بالتربية بالملاحظة
الصفحة 14
ملاحقة الولد وملازمته في التكوين العقيدي والأخلاقي، ومراقيه وملاحظته في الإعداد النفسي والاجتماعي والسؤال المستمر عن وضعه وحاله في تربيته الجسمية وتحصيله العلمي، وهذا يعني أن الملاحظة لا بد أن تكون شاملة لجميع جوانب الشخصية.
ويجب الحذر من أن تحول الملاحظة إلى تجسس، فمن الخطأ أن نفتش غرفة الولد المميز وتحاسبه على هفوة تجدها؛ لأنه لن يتق بعد ذلك بالمربي، وسيشعر أنه شخص غير موثوق به وقد يلجأ إلى إخفاء كثير من الأشياء عند أصدقائه أو معارفه، ولم يكن هذا هدي التي - - في تربيته لأبنائه وأصحابه. كما ينبغي الحذر من التضييق على الولد ومرافقته في كل مكان وزمان؛ لأن الطفل وبخاصة المميز والمراهق يجب أن تتق به وتحمد عليه، ويجب أن يكون رقيبا على نفسه ومسؤولا عن تصرفاته، بعيدا عن رقابة المربي، فتاح له تلك الفرصة باعتدال.
وعند التربية بالملاحظة يجد المربي الأخطاء والتقصير، وعندها لا بد من المداراة التي تحقق المطلوب دون إثارة أو إساءة إلى الطفل والمداراة هي الرفق في التعليم وفي الأمر والنهي، بل إن التجاهل أحيانا يعد الأسلوب الأمثل في مواجهة تصرفات الطفل التي يستفز بها المربي وبخاصة عندما يكون عمر الطفل بين السنة والنصف والسنة الثالثة، حيث عميل الطفل إلى جذب الانتباه واستفزاز الوالدين والإخوة فلا بد عندها من التجاهل؛ لأن إثارة الضجة قد تؤدي إلى تثبيته بذلك الخطأ، كما أنه لا بد من التسامح أحيانا؛ لأن المحاسبة الشديدة لها أضرارها التربوية والنفسية.
ثانيا: التربية بالعادة:
1أصول التربية بالعادة:
الأصل في التربية بالعادة حديث النبي _ في شأن الصلاة لأن التكرار الذي يدوم ثلاث سنوات كفيل بغرس العبادة حتى تصبح عادة راسخة في النفس، وكذلك إرشاد ابن مسعود - حيث قال: وعودوهم الخير، فإن الخير عادة
الصفحة 15
وبهذا تكون التربية بالعادة ليست خاصة بالشعائر التعبدية وحدها، بل تشمل الآداب وأنماط السلوك.
كيفية التربية بالعادة
ولكي نعود الطفل على العبادات والعادات الحسنة يجب أن نبذل الجهود المختلفة ليتم تكرار الأعمال والمواظبة عليها بالترغيب والترهيب والقدوة والمتابعة وغيرها من الوسائل التربوية.
يبدأ تكوين العادات في سن مبكرة جدا، فالطفل في شهره السادس يتهج تكرار الأعمال التي تسعد من حوله وهذا التكرار يكون العادة، ويظل هذا التكوين حتى السابعة وعلى الأم أن تبعد عن الدلال منذ ولادة الطفل، ففي اليوم الأول يحس الطفل بأنه عمول فيسكت، فإذا حمل دائما صارت عادته، وكذلك إذا كانت الأم شارع إلى حمله كلما بكى ولتحذر الأم كذلك من إيقاظ الرضيع ليرضع؛ لأنها بذلك تخص عليه نومه وتعوده على طلب الطعام في الليل والاستيقاظ له وإن لم يكن الجوع شديدا، وقد تستمر هذه العادة حتى سن متأخرة فيصعب عليه تركها، ويخطئ بعض المربين إذ تعجبهم بعض الكلمات المحرمة على لسان الطفل فيضحكون منها، وقد تكون كلمة نابية وقد يفرحون بسلوك غير حميد لكونه يحصل من الطفل الصغير، وهذا الإعجاب يكون العادة من حيث لا يشعرون. وترجع أهمية التربية بالعادة إلى أن حسن الخلق بمعناه الواسع يتحقق من وجهين، الأول: الطبع والفطرة والثاني: التعود والمجاهدة ولما كان الإنسان عجبولا على الدين والخلق الفاضل كان تعويده علیه پرسخه ویزیده
ولكي تعود الطفل على العبادات والعادات الحسنة يجب أن نبذل الجهود المختلفة ليتم تكرار الأعمال والمواظبة عليها بالترغيب والترهيب والقدوة والمتابعة
وغيرها من الوسائل التربوية.
ثالثا: التربية بالإشارة:
تستخدم التربية بالإشارة في بعض المواقف كأن يخطئ الطفل خطأ أمام بعض الضيوف أو في مجمع كبير، أو أن يكون أول مرة يصدر منه ذلك فعلها تصبح
الصفحة 16
نظرة الغضب كافية أو الإشارة خفية باليد؛ لأن إيقاع العقوبة قد يجعل الطفل معاندا؛ لأن الناس ينظرون إليه ولأن بعض الأطفال يخجل من الناس تكفيه الإشارة ويستخدم كذلك مع الطفل الأديب المرهف الحس.
ويدخل ضمنه التعريض بالكلام فيقال: إن طفلا صنع كذا وكذا وعمله عمل نعيم، ولو كرر ذلك لعافيه وهذا الأسلوب يحفظ كرامة الطفل ويؤدب بقية أهل البيت عن يفعل الفعل نفسه دون علم المربي.
رابعا: التربية بالموعظة وهدي السلف فيها:
تحمد الموعظة على جانبين الأول بيان الحق وتعرية المنكر، والثاني: إثارة الوجدان، فيتأثر الطفل تصحيح الخطأ وبيان الحق وتقل أخطاؤه وأما إثارة الوجدان فتعمل عملها؛ لأن النفس فيها استعداد للتأثر بما يلقى إليها، والموعظة تدفع الطفل إلى العمل المرغب فيه.
ومن أنواع الموعظة:
وهدي السلف في الموعظة الإخلاص والمتابعة، فإن لم يكن المربي عاملا بموعظته أو غير مخلص فيها فلن تفتح له القلوب ومن هديهم مخاطبة الطفل على قدر عقله والتلطف في مخاطبته ليكون أدعى للقبول والرسوخ في نفسه كما أنه يحسن اختيار الوقت المناسب فيراعي حالة الطفل النفسية ووقت انشراح صدره.
الصفحة 17
وانفراده عن الناس، وله أن يستغل وقت مرض الطفل لأنه في تلك الحال يجمع بین رقة القلب وصفاء الفطرة وأما وعظه وقت لعبه أو أمام الأباعد فلا يحقق الفائدة.
ويجب أن يحذر المربي من كثرة الوعظ فيتخول بالموعظة ويراعي الطفل حتى لا عمل، ولأن تأثير الموعظة مؤقت فيحسن تكرارها مع تباعد الأوقات.
خامسا: التربية بالترغيب والترهيب وضوابطها:
الترهيب والترغيب من العوامل الأساسية لتنمية السلوك وتهذيب الأخلاق وتعزيز القيم الاجتماعية.
التر غيب:
ويمثل دورا مهما وضروريا في المرحلة الأولى من حياة الطفل؛ لأن الأعمال التي يقوم بها لأول مرة شاقة تحتاج إلى حافز يدفعه إلى القيام بها حتى تصبح سهلة كما أن الترغيب يعلمه عادات وسلوكيات تتمر معه ويصعب عليه تركها.
والترغيب نوعان معنوي ومادي، ولكل درجاته فابتسامة الرضا والقبول والتقبيل والضم، والثناء، وكافة الأعمال التي تبهج الطفل هي ترغيب في العمل. ويرى بعض التربويين أن تقديم الإثابة المعنوية على المادية أولى؛ حتى ترتقي بالطفل عن حب المادة وبعضهم يرى أن تكون الإثابة من جنس العمل، فإن كان العمل ماديا نكافته ماديا والعكس.
وهناك ضوابط خاصة تكفل للعربي نجاحه، ومنها:
الصفحة 18
الصحيح، وأن تكون المكافأة دون وعد مسبق؛ لأن الوعد المسبق إذا كثر أصبح شرطا للقيام بالعمل.
الترهيب:
أثبتت الدراسات الحديثة حاجة المربي إلى الترهيب وأن الطفل الذي يتسامح معه والداه يستمر في إزعاجهما، والعقاب يصحح السلوك والأخلاق والترهيب له درجات تبدأ بتقطيب الوجه ونظرة الغضب والعتاب وتمتد إلى المقاطعة والهجر
والحبس والحرمان من الجماعة أو الحرمان المادي والضرب وهو آخر درجاتها. ويجدر بالمربي أن يتجنب ضرب الطفل قدر الإمكان، وإن كان لا بد منه في السن التي يميز فيها ويعرف مغزى العقاب وسبيه.
وللترهيب ضوابط منها:
إذا كانت العقوبة هي الضرب فينبغي أن يسبقها التحذير والوعيد وأن يتجنب الضرب على الرأس أو الصدر أو الوجه أو البطن، وأن تكون العصا غير غليظة ومعتدلة الرطوبة وأن يكون الضرب من واحدة إلى ثلاث إذا كان دون البلوغ ويفرقها فلا تكون في عمل واحد وإن ذكر الطفل ربه واستغاث به فيجب إيقاف الضرب لأنه بذلك يغرس في نفس الطفل تعظيم الله ه ويجب أن يتولى المربي الضرب بنفسه حتى لا يحقد بعضهم على بعض. ألا يعاقبه حال الغضب؛ لأنه قد يزيد في العقاب.
الصفحة 19
أن يترك معاقبته إذا أصابه ألم يسبب الخطأ ويكفي بيان ذلك.
ضوابط التربية بالترغيب والترهيب:
وهذه الضوابط بإذن الله تحمي الطفل من الأمراض النفسية والانحرافات الأخلاقية والاختلالات الاجتماعية وأهم هذه الضوابط:
(أ) الاعتدال في الترغيب والترهيب:
لعل أكثر ما تعانيه الأجيال كثرة الترهيب والتركيز على العقاب البدني، وهذا يجعل الطفل قاسيا في حياته فيما بعد أو قليلا ينقاد لكل أحد ولذا ينبغي أن يتدرج في العقوبة لأن أمد التربية طويل وسلم العقاب قد ينتهي بسرعة إذا بدأ المربي بآخره وهو الضرب، وينبغي للمربي أن يتبع للشفعاء فرصة الشفاعة والتوسط للعفو عن الطفل، ويسمح له بالتوبة ويقبل منه كما أن الإكثار من الترهيب قد يكون سببا في تهوين الأخطاء والاعتياد على الضرب، ولذا ينبغي الحذر من تكرار عقاب واحد بشكل مستمر، وكذلك إذا كان أقل من اللازم، وعلى المربي ألا يكثر من التهديد دون العقاب؛ لأن ذلك سيؤدي إلى استهتاره بالتهديد فإذا أحس المربي بذلك فعليه أن ينفذ العقوبة ولو مرة واحدة ليكون مهيبا. والخروج عن الاعتدال في الإثابة يعود على الطمع ويؤدي إلى عدم قناعة الطفل إلا بمقدار أكثر من السابق. كما يجب على المربي أن يتعد عن السب والشتم والتوبيخ أثناء معاقبة للطفل لأن ذلك يفسده ويشعره بالذلة والمهانة وقد يولد الكراهية كما أن على المربي أن يبين للطفل أن العقاب المصلحة لا حقنا عليه.
وليحذر المربي من أن يترتب على الترهيب والترغيب الخوف من المخلوقين خوفا يطغى على الخوف من الخالق - سبحانه - فيخوف الطفل من الله قبل كل شيء، ومن عقابه في الدنيا والآخرة وليحذر أن يغرس في نفسه مراعاة نظر الخلق والخوف منهم دون مراقبة الخالق والخوف من غضبه، وليحذر كذلك من تخويف الطفل بالشرطي أو الطبيب أو الظلام أو غيرها؛ لأنه يحتاج إلى هؤلاء، ولأن خوفه منهم يجعله جبانا.
الصفحة 20
وبعض المربين يكثر من تخويف الطفل بأن الله سيعذبه ويدخله النار، ولا يذكر أن الله يرزق ويشفي ويدخل الجنة فيكون التخويف أكثر ما يجعل الطفل لا يبالي بذكره النار؛ لكثرة ترديد الأهل ستدخل النار أو سيعذبك الله لأنك فعلت كنا ولذا يحسن أن نوازن بين ذكر الجنة والنار ولا تحكم على أحد بجنة أو نار، بل نقول: إن الذي لا يصلي لا يدخل الجنة ويعذب بالنار.
ب) مراعاة الفروق الفردية:
-1تجلى حكمة المربي في اختياره للأسلوب التربوي المناسب من أوجه عدة منها: أن يتناسب الترهيب والترغيب مع عمر الطفل، ففي السنة الأولى والثانية يكون تقطيب الوجه كافيا عادة أو حرمانه من شيء يحبه، وفي السنة الثالثة حرمانه من ألعابه التي يحبها أو من الخروج إلى الملعب.
- 2أن يتناسب مع الخطأ، فإذا أفسد لعبته أو أهملها يحرم منها، وإذا عبث في المنزل عنا يصلح بالترتيب كلف بذلك ويختلف عن العبث الذي لا مجال لإصلاحه
3- أن يتناسب مع شخصية الطفل، فمن الأطفال من يكون حساسا لينا ذا حياء يكفيه العاب ومنهم من يكون عيدا فلا ينفع معه إلا العقاب، ومنهم من حرمانه من لعبه أشد من ضربه ومنهم من حرمانه من أصدقائه أشد من حرمانه من النقود أو الحلوى.
4- أن يتناسب مع المواقف فأحيانا يكون الطفل مستخفيا بالخطأ فيكون التجاهل والعلاج غير المباشر هو الحل الأمثل، وإن عاد إليه عوقب سرا؛ لأنه إن هتك ستره نزع عنه الحياء فأعلن ما كان يسر. وقد يخطئ الطفل أمام أقاربه أو الغرباء، فينبغي أن يكون العقاب بعد انفراد الطفل عنهم؛ لأن عقابه أمامهم يكسر نفسه فيحس بالنقص، وقد يعاند ويزول حياؤه من الناس.
5 - المراوحة بين أنواع الثواب والعقاب لأن التكرار يفقد الوسيلة أثرها.
الصفحة 21
6-مراعاة الفروق الفردية في التربية فالولد البالغ أو المراهق يكون عقابه على انفراد لأنه أصبح كبيرا، ويجب أن يحترمه إخوانه الصغار، ويعاتب أمامهم عتابا إذا كان الخطأ معلنا؛ لأن تأنيبه والقسوة عليه في الكلام يحدثان خللا في العلاقة بين المراهق والمربي، ويكون ذلك أوجب في حق الولد البكر من الذكور؛ لأنه قدوة وهو رجل البيت إذا غاب والده أو مرض أو مات.
7-ومن الفروق الفردية جنس الطفل فالبنت يكفيها من العقاب ما لا يكفي الذكر عادي لأن جسدها ضعيف وهى تخاف أكثر وتقاد بسهولة.
المشاكل الطلابية:
ترغيب الطالب في العلم والمدرسة واحترام تفكيره ووجهة نظره وإعطاؤه حرية التعبير المقننة وعدم التقليل من شأنه وحته على استخراج طاقاته في كل ما هو مفيد ونافع؛ تعتبر من العوامل التي تساعد على كسب الطالب ومن ثم تفاعله مع المعلم وانصهاره في جو المدرسة.
نستطيع أن نقسم المشاكل الطلابية إلى ثلاثة اقسام:
أولا: مشاكل أخلاقية
وهي كل ما ينافي العقيدة الإسلامية، وتحل هذه المشاكل بالتوجيه والتقويم وفي بعض الحالات بالعقاب البدني وذلك حسب عظم المشكلة الأخلاقية وبقرار من مجلس المدرسة، ولكن يجب أن يكون العقاب البدني موقوفا على إدارة المدرسة فقط.
ثانيا: مشاكل تعليمية:
-وأقصد بها كعدم حل الواجب، أو حفظ الطالب لما طلب منه، أو مشاركه في الفصل وغيرها، وهذه لا تحل إلا بالتوجيه والإرشاد وتعاون البيت مع المدرسة. ولا ينبغي للمعلم أن يستخدم العقاب البدني مهما كانت الظروف وخصوصا في مرحلة مثل المرحلة الثانوية.
التشجيع والثناء للطالب يعتبران حوافز تشجيعية مهمة للطالب وذات قيمة إذا لم يستخدما بابتذال، فجميع الطلاب بحاجة إلى التشجيع والشتاء والربت على الأكتاف.
الصفحة 22
وخصوصا الطالب الحجول أو الطالب ضعيف التحصيل فبالتشجيع والثناء يزرعا الثقة في نفس الطالب ويحفزاه على مزيد من الجهد والعطاء.
لقد أجريت بحوث تربوية عديدة على قضية الثواب والعقاب وأستطيع أن أقول إن معظم الدراسات النفسية والتربوية أشارت إلى أن العقاب قد يكون له رد فعل عكسي على تحصيل الطالب فيتحول التحصيل من رغبة في التعلم إلى خوف من المعلم وبذلك تفسد العلاقة التربوية التي من المفروض أن تسود بين الطرفين!
لكل مرحلة تعليمية أسلوب خاص للتعامل فيها.. يعتمد في أساسه على المرحلة العمرية التي عمر فيها الطالب والتي تحدد نوع سلوكه وردود أفعاله.. وبناء عليه يحدد المعلم أسلوب التعامل مع الطالب مع مراعاة البيئة الاجتماعية ومدى تأثيرها
ثالثا: المشاكل الاجتماعية:
وللتي يكون سببها البيئة المنزلية والرفاق.. وتكون هي البذرة الأولى لبقية المشاكل.
نعم ما لا شك فيه أن المشاكل الاجتماعية ربما تكون هي أساس معظم مشاكل
الطلاب في المدرسة فهي انعكاس للضغط الذي يلاقيه الطالب في المنزل.
وأن كل مرحلة من مراحل العمر تحتاج فيها إلى الحب والعطف.. وتختلف صور ظهورهما في كل مرحلة..
الثواب والعقاب كأسلوبين مستخدمين في التربية:
التربية على ارض الواقع لا النظرية لا يمكن لها أن تم دون عقاب لكن كيف يتم العقاب في التربية؟
أسلوب العقاب في التربية هو أكثر الأساليب التي تثير خلافات حادة بين الآباء والأمهات والمربين.. فريق منهم يعتبر الأخذ بهذا الأسلوب عادة سيئة ورثناها من الماضي. بينما أخلاقنا وقيمنا الحاضرة ترفض أسلوبا كهذا لأنه ينشئ شخصية ضعيفة غير متوازنة مسلوبة الإرادة وفريق أخر يجد أن من المستحيل.
الصفحة 23
تربية الطفل دون عقوبات واستخدام هذا الأسلوب يجنبنا وجود أطفال أشقياء ولهم حججهم في ذلك.
ومهما يكون من أمر هذين الفريقين - علينا إلا نغفل حقيقة أن تربية الأطفال ينبغي أن شير دائما دون أن نضع في اعتبارنا أسلوب العقاب. هذا لا يعني أنا تكر فائدة هذا الأسلوب في الحالات التي يصعب معها اقتناع الطفل بالامتناع عن القيام بتصرفات يعرف - هو نفسه - أنه لن يسامح عليها في حالات كهذه يصبح العقاب ضروريا - لأن العقاب كشكل لإدانة تصرف الطفل يثير الحجل والندم والخرج وعدم الرضى عن النفس وتأنيب الضمير وهذه كلها تحفز على إيقاف بعض تصرفات الطفل وتنشيط بعضها الآخر.
لكن العقاب الذي نقصده هنا هو العقاب المعنوي المتمثل بالشعور الذي يعانيه الطفل من جراء تقوينا السلبي لسلوكه. أما العقاب الجسدي فالابتعاد عنه ضروري نظرا للأضرار الكبيرة التي يلحقها بشخصية الطفل
ما العقوبات التي تصلح إذا في الحالات التي لا تفع معها محاولات الإقناع مع الطفل؟
العقوبات المعنوية:
- 1عقوبات تؤدي إلى إصلاح الفعل الخاطئ المرتكب:
عندما يكتب الطفل مثلا بالأقلام الملونة على جدران المنزل أو أحد الأبواب الزمناه بمسحه وتنظيفه.. أو يرمي ثيابه على المقعد بعد ارتداء لباس النوم الزمناه
تعليقها في المكان المخصص لها.
- 2عقوبات على شكل لوم:
كأن توجه للطفل بعض الكلمات تشعره بخطأ ما قام به. وقد يكون اللوم توبيخا شديدا، أو تأنيبا قاسيا حسب ما يقتضيه الفعل، بشرط أن يوقظ اللوم إحساس الحجل والندم عنده لأن مثل هذا الإحساس يثير سخطا على النفس وبالتالي رغبة في الإصلاح.
الصفحة24
3-عقوبات على شكل تضييقات للطفل :
کحرمانه من الذهاب إلى نزهة مثلا. مدينة للألعاب.. وقد تكون هذه العقوبة على شكل آخر، كإهمال الطفل لفترة ما واقصد التالي: قد يقلل الأب أو الأم مثلا الحديث معه مؤقتا كي يشعروه بأنهم غير راضين لا عنه بل عن سلوكه فليظل وحيدا مع ضميره بعض الوقت. أن هذا الأسلوب هو الأكثر فعالية لأنه ليس أصعب على الطفل من إحساسه بأنه مهمل من قبل الذين يحبهم ويعيش ويتعامل معهم وهو شديد التأثر في أن والديه لا يغيرانه التفاتا، وحديتهما معه اقل الأمور التي يجب أن تأخذ بالحسبان عند العقاب؟
1. أن ينصب العقاب على أسباب التصرف لا على نتائجه :
يحدث أحيانا أن تكون نتيجة العمل الذي قام به الطفل سيئة رغم أن الدافع الذي ساقه إليه طيب وايجابي: كالطفلة التي أرادت أن تمسح الغبار عن أثاث الغرفة قبل مجيء والدتها من زيارة، لتظهر مساعدتها لها، يحدث أن تكسر مزهرية عزيزة على والدتها. الطفلة هنا انقادت إلى العمل بدوافع طيبة، لكنها وصلت إلى نتائج سيئة.. فلا تجوز معاقبتها
2- لا بد أن يكون العقاب مناسبا لحجم الفعل المرتكب:
مثل بعض الأمهات اللواتي أثقلتهن أعباء الحياة اليومية، فأصبحن في حالة توتر شديد فإذا قام الطفل بأي سلوك لا يرضين عنه مهما كان بسيطا، انفجرت في وجه الطفل صارخات موبخات. لا لأن سلوك الطفل يستوجب ذلك، بل يسبب الإرهاق والتعب. فلتعلم هؤلاء الأمهات أن هذه القسوة، إضافة إلى أنها سبب من أسباب الإخلال بالرابطة القائمة بين الأطفال والأهل، فأنها كثيرا ما تؤدي إلى العصبية الدائمة أو لظهور بعض الأعراض العصبية الطفولية... لا يجوز يحال من الأحوال جعل الأطفال لعبا لأمزجتنا مرة نواجه تصرفاتهم وأخطاءهم برضى وقبول، ومرة نضرب الأرض بأقدامنا لتخيفهم.
ومن المفيد هنا عدم مضاعفة العقاب ارتكب طفل خطأ ما وعافيه والداه ثم اشتد غضبهما فحرماه في الوقت ذاته من تسلية كأنا قد وعداه بها من زمن ... أن
الصفحة 25
تصرفا كهذا يولد لدى الطفل عدم الثقة بما يقوله والداه وربما أفقده فيما بعد كالاحترام لهما.
-3 ينبغي أن يكون العقاب عادلا دائما:
لكي يشعر الطفل أنه يستحقه لأن هذا الشعور بالذات هو الذي يدفع الطفل التعديل سلوكه والعودة عن الخطأ، والعقاب غير العادل كالأم التي تغضب من إحدى بنائها توبع الجميع ... ويلاحظ أن العقوبات التي تخذ في حالة الغيط غالبا ما تكون غير عادلة. لهذا من الأفضل العمل بالمثل: (في سبع مرات لتقص مرة)
4-من المضر معاقبة الطفل باستمرار:
إذ أن الإدانة الدائمة لتصرفاته وتضخيم الخطأ الذي يرتكبه، مهما كان عارضا، ومعاقبته على ذلك باستمرار من أسوأ الطرق التي يلجأ إليها الأهل. إذ من الثابت أن طريقة القمع هذه لم تؤد إلى نتائج طيبة عادة. أن تكرار العقوبة يفقدها سمة الردع و بل يعتاد عليها الطفل فلا تعود تثير فيه أية محاولة أو سعي لتعديل سلوكه، ويقابلها بعدم الاكتراث.
5-لا بد أن يعاقب الطفل على فعل ملموس:
ليعرف على أي شيء عوقب وماذا يراد منه نتيجة العقوبة وماذا يجب أن يصلح في نفسه.. يخطئ الوالدان اللذان يعاقيات الطفل بعد عدة قنوب... فليس هناك أسوأ من العقاب من اجل العقاب لا من اجل الإصلاح... فإذا تأخر العقاب عن وقته ولم ينفذ بعد حدوث الخطأ مباشرة فقد فعاليته وجدواه مثلا: يسكت الأهل والأسباب كثيرة، عن فنوب متابعة يقوم بها الطفل ليفجروا فجأة أمام قلب فيذكرون الطفل بكل ما فعل مسبقا بل بلنوب كأن قد عوقب عليها ... لا يجوز تذكير الطفل يعمل سيء كان قد عوقب عليه ذات مرة لأن مثل هذا التذكير يؤدي شعوره ويصيب موضعا موجعا لديه.
ومن الهام جدا جذا ألا ننسى أن الطفل ينبغي ألا يتعد عن الخطأ خوفا من العقاب
بل لأن الخطأ شيء سيء يجب أن ينفر منه ويزدريه... الإنسان الجيد لا يسرق لأنه يخاف من العقاب، بل لأن السرقة فعل سيء.
الصفحة 26
وأخيرا ينبغي ألا يغيب عن بالنا أن النتيجة التي توخاها بعد كل عقاب پوجه للطفل توقف إلى حد بعيد على مدى ما عن العقاب شعور الطفل ويثير فيه مشاعر المعاناة النفسية ... وهذا بالتأكيد هو المعيار الوحيد الذي يكمن وراء اختيار أي عقاب لأي فعل خاطئ مرتكب.
المرحلة العمرية وللعقاب البدني الضرب وأثاره السلبية في أي مرحلة عمرية.
المرحلة الابتدائية:
يكون ترهيبا ومدعاة لكره الطفل للمدرسة ولمعلمه.. وقد يكون أحيانا عرضة للسخرية بين أفرانه ...
المرحلة المتوسطة:
والتي هي مرحلة الانتقال من الطفولة للمراهقة.. والتغير الكبير في الهرمونات.. ما يسبب مرور هذا الطالب بمرحلة انتقالية خطيرة.. يغلفها التمرد ومحاولة الظهور بشخصية مستقلة.. فإن عملنا للضرب لوجدنا التمرد والعناد هما النتيجة.. وإن لم يكن ظاهرا.. إلا أن ذلك سيسبب شرخا عميقا قد يمتد لسنوات في شخصيته.
المرحلة الثانوية:
فبرأيي هي مرحلة الصداقة.. ويكون الطالب قد وصل لسن قريب من الرجولة
.. فكيف لنا أن نضرب رجلا وقد أصبح شبه مستقل في تصرفاته!!!! ...
تمرد وهروب وشرب من المدرسة هي النتيجة الحتمية.
في كل المراحل.. ما تحتاجه هو الحب والعطف.. وتختلف صور ظهورهما في کل مرحلة.. وتدرج من الحنان المفرط في الابتدائي..
إلى الحب والحنان الموجه في المتوسط وتنتهي بالأخوة والصداقة المرسومة والمخلفة بالاحترام للطرفين في الثانوية كل ذلك لا يتناقض أبدا مع مكانة المعلم أو يقلل من احترامه.. بل العكس تماما
وحسب خبرتي البسيطة.. أن أكبر ترهيب وعقاب.. هو أن يغضب المعلم المحبوب من طلابه حينها سيجد الطلاب كيف يحاولون إرضاءه بأي طريقة ... ويتجنبون تكرار ما يغضبه ويحزنه منهم.
الصفحة 27
وجود طالب مشاغب أو عدة طلاب في الفصل قد يقلب الفصل رأسا إلى عقب ويحيق المعلم عن أداء مهمته وقد يصاب المعلم بعقدة نفسية فيكره مهمته وتحول حياته العملية إلى جحيم!
الطالب المشاغب يقوم بما يقوم به وذلك رغبة منه في لفت أنظار المعلم والطلاب وهو رد فعل عكسي لما يلقاه في البيت وفي بيته سواء من سوء معاملة واضطهاد!
للتعامل مع مثل هذا الطالب:
الصفحة 28
القصل الثاني: ظاهرة التسرب من المدارس
الاسباب والإجراءات الوقائية والعلاجية:
ظاهرة الشرب من المدارس موجودة في جميع البلدان ولا يمكن أن يخلو واقع تربوي من هذه الظاهرة إلا أنها تفاوت في درجة حدتها وتفاقمها من مجتمع إلى آخر، ومن مرحلة دراسية إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى. كما أنه من المستحيل لأي نظام تربوي أن يتخلص نهائيا منها مهما كانت فعاليته أو تطوره. هذا يعني أن نسبة وحدة وجودها هو الذي يحدد مدى خطورتها. والمتعمق في هذه الظاهرة في الواقع التربوي، يلاحظ أنها منتشرة في كافة المراحل التعليمية وبصورة متفاوتة وفي كافة المدارس بغض النظر عن نوعها وفي كافة المناطق التعليمية وبين كافة أوساط الطلبة من ذكور وإناث وبين أوساط كافة الطبقات الاجتماعية والاقتصادية.
الشرب هو إهدار تربوي هائل وتأثيره سلبيا على جميع نواحي المجتمع وبنائه فهو يزيد من حجم الأمية والبطالة ويضعف البنية الاقتصادية الإنتاجية للمجتمع والفرد ويزيد من الاتكالية والاعتماد على الغير في توفير الاحتياجات. ويزيد من حجم المشكلات الاجتماعية من انحراف الأحداث والجنوح كالسرقة والاعتداء على الآخرين وممتلكاتهم ما يضعف خارطة المجتمع ويفسدها. والتسرب يؤدي إلى تحول اهتمام المجتمع من البناء والأعمار والتطور والازدهار إلى الاهتمام بمراكز الإصلاح والعلاج والإرشاد والى زيادة عدد السجون والمستشفيات ونفقاتها ونفقات العناية الصحية العلاجية. كما يؤدي تفاقم التسرب إلى استمرار الجهل والتخلف وبالتالي سيطرة العادات والتقاليد البالية التي تحد وتعيق تطور المجتمع مثل الزواج المبكر والسيطرة الأبوية المطلقة وبالتالي حرمان المجتمع من ممارسة الديمقراطية وحرمان افراده من حقوقهم ويتحول المجتمع إلى مجتمع مقهور ومسيطر عليه لأنه لا يمكن أن يكون المجتمع سيدا وحرا وفي نفس الوقت جاهلا مجتمع تسوده العنصرية والتحيز والانغلاق والتعصب.
الصفحة 31
يتفاوت حجم الشرب في المدارس من سنة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى لكن الاتجاه العام لهذه الظاهرة في تناقص حيث يبدو للوهلة الأولى أن معدلات التسرب في المدارس الخاصة منخفضة، لكن يظهر حجم المشكلة إذا نظر إليها من ناحية تراكمية حيث نجد أن الغالبية العظمى من الطلبة قد شربوا من المرحلة الأساسية العليا وبالتحديد من الصف التاسع والعاشر.
ولوحظ أن ظاهرة الشرب من النظام التعليمي لها أسباب متعددة ومتشعبة تختلط فيها الأسباب التربوية مع الأسرية مع الاجتماعية والاقتصادية.. وغيرها. فظاهرة الشرب هي نتاج مجموعة من الأسباب تتفاعل وتتراكم مع بعضها تصاعدها لتدفع الطالب وبقبول من أسرته إما برضاها أو كأمر واقع إلى خروج الطالب من النظام التعليمي قبل الانتهاء من المرحلة التعليمية الأساسية التي هي تعتبر الزامية.
تفاوت حدة أسباب الشرب من حيث درجة تأثيرها على الطالب المسرب منها ما تكون أسبابا رئيسية لها تأثير قوي ومباشر وتلعب دورا حاسما في عملية الشرب وبعضها الآخر يكون تأثيرها ثانويا، وأسباب أخرى ليس لها أي تأثير يذكر. ومن جهة أخرى تلعب الأسر وأولياء أمور الطلبة المتسربين - في بعض الأحيان - دورا رئيسيا ومباشرا في دفع أبنائهم إلى التسرب من مدارسهم. عن طريق إجبارهم على الشرب والخروج إلى سوق العمل، أو على الزواج المبكر، أو بسبب المشاكل الأسرية. وفي أحيان أخرى يكون لهم تأثير غير مباشر عبر عدم الاهتمام واللامبالاة والقلق الزائد على أبنائهم.. وغيرها. تصنف أسباب الشرب في ثلاث مجالات رئيسية هي أسباب تعود للطالب المسرب وأسباب تعود للأسرة وأسباب تعود للمدرسة. لا يوجد فصل بين هذه المجالات وتفاوت قوتها وفقا للتأثير السلبي الذي تلعبه في حياة الطالب التربوية.
وفيما يلي أهم أسباب التسرب:
أولا: أسباب تعود للطالب المشرب نفسه:
الصفحة 32
ويأتي تدني التحصيل الدراسي وصعوبات التعلم في المرتبة الأولى الأسباب تسرب الطلبة من المدارس من وجهة نظر المتسربين، أي أن سبب شربهم يعود لهذا السبب. ويعتقد أولياء الأمور أن تدني التحصيل كان سببا لتسرب أبنائهم، ويلاحظ أن تدني التحصيل الدراسي لدى الذكور كان له التأثير الأقوى في تسربهم من المدرسة بالمقارنة مع الإناث.
انخفاض قيمة التعليم عند الطلبة المتسربين كان السبب الثاني لشربهم، أي أن سبب تسربهم هو عدم الاهتمام بالدراسة. ويعتقد أولياء الأمور أن عدم اهتمام أبنائهم كان سببا لتسربهم، وعدم الاهتمام بالدراسة لدى الذكور كان أعلى من الإناث وله التأثير الأقوى في تسربهم من المدرسة بالمقارنة مع الإناث
ويأتي في المرتبة الثالثة لأسباب تسرب الطلبة من المدارس باعتباره سببا لتشربهم، وهو في المرتبة الأولى بالنسبة للإناث كان الزواج المبكر السبب في شربهن من المدارس.
الخروج إلى سوق العمل لإعالة الأسرة كان السبب الأكثر تأثيرا لتسرب الذكور بعد سبب تدني تحصيلهم الدراسي لديهم. حيث أكدوا أن الخروج إلى سوق العمل كان السبب لشربهم.
ثانيا: أسباب تعود للأسرة في تسرب أبنائهم:
للأسرة دور كبير في دفع أبنائها إلى التسرب نتيجة لسوء أوضاعها الاقتصادية.
تترك الطالبات المتسربات المدرسة للعناية بأفراد الأسرة وبخاصة إخوتهن الصغار والمساعدة في أعمال المنزل.
الصفحة 33
تجبر الأسرة أبناءها سواء الذكور منهم أو الإناث على ترك مدارسهم، وغالبا ما تجير الذكور للعمل في سوق العمل والإناث لعدم اهتمام الأسرة تعليم الإناث.
انخفاض قيمة التعليم لدى أسر الطلبة المتسربين وعدم الاهتمام بالتعليم، كان له القدر الكبير من الأهمية في أسباب تسرب أبنائهم.
ثالثا: أسباب تعود للمدرسة
المدرسة ليست صديقة للحرب فشعوره بالفور منها لأي سبب كان مثل: عدم إحساسه بالانتماء إليها أو بسبب صعوبة مادة معينة لم يفلح في فهمها، وعدم توفر البيئة المريحة لديه لجنبه لإكمال دراسته كلها أسباب طاردة للطالب من المدرسة.
استخدام العقاب المعنوي والبدني من قبل المعلمين للطلبة يختبر من الأسباب المهمة في تسرب الطلبة من المدارس. حيث أن سبب شربهم يعود إلى استخدام العقاب بشتى أشكاله بحقهم وان العقاب كان له التأثير الأقوى على الذكور بالمقارنة مع الإناث
التمييز بين الطلبة بشتى أشكاله الذي مارسه الجهاز التعليمي في المدرسة بحق الطلبة سواء التمييز على أساس المستوى التحصيلي أو على الأساس العشائري أو الاقتصادي أو التمييز على أساس الجنس أو في الأنشطة المدرسية. كلها أسباب أثرت على تسرب الطلبة من مدارسهم.
الصفحة 34
يمكن أن يكون التعليم المهني وسيلة للحد من شرب الطلبة الذين لديهم صعوبات التعلم في الفرع الأكادي، لذا فإن وجود مدارس مهنية قريبة من أماكن سكن الطلبة يجد من هذه الظاهرة كما أن عدم وجود مدارس مهنية قريبة، كان له التأثير الأقوى على تسرب الذكور بالمقارنة مع الإناث.
إن ضعف المرشدين التربويين في المدرسة الذين مهمتهم الأساسية مساعدة الطلبة في حل مشاكلهم سواء التربوية أو الاجتماعية، يعزز من فرص شرب الطلبة نتيجة تراكم مشاكلهم داخل المدرسة دون أن يجدوا أي مساعدة لحلها
رابعا: قناعات الأسرة بالمدرسة لها علاقة بشرب أبنائها
الإجراءات الوقائية للحد من ظاهرة التسرب:
ذكر المتسربون وأولياء أمورهم عددا من الإجراءات الوقائية المدرسية والأسرية التي تساعد في الحد من ظاهرة التسرب من المدارس، وعددا آخر من الإجراءات العلاجية التي تحل مشكلة المتسربين.
الصفحة 35
أولا: الإجراءات الوقائية المدرسية للحد من ظاهرة الشرب:
ثانيا: الإجراءات الوقائية الأسرية:
تلعب الوزارة ومؤسسات المجتمع المدني دورا أساسيا على مستوى الأسرة للحد من ظاهرة الشرب من خلال تنظيم برامج توعية للأسرة بأهمية التعليم لأبنائهم من خلال ما يلي:
الصفحة 36
الإجراءات العلاجية للمشربين
مشكلة التسرب المدرسي هي مشكلة وطنية تتطلب أن تتضافر كافة الجهود الإيجاد حلول ناجعة للطلبة المتسربين بالإضافة إلى الدور الذي تقوم به وزارة التربية في هذا المجال المطلوب أيضا من المؤسسات الرسمية وبالتحديد وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ومن مؤسسات المجتمع المدني أن تضع خطة عمل وطنية الإعادة تأهيل المتسربين الذين معظمهم ارتدوا إلى الأمية من خلال ما يلي:
الصفحة 37
ظاهرة العنف الطلابي ضد المعلمين:
انتشرت ظاهرة العنف الطلابي ضد المعلمين وازدادت حدتها في السنوات الأخيرة ولا شك أنها ظاهرة غريبة على مجتمعنا بكل المقاييس وتستلزم الدراسة والتقصي ولا أعلم إن كانت وزارة المعارف قامت بدراسة الظاهرة وأسبابها ووضعت لها الحلول المناسبة.
الآتي هو اجتهاد شخصی اعتمد على خبرتي في العمل التربوي كمعلم للمرحلة المتوسطة لعدة سنوات وقربى من الطلاب ومشاكلهم.
العنف:
يعرف العنف بشكل عام بأنه هو كل تصرف يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين جسميا أو نفسيا ويقابله الرفق والعطف والتسامح ومقابلة السيئة بالحسنة
والطالب بشكل عام يتأثر بعدة عوامل تحيط به وتؤثر في سلوكه إما إيجابا أو سلبا وهي العائلة، المجتمع، والإعلام المرئي فإن صلحت صلح الطالب وبالتالي صلح الجيل بأكمله. والعنف عادة ما يتج من الشعور بالإحباط وعدم الاتزان النفسي وانعدام التوجيه التربوي.
الأسباب التي تؤدي للعنف الطلابي ويتأثر بها سلوك الطلاب تذكر منها:
الأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأولى وهي الباني الأول لشخصية الطفل وتشكيل سلوكه في المجتمع. وبالتالي فإن الأسر التي يسود فيها - بين الأبناء أو بين
الصفحة 38
الأبوين - سلوك العنف والفوضى والعادات السيئة والتناحر نجد أبنائها يمارسون هذا العنف خارج البيت ضد الغير كأسلوب حياة.
حيث أن القمع وعدم احترام الأبناء أو الاهتمام بمشاكلهم وعدم مراعاتهم وعدم المساواة في المعاملة، كلها أسباب تؤدي إلى العنف وحب الانتقام.
فالعقاب البدني الغير مبرر والذي يصل أحيانا لحد الانتقام، والاستهزاء بالطالب وعدم احترامه ومراعاة شعوره والتوبيخ المستمر من قبل المعلم للطالب، كلها عوامل تساعد على بناء رغبة الانتقام عند الطالب.
إحساس الطالب بضعف شخصية المعلم وعدم قدرته على السيطرة على الفصل يترك أثرا سلبيا في نفوس الطلاب وينعكس على سلوكهم نحوه فتعم الفوضى داخل الصف ويبدأ التراشق بالكلمات الغير لائقة بين المعلم وطلابه وقد يدفع ذلك بالطلاب إلى التمادي وتجاوز الحدود، كما أن إحساس الطالب بالقصور العلمي عند المعلم يولد عدم الاحترام للمعلم.
تعتبر هذه المرحلة مرحلة صراع وتمرد على أسلوب الحياة ورغبة في إثبات الذات وهي مرحلة صعبة جدا ولا يتم تجاوزها بسلام إلا يتعاون البيت والمدرسة حيث أن للإرشاد والتوجيه التربوي دوران مهمان في تشكيل شخصية الطالب وفي استقراره النفسي وتجاوز هذه المرحلة بسلام.
انتشار أفلام العنف في التلفزيون يؤدي بالطالب إلى الرغبة بالتقليد ويغديه بطرق جليدة الممارسة العنف
الصفحة 39
بعض الإجراءات التي أرى أنها تقلل من انتشار العنف بين الطلاب:
ظاهرة التأخر عن الطابور الصباحي!
هل يعقل أن يكون عدد المتأخرين يوميا عن الطابور الصباحي بين 40 – 50طالبا وأحيانا يقل العدد أو يزيد!
لابد أن هناك خلل تربوي ما...!!
الأسباب الرئيسة لتفشي الظاهرة
الصفحة 40
الحلول المعالجة للمشكلة
الصفحة 41
الصفحة 42
الفصل الثالث: جدوى العقاب وفعاليته
عقاب الطلاب المتأخرين في الطابور الصباحي أمر مرفوض
يتعرض الطلاب المتأخرون في بعض المدارس العقوبة من نوع غريب وهي إجبارهم على القيام بتمارين رياضية قاسية حيث يلجأ بعض معلمي التربية البدنية إلى توقيع العقاب البدني والإيذاء النفسي على الطلاب المتأخرين في محافظة الطائف من خلال تمارين سويدية عنيفة ويرى سعد الشريف أحد المعلمين أن المنع المطلق للعقاب البدني له آثار كثيرة على العملية التعليمية، فالفوضى وعدم تقدير الآخرين والسلوك غير السوي داخل المدرسة تحتاج إلى وسيلة إيقاف مؤكدا أن العقاب إحدى هذه الوسائل، لذا يجب السماح بالعقاب البدني وفق ضوابط محددة. كما اقترح أن يكون للمرشد الطلابي دور في محاولة تفهم مشكلات الطلاب وأسبابها ومحاولة التغلب عليها مع إيقاع العقاب على الطلاب الذين لا يجدي معهم هذا الأسلوب، إضافة إلى مقترحات حول تصميم وتنفيذ المدارس وتوزيع الطلبة داخل الفصول وتوزيع المراحل الدراسية على المباني التي يعتقد أن تجميعها في مكان واحد يؤدي إلى العديد من المشكلات وأوصى بإجراء دراسات المعرفة اتجاهات المعلمين ومديري المدارس والمشرفين التربويين وعلماء النفس وأولياء الأمور نحو استخدام العقاب البدني في المدارس، وتحديد بعض السلوكيات غير المرغوب فيها، وإجراء دراسة يتم فيها استخدام العقاب البدني لمعرفة هل يعدل العقاب هذا السلوك وإجراء دراسة على الطلاب المعرفة ما إذا كان العقاب البدني يزيد التحصيل الدراسي أم لا، ومحاولة معرفة أساليب العقاب الأجدر بالتطبيق، إضافة إلى دراسة المعرفة أثر نقص عدد الطلاب في الفصل وتخفيف العبه الدراسي على إنتاجية المعلم وعلى التحصيل الدراسي للطلاب. وأضاف أن مبدأ الثواب والعقاب
الصفحة 45
واستخدامهما التربوي الحكيم لدى الإسلام والمسلمين أدى إلى نتائج باهرة. أما حسن الخالدي أحد أولياء الأمور، فانتقد ما يجري داخل المدارس من عقوبات وخصوصا العقاب البدني مؤكدا أن الثواب أقوى وأبقى أثرا من العقاب في عملية التعلم، وأن المدح أقوى أثرا من الذم بوجه عام. وهنا يجب أن نستحضر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه). وقال إن لجوء كثير من معلمي التربية البدنية إلى إنزال التمارين القوية بحق الطلاب أمر مشين لا ينم عن عقلية تربوية ويحدث دائما نوعا من الرغبة نحو كره الطالب للمدرسة لأنه يحمل في داخله ذكريات سيئة في حق المعلم والكيان التعليمي، فيتولد في داخل الطالب الكره والفور. ولذا يجب على المعاقب أن يعرف لماذا يعاقب وإذا شجع وكوفئ فيجب أن يعرف لماذا كافأناه كذلك يجب تجنب أساليب التهكم والإذلال الشخصي لأنها عرمة شرعا، كما أنها ثورت الأحقاد وكذا الغلو في المدح والثناء فهذا أيضا منهي عنه. والثواب يجب أن يؤدي إلى الارتياح والعقاب يجب أن يؤدي إلى عدم الارتياح، وقد يكون هذا الضابط واضحا بذاته بحيث إنه لا يستحق الذكر. وأشار إلى أن وزارة التربية التعليم حذرت من العقاب البدني والإبداء النفسي في حق الطلاب المتأخرين عن الطابور الصباحي أو الذين صدرت منهم مخالفات سلوكية تستوجب العقاب. وأفاد الدكتور رشيد أبو رشيد رئيس قسم التربية الفنية بالإدارة العامة للإشراف التربوي بوزارة التربية والتعليم لالوطن بأن استخدام العقاب البدني للطلاب في المدارس وفي أي مرحلة من مراحل التعليم العام أمر مرفوض وغير مقبول بتاتا مشيرا إلى أن هذه التعليمات صدرت من وزارة التربية والتعليم حيث تم الاكتفاء بقواعد تنظيم السلوك والمواظبة والتي بها مناسبة وكفيلة بعملية ضبط أي سلوكيات تم من الطلاب في المدرسة وأن استخدام التمارين الرياضية أو السويدية أو الجري بالملابس حول الملعب واستخدام
الصفحة 46
تمارين مجهدة أو الضرب بالعصا بمعنى الإيذاء البدني والنفسي وكذلك العبارات غير المناسبة أمر مرفوض تماما، لأن إجراءات مدير المدرسة أو المعلم إن حدث منه ذلك فهو يخالف اللوائح لأن التعامل مع الطلاب سواء من مدير المدرسة أو المعلمين أو الجهاز الإداري لابد أن يكون وفق الضوابط والتعليمات التي تكفل حسن التعامل مع الطلاب.
رغما من منع الضرب للطلاب في المدارس إلا أنا لا زلنا نسمع ونشاهد ممارسات لا مسؤولة ضد الطلاب داخل أسوار المدارس. ونقرأ في الصحف من يكتب مدافعا ومشجعا لعودة الضرب في المدرسة.
سنعرض لبعض آراء أنصار الضرب وحججهم من أجل إبقائه قائما في التعليم وسنناقشها بموضوعية:
الرأي الأول: أن الضرب يثير انتباه الطلاب، ويجعلهم على أهبة الاستعداد لأداء الواجبات واستيعاب المعلومات وحفظها.
الحقيقة أن الدراسات النفسية أثبتت أن الثواب أقوى وأبقى أثرا من العقاب في عملية التعليم، وأن الضرب يترك أثرا على جسم الطفل ونفسيته بل ورغبته في الدراسة والتعلم، والقول بأنه يحقق الانتباه وأداء الواجب وحفظ الدرس، تقول: إن الغاية الجيدة لا تبرر الوسيلة السيئة، وهذه النتائج لطبيعة متوقف بمجرد انتهاء وزوال التهديد والخوف، لأن السلوك في حالة التهديد يتسم بالآلية الميكانيكية) إذ يتم تحريكه من الخارج، فالدافعية للتعلم لا تنبعث من دخيلة المتعلم – والتعليم الإكراه لا يمس صميم السلوك بل القشرة الخارجية منه، ويبقى اللب يتأثر بالإقناع والحوار والمدرسة لا تقدم كل المعرفة التي توصل إليها العلم أو التي يحتاجها الإنسان في حياته وبالتالي تجبر الطالب في الوقوف عليها ولو بالضرب ، وإنما تقدم له الأدوات الكفيلة بالتعلم الاكتشافي وحب المعرفة ، والمعلم الذي يعي الأهداف
الصفحة 47
الإستراتيجية للتعليم يعمل على هندسة البيئة التعليمية المنتجة، وغرس بذور المعرفة ورعايتها لتنمو مع الحياة وتمر العلم والمعارف.
الرأي الثاني: الضرب مفيد في قمع الناشر من السلوك، ويمنع ظهور التصرفات السيئة في الفصل.
والمدرسة جزء من المجتمع الذي لا يستغني عن العقاب في القضاء على السلوك الفاسد وإيقاف الخارجين على القواعد والأخلاق
لا غرو أن المدرسة حقيقة قطعة من المجتمع لكن يجتمع المدرسة مجتمع تربوي خلق من أجل أفراد ونفسيات الطلاب، وإن ما يحققه الضرب من قمع السلوك الناشر وإشاعة النظام وضبط الصف إلا أنه لا يقضي على نوازع الشر لأنه يقمع السلوك الظاهر فقط. والمدرسة لا تحاول إخفاء السلوك الردى بمقدار استئصاله ومعالجة اعوجاجه بتعديل الدوافع المخبوءة التحتية المستخفية، والمعلم الذي يشعر أنه بالضرب قضى على السلوك المعوج ويفرح بذلك إنما هو كالطبيب الذي يفرح بمسكنات المرض بينما تدهور حالة المريض.
الرأي الثالث: أن من يقرر خطأ استخدام الضرب في المدارس هم من لا يعمل في التعليم، لعلهم لو عانوا من مضايقات الطلاب لكان لهم رأيا آخر، فالضرب يقضي مضايقات الطلاب، ولولا لضرب لما استطاع المعلم أن يصمد في الميدان التربوي حيث سيتعرض للانهيار العصبي. ) وكأن الضرب عامل تنفيس للمعلم(!.
نقول للمعلم عليه أن يتصف بالحلم والأعصاب الهادئة والضبط الانفعالي وثمة مجموعة كبيرة من المعلمين من لا يستخدمون الضرب على الإطلاق ويحطون يحب كبير واحترام من الطلاب، لكن لاحترام القائم على الخوف ليس باحترام – والمعلم المتمتع بشخصية قوية تفرض نفسها واحترامها بس بحاجة إلى إيقاع العقوبات البدنية
الصفحة 48
على الطفل أو المراهق، ولعجز بعض المعلمين عن فرض السيطرة النفسية على الطالب وتقديم المناسب من الخبرة والمعرفة يلجأ للعقوبات البدنية بيد أن قدرة المعلم على السيطرة وإمساكه بزمام الموقف التعليمي يغنيه عن الضرب الذي يعد وسيلة رديئة سواء في تعديل السلوك الأخلاقي أو التحصيلي.
وصفوة القول قول الرسول ﷺ: (إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف) وقوله ﷺ: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا كان العنف في شيء إلا شانه (.
الثواب والعقاب في التربية:
يقول الكاتب محمد مرسى في كتابه فن تربية الأولاد عن التوازن بين التشجيع المادي والتشجيع الأدبي والمعنوي على أنه ضروري في عملية التربية حتى لا ينشأ الطفل تفعيا يأخذ مقابل ما يفعل ولكن المكافأة المعنوية كالمدح والثناء أمام الآخرين له كبير الأثر في تشجيع الطفل وتحفيزه.
ومن وسائل التودد للطفل ما يلي:
الصفحة 49
الصفحة 50
الصفحة 51
عقاب الأبناء.. مهارة وفن:
رغم أنه لم يزل في عهد الورد وبهجتها ولم يكابد بعد نصب الدنيا وقسوتها، إلا أن كما هائلا من التساؤلات بدأت تطارد شقاوته غير العادية
فلماذا يكثر سعيد ابن الأربع سنوات من الالتفاف حول نفسه؟؟ ولماذا يؤذي زملاءه دون سبب يذكر؟ وما جريرة ممتلكات الصف التي يرفسها دوما دون رحمة؟ هذه الأسئلة وغيرها من السلوكيات العصبية جعلت معلمته في الروضة تبحث عن ظروف نشأته، رغم أن ملفه الشخصي يخلو من أي ملاحظة عن وضعه الاجتماعي، فأبوه صاحب متجر كبير، هادئ ووقور ولكن الحقيقة حملت في طياتها العاصفة بعد السكون، فأبو سعيد يستفد كل ابتساماته الرقيقة ومشاعره العطرة مع زبائنه حتى لا يفلتون من بين يديه، ولا يبقى لسعيد إلا الصفعات والضرب المبرح وفي أحسن الأحوال الصراخ والشتيمة!!
قد يبدو (أبو سعيد (أكثر قسوة منك أخي القارئ ولكننا في كثير من الأحيان نلجأ لضرب أبنائنا بحجة تأديبهم وأن هذا الأمر يصب في صالحهم وان ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب.
فهل يمكن أن تعتبر ضرب الأبناء وسيلة تربوية؟
وكيف ينسجم موقف الإسلام من الضرب مع الأبحاث والدراسات العلمية الحديثة؟ وما هي البدائل التربوية للضرب.؟
الضرب أو الصفحات والضرب بالعصا من الوسائل المستخدمة في تربية الأطفال والتي بدورها تجرفهم إلى عالم الخوف والقلق المستمر والتي تؤثر سلبا على نفسيتهم وعلى تكيفهم الذاتي والاجتماعي ويتمثل العنف التربوي بضرب وتعذيب الأطفال ضربا مبرحا واستخدام كلمات ساخرة وتهكمية للطفل عما يشعره بالحزن والألم. وقد يلجأ الأهل لهذا وفقا لنموذج اجتماعي وأخلاقي.
الصفحة 52
ويعود ضرب الأبناء من قبل أبائهم إلى أسباب اجتماعية ونفسية وثقافية منها:
آثار العقاب الجسدي على الابناء:
إن الأطفال الذين يتعرضون للقهر أو للتخويف أو للضرب يحاولون الحصول على القوة من خلال الانتقام الذي يوجهونه للآخرين لأنهم يحسون بالألم وسوف يمارسون كل نشاط يؤدي إلى إيذاء الآخرين، فالانتقام ام عند طفل الثانية قد يحدث من خلال بعثرة أطباق الطعام وبعد بلوغه قد يكون الانتقام من خلال الجنوح ومقارعة القيم الاجتماعية.
ويؤكد الأخصائيون النفسيين أن تأثيرات العقاب على الفرد قد تتراوح من تأثيرات بسيطة إلى تأثيرات مرضية، فمن الناحية الأولى البسيطة قد لا يتعلم الطفل شيئا بواسطة العقاب ونحن أصلا أردنا بالعقاب تعليمه أشياء مرغوبة ومنعه عن أمور غير مرغوب بها، وذلك لأن العقاب أصلا معروف على أنه وسيلة لقمع
الصفحة 53
سلوك غير مرغوب به من خلال هذا التعريف لا يمكن للطفل أن يتعلم أشياء جديدة أو ما هي الأشياء المرغوب بها، بالتالي استعمال العقاب يؤدي إلى تقليل احتمالات السلوك بما أنه لا يتم تعليم الطفل أشياء جديدة وإنما فقط قمع سلوكيات غير مرغوب بها.
من الناحية الأكثر شدة، استعمال العقاب القاسي والمتكرر قد يؤدي إلى نمو نماذج سلوك مرضية أولها سلوك خنوع بمعنى أنه تعدم إليه المبادرة والاستقلالية والتي قد تترجم بالحياة اليومية إلى ما تسميه الخجل لكن بشكل مبالغ فيه حيث ينعدم استعداد الطفل التعبير عن قدراته كذلك قد ينشأ لديه شعور بالشك بقدراته وذلك لأنه عوقب على سلوكيات قام بها وذلك بالنسبة له يعني انه غير قادر على تنسيق سلوكيات ترضي والديه.
من الناحية الأخرى قد يتكون داخله تراكم لغضب وخيبات أمل كثيرة التي قد تترجم بحالات معينة إلى انفجارات عنف وغضب شديدة مستقبلا هذه السلوكيات قد تصبح أشد ما يؤدي إلى رؤية شخصية سلبية تجاه الذات والأصعب كما تشدد الأبحاث أنه غالبا ما يتحول هذا الطفل المعاقب إلى أم أو أب معاقب.
وقد صدرت مؤخرا من جامعة نيو هامشير البريطانية دراسة علمية تؤكد أن التلاميذ الذين تعرضوا للضرب كثيرا في المنزل تدهورت قدراتهم في التفكير والقراءة والحساب.
ويؤكد العاملين في المجال الاجتماعي أن هناك تأثيرا آخر للعقاب البدني على الطفل يتمثل في تكوين ميول واتجاهات سلبية نحو الشخص المعاقب مثل كراهية الأب والأم أو المعلم وتظل هذه الكراهية سببا يعوق تقدمه دائما في الحياة العملية وتحول دون أن يكون عضوا مؤثرا في مجتمعه، كما وأكدوا على ظاهرة وراثة العنف
الصفحة 54
من الآباء إلى الأبناء وأشاروا إلى دراسة علمية تبين أن ٩٦٪ من الآباء الذين يضربون أبناءهم قد تعرضوا للضرب في صغرهم.
العقاب بعيدا عن الضرب
يؤكدوا الأخصائيين الاجتماعيين أن الفائدة من العقاب تشهي فور انتهاء استعماله بمعنى أن الفائدة منه جارية ما دام استعماله وفي اللحظة التي يتوقف بها استعمال العقاب توقف أيضا الفائدة منه.
كذلك فائدة أخرى للعقاب هي مفعوليته السريعة أي أننا نصل إلى النتائج بسرعة لكن من الناحية الأخرى بواسطة العقاب ونتيجة مفعوليته السريعة هذه لا تتاح أمام الفرد (الطفل المعاقب في هذه الحالة أن يتعلم ما هو العمل الصحيح بدل ذلك الذي عوقب من أجله.
خلاصة القول: إن الفائدة من العقاب محدودة جدا هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار هذين الأمرين.
معنى ذلك أنه من الواجب نهج سبل أخرى تبع لنا بنفس الوقت أن تكون مفعولية الوسيلة دائمة قدر الإمكان وكذلك يستطيع الفرد (الطفل المعاقب) أن يتعلم ما هو السلوك الصحيح، هذه السبل أصعب ما تطلب هي صبر طويل وإلا ننتظر النتائج الفورية مثلما ننتظر ذلك عندما تستعمل العقاب.
في هذه السبل أولا نحتاج إلى وضع قوانين وحدود واضحة وثابتة لا تسمح للطفل يعنيها حتى لو كلف ذلك احتجاج كبير من قبل الطفل، كل ذلك بدون حاجة للعقاب خلال ذلك قد تاح فرص وقد يسلك الطفل سلوكيات مرغوبة بطريق الصدقة فمن واجب الوالدين أن يشبها لذلك وأن يشجعا الطفل على ذلك.
الصفحة 55
وأيضا إذا أردنا أن تعلم الطفل الأمر الصحيح فيجب أن نشبه أنا غلك فرصة من الزمن طويلة نسيا (الطفولة كلها وأنا خلال كل هذه الفترة يجب أن نشبه أن النتائج الفورية قد تؤدي إلى أمور سلبية.
فن العقاب.. الوسائل التربوية البديلة عن العقاب الجسدي
يحتاج المربون وسائل بديلة عن الضرب كعقاب عند ارتكاب الأخطاء والتقويم سلوكهم فما هي أساليب العقاب التي يستخدمونها بعيدا عن الضرب.
يلجأ الكثير من الآباء والأمهات إلى عقوبتهم بحرمانهم من الأشياء المحببة إليهم فيقول المربون في هذا العقاب أنه يشعرهم بضيق شديد عند حرمانها من الذهاب إلى بيت الجد وعليه اقتتم هذه الوسيلة كثيرا لتأديبهم، وتؤكد المربون أن حرمان الطفل من شيء يحبه أو لعبة يلعبها أو سلوك مشابه يردعه عن التصرف الخاطئ الذي قام به الابن حسب تفسير الأهل فرغبة الأهل أن يتعلم ابنهم أن هذا التصرف خاطئ أو مضر لمن حوله.
لكن الحرمان يجب أن يكون لفترة محدودة فقط لساعة أو ليوم. والعقاب يجب أن يتم بعد تكرار الخطأ عدة مرات والتوجيه له عدة مرات أيضا، فالحرمان الطويل يجلب الضرر النفسي للطفل.
يعتقد المربي أن نظرائه الحادة كفيلة أن تردع أطفاله عن الخطأ وفي بعض الأحيان يضطر للهمهمة والزيجرة كإشارة منه إلى زيادة غضبه ويؤكد المربي أن على الآباء والأمهات مراعاة أخطاء أبنائهم وأن يكون العقاب يحجم الخطأ فلا يعقل أن يكون عقاب الابن الذي تكاسل عن غسل يديه بعد الطعام مثل عقاب من سب جيرانه وشتمهم، فعلى الآباء أن يتدرجوا في ردود فعلهم وفق مستوى أخطاء أبنائهم.
الصفحة 56
يعتقد الأخصائيون النفسيين أن هذا النوع من العقاب مفيد جدا رغم أن الكثيرين لا يستعملونه ويمكن تنفيذه من جيل متين فحينما يخطئ الطفل تطلب أمه أن ينتقل إلى زاوية العقاب حيث يجلس على كرسي عدد في جانب الغرفة ويتم إهماله لفترة محدودة من الوقت وبعد انتهاء العقاب يتم الحوار مع الابن عن أسباب عقابه وتأخذ أشكال الإهمال صورا أقسى حينما يدخل الأب أو الأم فيسلمون ولا يخصون ذلك الابن بتحية خاصة أو لا يسألون عن برامجه في ذلك اليوم أو مدح غيره من أبناء جيله أمامه على أن لا يكون ذلك إلا للعقاب عند الأخطاء الكبيرة وينصحوا عدم الإكثار من هذا الأسلوب إلا للحاجة الملحة.
بعد أن تستفد كل الوسائل التربوية الأخرى تضطر إلى تخويف الأبناء وتهديدهم بالضرب وإذا أصر البعض على الخطأ الشديد ولم يأبهوا بالتهديد تضطر أخيرا التنفيذ التهديد بالضرب غير المؤذي ولا المبرح.
الضرب آخر الوسائل وليس أولها والضرب شروط وآداب ولا يكون إلا في الأمور الكبيرة كترك الصلاة ولكن يجب أن يسبقه الخطوات التأديبية، وما يعنينا في هذا الجانب
(1 قال رسول الله ﷺ :) مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر( (رواه أبو داود وحسنه).
(2عن انس له قال : قال رسول الله ﷺ :(مروهم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لثلاث عشرة) (رواه الدارقطني) (231/1).
(3 أقصى الضرب للتأديب ثلاثة والقصاص عشرة
الصفحة 57
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله ﷺ يقول: (لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود))أخرجه البخاري).
4) كان عمر بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى - يكتب إلى الأمصار : لا يقرن المعلم فوق ثلاث، فإنها مخافة للغلام.
5) عن الضحاك قال : ما ضرب المعلم غلاما فوق ثلاث فهو قصاص.
مواصفات أداة الضرب:
طريقة الضرب:
وقد كان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول للضارب: لا ترفع إبطك أي لا تضرب بكل قوة يدك
مكان الضرب:
الصفحة 58
لا ضرب مع الغضب:
قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: (لا يقضين بين اثنين وهو غضبان) (رواه الجماعة).
إذا ذكر الطفل اسم الله تعالى:
يجب وقف الضرب إذا ذكر الطفل الله تعالى: عن أبي سعيد الخدري - يه. قال: قال رسول الله ﷺ: إذا ضرب أحدكم خادمه فذكر الله فارفعوا أيديكم (رواه الترمذي).. وفي هذا تعظيم الله في نفس الطفل.
الثواب والعقاب مطلوبان:
أن تربية الأطفال بالثواب والعقاب مطلوبة لكنها مؤطرة بشروط ومقننة بقوانين، فالعقاب الذي يطلب تطبيقه في تربية الأبناء هو الذي لا يؤلم نفسيا ولا يهدر الكرامة.
وتؤكد أن العقاب يجب أن يكون بحكمة.
التأديب:
قال الكاساني في بدائع الصنائع: أن الصبي يعزر تأديبا لا عقوبة لأنه من أهل التأديب.
إلا ترى إلى ما روي عن النبي ﷺ أنه قال: (مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعا، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا ). ويكون ذلك بطريق التأديب والتهذيب لا بطريق العقاب.
لا شك أن الطفل كأي كائن حي يجهل أكثر ما يعلم، فإذا علم فعل الصواب وسار سيرا محمودا. لذلك تكون مرحلة تعلمه من الصغر أولى الخطوات في تقويمه وقد ورد أن ا النبي ﷺ كان يصحح البني الفكرية للطفل مستعملا شتى الوسائل والأساليب التي تمتاز بالرفق واللين ومنها ما ذكره أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: اخذ
الصفحة 59
الحسن بن علي ثمرة من ثمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال الرسول ﷺ: (كح كح، ارم بها أما علمت إنا لا نأكل الصدقات)..
ثماني خطوات.. ويلا عقاب
يعتبر وضع القواعد السلوكية للأطفال أهم مهام الأم وأصعبها في الوقت نفسه فسوف يقاوم الطفل كثيرا لكي يؤكد استقلاله وأنت أيتها الأم تحتاجين للصبر، وأن تكرري حديثك مرة بعد مرة. وفي النهاية سوف يدفعه حبه لك، ورغبته في الحصول على رضاك إلى تقبل هذه القواعد وسوف تكونين المرشد الداخلي الخاص به وضميره الذي سيوجهه خلال الحياة.
ولكن كيف تقنع الطفل بطاعة الأوامر وإتباع قواعد السلوك التي وضعها الوالدان؟ تجيب الاستشارية النفسية فيرى والاس بمجموعة من الخطوات يمكن إتباعها مع الطفل:
ادفعي طفلك للسلوك الإيجابي من خلال جمل قصيرة وايجابية وبها طلب محدد فبدلا من كن جيداً، أو أحسن سلوكك ولا ترمي الكتبة قولي: الكتب مكانها الرف.
إن القاء الأوامر طوال اليوم يعمل على توليد المقاومة عند الطفل، ولكن عندما تعطي الطفل سبيا منطقيا لتعاونه، فمن المحتمل أن يتعاون أكثر، فبدلا من أن تقولي للطفل أجمع العابك قولي: يجب أن تعيد ألعابك مكانها، وإلا ستضيع الأجزاء أو تكسر، وإذا رفض الطفل فقولي: هيا نجمعها معا، وبذلك تتحول المهمة إلى لعبة. علقي على سلوكه، لا على شخصيته
أكدي للطفل أن فعله، وليس هو غير مقبول فقولي هذا فعل غير مقبولة ولا تقولي مثلا: ماذا حدث لك؟، أي لا تصفيه بالغباء، أو الكسل، فهذا يجرح احترام الطفل لذاته، ويصبح نبوءة يتبعها الصغير لكي يحقق هذه الشخصية.
الصفحة 60
من الطبيعي بالنسبة لطفلك أن يتمنى أن يملك كل لعبة في محل اللعب عندما تذهبون للتسوق، وبدلا من زجره ووصفه بالطماع قولي لها: أنت تمنى أن تحصل على كل اللعب ولكن اختر لعبة الآن، وأخرى للمرة القادمة أو اتفقي معه قبل الخروج مهما رأينا فلك طلب واحد أو لعبة واحدة وبذلك تجبين الكثير من المعارك وتشعرين الطفل بأنك تحترمين رغبته وتشعرين به.
عادة ما يكون لدى الأطفال سبب للشجار، فاستمعي لطفلك، فربما عنده سبب منطقي لعدم طاعة أو امرك فربما حذاؤه يؤلمه أو هناك شيء يضايقه.
إذا تعامل طفلك بسوء أدب فحاولي أن تعرفي ما الشيء الذي يستجيب له الطفل يفعله هذا هل رفضت السماح له باللعب على الحاسوب مثلا؟ وجهي الحديث إلى مشاعره فقولي: لقد رفضت أن أتركك تلعب على الحاسوب فغضبت وليس بإمكانك أن تفعل ما فعلت ولكن يمكنك أن تقول أنا غاضبة وبهذا تفرقين بين الفعل والشعور، وتوجهين سلوكه بطريقة إيجابية وكوني قدوة فقولي أنا غاضية من أختي، ولذلك سأتصل بها، وتحدث لحل المشكلة.
إذا كنت تستخدمين التهديد باستمرار للحصول على الطاعة، فسيتعلم طفلك أن يتجاهلك حتى تهدديه. إن التهديدات التي تطلق في ثورة الغضب تكون غير إيجابية ويتعلم الطفل مع الوقت ألا ينصت لك.
كما أن رشوته تعلمه أيضا ألا يطيعك حتى يكون السعر ملائما، فعندما تقولين سوف أعطيك لعبة جديدة إذا نظفت غرفتك فسيطيعك من أجل اللعبة لا لكي يساعد أسرته أو يقوم بما عليه.
الصفحة 61
عندما يطيعك طفلك قبليه واحتضنيه أو امتدحي سلوكه نماز، جزاك الله خيرا عمل رائع وسوف يرغب في فعل ذلك ثانية. ويمكنك أيضا أن تحدي من السلوكيات السلبية عندما تقولين: يعجبني أنك تصرف كرجل كبير ولا تبكي كلما أردت شيئا.
بعض الآباء يستخدمون الهدايا العينية مثل نجمة لاصقة عندما يريدون تشجيع أبنائهم لأداء مهمة معينة مثل حفظ القرآن، ويقومون بوضع لوحة، وفي كل مرة ينجح فيها توضع له نجمة وبعد الحصول على خمس نجمات يمكن أن يختار الطفل لعبة تشترى له أو رحلة وهكذا.
إن وضع القواعد صعب بالنسبة لأي أم ولكن إذا وضعتي قواعد واضحة ومتناسقة وعاملتي طفلك باحترام وصبر، فستجدهن أنه كلما كبر أصبح أكثر تعاونا وأشد برا.
الثواب والعقاب
قراءة اجتماعية - تربوية
لا يقتصر موضوع الثواب والعقاب على البعد التربوي المباشر فقط بل يشمل هذا الموضوع بأبعاده وخلفياته الفكرية والفلسفية مجمل العلاقات بين الأفراد وبينهم وبين المؤسسات التي تنظم تلك العلاقات. لذا عرفت المجتمعات البسيطة منها والبدائية أشكالا متنوعة من الثواب والعقاب. وربما أمكن القول إن المجتمعات اهتمت بأشكال العقاب وتطبيقاته أكثر من اهتمامها بالثواب وأساليبه، لأن ما يشغل العالم قديما وحديثا، وما يشغل المربين هو كيفية ضبط السلوك ومنع الانحراف والحد منه وهذا ما جعله التشريعات الإلهية والقوانين الوضعية هدفا لنفسها في معظم ما أنتجته في مراحلها المختلفة وسبب هذا الاهتمام بالعقاب
الصفحة 62
بالدرجة الأولى، يرجع إلى أن ما قد يترتب على الطرق الفاشلة وتطبيقها في موضوع الثواب لا يشكل خطرا أو تهديدا للفرد أو للمجتمع، كما هو الحال على سبيل المثال في التطبيق الفاشل الموضوع العقاب.
بين التربية الحديثة والواقع المجتمعي:
الأمر الآخر الذي ينبغي الالتفات إليه هو أن الثواب والعقاب مهما كانت درجة شدتهما أو طريقة مارستهما، لا بد من اعتبارهما كجزء من إطار ثقافي واجتماعي وحضاري عام وليس هناك أية عملية تربوية خارج هذا الإطار من القيم ومن المفاهيم، ولا يكفي أن تعتبر الثواب والعقاب مجموعة أساليب أو تقنيات يمكن اللجوء إليها بطريقة أو بأخرى، أو أن تكتفي بربط الثواب والعقاب ونجاحه بملاءمته لمبدأ التدرج، بل يجب الانتقال إلى هذا الربط على المستوى المعرفي العام الذي يقع الثواب والعقاب في إطاره. وأنا ألاحظ بهذا الصدد أنا نعيش حالة من الناقض، ربما لا تلتفت إليها كثيرا، بين أمرين
الأول: هو ما تدعو إليه مفاهيم التربية الحديثة السائدة ومعها التطورات التي بلغتها العملية التربوية من اعتماد الأساليب التي تبتعد إلى أكبر قدر ممكن من استخدام العقاب بأشكاله كافة. وتباهى المدارس في مجتمعاتنا بأساليبها الحضارية والحديثة في التعامل مع طلابها، وتمنع أساتذتها من استخدام العنف في قاعات الدرس أو في الملاعب استنادا إلى النظريات الحديثة في احترام حرية الطفل وشخصيته ويخبر عدم اللجوء إلى القسوة أو إلى العنف مهما كانت درجته مقياسا للتفاضل بين هذه المؤسسة التعليمية أو تلك وللتمايز عن التربية التقليدية التي كانت تعتمد الضرب والقسوة كما تذكر لنا ذلك الكتب التربوية أو الكتب التاريخية.
الصفحة 63
الثاني: التناقض الذي نعيشه بين ما أشرنا إليه من رغبة عارمة في الابتعاد عن القسوة والعقاب وما نعيشه من حالة العنف المتفاقمة التي يقدمها لنا المجتمع يوميا عبر وسائل إعلامه المختلفة. وهذا يعني أن الدعوة إلى تجنب العنف والعقاب في العملية التربوية تصطدم تلقائيا، أرادت ذلك أم لا، بما يشاهده الطلاب والأساتذة والمربون على شاشات التلفزة من استخدام للسلاح ومن سفك الدماء ومن اعتداء مباشر، وإذا كانت مثل هذه المشاهدات تساعد على إخراج ما بداخلنا من عنف وتوثر عير ما تراه أمامنا، كما يذهب إلى ذلك بعض علماء النفسي، فإن مثل هذه المشاهدات تساعدنا في الوقت نفسه على تكوين عادة اللجوء إلى العنف واستخدامه وعلى الألفة بيتا وبينه.
إن التناقض هنا ينشأ من كيفية الجمع بين هذين الأمرين، أي بين الدعوات التربوية الحديثة إلى تجنب العنف وعدم اللجوء إليه في مارستا التربوية وبين شيوع العنف والترويج له في وسائل الإعلام المرئية، علما بأن هذه الوسائل تلعب أيضا دو را تربويا وتثقيفيا من خلال تأثيرها على جميع أفراد المجتمع وليس على قسم محدد كما هو الحال مع المدرسة على سبيل المثال.
إن المشكلة تنشأ من هذا التناقض، لأن التربية ومفاهيمها وأساليبها كما هو معلوم جزء من قيم المجتمع العامة، ولا يمكن أن نفصل ما يحصل داخل المدرسة عما يدور خارجها. ولا بد من الإشارة هنا إلى بعض المفاهيم الخاطئة التي تحاول دائما أن تفصل بين الأسرة وبين المجتمع من جهة، وبين المدرسة وبين المجتمع من جهة ثانية على أساس أن هناك مؤسسة اسمها الأسرة، وأخرى اسمها المدرسة وهناك شيء آخر اسمه المجتمع، إن مثل هذه المفاهيم التي تسحب بدورها على النظرة إلى توزيع الأدوار داخل الأسرة غير صحيحة لأنه لا يوجد شيء اسمه المجتمع بعيدا عن العناصر التي يتكون منها، وفي مقدمها الأسرة والمدرسة، بالإضافة
الصفحة 64
طبعا إلى العناصر الأخرى كوسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية والاجتماعية والسياسية وسواها.. إن ما يقوم به المرء داخل مؤسسة ما عائلية أو تعليمية أو سواها له علاقة بما يجري في المجتمع، وما تقوم به الأم في الأسرة أو المعلمة في المدرسة أو الموظف في أي مؤسسة ينطبق عليه هذا البعد الاجتماعي للفعل الإنساني أيا كان مصدره أو المكان الذي يحصل فيه.
إننا إذا أمام المشكلة التالية: هل نأخذ بأسباب العنف التي يحرضنا عليها المجتمع عبر ما يشه إلينا بطرائقه المختلفة؟ أم نترك ذلك إلى ما تفترضه التربية الحديثة من نبذ للعنف وللعقاب على أنواعه؟ دون أن ننسى أن العقاب مهما بلغت درجته، وحتى لو كان معنويا، هو شكل من أشكال ممارسة العنف على الآخر.
إن المشكلة تكمن في هذا التناقض الذي يحصل بين واقع ما يجري في المؤسسات التربوية على أنواعها من استخدام متنوع ومتفاوت للعقاب، وبين ما تدعيه هذه المؤسسات من اعتماد التربية الحديثة وما تعرضه عن مفاهيم هذه التربية في دوراتها التربوية للمعلمين والإداريين....
المشكلة الثانية في هذا الإطار تتجاوز مفاهيم التربية الحديثة التي تدعو إلى عدم اللجوء إلى العقاب إلى ما ينتشر في العالم اليوم من دعوات تشدد على التسامح وعلى التربية على اللاعنف وعلى حبة الآخر. وإذا كنا نعتبر أنفسنا جزء من العصر الذي نعيش فيه، أو على الأقل نحن نعيش هاجس الانتماء إلى هذا العصر، فكيف نوفق بين مثل هذه الدعوات إلى التربية على المحبة وعلى التسامح، وبين استخدامنا اليومي للعنف في المؤسسات التربوية وفي البيوت وفي العلاقات الفردية المباشرة بين المعلم والتلميذ؟ وكيف نوفق بين الرغبة في الانتماء إلى العصر الذي نعيش فيه وبين اللجوء إلى أساليب تربوية أو تعليمية لا يقرها هذا العمل ولا يدعو إليها؟
الصفحة 65
حاجة المجتمعات إلى العقاب:
إن ما تقدم من إطار نظري لا بد من الالتفات إليه قبل أن نبحث في التفاصيل المرتبطة بمبادئ الثواب والعقاب على المستوى التربوي، وهذا يعني أن علينا أن نربط بين ما نقوم به وبين الخلفية النظرية التي تحملها عن سلوكنا، لأن العقاب ليس مجرد تقنيات معينة يستطيع أي شخص أن يقوم بها، بل هو كما أشرنا جزء من تصوراتنا الفكرية ومن مفاهيمنا العامة وهو لا ينفصل أبدا عن هذه التصورات وعن هذه المفاهيم.
العقاب - إذا أردنا أن نبحث في ماهيته - نوعان مادي ومعنوي. وهذا الأخير يمكن أن يكون رمزيا أيضا، وللحقيقة ينبغي القول إن في كل عملية تعليمية ثمة ممارسة للعنف بما هو تعبير عن العقوبة على الطلاب. فالعنف هنا رمزيا وليس مادها كالضرب على سبيل المثال.
إن الطالب يتعرض يوميا لمنظومة متماسكة من الضغط والإكراه وهذا عقاب ودرجة من درجات العنف، وتمثل هذه المنظومة في طريقة الجلوس، وطريقة التدريس والالتزام بالانضباط والانصياع للأوامر، وفي منعه من التحدث، أو من تناول الماء حتى لصغار السن وفي التضييق على حركته في الملعب إلى إرغامه على حفظ الكثير ما لا يتناسب ودرجة إدراكه أو ما لا يفيده في حياته العملية أو حتى المستقبلية.
إن كل ذلك ينبغي الانتباه إليه وملاحظه مدى علاقته بالعقاب أو بالعنف الرمزي لكي نقرر بعد ذلك هل سنضيف عنها إلى هذا العنف، أم أننا سنقلل من أعبائه؟ كما أن بعض المؤسسات التي نشأت لتلبي حاجات استثنائية في المجتمع كدور رعاية الأيتام أو المسنين على سبيل المثال، وهي مؤسسات تحتاج إلى نظام خاص من
الصفحة 66
الانضباط يفرض على من يعيش فيها أن يستيقظ يوميا في ساعة معينة، وأن يتناول الطعام في ساعة أخرى، وأن يستمع إلى الأناشيد في وقت محدود وأن يركض أو يلعب أو ينام وفقا لبرنامج يومي صارم يصعب في مثل مؤسسات عائلة تبديله أو تعديله. وهو نظام يصادر أكثر من 70 إلى 80 بالمئة من حرية الطفل أو المسن.
إن الأمر يشبه في هذه الحالة مؤسسات الجيش التي يتقدم فيها النظام على أي اعتبارات أخرى لأن الطفل في المؤسسات التي أشرنا إليها لا يستطيع أن يقرر بنفسه متى يريد أن يأكل أو متى يريد أن ينام أو أن يدرس، أو حتى أن يختار أصدقاءه. ولا يمكن إيجاد البدائل في هذه المؤسسات لأن وجودها ونوع الطلاب الذين يلجأون إليها تفرض مثل هذا النظام الشامل الذي يصعب معه إيجاد الفرص المناسبة للحريات الفردية.
إن التعلم بدوره يحتاج إلى قدر معين من العنف نظرا لعلاقة السلطة التي تسود بين الطالب والمعلم، ولا يمكن أن يحصل التعلم بدون هذه العلاقة ولا تستطيع أي مؤسسة عمليا أن تقوم بوظيفتها التعليمية خارج هذه الضوابط التي تلتقي في مضمونها مع العنف الرمزي. وهذه الضوابط تشبه ما يحتاجه الجسم من كوليسترول إيجابي يحتاج إليه الجسم للنشاط والحيوية خلافا للعنصر السلبي الذي يهدد الشرايين والقلب وصحة الإنسان.
إن هذا النوع من الانضباط - على الرغم ما يحمله من عقاب معنوي أو عنف رمزي - تحتاج إليه المجتمعات قديما وحديثا، ولا يمكن لها أن تستقر بدونه، وعندما يتجاوز الأفراد هذه الضوابط التي تهدد ينبغي الانتقال إلى العقاب المادي الذي يهدف إلى الردع والتأديب وإلى إعادة الاستقرار والاطمئنان إلى الجماعة.
الصفحة 67
إن العقاب إذا انخفض عن المستوى الذي يخشاه الأفراد سوف يهدد المجتمعات بالفوضى لهذا السبب تعتبر الامتحانات وطريقة إجرائها وما يجري فيها تعبيرا من تعبيرات العنف أو العقاب الذي يمارس على الطلاب، ولكن - حتى اليوم لا بديل عن هذه الطريقة وإن اختلفت مستويات التشدد فيها أو طريقة إجرائها من مكان إلى آخر، إلا أن الامتحانات تبقى من الثوابت التي لم يتقدم أحد ببدائل جدية لها.
إن تثبيت النظام في المؤسسة أو في المجتمع يحتاج إلى ما يمكن أن نعتبره عقابا أو عنها بالمعنى الإيجابي للنتائج التي ستترتب عليه لأن من المستحيل أن تحافظ أي مؤسسة على نفسها، وأي مجتمع على استقراره وتوازنه دون قدر من استخدام العقاب أو العقوبات الملائمة للانحراف أو لتعديل السلوك أو لتنبيه الآخرين إلى ما سينجم عن تكرار مثل هذا الانحراف، فيكون العقاب عبرة ووسيلة للردع حتى لا يقع الآخرون في الأخطاء نفسها أكثر من مرة.
الاستخدام الحكيم للعقوبات:
ولا يغيب عن بالنا بأنه لا بد من اختلاف طرق العقاب وأساليبه وفقا للأهداف التي نرجوها منه، فإذا كان الهدف هو الردع الفردي، فلا مبرر في حالة عائلة العقاب المخطئ أمام جماعة الطلاب أو الرفاق، بينما يصح هذا الأمر عندما نريد أن ننقل التجربة إلى الجميع لكي يتعلموا منها ولا يقدموا على مثلها في المستقبل، إذن يجب أن لا تنفصل طريقة العقاب في أي لحظة عن الأهداف المرتبطة به.
ثمة مسألة أخرى لا بد من معالجتها في هذا الإطار، إذ كيف تمارس العقاب بدرجاته وأهدافه المختلفة دون أن ندمر في الوقت نفسه شخصية الطالب أو المعاقب؟ وأهمية التساؤل ومشروعيته تنبع من الحاجة المزدوجة إلى العقاب، وإلى احترام شخصية الولد علما بأن العقاب يحمل في طياته إساءة إلى الطرفين المعاقب
الصفحة 68
والمعاقب، إذ يتحول الأول إلى نموذج للقسوة والقوة يفقد معه دوره التربوي والرعائي، وإزاء هذه المعضلة عمدت بعض المدارس إلى الفصل بين دور المعلم وبين دور المؤدب وأوكلت المهمة الأخيرة إلى الناظر الذي بات على عاتقه مهمة المعاقبة والتأديب فيوفر المعلم بذلك على نفسه نشوء علاقة غير سليمة بينه وبين الطالب قد تنعكس سلبا في معظم الأحيان على اهتمام الطالب بالمادة التي يدرسها هذا الأستاذ ولم يعرف نظام التعليم التقليدي في مجتمعاتنا هذا الفصل بين التعليم وبين التأديب، فقد كان معلم الكتاب يحمل عصا في يده يهوي بها على من أساء الأدب، ومن لم يحفظ أبياتا من الشعر أو سورا من القرآن، كما كانت مفاهيم الأهل بدورهم جزءا من هذا المنظور للتعليم والتأديب.. حتى ترددت كثيرا في السير التي روت تاريخ التعليم والكتاتيب مقولة الأهل الشهيرة وهم يخاطبون معلم الكتاب بعد أن يسلموه ابنا لهم اللحم لك والعظم لنا، والقصد من هذه المقولة تأكيد حرية المعلم في العقاب بواسطة الضرب دون أن يصل الأمر إلى الإيذاء بتكسير العظم...
والمقصود من هذا الأمر إيضاح التلازم بين التعليم وبين التأديب والمعاقبة لأن عملية التعلم نفسها تحتاج إلى قدر من السيطرة والضبط بينما ينزع الإنسان خصوصا في سنوات طفولته ويفاعته إلى التمرد على النظام وما يفرضه من صرامة في الانضباط نظرا لحاجته إلى الحركة، ونظرا لارتباط نموه البدني بهذه الحركة.
جدوى العقاب وفاعليته:
ثمة نقاش آخر ومن زاوية مختلفة لموضوع العقاب يدور هذا النقاش حول فاعليته أو جدوى العقاب أمام الآخرين، وحول علاقة العقوبات وأنواعها بحقوق الإنسان. ويلجأ البعض إلى ذكر عقوبة الإعدام للتأكيد على السلبيات التي تحملها
الصفحة 69
تجاه الفرد نفسه، وتجاه الآخرين الذين يشاهدون مثل هذه العقوبة ((للرئيس صدام حسين ((عندما تم نقل وقائع عمليتي إعدام على ارتفاع أصوات الاحتجاج على هذه العقوبة، نظرا لما تركته من آثار سلبية على بعض الأطفال الذين حاولوا تقليد عملية الإعدام وتعرضوا بسبب ذلك لأذى شديد.
وتختلف الآراء بين قانون وآخر في المجتمعات الإنسانية حول سبل العقاب وفاعليته على هذين المستويين أي مستوى حقوق الفرد نفسه ومستوى التأثير المطلوب على الآخرين لجهة الردع والتخويف.
ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال تتم عملية الإعدام بواسطة الكرسي الكهربائي وليس بواسطة تعليق المشنقة، ذلك أنهم يعتبرون هذا النوع من الموت أكثر رحمة من المشنقة.
كما أن دولا أخرى لا تقر مبدأ الإعدام أصلا، وتستعيض عنه بالعقوبات المؤبدة، وليس ثمة رأي قاطع أو نهائي حول هذا الموضوع نظرا للتباين بين ما تراه التشريعات الدينية والقوانين الوضعية، وبين تجربة المجتمعات واختلاف ثقافاتها قديما وحديثا.
وقد أثير مثل هذا النقاش أيضا بعد مجزرة قانا الشهيرة التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان ضد المدنيين أثناء عدوانها العسكري الواسع في نيسان/ أبريل 1996، وقد ذهب ضحية هذه المجزرة مئات من الأطفال والنساء والرجال، نقلت شاشات التلفزة صورا لأشلائهم الممزقة وللجثث المحترقة ولأجساد انفصلت عنها رؤوسها.
وفي الوقت الذي رأى فيه البعض مثل هذه الصور فرصة للتحريض على العدو من خلال تسعير نار الحقد ضده نظرا للمجزرة البشعة التي ارتكبها، قال آخرون بأن
الصفحة 70
مثل هذه المشاهد قد تؤدي دورا سلبيا من خلال ما قد تسببه من إحباط أو خوف ما قد يفعله العدو بنا.
وفي هذه القضية أيضا ليس هناك رأي موحد، إذ ستبقى الآراء متوازية بين من يدعو إلى السماح للأولاد بمشاهدة هذا النوع من المشاهد المؤلمة لتربية الحقد على العدو في داخلهم وتعويدهم على رؤية الواقع كما هو، وبين من يرفض مثل ذلك حتى لا نشوه أفكار الأطفال وخيالاتهم وحتى لا نزرع الخوف أو الرعب في قلوبهم، وقد عمدت بعض الدول إلى حل لمثل هذا الخلاف، بالإعلان المسبق عن وجود مشاهد عنيفة أو قاسية في برنامج أو في تقرير تلفزيوني ما، بما يسمح لمن لا يرغب بمشاهدة هذا التقرير من الأطفال أو ذويهم بتجنب ذلك.
إن موضوع العقاب هو جزء من نظرة المجتمعات إلى الدور الملقى على عائق الإنسان وإلى الهدف من وجوده والعقاب أيضا جزء من ثقافة المجتمع وما وصلت إليه في احترام الإنسان، فالسجون على سبيل المثال هي أمكنة تم إيجادها منذ القدم الممارسة العقاب بسبب جرائم ارتكبها بعض الناس، أو أذى تسببوا به الآخرين، وفي هذه السجون نكتشف تلك النظرة وتلك الثقافة التي يحملها المجتمع في تقديره للشأن الإنساني، فثمة سجون يتم فيها تحطيم قدرات الإنسان المعنوية والجسدية والتعذيب فيها هو القاعدة، بينما تعتبر ظروف الحياة اليومية خارج أي تصور أو احتمال وبالمقابل ثمة سجون أخرى في بعض البلدان الغربية وفي الولايات المتحدة الأميركية يحصل السجين فيها على فرص متعددة للمطالعة والرياضة أو لتعلم مهنة ما ...
وقد روى بعض الشباب العرب من اضطرتهم ظروف الحياة إلى السفر أو الهجرة إلى أوروبا ولم يحصلوا فيها على عمل أو مسكن، أنهم كانوا يفتعلون في
الصفحة 71
بعض الأحيان مشاجرات تؤدي بهم إلى السجن كي يوفروا لأنفسهم مكانا مناسبا للنوم أو لتناول الطعام....
إن العقاب في العملية الإدارية كذلك لا ينفصل عن الأهداف التي أشرنا إليها، إذ من الطبيعي أن نطرح في هذه العملية أيضا الأسئلة نفسها حول ماذا نريد من العقاب هل نريد منه الردع الفردي للمخطئ وحده أم نريده عبرة للآخرين؟ وهل المقصود من العقاب تحطيم قدرات الطفل المعنوية، كما يحصل في كثير من الأحيان أم أن الهدف هو مجرد ترشيد السلوك بأقل قدر ممكن من الضرر المصاحب لذلك؟
لا شك أن للتدرج في العقاب أهمية كبرى في هذا الشأن، خصوصا من حيث تناسبه وحجم الخطأ، إلا أن ما لا ينبغي إهماله أيضا أن العقاب وطريقته وأهدافه جزء من مفهومنا الفلسفي والتربوي والذي تعمل مؤسستنا التربوية على هديه وهو في الوقت نفسه جزء من إطارنا الاجتماعي - الحضاري الذي ننتمي إليه مع مؤسستنا.
أما أبرز المعوقات التي تواجه تطبيقنا للعقاب والتي قد تحرفه عن أهدافه على الرغم من إدراكنا لها ومعرفتنا بها، فهي اللجوء إليه وفقا لحالاتنا الغضبية والانفعالية وليس انسجاما مع حجم الخطأ وضرورة معاقبته، إذ غالبا ما يحصل سواء في البيت أو في المدرسة إننا نعاقب الولد لا لأنه ارتكب خطأ يستحق ذلك بل مجرد عدم قدرتنا على التحمل، أو لأننا في حالة من التعب أو الانزعاج أو الإرهاق.
إن الخطورة في حالة عائلة وهي وللأسف حالة شائعة تكمن في اضطراب التمييز عند المعاقب بين نوع الخطأ وحجم العقاب. فعندما يتحول العقاب إلى رد فعل
الصفحة 72
ذاتي، يصعب على من يتلقاه أن يربط بينه وبين نوع الخطأ الذي ارتكبه. وهكذا يفقد العقاب هدفه ومبرر اللجوء إليه، والذي يتلخص في عدم تكرار الخطأ نفسه.
التدرج في العقاب:
ومن أجل ذلك تعمد المجتمعات إلى إبعاد القضاء عن التجاذبات السياسية لكي يحافظ على نزاهته واستقامته في الأحكام التي يصدرها بحق المذنبين أو بتبرئة المتهمين، كما أن القضاء نفسه يلحظ التدرج في موضوع العقاب، فهو على سبيل المثال قد يصدر أحكاما مخففة إذا كان المتهم مذنبا للمرة الأولى، وإذا كان الذنب لا يصل إلى حد الجرم أو القتل. بينما يتشدد الحكم عندما يكون المتهم كرر مرات عدة ما قام به حتى لو كانت أعماله مجرد جنح بسيطة.. لأن موضوع التدرج من أهم قواعد ومرتكزات العقاب ووصوله إلى أهدافه.
والتدرج سنة من سنن الحياة في النمو والتطور والتقدم وحتى في الشيخوخة والموت. ولهذا السبب لا ينبغي إغفاله أو إهماله. وعندما نزلت الأديان السماوية إلى البشر بدأت كما هو معلوم بتدرج واضح في الدعوة وفي تطبيق الأحكام وخصوصا في موضوعي الثواب والعقاب.
محاذير استخدام "الضرب":
وهنا لا بد من التوقف قليلا عند موضوع الضرب كأسلوب من أساليب العقاب يتم اللجوء إليه في أحيان كثيرة حتى دون الإقرار بذلك علنا، فمحاذير الضرب كثيرة، أخطرها أنه قد يحول الطالب في حال استخدامه بكثرة، إما إلى خاضع ذي شخصية مستلمة وضعيفة وإما إلى متمرد مشاكس لا يأبه بالنظام وبالقوانين. وكلما استغرقنا في استخدام الضرب بات بلا جدوى، لأن التلميذ يعتاد عليه، ولا يتوجس منه خيفة. وهذا سيضطرنا بلا شك إلى المزيد من جرعات الضرب التي
الصفحة 73
ستحول المربي أو الأستاذ إلى ما يشبه الجلاد والطالب إلى ضحية تنتظر تنفيذ العقاب بها ...
والضرب من ناحية ثانية يجب أن يبقى بعيدا عن متناول الأيدي، أي أننا في الوقت الذي تعترف فيه بالحاجة إلى اللجوء إليه نشترط ألا يتم ذلك إلا في حالات محددة ليبقى أكثر فاعلية وتأثيرا. كما تجب الإشارة إلى أن استخدام الضرب كعقاب حتى في حالات محددة ومقيدة، كما أشرنا، ينبغي أن يختفي تدريها كلما اقترب الولد من سن البلوغ، بحيث يختفي تماما مع وصوله إلى هذه السن، وهذه قاعدة عامة ينبغي اعتمادها إلا فيما ندر من استثناءات تم دراستها وفقا لكل حالة على حدة.
والخطورة الأخرى في شيوع استخدام الضرب.
الصفحة 74
الفصل الرابع: العقاب التربوي في المدرسة
التلاميذ يجهلون حقوقهم ولا يفصحون عن ضروب العقاب إلا في الحالات القصوى.
العنف التربوي لا يزال مقبولا ثقافيا وقانونيا رغم التحذير من ممارسته في المدرسة.
الحل في ملائمة التشريع الوطني مع الاتفاقات الدولية وتعزيز التربية الايجابية.
رغم أن العقاب الجسدي في المدارس لا يزال مسموحا به قانونا، لكن مارسته محضرة إداريا في المدارس الحكومية. بعض المدارس الحكومية أدخلت أنظمة مناهضة للعقوبات الجسدية في قوانينها، وبعضها الآخر يحتاج إلى القيام بهذه الخطوة. لكن تطالعنا بين الحين والآخر أخبار عن تعرض الأطفال الممارسات مهينة وعنيفة من مدرسيهم وأحيانا مدراءهم، حيث يتمادى بعض المدرسين في فنون الاهانات وممارسة العنف النفسي والجسدي.
لا يزال التعاطي مع مسألة العقاب الجسدي في المدرسة من دون الوعي المطلوب ونادرا ما تظهر إلى العلن حالات العنف إلا الشديدة الخطورة منها. لم لا يزال العقاب الجسدي ملازما للعملية التربوية في المدارس رغم حظر ممارسته؟ تعدد أسباب ذلك منها ما يعود إلى ذهنية سائدة أن الضرب يهذب الأولاد ويقوم سلوكهم، ومنها أيضا يعود إلى أن الطفل نفسه لا يعرف حقوقه جيدا.
العقاب الجسدي في المدارس لا يعد جريمة الفعل الذي يجيزه القانون. ويجيز القانون ضروب التأنيب التي ينزلها بالأولاد إباؤهم وأساتذتهم على نحو ما يبيحه العرف العام. من دون أن يحدد القانون ما هي الحدود التي يبيحها العرف العام وبما أنه قد حظر فيه على المديرين والمعلمين أنزال أي عقاب جسدي تلامذتهم، كما يحظر عليهم تأنيبهم بكلام مهين تأباه التربية والكرامة الشخصية هذا القرار جرى تعميمه على المدارس الرسمية كافة.
الصفحة 77
وتعتبر اتفاقية حقوق الطفل الميثاق الدولي الأول الذي يعالج صراحة حماية الأطفال من العنف. وقد وقع الأردن الاتفاقية وصادق عليها من دون أي تحفظات. وبحسب روحية الاتفاقية لا تتوقف حقوق الطفل على عتبة المدرسة أو المنزل بل يجب أن تكون الدولة مسؤولة مباشرة عن عنف الأهل أو الأساتذة وبالتالي يتعين عليها أن تؤمن إطارا قانونيا وإجراءات تربوية وإجراءات أخرى لمنع العنف عن الأطفال. وكانت لجنة حقوق الطفل، التي انتخبت دوليا المتابعة الاتفاقية، أبدت قلقها من أن العنف لا يزال يعتمد في الوطن العربي كوسيلة تربوية في المنزل والمدرسة وبالتالي ما زال مقبولا ثقافيا وقانونيا. وأوصت اللجنة بضرورة إطلاق الحملات في المدارس التعزيز أشكال التربية الايجابية وغير العنيفة كبديل عن العقاب الجسدي.
العنف عادة مترسخة
فقط بل في مرات كثيرة تترسح الكلمة المؤذية في ذاكرة المراهق وترافقه مدى الشعر كأننا في سجن كبير، لأنه لا يؤخذ في رأينا في المدرسة تعامل دائما كمذنبين في حال حصول نزاع مع الأساتذة الذين يعتبرون معصومين عن الخطأ هذان نموذجان من المشاكل التي يعانيها التلاميذ في المدرسة. وقد عبر التلاميذ بجرأة جارحة عن مشاكلهم المدرسية عندما عالجوا مشكلة العنف التربوي في إطار مشروع المواطنة. وقد شكا معظم التلاميذ من التربية السلطوية وغياب الحوار والديمقراطية في أساليب التعليم كما تبين أن استعمال العنف اللفظي والجسدي عادة لا تزال مترسخة في بعض المدارس. وقد عبرت مجموعة بصراحة عن ضرب التلاميذ من قبل المدير. ولفت البعض إلى مشكلة التمييز بين التلميذ المجتهد والكسول، بين الغني والفقير ويحسب الانماء السياسي والجنسية كما تم رفض أساليب العقوبات العشوائية والمكتفة. وأشار بعضهم إلى الأنظمة المدرسية غير العادلة...
الصفحة 78
لما يعرف ليش الكبار يضربونا؟؟ سؤال يطرحه عدد من الأطفال، ولا يقعون بالجواب. فمن المفترض أن القانون يحميهم، ويمنع ممارسة العنف تجاههم، علما أن التهديد والغضب والصراخ أشكال من العنف تماما كما الضرب والاعتداء الجسدي. في البداية استغرب على حدوث مثل هذه السلوكات، معتقدا أن زمان حدوث هذه الحالات قد ولى. لكن تبين أنها، مع الأسف الشديد لا تزال موجودة في عدد من المدارس الحكومية ويروي أنه حينما أعطي لتلاميذ إحدى المدارس، فرصة الحديث الصريح عما يعانونه وطرح مشاكلهم من بين عدد من الأفكار التي تشغلهم، ارتأوا أن يتناولوا موضوع العنف التربوي وتبرعوا أن يصيروا محامي دفاع عن الأطفال الذين لا قدرة لديهم على الدفاع عن أنفسهم اهانات وتمييز. سأل أحد التلاميذ ألا يستحق الأمر، الاهتمام من أجل إنقاذ أكثر من عشر سنين مدرسية من عمر كل طفل؟ أما زميله فتساءل: ألم تكونوا صغارا قبل أن تكبروا وتعرضتم لدرجات متفاوتة من التربية العنيفة؟ وأشار التلاميذ إلى أن هذه المشكلة لا يعانيها الصغار حياة النقاش فتح على مصراعيه عن طرق التربية. فشكا التلاميذ من الاهانات التي يوجهها لهم أهليهم وأساتذتهم أمام أصدقائهم، ومن الصراخ المستمر والتأنيب الدائم.
الضوء الاخضر للتأنيب
عبر التلاميذ عن آرائهم مستفيدين من مساحة الحرية المعطاة لهم ضمن مشروع المواطنة رغم وجود الأستاذ المرافق للمشروع. ولعل الموقف قد أخرج الأستاذ لكنه قبل التحدي معتبرا أن من واجبه أن يسيطر على زمام الأمور وان القانون يجب أن يطبق. وفي اعتقاده أنه من مصلحة التلاميذ أن يكون الأستاذ جنها أي قمعيا على أرض الواقع. وتحدث التلاميذ عن تجارب عاشرها أو سمعوا بها. العلاقات العنيفة لا تقتصر على الاهانات، بل تعداها إلى التمييز الصارخ والواضح
الصفحة 79
بين الشاطر والكسول بين الغني والفقير، وحتى بين الذي يحتج والداه على أهانه وآخر يعمد أهله خجلا أو استهتارا إلى إعطاء الضوء الأخضر للأساتذة في تربيته إذا شاغب أو قصر قدم التلاميذ في إطار مشروعهم اقتراحات عدة بديلة عن العنف الجسدي والنفسي، هي:
التشجيع على العقاب
أنواع العقاب التي تتراوح بين الركوع على اللوح الضرب بالمسطرة إرسال التلميذ عند المدير الوقوف خارج الصف الصراع التأنيب أمام الرفاق توجيه الاهانات شد الإذن الصفع على الوجه الصفع على الرقبة شد الشعر.....
أما موقف الأهل من العقاب فتيين أن معظم التلاميذ لا يخبرون أهلهم في حال معاقبتهم إلا إذا كان العقاب مؤذيا، إضافة إلى أن الحد الأقصى لردود فعل الأهل تجاه العقوبات المدرسية هو المجيء إلى المدرسة والاستفسار عن السبب. كذلك من اللافت أن نسبة كبيرة من الأهل تعطي المعلم الصلاحيات الكاملة لتأديب الولد.
الصفحة 80
تعديل القانون وتغيير الذهنية
هذه بعض العينات التي وثقتها أبحاث أو مشاريع أو دراسات ميدانية... وفي المقلب الآخر من هذا المشهد يبدأ التلميذ بالنفور من المادة التي يعلمها الأستاذ القاسي، ما يؤثر على تحصيله العلمي والأكاديمي. إضافة إلى ما تحدثه هذه الحوادث من تغييرات في شخصيات التلاميذ الذين ينقسمون إلى قسمين في ردود فعلهم. القسم الأول يخضع أو ربما يلجأ في البداية إلى تمثيل الخضوع خوفا من الضرب أو الاهانة وسرعان ما يتحول أنسانا بلا شخصية متوازنة أو قوية والقسم الآخر تكون ردة فعله عكسية، فيلجأ إلى الشغب وعدم إطاعة الأوامر مهما كانت، فلا يعود احد قادرا في النهاية أن يعيده إلى هدوئه.
والسؤال الذي يبنى مطروحا اليوم: كيف يمكن أن نصل إلى حماية التلاميذ من العقاب الجسدي في المدارس؟
العنف على الأطفال في المدارس:
نحو آلية لإلغاء العقاب المدرسي على المدى البعيد:
إصدار قانون ينطبق على المدارس الحكومية والخاصة على السواء بمنع بموجبه إنزال أي عقاب جسدي أو نفسي أو جنسي بالتلاميذ، ويحدد الإجراءات والتدابير والأصول المتبعة في كل من المدرسة الخاصة والحكومية لضمان حسن التنفيذ والمراقبة وتنظيم عملية التواصل مع وزارة التربية والأجهزة المعنية.
نحو آلية لإلغاء العقاب المدرسي على المدى القريب:
الصفحة 81
أ - تكوين مجلس:
تسمية هذا المجلس الهيئة الإرشادية أو مجلس الإرشاد بدل " مجلس النظام والتوجيه
ب - من حيث تكوينه:
أن يتكون هذا المجلس من:
ج - من حيث صلاحياته
الصفحة 82
د - من حيث أصول عمله
تفعيل قانون الانضباط المدرسي المقر من قبل وزارة التربية والتعليم وتبيان الإجراءات المتخذة فيما يخص العقاب المدرسي وتحديد العقوبات في حال المخالفة ورصد الانتهاكات الواقعة على التلامذة ومتابعتها مع الجهات المعنية كالمرشد التربوي ومجلس الانضباط المدرسي في كل مدرسة وتفعيل دور المديرية يحق المعلم والطالب المخالف.
فرض عقوبات على التلاميذ بالتدرج ابتداءا من التنبيه والتأنيب والإنذار الأول والنهائي والفصل المؤقت والنقل داخل المديرية والنقل خارج المديرية وحتى الفصل النهائي طبقا لقانون مجلس الانضباط المدرسي) تحديد مبدأ العقاب بصورة واضحة ).
المحور التربوي:
وضع خطة تربوية شاملة قوامها الثواب بدلا من العقاب تضمن:
بناء قدرات الأساتذة والمعلمين:
الصفحة 83
المناهج التربوية
مراجعة تقييميه للمناهج التربوية لناحية المضمون لجهة المقاربة الشاملة لحقوق الطفل وكيفية إدراجها في المقررات المدرسية وطرق التعليم المستخدمة وتماشيها مع مبدأ حق الطفل في المشاركة وإبداء الرأي (بيئة تعليمية صديقة للأطفال)
تدابير وآليات إدارية
وضع مقترح إداري تنظيمي قانوني حول الصيغة الأنسب والأشمل لإنشاء آليات للتشكي ورصد الانتهاكات الواقعة على الأطفال في المدارس الحكومية والخاصة (صندوق الشكاوى والاقتراحات، خط ساخن مثل عن الأطفال في مجلس الإرشاد الوسيط المدرسي....
وضع نموذج حول " مدونة سلوك " بين الأستاذ والإدارة المدرسية يتعهد بموجبها عدم الإخلال بالنظام الداخلي للمدرسة وتحديدا في ما يتعلق بالإساءة إلى التلميذ على أن تتضمن آليات المحاسبة (عبر تعميم حول ضرورة حصول كل أستاذ على نسخة من النظام الداخلي والتوقيع عليه (
تشجيع آليات مشاركة الأطفال في الحياة المدرسية وتأمين حضور أكبر للأهل في متابعة العملية التربوية.
الصفحة 84
محور التوعية وكسب التأييد:
2 )دورات تثقيف للأهل، الأطفال ، للعاملين المهنيين مع الأطفال حول حقوق الطفل.
3 ) الترويج الحياة السلامة في المدرسة :
4 ) وضع وتنفيذ ومتابعة خطة وطنية لكسب التأييد حول الإلغاء الكامل لكافة أشكال سوء معاملة الطفل.
العقاب الجسدي بداية الانحراف نحو الفشل
أنظر الصورة في الصفحة 85 ضمن النسخة الورقية بدف أعلاه
الصفحة 85
يرتبط صلاح الحياة الاجتماعية ارتباطا مباشرا بنظام العقوبة، فكل مؤسسة لا بد من أن يكون فيها نظام يحدد عقوبات المخالفين والمقصرين، ومن هنا سنت كل الأمم قوانين للعقوبات، وهذه العقوبات إما أن تكون جسدية وإما مالية وإما معنوية.
وبالرغم من الجدل الدائر حول مسألة العقوبة الجسدية في المدارس بمراحلها المختلفة، إلا أن التربويين يتفانون في أن استخدام أسلوب الضرب كأداة تربوية أمر يجر معه الكثير من السلبيات التي تؤثر على التلميذ داخل الفصل وخارجه، وتبقى لحظات الضرب المبرح التي يتعرض لها الطفل أثناء فترة الدراسة عالقة دائما بذهنه مهما تقدم به العمر ومهما كثرت عليه مشاغل الحياة وهمومها. وقد أدى أسلوب الضرب المبرح إلى تغير الكثير من الطلاب وخلق عندهم تذمرا واسعا، وأدى بالكثير من الطلاب إلى الهروب من المدرسة وعدم الإقبال على التعلم. كما أن صورة الضرب المبرح ومن يقوم به من المعلمين تبقى عالقة بالذهن مهما طالت السنون، ومهما مرت بالذاكرة من أحداث.
العقاب كيف ولماذا؟
الشيء المؤكد هو أن العقاب طريقة من طرائق الرقابة السلوكية، ومن أهم أساليبه أسلوب التعزيز الإيجابي الذي يستخدم كمثير لتعديل السلوك المتحرف، فكما أنا نكافاً على تحقيق النجاح في طفولتنا، فكذلك تتلقى العقاب مقابل فشلنا، والعقاب ذو مدى متدرج القسوة، يتراوح بين مجرد استخدام كلمة لا بنغمة معينة إلى التوبيخ الشديد أو استخدام الصفعة التي تعتبر من أقسى أنواع العقاب والعقاب كمعدل للسلوك يستخدم في المدارس كما يفعل المدرس عندما يعاقب التلميذ
الصفحة 86
بإخراجه من الفصل، أو يستخدم الضرب بالعصا) وهو أمر غير تربوي على الإطلاق (.
ويرى الدكتور الفن فروم اختصاصي العلاج النفسي أن ضرب الطفل سياسة انهزامية لأنه:
الضرب في أوروبا:
العقاب الجدي في المدارس ظاهرة لا تنفرد بها الدول العربية وحدها، بل يشكو منها تلاميذ أوروبا، وتنبه القائمون على التربية هنالك ومنذ زمن بعيد الخطورة العقاب الجسدي والآثار النفسية التي تترتب عليه، وكانت فرنسا هي السباقة في مجال سن القوانين التي تمنع ممارسة ذلك الأسلوب في مدارسها، وينص قانون ١٨٨٦م صراحة على منع العقاب الجسدي للطلاب وأباح العقاب الذي يكون في شكل حرمان جزئي من الفسحة، أو الوقوف في الفصل أو التوبيخ أو خصم الدرجات. وكانت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان قد أصدرت مؤخرا قرارا يقضي بمنع العقاب البدني في المدارس الأوروبية والاستعاضة عنه بأساليب تربوية أخرى.
وتنتهج المدارس المتقدمة أسلوب التشجيع المعنوي والمادي للطلاب المتفوقين والمنضبطين سلوكيا، ما يدفع زملاءهم للاهتداء بطريقهم ودرجت الكثير من المدارس إلى تعيين مشرف أو اختصاصي للنشاط المدرسي تناط به مهمة إدخال فلسفة تربوية تكسر حاجز الرقابة الأكاديمية وتضفي نوعا من المرح والتسلية، الشيء
الصفحة 87
الذي يقلل من أخطاء التلاميذ ويجعلهم أكثر انطلاقا واحتكاكا ببيتهم المدرسية وبالتالي يبعدهم عن ما يعرضهم للعقوبة أيا كان نوعها.
لمحات من عقاب طلاب العلم في التراث
تستعرض فيما يلي بعض النماذج والأراء حول فلسفة العقاب لدى بعض العربين القدامى
أولا: القابسي
يحث القابسي المربي على اللجوء قبل الضرب إلى (العزل والتقريع بالكلام الذي فيه التواعد من غير شتم ولا سب لعرض والقابسي أقر الضرب عقوبة ولكنه أحاط ذلك بعدة شروط ومن الشروط التي وضعها:
الصفحة 88
ثانيا: محمد بن سحنون
قال محمد بن سحنون في كتابه آداب المعلمين في الضرب: (ولا بأس أن يضربهم على منافعهم ولا يجاوز بالأدب ثلاثا إلا أن يأذن الأب في أكثر من ذلك إذا آذى أحدا، ويؤديهم على اللعب والبطالة، ولا يجاوز بالأدب عشرة. وأما على قراءة القرآن فلا يجاوز أدبه ثلاثا. قلت لم قلت عشرة في أكثر الأدب في غير القرآن وفي القرآن ثلاثة؟ فقال: لأن عشرة غاية الأرب وكذلك سمعت مالكا يقول: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يضرب أحدكم أكثر من عشرة أسواط إلا في حد".
الثالث: الغزالي
يرى الغزالي إعطاء الفرصة للتلميذ لكي يصلح خطأه بنفسه حتى يحترم نفسه ويشعر بالنتيجة، ويرى مدحه وتشجيعه إذا قام بأعمال حميدة تستحق المكافأة والمدح والتشجيع والغزالي يؤمن بالضرب للتلميذ في حالة الضرورة. وكذلك يرى ضرورة أن يعامل المربي كل طفل المعاملة التي تلائمه، وأن يبحث عن الباعث الذي أدى إلى الخطأ، وأن يفرق بين الصغير والكبير في التأديب والتهذيب. وكان الغزالي ضد الإسراع في معاقبة الطفل المخطئ، ويطالب بإعطائه فرصة ليصلح خطأه بنفسه. وينادي الغزالي بتشجيع الطفل إذا كان يستحق ذلك؛ لأن فيه إدخاله للسرور على النفس. حيث إن التوبيخ يؤدي إلى الحرمان والخوف وقلة الثقة بالنفس.
رابعا: ابن القيم
یشیر ابن القيم في كتابه الفروسية إلى أن شفقة المربي بتلاميذه لا تمنعه من تأديبهم إذا دعت الضرورة إلى ذلك، ويفسر ابن القيم التشديد على الابن بضربه على ترك الصلاة بعد بلوغه عشر سنوات لأنه ازداد قوة وعقلا واحتمالا للعبادات، ويضرب
الصفحة 89
على تركه الصلاة كما أمر به نبينا) وهذا ضرب تأديب وتمرين، وعند بلوغ العشر يتجدد له حال أخرى يقوى فيها تمييزه ومعرفته (.
خامسا: الإمام أحمد بن حليل
الإمام أحمد بن حنبل من أوسع الناس حلما وأكثرهم رحمة ورأفة أقر الضرب إن كان ثمة فائدة مرجوة من ورائه، فقد سئل رحمه الله عن ضرب الصبيان فقال): على قدر ذنوبهم ويتوقى بجهده الضرب وإن كان صغيرا لا يعقل لا يضربه (..
الصفحة 90
الفصل الخامس: الضرب في المدارس
مليئة هي المكتبات بدراسات العقاب بين النظرية والممارسة ومليئة بدورها الدراسات بأفكار لو مر عليها المعلمون والآباء ومسؤولو التعليم لكفى الله المتناظرين حرب الأسئلة في البدء ومن رياض الأطفال توصى قماشه بنت محمد الشويعر في دراستها (ممارسة العقاب في مؤسسات رياض الأطفال الحكومية والأهلية) دراسة ميدانية في مدينة الرياض أعدتها عام 1413هـ / 1992م بقنين وتنظيم ممارسة العقاب في هذه الرياض بمجموعة وسائل أهمها:
الصفحة 93
الخليج، ومقارنة لعلاقة الظروف الاجتماعية والنفسية لمعلمات رياض الأطفال وممارستهن للعقاب البدني.
وبالانتقال إلى مرحلة تعليمية أخرى وباحث آخر هو هذال ليل البركة الذي أعد بحثا بعنوان (اتجاهات المعلمين في المرحلة الابتدائية بمدينة الرياض نحو استخدام العقاب البدني) - ضمن دراساته العليا في التربية - نطالع اقتراحات وتوصيات أخرى، تضمن الأولى منها أن المنع المطلق للعقاب البدني له آثار كثيرة على العملية التعليمية.
فالفوضى وعدم تقدير الآخرين والسلوك غير السوي داخل المدرسة تحتاج إلى وسيلة إيقاف والعقاب أحد هذه الوسائل، لذا يجب السماح بالعقاب البدني وفق ضوابط محددة.
كما يقترح الباحث أن يكون للمرشد الطلابي دور في محاولة تفهم مشكلات الطلاب وأسبابها ومحاولة التغلب عليها مع إيقاع العقاب على الطلاب الذين لا يجدي معهم هذا الأسلوب، إضافة إلى مقترحات حول تصميم وتنفيذ المدارس وتوزيعات الطلبة داخل الفصول، وتوزيع المراحل الدراسية على المباني التي يعتقد أن تجميعها في مكان واحد يؤدي إلى العديد من المشكلات.
ويوصي البركة في دراسته بخمس توصيات تشمل:
1) إجراء دراسات لمعرفة اتجاهات المعلمين ومديري المدارس والمشرفين التربويين وعلماء النفس وأولياء الأمور نحو استخدام العقاب البدني في المدارس وتحديد بعض السلوكيات غير المرغوب فيها.
2) إجراء دراسة يتم فيها استخدام العقاب البدني لمعرفة هل يعدل العقاب هذا السلوك
3) إجراء دراسة على الطلاب المعرفة ما إذا كان العقاب البدني يزيد التحصيل الدراسي أم لا.
الصفحة 94
4) محاولة معرفة أساليب العقاب الأجدر بالتطبيق.
5) إضافة إلى دراسة المعرفة أثر نقص عدد الطلاب في الفصل وتخفيف العبه الدراسي على إنتاجية المعلم وعلى التحصيل الدراسي للطلاب.
وفي مجلة «الهداية» البحرينية يتناول د حسين سليمان قورة مبدأ الثواب والعقاب واستخدامهما التربوي الحكيم لدى الإسلام والمسلمين حيث يقول قورة: إن تحليل النصوص من الكتاب والسنة وآثار فلاسفة المسلمين ومربيهم ليضع أمامنا باختصار الأسس القويمة التالية فيما يختص بالثواب والعقاب، وهو ما نادت به التربية السليمة وعضده التربويون المتخصصون:
الصفحة 95
وجدنا بين أيدينا دراسة تحليلية لخبرات العقاب المدرسي لدى عينة من طالبات جامعة قطر استهدفت الإجابة عن الكثير من التساؤلات. تقول د. صادق في الدراسة إن لاستخدام العقاب أعراضا جانبية يمكن التقليل من احتمال ظهورها بإتباع ما يلي:
كما خلصت إلى أن أكثر الأساليب المستخدمة في العقاب هي الضرب بالعصا أو المسطرة وأن أكثر الأفراد استخداما للعقاب معلمات الرياضيات، ثم معلمات العلوم الشرعية ثم المديرة ثم معلمات اللغة العربية. فائق ومذيق العقاب لو استمر الحال بنا بين فصول الدراسات والأبحاث قلن نقف إلا على أعتاب حصنا الأخيرة ولأن الملمح النظري مهم كان لابد من التحريج عليه ولكن يبقى الميدان الحاضر وأطراف القضية أنفسهم محكتنا الرئيس في الاطلاع على تفاصيل قضية الضرب في المدارس، كجزء من العقاب التربوي وكيف هي رؤية المعلمين من جهة والطلبة
الصفحة 96
من الجهة المقابلة للقضية من خلال تجربتهم المعاشة، وواقعهم الذي لا ندري كيف نصفه الآن بعد أن عرفنا الكثير والكثير من خلال أرقام مسحنا الميداني الذي ضم اسباتين، الأولى أجاب عليها 106 معلمين من مختلف المراحل التعليمية في مناطق مختلفة من المملكة والثانية خصصناها للطلبة وبأسئلة مغايرة نوعا ما، وأجاب عليها 134 طالبا آثرنا أن يكونوا من المرحلتين المتوسطة والثانوية حتى يمكن الاعتماد على فهمهم للأسئلة ومصداقية الإجابة. النتائج مثيرة أم غيرة أم تراها مؤلمة؟ تطاول الطلبة كان السؤال الأول للمعلمين عن أنجع طرائق العقاب التي يعتقدها من خلال تعامله اليومي مع الطلاب فكانت العصا أولا، حيث أجاب المعلمين أن الضرب هو أنجع طرائق عقاب الطلاب تلاه خصم الدرجات بنسبة 23% ومعلوم أن الخصم المقصود هنا سيكون من درجات أعمال السنة ومازال لأولياء الأمور بعض الحضور حيث يعتقد 18% من المعلمين أن استدعاء ولى الأمر هو من أنجح طرائق العقاب المستخدمة في المدارس، ثم يأتي الطرد من الفصل الذي اختاره 11% من الطلاب فيما يؤمن بأثر التشهير بالطالب داخل المدرسة تحو 9% منهم أما البقية ونسبتهم 12% فقد اختاروا وسائل عقاب أخرى من أبرزها إفهام الطالب خطأه أمام زملائه والتوبيخ الشفهي.
وفي النقطة الحساسة لهذه القضية كان سؤال الاستبانة الثاني الذي يسأل عن قرار منع الضرب في المدارس وهل أدى إلى تطاول بعض الطلاب الإجابة مثيرة للقلق؛ لأن 84% من المعلمين يوافقون على أن قرار المنع أدى إلى تطاول بعض الطلاب بعدما أمنوا العقوبة وهؤلاء ربما كانوا من النوع الذي لا يهتم كثيرا بالدرجات، أو لعلهم أيقنوا استحالة الخصم من درجات السلوك والمواظبة.
والملاحظة المهمة هنا أن الموافقين على هذا الرأي جميعهم اختاروا الضرب في السؤال السابق كأنجح الطرائق لعقاب الطلبة. ويأتي السؤال الثالث مكملا لهذا
الصفحة 97
المحور، حيث يستفسر عن رأي المعلمين بضرورة السماح بالضرب المراحل دراسية معينة دون غيرها، وهنا تبدأ انقسامات واضحة للعينة رغم غلبة الفئة الأولى التي شكلت 60% من المعلمين، والتي ترى بضرورة هذا السماح
الطالب الخجول إلى أين؟
بعد وقت قصير من بداية العام الدراسي يكون المعلم والمعلمة قد تعرفا على طلابهما (الجريء - المحاور - المشاغب الهادئ المجتهد - الحجول - المنظم اللامبالي).
وما يهمنا هنا هو الطالب الحجول فهو عادة يتصف بالانطواء والتوتر السريع وفقدان الثقة في النفس والاستغراق في أحلام اليقظة فنجده لا يشارك مع المعلم في الفصل، لا يستفسر عن نقطة لم يفهمها في شرح المعلم ولكنه يؤدي واجباته بدون تقصير ليس حبا في العلم والمدرسة ولكن خوفا من المواجهة مع المعلم أو خوفا من أن يوبخه المعلم أو يناقشه أمام زملائه عن أسباب عدم حله للواجب.
الطالب الحجول دائما ما يتعد عن الانخراط والتفاعل مع أقرانه أو في الحياة العامة لإحساسه أنه غير مقبول من أقرانه أو لخوفه من أن يكون عرضة للنكتة والطرقة من قبلهم فالطلاب هم بمثابة أبنائنا وأمانة في أعناقنا وهم جيل المستقبل فعلينا ملاحظة هذه الفئة من الطلاب التي اتليت بعقدة الحجل ومحاولة علاجها ومساعدتهم قدر الإمكان وإلا سيتحول الأمر إلى انفصام في الشخصية وفي رأيي أن من الأسباب التي أدت بالطالب إلى الخجل والحياء هي:
الصفحة 98
وينظر إلى بعض الأطفال على أنه فوضوي.. مندفع .. عدواني .. شقي .. غير مبال. وهذا ما يجعله موضع شكوى من المعلمين والوالدين، دون أن يعلموا أن هذا الطفل يعاني من النشاط الحركي الزائد، ولا يستطيع معه أن يسيطر على سلوكه واندفاعه وعدم انتباهه، ولا يمكن أن يبقى هانا في مكانه، بل يرغب وبشدة في أن يمارس نشاط الجري والقفز باستمرار وفي أي مكان المنزل، المدرسة الشارع. دون هدف محدد وهذا يسبب قلقا للآخرين عن يتعاملون معه. ويكون هذا الاضطراب مصحوبا بضعف التركيز مع التشتت الذهني ما يؤثر بالتالي على مستوى تحصيله الدراسي وعلاقاته الاجتماعية بالرغم من ذكائه مع التنبيه هنا إلى أن بعض الأطفال قد يصابون بنقص الانتباه والتشتت فقط دون النشاط الحركي الزائد. كما أن ما يظهر على بعض الأطفال من النشاط الحركي المقبول غير المصحوب بنقص الانتباه والتشتت لا يعد اضطرابا.
إن اضطراب النشاط الحركي الزائد تعرض له نسبة غير ضئيلة من الأطفال. ومن الضروري العناية بهم وعلاجهم. وفي السطور القادمة سوف نلقي الضوء على ذلك الاضطراب من خلال تعريفه وذكر أسبابه وطريقة معالجته وكيفية التعامل مع من يعانون منه من الأطفال بأساليب إرشادية مناسبة.
الصفحة 99
التعريف:
يعرف النشاط الحركي الزائد بأنه حركات جسمية تفوق الحد الطبيعي المعقول. ويعرف بأنه سلوك اندفاعي مفرط وغير ملائم للموقف وليس له هدف مباشر، وينمو بشكل غير ملائم لعمر الطفل ويؤثر سلبا على سلوكه وتحصيله ويزداد عند الذكور أكثر منه عند الإناث.
وكثيرا ما يؤدي النضج والعلاج إلى الناقص في النشاط خلال سنوات المراهقة إلا أن اضطراب النشاط الحركي الزائد وضعف القدرة على التركيز قد يستمر خلال سنوات الرشد عند بعض الأشخاص والذين يمكن تقديم المعالجة لهم أيضا.
الأعراض الظاهرة على الطفل ذي النشاط الحركي الزائد:
(1الشرود الذهني وضعف التركيز على الأشياء التي تهمه وعدم الاستجابة للمثيرات الطارئة بسهولة.
(2كثرة التململ والتذمر والنسيان.
(3عدواني في حركاته، وسريع الانفعال ومشهور ، ومندفع دون هدف محدد.
(4 سرعة التحول من نشاط إلى نشاط آخر وكأنه عمرك يعمل دون توقف.
(5 عدم الالتزام بأداء المهمة التي بين يديه حتى إنهائها. وإذا مثل أجاب قبل انهاء السؤال دون تفكير. ويتكلم بشكل مفرط.
(6 لا يستطيع أن يبقى ساكنا حيث يحرك يديه وقدميه، ويتلوى باستمرار ويضايق تلاميذ الصف، مع إشغاله بأمور سطحية أثناء الدرس.
(7تأخر النمو اللغوي.
(8 الشعور بالإحباط لأتفه الأسباب مع تدني مستوى الثقة بالنفس.
(9 اضطراب العلاقة مع الآخرين حيث يقاطعهم، ويتدخل في شؤنهم ويزعجهم بشكل متكرر.
(10 عدم القدرة على التعبير عن الرأي الشخصي بوضوح.
الصفحة 100
(10 يثار بالضحك أو البكاء العنيف لأتفه الأسباب.
أسباب الاضطراب:
أ- العوامل البيولوجية:
إن للوراثة دورا كبيرا في حدوث مثل هذا الاضطراب حيث قد يتوارثه أفراد العائلة وهناك سبب آخر وهو نقص بعض الموصلات الكيميائية العصبية بالمخ ما يتسبب في اضطراب النشاط الحركي الزائد. علما بأن هذا النقص يتلاشى بالعلاج الدوائي.
كما أن نقص نضج المح نفسه يؤدي إلى انخفاض في النشاط المخي خصوصا في الأمامي من المح. وقد يكون من المسببات البيولوجية حدوث تلف بالمح نتيجة لتعرض الدم لمواد ضارة أثناء الحمل مثل التدخين أو تعاطي بعض الأدوية وأحيانا نتيجة للولادة قبل الأوان أو لعسر الولادة، ما ينتج عنه تلف لبعض خلايا المع بسبب نقص الأوكسجين.
ب- العوامل الاجتماعية والنفسية:
عدم استقرار الأسرة حيث تعرض بعض الأسر الاضطرابات اجتماعية ونفسية واقتصادية تخل بالعلاقات بين أفرادها وتؤثر عليها ويكون الأطفال أكثر عرضة لنتائج هذا الاضطراب.
سوء الظروف البيئية مثل التلوث بالسموم والمعادن كالرصاص الذي يؤدي إلى زيادة الحركة عند الأطفال. انتقال الطفل إلى بيئة جديدة كبيئة المدرسة دون تمهيد وتهيئه نفسية ما قد يسبب اضطراب نقص الانتباه لذلك الطفل.
وحيث أن اضطراب النشاط الحركي الزائد يصحبه تشتت ونقص انتباه (كعرض ملازم) فيمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
الصفحة 101
تعريف نقص الانتباه وضعف التركيز:
هو ضعف قدرة الطفل على التركيز في شيء محدد خاصة أثناء عملية التعلم. وقد يأتي هذا الاضطراب مفردا، وقد يصحب بالنشاط الحركي الزائد والاندفاعية غير الموجهة.
العلاج:
تطلب معالجة الأطفال المصابين بهذا الاضطراب التعاون بين كل من الطبيب والوالدين والمعلم والمرشد الطلابي، وذلك بتوظيف وسائل العلاج المختلفة الآتية:
أولا: العلاج الطبي (الدواني):
ويتم ذلك في العيادة الطبية حيث يفحص الطفل من قبل طبيب الأطفال أولا للتأكد من سلامته السمعية وخلوه من الأمراض معدية أو غيرها ومن ثم يحال إلى الطبيب النفسي أو طبيب الأمراض العصبية وهو بدوره يحصل على أكبر قدر مكن من المعلومات عن طريق الوالدين والمدرسين والمرشد الطلابي ومن كل من له علاقة مباشرة في التعامل مع الطفل. وبعد التشخيص يمكن أن يصف له عقار (الريتالين) ولا يستخدم إلا تحت إشراف الطبيب المختص.
الصفحة 102
ثانيا: العلاج السلوكي:
أ - التدعيم الإيجابي:
يتم ذلك من خلال تقديم معززات مادية ومعنوية لسلوك الطفل الإيجابي. وذلك من خلال معززات رمزية مثل النجوم حال وقع السلوك المرغوب ومن ثم يتم استبدال هذه المعززات الرمزية بمعززات عينية مثل النقود والهدايا.
ب- العلاج السلوكي المعرفي:
ويسعى هذا النوع من العلاج إلى التعامل مع خلل سلوكي محدد مثل الاندفاعية أو خلل معرفي مثل التشتت الذهني فيتم تدريب الطفل على تخطي هذه المشكلات إن أهم المشكلات التي تواجه الطفل المصاب بهذا الاضطراب هو نقص القدرة على السيطرة على المثيرات الخارجية، ولذلك يحتاج هذا الطفل إلى برنامج متكامل وفق الآتي:
المرحلة الأولى: تضمن تأمين وتهيئة بيئة اجتماعية تقل بها المثيرات الخارجية وخاصة خلال الجلسة التعليمة أو أداء الواجبات المنزلية.
المرحلة الثانية: تطبيق أساليب وفتيات العلاج السلوكي مثل التدعيم الإيجابي والسلبي والعزل، حيث أن هذا الطفل يحتاج إلى معززات خارجية أكثر من غيره من الأطفال.
المرحلة الثالثة: تدريب الطفل على عملية الضبط والتنظيم الذاتي لسلوكه، حيث أن هناك مجموعة من الفنيات العلاجية لسلوك الطفل غير المرغوب فيه داخل الأسرة أو في المدرسة، ولكن بتضافر جهود الجميع يصبح العلاج فعالا. العلاج السلوكي المعرفي المناسبة لهذا الطفل ما يلي:
(1 أسلوب التدريب على حل المشكلة في الموقف الجماعي.
(2 أسلوب لعب الأدوار التدريب الطفل على بعض المهارات الاجتماعية.
(3 أسلوب الضبط الذاتي للسلوك.
الصفحة 103
(4 أسلوب المطابقة ويتم تدريب الطفل على فكرة مطابقة ما يقوله مع ما يفعله.
ويرغم أهمية ما ذكر إلا إنه ينبغي أن يكون مصحوبا بالعلاج الدوائي الذي لابد منه وفق وصفة الطبيب المختص، حيث يعمل العلاج الطبي على مساعدة الطفل على توجيه الانتباه والتركيز والتقليل من التشتت الذهني وبالتالي ينخفض النشاط الزائد إلى الحد المقبول.
ثالثا: التوجيه والإرشاد النفسي والتربوي:
توجيهات عامة للمرشدين والآباء والمعلمين:
الصفحة 104
لكن بتضافر الجهود بين المدرسة والمنزل يمكن الأخذ بيد الطفل إلى بر الأمان بإذن الله.
من الأهمية ألا تزيد فترة الاستذكار عن عشرين دقيقة في بداية الأمر، ثم يمكن زيادتها تدريجيا بعد فترة، مع أهمية تهيئة الطفل لذلك مسبقا.
من الأفضل تجنب التشويش والمقاطعة أثناء الاستذكار مع أهمية الهدوء التام في المنزل لزيادة التركيز ولسرعة الانجاز مع الحرص على الهدوء قبل موعد النوم بمدة كافية.
الصفحة 105
تقسيم المهارات المطلوبة والواجبات إلى وحدات أصغر لإنجازها وفق جدول منظم تذكير الطفل بالعودة إلى عمله الذي يقوم به في المدرسة أو في المنزل.
مع أهمية تطبيق نظام ثابت من المتوقع أن يستطيع الطفل تطبيقه بدقة، مع ضرورة التعزيز الفوري، وأن ينفذ وفق خطوات سهلة وواضحة وقليلة.
التأكيد على المراقبة المستمرة لسلوك الطفل بشكل عام، ووضعه على إحدى المقاعد الأمامية بالفصل، لأن ذلك يساعد على ضبطه بدرجة أكبر.
الصفحة 106
الفصل السادس: السلوك الفوضوي داخل الفصل الدراسي
يشير السلوك الفوضوي إلى مجموعة من الاستجابات التي تشترك في كونها تسبب اضطرابًا في مجريات الأمور أو تحول دون تأدية شخص آخر لوظائفه بشكل أو بآخر.
تعريف السلوك الفوضوي الصفي:
هو الاستجابات التي تؤثر سلبًا على العملية التعليمية والتعلمية.
تعريف الانضباط الصفي:
يقصد بالانضباط الصفي عملية قبول التلاميذ لما تصدره المدرسة من تعليمات وتوجيهات لهم بهدف تسهيل قيامهم بما يوكل إليهم من مهام وأعمال.
تعريف الطالب الفوضوي:
هو الطالب الذي يوصف بأنه كثير العناد والفوضى محاولًا جذب انتباه التلاميذ إليه، وهو عنهم الدافعية، وغالبًا ما يتحدى سلطة مدرسه ويسبب له توترًا في الأعصاب وخيبة أمل وشعورًا بالفشل.
الصفات التي يمتاز بها الطالب الفوضوي:
1. كثير الانفعال.
2. الاعتداء على المدرسين.
3. الاستهزاء.
4. إثارة الفوضى دائمًا.
5. الإجابة بغضاضة.
6. التعامل بعنف مع زملائه.
7. الانحراف في السلوك.
8. التغيب وعدم الانتظام.
الصفحة 109
9. القيام بأعمال تخريبية داخل الفصل
أثر السلوك الفوضوي على المعلم وزملائه:
1. توقيف المدرس عن أداء عمله وحرمان بقية التلاميذ من الاستفادة من الدرس.
2. يقلل الطالب الفوضوي المساعي المدرس وقدرته على إنجاز مهامه كمدرس.
3. عندما يحاول المدرس التصدي لهذه المؤثرات السلبية يومًا بعد يوم، فسيسبب له ذلك شعورًا بالفشل وخيبة الأمل والإرهاق، وأخيرًا الشعور بالنقص.
العوامل التي تزيد من السلوك الفوضوي داخل الفصل:
أولًا: العوامل التي تتعلق بالمدرسة:
أ - الإمكانيات المدرسية.
ب- إدارة المدرسة.
ت- حجم المدرسة وعدد الصفوف فيها.
ث- سعة الحجرة الصفية.
ج- موقع المدرسة.
ح- الجو السيكولوجي الذي يسود في المدرسة.
ثانيًا: العوامل التي تتعلق بالتلميذ (الظروف النفسية للتلميذ):
أ - جنس التلميذ.
ب- مستوى تحصيل التلميذ.
ت- شخصية التلميذ.
ث- خصائص التلميذ.
ج- سلوك التلميذ.
الصفحة 110
ثالثًا: العوامل التي تتعلق بالمعلم:
أ - جنس المعلم.
ب- خصائص المعلم الشخصية والإدارية.
ت- تأهيل المعلم الأكاديمي والمسلكي.
ث- اتجاهات المعلم نحو التدريس.
ج- اتجاهات المعلم ونظرته نحو الطالب.
أسباب السلوك الفوضوي داخل الفصل:
1. الملل والضجر: يصاب التلميذ بالملل والضجر عندما يشعر بالرتابة والجمود في الأنشطة الصيفية. يمكن للمعلم اتخاذ الإجراءات التالية للتخفيف من هذه ظاهرة:
أ - على المعلم أن يثير تفكير التلاميذ وأن يعرض عليهم أنشطة تتحدى تفكيرهم بمستوى مقبول.
ب - على المعلم أن يحدد توقعاته بنجاح تلاميذه ويثير جوا من التشويق في الصف.
ج - على المعلم أن يجدد استعداد تلاميذه ويراعيها فيما يقدمه من أنشطة ومواد تدريسية.
2. الإحباط والتوتر: هناك عدة أسباب تدعو لشعور التلاميذ بالإحباط والتوتر في التعلم الصفي، تحولهم من تلاميذ منظمين إلى تلاميذ فوضويين ومخلين بالنظام الصفي، ومن هذه الأسباب:
أ - طلب المعلم من التلاميذ أن يسلكوا بشكل طبيعي دون تحديد أهم معايير السلوك الطبيعي.
ب - زيادة التعلم الفردي الصعب على بعض التلاميذ.
الصفحة 111
ج - سرعة المعلم في إعطائهم المواد التعليمية دون إعطائهم فترات الراحة بين النشاط والنشاط الاخر.
د- رتابة النشاطات التعليمية وقلة حيويتها وصعوبتها وعدم ارتباطها بحاجات وواقع التلاميذ.
3. ميل التلاميذ إلى جذب الانتباه:
أن التلاميذ الذين لا يستطيعون النجاح في الدراسة يعملون نحو جذب انتباه المعلم والتلاميذ الاخرين عن طريق قيامهم بسلوكيات سيئة ومزعجة أو قيامهم بسلوكيات عدوانية ويمكن معالجة ذلك بالإجراءات التالية:
أ- أن يكون المعلم عادلا في توزيع الانتباه العادل بين التلاميذ حتى يستطيع إرضاء تلاميذه.
ب- إثارة التناقش بين التلميذ ونفسه.
ج- مراعاة المعلم لتحسين تلاميذه دراسيا وذلك بتحديد السلوكيات المرغوبة لدى التلميذ و أن يقوم بتشجيعها و جعلها بناءة.
المصادر المتسببة لمشكلات السلوك الفوضوي:
هناك عدة مشكلات تسبب السلوك الفوضوي وسوف نتكلم عن كل مشكلة عن حده: -
أولا: المشكلات التي تنجم عن سلوكيات المعلم:
يؤثر سلوك المعلم بصورة واضحة في تحديد ما يقوم به التلميذ من سلوكيات وانضباطية سواء داخل الفصل أو خارجها. بالمعلم الجيد والناجح هو المربي ذو التدريب والكفاءة الجيدة والديمقراطي المتسامح ويتسم سلوكه بالعدل والرقة والاتزان.
ويكون هذا المعلم محبوبا مما يجعل العملية التربوية ذات طبيعة تفاعلية مع المتعلم.
الصفحة 112
فان إصرار المعلم على صف يسوده الهدوء التام وعدم النشاط يؤدي الى كبت دوافع العمل والنشاط عند التلاميذ مما يدفعهم إلى محاولة البحث عن مخارج أخرى لطاقاتهم المكبوتة فيلجئون إلى إحداث الفوضى في الفصل الدراسي. فإن إصرار المعلم على صف يسوده الهدوء التام وعدم النشاط يؤدي إلى كبت مواقع العمل والنشاط عند التلاميذ، ما يدفعهم إلى محاولة البحث عن مخارج أخرى لطاقاتهم المكبوتة، فيلجأون إلى إحداث الفوضى في الفصل الدراسي.
وقد أورد قطامي (2002) مجموعة من سلوكيات المعلم داخل غرفة الصف والتي تؤثر بشكل فعال على سلوكيات التلاميذ، ومن هذه السلوكيات:
ثانيًا: مشكلات تنجم عن الجو العائلي للتلميذ:
يتقمص الأبناء اتجاهات والديهم نحو المدرسة، فالأهل الذين يحترمون المدرسة ويقدرونها وجهود المعلمين إنما يشجعون تبني اتجاهات إيجابية نحو المدرسة وأنظمتها لدى أولادهم. وعلى العكس من ذلك، الأهل الذين يقللون من أهمية المعلم والتعليم.
ثالثًا: مشكلات متعلقة بالتلميذ نفسه:
أ- مستوى القدرة العقلية: هناك اختلافات واسعة المدى بين التلاميذ في القدرة العقلية، قد لا تناسبها نوعية المادة التعليمية التي يقدمها المعلم. فإذا كان مستوى المادة التعليمية منخفضًا أدى ذلك إلى سأم المتفوقين وضجرهم، وإذا كان مرتفعًا أدى إلى
الصفحة 113
شرود ذهن التلميذ المنخفض الذكاء. ولهذا يكون ذلك مبررًا قويًا ودافعًا حاسمًا للتلاميذ في إحداث فوضى تؤدي إلى عدم الانضباط. كما أن التلميذ ذي القدرة العقلية المرتفعة أكثر انتباهًا وصبرًا ومثابرة في إنجاز مهمات التعليم، أما التلميذ ذو القدرة العقلية المتدنية فهو أقل انتباهًا ومثابرة في مواقف التعلم الصفي.
ب- العوامل الصحية: تؤثر العوامل الصحية في سلوك التلميذ، فضعف السمع والبصر وضيق التنفس قد تحول دون قدرة التلميذ على القيام بواجباته الصفية، ما يدفع إلى الاعتقاد بأنه مهمل، وخاصة إذا كان المعلم ليس له دراية بهذه العوامل الصحية المعيقة.
ج- شخصية التلميذ: كأن يكون التلميذ قد بلغ المستوى المناسب من النضج الشخصي بحيث لا يكون له القدرة على إصدار الأحكام الصحيحة على الأمور، أو أن تكون ثقته بنفسه منخفضة أو أنه لا يستطيع تحمل المسؤولية.
رابعًا: مشكلات تنجم عن النشاطات التعليمية الصفية:
1. اضطراب التوقعات في كونها عالية جدًا أو منخفضة لدى التلاميذ.
2. صعوبة اللغة التي يستخدمها المعلم في تعليمه الصفي.
3. كثرة الوظائف التعليمية أو قلتها.
4. قلة الإثارة في الوظائف التي يحددها المعلم لتلاميذه.
5. تكرار النشاطات التعليمية لمستوى ورتابتها.
6. عدم ملائمة النشاطات التعليمية لمستوى التلاميذ.
7. اختصار النشاطات الصفية على الجوانب اللفظية.
إشكال السلوك الفوضوي:
أولًا: الصياح والشغب:
مظاهر المشكلة:
تبدو هذه المشكلة عند التلاميذ بواحدة أو أكثر من الصيغ التالية:
الصفحة 114
1. ترك التلميذ مقعده والتجول في غرفة الصف.
2. التحدث بصوت عالٍ وبشكل جماعي عند توجيه المعلم الأسئلة الصفية، فإن التلاميذ في هذه الحالة يرددون عاليًا "أنا أستاذ، أنا أستاذ" وهكذا.
3. الإجابة على سؤال المعلم دون إذن، أو يجيب التلميذ في أثناء إجابة زميله على سؤال المعلم.
4. دعوة الأقران بألقاب غير مستحبة أو مقبولة اجتماعيًا وتربويًا.
5. التحدث بلغة غير لائقة اجتماعيًا أو تربويًا.
الأسباب المحتملة للمشكلة:
الحلول الإجرائية المقترحة:
الصفحة 115
ثانيًا: ضرب الأقران أو وخزهم وأخذ ممتلكاتهم عنوة: -
ينتج عن هذا السلوك الصفي غالبًا تخلخل سير عملية التعليم وإعاقة تعلم التلاميذ فرادى أو كمجموعة وتنمية المشاعر السلبية والخلافات بينهم.
مظاهر المشكلة:
الأسباب المحتملة للمشاكل:
الحلول الإجرائية المقترحة: -
الصفحة 116
ثالثًا: عدم استجابة التلميذ لأوامر المعلم وتعليماته:
مظاهر المشكلة:
الأسباب المحتملة لهذه المشكلة:
1- كون المعلم غير مؤثر الشخصية في تلاميذه بسبب :
أ. عدم وجوده أو اختلاطه في التدريس.
ب. مضايقته لبعض التلاميذ ومعاملته غير العادلة للبعض الآخر.
ج. ضعفه العام في مادة تدريسه أو أسلوبه التعليمي أو الشخصي.
2- كون المعلم غير محبوب من قبل التلميذ.
3- عدم رغبة التلميذ في المادة التدريسية بسبب صعوبتها جزئيًا أو كليًا.
4- سيادة المناخ السلبي داخل الفصل الدراسي.
الحلول المقترحة لهذه المشكلة: -
الصفحة 117
رابعًا: تخريب الأثاث المدرسي: -
إن مفهوم التخريب يعني أن يقوم شخص بإتلاف وتكسير الأشياء وتخريب الأثاث المدرسي يعني قيام الطفل بالعبث بالمقاعد الدراسية أو النوافذ أو محطات المياه مما يؤدي إلى إحداث تلف فيها.
ويمكن تقسيم الأطفال المخربين إلى مجموعتين هما:
1. هناك مجموعة من الأطفال يقومون بتخريب الأثاث دون قصد وهؤلاء تنقصهم المهارة أو أنهم شديدو الفضول ويحبون العبث في الأشياء.
2. هناك مجموعة من الأطفال يقومون بتخريب الأثاث عن قصد ومكر ودهاء.
الأسباب المحتملة لظهور تخريب الأثاث المدرسي:
1. الإحباط.
2. التسلية والمرح.
3. أن بعض الأطفال يقومون بالتخريب المتعمد بدافع العدوان والعداء.
اقتراحات لعلاج هذه الظاهرة:
1. أن يعمل المعلم على وقف سلوك الطفل التخريبي.
2. أن يستخدم المعلم المواجهة اللفظية وذلك بأن يصدر للطفل أمرًا لفظيًا لوقف التخريب.
3. أن يقوم المعلم بتفسير وتوضيح سبب طلبه من الطفل عدم التخريب.
4. تهدئة الطفل أثناء الغضب لكي لا يقوم بالتخريب.
5. استخدام المعلم أسلوب المكافأة.
إن تحديد وحصر السلوك الفوضوي داخل الفصل يعتبر متطلبًا لدى كل من يتعامل مع التلاميذ سواء كان معلمًا أو موجهًا أو مرشدًا نفسيًا، لذلك فإن تدريب المعلم على ملاحظة السلوك تعتبر عملية هامة ويفترض أنها تكون مخططة ومنظمة لأن الملاحظة العشوائية لا تساعد في حل المشكلة بل تزيد في صعوبتها.
الصفحة 118
تأخير حل المشكلة ومن أجل توفير الوقت وزيادة فعالية الملاحظة والإسراع في معالجتها لا بد من استخدام الملاحظة المنظمة.
الملاحظة المنظمة هي الملاحظة التي يحدد فيها المعلم الزمان والمكان وموضوع الظاهرة وعدد الجلسات وعدد التلاميذ.
عوامل الملاحظة المنتظمة الأكثر فعالية:
أساليب الوقاية من السلوك الفوضوي داخل الفصل:
تأسيس أحكام عامة:
إن معرفة التلاميذ مجموعة من الأحكام والقواعد العامة التي تنظم الفصل وحركة التلاميذ داخله وخارجه وكيفية التعامل مع بعضهم البعض وتحديد الأنواع المقبولة من الإدارة الصفية للسلوك والتصرف التربوي والاجتماعي تعتبر أساسية للنظام والإدارة الصفية، ووجود الأحكام والأنظمة الصفية على توفير بيئة تعليمية مستقرة وآمنة يعني معرفة كل واحد من التلاميذ ما هو متوقع منه.
ويتوجب على المعلم على كل حال عند تأسيسه للنظام الصفي مراعاة المبادئ والإجراءات التالية:
الصفحة 119
أساليب معالجة السلوك الفوضوي:
يوجد كثير من الإجراءات التي تساعد في معالجة السلوك الفوضوي داخل الفصل، ومنها:
أولاً: التصحيح الزائد:
وهو إرغام الطفل بعد قيامه بالسلوك الفوضوي مباشرةً على ممارسة السلوك الصفي المناسب.
وقد استخدم أزرن ويورز (1975) هذا الأسلوب لمعالجة سلوك الفوضى لدى مجموعة من الأطفال المضطربين سلوكياً، واشتمل العلاج على إرغام أي طفل يخالف القواعد المعلنة على البقاء في الصف في فترة الاستراحة.
وكان الطفل يتعلم التصرف الصحيح في غرفة الصف، ومن ثم يُطلب إليه أن يمارس ما تعلمه عدة مرات بشكل متكرر.
وبعد ذلك، أصبح الباحثان يغيران في فترة الممارسة الإيجابية بحيث أصبحت تقل شيئاً فشيئاً مع مرور الأيام، وقد أدى هذا الأسلوب إلى توقف السلوك الفوضوي كاملاً في غضون أربعة أسابيع.
كيفية استخدام أسلوب تصويب الخطأ؟
بدأ علماء النفس حديثاً في ميدان تربية الطفل يؤكدون على أسلوب مؤثر من أساليب العقاب الإيجابي، هذا المنهج هو التصحيح الذاتي للأخطاء، حيث يكون العقاب بأن يقوم المراهق المزعج بتعديل الاعوجاج الذي حصل منه، ويُطلق على هذا المفهوم في ميدان علم النفس (Overcorrection) أي تصويب الخطأ.
الصفحة 120
التصحيح الذاتي عقاب يُستخدم عند حدوث سلوكيات غير مقبولة عند الفرد، وأهم مراحله:
الصفحة 121
ثانياً: التعزيز التفاضلي:
يشتمل التعزيز التفاضلي على تعزيز الأطفال عندما يسلكون على نحو مقبول وعدم تعزيزهم عندما يسلكون على نحو غير مقبول. وقد استخدم هذا الأسلوب بنجاح لمعالجة المشكلات الصفية بما فيها السلوك الفوضوي.
ثالثاً: أساليب أخرى:
وأخيراً، فإن دراسات عديدة قد حاولت الحد من السلوك الفوضوي لدى الأطفال المعوقين باستخدام برامج علاجية متعددة العناصر.
ومن الأمثلة على تلك الدراسات دراسة إيواتا ويبلي (1974) والتي استخدمت أسلوب التعزيز الرمزي وتكلفة الاستجابة لخفض السلوك الفوضوي لدى (15) طفلاً متخلفاً عقلياً.
وتضمن البرنامج إعطاء الأطفال معززات مجانية مختلفة في المراحل الأولى، ومن ثم الطلب منهم التوقف عن السلوك الفوضوي.
وفي حالة عدم التزامهم بذلك، كانوا يخسرون نقاطاً معينة تؤدي إلى حرمانهم من جزء من المعززات التي تم توفيرها لهم.
وحاول مايلز وكوفو (1980) خفض السلوك الفوضوي لدى طفل معاق عقلياً في التاسعة من عمره، وكان السلوك الفوضوي لدى ذلك الطفل يتمثل بضرب اليدين بالمقعد بقوة وإصدار أصوات مسموعة ولكن غير مفهومة والخروج من المقعد ونقل الكرسي من مكان إلى آخر والتصفيق والنوم في الصف.
واشتمل العلاج على التعزيز الإيجابي عند عدم قيامه بالسلوك الفوضوي والإقصاء عند قيامه بالسلوك الفوضوي، واستمر العلاج مدة ثلاث شهور تقريباً، وكان يتم تطبيقه لمدة ساعة في صباح كل يوم من أيام الدراسة، وقد عرض الباحثان النتائج في رسوم بيانية.
الصفحة 122
الفصل السابع: المشكلات الصفية
المشكلات الصفية
يكاد لا يخلو صف من الصفوف المدرسية من بعض المشكلات والتي تفاوت في حدتها من صف لآخر ومن حصة لأخرى تبعا لعوامل عديدة تعود في معظمها إلى طبيعة الطلاب أنفسهم، وإلى خبرة المدرس في تجنب مثل هذه المشكلات، أو معالجتها عند حدوثها.
وفي الوقت الحالي يشعر المعلمون أكثر من أي وقت مضى بحيرة قد تصل إلى الإحباط من المشكلات الصفية التي تزداد مع مر الأجيال، فهم يؤكدون أنهم مهما قضوا من الساعات الطوال في العمل الجاد، فإنهم يجدون بعض المشكلات الصفية عسيرة على المعالجة. وإذا علمنا أن 70% من المدرسين يحتاجون إلى تحسين مهاراتهم في مواجهة المشكلات الصفية. وأن ثمانية معلمين من أصل عشرة يتركون التدريس من السنة الأولى بسبب تلك المشكلات، وعدم قدرتهم على معالجتها بفاعلية، تبين لنا مدى حجم المشكلة وأهميتها، إذ كيف سيتطور الطلاب سلوكيا وأكاديا والغرفة الصفية تعج بالمشكلات؟!!
فمهما بلغ المدرس من كفاءة أكاديمية وتحصيل العلوم لن يستطيع إيصال تلك العلوم بأيسر السبل إن وقف حائرا أمام طلابه لا يدري كيف يتدير ما يرى من مشكلات
ولحسن الحظ فإن مهارات التعامل مع المشكلات الصفية هي مهارات مكسبة يمكن تعلمها وتطويرها لتحسين الأداء التعليمي الفعال في المواقف الصفية المختلفة.
الصفحة 125
أسباب المشكلات الصفية:
يختلف المدرسون فيما يقبلونه من سلوكات؛ فما يكون مقبولا لدى بعضهم قد يرفضه آخرون، والمعلم هو الذي يحدد السلوك الذي يخبره مقبولا في حصته؛ فإن قبل من الطلاب سلوكا ما فهو سلوك صحيح، وإن رفضه فهو سلوك سيئ، قد يؤدي إلى حدوث مشكلات صفية تعزى في أغلبها إلى الأسباب الآتية:
(1) الملل والضجر :
تشير إحدى الدراسات إلى أن أغلب أوقات الملل والضجر التي يقضيها الطلاب في حياتهم تكون في بعض الحصص المدرسية، التي يكون محتوى المادة وأسلوب التدريس فيها يدعو إلى الشعور بالملل.
إن الملل في الصف يعكس استجابات سلبية نحو التعلم وانعدام الاهتمام به، لذا يكون الطلاب الذين يشعرون بالملل والضجر مصدرا رئيسا للمشكلات الصفية، فعندما يسيطر المعلم على النقاش أثناء الحصة أو يقوم الطلاب بنشاط ما تزيد مدته عن 20 دقيقة، فإن هذا يكون مدعاة لشعورهم بالرتابة والجمود، فيتحول اهتمامهم وتفكيرهم نحو أي شيء آخر يثير اهتمامهم أكثر من الدرس. وقد يعزى شعور الطلاب بالملل إلى قلة التنويع في الأنشطة والمواضيع التي يبحثها المعلم مع طلابه، وغالبا ما يزيد الملل عند الطلاب حينما يفقدون الحماس والتشويق والتحدي.
(2) الإحباط والتوتر :
قد يلجأ الطلاب إلى المشكلات الصفية نتيجة شعورهم بالإحباط والتوتر أثناء الحصة، فيمكن أن تعزى هذه المشكلات إلى كثرة القوانين والقيود التي يضعها المعلم، ما يؤدي إلى إرباك الطلاب وتوترهم. كما أن سرعة سير المعلم في شرح
الصفحة 126
الدروس دون إعطاء الطلاب راحة بين الفينة والأخرى للتفكير واستيعاب ما تلقوه من معلومات يؤدي إلى شعورهم بالإحباط والتوتر، فيلجأون عندها إلى إثارة المشكلات.
وجدير بالذكر أن الطلاب يتشربون مشاعر واتجاهات معلمهم، فإن أخبرهم مسبقا بأن موضوعا ما صعب أو غير متع فهذا يزيد من حدة التوتر والإحباط لديهم، وغالبا ما يسيطر الإحباط والتوتر على الطلاب حينما تفتقر البيئة الصفية على روح الدعابة.
وهنالك فئات عديدة من الطلاب التي تصاب بالتوتر والإحباط:
فمنهم الفئة التي تشعر بالعجز عن إنهاء المهمات المطلوبة في الوقت المحدد. ومنهم التي تحبط عندما لا يلتزم المعلم يخط سير الدرس، وينشغل بالأحاديث الجانبية غير المفيدة، ومنها التي تشعر بالخوف والخرج من الإجابة عن أسئلة المعلم التي توجه إليهم بصورة مفاجأة، وبالمقابل هناك فئة تشعر بالإحباط إن لم يفسح لها المعلم فرصة المشاركة الصفية بشكل فعال؛ وبالأخص إن كانت مستعدة مسبقا للحصة بشكل جيد كإحضار وسيلة إيضاح ونحوها. وإن لم تلق جميع هذه الفئات العناية والرعاية من المعلم أحبطت، وصارت تبحث لها عن أنشطة أخرى لا ترتبط بالدرس وزادت من احتمالات حدوث المشكلات الصفية.
(3) العدوان :
عندما يشعر الطلاب بالإحباط يمكن أن تصدر عنهم سلوكيات تميز بالعنف والمشاكسة أثناء الحصة تعبيرا عن الغضب وعدم الرضا؛ كالنقد الجارح للزملاء، وتبادل الشتائم والألفاظ النابية، وتمزيق الدفاتر والكتب، وإتلاف المقاعد الصفية.
الصفحة 127
(4) ميل الطلاب إلى جذب الانتباه:
يميل بعض الطلاب وبالأخص المراهقين منهم إلى جذب انتباه المعلم والطلاب، لأن لديهم رغبة وحاجة في أن يتقبلهم الآخرون، لذا فهم يحاولون لفت أنظار من حولهم من خلال التحصيل الأكاديمي، والشخصية القيادية، والمهارات الاجتماعية، والتكيف مع الآخرين.
بالرغم من أن الطلاب يقصدون جذب الانتباه، إلا أن بعضهم قد يفشل في تحقيق ذلك بسلوك مرغوب فيه، والقيام بالشغب في الصف كالتشويش والإزعاج بقصد أو بغير قصد. والمعلم الحكيم يتبه لهذا السلوك، ويعلم أن الكثير من السلوكات التي يقصد منها جذب الانتباه لا تعد سلوكات سيئة يستحق عليها الطلاب عقابا ما، وإنما يوظف رغبة هؤلاء الطلاب في تحقيق هدف من الأهداف التعليمية في الحصة، كأن يكلفهم بالقيام بنشاط عيب لهم فتحقق لهم رغبتهم يجذب انتباه الآخرين.
(5) الصياح والشغب :
قد يسمع المعلم أصوات في غرفة الصف دون معرفة مصدرها، إذ يتبادل بعض الطلبة أطراف الحديث، ويتهامسون أناء الشرح، ويجيبون عن الأسئلة بصوت عال دونما إذن، وقد يصيحون عاليا: (أنا يا أستاذ) رغبة منهم في المشاركة.
ومن أبرز الأسباب التي تدعو إلى هذه المشكلات هو عدم معرفة الطلاب بالقوانين الصفية، وتوافر صداقة متينة بين الطلاب الذين يجلسون سويا، والميل إلى
الصفحة 128
جذب انتباه الآخرين، والغيرة من الزملاء المتفوقين أكاديا أو اجتماعيا لعدم قدرتهم على تحقيق التفوق.
(6) السلوك الانعزالي :
يفتقر بعض الطلاب إلى الثقة بالنفس فيمعون عن المشاركة بفعالية في الأنشطة الصفية، وربما تركوا بعض الأسئلة عليهم بدون حل في دفاترهم دون أن يسألوا المعلم أو حتى زملاءهم عنها.
وقد يغفل أو يتغافل عن هذه الفئة العديد من المعلمين، لأنها تحتاج إلى وقت وجهد وصبر في التعامل معها، إذ إنها تشعر بالخوف والخرج والحساسية الشديدة من الزملاء المعلمين إن أخطأت في الإجابة، لذا فهي تؤثر العزلة الفردية وتتجنب ما أمكن العمل مع الزملاء أثناء القيام بالأنشطة الصفية. وهناك مشكلات أخرى وجد أنها من أبرز المشكلات التي يواجهها المعلمون في صفوفهم، قد يكون لها ارتباط بالأسباب السابقة كمقاطعة المعلم، والتحدي وعدم الانتباه والبكاء والكذب والبطء والمماطلة في إنجاز المهمات، والغش والسرقة ومضغ العلكة.
أساليب مفيدة في معالجة المشكلات
1. المعالجة الفورية عند مخالفة القوانين: فكلما أهمل المعلم التزام الطلاب بالقوانين يصعب عليه إيجاد الحلول المناسبة لها.
2. التوقف عن الدرس: فعند توقف المعلم عن الشرح يدرك الطلاب بوضوح أن هناك شيئا ما لا يسير على ما يرام. ثم يخير المعلم الطلاب بالأمر ويعود إلى الشرح بعد تعديل السلوك
الصفحة 129
3. تبديل أماكن جلوس الطلاب: من إحدى الطرق الفاعلة لضبط الطلاب الذين يسلكون سلوكا غير مرغوب فيه هو تبديل أماكن جلوسهم. إذ يتم فصل المجموعة المشاغبة عن بعضها بعضا، ومن المستحسن جلوس مثل هؤلاء الطلاب في مقدمة الصف. فإن الأمور تصبح أفضل ما لو كانوا يعيلهن عن المعلم، وقد يختار المعلم مكانا أفضل للطلاب الذين تسبب لهم مجموعاتهم تهديدا أو إهانة أو جعلهم كبش الغداء في كل موقف سلي يحصل للمجموعة.
4. الإهمال المخطط له: يتعمد المعلم الخبير عدم الاستجابة لسلوك لا يرضاه من الطلاب كالهمهمة ونقر الأقلام والضحك من عطاس أحدهم، فهو يدرك أن استجابته لمثل هذه السلوكات تزيد من حدتها وتوقعه في معارك كلامية مع الطلاب قد توصل المعلم إلى متاهات محمدة من بعض الطلاب لإضاعة وقت الحصة. كما يثق المعلم بأنه إن أهملها فسيتعاون معه الطلاب ويحذون حذوه في إهمالها لأنهم يعلمون بوجود حوافز على تعاونهم هذا. أما إن كان في إعمال بعض السلوكات غير المرضية تعزيز لها كالسرحان والنوم والثرثرة، فيصع باستخدام المعالجة الفورية تجنبا لتكرارها، لأن المقصود منها قد يكون جذب انتباه المعلم أو التحدي له.
5. لغة الرمز: عندما لا يجدي الإهمال المخطط للسلوك. يمكن للمعلم استخدام الإشارات (كتعابير الوجه وحركات اليدين والرأس. والنظر إلى الطالب المعني. والاقتراب منه أو لمسه بخفة تشعره بعدم رضاه عن السلوك الذي بدر منه. فإذا كان الطلاب يقومون بحل واجب ما بهدوء وصدر من أحد الطلاب صوت مزعج يمكن للمعلم أن ينظر إلى الطالب، دون ذكر اسمه ودون ملاحظة بقية الطلاب، ويقول: (إسس) ليصمت، فإن كرر هذا السلوك يمكنه الاقتراب
الصفحة 130
منه ويخبره بأسلوب لطيف: (اعلم أنك تنسى أن هذه الهمهمة تشوش علينا، فما رأيك أن أذكرك بالتوقف عن الهمهمة كلما رأيتني أضع يدي على أنني؟). ويعد مرات سيتوقف الطالب عن هذا السلوك. وقد يقع المعلم بمشكلات بسبب لسانه كان يقول للطالب: (أريدك أن توقف) فالطالب سيبدأ بالدفاع عن نفسه بقوله: (لم أفعل شيئا) أو (إنه ليس خطأي) أو (ما المانع من قيامي بذلك؟). وهنا يبدأ الجدال بين المعلم والطالب والطلاب يتفرجون يفرح ليشاهدوا نتيجة ذلك. إضافة إلى أنه في هذه المشكلة فرصة جيدة للاستراحة من التعلم.
إن اللسان لا يستخدم لإيقاف سلوك بل يستعاض عنه بلغة الرمز ويستخدم اللسان عندما يريد المعلم البدء بسلوك ما دون تهديد أو وعيد وبلهجة هادئة.
6 . أسلوب التلميح : يمكن للمعلم أن ينهى الطلاب عن سلوك ما بأسلوب التلميح وإبراز أثر السلوك الخطأ، ليشعر الطالب أن تعديل السلوك قد نبع من ذاته؛ فبدلا من قول المعلم : (لا تجلس يا محمد عند النافذة واجلس في مقعدك) يقول : (أنا أتضايق يا محمد من الذين يجلسون عند النافذة وانزعج من الصف غير المنظم). وهذا يقلل من وقوع الطالب في المهانة والخرج أمام زملائه ومعلمه إضافة إلى تجنب المعلم الوقوع في مشكلات مع الطلاب.
7. التواصل وإنشاء العلاقات : يعد توطيد العلاقات الاجتماعية بين الطلاب والمعلمين أمرا بالغ الأهمية ومن هذه الإستراتيجيات :
أ - روح الدعاية:
تساعد روح الدعابة على التواصل الإنساني بين المعلمين والطلاب، وتبني جوا من الألفة والمودة، كما تستخدم في زيادة الدافعية ورفع معنويات الطلاب الذين
الصفحة 131
يشعرون بالإحباط، إضافة إلى أنها تخفف من حدة التوتر في الحصة، ومن هذه الأمثلة: قالت معلمة لأحد الطلاب الذين اعتادوا ترك مقاعدهم: (سأشتري لك مزلجة يا سمير يوما ما. فكم ستقطع من المسافة عند التزلج عليها، ولكنك تحتاج إلى مكان أوسع من الصف. والآن أرجو أن تجلس مكانك لأتمكن من رؤية دفترك). وقد يبالغ بعض المعلمين في استخدام روح الدعابة فيحاولون قرص الطلبة، وقد تؤدي إلى وقوع مشكلات.
كما قد يقدم بعضهم على لمس أكتاف الطلاب أو السخرية يقصد تهدئة غضبهم وإحباطهم. لتعلم أن لمى الأكتاف عند الغضب والإحباط يزيد من حدة التوتر لدى الطلاب، وأن السخرية منهم تضطرهم للرد بسخرية موجهة إلى المعلم مباشرة.
ب - الاهتمام بمشكلات الطلاب:
يشعر الاهتمام بالطلاب بالتحسن ويخفف من آلامهم ومعاناتهم. على الأقل أنا الحصة الصفية، فإن قال المعلم لأحد الطلاب: (محمد: دعنا نرى ابتسامتك التي اعتدنا أن نراها دائما. ويمكنني أن أتحدث معك فيما بعد إن رغبت) فهذا يجعل الطالب يعود إلى الدرس بحماس لأنه يعلم أن المعلم يهتم بمشكلاته. وأنه يوجد من يهتم بأموره.
ج - بناء اهتمامات مشتركة:
يعد بناء الاهتمامات المشتركة مفتاح التواصل الفعال. ويؤدي إلى تعزيز التطور الإيجابي ويبني علاقات صادقة بين المعلم والطلاب.
وهناك عدة طرق لبناء علاقات إيجابية مع الطلاب، ومنها: التعبير ببساطة عن اهتمام المعلم بهم كمشاركة الطلاب في هواياتهم وميولهم والثناء عليهم، والنظر
الصفحة 132
إليهم والبشاشة، ومناداتهم بأسمائهم. ومن ثمرات الإستراتيجية أن يسود التالف والود في الحصة الصفية، حتى إن الطلاب يستخدمون هذه النماذج في التواصل فيما بينهم فيتجنب المعلم المشكلات الصفية.
دور المعلم في الإدارة الصفية المتميزة:
الإدارة الصفية ذات أهمية خاصة في العملية التعليمية لأنها تسعى إلى توفير وتهيئة جميع الأجواء والمتطلبات النفسية والاجتماعية لحدوث عملية التعلم بصورة فعالة.
فالتعليم في رأي البعض هو ترتيب وتنظيم وتهيئة جميع الشروط التي تتعلق بعملية التعليم سواء تلك الشروط التي لم تصل بالمتعلم وخبراته واستعداداته ودافعيته، أم تلك التي تشكل البيئة المحيطة بالمتعلم في أثناء حدوث عملية التعلم. إن هذه الشروط والأجواء تتصف بتعدد عناصرها وتشابكها وتداخلها وتكاملها مع بعضها.
من أساليب ضبط الفصل:
العلاقة الطيبة بين المعلم وطلابه لها أكبر الأثر في انضباطهم داخل الفصل وخارجه. ويجب على المعلم أن يحرص على غرس الحب في نفوس الطلاب، فكسب المعلم لحب تلاميذه من أنجح الوسائل التي تساعده في ضبط الفصل ..... والانضباط الذي ستحدث عنه نوعان: -
- انضباط ذاتي... ينبع من نفس الطالب حيث يعمل على المحافظة على الهدوء نتيجة رغبته في المشاركة وتقبله لزملائه ومعلمه .....
- انضباط آخر يقوم على استخدام وسائل خارجية ... كالثواب والعقاب، ليحافظ الطالب على النظام داخل الفصل ….
الصفحة 133
والانضباط الذاتي الذي يعمل على مساعدة الطفل على ضبط دوافعه وميوله أكثر جدوى وأفضل من الآخر الناتج عن الخوف من العقاب أو طمعا في الثواب.
ومن هنا ... فإنه يتعين على المعلم أن ينمي لدى الطالب عملية الانضباط الذاتي فالانتباه أو الانضباط لا يعني مجرد غياب الضجة وسيطرة الهدوء وإنما هو ذلك الذي يصدر عن قناعة ذاتية للشعور بأهمية الموقف.
وينبغي أن نشير هنا على سبيل الإيجاز - إلى بعض الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المعلم.. ومن هذه الصفات: -
- العطف واللين مع التلاميذ مع الصبر والأناة والحزم والكياسة، فلا يكون سريع الغضب ضيق الخلق قليل التصرف ... فالطلاب لا يحترمون المعلم المتشدد كما أنهم لا يقدرون المعلم المتساهل أكثر من اللزوم، فينبغي أن يكون حازما في غير عنف سهلا في غير ضعف حسب المواقف.
- ينبغي أيضا أن يكون مخلصا في عمله جادا فيه عبا له، وأن يكون طبيعيا في سلوكه مع التلاميذ فيراعي الموضوعية والعدل في الحكم والمعاملة دون تحيز أو محاباة لأحد أو إيثار لتلميذ على آخر.
ومن الوسائل والاساليب التي تتبع في إدارة الفصل لتحقيق النظام والانضباط: -
- أن يقوم المعلم بملاحظة التلاميذ ومراقبتهم طوال الحصة وإشعارهم بذلك فلا يغيب عن أذهانهم، فالمراقبة الفاعلة والمستمرة لسلوك الطلبة وأنشطتهم من أفضل الوسائل للمحافظة على الانضباط.
- التحلي بروح المرح والدعابة أحيانا فبالمرح والدعابة وتقبل النكتة يمكن للمعلم أن يغير الجو العام في الصف والشعور السائد فيه فيتحول التلاميذ من
الصفحة 134
الضيق والملل إلى المرح ومن الخمول إلى النشاط، فجو المرح والدعاية يلعب أدوارا عدة في بناء العلاقات بين المعلم والتلاميذ، وينبغي على المعلم عدم الإفراط في استعماله.
- حيوية المعلم، فهو مرب وقاض ومثل وصديق... فينبغي عليه مراعاة الحركة المستمرة داخل الفصل وتوصيل صوته إلى جميع الطلاب مع توفير نظام يسمح للطالب بالحديث بينما يسمع الآخرون.
- مراعاة عنصر الوقت، فعليه أن يتحكم في عامل الزمن، فيتمكن من إكمال درسه قبل انتهاء زمن الحصة، وهنا نشير إلى مهارة إنهاء الدرس مع إبقاء بضع دقائق لاستغلالها في تلخيص الموقف وتجميع خيوطه قبل دق الجرس.
- التعاون بين المعلمين، ومن أنجح الوسائل في ضبط الفصول التعاون بين المعلمين فينبغي تهيئة الطلاب للدرس التالي وعدم انصراف المعلم إلا عند حضور معلم الفصل الآخر الذي ينبغي عليه أيضا الحضور المبكر للحصة وعدم ترك التلاميذ بمفردهم خاصة في المراحل الابتدائية.
- أن يعرف المعلم ما يدور في عقول التلاميذ وأذهانهم ليكون على بينة من أمره ومراعاة الظروف الخاصة لكل طالب وهو أسلوب يوثق صلة المعلم بالطالب.
- الثناء والمديح وتقديم الجوائز والمكافآت العينية والمعنوية كالبشاشة والابتسامة وكتابة عبارات تشجيعية التغذية الراجعة والعبارات التشجيعية قد تكون في سجل الملاحظات همزة الوصل بين المنزل والمدرسة أولي دفاتر الواجبات. . ... وضع الملصقات التشجيعية على لوحة الشرف في مقدمة الفصل في دفاتر الواجبات أو التطبيقات.
تسجيل اسمه في لوحة المثاليين.
الصفحة 135
عرض صورته أو عرض بعض أنشطته أو أعماله المتميزة في مكان بارز أو أمام زملائه "في صالة المدرسة "
اصطحابه إلى مدير المرحلة أو الوكيل أو المرشد الطلابي للثناء عليه ومكافأته وتسجيل ذلك في سجل ملاحظاته وعرض ذلك على زملائه لتشجيعهم.
تكليف الطلاب بأنشطة يحبون مزاولتها وتبعث عندهم المتعة والسرور..
- الكلمات التوجيهية والإرشادية، والتي تبدأ في اللقاءات الأولى من حصص الريادة ليطلعهم على ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات وأن يتعرف عليهم وعلى خصائصهم وما يدور في أذهانهم وهذه الكلمات أو التوجيهات مستمرة وفي كل وقت:
1- حصص الريادة.
2- قبل الصلاة وبعدها.
3- قبل الطابور الصباحي.
4- أثناء الفسحة.
الصفحة 136
5- أثناء الطابور وبعده وقبل الحصة الأولى.
6- عند انتهاء اليوم الدراسي.
7- بين الحصص.
- عقد اجتماع شهري لمناقشة الأمور التي تهم التلاميذ وحل مشاكلهم ولا مانع من الزيارات المفاجئة من قبل رائد الفصل للاطمئنان على أبنائه الطلاب وحل مشاكلهم إن وجدت.
- تنظيم الطلاب داخل الفصل خلال الأسابيع الأولى، وينبغي على المعلم عند توزيع الطلاب مراعاة ما يلي :
مراعاة الحالات الصحية " ضعيف البصر - السمع - قصير القامة ".
رعاية العلاقات بين أفراد التلاميذ وتشجيعها فلا مانع من أن يجلس الطالب بجانب صديقه إذا كان سيشعر بالثقة والارتياح بحيث لا يؤدي ذلك إلى إلحاق الضرر به فيدفعه إلى الانصراف عن الدرس بالحديث معه أو غير ذلك.
تعيين عريف للفصل / عريف للصلاة / عريف للنظام ....... ومعه سجل خاص بالفصل يسجل فيه ملاحظاته لنناقشها من وقت لآخر.
الاهتمام بجمال الفصل وأناقته يساهم إلى حد كبير في المحافظة على الهدوء وبعث روح الارتياح والشعور بالتفاؤل والسعادة وقد يسهم الطلاب في جزء كبير في هذا الشأن.
- توجيه الطلاب إلى الأعمال الجماعية بنظام، فمن الممكن مثلا: - إنشاء مكتبة صغيرة داخل الفصل، وتعيين عريف للمكتبة لتنظيم عملية الاستعارة ويكون بالتناوب فيما بينهم، ومن الممكن اتخاذ ذلك وسيلة لتشجيع الطلاب ومكافأتهم،
الصفحة 137
وكذلك من الأعمال الجماعية: الإذاعة الصباحية، وتنظيم الفصل والمحافظة على نظافته جماعة النظافة..
- مراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ والعمل على اكتشاف ما لدى الطالب من مواهب وقدرات لتعمل على تنميتها وتغذيتها.
- عقد لقاءات فردية مع الطلاب الذين يحتاجون إلى توجيه خاص سواء أكان سلوكيا أم دراسيا وهذه اللقاءات الفردية لها الأثر الكبير في تقريب المسافات بين المعلم وتلاميذه.
- تنويع الأنشطة داخل الفصل طرح أسئلة / إجراء حوار / عمل كتابي على السبورة أو على الدفاتر / وسائل حديثة / استخدام الحاسوب / الكاسيت........
- استخدام الأجهزة التعليمية الحديثة ومنها الحاسوب / فالمادة قد تعرض مكتوبة أو مسموعة أو مرئية أو مرسومة على شرائح وهناك قواعد كثيرة يجب مراعاتها عند استخدام الوسائل التعليمية الحديثة ليس مجالها الآن.
- إثارة انتباه الطلاب واهتمامهم بموضوعات تتفق مع رغباتهم وتشبع ميولهم وتناسب أعمارهم ...................... الخ.
- أن يعرف المعلم متى يبدأ؟ ومتى ينتهي؟ وما الخطوات التي سيتبعها؟ سواء في الدرس أم في التعامل مع التلاميذ قبل الدخول إلى الفصل الإعداد الجيد للدرس.
- وهنا نشير إلى الاهتمام بالتمهيد فالمعلم يحتاج إلى تجاوب الطلاب وإثارتهم فكريا عندما يبدأ الدرس وقد يكون ذلك بطرح سؤال حول الموضوع - أو استغلال خبر أو حدث جار في المجتمع للتمهيد الموضوع الدرس، وقيام المعلم بهذه
الصفحة 138
المبادرة بعد أمرا ضروريا لجذب انتباه الطلاب والتحويل فكرهم إلى موضوع الدرس.
- المدرس الذي يتقن مادته ويقدمها للتلاميذ بطريقة سلسة جذابة لا يجد صعوبة في ضبط الفصل وهو قادر على إيجاد بيئة تعليمية يسودها الجد والعمل والحماس.
- مشاركة الطالب في المناقشة، ويجب على المعلم أن يقوم بإثارة الأسئلة التي تتطلب التفكير وتقديم أشياء مثيرة للطالب تجلب انتباهه وأن يكون صدره مفتوحا لكل فكرة وكل مناقشة.
- توجيه الانتباه إلى الأفكار الرئيسية في المادة الدراسية والوسائل المعينة على فهم المادة واستيعابها وإعادة صياغة ما يعرض من أفكار بأسلوب جديد ومشوق واستبعاد ما قد يجلب إلى نفوسهم الملل والسام.
- استخدام الأسئلة، وهي من المكونات الأساسية لأي تدريس ناجح، لكونها وسيلة فعالة للحفاظ على الإثارة الفكرية في الفصل فضلا عن جعل البيئة الصفية بيئة نشطة. وطرح الأسئلة غير المتوقعة تثير الانتباه، وتدعو إلى التفكير أحيانا،
وينبغي مراعاة نوع الأسئلة التي تطرح في الحصة، ولمن توجه؟؟
- وللتعزيز دور مهم في المحافظة على ضبط الفصل كما أسلفنا سواء أكان لفظيا أم غير لفظي - واللفظي يكون باستخدام العبارات التشجيعية وغير اللفظي يكون باستخدام حركات الوجه واليدين مثل / الابتسامة أو الإشارة بالإصبع أو حركات الرأس أو تنويع نبرة الصوت واللهجة حسب الموقف التعليمي - تعجب - تشويق - توجيه لوم... تكليف أحد الطلاب بإعادة ما سمعه من المعلم أو ما سمعه من طالب آخر.
الصفحة 139
- زيادة وقت الانتظار وتوفير فرصة للتفكير والمناقشة والصمت برهة بعد طرح أي سؤال يجلب انتباه التلاميذ.
- ويبقى أن التصرف الذي نتبعه داخل الفصل يعود للمواقف التي نشأ بها وأحاطت به ومن هنا كان لكل موقف أسلوبه المناسب وطريقته التي يعالج بها
- . وينبغي على المعلم ألا يلجأ إلى العقاب الجماعي وخاصة إذا لم يستطع معرفة من قام بسلوك لا يريده أو خشية إنزال العقاب بمن لا يستحقه.
- وينبغي - عند العقاب - أن يعرض الطالب خطأه سواء أكان سلوكيا أم دراسيا وسبب هذا الخطأ دون أن يجرح مشاعره وإحساسه وبهذا نكون قد شجعناه على بذل المزيد من الجهد للتغلب عليه.
- ويجب على المعلم ألا يقصر اهتمامه على النواحي السلبية في سلوك الطلبة وإنما عليه أن يوزع اهتمامه بها مع النواحي الإيجابية فلا يوجه الانتباه إلى السلوك الخاطئ دون أن يعير السلوك المرغوب فيه أي اهتمام.
الصفحة 140
الفصل الثامن: الطفل في الفكر التربوي الإسلامي
الطفل في الفكر التربوي الإسلامي
تعنى الأمم بتربية أبنائها في مراحل نموهم المختلفة لان صورة مستقبل الأمة تعتمد على نوعية تربيتها لأبنائها ولان أطفال اليوم هم رجال الغد وان أهم ما يؤثر في نفسية الطفل وشخصيته هو ما يتعرض له من إجراءات تربوية في مراحل العمر الأولى وبخاصة في مرحلة الطفولة المبكرة ومن المدرسة الابتدائية.
وقد وصف القرآن الكريم مراحل نمو الإنسان حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّىٰ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴿٥﴾﴾ الحج.
فالتربية الإسلامية في مفهومها الشامل هي تربية تكاملية متوازنة موجهة نحو الخير وهي تربية سلوكية عملية وفردية اجتماعية كما أنها تربية لضمير الإنسان وفطرته وإعلاء لدوافعه والسمو بها وهي أيضا تربية متجددة وإنسانية عالمية.
مكانة الطفل في الإسلام:
جاءت عناية الإسلام بالطفل في مرحلة مبكرة من نظام الأسرة ترجع إلى ما قبل الزواج وقد ورد عن الرسول (ﷺ) في وصيته بحسن اختيار الزوجة قوله: (تخيروا لنطفكم) كما قال: (تنكح المرأة لأربع .. فاظفر بذات الدين).
الصفحة 143
وأشارت أحاديثه الشريفة إلى أهمية التربية الإسلامية للطفل في سن مبكرة وضرورة توفير البيئة البيئية المربية له لان البيت يستقبل الطفل على الفطرة حيث ورد عن الرسول (ﷺ) قوله:
) كل مولود يولد على الفطرة يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه (
ولعل ابلغ تأكيد على مكانة الطفل في الإسلام إن جعل الله الأولاد أمانة لدى آبائهم وأمهاتهم قال:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [سورة التحريم: 6] كما جعل الله الأولاد وديعة عند والديهم:
قال تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ﴾ النساء: 11 وهذه التوصيات القرآنية تمثل قمة أساليب التوجيه المباشر والدالة على أهمية الطفل ومكانته.
حقوق الطفل في الإسلام:
تعتبر الشريعة الإسلامية من أهم التشريعات التي اعتنت بالطفل وشرعت له حقوقا تصونه من الجور وتؤمن له تربية صالحة. وقلما نجد نظيرا للتربية الإسلامية في الاهتمام بالطفل وتكريمه والتأكيد على حقوقه والتي من أبرزها: العناية بالجنين وتحريم ابنائه أو إلحاق الضرر به بأي شكل من الإشكال بما في ذلك الإجهاض الذي يعتبر وفقا لقانون الأحوال الشخصية الأردني المستمد من الشريعة الإسلامية جرما يعاقب عليه القانون (المواد 321 - 325) من قانون العقوبات رقم 16 سنة 1960 إلا إذا تم ذلك بأمر الطبيب المسلم لغاية المحافظة على حياة الأم ولضرورة تقتضيها الاعتبارات الصحية.
الصفحة 144
ولا تهاون الشريعة الإسلامية في هذا المجال فقد حرمت قتل النفس الإنسانية مهما كانت الأسباب ود جعلت الموت عقابا لمن يقتل نفسا بريئة وقد ذهب المشرع الإسلامي إلى اعتبار إن الجنين نفس لا يجوز قتلها قال تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 31] الاحتفاء بالطفل وتكريمه عند مولده ومن مظاهر هذا التكريم ذبح شاة في اليوم السابع احتفاء بمولده.
والمعروف أن التشريع الأردني فيما يتعلق بالميراث يستند إلى الشريعة الإسلامية فقد نصت المادة 2/1086 من القانون المدني الأردني على ما يلي: ((تعيين الورثة وتحديد أنصبتهم في الإرث وانتقال التركة يخضع لأحكام الشريعة الإسلامية)).
وإما فيما يتعلق بتسمية المولود فاقد روي عن الرسول انه قال: ((أنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وبأسماء آبائكم فأحسنوا أسمائكم)).
العدل في المعاملة:
إن العدل هو أساس المعاملة في الإسلام يستوي في ذلك الكبار والصغار والذكور والإناث على السواء فقد أوجب الإسلام على الوالدين العدل بين أولادهم واعتبره من الأمور الأساسية التي تبني عليها الأسرة أسلوب تنشئه أبنائها فقد قال تعالى: ﴿۞ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ [النحل: 90].
الصفحة 145
كما ورد عن الرسول (ﷺ) أحاديث عديدة تؤكد هذا المبدأ التربوي حيث قال: (اتقوا الله واعدلوا في أولادكم (.
كما قال: ((من يلي من هذه البنات شيئا فأحسن إليهن كن له سترا من النار)) وهذا ينفي عن الأسرة المسلمة تفضيل الذكور على الإناث أو تفضيل الابن على سائر أخوته أو تفضيل ابن على آخر.
حق الطفل في التربية والتعليم:
إن تعليم الطفل يمثل ذروة حقوقه في الإسلام فقد فرضته طبيعة الدين الإسلامي الذي يقوم على إتقان العبادة وتأديتها بوعي وإدراك وقد ورد في مصادر التشريع الإسلامي أدلة كثيرة تؤكد إن تربية الطفل هي أوجب الأشياء على ولي الأمر نحو ولده. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: ٦] كما جعل الله الأولاد وديعة عند والديهم:
كما ورد عن الرسول (ﷺ) أحاديث عديدة تحث على تربية الأبناء وتعليمهم حيث قال: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته))
((من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها أدخله الله الجنة))
((مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عَشْر، وفرقوا بينهم في المضاجع))
ويساوي الإسلام بين الولد والبنت في التعليم فحق البنت في التعليم كحق الولد ويؤكد المربون المسلمون كالقابسي وغيره على حق البنت في التعليم انطلاقا من أن التكاليف الدهنية واجبة على الرجل والمرآة وهذا يتفق مع روح الإسلام الحقيقية التي جعلت من طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
الصفحة 146
ومع تسليم المربين المسلمين بهذا الحق للبنت فأن ابن سحنون والقابسي على سبيل المثال يذهبان إلى عدم الخلط بين الصبيان والإناث في التعليم الاعتبارات أخلاقية تربوية كما ينبغي إن تتعلم البنت ما فيه صلاحها وإبعادها عن الفتنة. وتبدأ تربية الطفل بتنمية الجسم حتى يشب صحيحا قويا لما التعليم المنظم فيبدأ عندما يصل الطفل إلى سن التميز وان هذه السن يمكن إن تبدأ في الخامسة أو بعدها تبعا لاختلاف نمو الصبيان في بلوغ سن التمييز وذلك لحديث محمود بن الربيع رضي الله عنه قال: ((عَقَلْتُ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَجَّةً مَجَّها في وجْهِي وأنا ابنُ خَمْسِ سِنِينَ مِن دَلْوٍ)).
ومع تقدم السن تزداد مطالب التعليم وتنمية العاقل ولقد أدرك المربون المسلمون إن طبيعة الطفل إن يكون نشيطا كثير الحركة وأدركوا إن نشاط الطفل دليل على صحة جسمه ويافظة عقله وصفاء ذهنه .
ويرى المربون المسلمون إن طبيعة الطفل محايدة وأنها لا تميل إلى الخير أو الشر بل إلى الجهة التي توجهه إليها التربية السائدة في مجتمعه ولقد اتخذ المربون المسلمون هذا الاتجاه منذ فجر الإسلام مستشهدين بقوله سبحانه: ﴿وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا (7) فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا (8) قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا (9) وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا (10)﴾ الشمس: ٧ -
يقول الغزالي حول هذا المعنى ((الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يقال فان عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه كل معلم ومؤدب وان عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له)).
الصفحة 147
ويرى كثير من علماء المسلمين كالغزالي وابن خلدون وغيرهما إن التعليم في الصغر يكون اشد رسوخا كما انه يكون أصلا لما بعده.
مبادئ تربية الطفل في الإسلام:
مراعاة الفروق الفردية واستعدادات الطفل الفطرية وتوجيهه حسب ميوله وقدراته التعليمية:
أن من مسلمات التربية الإسلامية إن الأطفال يختلفون في استعداداتهم وما هيئوا له وان بينهم فروقا في القدرة على التعلم وان بعض الأطفال أقدر من غيرهم في تعلم مجالات معينة من العلم كما إن منهم من لا يصلح تعليمه إلا لحد معين لا يتعداه فقد ورد عن الرسول(ﷺ) ((كل ميسر لما خلق له)).
ويرى المربون المسلمون ضرورة توجيه الطفل أو الصبي إلى ما يناسبه من تعليم وان يترك ما لا يقدر عليه ويقول ابن جماعة: ((وإذا علم المعلم إن تلميذا لا يصلح في فن أشار عليه بتركه والانتقال إلى غيره ما يرجى فيه فلاحه)). ویری ابن سينا إن بعض الناس لا يصلحون للتعليم فيقول: ((وربما نافر طباع إنسان جميع الأدب والصنائع فلم يعلق منها بشيء)). ويضرب لذلك مثلا فيقول: ((إن أناسا من أهل العاقل رأوا تأديب أولادهم واجتهدوا في ذلك واتفقوا فيه الأموال فلم يدركوا من ذلك ما حاولوا)). ويشير ابن سينا إلى وجود الفروق الفردية والرمزية بين الأطفال حيث يقول: ((واعلم إن التعلم سواء حصل من غير المتعلم أو حصل من نفس المتعلم متفاوت ... ومن الدليل على ما قلنا سهولة بعض الأدب على قوم وصحوته على آخرين. وكذلك نرى واحدا من الناس يؤتيه النحو وآخر يؤتيه الشعر وآخر تؤتيه الخطب
الصفحة 148
وآخر يؤتيه النسب.. فإذا خرجت من هذه الطبقة إلى طبقة أخرى وجدت واحدا يختار علم الحساب وآخر يختار علم الهندسة وآخر يختار علم الطب. ويشير الغزالي إلى أهمية مراعاة الفروق الفردية حيث يقول: ((وكما أن الطبيب لو عالج جميع المرضى بعلاج واحد قتل أكثرهم فكذلك المربي لو أشار على المريدين بنمط واحد من الرياضة أهلكهم وأمات قلوبهم وإنما ينبغي إن ينظر في مرضى المريد وفي حال سنه ومزاجه وما يحتمله من الرياضة ويبني على ذلك رياضته)).
ويقول الزرونوجي أيضا في نفس المعنى: ((إن على المعلم إن يشخص طبيعة الطفل المبتدئ ومستوى ذكائه ويعلمه على مقدار وسعه من العلوم الضرورية في الحياة كالقراءة والكتابة والحساب ثم يتجه به إلى العلم أو الحرفة حسب استعداداته وتكوينه)). ويدل هذا القول على اهتمام المربين المسلمين بتوفير التعليم الأكاديمي والمهني والحرفي المرتبط بحياة الأطفال وهو الاتجاه التربوي السائد في عالم التربية في الوقت الحاضر كالتعليم الشامل والبوليتكنيكي.
تكافؤ الفرص التعليمية:
إن فرص التعليم كانت متوافرة للمسلمين كافة وذلك لان التعليم بدأ في المسجد على أيدي العلماء المسلمين الذين يرون إن تعليم العلم ونشره فرض عين عليهم وبما هو معروف إن الإسلام حث المسلمين على ارتياد المسجد لكونه مؤسسة تربوية اجتماعية دينية فكانت فرص التعليم متوافرة لجميع الأطفال في الحي الواحد ويذكر الغزالي: ((إن الظلم ليس في إعطاء العلم لغير المستحق بل في منعه عمن يستحق)).
الصفحة 149
إلزامية التعليم:
يرى القابسي الزامية نشر الدين وتعاليمه وهذا لا يتم إلا من خلال تعليم أبناء الأمة فمعرفة العبادات واجبة بنص القرآن ومعرفة القرآن واجبة أيضا لضرورتها في الصلاة وان الوالد مكلف في تعليم ابنه القرآن والصلاة، فإذا لم يتيسر للوالد إن يعلم أبناءه بنفسه فعليه إن يرسلهم إلى الكتاب لتلقي العلم بالأجرة، فإذا لم يكن الوالد قادرا على التعليم فأقرباؤه مكلفون بذلك، فإذا عجز أهله عن نفاقة التعليم فالمحسنون مرغبون في ذلك كما إن معلم الكتاب يعلم الفقير احتسابا أو من بيت المال.
ويمكن القول إن اجتهاد القابسي الذي أعلنه في القرن العاشر الميلادي هو تقرير بحد أدنى للتعليم الإلزامي يتفق مع ظروفه وإمكاناته وحاجاته، كما يستدل ما كتبه القابسي على إن البنات كن يتعلم أيضا، وذلك نتيجة لان المسلمين ذكورا وإناثا مكلفون جميعا بنص القرآن الكريم بنفس التكاليف من العبادات.
سن التعليم:
حث الإسلام على تربية الطفل وتعليمه، ولكنه لم يحدد السن التي يبدأ عندها تعليم الطفل، فقد ترك ذلك لظروف المجتمعات الإسلامية، وذهب معظم المربين المسلمين إلى ضرورة التبكير والبدء في تعليم الطفل في سن ما بين الخامسة والسابعة، بهدف إعداد الطفل لأداء الصلاة المفروضة على المسلم في سن السابعة، حيث قال الرسول (ﷺ) ((مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين)).
الدين أصل الأخلاق:
يعتبر المربون المسلمون الدين أصل الأخلاق وأساس التربية الخلقية في الإسلام وان أساس الأخلاق عندهم الضمير الخلقي المستمد من الدين.
الصفحة 150
وبين ابن مسكوية اثر الدين في أخلاق الصبيان فيقول: ((والشريعة هي التي تقوم الإحداث وتعودهم الأفعال المرضية وتعد نفوسهم لقبول الحكمة وطلب الفضائل والبلوغ إلى السعادة الإنسانية)).
التدرج في تربية الطفل:
أشار علماء المسلمين إلى ضرورة التدرج في تعليم الصبي والبدء بالأشياء السهلة ثم الانتقال منها إلى ما هو أصعب ويطالبون المعلم بألا يخوض في العلم دفعة واحدة بل يتدرج فيه مع مراعاة الترتيب بالاهم وكذلك ينبغي عليه إلا يخوض في علم إلا بعد إن يستوفي ما قبله فالعلوم مرتبة ترتيبا ضروريا وبعضها طريق بعض وفي ذلك يقول الغزالي: ((إن أول واجبات المربي إن يعلم الطفل ما يسهل عليه لان الموضوعات الصعبة تؤدي إلى ارتباكه العائلي وتنفره من العلم)).
ضرورة المدح والتشجيع.
يتفق المربون المسلمون على ضرورة مدح الطفل وتشجيعه إذا ما اظهر أي شيء يستحق المدح وذلك تشجيعا له.
ويقول ابن مسكوبة في - تهذيب الأخلاق -: ((ويمدح الصبي بكل ما يظهر فيه من خلق جميل وفعل حسن يكرم عليه)).
ضرورة الترويح واللعب:
تهم التربية الإسلامية بضرورة الترويح عن نفس الطفل وفي ((تربية الأولاد)) يشير الغزالي إلى ضرورة الترويح عن الصبي وأشار إلى موضوع اللعب الذي قال إن له ثلاث وظائف:
پروض جسم الصغير ويقويه.. يدخل السرور إلى قلبه.. يريح الصبي من تعب الدرس ويروح عن النفس كللها ومللها
الصفحة 151
يقول الغزالي أيضًا:
"إن منع الصبي من اللعب وإرهاقه بالتعليم دائمًا يميت قلبه ويبطل ذكاءه وينغص عليه العيش".
الرفق في المعاملة:
من الاعتبارات الإسلامية الهامة في معاملة الصبي الرفق به، وعلى المعلم أن يترفق بتلاميذه ولا يتشدد معهم، ومن حسن رعايته لهم أن يكون بهم رفيقًا، وعليه أن يجريهم منه مجرى بنيه.
وإذا ما أخطأ الصبي مسلك الطريق السوي، راضه المعلم مبينًا له السبيل التي ينبغي سلوكها، وأول سبل الرياضة الإفهام والتنبيه.
وقد أشارت أصول التربية الإسلامية ومنابعها، وهي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، إلى أن التعليم هو دعوة المتعلم إلى تقبل العلم أو التزكية بالحكمة والموعظة الحسنة: قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ [ سورة الجمعة: 2] وقال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [ النحل: 125]. وليس من الحكمة أن يرافق الكتاب والتزكية عقوبة. أما في السنة، فإن ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل يدل على رفقِه بالأطفال وصبره عليهم واحتماله لمداعبتهم، ما لا يدع مجالًا لقبول إيقاع العقوبة البدنية بالأطفال.
أما المربون المسلمون فقد أقروا مبدأ عقاب الصبيان، لكنهم اشترطوا الرفق بهم تمشيًا مع روح الإسلام التي تتسم بالرحمة والعفو، وقد نهى المربون المسلمون عن استخدام أسلوب الحرمان من الطعام والشراب في العقاب لما له من أثر على صحة
الصفحة 152
الطفل في هذه المرحلة، ونهوا المعلم عن الانتقام في العقاب وضرب الصبيان في حالة الغضب.
ويقول القابسي: "إذا أحسن المعلم وضع الأمور في موضعها، فإن النظر في زجر الصبيان لا يخرجه عن حسن رفقه بهم ولا عن رحمته إياهم، فإنه هو عوض عن آبائهم".
ويرى ابن جماعة أن يعامل المعلم الطالب كما يعامل أعز أولاده، حيث يقول: "وينبغي للمعلم أن يعتني بمصالح الطالب ويعامله بما يعامل به أعز أولاده من الحنو والشفقة عليه والإحسان إليه والصبر على جفاء ربما وقع منه أو نقص لا يكاد يخلو الإنسان منه وسوء أدب في بعض الأحيان، ويبسط عذره بحسب الإمكان ويرفقه مع ذلك على ما صدر منه بنصح وتلطف لا يتعنيف وتعسف، قاصدًا بذلك حسن تربيته وتحسين خلقه وإصلاح شأنه، فإن عرف ذلك بذكائه بالإشارة فلا حاجة إلى صريح العبارة، وإن لم يفهم ذلك إلا بصريحها أتى بها وراعي التدريج في التلطف".
ويقول ابن مسكويه: "والذنب الأول الذي يرتكبه الصبي يعفى عنه، والثاني يعاتب عليه عتابًا غير مباشر كأن يقول له: إن فعل كذا وكذا قبيح، والثالث يعاتب عتابًا مباشرًا، فإن عاد إلى ذلك ضرب ضربًا خفيفًا، فإذا استعمل المعلم هذه الطرق ولم ينته الصبي فعليه أن يتركه مدة ثم يعود إليه بنفس الطرق".
ويستنتج من آراء المربين المسلمين إقرارهم لمبدأ الضرب كعقوبة، إلا أنهم اشترطوا لها مجموعة من الشروط أهمها:
1. لا يجوز ضرب الأطفال قبل العاشرة لقوله (ﷺ): "مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر".
الصفحة 153
2. لا يجوز ضرب الطلاب الذين تقدمت أعمارهم.
3. لا يوقع المعلم الضرب إلا على ذنب وللضرورة القصوى ولا يكثر فيه.
4. أن يكون العقاب على قدر الذنب.
5. أن يكون الضرب من واحدة إلى ثلاث ويستأذن ولي الأمر فيما زاد عن ذلك.
6. أن يقوم المعلم بالضرب بنفسه ولا يوكله لواحد من الصبيان.
7. أن يكون الضرب على الرجلين ويتجنب الوجه والرأس أو الأماكن الحساسة من الجسم.
8. أن تكون آلة الضرب هي الدرة أو الفلقة، ويجب أن يكون عود الدرة رطبًا مأمونًا.
وعلى الرغم من محاولات المربين المسلمين إحاطة العقوبة البدنية بإطار من الشروط، فإن اتجاهاتهم في تفضيل استبعادها كانت واضحة وصريحة.
الصفحة 154
الفصل التاسع: الاختلافات الفردية بين الكائنات
الاختلافات الفردية بين الكائنات
الفروق الفردية ظاهرة عامة في جميع الكائنات العضوية، وهي سنة من سنن الله في خلقه، فأفراد النوع الواحد يختلفون فيما بينهم، فلا يوجد فردان متشابهان في استجابة كل منهما لموقف واحد، وهذا الاختلاف والتمايز بين الأفراد أعطى الحياة معنى، وجعل للفروق الفردية أهمية في تحديد وظائف الأفراد، وهذا يعني أنه لو تساوى جميع الأفراد في نسبة الذكاء، على سبيل المثال، فلن يصبح الذكاء حينذاك صفة تميز فرداً عن آخر، وبذا لا يصلح جميع الأفراد إلا لمهنة واحدة.
وتعد الفروق الفردية ركيزة أساسية في تحديد المستويات العقلية والأدائية الراهنة والمستقبلية للأفراد، ولذلك فقد أصبحت الاختبارات العقلية وسيلة هامة تهدف إلى دراسة احتمالات النجاح أو الفشل العقلي في فترة زمنية لاحقة.
أما عن الفروق الفردية في الشخصية، فنجد أن كل إنسان متميز بذاته، ولا يمكن أن يكون كذلك إلا إذا اختلف عن الآخرين. وقد اقترح فؤاد أبو حطب في كتابه عن القدرات العقلية تعريفاً للشخصية في إطار الفروق الفردية، حيث وصف الشخصية بأنها البنية الكلية الفريدة للسمات التي تميز الشخص عن غيره من الأفراد.
وتعتمد مقاييس الشخصية على ظاهرة الفروق الفردية في الكشف عن العوامل الرئيسية التي تحدد نجاح الأفراد، حيث إن النجاح يمتد في أبعاده ليشمل كل مكونات الشخصية، في تفردها من فرد إلى آخر.
الصفحة 157
وتعد ظاهرة الفروق الفردية من أهم حقائق الوجود الإنساني التي أوجدها الله في خلقه، حيث يختلف الأفراد في مستوياتهم العقلية، فمنهم العبقري والذكي جداً والذكي ومتوسط الذكاء ومنخفض الذكاء والأبله، هذا فضلاً عن تمايز مواهبهم وسماتهم المختلفة.
مراعاة الفروق الفردية في الأسرة:
إن الله سبحانه وتعالى لما خلق الخلق جميعاً ونثر عليهم من مواهبه، جاء كل واحد منهم مختلفاً عن الآخر لا يشابهه ولا يطابقه، وقد أكد الله سبحانه هذا الاختلاف: "ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات".
وهذا التفضيل قد يكون بالجسم أو بالعلم أو بطريقة التفكير أو بالأمور المادية. قال الله حكاية عن طالوت: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 247).
لذلك حرص الإسلام على مخاطبة الناس على قدر عقولهم وعلى مقدار ما يستوعبون ويفهمون. لذلك ورد في صحيح الإمام مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه: "ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة".
وورد عن علي رضي الله عنه: "حدثوا الناس بما يطيقون أتحبون أن يكذب الله ورسوله". ومعنى هذا الكلام كله أن الإسلام أقر بالفروق الفردية بين الأشخاص والأفراد، أو بمعنى آخر أقر مبدأ الاهتمامات المختلفة، فما أهتم به أنا ليس بالضرورة أن تهتم به أنت، وما يهتم به ولدي هو غير الذي أهتم به مع وجود قاعدة أساسية لهذه الاهتمامات والاختلافات.
الصفحة 158
وإن كان هذا الكلام ينطبق على المجتمع المسلم كله فهو كذلك ينطبق على الأسرة المسلمة، فما أهتم به أنا غير الذي تهتم به زوجتي، فلذلك كان لزاماً على كل مسؤول عن أسرة أن ينتبه لهذه الفروق ولا يحولها إلى نقطة خلاف تسيء لحياته وحياة من حوله.
القدوة العظمى عليه السلام اهتم بهذه الفروق الفردية وبينها وتعامل معها تعاملاً إيجابياً وحولها من نقطة خلاف إلى نقطة تربية وتوعية، فمرة كما في صحيح البخاري عن أنس قال: "كان النبي ﷺ عند بعض نسائه (صرح غير البخاري بأنها عائشة) فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين (وصرح غيره بأنها أم سلمة) بصحفة فيها طعام فضربت التي النبي ﷺ في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت فجمع النبي ﷺ فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول غارت أمكم ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت" (البخاري).
والنبي في تعامله مع هذه الحادثة يعلمنا طريقة للتعامل مع فارق فردي موجود عند النساء بكثرة إنه الغيرة والتعامل بحكمة مع شيء من التجاهل.
وكذلك كانت طريقة تعامله عليه السلام مع الأطفال مراعاة منه لهذه الفروق، فكان يحمل الحسن والحسين وهو في الصلاة كما رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: "كنا نصلي مع رسول الله ﷺ العشاء فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا رفع رأسه أخذهما بيده من خلفه أخذاً رفيقاً ويضعهما على الأرض فإذا عاد عادا حتى إذا قضى صلاته أقعدهما على فخذيه" (أحمد). وكم هي سعادة الأطفال عندما يتعلق بآبائهم وهم في الصلاة.
الصفحة 159
إن خطأ الكثير من الناس أنه يريد لزوجته أن تلغي هذه الفروق الفردية من حياتها ويريد من أولاده أبلغوا كذلك هذه الفروق ويري أن يحشر الناس جميعا في رغباته الخاصة وأهواءه وما يريد هو فقط وبالتالي لا يحصد في بيته إلا شقاء وفي مجتمعه إلا نفورا.
إن الحياة الزوجية لا تقوم على التشابه وإنما تقوم على المودة ومن يريد أن يجعل من أولاده نسخة منه فإنه لن يحصد إلا مرارة وشقاء والأب الواعي والمستهدي بهدي النبي والسلف الصالح لا يجعل من هذه الفروق الفردية نقطة خلاف إنما يحول هذه الفروق بحكمة إلى وسيلة تربوية وإرشادية.
واللطيفة من الزوج أفضل عندهن من كثير من الأمور الأخرى والزوج مثلا يعتبر هذا الكلام سخافة وهراء ولا وجود له وقد ذهب ومن الأمثلة على الفروق الفردية التي يجب الاهتمام بها واستخدامها كوسيلة تربوية أن بعض النساء تكون الكلمة الجميلة أوانه وعدم الاهتمام بهذه النقطة مثلا قد يولد بعض النفور من الزوجة كذلك بعض الأولاد ينظرون رجوع والدهم من عمله بفارغ الصبر ليأتي لهم ببعض الأمور كالحلوى والألعاب لكن كثيرا من الآباء ينسون هذا وتخيب آمال الأطفال برجوع آبائهم إلى البيت.
إن الاهتمام بهذه الفروق الفردية أمر مهم وملح ونحن بحاجة له لشري المجتمع بالتنوع وهو لا شك أمر يتماشى مع الحياة والفطرة السليمة.
الفروق الفردية لدى أطفال ما قبل المدرسة
( من السنة الثانية حتى الخامسة)
تغدو الفروق الفردية والفئوية واضحة تماما في عدد من الجوانب خلال سنوات ما قبل المدرسة. يرجع عدد من تلك الفروق إلى عوامل مترابطة متفاعلة فيمكن
الصفحة 160
مثلا إيضاح الكثير من الفروق في أطر الطبقة الاجتماعية والأصل العرقي والمستوى الثقافي الفئوي والمجتمعي ويغية الإيضاح سوف تتفحص بعض تلك العوامل بصورة منفصلة دون أن ننسى التفاعل الهام الذي يعمل فيها.
الفروق بين الجنسين
ما لا شك فيه أن هناك فروقا كبيرة بين الصبيان والبنات في مرحلة ما قبل المدرسة تختلف أسبابها من صفة عائلية لأخرى. ويبدو أن تلك الفروق ترجع إلى عوامل حيوية واجتماعية متضافرة. أما منشأ تباين صفات الشخصية فربما يرجع بعظمه إلى الوسط الاجتماعي.
القدرات العقلية:
يعتقد الكثيرون أن البنات أقدر على أداء المهمات اللفظية من الصبيان الذهن يتفوقون عليهن في مهمات تقوم على الإدراك المكاني والفهم الميكانيكي. ويؤكد ماكوبي وجاكلين اللذان جمعا وقائع ضخمة في هذا المجال وجود فروق كبيرة في النمو اللغوي.
فالبنات يبقين متفوقات على الصبيان حتى السنة الثالثة من العمر حيث يلحق الصبيان بهن وتستعيد البنات تفوقهن حوالي السنة الحادية عشرة وفي دراسة أخرى أبدى الإناث ومنذ سن مبكرة تفوقا واضحا في القدرة اللغوية واستمر هذا التفوق مدى الحياة.
وقد أوضحت الملاحظات على الأطفال جميعهم سواء في ذلك العاديون والنوابغ وضعاف العقول أن البنات يبدأن في الكلام قبل الأولاد. كذلك وجد أنه في الأعمار جميعها تكون نسبة الإصابات باضطرابات الكلام أو التأخر في القراءة
الصفحة 161
أقل كثيرا عند البنات منها عند البنيين. وقد أظهرت البنات تفوقا مستمرا في روائز سرعة القراءة والألفاظ المتشابهة والمتضادة وتكميل الجمل وإعادة ترتيبها وربما يعزى تفوق البنات في العديد من روائز الذكاء اللفظية إلى القدر الكبير الذي تتضمنه في النواحي اللغوية واللفظية (أنستازي 1969 ص 5,6). ليس ثمة ما يؤكد الافتراض القائل بتفوق الصبيان على البنات في قابلية إدراك المكان إذ أن الحكم بتفوق أحد الجنسين على الآخر يصطد بالعجز عن تحديد قابليات إدراك المكان ووسيلة قياسها.
وعلى العموم فعندما تبرز فروق الأداء في قابليات إدراك المكان بين النسين يتفوق الصبيان على البنات ولقد أكد ماكوبي وجاكلين أن تفوق الصبيان على أندادهم البنات في القدرة المكانية يظهر في سن المراهقة ويستمر في سن الرشد حيث يثبت ويستقر.
هذا وقد لوحظ باستمرار أن الذكور يمتازون دائما في مختلف نواحي القدرة الميكانيكية. ويتفوق الذكور عادة في روائز لوحات الأشكال والصناديق المحيرة والمتاهات وروائز الحل والتركيب وغير ذلك من أنواع الروائز التي تدخل ضمن مكونات مقاييس الذكاء العملية. إلا أن الإناث أبدين تفوقا واضحا في اختبارات
المهارة اليدوية والرشاقة في استخدام الأصابع. (أنستازي 1969 ص 4,6). أخيرا لم يجد ماكوبي وجاكلين في مراجعتهما للفروق الجنسية في القابلية الكمية والتفكير التحليلي والمنطق أي فرق بين الذكور والإناث إلا في المراهقة. وحتى في سن المراهنة فإن أكثر الدراسات تنفي قيام فروق جنسية كبيرة في القابليات المشار إليها. وكل ما يقال الآن هو التأكيد بنفي الفروق الجنسية في تلك القابليات في مرحلة ما قبل المدرسة.
الصفحة 162
صفات الشخصية:
تشمل الفروق بين الجنسين كثيرا من جوانب السلوك وتعكس تباينا واضحا في صفات الشخصيتين الذكرية والأنثوية. ولا شك أن التباين في صفات الشخصية بين الجنسين يرتبط ارتباطا وثيقا بالبيئة الاجتماعية. ويهدف الكشف عن الفروق الجنسية في صفات الشخصية سندرس أثر تلك الفروق في استقلالية الإدراك واللعب والعدوانية.
عرفت استقلالية الحافل الإدراكي بالميل لتوجيه الفرد محيطه المباشر في إطار دلائل تنبع من داخله أما اتكالية الحافل الإدراكي فتعرف بالميل لاستخدام الدلائل الخارجية لتوجيه المحيط المباشر للفرد. ويكون الطفل الذي ينتظر توجيهات أقرانه أو الراشدين ليؤدي عملا ما اتكالي الإدراك خلافا لنظيره الذي يقوم الموقف ويفعل ويقرر ما يراه ملائما فهو استقلالي الإدراك والاستقلالية والاتكالية سمتان بارزتان في الشخصية البشرية تؤثران في الكثير من ضروب سلوك الفرد.
تؤكد أغلب الدراسات ميل الإناث طفلات وراشدات لأن يكن اتكاليات النمط الإدراكي خلافا للذكور الذين يتميزون باستقلالية النمط الإدراكي. وقد حاول بعض الباحثين إرجاع الفروق المذكورة إلى القوالب الفكرية القبلية المميزة للبيئة وما تلقيه من ضغط على المرأة لتخضع للمواصفات الاجتماعية.
تؤكد ظاهرة مساواة الاسكيمو للمرأة بالرجل وانعدام فروق النمط الإدراكي بين الجنسين هناك صحة التفسير المذكور ومن طرف آخر فإن جماعة (تين) في أفريقيا الشرقية تضطهد المرأة فتظهر الكاليتها إلى جانب استقلالية الرجل.
لقد وضعت روائز النمط الإدراكي بالأصل للراشدين إلا أن المحاولات الأخيرة قد توجهت نحو تصميم روائز لقياس تلك السمة لدى الأطفال فوضعت روائز
الصفحة 163
الأشكال المخفية لأطفال ما قبل المدرسة. وتتطلب تلك الروائز من الطفل أن يهد شكلا بسيطا نخفيا في شكل معاند. يفترض أن استقلالي النمط الإدراكي من الأطفال أقل ميلا من الكالي النمط الإدراكي للانزعاج من المهمة أو لتسليم ذواتهم للتضليل الإدراكي في الشكل المعاند. وقد وجد بنتيجة الروز أن صبيان الرابعة والخامسة أميل إلى استقلالية النمط الإدراكي من بنات تلك السن.
وكما يؤكد الباحثون ترجع الفروق المذكورة إلى القوالب الفكرة السائدة والمحددة لدور الأنثى في المجتمع. ويشير ميل بنات ما قبل المدرسة للاتكالية وصبيانها للاستقلالية إلى أن السمة المذكورة هي نتاج ضرب من التعلم الشرطي المعزز.
كان المحلل النفسي الشهير (أريك أريكسون (أول من لاحظ فروق الصبيان عن البنات في مجال اللعب. وأكد أريكسون ميل البنات للعب في الساحات الداخلية المكشوفة إذ وضعن تصاميم تشابه الصرعات الداخلية للبيوت العربية المعروفة أما الصبيان فكانت أبنيتهم قلاعا وتمرات متعرجة. ولقد خاف الصبيان من تحطم قلاعهم أما البنات فكن يخشين اجتياح الحرمة الداخلية لأبنيتهن.
ويرأي أريكسون تبدو الرمزية الجنسية في الفعاليات المشار إليها في غاية الوضوح. أما الشيء الغامض فهو أصل تلك الرمزية وسبب الفروق فيها.
وفي محاولة للإجابة على هذا السؤال وتفسير الفروق القائمة بين الجنسين في مجال اللعب أكد بعض الباحثين خضوع اللعب عند الأطفال لإشراط اجتماعي معزز فالمألوف أن تعطي البنات دمى وأشياء نسائية ويشجعن على اللعب بها خلافا للصبيان الذين توفر لهم مواد البناء والعربات والسيارات والمعاول والرفوش ويشجعون على اللعب بها إلا أن هذا التفسير لم يلق قبولا عند ( غرامر وهوغان ) اللذين قدما ردا شاملا ضد نظرية التعلم التي اقترحها أريكسون لتفسير تلك
الصفحة 164
الفروق وأكدوا على أن لعب الأطفال يعكس (مواضيع) أساسية ترتبط بفروق البنى العضوية بين الجنسين. ربما كان بعض الحقيقة في كل من التفسيرين إذ ربما توجه اختيار الأهل لألعاب أطفالهم بإدراكهم للفروق في بناهم الجسمية. وليس
تشجيع الوالدين لأطفالهم للعب بالأشياء الملائمة لأجسامهم إلا خضوعا لمبدأ إدراك الفروق الجسمية ولكنه خضوع يؤمن بالتعلم الاجتماعي الاشتراطي المعزز.
هناك فروق أخرى ترتبط بالفروق في لعب الجنسين وتتمثل بعدوانية كل من الصبيان والبنات. تظهر الفروق بين الجنسين في العدوانية باكرا في السنة الأولى ويبدى الصبيان نزعة للعدوان والاكتشاف أشد من نظيرتها لدى البنات. وتتضح تلك الفروق وتشتد في مرحلة ما قبل المدرسة التي يهتم فيها الصبي بالأشياء خلافا الاهتمام البنت الذي يتعلق بالناس.
وتشير الدراسات المتعددة إلى أن الصبيان يصرفون من وقتهم في العدوان ضعف الوقت الذي تصرفه البنات فيه فإن اختلفت البنت مع أحد على أمر مالت إلى الخضوع أو النزاع الكلامي ولا تحاول أن تتعارك من أجل ما تسميه حاقها في الشيء أما الصبيان فالعراك سبيلهم لإقرار منازعاتهم.
إن التباين في صفات الشخصيتين الذكرية والأنثوية يتجلى أيضا في مجال التفاعل الاجتماعي. ففي مواقف المجابهة مع الوالدين أو أي شخص آخر يسلك الصبيان والبنات بصورة جد مختلفة. فتبدو البنات خائفات مترددات وتبدين حركات في الوجه تنم عن التوجس في حين لا يبدي الصبيان خوفا ملحوظا في مثل تلك المواقف ويديرون رؤوسهم ووجوههم بعيدا عن مشهد المجابهة. إن التفاعل الاجتماعي لكل من الصبيان والبنات في غاية الاختلاف والتعقيد ويرجع هذا الاختلاف إلى الإشراط الاجتماعي والقولية الفكرية الاجتماعية وإلى فروق البنية
الصفحة 165
الجسمية لدى الجنسين التي قد تؤدي إلى استعداد العضوية للاستجابة لواحدة من الصيغ الاجتماعية دون الأخرى.
وأخيرا ينمو وعي الطفل لدوره الجنسي وللقوالب الفكرية الاجتماعية حول الجنس بصورة جد مبكرة ففي نهاية السنة الثالثة يعرف أغلب الصبيان والبنات المظاهر الرئيسة للقوالب الفكرية القبلية بصدد السلوك الجنسي. ويستطيع أطفال ما دون الثالثة التعرف على صور الثياب والدمى والأدوات وتمييز ما يستخدمه الصبيان مما تستخدمه البنات.
بنية الأسرة:
تأخذ أنماط التفاعل بين الطفل ووالديه وأخوته شكلها في بداية مرحلة ما قبل المدرسة ويكون لها أثر هام في نمو شخصية الناشئ وسوف نهتم هنا بترتيب ولادة الطفل وبغياب الوالد. وذلك لأثرهما المؤكد والعميق في شخصية الطفل عندما يبلغ الرشد.
1- ترتيب الولادة:
تتوفر أدلة في غاية الأهمية تبين أن الابن البكر يختلف بعدد من الصفات عن الطفل الأخير. فترتفع نقط البكر والوحيد في روائز التحصيل والذكاء عن نقط الطفل الأخير. وفي هذا الصدد نذكر أن الأمريكيين كلهم الذين استطاعوا الوصول إلى القمر كانوا أبكار أسرهم. ولا يزال سبب تلك الظاهرة مجهولا على الرغم ما قيل في إيضاحها. وفي إحدى الدراسات اختيرت ثلاث عينات من أخذوا رائز أهلية المعونة القومية. وقد سحبت العينة الأولى عشوائيا من الذين أخذوا الرائز كلهم وسميت بالعينة المعيارية واختيرت العينة الثانية عشوائيا من المتفوقين في الرائز وشملت العينة الثالثة كل من أخذ الرائز نفسه في واحدة من السنوات الماضية شمل
الصفحة 166
الرائز خمسة مواضيع هي: استخدام اللغة والحساب والاجتماعيات والطبيعيات واستخدام المفردات. ولقد تبين أن الطفل البكر من العينات الثلاث المتحدر من أسرة صغيرة قد حصل على أعلى النقط في حين أن الولد الأخير المتحدر من أسرة كبيرة قد حصل على أدنى النقط. وتفوق الابن البكر على الأولاد كلهم في المهارات الحسابية.
وفي محاولة لتحليل ظاهرة التفوق التحصيلي عند الأولاد البكر يقترح شاختر نظرية المقارنة الاجتماعية. أنه يرى أن الولد البكر يقيس نفسه في إطار تحصيل والديه فيغدو قوي النزعة للتحصيل المدرسي بسبب ضخامة الهوة بينه وبين والديه الأمر الذي يدفعه لسد الثغرة واللحاق بهم. ويرى باحثون آخرون أن الأهل يعاملون الولد البكر بصورة مختلفة عن الصغير إذ أن الأهل يلقون ضغوطا ثقيلة على البكر ويتوقعون منه الكثير. لهذا يبدي البكر سعيا دائما للتحصيل. إلا أن شاختر مع تأكيد التفوق الدراسي للأولاد الأبكار قد كشف الكثير من سمات الشخصية الاتكالية لديهم ووجد أن المترددين على العيادات النفسية كان أكثرهم من نوع الطفل الأول أو الوحيد وأقلهم من الأطفال المتأخرين الذين يفضلون أن يحلوا مشاكلهم بأنفسهم وأن الأطفال المتأخرين في الترتيب أكثر ميلا إلى إدمان الخمور من المجموع العام للسكان وإن الطيارين المقاتلين من الأطفال الأوائل أقل من عداهم شراسة في القتال. وبرأي هارولد كيلي أن للترتيب الميلادي أثرا في تحديد نوع الصراع على القوة عند الفرد فالطفل الأول حين يصارع غيره على القوة لا يسلك سلوكا من شأنه أن يؤدي إلى خسارته لهم تماما على حين أن الطفل المتأخر يعنيه أن تكون له الغلبة بصرف النظر عن نتائج الصراع في علاقته بالخصم. ((سـ سلامة، أحمد عبد العزيز، عبد الغفار، عبد السلام ص23)..
الصفحة 167
وأخيرا فإن البنات الأبكار اللواتي لهن أخوات أصغر منهن والصبيان الأبكار الذين لهم أخوة أصغر منهم يبدون درجة أقل من (السعي الدائب للتحصيل) والاتكالية التي تميز الأبناء الأبكار. وربما وجب على أي تعميم بصدد الولد البكر والأطفال المتأخرين في الترتيب الميلادي أن يعدل ليأخذ بعين الاعتبار جنس الأشقاء في الأسرة وفروق السن بينهم وغير ذلك من العوامل ففي الوقت نفسه الذي يبدي فيه غالبية الأطفال الأبكار التركيب الشاذ المكون من (السعي الدائم للتحصيل) والتعلق الشديد تبانى بقية الأشقاء والشقيقات في منأى عن تلك السمات وخاضعة لتأثيرات عديدة أخرى.
غياب الوالد:
درس غياب الوالد جيدا لأنه افترض بأن وجود الوالد في البيت ضروري للنمو الطبيعي للأولاد وخاصة منهم الصبيان. وكما أشرنا سابقا فإن الأثر الذي يتركه غياب الوالد عن البيت يتوقف على سن الطفل يوم يترك والده البيت سواء أكان غياب الوالد دائما أم مؤقتا وسواء رجع غيابه إلى الطلاق أو إلى الموت أو إلى الاستقرار المالي للأسرة أو غيرها من الأسباب.
ومن الممتع في فحص بعض تلك العوامل مراجعة دراستين مقارنتين الأسر الملاحين في كل من الترويج وإيطاليا أعطي الأولاد في كلا الدراستين دمى يلعبون بها لتقويم سلوك الفحولة أو الأنوثة واستجوبت الأمهات للغرض نفسه وقد أبدى أولاد البحارة الترويجيين الذين غاب والدهم عن البيت بالمقارنة بفئة ضابطة تصرفات مفرطة في الفحولة وأنماط تعويضية ومصاعب في التكيف مع الأقران.
وذكرت الأمهات بأنهن أفرطن في وقاية الأولاد وأن لهن القليل من الاهتمامات خارج البيت . ولم تؤكد النتائج التي حصلت من إعادة الدراسة على أبناء البحارة
الصفحة 168
الإيطاليين نظيرتها لدى النرويجيين فلم يختلف الصبيان في ذكورتهم عن الفئة الضابطة. وعلى النقيض من ذلك بدا أن النسوة اللواتي لم يغادر أزواجهن البيت قد أفرطن في وقاية أولادهن خلافا للنسوة اللواتي غاب أزواجهن عن البيت. وفي كلا الحالين أرجع الباحثون سلوك الصبيان للأثر الذي يتركه غياب الوالد في الأم نفسها وللسياق الاجتماعي لغياب الوالد وليس لغياب الوالد بذاته فالمجتمع الجنوبي يخول المرأة قدرا كبيرا من الاستقلالية ويجعلها مسؤولة عن مالية الأسرة وإداراتها إضافة لذلك فللأسرة الجنوبية أسرة أعم تصل حتى الجد الثالث وهذا ما يوسع نطاق العلاقات الاجتماعية لتلك الأسرة ويجعلها منفتحة أما المرأة النرويجية فكانت أقل مسؤولية وأكثر اتكالية وأقل ميلا من المرأة الإيطالية للعمل خارج البيت. ويعود السبب في ذلك إلى أنه لم يكن للأسرة الترويجية أسرة أعم منها ولا أصدقاء كما هو الحال في الأسرة الجنوبية - فمن المعقول للمرء أن يستنتج إذا أن آثار غياب الوالد في الطفل يمكن التخفيف منها عن طريق الأم ويتوقف الأمر على اتجاهات الأم وشخصيتها وسلوكها.
الفروق الاجتماعية والثقافية:
يخضع الأولاد في مرحلة المدرسة لعدد من التأثيرات الاجتماعية والثقافية التي تؤدي دورا كبيرا في تحديد أنماط تفكيرهم وسلوكهم سوف تتناول في هذا القسم اللغة وأنماط التعزيز وأساليب التنشئة على الرغم من أنه لا تتوفر لنا وقائع ذات جذور تجريبية عميقة وذلك بسبب عمومية العوامل الثقافية والاجتماعية.
الطبقة الاجتماعية والفروق في اللغة:
يقوم بين علماء الاجتماع نزاع حول معاني فروق الطبقات الاجتماعية في اللغة. هناك أولا الذين يدعون أن لأبناء الطبقة الدنيا مهارات لغوية مختلفة عن نظيرتها
الصفحة 169
لدي أبناء بقية الطبقات. ويعتقد (برنستين) أن أبناء الطبقة الدنيا يتواصلون بمعونة رمزية محددة تنقلها الإشارات غير اللغوية. وذلك خلافا لأبناء الطبقتين المتوسطة والعليا الذين يستخدمون رمزية متقدمة تمكن من نقل مضامين الحوار كلها لغويا.
ويضيف برنستين أن الفروق اللغوية تؤدي إلى توجهات متباينة تشمل باقية جوانب الحياة مثل التربية والعمل والعلاقات التبادلية وسواها. فاللغة برأيه تشكل التعامل الاجتماعي وتؤطره.
توصل الباحثون في الولايات المتحدة الذين اقتفوا خطوات برنستين في بريطانيا إلى النتائج ذاتها. مثلت أمهات الطباتين الدنيا والوسطى عددا من الأسئلة مثل) دعينا تتصور إن ابنك على وشك دخول المدرسة أول مرة فكيف تعتقدين أنه يجب
عليك إعداده لذلك؟) من الإجابات:
) اذهب أولا وأعاين مدرسته وسوف اتحدث عن البناء ثم نرى المدرسة وأخبره بأنه سوف يقابل أطفالا جددا يمكن أن يكونوا أصدقاءه وأنه يمكن أن يلعب معهم ويعمل. وسأوضح له أن المعلم سيكون صديقا له وسيساعده ويوجهه في المدرسة وأن عليه أن يطيع المعلم الذي سيكون كامه في غيابها).
) حسنا سأخبره أنه ذاهب للمدرسة وأن عليه أن يجلس ويهتم بالمعلم وأن يكون صبيا طيبا وساريه كيف يسلك عندما يعطونه الحليب وكيف يفترض أن يأخذ الماصة وألا يضع شيئا على الأرض عندما ينتهي) (هس 1968 ص 96).
واضح أن الأم الثانية التي تتحدر من الطبقة الدنيا تحدثت في إطار الأوامر العامة في حين أن الأم الأولى المتحدرة من الطبقة الوسطى قد تحدثت في إطار التعليمات الإيضاحية حول قواعد المدرسة وضرورة إطاعتها. وحين مثلث الأمهات أن يسندن إلى أولادهن بعض المهام مثل فرز الأشياء بحسب لونها مالت أمهات الطباقة
الصفحة 170
المتوسطة لإعطاء بناتهن إيضاحات كاملة خلافا لأمهات الطبقة الدنيا اللواتي ملن للقول بمنتهى البساطة (ضع هذا هنا أو هذا هناك) دون أي إيضاح آخر.
إن المجال الإدراكي للبيئات الاجتماعية المختلفة يهيئ لتوجيه السلوك بالأوامر وليس بالالتفات إلى المميزات الفردية لموقف معين وهو مجال لا تتوسط السلوك فيه أية دلائل لغوية توفر الفرص الاستخدام اللغة كأداة لترميز الأشياء وتصنيفها وترتيبها أو لتعديل المثيرات الخارجية. إضافة إلى ذلك يفتقر الوسط الإدراكي للبيئات الاجتماعية المتخلفة إلى تعليم يربط الحوادث الواحد بالآخر والحاضر بالمستقبل. والحرمان في البيئة الاجتماعية يتجلى أول ما يتجلى بالحرمان من المعاني وذلك في العلاقات الإدراكية المبكرة بين الأم والطفل (هس 1968 ص 1,3).
لقيت وجهة نظر برنستين وأنصاره التي ترى أن الفروق الطبقية ذات تأثير حاسم في النمو اللغوي للطفل اعتراضا كبيرا من بعض علماء النفس. ويعتقد هؤلاء العلماء أن لغة أبناء الطبقة الدنيا السود والبيض على السواء ليست محدودة بل مختلفة من جهة ثانية أبدى متحدثو الإنكليزية السود الدرجة ذاتها من الغنى والتنوع اللغوي الذي أبداء أندادهم البيض. ومن الصعب على الباحث تعميم نتائج بعض الروائز اللغوية التي تظهر تفوق أبناء الطبقة العليا في هذا المجال على أساس أن أبناء الطبقة الدنيا والسود منهم خاصة يصابون بالإحباط السلوكي في الموقف الروزي أما في الشارع أو في المواقف المريحة أو مع الأصدقاء فإن السود يعبرون عن مختزن لغوي ضخم وتختلف التراكيب اللغوية والمفردات لديهم عن نظيرتها لدى أبناء الطبقة المتوسطة غير أن لغتهم تبانى شأن لغة أندادهم معقدة في بنيتها وحافلة في مفرداتها.
الصفحة 171
ثمة دراسات عديدة تدعم الموقف الرافض لوجهة نظر برنستين وإتباعه. وكما لاحظنا من قبل فإن العديد من الدراسات التي أجريت على أطفال ما قبل المدرسة من الطبقة الدنيا المعرضين لما أسماه برنستين بالحرمان الثقافي واللغوي قد أجريت في ظروف تشجيعية كان الصغار فيها على ألفة بالفاحص وبالموقف الروزي عامة وقد وجد أن معامل ذكاء هؤلاء قد تحسن عما كان عليه سابقا. فلا بد إذا من أن يؤخذ الموقف الروزي بعين الاعتبار عند تقويم الفروق الطبقية في اللغة الأطفال ما قبل المدرسة.
الفروق الاجتماعية والثقافية في أنماط التعزيز:
يؤكد علماء النفس المعاصرون أن هناك فروقا كبيرة في أنماط التعزيز والعقاب التي تمارسها الفئات الاجتماعية المختلفة. وقد قامت فيشباخ (1973، ص 1,7) وأعوانها بدراسة شاملة لهذا الموضوع فطلبت من مجموعة من الأمهات من فئات اجتماعية مختلفة تعليم أبنائهن حل سلسلة من الألغاز. وقيس التعزيز بتعداد العبارات الإيجابية والسلبية التي تطلقها الأم خلال فترة الشرح دون أن تحسب العبارات الحيادية. وشملت الملاحظات الإيجابية عبارات مثل (هذا صواب) () نعم)، و (جيد (أما الملاحظات السلبية فشملت عبارات مثل: (ليس كذلك) (هذا خطأ) و (لا أرى ذلك (.
أظهرت دراسة فيشباخ وأعوانها أن أمهات الطبقة الوسطى البيض أكثرن من استخدام عبارات التعزيز الإيجابي بالمقارنة مع أندادهن من أمهات الطبقة الوسطى السود. أما الأمهات من الطبقة الدنيا السود والبيض فقد استخدمن القدر نفسه من عبارات التعزيز الإيجابي. وقد استخدمت الأمهات السود من الطبقة الدنيا عبارات تعزيز سلبي أكثر من الفئات جميعها. ومن أجل التحقق من صحة نتائج الدراسة
الصفحة 172
عمدت فيشباخ إلى سؤال أطفال مرحلة ما قبل المدرسة لتلك الأمهات أن يعلموا طفلا أصغر منهم كيف يحل لغزا بسيطا فحصلت الباحثة على النتائج نفسها.
تعتقد فيشباخ أن الأهل في الطبقة الدنيا يعانون بسبب وضعهم المالي من الحرمان والمرض والضغوط العامة أكثر من الأهل في الطباقة المتوسطة. فأهل الطبقة الدنيا الذين يجهدون لتأمين لقمة العيش يتعرضون لضغوط يومية ومطالب لا تحل بالأهل في الطبقة المتوسطة. ونحن نتوقع في ظل تلك الشروط أن يكون الأهل في الطبقة الدنيا أقل تساعها وأكثر انتقادا لأخطاء أولادهم من غيرهم فالشروط الاقتصادية التي تعانيها الأسر في الطبقة الدنيا قد تدفع الأسر لاستخدام المزيد من التعزيز السلبي وذلك خلافا لأسر الطبقة المتوسطة والعليا.
الفروق الفردية في مكونات الشخصية
أولا: الفروق الفردية في النواحي الجسمية:
إن دراسة الفروق الفردية لا يمكن أن تكتمل دون الأخذ بعين الاعتبار نواحي التكوين الجسمي للفرد فالنواحي الجسمية تؤثر على الحالة النفسية للفرد وتتأثر بها وسوف نبين فيما يلي أهمية بعض النواحي الجسمية.
تعتبر الحواس حلقة الوصل بين المنبهات الخارجية أو الداخلية ووعينا وإدراكنا لها أو وسيلة إيصال بين الفرد والعالم الخارجي المحيط به فهي أبواب المعرفة في الإنسان ووسيلة الإدراك والإحساس بالمؤثرات الخارجية ويختلف الأفراد فيما بينهم في قوة الحواس أو ضعفها ما يؤدي إلى اختلاف قدراتهم على التكيف مع البيئة التي يعيشون فيها كما تختلف شدة الإحساس من حاسة إلى أخرى في الفرد الواحد وذلك طبقا للطاقات النوعية لدفعاتها العصبية التي ولد مزودا بها.
الصفحة 173
توقف المظاهر الحركية على عوامل جسمية وعوامل عقلية في أن واحد فسرعة الحركة أو بطلوها والقدرة في التحكم في الحركة والتوافق الحركي سواء في المشي أو الكتابة أو القيام بإعمال يدوية تحتاج المهارات خاصة وهذا يتوقف على ما يتكون بين الجهاز العصبي والعضلي وبين عمليات الإحساس والإدراك والانتباه من ارتباطات وما يحدث للشخص من تغيرات انفعالية ومزاجية وهذا من شأنه أن يجعل فروقا فردية واسعة في هذه المظاهر الحركية وكذلك تظهر هذه الفروق جلية بين الجنسين.
أن التكوين الجسمي يؤثر كثيرا على اتجاهات الشخص وعلى الكثير من جوانب سلوكه وكذلك في نظرته إلى الناس أو نظرتهم إليه وكذلك في نظرته نحو نفسه ويكون في الفروق بين الأفراد سواء في تكوين الاتجاهات أو التعامل مع الآخرين والسبب الكامن وراء ذلك هو التكوين الجسمي الذي يميز الأفراد عن بعضهم البعض.
ثانيا: الفروق الفردية في النواحي المزاجية:
مفهوم المزاج:
إن أصل لفظ المزاج مشتق من الكلمة اللاتينية (tempera) والتي تعني النسبة) أي نسبة كل سائل من السوائل الأربعة الموجودة في الجسم كما كان يعتقد (ولكن العلماء حاليا اختلفوا في الأصول النفسية للمزاج وطريقة تقسيمها واستنادا إلى هذا الاختلاف نرى أن المزاج عبارة عن مجموع الصفات التي تميز الحياة
الصفحة 174
الوجدانية للفرد عن غيره من الأفراد إثناء الاستجابة لوقف من المواقف بحيث تكون هذه الصفات ثابتة عند الفرد الواحد
يمكن تقسيم الناس إلى ثلاث فئات من حيث الطاقة الانفعالية وتأثر أمزجتهم بهذه الطاقة هي:
أثر الوراثة في الفروق الفردية المزاجية:
تأثر الفروق الفردية المزاجية بعوامل وراثية تتصل بالتكوين الجسمي فالمزاج يعتبر نتيجة تفاعل عدة عوامل جسمية مثل تركيب الغدد الصماء كالغدة الدرقية والغدة النخامية حيث تصب إفرازات هذه الغدد في الدم ونسب هذه الإفرازات يؤثر في النمو الجسمي والحالة الانفعالية والمزاجية للفرد
أثر العوامل البيئية في الفروق الفردية المزاجية:
تأثر الفروق الفردية المزاجية بعوامل بيئية تساعد على تحديد أنماط سلوكية معينه في مظاهر المزاج من خوف وحب وكراهية حيث تبدأ الفروق المزاجية في السنوات
الصفحة 175
الأولى من حياة الإنسان قليلة في ظهورها ثم تزداد وضوحا مع تكامل النضج الشخصي وتعقد الحياة الاجتماعية وتنوع العلاقات بين الأفراد.
الخصائص الاساسية للأمزجة:
يتحدد أي غط مزاجي بمجموعة من خصائص الجهاز العصبي ولهذا يمكن تمييز ست خصائص أساسية للأمزجة هي:
1. الحساسية : وتم التحكم على درجة الحساسية عن طريق اقل قيمة للتأثيرات الخارجية اللازمة لاستدعاء رد فعل نفسي في أي صورة كانت.
2. التفاعلية أو الانفعالية : وتتحد في مدى قوة رد الفعل الانفعالي لمثير خارجي.
3. مدى المقاومة : وتعبر عن درجة مقاومة الفرد للمواقف الإحباطية.
4. الصلابة مقابل المرونة : تعبر الصلابة عن عدم قدرة الفرد على التكيف مع تغير الظروف الخارجية في حين أن المرونة تعبر عن التكيف مع المواقف المتغيرة.
5. الانبساطية مقابل الانطوائية : الانبساطية اعتماد الفرد في ردود أفعاله على الانطباعات الخارجية والانطوائية تعتمد على التفكير الذاتي فيما مضى أو ما هو مستقبل.
6. مدى استثارة الانتباه : كلما زاد تأثر الانتباه بالعوامل الخارجية كان الانباء أكثر.
التعرف على الفروق الفردية بين الطلاب ورعايتها
تعريفه: مجموعة من الخدمات التربوية التي يقوم بها المرشد الطلابي والهيئة الإدارية والفنية بالمدرسة تمكنهم من التعرف على الطلاب بفئاتهم المختلفة وفي جميع
الصفحة 176
المراحل الدراسية من خلال أدائهم الفعلي في مجالات اهتماماتهم المختلفة أهداف البرنامج:
1. مساعدة كل طالب على استبصار قدراته وميوله وسبل الارتقاء بها.
2. تعزيز الجوانب الإيجابية لدى الطلاب.
3. تحقيق النمو الذاتي للطالب وبناء شخصيته.
4. إكساب الطلاب الثقة في أنفسهم.
5. تبصير المعلمين بجوانب الفروق الفردية وحثهم على مراعاتها.
أساليب التنفيذ:
1. القيام بدراسة مسحية شاملة لجميع الطلاب منذ بداية العام الدراسي مع الاستئناس بالمعلومات المتوفرة في سجلات الطلاب الشاملة للأعوام السابقة.
2. عمل نشرات موجهة للمعلمين تتضمن أساليب التعرف على الفروق الفردية بين الطلاب وسبل رعايتها.
3. صياغة خطة إرشادية مناسبة لرعاية جوانب التفوق لكل طالب يمتلك قدرات خاصة.
4. إجراء بعض اللقاءات مع الطلاب وأولياء أمورهم لتحديد قدراتهم ومواهبهم.
5. الاستفادة من آراء المعلمين وملحوظاتهم حول جوانب الفروق الفردية بين الطلاب.
6. متابعة وتقييم المستوى التحصيلي للطلاب للتعرف على جوانب التفوق لديهم، وكذلك التأخر الدراسي.
الصفحة 177
7. توزيع الطلاب على الفصول في بداية العام الدراسي توزيعا تربويا مع مراعاة جوانب النمو المختلفة (الجسمية - العقلية - الصحية - النفسية) بالتعاون مع إدارة المدرسة.
8. الاهتمام بوضع أسئلة الاختبارات التطبيقية أثناء إعداد الدروس للتأكد من فهم الطلاب.
9. الاهتمام بوضع أسئلة اختبارات الفترتين بحيث لا تختلف عن اختبارات الفصل الدراسي الأول والثاني.
10. للمنفذين إضافة ما يرونه من أساليب التنفيذ.
أنواع المخاوف
تقسم المخاوف التي تصيب الأطفال إلى نوعين تبعا لتقدم نمو الطفل النوع الأول بسيط يتعلق بدافع المحافظة على البقاء ويشمل مخاوف الأطفال العادية التي تظهر في الحياة اليومية وتسهل ملاحظتها كالخوف من الظلام والحيوانات واللصوص. فالظلام هو ما يعده الطفل نوعا من الوحدة حيث يترك المرء وحيدا دون وقاية أو طمأنينة وهو المكان الذي يتوقع عجيء الأخطار فيه وهذا ما يسمى بالخوف من المجهول. ولعل الطفل حين يصفر وهو يصعد الدرج في الظلام صغيرا خفيفا أو يغني لا يفعل أكثر من تعزيز إحساسه بالطمأنينة والأنس كما يفعل البسطاء بإبعاد الخطر الكامن في الظلام بوساطة التعاويذ. ونظرا لما يحدثه الظلام من رعب فإنه يصبح شخصا يمكن أن ينزل العقاب بالطفل ويمكن تفادي الخوف من الظلام بأن نعود الطفل النوم وحده وألفة الظلام حيث تكون الحالة الملازمة للنوم الهادئ.
والخوف من الحيوانات والشرطة والأطباء والأماكن العالية كلها من المخاوف الموضوعية البسيطة الأكثر شيوعا وعلى الآباء أن يعرفوا ذلك ليسهل التغلب على
الصفحة 178
الخوف ويصبح أمرا ممكنا. فالأطفال يخافون من أي شيء جديد أو غريب ولكن هذا يزول بسرعة إذا ما هيئ للطفل الوقت الكافي حتى يألف موضوع خوفه. إلا أنه لا بد من الإشارة هنا إلى أنه لا يجوز دفع الصغار وإقحامهم في المواقف التي تخيفهم بغية إعانتهم في التغلب على الخوف والخوف الذي يتصل بالتجارب الحقيقية في مرحلة الطفولة قد يكون أمرا ضروريا للإبقاء على النفس وتوجيه السلوك. غير أنه يجب عدم الإسراف في إثارة مثل هذه المخاوف لثلا تزداد شدتها وتصبح عاملا معوقا لنشاط الطفل.
ومن الحكمة أن نشجع الطفل بعد تعرضه لإحدى التجارب المزعجة على التحدث عنها كما يشاء حتى تظهر أقل غرابة وأكثر ألغة بدلا من دفنها في أعماق نفسه ما يكون له أثر بالغ في حياته المقبلة ومن المستحسن أن يمتنع الأهل عن الاستهزاء بالطفل إذا خاف واتهامه بالغباوة أحيانا وأن يظهروا له بأنهم يقدرون مشاعره وإن هذه المشاعر المنافية لن تدوم طويلا.
أما النوع الثاني من المخاوف فهو يرتبط بالشعور بالإثم في نفس الطفل نتيجة لصله بالقائمين على توجيه سلوكه. إن أطفال الآباء الهادئين ينشؤون غير هيابين ويرجع ذلك إلى رزانة عقولهم أولا وتنظيم انفعالاتهم ثانيا مما يجعلهم قدوة حسنة لأطفالهم يسرعون في تقليدها. يضاف إلى أن الآباء الهادئين يثيرون في نفس الطفل شعورا بالخير يمكن أن ينغص حياته ويتحول إلى ضمير له مطالب مرهقة. وتعد القصص الخرافية أشكالا جميلة يحاول الطفل من خلالها التعبير عن آماله وشكوكه بالنسبة إلى الراشدين المحيطين به وتشمل أغلب مخاوفه فيجد فيها التنين والمردة وأغرب من ذلك أيضا حيث تتحول الوحوش إلى بشر. إن تلك القصص تغذي خيال الطفل ولكنها لا تخلقه فهو يؤلف القصص بمحض إرادته وطبيعته ومع ذلك
الصفحة 179
فإن تنقية خيال الطفل من الأشياء المخيفة المرعبة تتطلب العناية بتربيته في السنوات الأولى وتعويده ضبط نفسه بعيدا عن الصرامة الشديدة.
ويلعب التقليد دورا هاما في مخاوف الأطفال. فالأطفال لا يقلدون والديهم في الأخلاق والعادات الاجتماعية فحسب وإنما يمتد ذلك إلى المواقف الانفعالية التي يتخذها الأطفال حيال أي موقف رأوا أهلهم فيه. فالأم التي تخاف من الظلام أو الحيوانات أو النار.. الخ يمكن أن تخلف هذه المخاوف في ولدها صورة نماذج من السلوك يقوم الطفل بتقليدها ومحاكاتها لذلك ينصح الآباء والأمهات الذين يعانون من بعض المخاوف بألا يظهروها أمام أطفالهم لأنها ستنعكس وربما بشكل دائم في تصرف الطفل وهو يواجه المواقف المماثلة.
وكثير من المخاوف التي قد يتعرض لها الطفل هي من النوع الهدام الذي لا يجديه نفعا بل يفتت نشاطه ويشل فعاليته. ويلعب التقليد هنا دورا كبيرا في تكوين هذه المخاوف نتيجة لعلاقة الطفل بوالديه إذ يجد الآباء أحيانا أن الخوف من الطرق المجدية في فرض الطاعة وتنفيذ الأوامر. ولكن هذا ليس أساسا صحيحا للتحكم بسلوك الطفل بل إن مثل هذه التجارب قد تترك وراءها ندويا وآثارا سلبية في تصرفات الطفل قد يصعب التخلص منها.
ومن السهل جدا أن يصير الخوف طاغية متمكنة من عقل الطفل إذا ما تابعنا التلميح والإيحاء له بإمكانية تعرضه للخطر إن كثيرا من الآباء لا ينفكون عن تحذير أطفالهم وتنبيههم إلى الأخذ بلون ما من النشاط والامتناع عن غيره حتى لا يصيبهم إلى الأخذ بلون ما من النشاط والامتناع عن غيره حتى لا يصيبهم الأذى ويعتاد الطفل على سماع عبارات محددة مثل: لا تسلق الشجرة لكلا تقع سيخطفك الشحاذ إذا خرجت من البيت - إذا أكلت الحلوى ستصاب بالمرض – سوف
الصفحة 180
تتركك أمك وحيدا إذا كنت شقيا وغير ذلك من عبارات التخويف. وقد يكون هذا التحذير وسيلة مؤقتة للتهذيب لكنها ليست ذات أثر طيب في غرس السلوك الحميد. ولحسن الحظ فإن كثيرا من الأطفال سرعان ما يكتشفون زيف هذه التحذيرات ويتصرفون حيالها على أنها ليست كذلك. ومع أن الخوف وسيلة مجدية أحيانا في ضبط الطفل ضبطا مؤقتا غير أنه من الخير للآباء أن يوقنوا بأن أطفالهم قادرون - وبخبرتهم الخاصة - على اكتشاف الخداع والتهديد من جانبهم دليلا واضحا على ضعفهم وقلة درايتهم في معالجة المواقف بشكل صريح وإيجابي يحائل مصلحة الآباء والأبناء.
وليتذكر الآباء أنهم ما ربطوا عنصر الخوف ببعض المواقف أو الأشخاص أو الأشياء بهدف إخافة الطفل أو إرهابه فإنهم لا يلحقون به ظلما كبيرا فحسب بل أنهم في ذلك يحطمون ثقته بوالديه. لذلك يجب ألا تكون انفعالات الأطفال مجالا للاستغلال والاستخفاف لأن ذلك لا يقل خطورة عن العبث بإحدى حواس الطفل التي يجب على الوالدين العناية بها والمحافظة عليها والخوف انفعال تسهل استثارته بوسائل وطرق شتى وله آثار بعيدة المدى على الآباء أن يحذروا منها ويحاولوا تجنبها في الأوقات جميعها. وهنا لا بد أن نشير إلى صعوبة فصل الخوف عن العقاب في تربية الأطفال وأن نتساءل إلى أي حد ينبغي أن يكون الخوف عاملا في التهذيب الاجتماعي؟
في الواقع أن موقف الطفل تجاه العقاب يجب ألا يكون قائما على عدم المبالاة من جهة أو الهلع والخوف من جهة أخرى. بل يجب أن يتسم الموقف بنوع من الاهتمام أي أن يكون مصطبغا بعنصر لخوف إلى حد ما. فإذا لم يشعر الطفل بالاضطراب إزاء عمل ينافي القواعد الاجتماعية وإذا لم يحفل الصغير بسخط أهله
الصفحة 181
لسوء تصرفه في موقف ما فهو شخص يصعب أن تكون فيه قيما وعادات تؤدي به إلى التوافق أو التكيف الاجتماعي.
ومن الجدير بالذكر أن الحذر ليس إلا نوعا من الخوف ضروريا وملازما للنجاح فكلما أقدم الطفل على خبرة جديدة لازمه نوع ما من الخوف يتجلى في كثير من ألوان الشك والحيطة مثله في ذلك مثل الكبار الذين يتوقعون الإخفاق وقد يصل إلى درجة تمنع تحقيق أهدافه وتؤدي إلى الخيبة.
وكثير من المخاوف التي يشعر بها الصغار ليست موضوعية أي متصلة بالأشياء المرئية أو المسموعة بل تنتج على الأغلب من خيال الطفل وتصوراته الذاتية. وهذه المخاوف الذاتية يصعب تحديد أسبابها إلا بعد وقت طويل من الدراسة الدقيقة والطفل الخيالي قد يتصور أنواع المواقف المرعبة كلها فتبدو أمامه حقيقة لا لبس فيها مع أنها من صنع خياله فتراه يخاف منها ويرتعب كما لو كانت في الواقع المحسوس.
ويظهر هذا النوع عندما يسمع الطفل قصة مرعبة تدور أحداثها في الظلام عن الكوارث والمعجزات فإذا ما أوى إلى فراشه ليلا - وكان وحيدا في غرفته راح خياله يستعيد شريط القصة التي سمعها ويقرنها مع الوحدة والظلمة التي تحيط به. فينتابه الرعب والذعر ويخرج من فراشه وسط البكاء والصراخ
ومن المعروف أن الخوف من الظلام لا يبدأ إلى في سن الثالثة من العمر إلا إذا تعرض الطفل قبل ذلك لخبرة مفزعة في الظلام. ورغم ذلك فإذا ما أحسن الوالدان تدبير حياة الطفل كان هذا الطور قصيرا وكان أثره في مستقبل حياة الطفل الانفعالية محدودا الغاية.
الصفحة 182
من كل ما تقدم عن الخوف يمكن ان نستخلص الأمور التالية:
1. الخوف من المظاهر الطبيعية لدى الأطفال جميعهم وهو من الأمور المستحبة إذا كان في الحدود المعقولة إذ يمكن استخدامه وسيلة لحماية الطفل من الحوادث التي يمكن أن يتعرض لها. أما إذا زاد على حدود التحذير والتوجيه وسبب قلقا كبيرا للطفل فسيكون عندها مشكلة يجب النظر فيها ومعالجتها بشتى الأساليب وبالسرعة الممكنة
2. يلاحظ يوجه عام أن نسبة الخوف عند الإناث أكثر منها عند الذكور أي أن الإناث أكثر إظهارا للخوف من الذكور. كما تختلف شدة الخوف تبعا لشدة تخيل الطفل. إذ تتناسب شدة الخوف طردا مع شدة الخيال. فكلما كان الطفل أكثر تخيلا كان أكثر تخوفا. وإن تجارب الطفل في المواقف مع الأشياء وتكرار مصادفته لها واحتكاكه مع أترابه من الأطفال تخفف الخوف تدريجيا من هذه المواقف والأشياء حتى يألفها ويتكيف معها.
3. تدل أيجات جبريلد (1935. F.B. Holmes A. Tersild) على أن مخاوف الطفل تتأثر بمستوى نضجه و مراحل نموه. فالطفل في نهاية عامه الثاني لا يخاف من الأفعى وقد يحلو له أن يمسكها ويلعب بها. وهو في منتصف السنة الرابعة يخشى منها ويبعد عنها ثم تطور هذه الخشية في نهاية سنه الرابعة إلى خوف واضح شديد.
وتؤكد دراسات - هاضمان (Hagmen...1932) أن مثيرات الخوف عند الطفل فيما بين الثانية والسادة من سني حياته تتجلى في الخوف من الخبرات الماضية المؤلمة. كالخوف من علاج الأطباء والخوف من الأشياء الغريبة كالحيوانات التي لم يعتد عليها الطفل من قبل والخوف ما يخشاه الكبار فهو يقلد أهله وذويه في
الصفحة 183
خوفهم من العواصف والظلام والشياطين. أي أن الطفل يتأثر في مخاوفه بأنماط الثقافة التي تسيطر على بيته.
4. تنشأ مخاوف الأطفال بسبب ما يصادفونه في خبراتهم نتيجة للأخطاء التربوية التي يرتكبها الوالدان في أحيان كثيرة. فهناك أولا المخاوف التي تهدف إلى حماية النفس وهي بمثابة النذير بالخطر من جهة والدافع الذي يحرك المرء ويهيئ له سبل الفرار من الضرر الذي قد يقع عليه من جهة أخرى وثانيا المخاوف الخارجة عن طبيعة الطفل وتنشأ عن الأشياء الموضوعية نتيجة احتكاكه بالمشرفين على رعايته ونموه ذلك النمو الذي يتطلب خضوع السلوك بمظاهر كلها لقواعد نظامية تنتهي إلى حياة اجتماعية منتظمة.
5. من الصعوبة أن يقف الوالدان على كل خبرة قد تكون مبعثا للخوف عند أطفالهما ولكننا نستطيع أن نقول: أن الآباء الذين ينالون ثقة أطفالهم يمكنهم الوقوف على مخاوف صغارهم حالما يشعرون بها تقريبا. ويستطيعون في هذه الحال أن يقدموا لهم التوجيه والعون وكل ما يستطيع الأب الحصيف وقاية الطفل من التجارب التي تبعث الخوف في نفسه وإذا وقعت وجب عليه أن يعمل جاهدا للقضاء على تلك المخاوف في أقرب وأسرع وقت ممكن.
وللوقاية من الخوف الزائد لا بد من مراعاة القواعد العامة والصحيحة في تربية الطفل وخاصة ما يتعلق بتوفير متطلباته وحاجاته الأساسية من محبة وعطف وشعور بالطمأنينة والأمان ومنحه حرية التصرف في بعض شؤونه وتحمله المسؤوليات تناسب مع نموه ومراحل تطوره مع عدم إخافته أو حتى الإيحاء إليه بالخوف إلا في بعض الأمور التي يجب تحذيره منها وتنبيهه إليها بعيدا عن الاستهزاء أو التوبيخ أو الفظاظة وبالإقناع بأن الشيء الذي يخافه هو غير غيف وغير مؤذ.
الصفحة 184
والخطة العملية والمجدية هي أن تعطي الطفل الشعور بالاطمئنان والحماية والاحترام والثقة وتجعله أكثر تعرضا للشيء الذي يخيفه. فإذا كان يخاف الظلام فإننا تداعبه مرات متعددة بإطفاء النور وإشعاله مع بعض الحركات المرحة. ولا ننسى التقليد الذي يعد صفة أساسية من صفات الطفولة. فالطفل يخفف كثيرا من خوفه إذا ما رأى أطفالا آخرين لا يخافون من شيء يخاف منه. بل ويلعبون فيه كالدمى التي تمثل الحيوانات مثلا وهذا ما يساعده على التكيف وإزالة الخوف بالتدريج.
والقاعدة العامة هي أن بعض الأطفال يتخلصون من مخاوفهم ويتغلبون عليها حتى ولو لم تساعدهم. ذلك لأن الطفل - مع تقدمه في العمر - يبدأ بفهم الأشياء بصورة أحسن وتبدو في نظره مختلفة عن ذي قبل ما يقلل في النهاية من تهديدها له أما إذا لم يستطع الطفل التغلب على هذه المخاوف في الوقت المناسب ولأي سبب كان فيجب عندها التدخل لمساعدته في التخلص منها. وفي هذا الصدد لا بد أن تؤكد أن حسن معاملة الوالدين وطريقة معالجتهما للأمور شيء هام ومفيد بالنسبة إلى الطفل وتخليصه من مخاوفه أما إذا كان الخوف زائدا كما هو الحال في الإرهاب أو الخوف المرضي فمن المناسب البحث عن الاختصاصيين لتقديم العون والمساعدة في حل المشكلة
أخي المعلم.. أختي المعلمة ...
أحب طلابك يحبوك.. عاملهم بالحسنى يعاملوك بكل أدب ووقار
فطبيعة الإنسان هو أن يحب من يحبه.
الصفحة 185
عامل طلابك بالرفق وكن بشوشا معهم، مبشرا لا منفرا، عاملهم كأبنائك تجدهم دائما معك ينصتون لك ويسمعون قولك ويتوقون إلى مجيئك، ويبحثون ويسألون عنك إن تغيبت ويدعون لك بالشفاء إن مرضت.
بادلهم التحية بأحسن منها. كن دائما متواضعا عطوفا حنوا عليهم لا تفارقك الابتسامة.
ولكن يجب أن تحذر من الغلو والشطط في كل ما سبق فالوقار والحزم مطلوبان والتوازن محمود فلا تكن ضعيفا ولا تكن متعسفا.
فإن وصلت إلى قلوبهم وكسبت عقولهم أحبو مادتك وأجادوا فيها فظفروا بالعلم والتربية.
الصفحة 618
قائمة المراجع :
(أنظر الصفحة من 187 إلى191 ضمن النسخة الورقية )